تطبيق حساب الاحتمالات
على ما رواهُ جميلُ بن درّاج
عن بعضِ أصحابنا
الشيخ صلاح الرمّاحيّ (دام عزّه)
المدخل:
بسم الله الرحمن الرحيم
الإرسال في سند الحديث على مراتب ودرجات؛ إذ قد يكون الإرسال فيه في طبقة واحدة كما لو أخبر الراوي عن رجل عن المعصوم g, وقد يكون في عدّة طبقات كما لو أخبر الراوي عن بعض أصحابه عن رجل عن المعصوم g, وقد يكون المرسل من كبار الرواة كمحمّد بن أبي عمير، وقد يكون غير ذلك.
وقد ذهب جمع من الأعلام إلى حجّيّة وقبول الخبر المرسل(١) إذا كان المرسل جليل القدر ولا يرسل إلّا عن ثقة, بمعنى أنّ المقبوليّة للحديث المرسل مشروطة بحصول الاطمئنان ـ ولو إجمالاً ـ بكون الواسطة المبهمة من الثقات.
وقد عمل أصحابنا بمراسيل من عُرف عنه أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة كابن أبي عمير وصفوان وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي وأبي بصير ونظرائهم(٢) ولذلك جعلت مراسيلهم بحكم المسانيد, ونجد هذا المعنى أيضاً عند علماء الجمهوربشأن بعض رواتهم، كما أشار إلى ذلك ابن حجر في لسان الميزان حيث ذكر عدّة من رواة الجمهور، وقال: إنّهم أيضاً عُرفوا بأنّهم لا يروون إلّا عن ثقة(٣).
وكما يختلف الحال من مرسِل لآخر ـ بحسب الجلالة والوثاقة ـ قد يختلف الحال أيضاً بحسب لفظ الإرسال، كما في التعبير تارةً: (عن بعض أصحابنا)، وأخرى: (عن رجاله)، وثالثةً: (عمّن ذكره)، فقد تجد بينها اختلافاً في درجة احتمال الصدور قوّةً وضعفاً(٤).
وهناك إشكال يُطرح في المقام يُعرف بإشكال الشبهة المصداقيّة، وحاصله: أنّ احتمالَ اشتمال الواسطة المبهمة ـ مثل قوله (عن بعض أصحابه)، أو (عن بعض أصحابنا) ـ على أحد الضعفاء أو غير الموثّقين قائمٌ، ومعه لا يمكن الاعتماد على هذه الأخبار على الرغم من وثاقة الراوي عن تلك الواسطة المبهمة.
ويمكن الجواب عن ذلك بإثبات أنّ احتمال أن تكون الواسطة المبهمة أحد هؤلاء الضعفاء أو المضعّفين هو احتمال ضعيف من خلال اللجوء لحساب الاحتمالات.
هذا, وللراوي الجليل القدر (جميل بن درّاج) عشرات الروايات رواها عن بعض أصحابنا, وقد اهتمّ بها الفقهاء وأوردوها أثناء الاستدلال في مختلف أبواب الفقه من: الطهارة، والصلاة، والزكاة، والحج، والتجارة، والنكاح، والطلاق، والنفقة، والحدود.
وقد تُذكر في المقام عدّة وجوه لتجاوز الإرسال المذكور(٥).
منها: اللجوء إلى حساب الاحتمالات للتعرّف على مدى إمكان إخراج هذه المراسيل عن حدّ الإرسال والضعف إلى الإسناد والمقبوليّة، وهو ما يتناوله البحث الذي بين أيدينا.
ويقع الكلام في مبحثين، وخاتمة.
المبحث الأوّل
وفيه أمور:
الأمر الأوّل: في بيان حال جميل بن درّاج، وأقوال الأعلام فيه، وكتبه.
وهو أبو عليّ جميل بن درّاج بن عبد الله النخعيّ, من أشهر مشايخ الرواية، ومن كبار الفقهاء، ووجوه الشيعة، ثقة، جليل، كثير الرواية، وهو من الطبقة الخامسة.
أخذ العلم عن الإمامين الصادق والكاظم O، وروى عنهما، وأخذ عن زرارة بن أعين، وكان تلميذه الوفيّ الذي صحبه مدّة طويلة حتى وفاته، وأكثرَ الرواية عنه(٦).
وقد نقل الكشّيّ O أنّه أحد الستّة الثانية ـ وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله g من الطبقة الخامسة ـ الذين أجمعت الطائفة على تصحيح ما يصحّ عنهم، وتصديقهم لما يقولون، والإقرار لهم بالفقه، حتى نَقَلَ عن أبي إسحاق الفقيه ـ ثعلبة بن ميمون ـ أنّ جميل أفقه هؤلاء الستّة(٧).
وقال الشيخ O: إنّه كان من الواقفة ثمّ رجع لما ظهر من المعجزات على يدّ الرضا g الدالّة على صحّة إمامته، فالتزم الحجّة، وقال بإمامته وإمامة مَن بعده من ولده(٨).
وأورد الكشّيّ O روايات عديدة في فضله وإيمانه وعبادته(٩).
وقد عدّ النجاشيّ O لجميل كتباً ثلاثة، أحدها منفرد، والآخر مشترك مع محمّد بن حمران، والثالث مشترك مع مرازم بن حكيم، وذكر طريقه إلى جميع تلك الكتب(١٠).
وللشيخ الصدوق O طريق صحيح للكتابين المشتركين، وأمّا الكتاب المنفرد به فلم يذكر له طريقاً في المشيخة(١١).
ويمكن أن يُجاب بأنّ للشيخ الطوسي O طريقاً صحيحاً لكتاب جميل المنفرد بتوسّط الشيخ الصدوق O، كما أنّ كتاب جميل من الكتب المعروفة والمشهورة ومسلّمة الانتساب له.
وقد أثبت الشيخ O لجميل (أصلاً)(١٢)، ولم يستبعد البعض(١٣) أنّه نفس (الكتاب) الذي أثبته له النجاشي O(١٤)، فتأمّل.
كما نُقل عن النجاشي O قوله أنّ لجميل كتاباً وأصلاً(١٥).
ولكن الموجود في النسخ المتداولة من فهرست النجاشي إثبات الكتاب دون الأصل، فراجع.
وقد استطرف ابن إدريس O من كتاب (جميل) عدّة روايات ذكرها في مستطرفاته(١٦)، وقد نقلها الحرّ العامليّ O عنه عن كتاب (جميل)(١٧).
الأمر الثاني: في انصراف لفظ (جميل) عند إطلاقه إلى جميل بن درّاج:
ينحصر البحث ـ بملاحظة الطبقة ـ في إطلاق لفظ (جميل) بين (جميل بن درّاج وجميل بن صالح) إلّا أنّ الملاحَظ أنّ روايات ابن درّاج أضعاف روايات ابن صالح, والملاحظ ـ أيضاً ـ أنّ الإرسال في روايات ابن صالح نادر بخلاف الحال في الإرسال في روايات ابن درّاج فإنَّه متداول كثيراً، فيُظنُّ قويّاً أن يكون المراد بـ(جميل) في محلّ البحث عند إطلاقه في الأسانيد هو ابن درّاج.
هذا من جانب, ومن جانب آخر أنّ اختصار أسماء الرواة في الأسانيد لا يقع عادةً إلّا أن يكون المراد به واضحاً بقرينة الراوي والمروي عنه، أو يكون المراد به المشهور دون المغمور، أو الأشهر دون من هو أقلّ شهرة(١٨)، ومن المقطوع به أنّ ابن درّاج كان أشهر عند أصحابنا من ابن صالح.
وممّا يؤيّد أنّهم كانوا يعبّرون عن جميل بن درّاج بـ(جميل) مجرّداً هو أنّ بعضهم يصرّح بالاسم واسم الأب، بينما الآخر يكتفي بإطلاق الاسم فقط، هذا في نفس السند الواحد والرواية الواحدة.
فترى أنّ الشيخ الكلينيّ O في الكافي (٧/ ٢٥ ح٤) ذكره بعنوان (جميل) بينما الشيخ الصدوق Oفي من لا يحضره الفقيه (٤/٢٢٥ ح٥٥٣١) ذكر الرواية نفسها وعنونه بـ(جميل بن درّاج).
وكذا ترى أنّ الشيخ الكلينيّ O في الكافي أيضاً (٦/ ٨١ ح٥) ذكره بعنوان (جميل) بينما الشيخ الطوسيّ O في الاستبصار (٣/ ٢٩٨ ح٣) ذكر الرواية نفسها وعنونه بـ(جميل بن درّاج).
بل إنّ الشيخ الكلينيّ O نفسه في الكافي (٦/٨٩) عنونه بـ(جميل بن درّاج) في الحديث ٢ بينما عنونه بـ(جميل) في الحديث ٣، والرواية نفسها(١٩).
كما روى O أيضاً في الكافي (٧/١٨٩) الحديث نفسه تارة عن (جميل) مجرّداً في الحديث ٣، وأخرى عن جميل بن درّاج(٢٠) في الحديث ٥.
وقد روى الشيخ الكلينيّ O في الكافي (٧/٣٢١ ح٨) عن جميل بن درّاج، بينما رواه الشيخ الصدوق O في من لا يحضره الفقيه (٤/١٣٥ ح٥٢٩٨) عن جميل مجرّداً.
كما ورد عن الشيخ O في تهذيب الأحكام (١/١٥٦ ح٢٠) عن جميل بن درّاج بينما ورد نفسه عن الشيخ نفسه في الاستبصار (١/١٣١ ح٤) عن جميل مجرّداً.
وذكر الشيخ الكلينيّ O في الكافي (١/٥٤٤ ح٨) عن جميل بن درّاج بينما ذكر الشيخ الطوسي O نفس الخبر في تهذيب الأحكام (٤/١٢١ ح٢) عن جميل مجرّداً.
وكذا روى الشيخ الكلينيّ O في الكافي (٥/٢١١ ح١٣) عن جميل بن درّاج، بينما رواه نفسه الشيخ الطوسي O في تهذيب الأحكام (٧/٧٤ ح٣٢) عن جميل مجرّداً.
فمن مجموع ما تقدّم لا يبعد أن يكون المراد من (جميل) مجرّداً في الأسانيد هو جميل ابن درّاج وليس جميل بن صالح(٢١).
الأمر الثالث: في استقصاء ما رواه جميل عن بعض أصحابنا:
بعد مراجعة الكتب الأربعة ـ الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار وجدنا أنّ المجموع الكلّيّ لمرويات جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا قد بلغ العشرات، وبعد عمليّة إحصاء هذه الروايات وتتبع أسانيدها لاحظنا ما يلي:
ذكرت إحداهما في نوادر الأشعريّ (صفحة: ١٠٠) بعنوان (عن جميل، عن بعض أصحابنا)، ولكن رواها في الفقيه (٣/٤١٤ ح٤٤٤٧) عن جميل بن درّاج أنّه سُئل أبو عبد الله g.
والأخرى وردت مرسلة في تفسير العياشيّ O (٢/١٠) عن جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا, وقد رجّحنا عدم احتسابهما.
٥ - قد ورد تعبير (جميل، عن غير واحد من أصحابنا) في روايتين: إحداهما في الكافي في (٧/٣٤٨ ح٢), والأخرى في التهذيب (١٠/٢٧٢ ح١١), والاستبصار (٤/٢٩٦ ح٢) وقد ذهب الأكثر إلى اعتبارها سنداً(٢٢)؛ باعتبار تعدّد النقل، فهو كالمستفيض المشتمل على بعض الثقات.
ومحصّل ما كان منها عن جميل بن درّاج (عن بعض أصحابنا) بعد حذف المكرّر منها: ستّ وثلاثون رواية، وهي كما يلي مع الإشارة لمواضع تكرارها:
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا مثله. (الكافي: ٦/٨٤).
الأمر الرابع: في بيان هل أنّ جميل بن درّاج روى عن مشهور بالضعف، أو عمّن ضعّفه بعضُ الرجاليّين صريحاً؟ فنقول:
وردت رواية جميل بن درّاج في الكتب الأربعة وغيرها عن جملة من الرواة بلغوا ثلاثة وأربعين راوياً، وأغلبهم من الثقات كزرارة بن أعين ومحمّد بن مسلم وأبي بصير وأبان بن تغلب، كما وردت روايته أيضاً عن بعض المضعّفين وعن الذين لم يوثّقوا صريحاً، وهم:
ولكن يمكن القول بأنّ بعض هؤلاء يُشك في رواية جميل عنه، وبعضهم يمكن الاطمئنان بعدم التوقّف في قبول روايته، فنقول:
روى عنه جميل رواية واحدة، وردت في الكافي: (١/١٦٢ ح١).
وسندها هو: محمّد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن ابن الطيّار، عن أبي عبد الله g.
والمراد بـ (ابن الطيّار) في السند هو حمزة لا والده، بقرينة أنّ الرواية مرويّة في التوحيد (ص ٤١٠) عن ثعلبة بن ميمون عن حمزة بن الطيّار.. الحديث.
وظاهر الرجل كونه إماميّاً(٢٣)، ولم يرد في حقّه توثيق أو تضعيف.
والروايتان المعتبرتان اللّتان ذكرهما الكشّيّ(٢٤) الدالّتان على حُسن ابن الطيّار وجلالته إنّما هما واردتان بشأن أبيه كما نبّه على ذلك المحققّ التستريّ والسيد الخوئيّ(٢٥).
وربّما يُقال بتوثيقه من جهة رواية صفوان عنه، لكنها غير ثابتة؛ لأنّ الطريق إلى تلك الرواية ضعيف(٢٦).
لم يرد في حقّه توثيق أو تضعيف، وقد روى عنه جميل رواية واحدة، وردت في الكافي: (٧/٢٤ ح ٣).
وسندها هو: عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن زكريا بن يحيى الشعيريّ، عن الحكم بن عيينة، قال: كنّا على باب أبي جعفر g..الحديث.
وليس للرجل ذكر في كتب الرجال(٢٧).
ثمّ إنّ هناك اختلافاً كبيراً في النُسخ في مَن توسّط بين جميل والحكم، ولا يمكن ترجيح احتمال على آخر(٢٨).
وعلى تقدير كون المرويّ عنه هو زكريا بن يحيى فيحتمل أن يكون الواسطيّ الذي وثّقه النجاشيّ(٢٩)؛ فإنّه من الطبقة الخامسة فيصلح أن يروي عنه جميل، وأمّا التميميّ الذي وثّقه النجاشيّ(٣٠) فهو لعلّه من السادسة، فيكون جميل أسبق منه.
من أصحاب الباقر والصادق h, والظاهر أنّه سلمة بن محرز القلانسيّ الكوفيّ، ويفهم من بعض رواياته أنّه كان شيعيّاً(٣١).
وقد اعتمد بعضهم على روايته من حيث كونه من مشايخ ابن أبي عمير(٣٢).
والمتتبِّع للأسانيد يجد أنّ روايات ابن أبي عمير عن رواة الطبقة الرابعة تكون مع الواسطة في سائر الموارد، فكون سلمة من مشايخ ابن أبي عمير محلّ نظر(٣٣).
لم يرد في حقّه توثيق أو تضعيف، وقد روى عنه جميل رواية واحدة، وردت في الكافي: (٣/٢٣٨ ح٩).
وسندها هو: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن حديد، عن جميل، عن عمرو بن الأشعث أنّه سمع أبا عبد الله g .. الحديث.
ومع قلّة رواياته فقد رواها عنه ثلاثة من أصحاب الإجماع(٣٤).
ورواية جميل عنه غير ثابتة؛ فإنّ الراوي عن جميل ـ في السند المشار إليه ـ هو عليّ بن حديد، وهو مضعّف(٣٥).
روى عنه جميل رواية واحدة، وردت في الكافي: (٣/٤٨٧ ح٣).
وسندها هو: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن عائذ الأحمسيّ، قال دخلت على أبي عبد الله g.. الحديث.
و الظاهر أنّ عائذ الأحمسيّ هو عائذ بن حبيب كما يدلّ عليه كلام الصدوق O في المشيخة، حيث قال: (وما كان فيه عن عائذ الأحمسيّ فقد رويته ـ إلى أن قال ـ عن عائذ ابن حبيب الأحمسيّ)(٣٦).
ولم يرد في حقّه توثيق أو تضعيف.
لم يرد في حقّه توثيق أو تضعيف، وقد روى عنه جميل رواية واحدة، وردت في الكافي: (٢/٤٧٧ ح٤).
وسندها هو: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر g .. الحديث.
لم يرد في حقّه توثيق أو تضعيف، ووردت رواية جميل عنه في التهذيب: (٩/٣٢١ ح٩).
وسندها هو: عليّ بن الحسن بن فضّال، عن جعفر بن محمّد بن حكيم، عن جميل بن درّاج، عن عبد الله بن محرز، عن أبي عبد الله g.. الحديث.
والرواية بنفس الألفاظ ـ تقريباً ـ وردت في الكافي: (٧/١٠٠ ح ٢) بسند مغاير، وهو: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن عبد الله بن محرز، قال: قلت لأبي عبد الله g.. الحديث.
روى عنه جميل رواية واحدة وردت في الكافي: (٥/٥١٢ ح٨).
وسندها هو: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، قال: لا يجبر الرجل إلّا على نفقة الأبوين والولد. قال ابن أبي عمير: (قلت لجميل: والمرأة؟ قال: قد روي عن عنبسة، عن أبي عبد الله g، قال: إذا كساها ..) الحديث.
ويمكن القول بوثاقته من خلال رواية صفوان عنه في الكافي: (٦/ ١٤٣ ح٩)، وفي رجال الكشّيّ: (٢/٥٧٩)، ورواية ابن أبي عمير عنه في من لا يحضره الفقيه: (٣/٤٢٠ ح ٤٤٦٣).
وقيل(٣٧) باتّحاده مع عنبسة بن بجاد العابد الذي وثّقه النجاشي في التسلسل (٨٢٢)(٣٨).
روى عنه جميل رواية واحدة، وردت في الكافي: (٥/٢٨٤ ح٢).
وسندها هو: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن عليّ الأزرق، قال: سمعت أبا عبد الله g.. الحديث.
وعليّ الأزرق هو عليّ بن أبي المغيرة الزبيديّ.
وقد وثّقه العلّامة وابن داود(٣٩)، ولكن لا يمكن البناء على ذلك، ولعلّ منشأ توثيقهما عبارة النجاشيّ O في ترجمة ابنه الحسن(٤٠)، حيث قال: (الحسن بن عليّ بن أبي المغيرة الزبيديّ الكوفيّ، ثقة هو، وأبوه روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله O، وهو يروي كتاب أبيه، عنه)، والظاهر أنّ التوثيق في كلام النجاشيّ يرجع إلى الحسن لا إلى أبيه ولا إليهما معاً، كما أوضح ذلك السيّد الخوئي Sفراجع(٤١).
كوفيٌّ من أصحاب الصادق g، قاله البرقي(٤٢). وفي بعض الروايات إشعار بأنّه من الشيعة الخلّص(٤٣)، ولم يوثّق. وقد روى عنه جميل خمس روايات.
روى عنه جميل رواية واحدة، وردت في التهذيب: (٢/٣٦٧ ح٥٩).
وسندها هو: محمّد، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان، عن جميل، عن الحسن بن شهاب، قال: سألت أبا عبد الله g .. الحديث.
أقول: لم يرد فيه توثيق، وقد روى عنه بعض الأجلّة غير جميل، كأبان بن عثمان وجعفر بن بشير.
روى جميل عن يونس رواية واحدة مشتركاً مع حفص بن غياث، وردت في الكافي: (٦/٤٧٣ ح٢).
وسندها هو: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن يونس بن ظبيان، وحفص بن غياث، عن أبي عبد الله g.. الحديث.
وقد وردت أخبار في ذمّه(٤٤)، وأخرى في مدحه(٤٥)، وقد ذهب أساطين علماء الرجال إلى تضعيف الرجل.
ومن الجدير بالذكر أنّ جميل روى هذه الرواية عن يونس بن ظبيان وحفص بن غياث معاً, وحفص من الثقات.
فتحصّل من جميع ما تقدّم:
المبحث الثاني
في تطبيق حساب الاحتمالات على روايات جميل
روى جميل بن درّاج في الكتب الحديثيّة المئات من الروايات.
وكانت تلك الروايات عن (٤٣) شيخاً. وقد قيل بضعف أو عدم ثبوت وثاقة (١٢) شيخاً منهم، إلّا أنك عرفت ـ ممّا مرّ بيانه ـ إمكان القول بوثاقة بعضهم وعدم ثبوت روايته عن البعض الآخر، فيتحصّل أنّ جميل روى عن (٤١) شيخاً، وكان غير الموثقين منهم (٨) مشايخ، والمضعّف صريحاً هو شيخ واحد.
والصحيح في حساب الاحتمالات أن يُجرى وفق عدد الروايات(٤٦), ليحصل كلّ راوٍ على استحقاقه من قيمة الاحتمال بحسب رواياته، إلّا أننا لم نقتصر على ذلك وأجريناه وفق عدد الرواة أيضاً لزيادة في الفائدة لمن طلبها.
ثمّ إنّ المعادلة التي تخرج النسبة المئويّة للثقات والضعفاء مباشرة يكون شكلها كما يلي:
ل١ = العدد الكلي, ل٢= العدد المحدّد ولتطبيق هذه المعادلة هناك عدّة حالات وصور:
الحالة الأولى: في حساب المرويّات التي وردت بعنوان (جميل بن درّاج) عن مشايخه في الكتب الأربعة (الكافي والتهذيب والاستبصار والفقيه).
أجرينا التتبّع لجميع مرويات (جميل بن درّاج) في الكتب الأربعة, وبعد حذف المكرّر منها، واستبعاد الروايات الضعيفة السند إلى جميل؛ لأنّها غير منتجة, كانت النتائج كالآتي:
مجموع رواياته: ١٨٥
عدد رواياته عمّن لم يوثّق: ٦
عدد رواياته عمّن صرّح بضعفه: ١
ولحساب نسبة رواياته عن غير الموثّق عدا ما رواه عن بعض أصحابنا:
فتكون نسبة رواياته عن غير الموثّقين:
الحالة الثانية: في حساب المرويّات التي وردت بعنوان جميل ـ مجرّداً ـ ، عن مشايخه في الكتب الأربعة (الكافي والتهذيب والاستبصار والفقيه).
أجرينا التتبّع لجميع مرويات (جميل) في الكتب الأربعة, وبعد حذف المكرّر منها، واستبعاد الروايات الضعيفة السند؛ لأنّها غير منتجة, كانت النتائج كالآتي:
مجموع رواياته: ١٣٧
عدد رواياته عمّن لم يوثّق: ٢
عدد رواياته عن ضعيف: ٠
ولحساب نسبة رواياته عن غير الموثق عدا ما رواه عن بعض أصحابنا:
وإذا أردنا أن ندمج العنوانين (جميل) و(جميل بن درّاج) ـ كما هو الصحيح ـ تكون النتيجة:
الحالة الثالثة: في حساب نسبة الاحتمال لمشايخه غير الموثّقين والضعفاء صريحاً:
ج. مشايخه غير الموثّقين والضعفاء صريحاً معاً:
ومن خلال هذه النتائج ـ لا سيّما المهم منها وهو دمج الحالتين الأولى والثانية ـ يمكن أن يحصل الاطمئنان بكون الواسطة المبهمة ـ بعض أصحابنا ـ التي بين جميل وبين أحد الإمامين الصادقين h ليس سوى أحد مشايخه الثقات(٤٧).
الخاتمة
في خلاصة النتائج التي توصّلنا إليها من خلال الطرح المتقدّم:
أوّلاً: إنّ جميل بن درّاج من الرواة الثقات المكثرين الذين أجمع الأصحاب الأوائل على جلالته وأقرّوا له بالعلم والفقاهة.
ثانياً: روى جميل بن درّاج في الكتب الأربعة عن واحد وأربعين شيخاً، وجلّهم من الثقات كزرارة ومحمّد بن مسلم وأبان بن تغلب، وأنّه لم يروِ عن ضعيف مصرّح بضعفه إلّا في يونس بن ظبيان كما تقدّم. نعم، روى عن ثمانية ممّن لم يصرّح بوثاقتها.
ثالثاً: إنّ مرويّات جميل بن درّاج عن (بعض أصحابنا) بلغت ستّاً وثلاثين رواية، وقد تكرّرت في الكتب الأربعة.
رابعاً: تبيّن من خلال حساب الاحتمالات أنّ نسبة روايات جميل بن درّاج عن غير الموثقين والمضعّفين (٢.٧٩%) وهي نسبة ضئيلة يمكن إهمالها عند العقلاء ليحصل الاطمئنان بأنّ الواسطة المبهمة ـ بعض أصحابنا ـ ليست سوى أحد مشايخه الثقات.
وعلى ضوء ما تقدّم فإنّه لو اطمأنّ الرجاليّ وفق هذه المعطيات وحكم على أنّ الذي عبّر عنه جميل بـ(بعض أصحابنا) كان أحد مشايخه الثقات لما كان بعيداً عن الصواب.
والحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على سيدنا محمَّد وآله الطّيّبين الطّاهرين.
المصادر
(١) قال الشيخ الطوسي O في العدّة (١/ ١٥٤): (وإذا كان أحد الراويين مُسنداً والآخر مرسلاً نُظر في حال المُرسل، فإن كان ممّن يُعلم أنّه لا يُرسل إلاّ عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عُرفوا بأنّهم لا يروون ولا يُرسلون إلّا عمّن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم ـ إلى أن قال ـ فإنّ الطائفة كما عملت بالمسانيد عملت بالمراسيل).
(٢) يلاحظ: مقباس الهداية: ١/٢٥٢, قوانين الأصول (ط. ق): ٤٧٨.
(٣) يلاحظ: لسان الميزان: ١/١٥.
(٤) يلاحظ: حاشية منتهى المقال: ١/٩٠.
(٥) منها: مساواة جميل بن درّاج مع المشايخ الثلاثة ـ ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي ـ وأضرابهم.
ومنها: أنّ المراد بـ(بعض أصحابنا) في الأسانيد المتقدّمة هو زرارة بن أعين أو محمّد بن مسلم، وذلك يبتني على مقدّمتين:
الأولى: إنّ أغلب مرويّات جميل عن بعض أصحابنا كانت عن (أحدهما i).
الثانية: لم تُلحظ هذه الكثرة في استخدام تعبير(عن أحدهما i) لغير زرارة ومحمّد بن مسلم.
ويؤيّده أنّ أغلب مرويّات جميل بن درّاج المسندة في الكتب الحديثيّة كانت عن زرارة ومحمّد بن مسلم.
ومنها: ما قيل من أنّ تعبير الثقة عمّن روى عنه ب (بعض أصحابنا) لا ينسحب عليه حكم الإرسال أصلاً. (لاحظ: الرواشح السماويّة: ٢٦٠).
(٦) يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: ١٢٦ وما بعدها، معجم رجال الحديث: ٥/ ١٢٢ وما بعدها.
(٧) يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: ٢/ ٦٧٣ ح ٧٠٥.
(٨) يلاحظ: الغيبة: ٧١.
(٩) اختيار معرفة الرجال: ح ٢١٣، ٢٥٢، ٣٧٣، ٤٦٩.
(١٠) يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة : ١٢٧.
(١١) يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: ٤/ ٤٣١.
(١٢) يلاحظ: الفهرست: ٩٤.
(١٣) يلاحظ: ما جاء تحت عنوان نظرة في أسانيد مستطرفات كتاب جميل (مستطرفات السرائر: ٨٣).
(١٤) يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: ١٢٧.
(١٥) يلاحظ: كتاب الطهارة للسيد الخميني: ٣/ ٣٥٢.
(١٦) يلاحظ: مستطرفات السرائر: ٥٦٧.
(١٧) يلاحظ: وسائل الشيعة: ١٢/ ٣٢٩ ح ٦، ٤٠٥ ح ١١، ٢٣/ ٣٩٠ ح٥.
(١٨) هذا الوجه معروف بين الأعلام، وممّن ذكره السيّد الأستاذ (دامت بركاته) في محضر درسه الشريف في شرح مناسك الحج لعام ١٤٣٦ هـ.
(١٩) وإنْ كانت الرواية الأولى عن زرارة ، والرواية الثانية عن محمّد بن مسلم، ولكن لا يبعد اتّحادهما؛ لاستبعاد أن يكون المتن نفسه يرويه جميل بن درّاج تارة وجميل بن صالح أخرى.
(٢٠)وإن كانت الرواية الأولى رواها ابن أبي عمير عن جميل، والثانية رواها ابن أبي نجران عن جميل بن درّاج ولكن لا يبعد اتّحادهما للوجه الذي ذكرناه في الهامش السابق.
(٢١) من خلال المراجعة وملاحظة المشايخ والطرق يتّضح أنّ الحسن بن محبوب غالباً ما يروي عن٣ ٤جميل بن صالح...ولم يروِ عن ابن درّاج إلّا نادراً.
وكذلك روى جميل بن صالح عن محمّد بن مروان، وسدير، وعبد الملك بن عمرو، وفضيل بن يسار في عدّة موارد، ولم يروِ عنهم ابن درّاج إلّا نادراً.
وكذلك من التتبّع تمّ تحديد الموارد التي تنصرف إلى جميل بن صالح دون جميل بن درّاج، وهي: في الكافي (١/٨٤ ح ٥)، و(١/١٧٠ ح ٤)، و(١/٢٢٠ ح ١٥)، (١/٨٤ ح ٢٦)، (٥/١٧٠ح ٦)، وفي الاستبصار (٣/٨١ ح٥)، وفي التهذيب (٣/٢٧٤ ح ١١٤)، وفي الفقيه (٣/٩٤ ح٣٣٩٨).
(٢٢) يلاحظ: عدّة الرجال (١/١٣٥)، مسالك الأفهام (١٥/٢٥)، الرسائل الرجاليّة (٢/١٤٨).
(٢٣) تنقيح المقال: ٢٤/٢٧٦.
(٢٤) الأوّلى: عن هشام بن الحكم قال ، قال لي أبو عبد الله `: ما فعل ابن الطيّار ؟ قلت: مات. قال: (رحمه الله) ولقّاه نضرة وسروراً، فقد كان شديد الخصومة عنّا أهل البيت.
الثانية: عن أبي جعفر الأحول، ومضمونها مضمون الأوّل.
يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: ح ٦٥١، ٦٥٢.
(٢٥) يلاحظ: قاموس الرجال: ٩/ ٣٤٦، معجم رجال الحديث: ٧/ ٢٩٤.
(٢٦) يلاحظ: قبسات من علم الرجال: ٢/٥٥٦.
(٢٧) يلاحظ: تنقيح المقال في علم الرجال (ط. حديثة): ٢٨/٢٨٣.
(٢٨) يلاحظ: قبسات من علم الرجال: ٢/٣٠٩.
(٢٩) يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: ١٧٣.
(٣٠) يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: ١٧٣.
(٣١) يلاحظ: منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال: ٦/٤١.
(٣٢) يلاحظ: تنقيح المقال في علم الرجال:ج٢ ق١ ص٥١.
(٣٣) يلاحظ: قبسات من علم الرجال: ١/٢٧٠.
(٣٤) يلاحظ: معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة: ١٤/٨٤.
(٣٥) يلاحظ: الاستبصار: ١/ ٤٠).
(٣٦) من لا يحضره الفقيه: ٤/ ٤٤٠.
(٣٧) يلاحظ: تكملة الرجال: ٢/٢٤٨.
(٣٨) يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: ٣٠٢، ت ٨٢٢.
(٣٩) خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: ١٠٦، رجال ابن داود: ٧٥.
(٤٠) فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: ٤٩ تسلسل (١٠٦).
(٤١) يلاحظ: معجم رجال الحديث: ١٢/ ٢٦٦ - ٢٦٧.
(٤٢) يلاحظ: الرجال للبرقي: ٣٩.
(٤٣) يلاحظ: معجم رجال الحديث: ١٩/ ٣٨٥.
(٤٤) يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: ح٦٧٣.
(٤٥) يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: ح٦٧٥.
(٤٦) يلاحظ: بحوث في شرح مناسك الحج: ٩/٥٦١، بحوث فقهيّة: ٢٩١.
(٤٧) لاحظ: مجلّة دراسات علميّة (العدد ٥): ٢٤٩.