القاعدة الأوّليّة في حكم
قضاء ما فات من الصوم الواجب
الشيخ مرتضى المشرفاويّ دام عزه
إنّ البحث عن العمومات الفوقانيّة في أبواب العبادات بما تمثّله من قوانين كلّيّة يحظى بأهمّيّة بالغة؛ إذ يمكن الرجوع إلى هكذا عمومات في حالات فقد الدليل في المورد الخاصّ.
وما بين يديك ـ عزيزي القارئ ـ محاولةٌ لاستخراج هكذا عموم لقضاء ما فات المرء في باب الصوم، استقرأتُ فيها ما سطّره الأعلام في هذا المقام مع مناقشةٍ وتحليلٍ يتناغمان مع النظريّات الحديثة في الفقه والأصول والرجال.
المقدّمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ البحث حول العمومات الدالّة على وجوب قضاء ما فات من الصوم الواجب نافع في العديد من الموارد؛ إذ يمكن الرجوع إلى هذه العمومات ـ لو تمّت ـ بعد فقد الأدلّة الخاصّة في الموارد المختلفة، كما في قضاء المرتدّ ما فاته من الصوم أيام ردّته، وقضاء الكافر ما فاته زمان كفره، وكذا المغمى عليه ومن فاته لسكر وغيرها من الموارد، فلو لم تتمّ الأدلّة في أبوابها على حكم قضاء الصوم فيها أمكن الرجوع إلى هكذا عموم فوقاني دالّ على وجوب قضاء ما فات من الصوم الواجب.
وقبل الدخول في البحث لا بدّ من تقديم عدّة أمور:
الأمر الأوّل: يمكن القول بأنّ الوجوه المحتملة في المقام ثلاثة:
إثبات القاعدة مطلقاً، وإنكارها مطلقاً، والتفصيل بين من كُلِّف بالأداء فتثبت القاعدة في حقّه، وبين من لم يجب عليه الأداء فلا تجري القاعدة في حقّه. والتفريق بين هذه الوجوه له مدخليّة في النظر في الأدلّة، كما سيتّضح إن شاء الله تعالى.
الأمر الثاني: إنّ مقتضى الأصل على القول بتبعيّة القضاء للأداء مطلقاً هو ثبوت القاعدة بالنسبة للمكلّفين بالأداء، أمّا لو لم نقل بتلك القاعدة فإنّ الأصل هو البراءة في المقام؛ باعتبار أنّه من موارد الشكّ في التكليف.
الأمر الثالث: لا إشكال في ثبوت وجوب القضاء على من فاته الصوم في عدد من الموارد، فلا بدّ من ملاحظة هذه الموارد، والحديث حول إمكانيّة الاستعانة بها لانتزاع القاعدة الكلّيّة، كما أنّ هناك موارد نُصّ فيها على خلاف القاعدة.
أمّا الموارد التي نُصّ على وجوب القضاء فيها فهي كثيرة، منها: المريض، والمسافر، وناسي الجنابة، والحائض، والنفساء، ومن أفطر متعمّداً. مع الالتفات إلى وجود تفاوت في هذه الموارد، فإنّ المريض والمسافر والحائض والنفساء غير مكلّفين بالأداء، بخلاف ناسي الجنابة ومن أفطر متعمّداً.
وأمّا الموارد التي نُصّ فيها على خلاف القاعدة فكالمجنون والصبي والمغمى عليه والكافر إذا أسلم، وهذه الموارد ليست على وتيرة واحدة كسابقتها، فإنّ الكافر مكلّف بالأداء ـ بناءً على ما هو المشهور من تكليف الكفّار بالفروع(١) ـ بخلاف الموارد الأخرى.
وهناك موارد خلت من النصّ الخاصّ، فتكون من تطبيقات القاعدة، وفيها تظهر ثمرة البحث، كقضاء المرتدّ ما فاته من الصوم أيام ردّته، والمغمى عليه، ومن فاته لسكر، وغيرها من الموارد إذا لم تتمّ الأدلّة الخاصّة في حكم قضاء الصوم في أبوابها.
الأمر الرابع: تاريخ المسألة.
يظهر من سياق كلمات غير واحد من فقهائنا الأعلام z البناء على أنّ هناك قاعدة تقضي بوجوب قضاء الصوم على كلّ من فاته، ولعلّ عبارة السيّد ابن زهرة S تومئ إلى هذا، حيث قال: (قد دلّلنا فيما مضى على أنّ الكفّار مخاطبون بالشرائع، ومن جملتها قضاء ما يفوت من العبادات، ولا يلزم على ذلك الكافر الأصلي، لأنّا أخرجناه بدليل، وهو إجماع الأمّة على أنّه ليس عليه قضاؤه)(٢)، وبضميمة كلامه S إلى القول بتبعيّة القضاء للأداء يمكن أن نحصل على نتيجة مهمّة، وهي وجوب القضاء على كلّ مَن فاته الصوم الواجب إلّا ما خرج بدليل، كالكافر الأصلي، كما صرّح هو S بذلك، بل لا حاجة إلى ضمّ المقدّمة الثانية للوصول إلى النتيجة؛ فإنّ القضاء من جملة التكاليف والشرائع التي يكون الخطاب فيها شاملاً للمسلم وغيره إلّا ما خرج بدليل بمقتضى الكلام السابق، ولذا نجد السيّد S مع التزامه بهذه النتيجة قد حكم بعدم تبعيّة القضاء للأداء، فقال: (القضاء عبارة عن فعل مثل الفائت بخروج وقته، ولا يتبع في وجوبه وجوب الأداء، ولهذا وجب أداء الجمعة، ولم يجب قضاؤها، ووجب قضاء الصوم على الحائض، ولم يجب عليها أداؤه)(٣)، إلّا أنّ من فقهائنا من يلتزم بعدم تكليف الكفار بالفروع وإن نسب القول بتكليفهم بها إلى المشهور.
وأمّا حديث التبعيّة فقد نفاها بعضهم، كما في عبارة السيّد ابن زهرة المتقدّمة، وأثبتها آخرون، كما يفهم من عبارة المحقّق S، حيث قال: (إنّ مقتضى الدليل وجوب القضاء على كلّ مكلّف بالأداء إذا اجتمعت فيه شرائط الوجوب، تُرِك العمل به في حقّ الكافر الأصلي، ويعمل به فيما عداه)(٤)، ولكن سيأتي في مطاوي الكلام عدم وضوح الملازمة؛ فإنّ المريض والمسافر والحائض والنفساء لا تكليف عليهم بالصوم، ومع ذلك يجب عليهم القضاء.
هذا، وللسيّد في مفتاح الكرامة محاولة للاستدلال على ذلك بالروايات، فبعد ذكر فتوى العلّامة S بعدم وجوب القضاء على غير المتمكّن من الطهارة ـ ونقل استدلاله عليه في المختلف بعدم وجوب الأداء، وتوقّف وجوب القضاء على أمرٍ جديد، ولم يثبت ـ قال: (فللمناقشة فيما استدلّوا به مجال، كأن يقال: لا ملازمة بين قضاء العبادة وأدائها وجوداً ولا عدماً، وإنّما يتبع سبب الوجوب، وهو حاصل هنا، والأمر الجديد ثابت، وهو قوله g: (مَن فاتته صلاة فريضة)، خرج منه ما أجمعوا على عدم قضائه)(٥).
كما يمكن أن يقال: بأنّ هناك محاولةً من العلّامة S للاستدلال عليه بالآية الشريفة، حيث استدلّ على وجوب قضاء الصلاة الفائتة بقياسه على وجوب قضاء الصوم الفائت المنصوص عليه في الآية الشريفة؛ فإنّ اهتمام الشارع بالصلاة أهمّ وآكد من الصوم، فهي أولى بالقضاء، قال في التذكرة: (ولأنّ الصوم يجب قضاؤه بنصّ القرآن، والصلاة آكد من الصوم، فهي أولى بوجوب القضاء، وإنّما يجب القضاء تبعاً لوجوب الأداء)(٦)، فيمكن القول بأنّ الحكم بوجوب القضاء على كلّ مَن فاته الصوم الواجب كان مركوزاً في أذهانهم الشريفة، ولذا لم تخلُ كلماتهم من إشاراتٍ لذلك.
هذا، وقد تطوّر الاستدلال على القاعدة بالآية الشريفة وبالروايات في كلمات المتأخّرين، فنجد هذا الأمر أشدّ وضوحاً في كلمات سيّد المدارك، وصاحب الجواهر، والسيّد الحكيم S، وسيأتي عرض أدلّتهم إن شاء الله تعالى، وبيان ما يمكن أن يرد عليها.
ويبقى ما ذكر في هذه الوريقات مجرّد محاولة لتسليط الضوء على قاعدة فقهيّة مهمّة وعمليّة في موارد متعدّدة من الفقه.
ما يمكن أن يكون مستنداً للقاعدة
وقد ذكر فقهاؤنا الأعلام z وجوهاً للاستدلال على وجود هكذا عموم فوقاني:
الوجه الأوّل: ما أشير إليه في الجواهر من التمسّك بعموم: (من فاتته فريضة فليقضها)(٧).
وأُشكل عليه(٨): بأنّه حديث مرسل، بل لم يذكر كروايةٍ في كتب الحديث. نعم، هو مذكور في كتاب عوالي اللآلئ(٩)، وفي بعض كتب الاستدلال(١٠)، فلا يمكن التعويل عليه.
ويحتمل ألّا يكون مقصودهم أنّه حديث برأسه، بل مرادهم أنّها قاعدة متصيّدة من الموارد المتفرّقة التي أوجبت الأدلّة فيها القضاء على مَن فاته الصوم بسببها، كالحائض، والنفساء، والمسافر، وهكذا، إلّا أنّ عبارة بعضهم لا تساعد على ذلك، ومعه يرجع هذا الوجه إلى الوجه الثاني التالي.
الوجه الثاني: إمكان استفادة القاعدة من الموارد المتفرّقة التي حكمت الأدلّة الخاصّة على وجوب القضاء فيها، فقد تكرّر هذا الحكم في موارد عديدة كالمريض والمسافر(١١) والحائض(١٢)، والنفساء(١٣)، وناسي الجنابة(١٤)، ومَن أفطر متعمّداً(١٥).
ولكن إمكان استفادة قاعدة كلّية مفادها: (وجوب القضاء على كلّ مَن ترك الصوم) من هذه الموارد المتفرّقة لا يخلو من بعد وإن ادّعى بعض الأعلام S إمكان ذلك(١٦).
والوجه في بُعده ثلاثة أمور:
الأوّل: ما أشار إليه السيّد الحكيم S من أنّه وإن وجدت موارد يجب القضاء فيها لكنّها معارضة بما دلّ على نفي القضاء في موارد أخرى(١٧)، كالكافر إذا أسلم(١٨)، والمغمى عليه إذا أفاق(١٩).
الثاني: إنّ الموارد التي دلّت الأدلّة على وجوب القضاء فيها تختلف من ناحية وجوب الأداء، فالمريض والمسافر والحائض والنفساء لا تكليف عليهم بالأداء؛ لأنّ عدم المرض والسفر والخلوّ من الحيض والنفاس من شرائط الوجوب، في حين أنّ ناسي الجنابة ومَن أفطر عمداً مكلّفون بالأداء؛ لوضوح أنّ عدم نسيان الجنابة، وعدم الإفطار العمدي ليسا من شرائط الوجوب، وعين الاختلاف نجده في الموارد التي دلّت الأدلّة على عدم وجوب القضاء فيها، فالمجنون والصبي والمغمى عليه لا يجب عليهم الأداء؛ لأنّ العقل والبلوغ وعدم الإغماء من شرائط التكليف، بينما الكافر إذا أسلم لا يجب عليه القضاء بالرغم من كونه مكلّفاً بالأداء، بناءً على ما هو المشهور من تكليف الكفّار بالفروع(٢٠)؛ ومع هكذا اختلاف فمن الصعب استنباط قاعدة كلّيّة.
اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ هذا الاختلاف بمجرّده لا يمنع من استفادة القاعدة الكلّية، بل هو يساعد على ذلك إلّا إذا كانت الموارد التي حكمت النصوص بوجوب القضاء فيها في خصوص المكلّفين بالأداء كثيرةً، والتي حكمت بوجوب القضاء على غير المكلّفين بالأداء بدرجةٍ من القلّة بحيث لا تساعد على استفادة القاعدة الكلّية في حقّهم، فإنّ هذا يخصّص القاعدة بمن وجب عليه الأداء، ولكن بعض الموارد لسانها لسان الخصوصية كما في (من أفطر متعمّداً) فيصعب التعميم حينئذٍ.
الثالث: ما أورده السيّد الحكيم S عليه أيضاً، وهو: أنّ الاستقراء المذكور لا يصلح للدلالة على وجوب القضاء على مَن لم يصم وإن لم يفطر(٢١).
توضيحه: أنّه بعد التسليم بإمكان استفادة القاعدة من الموارد المتفرّقة ينبغي أن يكون مفادها وجوب القضاء على مَن أفطر، ولا تشمل مَن ترك الصوم، فلا تكون شاملة لمثل المرتدّ والكافر؛ لأنّه لا يصدق عليهما أنّهما أفطرا عمداً وإن صدق عليهما أنّهما تركا الصوم. ولعلّه S يشير إلى أنّ القاعدة حتّى تكون مدلولاً لجميع الأخبار فلا بدّ من أخذ أخصّ الأخبار مورداً في موضوعها، فإذا كان بعض الأخبار يعلّق وجوب القضاء على الإفطار، وبعضها على ترك الصوم فلا بدّ من أخذ الإفطار كقيد إضافي في موضوع القاعدة، ومعه لا تشمل مَن يتناول المفطر لعدم اعتقاده بوجوب الصوم؛ إذ لا يصدق عليه أنّه أفطر، بل ترك الصوم.
ويمكن معالجة هذا الإيراد بإلغاء الخصوصية؛ فإنّ القضاء هو تدارك ما فات من الواجب، فتكون العبرة بترك الصوم.
الوجه الثالث: ما تمسّك به السيّد الخوانساري(٢٢) من وجود روايات صحيحة مفادها أنّ مَن أفطر متعمّداً فعليه القضاء(٢٣).
ويلاحظ عليه: أوّلاً: ما تقدّم نقله عن السيّد الحكيم S من أنّه لو أمكن استفادة القاعدة من هذه الروايات تكون مختصّة بمَن أفطر، ولا تشمل مَن ترك الصوم.
ثانياً: أنّه أخصّ من المدّعى؛ لاختصاصه بالإفطار العمدي، وهو يقضي بوجوب الصيام على من أفطر متعمّداً، فإنّ من لم يجب عليه الصوم ومن لا يعلم بوجوبه لا يقال: إنّه أفطر متعمّداً عند تركه الصيام، فالاستدلال بهذا اللسان لا يساعد على إثبات القاعدة بمستواها الأعمّ.
الوجه الرابع: ما ذكره السيد صاحب المدارك(٢٤) S من الاستدلال بصحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله g، قال: (إذا كان على الرجل شيءٌ من صوم شهر رمضان فليقضه في أيّ شهر شاء أيّاماً متتابعة، فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء، وليحصِ الأيّام، فإن فرّق فحسن، وإن تابع فحسن)(٢٥).
فإنّه g أمر بوجوب القضاء عندما افترض أنّه ترك صوم شيء من شهر رمضان.
وفيه: أنّها ناظرة إلى التوسعة وجواز القضاء في أيّ شهر، بعد الفراغ عن ثبوت القضاء في الذمّة، فموضوع الحكم فيها هو مَن وجب عليه القضاء، كما هو واضح من قوله g: (إذا كان على الرجل شيء من شهر رمضان)، لا إلى وجوب القضاء عند تحقّق الفوت حتّى يتمسّك بها في المقام(٢٦).
الوجه الخامس: ما ذكره السيّد صاحب المدارك(٢٧) S من الاستدلال بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله g، قال: (مَن أفطر شيئاً من شهر رمضان في عذر فإن قضاه متتابعاً فهو أفضل، وإن قضاه متفرّقاً فحسن)(٢٨).
وفيه: أنّ الرواية واردة في مقام بيان الرخصة في تفريق القضاء لـمَن عليه القضاء، فحكمت باستحباب التتابع بعد الفراغ عن أصل القضاء، لا في مقام بيان وجوب القضاء على مَن أفطر حتّى يتمسّك بها في المقام(٢٩)، بدليل أنّه g لم يقل: فليقضه، بل تعرّض لكيفيّة القضاء ابتداءً، فإنّ وجوب القضاء أخذ مفروغاً عنه في الرواية.
وحاول الشيخ الأنصاريّ S استفادة القاعدة من الرواية بالرغم من التفاته إلى مضمون ما نقلناه عن السيّد الحكيم S في الجواب عن الوجه الرابع، فقال: (اللهم إلّا أن يقال: إنّها دالّة على التوسعة في القضاء لكلّ مَن أفطر في عذر، والتوسعة والتخيير بين التتابع والتفريق فرع وجوب أصل القضاء، فيدلّ عليه بالالتزام العرفيّ)(٣٠).
وفي هذا القول نظر؛ فإنّه يكفي في صدق الملازمة المدّعاة ثبوت القضاء في الموارد التي دلّت الأدلّة الخاصّة على وجوب القضاء فيها، فبعد الفراغ عن وجوب القضاء على مَن ترك أداء الصوم بأحد الأسباب التي نصّ على وجوب القضاء فيها ـ إمّا لصدق الإفطار عليها كالأكل والشرب والجماع ونحوها، أو للدليل الخاصّ في موردها كالنوم الثاني للجنب، وترك غسل الحيض ـ يأتي حديث الملازمة التي ذكرها S، فلا يقين بشمول الملازمة المدّعاة لغير هذه الموارد حتّى يمكن استفادة القاعدة الكلّية منها.
ولكن يمكن أن يقال: بأنّه يريد استفادة عموم وجوب القضاء من المدلول الالتزاميّ للحكم، فإنّه يدلّ على المفروغيّة عن وجوب القضاء، لا أنّه يجعل وجوب القضاء قيداً في الموضوع، وهذا بخلاف عبارة السيّد الحكيم S المتقدّمة فإنّ ما يفهم منها أنّه أخذ وجوب القضاء قيداً لبيّاً في الموضوع، وأمّا الشيخ الأنصاريّ S فإنّه جعل وجوب القضاء لازماً للحكم، لا أنّه مأخوذ كقيد في جانب الموضوع.
ويمكن التأمّل فيه: بأنّ الرواية ليست بصدد إفادة أصل وجوب القضاء ولو بدلالة الاقتضاء، بل هي بصدد التعرّض لبيان كيفية القضاء بالنسبة إلى من وجب عليه القضاء، فاستفادة وجوب القضاء من الرواية ولو بالدلالة الالتزاميّة بعيد عن المنساق عرفاً من عبارات الرواية. مضافاً إلى اختصاص الرواية بذوي الأعذار، فلا يمكن استفادة القاعدة الكلّية الشاملة لغيرهم منها.
ولكن يمكن أن يقال: بإمكان استفادة العموم منها بالفحوى، فإنّ الرواية حكمت بوجوب القضاء على كلّ من أفطر بعذر، وأولى منه الحكم بوجوب القضاء على من أفطر من دون عذر.
وهذا الكلام لو تمّ ـ بعد فرض تجاوز الإشكال الأوّل ـ فهو إنّما يعطي عموم القاعدة لكلّ من أفطر، ولا يعمّ من ترك الصوم وإن لم يفطر؛ لأنّ موضوع الرواية من أفطر، فلا يمكن تعميمه لمن ترك الصوم.
الوجه السادس: ما ذكره المحقّق الخوانساريّ والسّيّد الحكيم T من التمسّك بقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾(٣١)؛ لظهوره في تعليل وجوب القضاء على المريض والمسافر بلزوم إكمال العدّة، فيؤخذ بعمومه في غير مورده(٣٢).
ويلاحظ عليه ما يلي:
أوّلاً: إنّ الآية ليست صريحةً في التعليل؛ إذ يحتمل أن تكون تأكيداً لقوله تعالى: }فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، وإشارة إلى لزوم إكمالها، فتكون اللام للأمر، لا للتعليل، ويكون المراد بالعدّة العدّة الفائتة لا عدّة الشهر، أو يكون المراد بها عدّة الشهر، ولكن حيث إنّه على وجه الأمر لا التعليل، فلا يمكن التعدّي عنها للموارد الأخرى.
ثانياً: يحتمل أن يكون التعليل بإكمال العدّة كالتعليل بقوله تعالى بعدها: }وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ﴾، ومن الواضح أنّ التكبير ليس هو العلّة الحقيقية للحكم، بل هو أشبه بالحكمة، إلّا أن يقال بأنّ الأصل في لام التعليل إفادة أنّ المذكور بعدها علّة، ومن ثَمَّ يؤخذ بمفهومه في التعميم والتخصيص إلّا أن تقوم قرينة في مورد ما على خلاف ذلك، كما في قوله تعالى: }وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ﴾.
ثالثاً: إنّ تصدير الآيات الشريفة بقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يجعل شمولها لغير المسلم محلّ إشكال، إلّا أن يقال بالتعميم بقاعدة اشتراك الأحكام بين المسلم والكافر كما عليه المشهور.
الوجه السابع: ما ذكره السيّد الحكيم F من استفادة وجود واجبين من الآيات الشريفة: أحدهما هو وجوب صوم قدر أيّام الشهر، والآخر هو وجوب إيقاع هذا الصوم في شهر رمضان، فإذا فات الثاني يبقى الأوّل يدعوه للامتثال، وذكر بأنّ ذلك مقتضى إطلاق قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾(٣٣). وأمّا قوله تعالى: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾(٣٤) فلم يتّضح وروده لتقييد إطلاق الأمر الأوّل، ليكون هناك أمر واحد بالصوم في شهر رمضان كي يحتاج وجوب القضاء مع عدم امتثاله للدليل، بل مقتضى الجمود عليه كون إيقاع الصيام في شهر رمضان مطلوباً آخر، فعدم امتثاله لا يوجب سقوط أصل وجوب الصيام المستفاد من الأمر الأوّل(٣٥).
ويمكن التأمّل في ما ذكره F؛ فإنّ الذي يقرأ الآيات (١٨٣ـ ١٨٥) من سورة البقرة(٣٦) يجد الارتباط بينها ظاهراًً، فهي مسوقة لبيان وجوب صيام شهر رمضان؛ فإنّ قوله تعالى: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾ بيان للأيّام المعدودات التي كتب فيها الصيام على الذين آمنوا في الآية السابقة، وقد ذكر المفسّرون أنّ المقصود بالأيّام المعدودات هو شهر رمضان، قال الطبرسيّ: (في ارتفاع (شهر رمضان) ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، يدلّ عليه قوله: }أَيَّامًا{ أي: هي شهر رمضان.
الثاني: أن يكون بدلاً من الصيام، فكأنّه قال: (كتب عليكم شهر رمضان).
والثالث: أن يرتفع بالابتداء، ويكون خبره }الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾)(٣٧).
فعلى الوجهين الأوّلين يكون (شهر رمضان) في الآية الشريفة محدّداً لبيان الأيّام المعدودات. نعم، على الوجه الثالث يتمّ ما ذكره F.
هذا، وقد استظهر صاحب الميزان تعيّن أحد الوجهين الأوّلين أو ما هو بمنزلتهما، حيث قال: (سياق الآيات الثلاث يدلّ أوّلاً على أنّها جميعاً نازلة معاً، فإنّ قوله تعالى: }أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾ أوّل الآية الثانية ظرف متعلّق بقوله: }الصِّيَامُ﴾ في الآية الأولى، وقوله تعالى: }شَهْرُ رَمَضَانَ﴾ في الآية الثالثة إمّا خبر لمبتدأ محذوف، وهو الضمير الراجع إلى قوله: }أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾، والتقدير: هي شهر رمضان، أو مبتدأ لخبر محذوف والتقدير: شهر رمضان هو الذي كتب عليكم صيامه، أو هو بدل من الصيام في قوله: }كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ في الآية الأولى، وعلى أي تقدير هو بيان وإيضاح للأيّام المعدودات التي كتب فيها الصيام، فالآيات الثلاث جميعاً كلامٌ واحد مسوق لغرضٍ واحد، هو بيان فرض صوم شهر رمضان)(٣٨).
وإلى هذا المعنى ذهب صاحب تفسير جامع البيان(٣٩)، وأبو حيان الأندلسي، وأشار إلى أنّ ذلك قول جمهور المفسّرين(٤٠).
فعلى مذاق صاحب الميزان ومَن وافقه من المفسّرين تكون الآيات مسوقة لبيان وجوبٍ واحد متعلّق بصوم شهر رمضان، وهي تدلّ على أنّ المريض والمسافر يجب عليهما القضاء إذا تركا الصوم في الشهر، وأمّا غيرهما فإيجاب القضاء عليه إذا ترك الصوم بحاجة إلى دليلٍ من خارج الآية الشريفة.
فإنْ استظهرنا ما استظهره صاحب الميزان يتمّ المطلوب، وأمّا إن احتملنا الوجه الثالث المذكور في كلام الطبرسي فيكون الكلام محفوفاً بما يصلح للقرينية، وهذا يكفي إيراداً على ما ذكره السيّد F.
ولعلّ الباعث على ما ذكره من استظهار تعدّد المطلوب هو سوق الآيات الشريفة بالنحو المذكور، حيث ذكرت في البداية الأيام المعدودات، ثُمّ ذكرت شهر رمضان.
ولكن يمكن أن يقال: بأنّ سوق الآيات الشريفة بهذا الأسلوب كان لأجل توطين النفس، وتخفيف التكليف الذي يأتي بعد ذلك، وهو صوم شهرٍ في السنة، فبدأت بعبارة مجملة: }كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾، وفي قوله تعالى بعدها مباشرةً: }كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ من التلطّف والتخفيف ما لا يخفى، ثُمّ بيّنتها جملة }أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾ فزال بعض الإبهام، مع أنّ الوصف بالعدد يشعر بالقلّة، ثُمّ بيّنت أنّ تلك الأيّام هي }شَهْرُ رَمَضَانَ﴾.
وممّا يؤيّد عدم استفادة تعدّد المطلوب من الآيات الشريفة هو أنّ الأيّام المعدودات ليست منضبطة بغضّ النظر عن شهر رمضان؛ لأنّ الشهور تتفاوت باختلاف السنين، بل باختلاف الأماكن على القول بتعدّد الآفاق، بل إنّ ذكر قوله تعالى: }فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ{ بنفسه قبل ذكر شهر رمضان يدلّ على تعيّن الأيّام السابقة، فالأيّام المعدودات إشارة إلى أيّام محدّدة لم يفصح عنها بنحو الإهمال والإجمال وإن كانت متعيّنة في الواقع، وليس المقصود هو طبيعي الأيّام القابل للانطباق على مجمل أيّام السنة.
إشكال وثلاثة أجوبة
هذا مضافاً إلى ما قد يقال: من إمكان جعل تكرار بيان حكم المريض والمسافر دليلاً على وحدة المطلوب؛ حيث ورد وجوب القضاء على المريض والمسافر في الآية الثانية، وكذلك تكرّر ذكره في الآية الثالثة، فبناءً على تعدّد المطلوب يكون المطلوب الأوّل هو وجوب صيام شهر في السنة، ويكون استثناء المريض والمسافر أوّلاً من هذا الحكم، والمطلوب الآخر هو وجوب إيقاع هذا الصوم في شهر رمضان، ويكون استثناؤهما ثانياً من هذا الحكم.
فإن قلنا بأنّ الواجب عليهما بحكم الاستثناء الأوّل هو القضاء داخل السنة، فلا يكون للاستثناء معنىً محصّل؛ لأنّ الإتيان بهذا الواجب داخل السنة في أيّ وقت يكون أداءً لا قضاءً، لإطلاقه من جهة الوقت بحسب الفرض، فلا معنى لخطاب المريض والمسافر بالقضاء حينئذٍ؛ لعدم تحقّق الفوت ما دام الأداء داخل السنة.
وإن كان المقصود من الاستثناء الأوّل ـ ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ{(٤١) ـ خارج السنة، فمع العلم بأنّ مفاد الاستثناء الآخر ـ ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ{(٤٢) ـ أي داخل السنة يكون معنى الآيات الشريفة هو وجوب صيام شهر رمضان على المكلّف، وأمّا المريض والمسافر فيجب عليهما قضاؤه بعده خلال السنة، وإذا فاتهما ذلك بأن استمرّ المرض أو السفر وجب عليهما صيام ذلك المقدار بعد السنة بعنوان القضاء، وهذا قول لم يلتزم به الفقهاء.
ولكن قد يقابل هذا الكلام بأنّ الإشكال وارد على كلّ حال، فحتّى على القول بوحدة المطلوب يبقى السؤال عن سبب تكرار الاستثناء قائماً، ومن هنا ذكر القائلون بوحدة المطلوب ثلاث إجابات عن الإشكال:
الجواب الأوّل: ما ذكره الفخر الرازي وهو يرتبط بمباني أصحابه، حيث قال: (كان الحكم هو التخيير بين الصوم والفدية في بداية الشريعة، وهذا يستفاد من الآية الشريفة: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ{، بعد أن فسّروا (يطيقونه) بالقدرة عليه. نعم، المريض والمسافر رخّص لهما في ترك الصوم في شهر رمضان، وبموجب الآية الثانية: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ{ صار الصوم فرض عين، وهذا يستوجب توهّم شموله للمريض والمسافر، فلدفع هذا التوهّم احتاج إلى التنبيه وتكرار الرخصة)(٤٣).
وأجاب عن إشكال اتّصال الناسخ بالمنسوخ بأنّه اتّصال في التلاوة، وهو لا يوجب الاتّصال في النزول؛ ولذا نجد في القرآن آية مكّيّة متأخّرة في التلاوة عن آية مدنيّة.
إلّا أنّ هذا الوجه موهون في حدّ نفسه لوجوه:
الأوّل: إنّ الصيام فريضة في كلّ الأديان، كما تشير الآية الشريفة إلى ذلك، ولا تخيير بين الصيام والفدية فيها، كما لم يثبت في السيرة النبوية تخيير المسلمين في ذلك، مع أنّ المؤرّخين قد ذكروا تاريخ تشريع الصيام وبعض الوقائع التي تتعلّق بذلك.
الثاني: إنّ معنى (يطيقونه) أي يقدرون عليه بمشقّةٍ شديدة، قال أهل اللغة: (الطَّوْقُ والإِطاقةُ: القدرة على الشيء، والطَّوْق: الطَّاقة، وقد طاقَه طَوْقاً، وأَطاقَه إِطاقةً، وأَطاقَ عليه وَهُوَ اسْمٌ لِمِقْدَارِ مَا يُمْكِنُ أَن يَفْعَلَهُ بمشقَّة مِنْهُ)(٤٤).
الثالث: ما ذكره العلَّامة الطباطبائيّ S (٤٥) من أنّ جعل قوله تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ{ في آخر الآيات ناسخاً لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ{ في وسطها، مع كون المنسوخ غير شامل لحكم العاجز، وكون الناسخ شاملاً بإطلاقه للقادر والعاجز، فيبقى العاجز داخلاً في حكم الناسخ دون المنسوخ، من أفحش الفساد.
الجواب الثاني: ما ذهب إليه العلَّامة الطباطبائيّ S من أنّ الآيات قبل قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ{ ـ بما تشتمل عليه من أحكام ـ مسوقة للتوطئة والتمهيد دون بيان الحكم، وإنَّما بيّن الحكم في هذه الآية الأخيرة، فليس هناك تكرار، فذكر: (أنّ سياق الآيات يدلّ على أنّ شطراً من الكلام الموضوع في هذه الآيات الثلاث بمنزلة التوطئة والتمهيد بالنسبة إلى شطر آخر ... فالكلام الموضوع في الآيتين توطئة وتمهيد لقوله تعالى في الآية الثالثة: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ{)(٤٦).
وقد علّل الاحتياج إلى التوطئة في آية الصوم بقوله: (إنّ حكم الصيام يلازم حرمان النفس من أعظم مشتهياتها، ومعظم ما تميل إليه، وهو الأكل والشرب والجماع؛ ولذلك فهو ثقيل على الطبع، كريه عند النفس يحتاج في توجيه حكمه إلى المخاطبين ـ وهم عامّة الناس من المكلّفين ـ إلى تمهيد وتوطئة تطيب بها نفوسهم، وتحنّ بسببها إلى قبوله وأخذه طباعهم)(٤٧).
وقد أورد عليه بعض الأعلام المعاصرين (دامت افاداته)(٤٨): أنّه ليس بالضرورة أن يكون أيّ حكم شاقّ بحاجة إلى توطئة أو مقدّمة، فموضوع الجهاد والدفاع صَدَرَ الحكم فيه بدون أيّة مقدّمة أو تمهيد بقوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ{(٤٩).
وربّما يقال: بأنّ موضوع الجهاد عائد إلى موضوع الدفاع، وهو أمر معقول؛ ولذلك يكون مقبولاً بسهولة خلافاً للصيام الذي يلازمه الحرمان من الملذّات.
ولكنّ كلّا ً من الجهاد والصوم أمران معقولان من خلال التحليل العلميّ إلّا أنّ أيّاً منهما ما كان مقبولاً من الناحية العمليّة، وعندما يقال عن القتال: ﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ{ فهو إشارة إلى هذه الجهة، مضافاً إلى أنّه إذا كان حكمٌ ما بحاجة إلى مقدّمة وتمهيد فبإمكان الآمر الإتيان بالمقدّمة التمهيديّة والحكم الإنشائيّ معاً.
ولا يخفى بأنَّ ما ذكره العلّامة الطباطبائي متين؛ فإنّ الآيات تنادي بأنّها بصدد التخفيف وتقريب هذا التكليف الشاقّ إلى النفوس، فإنّ الحكم بالصيام لا يبدو الوجه فيه والحكمة من تشريعه، بخلاف الأحكام الأخرى، فإنّ الصلاة مثلاً هي خضوع لله سبحانه، وكان الخضوع للآلهة معروفاً لديهم. وأمّا الجهاد فالحكمة من تشريعه واضحة في أذهانهم لما كان يحيط بهم من مخاطر وغارات مستمرّة من قبل المشركين عليهم، بخلاف الصيام، فالآية تلطّفت أوّلاً ولم تقل: شهر، بل قالت: أيّاماً معدودات، ثُمَّ ذكرت أنّه كان مفروضاً على أمم قبلكم، وذكرت حكم ذوي الأعذار؛ لأنّ الناس عادةً يتشبّثون بكلّ ما يصلح لإبعاد التكاليف الشاقّة والمخالفة لمقتضى طبيعة النفس، فبيّنت الآية حكم المريض والمسافر وكبار السن، فإرادة التخفيف في الآيات واضحة.
الجواب الثالث: ما ذكره القطب الراوندي وأوضحه العلّامة الكاظمي T بقوله: (إنّ تكرير هذا الحكم ـ أعني وجوب القضاء عليهما ـ يدلّ على كمال الاعتناء به، وأنّه لا ينبغي أن يقع فيه تغيير ولا تبديل، وهو ظاهر في كونه عزيمة لا يجوز تركه، ويؤيّده: ﴿يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ{، أي يريد أن ييسّر عليكم في أحكامكم، وظاهر أنّ إرادة الشيء تستلزم عدم إرادة ضدّه، بل هي عينها، فيكون العسر غير مراد، فقوله: ﴿وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ{ مؤكّد له، والمراد أنّه تعالى أحبّ إليكم إذا كنتم مسافرين أو مرضى الإفطار والقضاء في عدّة أيّام أُخر، فاللازم عليكم اتّباع ذلك)(٥٠).
الوجه الثامن: ما ذكره السيّد الخوئيّ S وناقشه(٥١)، من الاستدلال بصحيحة زرارة الواردة في قضاء الصلاة، حيث ورد فيها: (يقضي ما فاته كما فاته)(٥٢)، وهي مطلقة فيمكن التمسّك بها في باب الصوم.
ويمكن المناقشة في هذا الكلام من جهتين:
الأولى: إنّ الرواية واردة في باب الصلاة، ولا يمكن التعدّي عنها إلى غيرها، فكأنّه قال: (يقضي ما فاته من الصلاة).
الأخرى: إنّ الرواية في مقام بيان كيفيّة قضاء ما فات، وليست في مقام بيان وجوب القضاء.
الوجه التاسع: أن يستدلّ على تعدّد المطلوب ـ بمعنى مطلوبية أصل صوم شهر في السنة، وأنّ إيقاعه في شهر رمضان مطلوب آخر ـ برواية الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا g: (فلمَ إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يفق من مرضه حتّى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأوّل، وسقط القضاء؟ وإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء؟ قيل: لأنّ ذلك الصوم إنّما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر، فأمّا الذي لم يفق فإنّه لـمّا مرَّ عليه السنة كلّها، وقد غلب الله عليه فلم يجعل له السبيل إلى أدائها سقط عنه، وكذلك كلّ ما غلب الله عليه، مثل المغمى عليه الذي يغمى عليه في يوم وليلة، فلا يجب عليه قضاء الصلوات، كما قال الصادق g: كلّ ما غلب الله على العبد فهو أعذر له؛ لأنّه دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره، ولا سنته للمرض الذي كان فيه ووجب عليه الفداء)(٥٣).
فإذا أمكن استفادة تعدّد المطلوب منها أمكن استفادة الكبرى الكلّية، وهي وجوب القضاء على كلّ من فاته الصوم.
أمّا سند الرواية(٥٤) فقد ذكر لها في العيون طريقين، واقتصر في العلل على أحدهما:
الأوَّل: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوريّ العطّار بنيسابور، قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوريّ، قال: قال أبو محمّد الفضل بن شاذان(٥٥). وهذا الطريق بعينه هو طريق الشيخ الصدوق S إلى الفضل بن شاذان الذي ذكره في مشيخة الفقيه(٥٦).
والآخر: حدّثنا الحاكم أبو محمّد جعفر بن نعيم بن شاذان، عن عمّه أبي عبد الله محمّد بن شاذان، قال: قال الفضل بن شاذان(٥٧).
أمّا الطريق الأوّل فإنّ فيه عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس الذي لم يذكر في كتب الرجال، وعليّ بن محمّد بن قتيبة الذي لم ينصّ على وثاقته. ومع ذلك فقد استدلّ على وثاقة كلّ منهما.
أمّا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس فيمكن الاستدلال على وثاقته بوجهين:
الوجه الأوّل: أنّه من مشايخ الصدوق المباشرين، وقد أكثر النقل عنه مترضّياً(٥٨).
الوجه الآخر: أنّه ذكر في العيون في باب ما كتبه الرضا g إلى المأمون ثلاثة أحاديث، الأوّل رواه عن عبد الواحد، وقال بعد ذكر الحديث الثاني: (وحديث عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس L عندي أصحّ)، وبعد ذكر الحديث الثالث بطريق آخر قال: (مثل حديث عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس)(٥٩).
والظاهر أنّ كلا الوجهين يمكن تتميمه لإثبات وثاقته.
أمّا الوجه الأوّل فإنّ الترضّي اصطلاح خاصّ لا يقال إلّا لـمَن كان في رتبة عالية من الجلالة، والإكثار منه تأكيد له(٦٠).
وأمّا الوجه الآخر فقد يناقش فيه بأنّ المقصود بالصحّة صحّة الرواية، وهي قد تنشأ من تجميع القرائن، فبتجميع القرائن على صحّة المضمون يحكم بصحّة الرواية من دون النظر إلى رجال السند، وهذا هو معنى الصحّة عند القدماء(٦١)، فلا دلالة في هذا التعبير على تصحيح رجال السند.
ولكن يمكن التأمّل في إرادة الصحّة بهذا المعنى في محلّ الكلام، والوجه فيه أنّ الموجود في المقام روايةٌ واحدة تعدّدت طرقها، ولا توجد متون متعدّدة حتّى تكون الصحّة بمعنى تجميع القرائن على صحّة مضمون أحدها، فلا يبعد أن يكون ناظراً إلى وثاقة الرواة.
هذا، ولكن قد يقال: بأنّ الشيخ الصدوق S لم يقتصر في الحديث الثاني على ما ذكر، بل قال: حدّثني بذلك حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب g، قال: حدثني أبو نصر قنبر بن علي بن شاذان عن أبيه الفضل ابن شاذان عن الرضا g، إلّا أنّه لم يذكر في حديثه أنّه كتب ذلك إلى المأمون، وذكر فيه الفطرة مُدّين من حنطة، وصاعاً من الشعير والتمر والزبيب، وذكر فيه أنّ الوضوء مرّة مرّة فريضة، واثنتان إسباغ، وذكر فيه أنّ ذنوب الأنبياء i صغائرهم موهوبة، وذكر فيه أنّ الزكاة على تسعة أشياء: على الحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم والذهب والفضة. وحديث عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس L عندي أصحّ ولا قوّة إلّا بالله)(٦٢).
فهناك فوارق بين الحديثين ولو طفيفة وجزئيّة، ومن هنا ينشأ احتمال أن تكون الصحّة بلحاظ المضمون.
وأمّا عليّ بن محمّد بن قتيبة فقد يستدلّ على وثاقته بوجوه:
الأوّل: تصريح النجاشيّ في ترجمته باعتماد الكشّيّ عليه في رجاله، حيث قال: (عليه اعتمد أبو عمرو الكشّيّ في كتاب الرجال)(٦٣)، واعتماده عليه واضح بعد مراجعة كتاب الكشّيّ، فقد نقل آراءه كثيراً.
الثاني: اعتماد النجاشيّ عليه أيضاً، فقد قال في ترجمة محمّد بن عيسى بن عبيد: (قال أبو عمرو الكشّيّ: قال القتيبيّ: كان الفضل بن شاذان L يحبّ العبيديّ، ويثني عليه، ويميل إليه، ويقول ليس في أقرانه مثله، وبحسبك هذا الثناء من الفضل)(٦٤)، وهذه الجملة الأخيرة إن كانت من الكشّيّ فالاعتماد فيها واضح؛ لأنّ الثناء لم يثبت عنده إلّا من طريق القتيبيّ، وإن كانت من كلام النجاشيّ فهذا يعني أنّ النجاشيّ يعتمد عليه أيضاً، وممّا يؤيّد الاحتمال الثاني أنّ هذه الجملة الأخيرة غير مذكورة في كتاب الكشّيّ(٦٥)، والاعتماد شيء آخر غير مسألة الرواية.
الثالث: ما ذكره الشّيّخ الطوسيّ S: (عليّ بن محمّد القتيبيّ تلميذ الفضل بن شاذان نيسابوريّ فاضل)(٦٦)، ومن الواضح أنّه لا يريد بيان منزلته العلميّة، بل المقصود الفضل المناسب لذكره في كتب الرجال، فإنّ مدح الرجل بمثل ذلك من دون ذكر طعن عليه يشير إلى وثاقته خصوصاً مع ذكره في كتب الرجال.
وقد أشكل بعض الأعلام في دلالة الاعتماد على شخص على توثيقه؛ إذ قد ذكر بشأن غير واحدٍ من الرجال أنّه كان يعتمد المراسيل أو المجاهيل، كأحمد بن محمّد بن خالد، وسهل بن زياد، وبكر بن أحمد العصري وغيرهم، فكيف يستغرب اعتماد الكشّيّ على غير الثقة(٦٧)!
ويمكن جوابه بوجوه:
الأوّل: إنّ ما ذكره من الاستشهاد يختلف عن محلّ الكلام؛ فإنّ الاعتماد على رواية مرسلة أو مجهولة قد يكون من جهة وجود قرائن تؤيّد مضمون الرواية، وهذا غير الاعتماد على شخص، فإنّ الاعتماد على شخص حينما يذكر في مقام المدح يدلّ ظاهراً على أنّه ممّا يصحّ الاعتماد عليه.
الثاني: إنّ هذه العبارة تقال في مقام الطعن والتضعيف، فهي ظاهرة في لا بدّية الاعتماد على من يصحّ الاعتماد عليه، وأنّه لا ينبغي الاعتماد على المراسيل والمجاهيل، والنجاشيّ لم ينقل ذلك عن الكشّيّ من باب الطعن.
الثالث: إنّ الاستدلال (تارةً) يكون بنفس اعتماد الكشّيّ وحينئذٍ يشكل بأنّ الأصحاب وإن كانوا من الأجلّاء قد يعتمدون على المجاهيل والمراسيل، فربما يكون الكشّيّ من ضمن هؤلاء، إلّا إذا ثبت أنّه لا يعتمد إلَّا على من يصحّ الاعتماد عليه، والنجاشي حين نقل الاعتماد لم يطعن عليه، وفي هذا نحو ثناء على الرجل.
(وأخرى) يكون الاستدلال بذكر النجاشي لاعتماد الكشّيّ على الرجل بما هو ظاهر في مدحه والثناء عليه، فيكون ظاهراً في مدح ابن قتيبة باعتماد الكشّيّ عليه.
وأمّا الطريق الآخر ففيه جعفر بن نعيم بن شاذان، وهو من مشايخ الصدوق، وقد ترضّى عليه(٦٨)، وهذا كافٍ للاعتماد عليه كما سلف.
وفيه أيضاً محمّد بن شاذان، وهو محمّد بن أحمد بن نعيم الشاذاني، وقد استظهر السيّد الخوئي S (٦٩) اتّحاده مع محمّد بن شاذان بن نعيم بقرينة ما نقله الكشّيّ في ترجمة المغيرة بن سعد حيث قال: (وكتب إليّ محمّد بن أحمد بن شاذان، قال: حدّثنا الفضل). فيظهر من هذه العبارة أنّ تلميذ الفضل والراوي عنه هو محمّد بن شاذان، والمقصود به محمّد بن أحمد بن نعيم الشاذاني، فهو شخص واحد تارةً ينسب إلى الأب، وأخرى إلى الجدّ، وهذا أمر متعارف.
وقد يستدلّ على وثاقته بأحد وجهين:
الوجه الأوّل: التوقيع الوارد عن الإمام g: (وأمّا محمّد بن شاذان بن نعيم فإنّه رجل من شيعتنا أهل البيت)(٧٠) .
وهذا التوقيع وإن كان في سنده إسحاق بن يعقوب الذي لم يذكر في كتب الرجال، ولكن يمكن إثبات صحّته ـ بعد اهتمام العلماء به، ونقله في كتبهم(٧١) ـ بإثبات وثاقة إسحاق بن يعقوب، وذلك بتقريبين(٧٢):
الأوّل: إنّ الشّيّخ الكلينيّ S لـمّا تصدّى لنقل هذا التوقيع: إمّا أن يكون حال إسحاق بن يعقوب معلوماً عنده أو مجهولاً، وعلى الأوّل لا بدّ أن يكون معلوماً بالوثاقة على الأقلّ؛ إذ لو كان معروفاً بعدم الوثاقة فمن البعيد أن ينقل عنه التوقيع، وعلى الثاني فمن البعيد أن يتصدّى الشيخ الكليني S لنقل هكذا توقيع يحتوي على معلومات خطيرة لعيون الطائفة، كابن قولويه وأبي غالب الزراريّ من دون أن يبحث عن حاله، فلا بدّ أنّه قد بحث واطمأن بصدور هذا التوقيع عن الحجّة g.
وما يبعد احتماليّة أن يكون نقل الشيخ الكلينيّ S للتوقيع من باب الوثوق هو كثرة المعلومات الواردة فيه، مع استبعاد أن تكون المعلومات المرتبطة بأشخاص معيّنين مدحاً أو قدحاً ممّا تساعد عليها الاعتبارات والشواهد، فليست حكماً شرعيّاً حتّى يقال بأنّ مضمونه موجود في رواية أخرى.
الآخر: ما قد يقال من أنّ التوقيعات في تلك الفترة لا ترد إلّا على الأصحاب المعتمدين والمعتبرين لدى الطائفة؛ للظروف التي كانت في عصر الغيبة الصغرى، والحرص الشديد من قبل الأئمّة المتقدّمين على إخفاء هذا الأمر، وتحريم التصريح
باسمه g، وأنّ الإعلان عنه يساوق الذبح، ويدلّ على ذلك ما ذكره الشيخ الطوسيّ S في كتاب الغيبة: (وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل)(٧٣)، ويقصد بالأصل الإمام g.
إلَّا أنّ غاية ما تفيده العبارة المتقدّمة هو توثيق من ترد عليهم التوقيعات، فهم مقصود الشيخ في عبارته، فلم يكن الشيخ S بصدد توثيق كلّ سائل.
ثمّ إنّه يقع الكلام في دلالة عبارة التوقيع المتقدّم نقله عن الإمام g على الوثاقة، فقد يقال بدلالتها على الوثاقة؛ إذ لا معنى لتصدّي الإمام وإخباره أنّه من شيعته لو لم يكن كذلك.
ولكن يلاحظ على ذلك: بأنّ هذا وإن دلّ بالالتزام على وثاقة الرجل في مقابل الكذب إلّا أنّ دلالته على كونه ثقة في مقابل المسامحة وعدم الضبط محلّ تأمّل.
الوجه الآخر: أنّ الصدوق S عدّه ممّن وقف على معجزات صاحب الزمان ورآه وكلّمه(٧٤)، وصرّح بأنّه من الوكلاء، وهو كافٍ في إثبات الوثاقة.
ولكنّ الرواية ضعيفة السند(٧٥).
وعلى كلّ حال فالظاهر أنّ الطريق الأوّل تامّ يمكن الاعتماد عليه.
بقي هنا أمران يطرحان في شأن هذه الرواية:
الأوّل: إنّهم لم يذكروا في كتب الرجال أنّ الفضل من أصحاب الإمام الرضا g، فقد عدّه الشّيخ S من أصحاب الإمامين الهاديّ والعسكريّ h، ولم يذكره في أصحاب الإمام الجواد فضلاً عن الإمام الرضا g (٧٦)، وأمّا النجاشيّ فقد ذكر أنّ الفضل بن شاذان بن الخليل بن محمّد الأزديّ النيسابوريّ كان أبوه من أصحاب يونس، روى عن أبي جعفر الثاني، وقيل الرضا أيضاً، وكان ثقة، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلّمين(٧٧).
فإنْ قلنا: إنّ مرجع الضمير في (روى) هو الأب فالإشكال يستحكم، وإنْ أرجعناه إلى الابن ـ باعتباره صاحب العنوان ـ وجملة (كان أبوه من أصحاب يونس) معترضة، فيكون مفاد الكلام: وقوع الشكّ في روايته عن الإمام الرضا g.
وممّا يؤيّد الاحتمال الأوّل هو أنّ الفضل لم يروِ عن الإمام الجواد g ولا رواية واحدة، بينما أبوه يروي عنه. وممّا يقرّب الاحتمال الآخر هو أنّ الاستئناف يناسب أن يكون الفاعل في (روى) هو صاحب الترجمة، خصوصاً وأنّه عطف على هذه الجملة قوله: (وكان ثقةً).
وذهب السيّد الخوئيّ S (٧٨) إلى إمكان روايته عن الإمام الرضا g؛ لأنّ أباه روى عن الإمام الكاظم g، فيمكن أن يكون في طبقة من يروي عن الإمام الرضا g.
ولكنّه لا ينفعنا في ما نحن فيه؛ إذ التعويل فيه على الوقوع، لا على الإمكان، فإنّ عدم وجود أيّة رواية له عن الإمام الرضا g يفضي إلى الشكّ بوجود الإرسال في الرواية، أو أنّها كتاب ألّفه الفضل اعتمد فيه على اجتهاده(٧٩).
ولكن ممّا يبعّد كلا الاحتمالين عبارات الشيخ الصدوق S في العيون(٨٠) والعلل(٨١)، فقد نقل مكرّراً أنّ الفضل سمعها من الإمام الرضا g، ففي العيون قال: (باب العلل التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنّه سمعها من الرضا مرّة بعد مرّة، وشيئاً بعد شيء، وأطلق لعليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوريّ روايتها عن الرضا g)، وفي ذيل الرواية قال: (حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس عن عليّ بن محمّد بن قتيبة، قال: قلت للفضل ابن شاذان لمّا سمعت منه هذه العلل: أخبرني عن هذه العلل التي ذكرتها عن الاستنباط والاستخراج وهي من نتائج العقل، أو هي ممّا سمعته ورويته؟
فقال لي: ما كنت لأعلم مراد الله تعالى بما فرض، ولا مراد رسول الله بما شرّع وسنّ، ولا أعلّل ذلك من ذات نفسي، بل سمعتها من مولاي الرضا المرّة بعد المرّة والشيء بعد الشيء، فجمعتها. قلت له: فأحدّث بها عنك عن الرضا g؟ قال: نعم).
فالعبارة صريحة في نفي الإرسال ونفي أنّها من مستنبطاته. ونحو هذا في العلل.
بل يظهر أنّ تأكيد الشيخ الصدوق على هذه المسألة وكذلك القتيبيّ سببه عدم شبه هذه الرواية بسائر الروايات، فكأنّها تصنيف خاصّ لنقل العلل.
وعلى كلّ حال بعد صراحة الكلام المنقول بطريق معتبر في أنّه سمعها من الإمام g، والفراغ عن إمكان رواية الفضل عن الإمام g يمكن القول: بأنّ الرواية مروية عن الإمام الرضا g.
والقاعدة المتّبعة في ذلك هي: إذا ثبت إمكان رواية الراوي عن شخصٍ، ووجدت رواية معتبرة يروي فيها عنه يؤخذ بها.
وأمّا مسألة طول الرواية فقد ذكر أنّه سمعها في مجالس متعدّدة، بل حتّى على تقدير أنّ الرواية لم تكن منقولة عن الإمام بكلّ خصوصيّاتها وأسلوبها(٨٢) يمكن القول بأنّ الفضل صاغ المضامين التي سمعها من الإمام g بأسلوبه، فهو نقل بالمعنى.
وبهذا يمكن الجمع بين القول بأنّ الرواية مسموعة من الإمام، وبين كونها من تأليفات الفضل.
الآخر: توجد قرائن معاكسة ذكرها بعض أعاظم العصر F (٨٣) كشواهد على عدم كون الرسالة مروية عن الإمام g فلا بُدّ من ملاحظتها، وقد صنّفها F إلى قرائن داخلية تشهد بعدم صدورها عن الإمام، وشواهد خارجية على ذلك.
أمّا الداخلية فذكر فيها وجود عبارات في الرسالة لا يناسب صدورها من الإمام g:
منها: قوله: (فإن قيل لمَ غيّرت صلاة الآيات عن أصل الصلاة التي افترضها الله عزّ وجلّ؟ قيل: لأنّها صلاة لعلّة تغيّر أمر من الأمور وهو الكسوف، فلمّا تغيّرت العلّة تغيّر المعلول)(٨٤).
فيلاحظ أنّ هذا النحو من التعليل والتعبير المستخدم فيه ممّا لا يناسب الإمام g، وإنّما ينسجم مع ما كان متداولاً عند المتكلّمين في ذلك العصر.
ومنها: قوله: (فإنْ قيل فلمَ لا يجب الغسل على مَن مسّ شيئاً من الأموات غير الإنسان كالطير والبهائم والسباع وغير ذلك؟ قيل: لأنّ هذه الأشياء كلّها ملبسة ريشاً وشعراً وصوفاً ووبراً، وهذا كلّه ذكي لا يموت)(٨٥).
وهذا الكلام أيضاً ممّا لا يناسب الإمام g؛ فإنّ مقتضاه أنّه لو مسّ الإنسان لحم الحيوان الميت لوجب عليه أن يغتسل!!
ومنها: قوله: (وقد روي عن بعض الأئمّة، قال: ليس من ميت يموت إلّا خرجت منه الجنابة، فلذلك وجب الغسل)(٨٦).
فإنّ التعبير بـ(قد روي عن بعض الأئمّة) غير متعارف في كلامهم i، فالإمام g إن روى شيئاً عن بعض آبائه g ذكره بالاسم، ولا يعبّر عنه ببعض الأئمّة، بل هذا تعبير الآخرين عنهم.
هذا مضافاً إلى غرابة المضمون؛ وذلك لأنّ غسل الميت يجب حتّى بالنسبة إلى الطفل الصغير، بل والسقط الذي بلغ أربعة أشهر!
ومنها: قوله: (أخبرني لمَ كلّف الخلق؟ قيل: لعلل، فإن قيل: فأخبرني عن تلك العلل معروفة موجودة أم هي غير معروفة ولا موجودة. قيل: بل هي معروفة موجودة عند أهلها، فإن قيل: أتعرفونها أنتم أم لا تعرفونها؟ قيل لهم: منها ما نعرفه، ومنها ما لا نعرفه).
وهذا الكلام لا يحتمل صدوره من الإمام g الذي هو من الراسخين في العلم، وإذا لم يكن هو من أهل المعرفة بتلك العلل فمَن الذي يعرفها إذاً ؟!
ويمكن الجواب عن هذه القرينة بأنّ حصول الاطمئنان بعدم صدور أربعة موارد من الرواية لا ينافي حجّية الموارد الأخرى؛ إذ الرواية طويلة جدّاً، وفيها عدد كبير من المطالب، فمن البعيد أن تكون روايةً واحدةً سمعها الفضل في مجلس واحد، بل نفس الفضل يصرّح بأنّه سمعها في مجالس متعدّدة مرّة بعد مرّة وشيئاً بعد شيء ـ كما سبق نقل كلامه ـ ثمّ إنّ هذه التصرّفات فيها دلالة على كون النقل بالمعنى، ولا إشكال فيه.
وقد أيّد F كلامه بأنّ الشيخ الصدوق S قد غلّط الفضل في فقرتين من هذه الرواية:
الأولى: فإنْ قال قائل: فلمَ صار الاستنجاء بالماء فرضاً؟ قيل: لأنّه لا يجوز للعبد أن يقوم بين يدي الجبّار وشيء من ثيابه وجسده نجس.
قال الصدوق L: (غلط الفضل؛ وذلك لأنّ الاستنجاء به ليس بفرضٍ، وإنّما هو سنّة)(٨٧). ويقصد بالفرض ما شرّع في الكتاب، والسنّة ما جاء به النبي e.
الأخرى: فإنْ قال: فلمَ جعل في الاستفتاح سبع تكبيرات؟ قيل: لأنّ الفرض منها واحد وسائرها سنّة.
قال الصدوق L: (غلط الفضل إنّ تكبيرة الافتتاح فريضة، وإنّما هي سنّة واجبة)(٨٨).
فيظهر من هذا أنّ الصدوق لم يكن يعتقد أنّ ما ذكره الفضل قد رواه عن الإمام g وإنّما هو من استنباطاته، فلهذا كان يخطّئه.
أقول: بعد ما تقدّم من اعتقاد الشّيخ الصدوق S بأنّها رواية عن المعصوم g. مضافاً إلى أنّه قد نقلها في الفقيه(٨٩)، وجزّأها على أبواب الفقه فيه، مع التزامه بصحّة الأخبار الموجودة فيه، فلا بُدّ من حمل عبارته هنا على الغلط في الفهم والسماع، أو أنّ مقصوده الاشتباه بالتعبير، بناءً على ما قلناه من أنّه نقل بالمعنى، والغلط في موردين لا يؤثّر على الالتزام بسائر الموارد الكثيرة الأخر.
وعلى هذا يمكن حمل عبارة الشّيخ الصدوق S في مورد آخر من الرواية:
فإنْ قيل: فلمَ جعلت الخطبة في يوم الجمعة في أوّل الصلاة، وجعلت في العيدين بعد الصلاة ... إلخ. (قال مصنِّف هذا الكتاب: جاء هذا الخبر هكذا والخطبتان في الجمعة والعيدين من بعد الصلاة)(٩٠).
وأمّا القرائن الخارجية فقد ذكر F ثلاث قرائن:
القرينة الأولى: أنّ الشّيخ الصدوق S لم يحكم بكون الفضل راوياً عن الرضا g، بل أورد حكاية القتيبيّ وغيره ذلك عن الفضل، ولم يظهر منه تصديقه للحكاية(٩١).
ويلاحظ عليه: أنّ نقل الرواية في مواضع متفرّقة من الفقيه(٩٢) الذي ذكر في مقدّمته أنّه لا يوجد فيه إلّا ما هو حجّة بينه وبين الله ، يدلّ على أنّه يعتقد بذلك.
مضافاً إلى أنّ العنوان الذي صدّر به الرواية في العيون(٩٣) يشعر بذلك، حيث قال: باب العلل التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنّه سمعها عن الرضا مرّة بعد مرّة وشيئاً بعد شيء، وأطلق لعليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوريّ روايتها عن الرضا g.
فلا يبعد أن يقال: بأنّه أثبت رواية الفضل عن الإمام g.
القرينة الثانية(٩٤): يظهر من النجاشي(٩٥) أنّه يرى أنّ رواية العلل من استنباطات الفضل؛ لأنّه عدّها من جملة كتبه، ولم يذكر أنّه رواها عن الرضا g، مع أنّ من دأبهم التصريح بأنّ الكتاب مروي عن الإمام الفلاني إذا كان المؤلّف يرويه بتمامه عن إمام واحد، كما في ترجمة أحمد بن عامر بن سليمان، حيث قال: (حدّثنا الرضا عليّ بن موسى g والنسخة حسنة)(٩٦)، وفي ترجمة عبد الله بن محمّد التميميّ: (له نسخة عن الرضا)(٩٧)، وهكذا في موارد أخر.
وما ذكره F هو ظاهر عبارة الشّيخ الطوسيّ S أيضاً حيث ذكر في ترجمته: (له كتب كثيرة منها كتاب العلل)(٩٨)، ولم يصرّح بأنّه مروي عن الإمام الرضا g.
ويلاحظ عليه: عدم وجود بناء على أنّه كلّما كان الكتاب عن الإمام فلا بدّ من التصريح بأنّه عن الإمام، ولعلّ السرّ في عدم التصريح بذلك هو ما قلناه من أنّ هذا نقل بالمعنى والمضمون، فهي رواية عن الإمام g ساهم الفضل في صياغتها بأسلوبه.
القرينة الثالثة: استبعاد أن يكون الفضل قد أدرك الإمام الرضا g، وأخذ عنه العلم في هذه الفترة الطويلة، مع عدم وجود رواية له عن الإمام الرضا g من غير طريق القتيبيّ وصاحبه، وفي غير هذا المورد رغم كثرة رواياته في جوامع الحديث.
والجواب: أنّنا لا نجد أيّة رواية للفضل عن الإمامين الهاديّ والعسكريّ h مع كونه من أصحابهما بلا إشكال(٩٩)، فما يُجاب به هناك يُجاب به هنا.
وقد أكّد F عدم إدراك الفضل للإمام الرضا g بأنّ الكشّيّ أورد رواية(١٠٠) في ترجمة الحسن بن عليّ بن فضّال يظهر فيها أنّ الفضل كان في زمان الحسن بن عليّ بن فضّال حدث السن، بينما كان الحسن شيخاً من أجلّاء الأصحاب، علماً أنّه قد توفي في سنة (٢٢١هـ) أو (٢٢٤هـ)، وعُدّ من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا h فمن البعيد جدّاً أنّ الفضل كان في عصر الإمام الرضا g ـ قبل شهادته سنة (٢٠٣هـ) في أشهر الأقوال ـ رجلاً كبيراً له صحبة طويلة معه g بحيث يتلقّى العلم منه مرّة بعد مرّة وشيئاً بعد شيء.
ولكنّ الذي يبدو من هذه الرواية ومن غيرها أنّ الفضل كان من المعمّرين، حيث ذكر الكشّيّ في ترجمته قوله: (أنا خلف لـمَن مضى أدركت محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وغيرهما، وحملت عنهم منذ خمسين سنة، ومضى هشام بن الحكم O وكان يونس ابن عبد الرحمن O خلفه، كان يردّ على المخالفين، ثُمّ مضى يونس بن عبد الرحمن ولم يخلف خلفاً غير السكّاك، فردّ على المخالفين حتّى مضى O، وأنا خلف لهم من بعدهم T)(١٠١).
فإنّ أحد الذين روى عنهم هو صفوان بن يحيى، ووفاته سنة (٢١٠هـ) فلا بدّ أنّه أخذ منه، وتحمّل الرواية عنه قبل وفاته بمدّة، فإذا فرضنا أنّ عمره لا يقلّ حينذاك عن خمس وعشرين سنة أو ثلاثين سنة فيكون عمره تقريباً (٨٠) سنة؛ لأنّ وفاته كانت بحدود سنة (٢٦٠هـ)، فتكون ولادته سنة (١٨٠هـ) تقريباً، فيكون عمره حين وفاة الإمام g في سنة (٢٠٣هـ) ثلاثاً وعشرين سنة، وهو يؤهّله للرواية عن الإمام g.
بل حتّى لو قلنا: بأنّه تحمّل الحديث في سن الخامسة عشرة فمن المحتمل أنّه تحمّل الحديث قبل وفاة صفوان بخمس سنين، فيكون عمره من حين دخول الإمام g مرو سنة (٢٠١هـ) إلى حين شهادته سنة (٢٠٣هـ) يتراوح بين الحادية عشرة والثالثة عشرة، وهذا السن يؤهّله لتحمّل الرواية.
وأمّا قضية لقائه بابن فضّال فعلى الاحتمال الأوّل ـ ولادته (١٨٠هـ) ـ يمكن فرض أنّ عمره في اللقاء الأوّل كان خمس عشرة سنة، وهو يناسب كونه غلاماً، كما في الرواية، فتكون سنة اللقاء هي (١٩٥هـ)، أي قبل وفاة ابن فضّال بـ(٢٩) سنة أو (٢٦) سنة، حسب الاختلاف في تاريخ وفاة ابن فضّال، وأنّه (٢٢٤هـ) أو (٢٢١هـ). ولا يخفى بأنّه على الاحتمال الثاني يكون الأمر أوضح.
والحاصل: أنّ ما ذكره F من القرائن المعاكسة إن أوجبت سلب الوثوق والاطمئنان بصدور الرواية عن المعصوم ـ والذي هو الملاك في حجّية الخبر ـ فلا يمكن التعويل عليها. ولكنّك قد عرفت أنّ للمناقشة في بعض ما ذكره مجالاً.
هذا، وقد أسهبنا في نقاش سند الرواية، وجواب الإيرادات الواردة عليها؛ لأهمّية الرواية؛ إذ قد تضمّنت الكثير من الأحكام في العديد من أبواب الفقه.
ثلاثة تقريبات لدلالة الرواية على المطلوب
وأمّا دلالة الرواية على تعدّد المطلوب(١٠٢):
فتارةً يدّعى استفادة ذلك من نفس تعليل الإمام g الفرق بين صورتي وجوب القضاء وسقوطه، بقوله: (لأنّ ذلك الصوم إنّما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر)؛ إذ لو كان المطلوب واحداً لكان المتعيّن أن يقول: (لأنّ ذلك الصوم إنّما وجب عليه في ذلك الشهر).
وفيه: أنّ العبارة تنسجم مع كلا الاحتمالين؛ إذ من الواضح أنّ الصوم لا يجب في السنة في شهرين، كما أنّه لا يجب في غير شهر رمضان، بل قد يقال: بأنّ العبارة ظاهرة في وحدة المطلوب؛ لأنّه بناءً على تعدّد المطلوب يكون الواجب شيئين، والعبارة ظاهرة في أنّ الواجب في السنة شيء واحد، ولكن يمكن الخدشة في هذا الاستظهار، فحتّى على القول بتعدّد المطلوب التعليل يأمره بإيقاع المطلوب الأوّل في شهر رمضان.
وتارةً يستدلّ بقوله g: (لأنّه دخل الشهر وهو مريض، فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا سنته للمرض الذي كان فيه ووجب عليه الفداء).
فإنّه وارد في مقام تعليل سقوط القضاء في صورة استمرار المرض إلى شهر رمضان الآخر، وقد يفهم منه أنّ هناك مطلوبين، هما صوم شهر رمضان، وصوم آخر في سنته، وهو عاجز عن كلٍّ منهما.
ويمكن التأمّل فيه؛ إذ إنّ هذا التعبير يستخدم حتّى مع القول بوحدة المطلوب، باعتبار أنّ القائل بوحدة المطلوب يقول إنّ الواجب هو صوم شهر رمضان، ويجب على المريض القضاء بعد الشهر أثناء السنة إذا لم يصم فيه، فيصحّ تعليل سقوط القضاء باستمرار المرض طيلة السنة.
وأخرى بأنّ تعليل الفرق بين صورة سقوط القضاء إذا استمر مرضه إلى رمضان الآخر وعدم سقوطه إذا أفاق أثناء السنة بقوله: (لأنّ ذلك الصوم إنَّما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر) لا يصحّ إلّا على القول بتعدّد المطلوب؛ إذ عليه يمكن القول بأنّ المكلّف إذا أفاق خلال السنة ولم يصم يكون وجوب القضاء عليه واضحاً؛ لقدرته على امتثال الأمر، فإذا لم يأتِ به لا يسقط عنه. وأمّا إذا لم يفق فيسقط عنه القضاء؛ لعجزه عن امتثال كلا الواجبين.
ولا يصحّ التعليل على القول بوحدة المطلوب؛ لأنّ العجز إذا كان هو المناط في سقوط القضاء ـ كما هو ظاهر الرواية ـ فهذا عاجز عن الإتيان بالواجب في وقته سواء أفاق خلال السنة أم استمر مرضه، فلا بدّ من الالتزام بالسقوط في كلا القسمين، ولا معنى للتفصيل المذكور.
ويمكن أن يلاحظ عليه: بأنّ صحّة التعليل بالعبارة المذكورة لا تنحصر بافتراض تعدّد المطلوب حتّى يكون دليلاً عليه، بل يصحّ التعليل على القول بوحدة المطلوب أيضاً؛ باعتبار أنّ وجوب القضاء على المريض والمسافر أمر مسلّم ومفروغ منه، قد دلّت الآية الشريفة عليه، فإذا عجز المكلّف عن الصوم في شهر رمضان لمرض أو سفر وجب عليه القضاء خلال السنة، فإذا تمكّن منه في السنة ولم يأتِ به فلا يسقط عنه. أمّا إذا لم يتمكّن منه سقط عنه؛ للعجز عن الأداء والقضاء.
مناقشة مضمونية لرواية العلل
ثُمّ إنّه قد يقال: إنّ التعليل بالتمكّن من القضاء خلال السنة وعدمه في مسألة سقوط القضاء واستقراره إنّما يصحّ بناءً على الالتزام بوجوب الإتيان بالقضاء داخل السنة، وعدم جواز تأخيره عن رمضان الآتي، حتّى يقال: إذا أفاق أثناء السنة ولم يصم لم يسقط عنه؛ لقدرته على القضاء. أمّا إذا لم يفق خلال السنة سقط عنه؛ لعدم قدرته على امتثال كلا الواجبين (الأداء والقضاء)، بينما لو قلنا بأنّ القضاء موسّع، ويجوز تأخيره عن السنة فلا يصحّ التعليل؛ إذ لا معنى لتعليل سقوط القضاء عنه إذا لم يفق خلال السنة بعدم قدرته على امتثال كلا الواجبين؛ إذ المفروض أنّ القضاء موسّع، فباستطاعته الإتيان به بعد السنة، كما لا يصحّ تعليل ثبوت القضاء بذمّته إذا أفاق خلال السنة ولم يقض مع قدرته على القضاء، بل المفروض أنّه واجب موسّع، فلم يكن وجوبه خارج السنة لأجل تركه خلال السنة.
هذا، ولكنّهم يصرّحون بجواز تأخير القضاء وعدم وجوب المبادرة إليه، ولدفع هذا الإشكال لا بدّ من الدخول في مسألة وجوب المبادرة إلى قضاء شهر رمضان قبل انتهاء السنة، فنقول: المنسوب إلى المشهور عدم جواز تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان الثاني، بل يظهر أنّه من المسلّمات على ما ذكر بعض الأعلام S (١٠٣)، ونفى المحقّق القمّي S الخلاف فيه(١٠٤).
وقد استُدلّ لقول المشهور بأدلّة:
الدليل الأوّل والثاني(١٠٥): معتبرة الفضل بن شاذان نفسها حيث ورد فيها: (فأمّا الذي لم يفق فإنّه لـمّا مرّ عليه السنة كلّها وقد غلب الله عليه فلم يجعل له السبيل إلى أدائها سقط عنه)(١٠٦). فعلّلت سقوط فرض الإتيان بالقضاء أثناء السنة بكونه معذوراً، فلو لم يكن معذوراً لما سقط عنه الصوم أثناء السنة.
ثمَّ يقول في الرواية نفسها: (لأنّه دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا في سنته للمرض الذي كان فيه)، فيظهر منها أنّه لو لم يكن مريضاً لوجب عليه الصوم في سنته، كما أنّه لو لم يكن مريضاً في شهره لوجب عليه الصوم في شهره.
وكذا معتبرة الفضل نفسها(١٠٧) بتقريب تعدّد المطلوب وكون المستفاد من الآية الشريفة مطلوبين: الأوّل: وجوب صيام شهر في السنة. والثاني : جعل هذا الواجب في شهر رمضان. وقد تقدّم الكلام في هذا.
الدليل الثالث (١٠٨): التعبير عن تركه بالتهاون والتضييع والتواني، كما في صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله h، قال: سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتّى أدركه رمضان آخر؟ فقالا: (إن كان برئ ثُمّ توانى قبل أن يدركه رمضان الآخر صام الذي أدركه، وتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين وعليه قضاؤه)(١٠٩).
ومعتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله g، قال: (وإنْ صحّ فيما بين الرمضانين فإنّما عليه أن يقضي الصيام، فإنْ تهاون به ـ وقد صحّ ـ فعليه الصدقة والصيام جميعاً لكلّ يوم مدّ إذا فرغ من ذلك الرمضان)(١١٠).
ومعتبرة الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا g: (فإنْ أفاق فيما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء؛ لتضييعه، والصوم؛ لاستطاعته)(١١١).
ورواية أبي بصير: (فإنْ صحّ فيما بين الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتّى جاء الرمضان الآخر فإنّ عليه الصوم والصدقة جميعاً، يقضي الصوم، ويتصدّق من أجل أنّه ضيّع ذلك الصيام)(١١٢).
وهذه التعبيرات لا تخلو من دلالة على أنّه واجب مضيّق، فهي لا تناسب كونه واجباً موسّعاً، فلذا لا يقال لـمَن لم يؤدِّ صلاة الظهر في أوّل وقتها أنّه تهاون أو ضيّع أو توانى.
وأورد عليه السيّد الخوئيّ S (١١٣) بأنّ غاية ما تدلّ عليه هذه التعبيرات أنّ هناك واجباً موسّعاً لم يسارع إلى امتثاله، فتوانى وأخّر وتهاون، وليكن بمعنى تسامح، لكنّه تسامح عن التعجيل لا عن أصل الامتثال، وأين هذا من الإشعار بوجوب البدار فضلاً عن الدلالة!
وما يمكن أن يقال في المقام: أنّه وإن كان للمناقشة في دلالة لفظتي (التواني والتضييع) على وجوب المبادرة مجال فإنّ التواني بمعنى التأخير، وقد أطلق التضييع في عدّة موارد على ترك الأفضل، من قبيل تأخير الصلاة عن أوّل وقتها(١١٤).
ولكن يبقى التعبير بـ(التهاون) فإنّه لا يصدق على هذا المعنى ظاهراً؛ إذ لا يطلق التهاون على الإتيان بالواجب الشرعيّ في وقته، فلا بأس بدلالة هذه المفردة على وجوب المبادرة.
الدليل الرابع: الاستدلال بمعتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله g، قال: (إن صحّ فيما بين الرمضانين فإنّما عليه أن يقضي الصيام)(١١٥).
والذي يفهم منها أنّ الواجب عليه هو قضاء الصيام فيما بين الرمضانين، فيكون الشرط قيداً للواجب مضافاً إلى تقييد الوجوب وإن وجد احتمال آخر، وهو أنّ المقصود بيان شرط الوجوب لا شرط الواجب، أي أنّ وجوب القضاء مطلقاً مشروط بأنْ يصحّ فيما بين الرمضانين.
ولكن تفريع التهاون على المعنى المذكور (إن صحّ فيما بين الرمضانين) وإيجاب القضاء والفداء عليه يكون قرينة على أنّ القيد قيد للواجب؛ إذ مع افتراض التوسعة لا يصدق التهاون على تركه القضاء في السنة الأولى.
ولكن الكلام في سند الرواية من جهة عليّ بن أبي حمزة البطائنيّ، وقد تعارض فيه التوثيق والتضعيف الروائي والرجالي.
وطريقة الجمع بين ما ذكر من عمل الطائفة برواياته(١١٦) وما ورد بحقّه من التضعيف هو الأخذ بها قبل قوله بالوقف دون غيره، وإليه يشير كلام النجاشيّ: (روى عن أبي الحسن موسى g، وروى عن أبي عبد الله g، ثُمّ وقف) (١١٧).
وأمّا طريقة تمييز رواياته التي رواها قبل الوقف عن التي رواها بعده فيتمّ بملاحظة الراوي عنه، فإنْ كان الراوي عنه من رواة الشيعة المعروفين فمن البعيد أن يروي عنه بعد الاطّلاع على ما صدر في حقّه من الطرد واللعن من قبل الأئمّة i، والذي يروي عنه في روايتنا هو الجوهري، ويمكن إثبات وثاقة الجوهري بواسطة رواية بعض الأجلّاء عنه كصفوان وابن أبي عمير(١١٨)، إلّا أنّه متّهم بالوقف(١١٩)، فيحتمل أن يروي عن البطائني حتّى بعد انحرافه.
ولكن لم يثبت كونه واقفياً فلم ينصّ النجاشي على ذلك(١٢٠)، مع أنّ ديدنه أن يذكر مذهب الشخص، وقد ذكره الشيخ في ثلاثة موارد(١٢١)، ولم ينصّ على كونه واقفياً إلّا في أحدها، فإذا استطعنا أن نقول بأنّ هذا لا يثبت الوقف له خصوصاً مع عدم نصّ النجاشيّ على ذلك، فلا نواجه مشكلة في سند هذه الرواية، وما ذكره الشيخ من نسبة الوقف إليه إشارة إلى أنّه توقّف في فترة الفتنة ثمّ رجع إلى المذهب الصحيح، كما هو موجود في عدد من الأصحاب الذين ذهبوا إلى الوقف لكن سرعان ما رجعوا بعد بيان الإمام g.
الدليل الخامس: بملاحظة روايات الباب نجد الأصحاب كثيراً ما يسألون عن حكم التأخير(١٢٢)، وهذا يكشف عن أنّهم كانوا يفهمون أنّ الواجب مضيّق لا موسّع، وهذا لا يخلو من تأييد.
الدليل السادس: التعبير بالفدية عمّا يجب عند تأخير القضاء إلى السنة الثانية، وهو ظاهر في المخالفة، وهذا المطلب قد يدّعى في الكفّارة أيضاً؛ لأنّ استخدام لفظ الكفّارة في مورد يكشف عن تحقّق مخالفة، ولكنّ روايات الباب ليس فيها إطلاق لفظ الكفّارة، بل توجد رواية واحدة أطلقت لفظ الفدية، وهي معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله g: (إذا مرض الرجل من رمضان إلى رمضان ثمّ صحّ فإنّما عليه لكلّ يوم أفطره فدية طعام)(١٢٣). ولا يمكن الاستدلال بها في المقام؛ لأنّها أطلقت الفدية في مورد لا مخالفة فيه.
وعلى كلّ حال فأصل إطلاق الفدية أعمّ من المخالفة ظاهراً؛ إذ كثيراً ما أطلقت الفدية في موارد لا مخالفة فيها كما في الصيام ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ{، وكذا في باب الحجّ(١٢٤)، مضافاً إلى أنّ موردها فدية بدل الصيام، لا فدية التأخير.
الدليل السابع: ما ذكره بعض المحقّقين S من إمكان استفادة ذلك من الآية الشريفة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{، بناءً على ظهورها في وحدة المطلوب ـ كما هو المشهور ـ فهي ظاهرة في وجوب صوم في السنة، وقد عيّن على الصحيح وغير المسافر في شهر رمضان وعلى غيرهما في أيّام أخر؛ فإنّه ظاهر في كونها من السنة؛ لأنّ المنفي عنهما تعيين رمضان، لا تعيين صوم السنة. نعم، مَن لا يتمكّن منهما يسقط عنه الصوم كالمريض المستمر به المرض، وهو المراد بـ(الذين يطيقونه)، فيكون الحكم في المريض المستمر مرضه الوارد في النصوص مأخوذاً من الآية الشريفة(١٢٥).
وما ذكره S لا يبعد أنّ يكون تامّاً؛ لأنّ الظاهر من الآية أنّها تتحدّث عن الصوم في السنة، وبناءً على وحدة المطلوب، فقد عُيّن هذا الصوم للصحيح الحاضر في شهر رمضان. ولكن استفادة هذا المعنى من الآية الشريفة بناءً على تعدّد المطلوب يكون أوضح.
وبهذا تتمّ لدينا جملة من الأدلّة على وجوب المبادرة، وعدم جواز تأخير قضاء الصوم عن رمضان الثاني.
الوجه العاشر: ما ذكره بعض الأعلام S (١٢٦) من الاستدلال بصحيحة زرارة عن أبي جعفر g، قال: (إنّ الصلاة والزكاة والحجّ والولاية ليس ينفع شيء مكانها دون أدائها، وإنّ الصوم إذا فاتك أو قصّرت أو سافرت فيه أدّيت مكانه أيّاماً غيرها، وجزيت ذلك الذنب بصدقة، ولا قضاء عليك)(١٢٧).
فقد جعلت الموضوع لوجوب القضاء عنوان (الفوت) مهما كان سببه.
ولكن لا يخفى أنّ فقرة الاستدلال لا تخلو من تشويش، فيتحتّم علينا أن نفسّر قوله g: (وجزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك) الوارد في ذيل الرواية.
ولكي يتّضح المراد من هذه الفقرة ننقل نصّ الرواية من الكافي: قال أبو جعفر g: (بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية)، قال زرارة: فقلت: وأيّ شيء من ذلك أفضل؟ فقال: (الولاية أفضل؛ لأنّها مفتاحهنّ، والوالي هو الدليل عليهن)، قلت: ثمّ الذي يلي ذلك من الفضل؟ فقال: (الصلاة؛ إنّ رسول
الله e قال: الصلاة عمود دينكم)، قال: قلت: ثمّ الذي يليها من الفضل؟ قال: (الزكاة؛ لأنّه قرنها بها وبدأ بالصلاة قبلها، وقال رسول الله e: الزكاة تذهب الذنوب)، قلت: والذي يليها من الفضل؟ قال: (الحجّ، قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾، وقال رسول الله e: لحجّة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة، ومن طاف بهذا البيت طوافاً أحصى فيه أسبوعه وأحسن ركعتيه غفر الله له. وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال)، قلت: فماذا يتبعه؟ قال: (الصوم)، قلت: وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع؟ قال: (قال رسول الله e: الصوم جنّة من النار)، قال: ثمّ قال: (إنّ أفضل الأشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤدّيه بعينه، إنّ الصلاة والزكاة والحجّ والولاية ليس يقع شيء مكانها دون أدائها، وإنّ الصوم إذا فاتك أو قصّرت أو سافرت فيه أدّيت مكانه أيّاماً غيرها وجزيت ذلك الذنب بصدقة، ولا قضاء عليك)(١٢٨).
وفي ذيل الرواية غموض؛ فإنّ قوله في نهايتها: (ولا قضاء عليك) يتنافى مع قوله قبلها: (أدّيت مكانه أيّاماً غيرها) بعد فرض اتِّحاد الموضوع في الفقرتين، ويحتمل حصول سقط فيها، بأن يكون الساقط هو عبارة (فإن تعذَّر عليك ذلك) بأن يكون متن الرواية هكذا: (وإنّ الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أدّيت مكانه أيّاماً غيرها و(إن تعذّر عليك ذلك) جزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك)، وبهذا سوف يتعدّد الموضوع، ومع تعدّده لا إشكال في تعدّد الحكم، فيرتفع إشكال المنافاة، ولكن يبقى التعبير بالذنب على الترك ـ وإن كان لعذر ـ ليس مناسباً.
إلّا أنّه يمكن أن يقال: بأنّ وجود التشويش في هذه الفقرة إنّما يضرّ بهذه الجملة الأخيرة، ولا يقتضي زوال الاطمئنان بالجملة التي قبلها، والتي هي محلّ الاستدلال.
ولكن مع ذلك لرفع الغموض الذي يكتنف ذيل الرواية نقول(١٢٩): إنّ سؤال السائل بعدما علم فضيلة الحجّ بقوله: (وماذا يتبعه) ـ مع معلومية الجواب لديه ممّا تقدّم ـ إنّما يكون تمهيداً للسؤال الآتي بعده بقوله: (وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع؟)، ونقل الإمام g قول الرسول e في فضل الصوم إنّما كان لرفع التوهّم الذي قد ينشأ في الأذهان بعدم وجود فضيلة للصوم، وبعد ذلك أعطى الإمام g الضابطة الكلّية في التقديم بقوله: (إنّ أفضل الأشياء)، وبيّن أنّ هذه الأربعة (الصلاة والزكاة والحجّ والولاية) لم يقم شيء آخر مقامها إلّا تداركها بأنفسها، بينما الصوم لـمّا كان له بديل في بعض الحالات، وهو وقوع الفداء مكانه لم يشارك هذه الأربعة في هذه المزية فأُخّر عنها، فيكون معنى قوله g: (وجزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك) يعني في الموارد التي تقوم الصدقة مقام الصوم فيها، فقوله: (وجزيت) مقابل لقوله: (أدّيت).
وأمّا إطلاق الذنب على الترك وإن كان لعذر فقد يكون إطلاقاً مجازياً، ولذا أطلق على ما يتداركه التوبة فكأنّ المراد بالتوبة هنا المعنى اللغوي وهو الرجوع، أو أنّها أطلقت على ما ينوب مناب الشيء مجازاً.
وأمّا فقرة الاستدلال فهي قوله g: (إنّ الصوم إذا فاتك أو قصّرت أو سافرت فيه أدّيت مكانه أيّاماً غيرها)، ومن الواضح دلالتها على وجوب قضاء الصوم إذا فات دائماً، وهي مطلقة، فلا موجب لتخصيصها بالمريض والمسافر؛ لوضوح أنّ موضوع الحكم فيها هو (فوت الصيام)، والعطف فيها نظير عطف الخاصّ على العامّ.
والحاصل: أنّه يمكن استفادة القاعدة الكلّية منها بخلاف الروايات الواردة في المريض والمسافر.
وبهذا ننتهي إلى وجوب القضاء على كلّ من فاته الصوم.
ويمكن جعل الروايات الدالّة على وجوب القضاء في الموارد المتفرّقة مؤيّدة لذلك. والله العالم. والحمد لله ربِّ العالمين.
المصادر
القرآن الكريم
١. الاحتجاج، الشيخ أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسيّ O (ت ٥٤٨هـ)، منشورات الشريف الرضي.
٢. اختيار معرفة الرجال، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ S (ت٤٦٠هـ)، تصحيح وتعليق: مير داماد الاسترابادي S، تحقيق: السيد مهدي الرجائيّ، نشر: مؤسسة آل البيت i، طبع: مطبعة بعثت ـ قمّ، تاريخ الطبع: ١٤٠٤هـ.
٣. أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق، تقرير بحث الشيخ مسلم الداوري (دامت افاداته)، تأليف: الشيخ محمَّد علي صالح المعلّم، الناشر: مؤسّسة الرافد للمطبوعات، تاريخ الطبع: ١٤٣٤هـ -٢٠١٢م.
٤. إعلام الورى بأعلام الهدى، الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسيّ O (ت ٥٤٨هـ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت i، المطبعة: ستارة ـ قم، ط١، تاريخ الطبع: ربيع الأول ١٤١٧هـ.
٥. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، الشيخ محمَّد باقر المجلسيّ (ت ١١١١هـ)، نشر وطبع: المكتبة الإسلاميّة، طهران، ط٦، تاريخ الطبع: ١٤٢٩هـ.
٦. تسنيم في تفسير القرآن، الشيخ عبد الله الجواديّ الآمليّ الطبريّ (دامت افاداته)، تعريب: السيّد عبد المطلب رضا، تحقيق: الشيخ محمَّد عبد المنعم الخاقانيّ، الناشر: دار الإسراء للنشر، ط٢، تاريخ الطبع: ٢٠١١م.
٧. تفسير البحر المحيط، محمّد بن يوسف الشهير بـ(أبي حيان الاندلسيّ) (ت ٧٤٥هـ) دراسة وتحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ عليّ محمّد معوض، طبع ونشر: دار الكتب العلمية ـ لبنان ـ بيروت، ط١، تاريخ الطبع: ١٤٢٢هـ.
٨. تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الشيخ محمَّد بن الحسن الحرّ العامليّ (ت ١١٠٤هـ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت i، ط٢، تاريخ الطبع: ١٤١٤هـ، مطبعة: مهر ـ قم.
٩. تنقيح مباني العروة ـ كتاب الصوم، الشيخ الميرزا جواد التبريزي S، ط١، المطبعة: شريعت، تاريخ النشر: ١٤٢٧هـ.
١٠. تهذيب الأحكام، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ S (ت ٤٦٠هـ)، تحقيق: السيّد حسن الخرسان S، الناشر: دار الكتب الإسلامية، المطبعة: خورشيد، ط٣، تاريخ الطبع: ١٣٦٤هـ ش.
١١. توضيح المقال في علم الرجال، الملا عليّ الكني (ت ١٣٠٦هـ)، تحقيق: محمّد حسين مولوي، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر، المطبعة: سرور، ط١، تاريخ الطبع: ١٤٢١هـ ق.
١٢. جامع البيان في تفسير القرآن، محمّد بن عبد الرحمن الشافعيّ الأيجيّ (ت ٩٠٥هـ) ومعه حاشية محمّد بن عبد الله الغزنويّ، تحقيق: الدكتور محمّد هنداويّ، طبع ونشر: محمّد علي بيضون (دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان).
١٣. جامع المدارك في شرح المختصر النافع، السيّد أحمد الخوانساريّ S (ت ١٤٠٥هـ)، علّق عليه: علي أكبر الغفاري، طبع ونشر: مؤسّسة التاريخ العربي، بيروت ـ لبنان.
١٤. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمّد حسن النجفيّ S (ت ١٢٦٦هـ)، نشر: مؤسسة المرتضى العالمية، طبع: دار المؤرّخ العربيّ، بيروت ـ لبنان.
١٥. الخرائج والجرائح، قطب الدين الراونديّ (ت ٥٧٣هـ)، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي، المطبعة: العلمية ـ قمّ، ط١، تاريخ الطبع: ١٤٠٩هـ.
١٦. رجال الطوسي (الأبواب)، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ S (ت ٤٦٠هـ)، تحقيق: جواد القيوميّ الأصفهانيّ، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرسين بقمّ المقدسة، ط١، تاريخ الطبع: ١٤١٥هـ.
١٧. رجال النجاشيّ (فهرست أسماء مصنّفي الشيعة)، الشيخ أبو العبّاس أحمد بن عليّ ابن أحمد بن العبّاس النجاشيّ O (ت٤٥٠هـ)، تحقيق: السيد موسى الشبيريّ الزنجانيّ F، ط٥، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقمّ المشرفة، تاريخ النشر: ١٤١٦هـ.
١٨. شرح أصول الكافي، المولى محمد صالح المازندرانيّ (ت ١٠٨١هـ)، تعليق: الميرزا أبو الحسن الشعرانيّ، تحقيق: السيّد عليّ عاشور، ط٢، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت لبنان، تاريخ الطبع: ١٤٢٩ هـ ـ ٢٠٠٨ م.
١٩. شرح مشيخة الفقيه، السيد حسن الموسويّ الخرسان، المطبوعة في نهاية كتاب من لا يحضره الفقيه، طبع: دار الكتب الإسلامية ـ طهران، ط٧
٢٠. علل الشرائع، الشيخ محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق O (ت ٣٨١هـ)، منشورات المكتبة الحيدريّة ومطبعتها في النجف الأشرف، تاريخ الطبع: ١٣٨٥هـ ـ ١٩٦٦م.
٢١. عيون أخبار الرضا g، الشيخ محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق O (ت ٣٨١هـ)، صحّحه وقدّم له وعلّق عليه العلّامة الشيخ حسين الأعلميّ، طبع ونشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت لبنان، ط١، تاريخ النشر: ١٤٠٤هـ ـ ١٩٨٤م.
٢٢. غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، الميرزا أبو القاسم القمّيّ، تحقيق: عباس تبريزيان، مساعدة: عبد الحليم الحلّيّ، السيّد جواد الحسينيّ، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ، ط١، تاريخ الطبع: ١٤١٧هـ.
٢٣. غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع: السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبيّ O (ت ٥٨٥ هـ)، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق g، ط١، المطبعة: اعتماد ـ قم، تاريخ الطبع: محرم ١٤١٧ هـ.
٢٤. فقه القرآن، قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراونديّ O (ت ٥٧٣هـ) تحقيق: السيّد أحمد الحسينيّ، نشر: مكتبة السيّد المرعشيّ النجفيّ O ، مطبعة الولاية ـ قمّ، ط٢، ١٤٠٥هـ.
٢٥. فيض العروة الوثقى، تقرير لأبحاث سماحة آية الله العظمى الشيخ الفياض F، بقلم السيّد محمّد الموسوي البكاء، ط١، المطبعة: دار الكفيل، تاريخ الطبع: ١٤٣٨ هـ ـ ٢٠١٧م.
٢٦. قبسات من علم الرجال، أبحاث السيِّد محمَّد رضا السيستانيّ (دامت افاداته)، جمعها ونظمها السيِّد محمّد البكّاء، ط، المطبعة: دار المؤرّخ العربي، بيروت ـ لبنان، تاريخ الطبع: ١٤٣٧ هـ ـ ٢٠١٦م.
٢٧. الكافي، الشيخ محمّد بن يعقوب الكلينيّ (ت ٣٢٩هـ)، ط١، المطبعة: دار المرتضى ـ بيروت، تاريخ الطبع: ٢٠٠٥م.
٢٨. كتاب الصوم ـ شرح القواعد، الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاريّ S (ت ١٢٨١هـ)، إعداد: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، ط٣، المطبعة: شريعت ـ قمّ، تاريخ الطبع: ١٤٣٦هـ.
٢٩. كتاب الغيبة، الشيخ محمّد بن الحسن الطوسيّ S (ت٤٦٠هـ)، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهرانيّ والشيخ عليّ أحمد ناصح، الناشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، ط١، تاريخ الطبع: ١٤١١ هـ.
٣٠. كمال الدين وإتمام النعمة، الشيخ محمّد بن عليّ بن الحسين القمّيّ S (ت ٣٨١ هـ)، منشورات طليعة النور، ط٢، تاريخ الطبع: ١٤٢٩هـ.
٣١. مجمع البيان في تفسير القرآن، الشيخ أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسيّ O (ت ٥٤٨هـ)، وقف على تصحيحه وتحقيقه والتعليق عليه: السيّد هاشم الرسوليّ المحلّاتيّ، طبع ونشر: مؤسّسة التاريخ العربيّ، بيروت ـ لبنان، ط١، تاريخ الطبع: ١٤٢٩هـ.
٣٢. مدارك الأحكام، السيّد محمّد بن عليّ الموسويّ العامليّ S، الناشر: مؤسّسة آل البيت i لإحياء التراث ـ مشهد المقدّسة، ط١، المطبعة: مهر ـ قم، تاريخ الطبع: ١٤١٠ هـ.
٣٣. المرتقى إلى الفقه الأرقى، السيّد محمّد الروحانيّ S، تقريرات السيّد عبد الصاحب الحكيمS ، نسخة خطّية في مكتبة الإمام الحكيم العامّة، تحت الرقم: ٣٦٠١.
٣٤. مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام، الفاضل الجواد الكاظميّ O (ت أواسط القرن الحادي عشر)، علّق عليه وخرّج أحاديثه: الشيخ محمّد باقر زاده، أشرف على تصحيحه السيّد محمّد تقي الكشفيّ، الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفرية، المطبعة: حيدري.
٣٥. المستند في شرح العروة الوثقى، تقرير بحث السيّد أبي القاسم الموسويّ الخوئيّ S (ت ١٤١٣هـ)، تأليف: الشيخ مرتضى البروجرديّ S، ضمن موسوعة السيّد الخوئيّ S الناشر: مؤسسة الخوئيّ الإسلاميّة، ط٥، ١٤٣٤هـ ـ ٢٠١٣م.
٣٦. مستمسك العروة الوثقى، السيّد محسن الحكيم S (ت ١٣٩٠هـ)، الناشر: دار الهدى، المطبعة: ظهور، ط١، تاريخ الطبع: ١٤٣٢هـ ـ ٢٠١٠م.
٣٧. مشارق الشموس في شرح الدروس، المحقِّق الأغا حسين بن جمال الدين محمّد الخوانساريّ (ت ١٠٩٩ هـ)، مؤسّسة آل البيت i لإحياء التراث.
٣٨. مصباح المنهاج، السيّد محمّد سعيد الحكيم F، الناشر: مؤسّسة الحكمة للثقافة الإسلاميّة ـ العراق ـ النجف الأشرف، ط٢، تاريخ الطبع: ١٤٢٨هـ ـ ٢٠٠٧م.
٣٩. معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، السيّد أبو القاسم الموسويّ
الخوئيّ S، ط٥، تاريخ الطبع: ١٤١٣هـ ـ ١٩٩٢م.
٤٠. مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي (ت ٦٠٦هـ)، الناشر: دار الفكر.
٤١. الميزان في تفسير القرآن، السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ S (ت ١٤٠٢هـ)، تقديم: الشيخ جوادي آمليّ، طباعة ونشر وتوزيع: دار الأضواء، ط١، تاريخ الطبع:
(١) يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: ١/ ٥٢٨، بل ربما يظهر من منتهى المطلب: ٢/ ١٨٨، وذخيرة المعاد: ١ق٣/ ٥٦٣ دعوى الإجماع عليه.
(١٠) يلاحظ: المعتبر في شرح المختصر: ٢/٤٠٤، منتهى المطلب: ١/٢١٤، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: ١/ ٢٠٤، ذخيرة المعاد: ٢/ ٣٨٣.
(١١) لقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة: ١٨٥.
(١٢) يلاحظ: تهذيب الأحكام: ١/ ٣٩٣، باب الحيض والاستحاضة والنفاس، ح٤٠، وأيضاً التهذيب :٤/٢٥٣، باب حكم المريض يفطر ثُمّ يصحّ في بعض النهار والحائض تطهر والمسافر يقدم، ح١.
(١٣) يلاحظ: مستند العروة الوثقى: ٢١/ ٢٠٣، كما يدلّ على الحكم ما رواه في الكافي: ٤/ ١٣٥، باب صوم الحائض والمستحاضة، ح٤.
(١٩) يلاحظ: تهذيب الأحكام: ٤/ ٢٤٣، باب حكم المغمى عليه وصاحب المرة والمجنون في الصلاة والصيام، ح١، ٢.
(٢٣) يلاحظ: الكافي: ٤/ ١٠٣، باب مَن أفطر متعمّداً، ح٨، تهذيب الأحكام: ٤/ ٢٠٧، باب الكفّارة في اعتماد إفطار يوم من شهر رمضان، ح٧، وفيه عن المشرقيّ عن أبي الحسن g، قال: سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاماً متعمّداً ما عليه من الكفّارة؟ فكتب g: (من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوماً بدل يوم).
(٣٦) قال تعالى في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
(٥٤) إنَّما ناقشنا الإشكالات الواردة حول سند الرواية بالتفصيل لاحتواء الرواية على مضامين عديدة نافعة في الكثير من الأبواب الفقهية.
(٥٨) يلاحظ: كمال الدين وتمام النعمة: ٢٤٠، ٢٨٦، ٣٤٢، ٤١١، ٤٣٣، ٤٨١، من لا يحضره الفقيه: ٣/ ٣٧٨، ح٤٣٣١، ٤/ ٤١٩، ح٥٩١٥.
(٦٠) ذهب إلى هذا المعنى سماحة شيخنا الأستاذ آل راضي F، وكرّره في عدد من دروسه التي حضرناها، يلاحظ أيضاً: قبسات من علم الرجال: ١/ ٣١، أصول علم الرجال: ٢/٣١٧.
(٦١) ذهب عدد من علمائنا إلى تفسير الصحّة عند القدماء بمعنى مخالف لما هو المصطلح عليه عند المتأخّرين، فيكون وصف الصحّة عندهم لا يلازم وثاقة الرواة. يلاحظ: مستند الشيعة: ١٠/ ٥٢٣، توضيح المقال في علم الرجال: ٢٠٠.
(٧٢) وقد ذكر ذلك شيخنا الأستاذ آل راضي F في بحثه الفقهي في كتاب الخمس سنة ١٤٣١هـ رقم الدرس: ٥٥، رابط
(٨٢) إذ من الواضح أنّ صياغتها من الفضل نفسه؛ لأنّ الرواية مرتّبة تبدأ بأصل الخلقة والعقائد وولاية الفقيه، ثُمّ تنتقل للأبواب الفقهية الأخرى.
(٨٣) ذكرها سماحة السّيّد محمّد رضا السيستاني (دامت بركاته) نقلاً عن رسالة سماحة المرجع الأعلى السّيّد عليّ السيستانيّ F. يلاحظ: قبسات من علم الرجال: ٢/ ١٩٠ ـ ١٩٤.
(٨٩) من لا يحضره الفقيه: ١/ ٣٠٥ ـ ٣٠٦، ح٩١٩، ٩٢٠، ص: ٣١٠، ح٩٢٦، ص: ٤٥٤، ح١٣١٨، ص: ٥٢٢، ح١٤٨٥، ص: ٥٤١، ح١٥١٠.
(٩٣) عيون أخبار الرضا: ٢/ ١٠٦، باب العلل التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنّه سمعها عن الرضا مرّة بعد مرّة وشيئاً بعد شيء وأطلق لعليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوريّ روايتها عن الرضا g.
(١٠٠) اختيار معرفة الرجال (٢/ ٨٠١-٨٠٢، ح٩٩٣): (قال أبو عمرو: قال الفضل بن شاذان: إنّي كنت في قطيعة الربيع في مسجد الزيتونة أقرأ على مقرئ يقال له: إسماعيل بن عبّاد، فرأيت يوماً في المسجد نفراً يتناجون، فقال أحدهم: إنّ بالجبل رجلاً يقال له: ابن فضّال، أعبد من رأيت أو سمعت به، قال: وإنّه ليخرج إلى الصحراء فيسجد السجدة فيجيء الطير فيقع عليه فما يظن إلّا أنّه ثوب أو خرقة، وإنّ الوحش ليرعى حوله فما ينفر منه لما قد آنست به، وإنّ عسكر الصعاليك ليجيئون يريدون الغارة، أو قتال قوم فإذا رأوا شخصه طاروا في الدنيا، فذهبوا حتّى لا يراهم ولا يرونه. قال أبو محمّد: فظننت أنّ هذا رجل كان في الزمان الأوّل، فبينا أنا بعد ذلك بسنتين قاعد في قطيعة الربيع مع أبي O إذ جاء شيخ حلو الوجه حسن الشمائل عليه قميص نرسي، ورداء نرسي، وفي رجله نعل مخصر، فسلّم على أبي فقام إليه أبي فرحّب به و بجّله، فلمّا أن مضى يريد ابن أبي عمير، قلت لشيخي: هذا رجل حسن الشمائل، مَن هذا الشيخ؟ فقال: هذا الحسن بن علي بن فضّال، قلت له: هذا ذاك العابد الفاضل؟ قال: هو ذاك، قلت: ليس هو ذاك؟، قال: هو ذاك، قلت: أليس ذلك بالجبل؟ قال: هو ذاك كان يكون بالجبل، قلت: ليس ذاك، قال: ما أقلّ عقلك من غلام، فأخبرته ما سمعته من أولئك القوم فيه، قال: هو ذاك، فكان بعد ذلك يختلف إلى أبي.
ثمَّ خرجت إليه بعد إلى الكوفة فسمعت منه كتاب ابن بكير وغيره من الأحاديث، وكان يحمل كتابه ويجيء إلى حجرتي فيقرؤه عليّ، فلمّا حجّ ختن طاهر بن الحسين وعظّمه الناس لقدره وحاله ومكانه من السلطان، وقد كان وصف له، فلم يصر إليه الحسن، فأرسل إليه أحبّ أن تصير إليّ فإنّه لا يمكنني المصير إليك، فأبى، وكلّمه أصحابنا في ذلك، فقال: ما لي ولطاهر وآل طاهر، لا أقربهم، ليس بيني وبينهم عمل، فعلمت بعدها أن مجيئه إليّ وأنا حدث غلام وهو شيخ لم يكن إلَّا لجودة النيّة.
وكان مصلّاه بالكوفة في المسجد عند الأسطوانة التي يقال لها السابعة، ويقال لها أسطوانة إبراهيم g وكان يجتمع هو وأبو محمّد عبد الله الحجّال وعلي بن أسباط، وكان الحجّال يدّعي الكلام، وكان من أجدل الناس، فكان ابن فضّال يغري بيني وبينه في الكلام في المعرفة، وكان يحبّني حبّاً شديداً).
(١٠٢) هذه التقريبات الثلاثة وما يرد عليها من إفادات شيخنا الأستاذ آل راضي F في بحثه الشريف بتاريخ: ٢ جمادى الأولى ١٤٣٩هـ.
(١٠٧) استفدنا هذا الوجه من درس شيخنا الأستاذ آل راضي (دامت افاداته) في مجلس درسه الفقهي بتاريخ ١٧/ ٦/١٤٣٩هـ.
(١١٤) يلاحظ: وسائل الشيعة: ٤/ ١١٢، باب ١ من أبواب مواقيت الصلاة، ح١٤، ص: ١٢٣ ـ ١٢٤، باب ٣ من أبواب مواقيت الصلاة، ح١٧.