تعقيبات حول وثاقة رواة كامل الزيارات

احدث المقالات

PDF
نص المقال

 

 

تعقيبات 

حول وثاقة رواة كامل الزيارات 

 

 

الشيخ بشّار أبو كلل (دام عزّه)

 

 

 

وثاقة رواة كتاب (كامل الزيارات) من البحوث الرجاليَّة التي احتدم الجدل بشأنها بين الأعلام، وقد كتب فيها الأستاذ السيد محمَّد رضا السيستاني  بحثاً مطوَّلاً نُشر في مجموعة أبحاثه الرجاليَّة (قبسات من علم الرجال), وقد قام أحد تلامذته بتوضيح مرامه وتبيينه ومناقشة بعض ما كُتب مؤخّراً في الردّ عليه, وهذا البحث يشتمل على نقاط إضافية يجدر الاطلاع عليها.

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطيبين الطاهرين الغرّ الميامين. وبعد .. 

فقد ذهب أستاذ أساتذتنا السيد المحقّق الخوئي S في شطر من حياته المباركة إلى وثاقة من وقعوا في أسانيد كتاب (كامل الزيارات) لابن قولويه، وقد تبعه في ذلك عدد من تلامذته وغيرهم، ولكنه S عدل عن هذا المبنى لاحقاً وبنى على اختصاص التوثيق بمشايخ ابن قولويه بلا واسطة، وأصدر بياناً أوضح فيه وجه عدوله عن القول الأوَّل، ورد فيه ما نصّه: 

(بعد ملاحظة روايات الكتاب والتفتيش في أسانيدها ظهر اشتماله على جملة وافرة من الروايات ــ لعلّها تربو على النصف ــ لا تنطبق عليها الأوصاف التي ذكرها S في المقدّمة, ففي الكتاب الشيء الكثير من الروايات المرسلة والمرفوعة والمقطوعة التي تنتهي إلى غير المعصوم والتي وقع في إسنادها من هو من غير أصحابنا. كما أنَّه يشتمل على الكثير من روايات أناس مهملين لا ذكر لهم في كتب الرجال أصلاً بل وجماعة مشهورين بالضعف كالحسن بن علي بن أبي عثمان ومحمَّد بن عبد الله بن مهران وأميّة بن علي القيسي وغيرهم. ومعلوم أنّ هذا كلّه لا ينسجم مع ما أخبر S في الديباجة لو كان مراده توثيق جميع من وقع في إسناد كتابه من أنَّه لم يخرج فيه حديثاً روي عن الشذّاذ من الرجال غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم. فصوناً لكلامه S عن الإخبار بما لا واقع له لم يكن بدّ من حمل العبارة على خلاف ظاهرها بإرادة مشايخه خاصَّة. وعلى هذا فلا مناص من العدول عمّا بنينا عليه سابقاً والالتزام باختصاص التوثيق بمشايخه بلا واسطة).

ولكنّ بعض المراجع الأعلام F بقي متمسكاً  بالقول الأوَّل وأجاب عمّا أفاده السيد الخوئي S بما ملخّصه(١)

إنَّ عبارة ابن قولويه آبية عن الحمل المذكور. كيف وإنَّ الغرض من توثيق الرجال بيان اعتبار روايات الكتاب, ومن الظاهر أنَّ اعتبار الرواية إنَّما يكون بوثاقة جميع رجال سندها لا خصوص الراوي الأوَّل الذي يروي عنه ابن قولويه. بل قوله: (ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذّاذ من الرجال) كالصريح في خلافه، وإلّا كان يقول: (ولا أخرجت فيه حديثاً رواه الشذّاذ). وعليه لا بدّ من إبقاء كلامه على ظاهره من هذه الجهة, وحيث كان منزّهاً عن الكذب فلا بدَّ من توجيه كلامه بما يناسب الكتاب المذكور، وذلك بالنظر في نقاط الضعف التي أشير إليها واحدة واحدة ..

١ ــ اشتمال الكتاب على الروايات المرسلة والمرفوعة والمقطوعة لا ينافي تعهّده, فإنَّ من القريب اطّلاعه على أنَّ الشخص الذي أرسل هو ممَّن لا يرسل إلّا عن ثقة ــ حيث لا يبعد مألوفية ذلك عند القدماء كما وصل ذلك إلينا من بعضهم صريحاً ــ أو على أنَّ الكتاب الذي اشتمل عليه الخبر المذكور هو من الكتب التي قامت القرائن الخارجية على صحَّة أخبارها لعرضها على الأئمَّة i أو على خواص أصحابهم ممَّن يحسن التمييز ونحو ذلك ممَّا قد يتيسّر له ولأمثاله من قدماء الأصحاب وذوي المقام منهم الاطلاع عليه وإن خفي علينا الكثير من ذلك لبُعد العهد وإثارة الشبه ونحو ذلك.

٢ ــ انتهاء الروايات إلى غير المعصومين  i إنَّما يكشف عن أنَّ تعهّده بالاقتصار على رواياتهم مبني على الغالب .. على أنَّه إنَّما التزم بذلك فيما إذا كان في الرواية عنهم ما يغني عن الرواية عن غيرهم. وعلى كل حال فلا دخل لذلك بالمهمّ في ما نحن فيه من وثاقة رجال السند.

ومثله الحال في الرواية عن غير أصحابنا إذا كان المراد منهم مَن هو بعيد عن أصحابنا, أما لو أريد به مَن هو مختلط بهم كالسكوني وأبي الجارود وطلحة بن زيد فهم ملحقون بأصحابنا في عرف أهل الحديث.

٣ ــ اشتمال الكتاب على الكثير من روايات أناس مهملين لا ذكر لهم في كتب الرجال لا ينافي تعهّده, فإنَّ كتب الرجال قد أهملت الكثير من الرواة.

٤ ــ اشتمال الكتاب على جماعة مشهورين بالضعف إن كان المراد به أنَّهم مشهورون عند غيره بنحو يمكن مخالفة ابن قولويه للمشهور في ذلك فهو لا يعدو أن يكون اختلافاً بين أهل الجرح والتعديل الذي يقع كثيراً .. وإن كان المراد أنَّهم مشهورون بالضعف عند الأصحاب عموماً بحيث لا يمكن خفاء ذلك على ابن قولويه ومخالفته لهم فيه فيهوّن الأمر إمكان جمع توثيقه لهم في كتابه مع تضعيفهم المذكور بأنَّه لمّا كان الغرض من توثيقهم هو توثيق رواياتهم فالظاهر أنَّ المراد بذلك وثاقتهم حين أدائهم الرواية وأخذها عنهم؛ لأنَّ ذلك كافٍ في حجيّة الرواية والاعتماد عليها، ولا ينافي ذلك أن يعرض ما يسقط روايته عن الحجيّة من ضعف في الذاكرة حتى صار يخلط ولا يضبط أو من هزّة وفتنة أخرجته عن مقام الوثاقة أي الكذب أو الغلوّ أو الكفر أو غير ذلك. 

وإن لم يكن هذا الوجه هو الظاهر بدواً فلا أقل من لزوم الحمل عليه بعد ملاحظة واقع الكتاب ومراعاة مؤلّفه في الوثاقة والجلالة ورفعة المقام وقدم الطبقة، وهو أولى بكثير من حمل كلامه على توثيق خصوص مشايخه الذين يروي عنهم بلا واسطة.

هذا كلام بعض المراجع الأعلام F. وقد تعرَّض له بعض أساتذتنا  في بحوثه الرجالية وناقشه بكلام مفصَّل، ورد فيه ما نصّه(٢)

(أمَّا ما ذكر في وجه إباء عبارة ابن قولويه عن الحمل على إرادة توثيق مشايخه المباشرين خاصَّة فيلاحظ عليه بأنَّه ربَّما كان S يعتقد في مشايخه المذكورين في الكتاب أنَّهم من نقّاد الأخبار وكان يكتفي بذلك في الاعتماد على الرواية وإن كان في سندها ضعيف أو مجهول أو نحو ذلك, فلا يتعيّن عندئذٍ أن يكون مراده وثاقة جميع الرواة. 

وأمَّا قوله: (ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذّاذ) فيحتمل فيه أن يكون مسوقاً لبيان أنَّ جميع رواة الكتاب إنَّما هم من المشهورين بالرواية لا كونهم جميعاً من الثقات, وكم من راوٍ مشهور بالحديث ولكنّه لم يوثقه الرجاليون بل ضعّفوه كسهل بن زياد.

وبالجملة: ما ذكر من أنَّ عبارة ابن قولويه آبية عن الحمل المذكور غير تام، نعم هو بحاجة إلى القرينة, فالعمدة إذاً النظر في ما أجيب به عن الأمور التي أشار إليها السيد الأستاذ S.

١ ــ أمَّا ما ذكر من احتمال بناء ابن قولويه على أنَّ من أرسلوا المراسيل التي أوردها في كتابه هم ممَّن لا يرسلون إلّا عن ثقة ــ كما ذكر ذلك بشأن ابن أبي عمير وأضرابه ــ فهو في غاية الضعف، فإنَّ عدد هؤلاء يزيد على الستين شخصاً وفيهم العديد من الضعفاء كسلمة بن الخطّاب وعبد الله بن عبد الرحمن الأصم ومحمَّد بن جمهور العمي(٣)، وفيهم بعض من صرّح بأنَّه يروي عن الضعفاء كمحمد بن خالد البرقي(٤)، والبقيَّة بين موثَّق ومجهول ومهمل لم يذكر بشيء في كتب الرجال, ولو كان كلّ هؤلاء ممَّن لا يرسلون إلّا عن ثقة فكيف لا يوجد على ذلك شاهد في أي مصدر آخر؟! ولماذا لا يلاحظ أي تميّز لهؤلاء عن سائر من أرسلوا في المجاميع الروائية الأخرى من الكتب الأربعة وغيرها؟! مضافاً إلى أنَّ عدم إرسال الراوي عن غير ثقة لا يكون عادة إلّا فيما لو كان ملتزماً بعدم الرواية إلّا عن الثقات ــ كما قالوا ذلك بشأن ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي ــ وهو أمر قليل في الرواة وليس عادة مألوفة عند القدماء، ولذلك اعتنى علماء الرجال من الفريقين بالتنصيص على من يكون كذلك. ومن المؤكّد أنَّ معظم الذين أرسلوا في روايات كتاب الكامل لم يكونوا من هذا القبيل كما يظهر بتتبّع مشايخهم في الفهارس وأسانيد الروايات.

أضف إلى ذلك أنَّ العديد من المراسيل التي أوردها ابن قولويه قد وقع الإرسال فيها بأزيد من واسطة واحدة، وفي مثل ذلك يتعذّر عادة على المرسل التحقّق من وثاقة من لا يكون من مشايخه المباشرين.

وأمَّا ما ذكر من احتمال اطّلاع ابن قولويه على أنَّ الكتاب الذي اشتمل على الخبر المرسل أو المرفوع أو المقطوع هو من الكتب التي قامت القرائن الخارجية على صحّة أخبارها لعرضها على الأئمَّة i .. فهو ــ على تقدير عدم استبعاده ــ غير مجدٍ، إذ لا يبرّر بوجه شهادته بأنَّ جميع رواته من ثقات أصحابنا كما لعلَّه واضح.

٢ ــ وأمَّا ما ذكر من أنَّ التزام ابن قولويه بعدم الرواية عن غير المعصومين i إنَّما هو فيما إذا كان في الرواية عنهم ما يغني عن الرواية عن غيرهم فيلاحظ عليه بأنَّ هذا إنَّما هو مقتضى ما ورد في المطبوعة النجفيّة والقميّة(٥)من ذكر لفظة (إذا) في قوله: (ولم أخرج فيه حديثاً روي عن غيرهم إذا كان في ما روينا عنهم من حديثهم (صلوت الله عليهم) كفاية عن حديث غيرهم). ولكنّ المذكور في المطبوعة الطهرانيّة وكذلك في البحار وخاتمة المستدرك(٦) لفظة (إذ)، والظاهر أنَّها هي الأنسب بسوق العبارة.

وأمَّا ما ذكر من أنَّ مَن كان من غير الإمامية مختلطاً بأصحابنا فهو ملحق بهم في عرف أهل الحديث فلا تخلّ رواية ابن قولويه عنه بتعهّده عدم الرواية عن غير الثقات
من أصحابنا فهو غير تام أيضاً، لأنَّه لا شاهد على الإلحاق المذكور.

نعم ذكر الأصحاب في الفهارس جمعاً من رجال العامَّة وأضرابهم ممَّن رووا عن أئمَّة أهل البيت i وألّفوا الكتب من أحاديثهم إلحاقاً لهم بأصحابنا المصنّفين، وهذا أمر آخر لا تعلّق له بمورد الكلام.

وأمَّا ما ذكر من أنَّ رواية ابن قولويه عن غير أصحابنا ممَّن هو بعيد عنهم أو روايته عن غير المعصومين i إنَّما يكشف عن أنَّ تعهّده بالاقتصار على روايات الثقات من أصحابنا عن الأئمَّة i إنَّما هو مبني على الغالب، وعلى كل حال فلا دخل له بالمهمّ في ما نحن فيه من وثاقة رجال السند. فيلاحظ عليه بأنَّ الموارد المذكورة وأشباهها كالرواية عن الضعفاء والمجاهيل وإيراد المراسيل ونحوها إن لم تكن تشكّل بمجموعها رقماً معتداً به لأمكن أن يوجّه ما عثر عليه منها بما ذكر ويبنى على عدم كونه مضرّاً بما يستفاد من كلام ابن قولويه ــ حسب الفرض ــ من التعهّد بالاقتصار على إيراد روايات الثقات من أصحابنا عن الأئمَّة i, ولكنّ واقع الحال أنَّ تلكم الموارد كثيرة جدّاً(٧) ولا سبيل إلى توجيهها بما أشير إليه، بل لا بد من جعلها قرينة على أنَّه S أراد معنى آخر غير التعهّد بما ذكر.

٣ ــ وأمَّا ما ذكر من أنَّ اشتمال الكتاب على الكثير من روايات أناس مهملين لا ذكر لهم في كتب الرجال لا ينافي تعهّد ابن قولويه بالاقتصار على الرواية عن الثقات من أصحابنا؛ لأنَّ كتب الرجال قد أهملت الكثير من الرواة، فيمكن أن يناقش فيه بأنَّه لو كان S قد اقتصر على التعبير بـ(ثقات أصحابنا) لأمكن أن يوجّه إهمال ما يزيد على النصف من عدد رواة الكتاب بما ذكر ــ وإن كان لا يخلو عن إشكال أيضاً ــ ولكنّ الملاحظ أنَّه عبّر في ذيل عبارته بقوله: (المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم) ومن المؤكد أنَّ القسم الأعظم من رواة كتابه لم يكونوا كذلك وإلّا لتمثّل في سائر المصادر كما هو واضح للممارس.

٤ ــ وأمَّا ما ذكر في توجيه اشتمال الكتاب على عدد غير قليل من المضعّفين فيلاحظ عليه بأنَّ الاختلاف في الجرح والتعديل وإن كان أمراً متعارفاً بين علماء الرجال ولكنّ المعهود منه هو تضعيف النجاشي بضعة من الرواة ممَّن وثّقهم الشيخ وانعكاس الأمر في بضعة رواة آخرين، وهكذا بالنسبة إلى الكشّي وابن الغضائري وسائر أرباب الجرح والتعديل, وأمَّا أن يوثّق أحدهم جمعاً كبيراً من الرواة ممَّن طعن الآخرون ــ كلاً أو بعضاً ــ فيهم فهذا غير معهود أصلاً.

والملاحظ أنَّ في أسانيد كامل الزيارات أكثر من ستين راوياً من هذا القبيل).

ثمَّ أورد الأستاذ  أسماء اثنين وستين شخصاً من رواة كامل الزيارات مع ما ورد في كلمات أعلام الرجاليين فيهم من القدح من دون معارض أو مع المعارض أحياناً، ثمَّ قال:

(فيلاحظ أنَّ مقتضى شمول التوثيق المذكور في مقدّمة الكامل لجميع رواته هو ..

أوَّلاً: اختلاف ابن قولويه مع أعلام الرجاليين في وثاقة وضعف عدد كبير من الرواة ممَّا لا يعهد مثله بالنسبة إلى غيره.

وثانياً: توثيقه لعدد من مشاهير الكذّابين والوضّاعين كمحمَّد بن علي القرشي أبي سمينة، ومحمَّد بن عبد الله بن مهران، ويونس بن ظبيان، ومحمَّد بن جمهور العمي، ومحمَّد بن الحسن بن شمّون، وعبد الله بن عبد الرحمن الأصم، والحسن بن علي بن أبي عثمان، وعبد الله بن القاسم الحضرمي، وأضرابهم. وهذا أيضاً مستبعد جدّاً. 

وأمَّا ما قيل في توجيهه من أنَّه لمّا كان الغرض من توثيق هؤلاء هو توثيق رواياتهم فالظاهر أنَّ المراد بذلك وثاقتهم حين أدائهم الرواية .. فهو ــ مضافاً إلى مخالفته للظاهر ــ مبنيّ على أن يكون لأولئك الرواة دور وثاقة قبل دور الضعف وأنَّ الروايات المدرجة في الكتاب قد رويت عنهم في دور الوثاقة. ولكنّ هذا فرض في فرض، ولا شاهد عليه بوجه، بل الشواهد على خلافه. ومن ذلك أنَّ مضامين جملة من روايات هؤلاء تشهد بأنَّها من مختلقاتهم في دور الضعف، فلتراجع.

وبالجملة: إذا بني على أنَّ جعفر بن محمد بن قولويه S لم يكن بعيداً عن معرفة أحوال الرواة بل كان خبيراً بها، ولا سيّما مع التنصيص على كونه من أجلّاء أصحابنا في الحديث(٨). فإنَّه لا محيص من البناء على عدم كون مراده بالتوثيق المذكور في مقدّمة الكامل هو توثيق جميع رواة الكتاب كما تنبّه لذلك السيد الأستاذ S أخيراً).

هذا ما ذكره الأستاذ  في مناقشة ما ورد في كلام بعض المراجع الأعلام F في كتابه (مصباح المنهاج).

وقد نُشر أخيراً كتاب (الفوائد الرجاليَّة من مصباح المنهاج)، ولاحظت أنَّه قد ذُكر في هامش بعض صفحاته(٩) ردٌّ مفصَّلٌ على أحد الوجوه التي أوردها الأستاذ  وهو الوجه الرابع المتقدّم. 

ولكن بدا لي أنَّ ما ذكره الكاتب لا يفي بالجواب عنه, بل كأنَّه بعيد عن مرام الأستاذ , ومن هنا عنَّ لي أن أشرح مقصوده أوَّلاً, ثمَّ أعقّبه بالتعليق على ما ذكره الكاتب، فأقول:

إنَّ اختلاف الرجاليين في التوثيق والتضعيف وإن كان أمراً متعارفاً ولكنّ المعهود منه ــ كما يتضح بمراجعة الأصول الرجاليَّة ــ هو أن يوثّق أحدهم بضعة أشخاص ممَّن يضعّفهم الآخرون أو ممَّن يضعّفهم بعضهم ويوثّقهم أو يسكت عن بيان حالهم بعض آخر، وأمَّا أن يوثّق الرجالي ما يزيد على ستين شخصاً ممَّن ورد تضعيفهم في كلمات غيره ــ سواء وافقه على توثيق بعضهم رجالي آخر أو لا ــ بحيث يشكّل حوالي (١٠%) من مجموع من وثّقهم فهذا غير معهود أصلاً، ولا سيما إذا كان فيهم عدد من المشهورين بالكذب والوضع.

فمثلاً: النجاشي وثّق في كتابه مئات الأشخاص ــ بما يقرب من عدد رواة كامل الزيارات ــ وليس فيهم من ضعّفه غيره إلّا عدد محدود جدّاً كإبراهيم بن عمر اليماني وحذيفة بن منصور والحسن بن الحسين اللؤلؤي وخلف بن حماد وسالم بن مكرم وسهل بن أحمد الديباجي وسليمان بن داود المنقري ومحمد بن إسماعيل البرمكي ومحمَّد ابن عيسى بن عبيد ويحيى بن عليم ويعقوب السراج وأبي طالب الأنباري، وليس في هؤلاء أيّ من الكذّابين المعروفين.

والشيخ وثّق في كتابي الفهرست والرجال مئات الأشخاص ــ وإن كانوا أقلّ من نصف من وثّقهم النجاشي ــ وليس فيهم من ضعّفه غيره إلّا بضع أشخاص كجعفر بن محمَّد بن مالك وداود بن كثير الرقي وسعد بن طريف وسهل بن زياد.

وابن أبي عمير الذي روى عن حوالي أربعمائة شخص ــ وهو توثيق لهم كما حقّق في محلِّه ــ لا يوجد في مشايخه من ضعّفه غيره إلّا سبعة أو ثمانية رواة هم: الحسين بن أحمد المنقري وعبد الرحمن بن سالم الأشل والمفضّل بن صالح والمفضّل بن عمر وإسحاق ابن عبد العزيز والحسن بن راشد وعلي بن أبي حمزة وزياد بن مروان القندي.

وصفوان بن يحيى الذي روى عمَّن يقرب من مائتي شخص ــ وهو توثيق لهم أيضاً ــ لا يوجد في مشايخه ممَّن ضعّفه غيره إلّا أربعة رواة وهم: علي بن أبي حمزة والمفضّل بن صالح وعبد الله بن خداش وصالح النيلي.

وابن أبي نصر البزنطي الذي روى عمَّن يقرب من مائة شخص ــ وهو توثيق لهم أيضاً ــ لا يوجد في مشايخه من ضعّفه غيره إلّا المفضّل بن صالح وعبد الرحمن بن سالم.

فكيف يمكن تصديق أنَّ ابن قولويه قد قصد بما ذكره في مقدّمة كتابه توثيق مئات الرواة ممَّن وقعوا في أسانيده في حين أنَّ ما يقرب من (١٠%) منهم ممَّن ضعّفهم غيره، وإن كان فيهم بعض من وثّقه آخرون؟! فإنَّ هذا ممَّا لم يقع نظيره لأيّ من الرجاليين الآخرين.

وبهذا التوضيح يظهر الوجه في ما صنعه الأستاذ  من إدراج أسماء عدد ممَّن تعارض فيهم الجرح والتعديل ــ كجعفر بن محمَّد بن مالك والحسن بن الحسين اللؤلؤي وسهل بن زياد ــ وكذلك بعض من بنى  بنفسه على وثاقتهم ــ كمحمَّد بن عيسى ابن عبيد وسالم بن مكرم ــ في ضمن الأشخاص الاثنين والستين ممَّن روي عنهم في كامل الزيارات وقد ضُعّفوا في كلمات سائر الرجاليين كلاً أو بعضاً.

فإنَّ توثيق بعض الرجاليين لعدد من هؤلاء ــ وموافقته  لهم على ذلك في بعضهم ــ لا يغيّر شيئاً من حقيقة أنَّ توثيق ابن قولويه لأزيد من ستين راوياً ممَّن ورد تضعيفهم في كلمات غيره، يعني مخالفته لغيره من الرجاليين ــ كلاً أو بعضاً ــ في وثاقة وضعف هذا العدد الكبير من الرواة وهو أمر غريب؛ لأنَّه ممَّا لم يتفق مثله لأيّ رجاليّ آخر، بل غاية ما اتفق هو أن يكون بين من يوثّقهم أحدهم عشرة أشخاص ــ أو أقل أو أكثر بقليل ــ ممَّن ضعّفهم غيره سواء وافقه في توثيق بعضهم آخر أو لا، وهم في كل الأحوال لا يشكّلون إلّا نسبة ضئيلة جدّاً من مجموع من قام بتوثيقهم.

وهذا الأمر لوحده يشكّل شاهداً قوياً على أنَّه ليس مقصود ابن قولويه بما ذكره في مقدّمة كتابه هو توثيق جميع رواة أسانيده؛ إذ من المستبعد جدّاً ممَّن يكون عارفاً بأحوال الرجال أن يكون حوالي (١٠%) من توثيقاته على خلاف ما صدر من سائر أئمَّة الرجال ممَّن سبقوه, ويفترض أنَّه اعتمد عليهم وعلى نظرائه في معلوماته الرجالية أو ممَّن أتوا من بعده وكانوا عيالاً عليه وعلى أمثاله في معرفة أحوال الأصحاب.

وهذا نظير أن تنسب إلى فقيه جليل القدر مجموعة من الفتاوى ويلاحظ أنَّ (١٠%) منها شاذّة لا قائل بها من الفقهاء أصلاً، أو أنَّه توجد بنسبة (٣%) منها فقط موزعة في فتاوى الآخرين، أليس هذا يثير الاستغراب ويدعو إلى التشكيك في صحّة نسبة كل تلك الفتاوى الشاذّة إلى ذلك الفقيه الجليل؟

هذا مضافاً إلى أنَّه يمكن أن يقال: إنَّه إذا كان ابن قولويه قد عمد إلى تأليف كتابه الكامل من خصوص الروايات التي رواها الثقات فلماذا لا نجد أي تميّز لرواة هذه الروايات عن رواة سائر المجاميع الروائية المؤلّفة في موضوع الزيارات وما يلحق بها، كأبواب الزيارات من كتاب الكافي للكليني S وقسم المزار من كتاب التهذيب للشيخ S؟

ألا يفترض أن نجد عند المقارنة أنَّ رواة الكامل يمتازون عن رواة زيارات الكافي ومزار التهذيب ولو من حيث قلَّة من يكون فيهم مطعوناً عليه في كلمات الرجاليين؟!

كما نجد عند المقارنة بين أحاديث كتاب منتقى الجمان للشيخ حسن نجل الشهيد الثاني S المخصّص لذكر الأحاديث الصحاح والحسان وبين أحاديث كتاب الوافي للفيض الكاشاني S الذي أورد فيه عامَّة روايات الكتب الأربعة أنَّ رواة أحاديث المنتقى يمتازون عن رواة أحاديث الوافي من حيث إنَّهم من الإمامية الموثقين أو الممدوحين وقلّما يوجد فيهم من طعن فيه أحد الرجاليين، بخلاف من ورد ذكرهم في الوافي فإنَّ فيهم الإمامي وغيره والموثّق وغيره والممدوح وغيره. 

وبالجملة: متى تقيّد المؤلّف بإيراد روايات الثقات خاصّة فلا بدَّ أن يتميّز مؤلّفه عن سائر المؤلّفات المماثلة له في الموضوع، بأن يكون الرواة فيه مختلفين عن غيرهم من حيث سلامتهم ــ إلّا النادر منهم ــ من الجرح والطعن في كلمات الآخرين، وهذه الميزة لا نجدها بوجه في كتاب الكامل، بل نجد على العكس من ذلك أنَّ العديد ممَّن وردت رواياتهم في هذا الكتاب هم ممَّن قلّ أن يضاهيهم أحد في الضعف والسقوط، كعبد الله ابن عبد الرحمن الأصم الذي قال عنه النجاشي: (ضعيف غال ليس بشيء)، وقد أورد له ابن قولويه ما يزيد على ثلاثين رواية! والظاهر أنَّ مصدرها كتابه في الزيارات الذي قال عنه ابن الغضائري: (يدلّ على خبث عظيم ومذهب متهافت).

وكيونس بن ظبيان الذي عدّه الفضل بن شاذان من الكذّابين المشهورين، وقال عنه النجاشي: (ضعيف جدّاً لا يلتفت إلى ما رواه، كل كتبه تخليط) وقد أخرج له ابن قولويه خمس روايات!

وكمحمَّد بن علي القرشيّ الذي عدَّه الفضل بن شاذان من الكذّابين المشهورين أيضاً، وقال عنه النجاشي: (ضعيف جدّاً فاسد الاعتقاد لا يعتمد في شيء)، وقد أورد له ابن قولويه سبع روايات!

والحاصل: أنَّ عدم تميّز كتاب الكامل عن سائر كتب المزار في عدد من سلم من رواته عن الطعن في كلمات الرجاليين مؤشّر واضح آخر إلى أنَّ مؤلّفه h لم يقصد بما أورده في مقدّمته توثيق جميع رواته، فليتدبّر.

هذا في ما يتعلَّق بتوضيح مرام الأستاذ . 

وأورد في ما يأتي نصّ ما ذكره الكاتب مع التعقيب على كلّ مقطع بما يناسبه.

قال بعد إيراد ما ذكره  في الوجه الرابع:

(قلت: بعد مراجعة هؤلاء تبيَّن أنَّ كيلهم بمكيال واحد ليس بسديد؛ وذلك لأنَّ..

١ ــ  ثمانية منهم لا ظهور في كلمات الرجاليين على عدم وثاقتهم وإنَّما قدحهم راجع إلى جهات أخرى, وهم ..

الحسن بن راشد: (قال النجاشي: (ضعيف)، ولكن قال ابن الغضائري: (ضعيف في روايته)، وكثيراً ما يرجع تضعيف الغضائري إلى ضعف الرواية بمعنى اسم المصدر لا المصدر، نظير حديثه يعرف وينكر، حديثه نعرفه وننكره، حديثه مضطرب، حديثه غير نقي).

أقول: الحسن بن راشد الذي قال فيه النجاشي: (ضعيف) هو الطفاوي وكان من الطبقة السادسة ولم يرد ذكره في كامل الزيارات، وأمَّا الذي وقع في أسناده وقد ضعّفه ابن الغضائري فهو مولى بني العباس الذي يروي عنه حفيده القاسم بن يحيى وكان من الطبقة الخامسة، فلا ينبغي الخلط بينهما.

ومهما يكن فإنَّ ما أشير إليه من أنَّ قول ابن الغضائري: (ضعيف في روايته) لا يدلّ على عدم وثاقة الرجل غير تام، فإنَّه في مقابل قولهم: (ثقة في حديثه)، والمتبادر منه إرادة ضعف الشخص في نقله لا ضعف ما يرويه من الروايات من حيث اشتمالها على المناكير ونحوها. بالإضافة إلى أنَّ ضعف الروايات بهذا المعنى لا يجتمع مع وثاقة راويها إذا لم يحتمل أن يكون غيره هو العلَّة فيها، ولذلك لا نجد في كلمات الرجاليين الجمع بينهما في شيء من الموارد، فلا يقال: (ثقة في نفسه ولكن يروي المناكير)، وإنَّما يقال: (ثقة في نفسه ولكن يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل) أو نحو ذلك.

وبذلك يعرف أنَّ قولهم: (حديثه يعرف وينكر) أو (حديثه غير نقي) أو (حديثه مضطرب) يدلّ على القدح في الوثاقة، فإنَّ الأوَّل ظاهر في كون المراد به هو أنَّه يروي أحياناً ما يصادم العقل أو يخالف الكتاب أو السنَّة ممَّا لا يمكن القبول به إلّا بضرب من التأويل، ففيه إشارة واضحة إلى اتّهامه في نقله، وليس المراد به هو أنَّه قد يروي ما لا تقبله العقول المتعارفة ــ كما قد يدّعى ــ فإنَّه على خلاف الظاهر كما لا يخفى.

والثاني ظاهر في كون المراد من عدم النقاء هو الاشتمال على ما ينكر بالمعنى المتقدّم.

والثالث ظاهر في كون المراد به هو الاضطراب في النقل والحكاية، وهو ممَّا ينافي الوثاقة قطعاً. 

ويرشد إليه قول ابن الغضائري في إسماعيل بن مهران السكوني: (ليس حديثه بالنقي يضطرب تارة ويصلح أخرى)، فإنَّه يدلّ بقرينة المقابلة على أنَّ المراد باضطراب الحديث هو الخلل في النقل وعدم سلامته وهو لا ينسجم مع الوثاقة. 

ويؤيّده قول النجاشي في ترجمة الحسين بن أحمد البوشنجي: إنَّه كان (مضطرب المذهب، وكان ثقة في ما يرويه)، فإنَّه يلوح منه أنَّه أراد بالتنصيص على وثاقته نفي كونه مضطرب الرواية كما كان مضطرب المذهب.

(وزياد بن مروان القندي أحد أركان الوقف كما في الكشّي، والمستشكل ذهب إلى عدم قدحه في الوثاقة بل بنى على وثاقته، لاحظ قبسات من علم الرجال ج:١ ص:٦٢).

أقول: البناء على ضعف زياد بن مروان ليس لمجرّد كونه من أركان الوقف، قال السيد بحر العلوم S: (في الوجيزة: إنَّه موثق، جمعاً بين الوقف والتوثيق. ويشكل التوثيق بأنَّ المنقول عنه أنَّه سمع النصّ وأظهره ثمَّ خالفه وأنكره، وهذا لا يجتمع مع الوثاقة. قال الصـدوق في العيون: حدّثنا أبي J قال: حدّثنا سعد بن عبد الله عن محمَّد بن عيسى بن عبيد عن زياد بن مروان القندي قال: دخلت على أبي إبراهيم g وعنده علي ابنه g فقال لي: يا زياد، هذا كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي وما قال فالقول قوله. ثمَّ قال: قال مصنّف هذا الكتاب: إنَّ زياد بن مروان روى هذا الحديث ثمَّ أنكره بعد مضي موسى g وقال بالوقف، وحبس ما كان عنده من مال موسى بن جعفر g والطريق إليه صحيح؛ إذ ليس فيه من يتوقّف في شأنه سوى العبيدي. والأصحّ توثيقه.

وروى الشيخ S في كتاب الغيبة: عن ابن عقدة عن علي بن الحسن بن فضّال عن محمَّد بن عمر بن يزيد وعلي بن أسباط جميعاً قالا: قال لنا عثمان بن عيسى الرواسي: حدّثني زياد القندي وابن مسكان قالا: كنّا عند أبي إبراهيم g إذ قال: يدخل عليكم الساعة خير أهل الأرض، فدخل أبو الحسن الرضا g وهو صبيّ, فقلنا: هذا خير أهل الأرض؟ ثم دنا فضمّه إليه، فقبّله، وقال: يا بني تدري ما قال ذان؟ قال: نعم يا سيدي، هذان يشكّان فيّ. قال علي بن أسباط: فحدّث بهذا الحديث الحسن بن محبوب. فقال: بتر الحديث، لا ولكن حدّثني علي بن رئاب: أنَّ أبا إبراهيم g قال لهما: إن جحدتماه حقّه أو خنتماه فعليكما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، يا زياد لا تنجب أنت وأصحابك أبداً. قال علي بن رئاب: فلقيت زياد القندي، فقلت له: بلغني أنّ أبا إبراهيم g قال لك كذا وكذا. فقال: أحسبك قد خولطت، فمرّ وتركني، فلم أكلمه ولا مررت به. قال الحسن بن محبوب: فلم نزل نتوقع لزياد دعوة أبي إبراهيم g حتى ظهر منه أيام الرضا g ما ظهر، ومات زنديقاً.

وفى الروايتين دلالة واضحة على جحده للنصّ الصريح ومعاندته للحقّ الصحيح، وكذبه في الرواية وموته على الزندقة، والرواية الأخيرة معتبرة الإسناد كالأولى، فإنَّ الطريق إلى ابن محبوب موثّق.

وأيضاً فالتوثيق إنَّما يجتمع مع فساد المذهب لو كان السبب فيه اعتراض الشبهة، والمعروف في سبب وقف زياد وأضرابه من رؤساء الواقفة خلاف ذلك. قال الشيخ في كتاب الغيبة: روى الثقات أنَّ أوَّل من أظهر الوقف علي بن أبي حمزة البطائني وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها واستمالوا قوماً فبذلوا لهم شيئاً ممَّا اختانوه من الأموال، نحو حمزة بن بزيع وابن المكاري وكرام الخثعمي وأمثالهم... وقد استبان بما ذكرنا من كلام الأصحاب ورواياتهم ضعف زياد ابن مروان بالوقف وجحد النصّ والميل إلى الحطام واستمالة الناس إلى الباطل والخيانة في المال والدين. ومن هذا شأنه فلا ينبغي التوقّف فيه، ولا الالتفات إلى ما يرويه)(١٠).

هذا بعض كلام السيد بحر العلوم S وهو لا يخلو من وجاهة، وإن كان يظهر من الأستاذ  البناء على وثاقة الرجل لرواية ابن ابي عمير عنه، ولكن يمكن أن يقال: إنَّها كانت قبل انحرافه، فليتدبّر.

(وعبد الله بن أحمد الرازي: استثنى ابن الوليد روايته من نوادر الحكمة إلّا أنَّ الصدوق روى عنه في معاني الأخبار والخصال، ولعلّه كذلك في الفقيه في بيان طريقه إلى داود الرقّي، فراجع(١١)).

أقول: إنَّ استثناء ابن الوليد روايته من كتاب نوادر الحكمة ظاهر في عدم وثاقة الرجل عنده، ويشهد له ما قاله أبو العباس ابن نوح بشأن من استثنى ابن الوليد رواياتهم من أنَّه (قد أصاب شيخنا أبو جعفر .. في ذلك كلّه .. إلّا في محمَّد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رابه فيه؛ لأنَّه كان على ظاهر العدالة والثقة). فإنَّ التعليل في الذيل يدلّ على عدم وثاقة بقية من استثنيت رواياتهم ــ غير العبيدي ــ ولا أقلّ من بناء ابن نوح على ذلك، وقد وافقه عليه النجاشي.

وبالجملة: تضعيف ابن الوليد ومن وافقه للرجل واضح، وأمّا رواية الصدوق S
عنه فلا تدلّ على وثاقته عنده، فإنّه لا يتقيد بالرواية عن الثقات خاصّة وإن توهم ذلك بعضهم. ويشهد له أنّه ذكر في عيون أخبار الرضا g في ذيل بعض الروايات ما لفظه(١٢): (كان شيخنا محمَّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد J سيّء الرأي في محمَّد بن عبد الله المسمعي راوي هذا الحديث, وإنَّما أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب؛ لأنَّه كان في كتاب الرحمة وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي). 

فإنَّه يظهر من هذه العبارة أنَّ الصدوق S كما يروي أحاديث الأشخاص الثقات كذلك يروي أحاديث الضعفاء إذا عرضت على شيخه ابن الوليد فلم ينكرها ورواها له.

ويتضح أيضاً ممَّا ذكره في مواضع من فهرسته ــ كما ورد في فهرست الشيخ S ــ أنَّه كان يروي أحاديث الضعفاء إذا خلت عن التخليط والغلوّ ولم تكن ممَّا انفردوا بها، فقد روى كتب محمَّد بن علي الصيرفي أبي سمينة باستثناء ما كان فيها من تخليط أو غلوّ أو تدليس أو ينفرد به ولا يعرف من غير طريقه، كما روى كتب محمَّد بن سنان إلّا ما كان فيها من تخليط وغلوّ، وأيضاً ذكر بشأن محمَّد بن عيسى بن عبيد أنَّه لا يروي ما يختص بروايته واستثنى من روايات محمَّد بن أحمد بن يحيى ما كان فيها من تخليط، معيِّناً ذلك في روايات عدد من الضعفاء والروايات المرسلة.

والحاصل: أنَّ إيراد الصدوق S رواية شخص في كتبه ــ حتى الفقيه فضلاً عن غيره ــ لا يدلّ على وثاقته عنده، بل عمله بالرواية لا يدلّ على ذلك أيضاً، فإنَّه يجوز أن يكون من جهة وثوقه بها لبعض القرائن، إذ كان المدار عندهم على حجيّة الخبر الموثوق به. ولمزيد التوضيح راجع القبسات(١٣) في ترجمة محمَّد بن عيسى بن عبيد والبحث عن حجيّة مراسيل الصدوق.

وبما تقدَّم يظهر أنَّ ذكر عبد الله بن أحمد الرازي في عداد من لا ظهور في كلمات الرجاليين في عدم وثاقتهم في غير محلِّه ــ حتى لو ثبت قبول الصدوقS  لروايتهــ إذ إنَّ  استثناء رواياته من نوادر الحكمة يدلّ على القدح في وثاقته عند ابن الوليد وغيره كما تقدَّم.

(وعبد الله بن حمّاد الأنصاري، قال ابن الغضائري: وحديثه يعرف تارة وينكر أخرى ويخرّج شاهداً. وقال النجاشي: من شيوخ أصحابنا، فلاحظ).

أقول: قد تقدَّم آنفاً أنَّ قولهم: (يعرف حديثه تارة وينكر أخرى) يدلّ على القدح من حيث الوثاقة، ولذلك عقّبه بقوله: (ويخرّج شاهداً) أي لا يصلح حديثه للاستدلال به؛ لأنَّه متّهم في نقله، ولكن لا بأس بجعله شاهداً ومؤيّداً. وأمَّا قول النجاشي: إنَّه (من شيوخ أصحابنا) فلا دلالة فيه على مدحه من حيث كونه راوياً للحديث، وإنَّما يدلّ على كونه من المشايخ الذين يتلقّى منهم العلم، وهو لا يقتضي ثبوت وثاقته في النقل بوجه. مع أنَّه لو اقتضى ذلك لعارضه قول ابن الغضائري، فلا ينبغي إدراج اسم الرجل في هذا القسم.

(وعلي بن ميمون الصائغ، قال ابن الغضائري: حديثه يعرف وينكر ويجوز أن يخرّج شاهداً، إلّا أنَّه لا يبعد حسنه، لما رواه الكشّي بإسناده عن جعفر بن بشير عنه، فراجع).

أقول: تقدَّم آنفاً أنَّ عبارة ابن الغضائري تدلّ على الطعن في الوثاقة، وأمَّا الاستدلال برواية علي بن ميمون على حُسْن نفسه ففي غاية الغرابة. مضافاً إلى أنَّه لا دلالة فيها على الحسن من الجهة المبحوث عنها بوجه؛ إذ ليس فيها سوى دعواه أنَّه قال للصادق g: إنّي أدين الله بولايتك وبولاية آبائك وأجدادك فادع الله أن يثبّتني، فقال له g: (رحمك الله، رحمك الله). فإنَّ دعاء الإمام g لأحد بالرحمة لا يدلّ على مدحه من حيث رواية الأحاديث ليقتضي حجيّة نقله.

(ومحمَّد بن صدقة، قال الشيخ: غالٍ، ولا تتوهم أنَّ الغلوّ يتنافى مع الوثاقة، لوضوح أنَّ للغلوّ درجات ومراتب ليست سواء).

أقول: ينبغي التمييز بين ما يراد بالغلوّ في كلمات المتقدّمين وما يراد به في كلمات المتأخّرين. 

قال الأستاذ  (١٤): يتداول في كلمات الرجاليين كالكشّي والشيخ والنجاشي وابن الغضائري توصيف العديد من الرواة بأنَّهم من الغلاة، وبنى غير واحد من المتأخّرين على أنَّ المراد بالغلوّ عندهم هو ما يعمّ الاعتقاد في الأئمَّة i بالمقامات العالية، واستشهدوا لذلك بما حكاه الصدوق(١٥)عن شيخه ابن الوليد من أنَّ أوَّل درجة في الغلوّ هو نفي السهو عن النبي e.

ولكنّ الصحيح ــ كما نبَّه عليه المحقق التستري Q (١٦) ــ أنَّ المقصود به هو الاعتقاد في

 الأئمَّة i بالربوبية أو النبوة أو الاعتقاد بكفاية محبّتهم عن أداء الفرائض واجتناب الكبائر.

ويشهد لهذا عدد من الروايات وجملة من كلمات الأصحاب ..

فقد روى الصدوق(١٧)بإسناده عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا g:

يا ابن رسول الله إنَّ عندنا أخباراً في فضائل أمير المؤمنين g وفضلكم أهل البيت وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عندكم, أفندين بها؟ فقال: يا ابن أبي محمود .. إنَّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها الغلوّ، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا.

وروى الكشّي(١٨)بإسناده عن أبي العلاء الخفّاف عن أبي جعفر g قال: (قال أمير المؤمنين g: أنا وجه الله، أنا جنب الله، وأنا الأوَّل، وأنا الآخر، وأنا الظاهر، وأنا الباطن، وأنا وارث الأرض، وأنا سبيل الله وبه عزمت عليه). فقال معروف بن خرّبوذ: ولها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلوّ.

وروى السيد ابن طاووس(١٩) بإسناده عن الحسين بن أحمد المالكي قال: (قلت لأحمد بن هليل الكرخي: أخبرني عمّا يقال في محمَّد بن سنان من أمر الغلو. فقال: معاذ الله، هو والله علَّمني الطهور، وحبس العيال، وكان متقشّفاً متعبّداً).

وقال أبو عمرو الكشّي(٢٠): وقالت فرقة بنبوة محمَّد بن نصير النميري، وذلك أنَّه ادعى أنَّه نبي رسول، وأنَّ علي بن محمَّد العسكري g أرسله، وكان يقول بالتناسخ والغلوّ في أبي الحسن g، ويقول فيه بالربوبية ويقول بإباحة المحارم، ويحلّل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم، ويقول: إنَّه من الفاعل والمفعول به أحد الشهوات والطيبات، وأنَّ الله لم يحرّم شيئاً من ذلك.

وذكر الكشّي(٢١) أنَّه سأل محمد بن مسعود العياشي عن أحوال عدد من الرجال، فقال في ضمن جوابه:

 (وأمَّا علي بن عبد الله بن مروان فإنَّ القوم ــ يعني الغلاة ــ يمتحنون في أوقات الصلاة، ولم أحضره في وقت صلاة).

وروى ابن الغضائري(٢٢) عنالحسن بنمحمَّد بنبندار القميقال: سمعت مشايخي يقولون: إنَّ محمَّد بن أورمة لمّا طعن عليه بالغلوّ اتفقت الأشاعرة ليقتلوه، فوجدوه يصلّي الليل من أوَّله إلى آخره ليالي عديدة فتوقّفوا عن اعتقادهم. 

فهذه النصوص والكلمات تشير بوضوح إلى أنَّه كان معنى الغلوّ عند المتقدّمين هو الاعتقاد في الأئمَّة i بالربوبية ونحو ذلك أو الاعتقاد بكفاية معرفتهم i وعدم الحاجة إلى الإتيان بالصلاة والصيام ولا غيرهما من الفرائض، وأيضاً عدم الضير في ممارسة المحرّمات حتى ما يمسّ العرض والشرف!

وأمَّا ما تقدَّم من أنَّ ابن الوليد كان يعدّ نفي السهو عن النبي e أوَّل درجة في الغلوّ، فلا يبعد أن يكون المراد به أنَّ الالتزام بعدم وقوع السهو من النبي e أوَّل خطوة في طريق الغلوّ في الاعتقاد لا أنَّه بنفسه غلوّ، ولو سلّم أنَّ هذا هو المراد به فهو لا يقتضي كون الغلوّ في كلمات الآخرين بمعنى الاعتقاد في المعصومين بالمقامات العالية كما ادّعي.

ثمَّ إنَّ الغلوّ لا ينفك عادة عن الكذب .. 

أوَّلاً: من جهة أنَّ الغالي بالمعنى المتقدّم يبيح المحرمات، ومن أهونها عنده الكذب. 

وثانياً: من جهة أنَّ الغالي لا يمكنه الاستغناء عنالكذب فيتثبيت مذهبه وترويجه، كما هو واضح لمن تتبّع أحوال كبار الغـلاة في كتب الرجال، حيث يلاحظ أنَّهم يكذبون على الأئمَّة i وينسبون إليهم الغرائب والأعاجيب دعماً لعقائدهم الفاسدة.

وعلى ذلك يكاد أن يكون الجمع بين كون الرجل غالياً وكونه ثقة جمعاً بين متنافيين. 

(والمعلّى بن محمَّد البصري، قال ابن الغضائري: يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء ويجوز أن يخرّج شاهداً. ولكن في الفهرست في ترجمة أبان بن عثمان رواية ابن الوليد ــ المعروف حاله ــ عنه). 

أقول: تقدَّم أنَّ عبارة ابن الغضائري دالّة على القدح من حيث الوثاقة، وكذلك قول النجاشي في الرجل (مضطرب الحديث).

وأمَّا رواية ابن الوليد عنه مباشرة فلم تثبت، لوقوع السقط في الموضع المذكور من الفهرست، فإنَّ ابن الوليد من الطبقة التاسعة والمعلّى من السابعة فلا بدّ من الواسطة بينهما، وهو الحسين بن محمَّد بن عامر في عدَّة مواضع منها: طريق الصدوق إلى المعلّى في المشيخة، ومنها: طريق النجاشي إلى سالم بن مكرم في كتابه. 

هذا مضافاً إلى أنَّ رواية ابن الوليد عن شخص لا تدلّ على وثاقته عنده، لعدم الدليل على تقيّده بعدم الرواية إلّا عن الثقات. وأمَّا استثناؤه لروايات عدد من الرجال من كتاب نوادر الحكمة فلا يعني وثاقة الباقين كما هو موضح في محلِّه.

(والمنصور بن العباس، قال النجاشي: مضطرب الأمر).

أقول: الاضطراب إمَّا أن يكون في الحديث والرواية وهو ينافي الوثاقة كما مرَّ قريباً، وإمَّا أن يكون في المذهب فيقتضي الانحراف في العقيدة، وإمَّا أن يكون في كليهما كما ذكره النجاشي بالنسبة إلى المعلّى بن محمَّد البصري. وينبغي أن يكون المراد بكون المنصور ابن العباس مضطربالأمر هوالأخير منجهة البناءعلى إطلاق الكلام، إذلولاه يكون مجملاً، ومقتضى الأصل عند دوران الأمر بين الإطلاق والإجمال هو الأوَّل، فليتدبّر. 

وهكذا يتبيَّن أنَّ جميع الرواة الثمانية الذين ادعى الكاتب أنَّه لا ظهور في كلمات الرجاليين في عدم وثاقتهم هم ممَّن يمكن استظهار القدح في وثاقتهم من بعضها، سواء
بني على ذلك بعد التحقيق والتمحيص أو لا.

(وأربعة عشر منهم قد تعارض فيهم الجرح والتعديل).

أقول: قد أشار الأستاذ  إلى من تعارض فيه الجرح والتعديل من المذكورين عند إيراد اسمه، كجعفر بن محمَّد بن مالك والحسن بن الحسين اللؤلؤي وداود بن كثير الرقّي وسالم بن مكرم وسعد بن طريف وسهل بن زياد ومحمَّد بن أورمة ومحمَّد بن عيسى بن عبيد والمفضّل بن عمر.

فلم يغفل  عن تعارض أقوال الرجاليين بشأن هؤلاء ــ ليكلّف الكاتب نفسه ببيانه ــ ولكن بالرغم من  ذلك فقد أورد أسماءهم للوجه الذي تقدّم في توضيح مرامه، فراجع.

(وهم: أحمد بن الحسين بن سعيد، برأه ابن الغضائري من الغلوّ).

أقول: من الغريب عدّ الرجل ممَّن تعارض فيه الجرح والتعديل، فإنَّ جرحه معلوم؛ إذ استثناه ابن الوليد من رجال نوادر الحكمة ووافقه عليه الصدوق وابن نوح، والظاهر أنَّه هو مستند ما ذكره النجاشي من تضعيف القميّين له وما ذكره الشيخ من تضعيف ابن بابويه إياه. وأمَّا تعديله فأين هو في كلماتهم؟!

أقصى ما هناك هو أنَّ ابن الغضائري حكى عن القميّين أنَّه كان غالياً وعلّق عليه بقوله: (وحديثه ــ في ما رأيته ــ سالم)، وهذا لا يدلّ إلّا على عدم تمثّل الغلوّ فيما اطلع عليه ابن الغضائري من رواياته، وهو لا يصلح دليلاً قاطعاً على نفي الغلوّ عنه، ولذلك عقّبه بقوله: (والله أعلم)، مضافاً إلى تصريح النجاشي والشيخ بأنَّ حديثه يعرف وينكر، ممَّا يقتضي عدم نقائه من الغلوّ والتخليط.

ويضاف إلى هذا: أنَّ العبرة في المتّهمين بالغلو إنَّما هي بأعمالهم دون رواياتهم، ولذلك يلاحظ أنَّ محمَّد بن أورمة الذي اتّهم بالغلوّ لم يشفع له في دفع هذا الاتهام عنه كون رواياته صحيحة خالية من معاني الغلوّ والتخليط، ولكن لما بعث إليه من يفتك به ووجده يصلّي من أوَّل الليل إلى آخره توقّف عن قتله حيث تبيّن له أنَّه ليس غالياً؛ لأنَّ الغالي لا يصلّي كما مرّ.

(وجعفر بن محمَّد بن مالك، وثّقه الشيخ).

أقول: نعم قد وثّقه الشيخ في كتاب الرجال ــ بالرغم من اعترافه بأنَّه روى في مولد القائم g أعاجيب! ــ ولكن ينبغي أن يعدّ ذلك هفوة منه S أو ممَّن اعتمد عليه في توثيقه، فإنَّه يظهر من النجاشي أنَّ ضعف الرجل كان بمثابة من الوضوح والجلاء حتى أنَّه استغرب مجرد أن يروي عنه اثنان من الأجلّاء، قال S: (جعفر بن محمَّد بن مالك .. كان ضعيفاً في الحديث. قال أحمد بن الحسين: كان يضع الحديث وضعاً ويروي عن المجاهيل، وسمعت من قال: كان أيضاً فاسد المذهب والرواية، ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي ابن همام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري S وليس هذا موضع ذكره). وقال ابن الغضائري: (كذّاب متروك الحديث جملة، وكان في مذهبه ارتفاع، ويروي عن الضعفاء والمجاهيل، وكل عيوب الضعفاء مجتمعة فيه).

(والحسن بن الحسين اللؤلؤي، وثّقه النجاشي).

أقول: ذكر النجاشي في ترجمة محمَّد بن أحمد بن يحيى أنَّ ابن الوليد كان يستثني من روايته ما رواه عن جماعة منهم الحسن بن الحسين اللؤلؤي في ما ينفرد به، ثمَّ حكى عن ابن نوح أنَّ تلميذه الصدوق قد تبعه في ذلك وأنَّهما قد أصابا في كل من استثنياه إلّا في محمَّد ابن عيسى بن عبيد (لأنَّه كان على ظاهر العدالة والثقة)، وهذا الكلام يقتضي عدم وثاقة الآخرين ــ ومنهم اللؤلؤي ــ في نظر الجماعة، وظاهر النجاشي موافقته لابن نوح في ذلك.

ولكنّ الملاحظ أنَّه ترجم للحسن بن الحسين اللؤلؤي، وقال: (كوفي ثقة كثير الرواية له كتاب مجموع نوادر). وعلَّق المحقّق التستري Q على هذا قائلاً: (التحقيق أنَّ من وثّقه النجاشي غير من ضعّفه ابن الوليد وابن بابويه وابن نوح وقرّرهم النجاشي .. فإنَّ الحسن بن الحسين اللؤلؤي اثنان كما يدلّ عليه قول الفهرست في باب أحمد ــ أحمد بن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ثقة وليس بابن المعروف بالحسن بن الحسين اللؤلؤي ــ ثمَّ أنهى طريقه إليه بالحسن بن الحسين اللؤلؤي، ومثله النجاشي، فإنَّ كلامهما دال على أنَّ الحسن بن الحسين اللؤلؤي اثنان: أحدهما والد أحمد ذاك والثاني راويه وهو المعروف الذي استثني، وحيث إنَّه ليس في النجاشي ذكر طريق إلى الذي عنونه يحمل كلامه على والد أحمد صوناً لكلامه عن التناقض، فلو كان أراد المعروف وعقيدته فيه التوثيق كانت القاعدة أن يرسل ذلك ويشير إلى الاختلاف فيه بعد تضعيف أولئك الفحول).

وبناءً على ما أفاده S عليه فليس اللؤلؤي الذي ضعّفه ابن الوليد وغيره ممَّن تعارض فيه الجرح والتعديل، بل هو مضعّف قولاً واحداً.

ولكنّ السيد الخوئي S لم يرتضِ تعدّد اللؤلؤي قائلاً(٢٣): الصحيح أنَّ الحسن بن الحسين اللؤلؤي اسم لرجل واحد وهو الراوي عن أحمد، وأمّا والد أحمد فهو لم يوصف باللؤلؤي، فإنَّ اللؤلؤي وصف لأحمد نفسه باعتبار أنَّه صنّف كتاب اللؤلؤة لا أنَّه وصف والده.

وما أفاده S وجيه، ولا سيّما أنَّ النجاشي قال في من ترجمه: إنَّه كثير الرواية، مع عدم العثور على رواية لوالد أحمد المذكور في شيء من جوامع الحديث بخلاف من استثنيت رواياته من نوادر الحكمة، فإنَّه كثير الرواية كما لا يخفى.

وعلى ذلك فاللؤلؤي المعروف هو ممَّن تعارض فيه الجرح والتعديل، ولكن من رجاليّ واحد هو النجاشي، وقد التزم بعضهم في مثله بتساقط قوليه بالتعارض وكون

المرجع قول غيره من المضعّفين، وهذا بحث مفصَّل، فراجعه في القبسات(٢٤).

وعلى كلِّ حال يمكن أن يدّعى أنَّ هذا خارج عن محلِّ الكلام؛ إذ مورده ما إذا تعارضت أقوال الرجالين ــ لا رجالي واحد ــ في جرح راوٍ وتعديله، فليتأمّل.

(وداود بن كثير الرقّي، وثّقه الشيخ). 

أقول: وقد وثّقه المفيد وغيره أيضاً، ولكن قدح فيه النجاشي وابن الغضائري قدحاً شديداً.

(وسالم بن مكرم أبو سلمة، وثّقه النجاشي، ومن الغريب أنَّ المستشكل بنى على وثاقته أيضاً، فلاحظ بحوث في شرح مناسك الحج ج:٣ ص:٣٨٥).

أقول: وقد وثّقه ابن أبي عمير أيضاً بروايته عنه كما شهد ابن فضّال بصلاحه، ولم يضعّفه إلّا الشيخ، وقد رجّح الأستاذ  وثاقته. ولا غرابة في ذلك في حدّ ذاته، ويبدو أنَّ مقصود الكاتب هو الاستغراب من ذكر الرجل بعد البناء على وثاقته في عداد غيره ممَّن ضعّفهم الرجاليون، ولكن لا محلّ له مع الالتفات إلى مرامه  الذي تقدَّم شرحه آنفاً، فليلاحظ.

(وسعد بن طريف، قال الشيخ: صحيح الحديث)

أقول: قال ابن الغضائري: ضعيف، وقال النجاشي: يعرف وينكر. وأمَّا دلالة قول الشيخ S على وثاقته فهي محلّ خلاف بينهم، قال المحقّق الشيخ محمَّد سبط الشهيد الثاني S(٢٥): إنَّه يحتمل أن يكون المراد به كون حديثه معتمداً، لظهور قرائن على ذلك وإن كان في نفسه ليس بثقة. وممَّا يؤيّد المغايرة بين الأمرين الجمع بينهما في موارد شتّى في كتب الرجال، فتراهم يقولون: فلان ثقة صحيح الحديث.

ولكنّ الإنصاف أنَّه لا يمكن المساعدة عليه، فإنَّه إذا كان توصيف حديث الراوي بالصحة مختصّاً بكتاب معيّن كما في قول النجاشي في الحسن بن علي بن النعمان: (له كتاب نوادر صحيح الحديث) أمكن أن يراد به ما ذكره S، وأمَّا مع توصيف حديثه بذلك بصورة عامَّة فلا بدَّ أن يراد به خلوّه من التخليط والمناكير ونحوها، اللّهم إلّا أن يقال: إنَّ هذا لا يلازم الوثاقة، فليتأمّل.

(وسهل بن زياد الآدمي، وثّقه الشيخ في الرجال وإن عارض نفسه).

أقول: هناك من شكّك في اشتمال كتاب الرجال على التوثيق؛ لعدم حكايته عنه في رجال ابن داود بالرغم من أنَّه كان عنده هذا الكتاب بخط الشيخ S، ورجّح السيد الخوئي S كون التوثيق سهواً من قلم الشيخ S؛ لأنَّه صرّح في الاستبصار بأنَّ الرجل ضعيف عند نقّاد الأخبار، الظاهر في أنَّ ضعفه كان متسالماً عليه بينهم، ومع ذلك كيف يمكن أن يوثّقه في موضع آخر؟! 

ولكنّ كلا البيانين غير تامّ، كما أوضحه الأستاذ  في القبسات(٢٦)، فراجع.

نعم, يمكن أن يقال: إنَّ هذا من موارد تعارض الجرح والتعديل في كلام رجاليّ واحد، فيجري عليه ما تقدَّم قريباً في ترجمة الحسن بن الحسين اللؤلؤي، فليراجع.

(ومحمَّد بن أورمة، برأه ابن الغضائري من الغلوّ، ويحتمل أنَّه كان مستقيماً لما نقله الكشّي عن ابن الوليد في ترجمته، فراجع).

أقول: الرجل ممَّن ضعّفه الشيخ في كتاب الرجال، وقال في الفهرست: إنَّ في رواياته تخليطاً، وليس في كلام ابن الغضائري دلالة على وثاقته(٢٧).

وأمَّا ما حكاه النجاشي ــ وليس الكشّي ــ عن جماعة من شيوخ القميّين عن ابن الوليد من أنَّه قال: (محمَّد بن أورمة قد طعن عليه بالغلوّ، فكل ما كان في كتبه ممّا وجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره فقل به، وما تفرّد به فلا تعتمده) فلم يظهر كيف يستفاد منه استقامة الرجل؟ بل هو أقرب إلى الدلالة على الطعن في وثاقته من حيث النهي عن الاعتماد على ما يتفرد بنقله.

(ومحمَّد بن سنان، وثّقه المفيد في الإرشاد ورسالة لمح البرهان التي ينقل عنها السيد ابن طاووس وإن عارض نفسه في موضع آخر).

أقول: أمَّا توثيقه في لمح البرهان فقد رجع عنه في رسالة جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية، قائلاً فيها: إنَّ (محمَّد بن سنان مطعون فيه، لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه). وأمَّا توثيقه في الإرشاد ففي كونه مقصوداً له ومعتبراً كلام للمحقّق الشيخ محمَّد سبط الشهيد الثاني S، وهو في محلِّه، وقد تعرَّض له الأستاذ  في القبسات(٢٨)، فراجع.

وبالجملة: ليس في مقابل تضعيف الرجل والطعن فيه بالغلوّ من قبل عدد من الأعلام كالفضل بن شاذان وأيوب بن نوح والكشّي وابن داود القمي وابن الغضائري والشيخ والنجاشي توثيق معتدّ به للرجل من قبل أيّ من الرجاليين، فلاحظ.

(ومحمَّد بن عيسى بن عبيد، وثّقه الفضل بن شاذان والكشّي والنجاشي وابن نوح وآخرون، والغريب أنَّ المستشكل وثّقه أيضاً، فلاحظ قبسات من علم الرجال ج:١

ص:٥١٧ !!).

أقول: بل لعلَّ الغريب أنَّ الكاتب لم يتّضح له مرام الأستاذ  والضابطة التي اعتمدها في إعداد قائمة المطعون فيهم من رجال كامل الزيارات، فاعتقد أنَّه إذا كان أحد المطعون فيهم موثّقاً في كلمات بعض الرجاليين أو موثّقاً عنده  فلا ينبغي إدراج اسمه في تلك القائمة، ولو كان قد اتّضح له مرامه لم يقع منه الاستغراب المذكور.

(والمعلّى بن خنيس، ذكره الشيخ في الممدوحين).

أقول: الرجل ضعّفه النجاشي وابن الغضائري تضعيفاً شديداً، ولكن ذكره الشيخ S في كتاب الغيبة في عداد الوكلاء الممدوحين قائلاً(٢٩): (ومنهم المعلّى بن خنيس، وكان من قوام أبي عبد الله g، وإنَّما قتله داود بن علي بسببه، وكان محموداً عنده، ومضى على منهاجه، وأمره مشهور. فروي عن أبي بصير قال: لما قتل داود بن علي المعلّى بن خنيس فصلبه، عظم ذلك على أبي عبد الله g واشتد عليه وقال له: (يا داود، على ما قتلت مولاي وقيّمي في مالي وعلى عيالي؟ والله إنَّه لأوجه عند الله منك) في حديث طويل. وفي خبر آخر أنَّه قال: (أما والله لقد دخل الجنة)). 

ويظهر من كلامه أنَّه اعتمد على الروايتين المذكورتين ونحوهما في عدّ المعلى من الممدوحين. 

ولكن لا دلالة فيهما ولا في غيرهما على ما يقتضي وثاقته والاعتماد على روايته، كما أوضحه الأستاذ  في القبسات(٣٠)، فراجع. فإذا كان مقصود الشيخ S استفادة مدحه بما يشمل توثيقه من الروايات الواردة بشأنه فلا يمكن المساعدة عليه، ومن الواضح أنَّه إذا تبيّن خطأ الرجالي في مستنده فلا يعتد برأيه، فتدبّر.

(والمفضّل بن صالح، روى عنه البزنطي .. وهذا توثيق سلّم به المستشكل، فلاحظ بحوث في شرح مناسك الحج ج:٦ ص:٦٩ بالهامش).

أقول: نعم هذا ممَّن تعارض فيه الجرح والتعديل ــ وفق مختار الأستاذ  ــ ولكن تقدَّم أنَّ المناط في من يصحّ إدراج اسمه في القائمة المذكورة هو كونه مطعوناً في كلمات بعض الرجاليين سواء وثّقه غيره أو لا. 

(والمفضّل بن عمر، ذكره الشيخ في الممدوحين).

أقول: نعم ذكره الشيخ S في كتاب الغيبة في الوكلاء الممدوحين قائلاً(٣١): ومنهم المفضّل بن عمر، بهذا الإسناد عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمَّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن محمَّد بن أبي عمير عن الحسين بن أحمد المنقري عن أسد بن أبي علاء عن هشام بن أحمر قال: دخلت على أبي عبد الله g وأنا أريد أن أسأله عن المفضّل بن عمر، وهو في ضيعة له في يوم شديد الحر والعرق يسيل على صدره، فابتدأني فقال: (نعم، والله الذي لا إله إلّا هو الرجل المفضّل بن عمر الجعفي، نعم والله الذي لا إله إلّاهو الرجلهو المفضّلبن عمرالجعفي) حتىأحصيت بضعاًوثلاثين مرَّة يكررها، وقال: (إنَّما هو والد بعد والد). وروي عن هشام بن أحمر قال: حملت إلى أبي إبراهيم g إلى المدينة أموالاً فقال: (ردها فادفعها إلى المفضّل بن عمر) فرددتها إلى جعفي فحططتها على باب المفضّل. وروي عن موسى بن بكر قال: كنت في خدمة أبي الحسن g فلم أكن أرى شيئاً يصل إليه إلّا من ناحية المفضّل، ولربَّما رأيت الرجل يجيء بالشيء فلا يقبله منه ويقول: (أوصله إلى المفضّل). 

ويظهر منه أنَّه اعتمد على هذه الروايات وما شاكلها في عدّ المفضّل من الممدوحين. 

ولكنها لا تخلو من مناقشات تعرَّض لها الأستاذ  في القبسات(٣٢)، فيجري في المقام ما مرّ آنفاً بشأن المعلّى بن خنيس. علماً أنَّ هناك وجوهاً أخرى ذكرت لوثاقة المفضّل ولكنها أيضاً محلّ تأمّل أو منع، فراجع القبسات.

(ويونس بن ظبيان، روى عنه ابن أبي عمير: تهذيب الأحكام ج:٥ ص:٣٢ ح:٢٤، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ج:٢ ص:١٧٥ ح:٢١. وهذا توثيق عند المستشكل واحتماله السقط أو التعدد ليس بشيء).

أقول: الرجل ممَّن ضعّفه أعلام الرجاليين، فقد عدّه الفضل بن شاذان من الكذابين المشهورين، وقال عنه النجاشي: (ضعيف جدّاً، لا يلتفت إلى ما رواه، كل كتبه تخليط)، وقال ابن الغضائري: (غال وضّاع للحديث) وقد وردت روايات  ــ وبعضها صحيحة السند ــ في لعنه ويستفاد منها خبثه وضلاله.

وأمَّا رواية ابن أبي عمير عنه فهي غير ثابتة، قال الأستاذ   (٣٣)بشأن ما  يوجد في النسخ الواصلة إلينا من التهذيبين من المورد المشار إليه: إنَّ السند في هذا المورد هكذا: (صفوان ومحمَّد بن أبي عمير عن بريد ويونس بن ظبيان قالا: سألنا أبا عبد الله g). وفي هذا السند سقط لا محالة، فإنَّ ابن أبي عمير من الطبقة السادسة ولا يروي عن بريد ــ وهو بريد بن معاوية العجلي ــ بلا واسطة؛ لأنَّه من الطبقة الرابعة، وقد توفّي في حياة الصادق g أو بعده بقليل، أي في عام (١٥٠هـ)(٣٤)، فيعرف من عطف يونس بن ظبيان على بريد في هذا السند وقوع سقط في البين.

أي أنَّ هناك واسطة محذوفة بين صفوان ومحمَّد بن أبي عمير وبين بريد ويونس بن ظبيان، ولعلَّ تلك الواسطة هو جميل بن دراج الذي توسّط بين ابن أبي عمير ويونس بن ظبيان في بعض الموارد(٣٥)، وهو ممّن يروي عن بريد أيضاً(٣٦). وقد روى عنه صفوان كذلك(٣٧).

نعم, توجد رواية ابن أبي عمير عن بريد في موضع من الوسائل(٣٨). ولكن فيه سقط كما يظهر بمراجعة مصدره وهو الكافي(٣٩)، والاسم الساقط (عمر بن أذينة).

هذا مع أنَّـه يظهـر من بعض الروايات(٤٠) أنَّ يونس بن ظـبيان كان أيضاً ممَّن توفّي في حياة الصادق g، وعلى هذا التقدير فلا محيص من وجود الواسطة بينه وبين ابن أبي عمير؛ لأنَّ الأخير لم يدرك عصر الصادق g كما حقّق في محلّه.

والحاصل: أنَّ نفي وقوع السقط في السند المذكور ممَّا لا ينبغي صدوره ممَّن له خبرة بطبقات الرواة.

(٣ ــ وخمسة منهم علم لهم حالة استقامة).

أقول: لم يذكر الكاتب إلّا أربعة أشخاص، ولعلَّ اسم الخامس سقط عند التنضيد.

ومهما يكن فإنَّ وجود حالة استقامة سابقة لبعض المطعونين غير ناهض بدفع الإشكال؛ إذ لا يمكن أن يكون ابن قولويه ناظراً في توثيقه المزعوم لهم إلى حال استقامتهم خاصَّة، فإنَّ عدداً من الروايات التي أوردها عنهم مروية عن أناس شاركوهم في الانحراف، كما في علي بن أبي حمزة الذي أخرج له عدَّة روايات عن القاسم بن محمَّد الجوهري وكان واقفياً مثله، وبعض الروايات عن الحسن بن علي الوشاء الذي قضى شطراً من عمره على القول بالوقف، فبطبيعة الحال لم يكن لابن قولويه طريق لإحراز كون تلك الروايات مروية عن ابن أبي حمزة في حال استقامته، فكيف أدرجها في (ما وقع له من جهة الثقات من أصحابنا) إذا كان يرى وثاقة الرجل في حال استقامته خاصة؟!

مضافاً إلى أنَّه لو فرض تمكنه من إحراز كون تلك الروايات مأخوذة منهم قبل انحرافهم المذهبي، إلّا أنَّه لو كان يرى ضعفهم وعدم وثاقتهم بعد الانحراف لم يصح منه إطلاق القول بأنَّ روايات كتابه مروية عن الثقات من أصحابنا، كما سيأتي توضيحه في أواخر هذا البحث، فراجع.

(وهم: أحمد بن هلال العبرتائي، قال النجاشي: صالح الرواية. واحتمال التصحيف تخرّص لا شاهد عليه)

أقول: لا شكّ في أنَّ الرجل كانت له حالة استقامة من حيث العقيدة قبل أن ينحرف في أواخر حياته، ولكن وقع الخلاف بين الرجاليين في وثاقته وعدمها حتى بعد انحرافه، ولو ثبت أنَّ النجاشي قال في حقّه: إنَّه (صالح الرواية) لاقتضى ذلك وثاقته مطلقاً كما ذهب إليه جمع، لا التفصيل بين حالة استقامته وما بعدها.

ولكنّ الملاحظ أنَّ النجاشي عقّب كلامه ذاك بقوله: (يـعرف منها وينكر)، وقد ذكر السـيد الخوئي S(٤١) أنَّه لا ينافي قوله: (صالح الرواية)؛ إذ لا تنافي بين وثاقة الراوي وروايته أموراً منكرة من جهة كذب من حدّثه بها.

وقال بعض المراجع الأعلام F(٤٢): (ليس المراد بإنكار حديثه عدم وثاقته بل اشتمال حديثه على المناكير التي يصعب على العقول تحمّلها). 

ولا يخفى ضعف كلا التوجيهين، فإنَّه إذا كانت العلّة في المناكير التي يرويها الشخص هي غيره فلا بدّ من التنبيه على ذلك، ولا يصحّ إطلاق القول بأنَّه يروي المناكير أحياناً فإنَّه يفهم منه القدح فيه، بل لا بدّ من أن يضاف إليه مثل قولهم: (والعلّة فيها غيره).

وأمَّا دعوى أنَّ المراد بالمناكير هو المطالب الحقّة التي يصعب على العقول تحمّلها فمن الظاهر ضعفها، فإنَّ الحديث المنكر هو الحديث الذي يشتمل على ما لا يقبله العقل أو يخالف واضح الشرع من الغلوّ والتخليط وأمثال ذلك، وأمَّا ما يشتمل على المعارف العالية التي هي فوق مستوى الأفهام المتعارفة فلا يعبّر عنه بذلك.

وبالجملة: المتداول في كلماتهم استخدام التعبير بـ(يعرف حديثه وينكر) للإشارة إلى عدم الوثوق بالراوي تماماً، كما قال النجاشي(٤٣) في عبد الرحمن بن أحمد بن نهيك: (لم يكن في الحديث بذاك، يعرف منه وينكر)، وقال(٤٤) في عمر بن توبة: (في حديثه بعض الشيء، يعرف منه وينكر)، وقال الشيخ(٤٥) في إسماعيل بن علي بن رزين: (كان مختلط الأمر في الحديث، يعرف منه وينكر).

وبذلك يظهر أنَّ قول النجاشي: (صالح الرواية يعرف منها وينكر) لا يخلو من تدافع بين صدره وذيله، ولو قال: (صالح الرواية وينكر منها أحياناً) كان خالياً من

الإشكال، وقد نبّه المحقق التستري S(٤٦)على ما وقع من الإشكال في كلام النجاشي قائلاً: (كان من الصواب أن يقول: كثير الرواية، يعرف منها وينكر)، وهو في محلّه.

ولعلَّ لفظ (صالح) في كلامه مصحّف (واسع)(٤٧)، وبه يندفع الإشكال عنه، وهو المناسب مع ما ذكر من رواية العبرتائي لأكثر أصول أصحابنا.

لا يقال: ولكن نسخ رجال النجاشي والمصادر التي نقلت عنه كلّها متّفقة على لفظة (صالح) فلا يمكن الاعتداد باحتمال التصحيف. 

فإنَّه يقال: الظاهر أنَّ النسخ الموجودة من رجال النجاشي ونسخة السيد ابن طاووس التي اعتمدها في كتابه حلّ الإشكال ونسخ المتأخرين عنه ترجع كلّها إلى نسخة واحدة هي برواية السيد ابن الصمصام ذي الفقار بن محمَّد بن معبد الحسني، واحتمال التصحيف فيها وارد لا دافع له، وقد لوحظ وقوعه في عدَّة موارد. ولذلك فمن الصعب الاعتماد في وثاقة ابن هلال وقبول رواياته على التعبير بـ(صالح الرواية) المذكور في تلك النسخة مع تعقّبه بقوله: (يعرف منها وينكر).

وبهذا يظهر أنَّ احتمال التصحيف ليس مجرّد تخرّص كما زعم الكاتب بل هو من جهة رفع التدافع بين قوله: (صالح الرواية) وقوله: (يعرف منها وينكر)، فتدبّر.

هذا, والحديث عن العبرتائي طويل الذيل، وما تقدَّم هو بعض ما تعرَّض له الأستاذ  في القبسات (٤٨)، فراجعه إن شئت.

(والحسن بن علي بن أبي حمزة، روى عنه ابن أبي نصر البزنطي: تهذيب الأحكام ج:٨ ص:٢٦٢ ح:١٦، ص:٣١٠ ح:٢٦، فهذا توثيق عند المستشكل نفسه، فإن أبيت فأدرجه في من تعارض فيه الجرح والتعديل، وإلّا فذره في سنبله).

أقول: يرد عليه ..

أوَّلاً: أنَّ الرواية الأولى وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن ابن أبي نصر عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن g قال: قلت له: إنَّ أبي هلك وترك جاريتين قد دبّرهما وأنا ممَّن أشهد لهما، وعليه دين كثير فما رأيك؟ فقال: (رضي الله عن أبيك ورفعه مع محمَّد e وأهله، قضاء دينه خير له إن شاء الله) ممَّا ينبغي الجزم بوقوع اشتباه في سندها، فإنَّه لا يمكن أن يكون الراوي لها هو الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني؛ إذ إنَّ أباه كان من رؤوس الواقفة وقد هلك بعد الإمام الكاظم g، فينبغي أن يكون المراد بأبي الحسن هو الإمام الرضا g، ولكن كيف يسأل الحسن بن علي بن أبي حمزة الإمام الرضا g عن حكم شرعي مع أنَّه ــ كأبيه ــ كان يناصبه العداء ولا يؤمن بإمامته؟! وكيف يقول g في علي بن أبي حمزة: (إنَّه رضي الله عن أبيك ورفعه ..)؟ بل قد قال(٤٩) فيه عندما أبلغ خبر هلاكه بأنَّه قد دخل النار.

وبالجملة: لا ينبغي الريب في عدم صحّة النسخة المذكورة(٥٠)، فلا يمكن أن تثبت بها رواية البزنطي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة المضعّف في كلمات غير واحد من الرجاليين كابن فضّال والكشّي وابن الغضائري(٥١)

وأمَّا الرواية الثانية فهي ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي عبد الله الرازي عن أحمد بن محمَّد بن أبي نصر عن الحسن بن علي عن أبي الحسن g قال: قلت له: إنَّ لي جارية .. .

ولا قرينة على أنَّ المراد بالحسن بن علي في سندها هو ابن البطائني، بل ذكر الشهيد الثاني والفاضل الهندي(٥٢) أنَّه الوشّاء، مع أنَّ الرازي المذكور ضعيف جدّاً فلا يمكن أن تثبت بنقله رواية البزنطي عن شخص ضعيف كما هو واضح.

وثانياً: أنَّه إن ثبتت رواية البزنطي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة فلا يبعد أنَّها كانت قبل أن يرجع البزنطي عن القول بالوقف، فإنَّه كان واقفيّاً ثمَّ قال بإمامة الرضا g كما نصَّ على ذلك الشيخ في كتاب الغيبة، وعلى ذلك يشكل جعل روايته عن ابن علي بن أبي حمزة دليلاً على وثاقته، فليتأمّل.

وثالثاً: أنَّه إن غضَّ النظر عمَّا تقدَّم فإنَّ رواية البزنطي عن الرجل تصلح أن تكون دليلاً على وثاقته مطلقاً، من غير اختصاص بما قبل انحرافه وقوله بالوقف، ولا أثر لكونه مستقيماً في العقيدة مدَّة وانحرافه لاحقاً في ما هو محلّ الكلام من ضعفه ووثاقته. وهذا واضح جدّاً.

(وأبوه علي بن أبي حمزة البطائني، له حال استقامة كما هو واضح عند الطائفة، وروى عنه المشائخ الثلاثة: صفوان بن يحيى.. وابن أبي عمير .. وابن أبي نصر، وهذا توثيق كما مرّ وتكرّر).

أقول: نعم, الظاهر أنَّ علي بن أبي حمزة كان على ظاهر الاستقامة والصلاح قبل استشهاد الإمام موسى بن جعفر g، ولكن لا أثر لذلك في ما هو محلّ الكلام، لما مرّ آنفاً من أنَّ توثيق ابن قولويه لرجال الكامل ليس ناظراً إلى خصوص زمان تلقّي مـا أورده من الروايات عنهم، مع أنَّ في رواياته عن علي بن أبي حمـزة ما رواه عنـه بعض الواقفة ــ كالقاسم بن محمَّد الجوهري ــ ويجوز أن يكون تلقّيها عنه بعد انحرافه.

(وعبد الله بن القاسم الحارثي، قال النجاشي: ضعيف غالٍ كان صحب معاوية بن عمّار ثم خلط وفارقه. إلّا أنَّ ابن الغضائري لم يشر إلى صحبته لمعاوية بن عمّار قبل التخليط، فلاحظ).

أقول: إنَّ أقصى ما يستفاد من كلام النجاشي هو أنَّ الرجل لم يكن مخلطاً أيام صحبته لمعاوية بن عمّار، ولا يستفاد منه أنَّه كان ثقة آنذاك، وحمل توثيق ابن قولويه إياه ــ على تقدير تسليمه ــ على كونه ناظراً إلى ما قبل تخليطه وعدم شموله لما بعده حتى لا يعارض تضعيف النجاشي وابن الغضائري جمع اقتراحي لا عبرة به.

هذا وتجدر الإشارة إلى أنّه قد وردت رواية ابن أبي عمير عن عبد الله بن القاسم ــ بهذا العنوان ــ في بعض الموارد، فربّما يقال: إنّ المراد به هو الحارثي المذكور أو الحضرمي المضعّف كذلك الذي هو من رواة الكامل أيضاً، والرواية المشار إليها مذكورة في موضع من الفقيه، حيث روى فيه الصدوق بإسناده عن محمَّد بن أبي عمير عن عبد الله بن القاسم عن الصادق g(٥٣).

وقد أوردها بعينها في الأمالي عن جعفر بن محمَّد بن مسرور عن الحسين بن محمَّد ابن عامر عن عمّه عبد الله بن عامر عن محمَّد بن أبي عمير عن عبد الله بن القاسم عن الصادق g(٥٤).

أقول: الظاهر أنَّ الذي روى عنه ابن أبي عمير تلك الرواية هو غير الحارثي والحضرمي المذكورين، بل هو الجعفري الذي ذكر في بعض نسخ رجال الشيخ(٥٥).

والوجه في ذلك: أنَّ هذه الرواية قد أوردها الكليني بإسناده عن علي بن محمَّد القاساني عمَّن ذكره عن عبد الله بن القاسم(٥٦)، فيعلم بذلك  اتّحاد عبد الله بن القاسم الذي روى عنه ابن أبي عمير مع من روى عنه القاساني مرسلاً.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى توجد للقاساني روايات متعدّدة مسندة ومرسلة عن عبد الله بن القاسم الجعفري في المحاسن والكافي والتوحيد ومعاني الأخبار(٥٧).

فيظهر بذلك أنَّ الذي روى عنه ابن أبي عمير هو عبد الله بن القاسم الجعفري، واتحاده مع الحضرمي بكون أحد اللفظين محرّفاً عن الآخر غير معلوم بل الظاهر خلافه(٥٨).

(٤ ــ ومنهم من لا دليل على جرحه أصلاً، وهو علي بن أحمد بن أشيم، غاية الأمر أنَّه مجهول كما ذكر الشيخ، ولكنّه كما ترى ليس بشيء؛ إذ المجهول عرفاً ولغة من لا يعرف لا غير، وأمَّا كونه دالاً على من تضاربت فيه الأقوال من جرح وتعديل ــ على فرض عدم استبعاده وغرابته ــ فيحتاج إلى عناية زائدة مفقودة في المقام).

أقول: قال الأستاذ  ما لفظه(٥٩): (هذا التعبير ــ أي مجهول ــ ورد في كلمات المتقدّمين والمتأخّرين من الرجاليين بشأن الكثير من الرواة.

وأشار المحقق التستري S(٦٠) إلى أنَّه من ألفاظ الجرح في كلمات المتقدّمين، وأمَّا في كلمات المتأخّرين من الشهيد الثاني والمجلسي الثاني وغيرهما فالمراد به الأعم من المجروح ومن المهمل الذي لم يذكر فيه قدح ولا مدح.

ولكنّ السيد الأستاذ S بنى في غير مورد(٦١)على وثاقة من قال فيه المفيد أو الشيخ: إنَّه مجهول إذا ورد توثيقه من طريق آخر.

والصحيح ما أفاده المحقّق التستري S، أي أنَّه لا يراد بـ(المجهول) في كلمات المتقدّمين مجرّد عدم التعرّف على حال ‏الشخص، لئلا يقع تعارض عندئذٍ بين قول أحدهم: (مجهول) ‏وبين قول آخر: إنَّه (ثقة).

والشاهد على ذلك أنَّ الشيخ S ذكر بهذا الوصف حوالي خمسين شخصاً من أصحاب الأئمَّة i في كتاب الرجال، ولو كان المراد به مجرّد عدم الاطلاع على حال الراوي وأنَّه ثقة أو غير ثقة لكان ينبغي أن يذكره بالنسبة إلى عشرات آخرين أيضاً، فإنَّه من المؤكد أنَّه لم يكن يعرف حال الكثيرين من أصحاب النبي e والأئمَّة i ممَّن ذكرهم في كتاب الرجال.

وبالجملة: ليس المراد بـ(المجهول) في كلمات المتقدّمين هو من لم يطّلع الرجاليّ على حاله، بل الظاهر أنَّ المراد به من تتضارب بشأنه مؤشّرات الوثاقة والضعف، ولذلك لا يمكن البناء على كونه ثقة أو ضعيفاً، فالمجهول من ألفاظ الذم والقدح ويقع التعارض بينه وبين قول التوثيق الصادر من شخص آخر).

هذا ما أفاده  بلفظه، وهو واضح لمن تدبّر.

(٥ ــ واثنين منهم لا يعلم فيهما المضعّف، وهما: محمَّد بن أسلم الجبلي، قال النجاشي: يقال: كان غالياً فاسد الحديث). 

أقول: يرد عليه ..

أوَّلاً: أنَّه لا يبعد أن يكون نظر النجاشي في ما حكاه إلى ابن الغضائري، وذلك بملاحظة مجموعة أمور ..

١ ــ قال العلّامة في الخلاصة(٦٢): محمَّد بن أسلم الطبري الجبلي .. وقال ابن الغضائري الحلبي: .. أبو جعفر أصله كوفي كان يتّجر إلى طبرستان، يقال: إنَّه كان غالياً فاسد الحديث، روى عن الرضا g. 

وذيل هذه العبارة من قوله: (أبو جعفر ..) إنَّما هو للنجاشي، ويظهر ممَّا قبله أنَّ ابن الغضائري كان قد ترجم لمحمَّد بن أسلم المذكور في كتاب الضعفاء، والظاهر أنَّه كان قد قدح فيه بما لم يجد العلّامة حاجة إلى نقله بعد نقل ما ذكره النجاشي كما هو دأبه في الموارد المماثلة.

٢ ــ ذكر المولى عبد الله التستري ــ الذي انتزع كتاب الضعفاء لابن الغضائري من كتاب حلّ الإشكال للسيد ابن طاووس ــ أنَّ السيد قال في كتابه(٦٣): (ومن كتاب ابن الغضائري الميم ثمانية وثلاثون رجلاً) ثمَّ قال في نهاية الباب: (لعلَّه قد سقط من عدّتها المذكورة أوَّلاً؛ إذ لا غلط أنَّ الموجود هنا أربعة وثلاثون).

ويظهر بمراجعة خلاصة العلّامة ورجال ابن داود أسماء الأربعة الآخرين، والظاهر أنَّ منهم محمَّد بن أسلم المذكور. ويبدو أنَّ منشأ السقط هو أنَّ نسخة حلّ الإشكال التي كانت بخط السيد ابن طاووس وانتزع منها المولى التستري كتاب الضعفاء كان قد أصابها التلف في بعض موارد النقل فيها عن هذا الكتاب فلم يتيسّر له انتزاع جميع ما ذكره السيد نقلاً عن ابن الغضائري(٦٤).

٣ ــ الملاحظ أنَّ النجاشي ربَّما يكون ناظراً في ما يورده إلى ما ذكره ابن الغضائري من دون أن ينسبه إليه بالاسم، مثلاً: قال في محمَّد بن أورمة: (قال بعض أصحابنا: إنَّه رأى توقيعاً من أبي الحسن الثالث g إلى أهل قم في معنى محمَّد بن أورمة وبراءته ممَّا قذف به)، وهذا مطابق لما ذكره ابن الغضائري بقوله: (رأيت كتاباً خرج من أبي الحسن علي بن محمَّد g إلى القميّين في براءته ممَّا قذف به). وقال النجاشي في محمَّد بن بحر الدهني: (قال بعض أصحابنا: إنَّه كان مذهبه ارتفاع، وحديثه قريب من السلامة، ولا أدري من أين قيل ذلك) قال السيد الخوئي S: الظاهر أنَّه يريد بذلك ما ذكره ابن الغضائري بقوله: (ضعيف في مذهبه ارتفاع). وهناك شواهد أخرى لما ذكر يمكن ملاحظتها في القبسات(٦٥).

وفي ضوء ما تقدَّم لا يستبعد أنَّ ابن الغضائري كان قد قدح في محمَّد بن أسلم بالغلوّ وفساد الحديث، ويكون النجاشي ناظراً في قوله: (يقال: إنَّه كان غالياً ..) إلى ما ذكره، فليتدبَّر.

وثانياً: أنَّه لو غضَّ النظر عمَّا تقدَّم فإنَّه يمكن الاطمئنان بأنَّ ابن الغضائري كان قد قدح في هذا الرجل عند ترجمته في كتاب الضعفاء، وإلّا لم يقتصر العلّامة على إيراد ما ذكره النجاشي كما هو دأبه في سائر الموارد، وعلى ذلك فلا يكون المضعّف للرجل منحصراً في من أشار إليه النجاشي، ليقال إنَّه مجهول.

(وزكريا المؤمن، قال النجاشي: حكي عنه ما يدلّ على أنَّه كان واقفاً وكان مختلط الأمر في حديثه، والجملة الثانية فيها احتمالات في العطف: على قوله: ما يدلّ ..، وعلى قوله: كان واقفاً ..، وعلى قوله: حكي عنه .. فلاحظ وتدبّر، وعلى تقدير ظهوره في كونها جملة استئنافية ليست ظاهرة في سلب الوثاقة).

أقول: إنَّ قوله: (وكان مختلط ..) ظاهر في كونه جملة استئنافية، وإلّا لم يناسب أن يكرّر الفعل (كان) بل كان ينبغي أن يقول: (حكي عنه ما يدلّ على أنَّه كان واقفاً ومختلط الأمر في حديثه).

وأمَّا المناقشة في دلالة قوله: (مختلط الأمر في حديثة) على الخدش في وثاقة الرجل فهي في غير محلّها أيضاً، بل ظاهره أنَّه أراد به كونه ممَّن يروي الغثّ والسمين وما يعرف وما ينكر، ممَّا يثير الريب في وثاقته بطبيعة الحال.

وهذا هو ما يظهر من قول الشيخ(٦٦) في ترجمة إسماعيل بن علي بن رزين: إنَّه (كان مختلط الأمر في الحديث يعرف منه وينكر)، وقول ابن الغضائري(٦٧) في شأن خلف بن حمّاد: (أمره مختلط، يعرف حديثه تارة وينكر أخرى، ويجوز أن يخرّج شاهداً).

تبقى الإشارة إلى أنَّ النجاشي عقّب ما تقدَّم بقوله: (له كتاب منتحل الحديث)، وهذا يمكن أن يقرأ على وجهين ..

أحدهما: ما يظهر من المحقّق الشيخ آغا بزرك الطهراني S(٦٨) من جعل قوله: (منتحل الحديث) اسماً للكتاب، قال S: (منتحل الحديث لأبي عبد الله المؤمن) فكأنّ الرجل ألّف كتاباً في الأحاديث المنتحلة، فكان ذلك اسماً لكتابه بلحاظ كونه موضوعه.

ثانيهما: ما ربَّما يظهر من المحقّق التستري S (٦٩) من كون قوله: (منتحل الحديث) وصفاً للكتاب، ليكون المقصود أنَّه انتحل أحاديث غيره في هذا الكتاب، يقال: انتحل الشعر ادعاه لنفسه وهو لغيره، وكذلك الحديث ونحوه. وعليه فإنَّه يدلّ على قدح كبير في الرجل، فليلاحظ(٧٠)

(٦ ــ نعم يبقى منهم اثنان وثلاثون راوياً قد يستظهر من كلمات الرجاليين عدم وثاقتهم وهم: إبراهيم بن إسحاق .. ومحمَّد بن يحيى المعاذي .. .

 هذا ولم يتضح الوجه في حساب من تعارض فيهم الجرح والتعديل، إذ يكفي في موافقة بعض الأعلام لابن قولويه رحمه الله تعالى في توثيقهم.

وعلى كل حال فالذي يهمّنا في المقام هو القسم الأخير، وهم عبارة عن اثنين وثلاثين شخصاً لا غير، وهو عدد ليس بالمهول، ولا يشكّل أضعاف تضعيفات ابن الغضائري كما قيل)

أقول: أمَّا قوله (قد يستظهر من كلمات الرجاليين عدم وثاقتهم) باستخدام كلمة )قد) التي تدلّ عند دخولها على الفعل المضارع على التقليل ــ وكأنّ البعض فقط استظهر منها التضعيف ــ فهو في غاية الغرابة، فإنَّ جلّ الأعلام إن لم يكن كلّهم سلّموا دلالتها على ضعف المذكورين، فراجع. 

وأمَّا قوله: (لم يتضح الوجه في حساب من تعارض فيهم الجرح والتعديل ..) فقد مرَّ الجواب عنه في بداية هذه المقالة، فلاحظ.

وأمَّا قوله: (وهو عدد ليس بالمهول، ولا يشكّل أضعاف تضعيفات ابن الغضائري كما قيل) فيلاحظ عليه بما تبيَّن ممَّا تقدَّم من أنَّ جميع الاثنين والستين شخصاً الذين ذكرهم الأستاذ  ممَّن ورد في كلمات الرجاليين ما يمسّ وثاقتهم، فالعدد مهول حقاً
 ــ بالإضافة إلى اشتماله على جملة من كبار الوضّاعين والكذّابين ــ إذ يشكّل حوالي (١٠%) من مجموع من وردت أسماؤهم في أسانيد كامل الزيارات. وهم أضعاف من وثّقهم بعض الرجاليين ممَّن ضعفهم ابن الغضائري مع أنَّه قد وافقه في بعضهم غيره.

(وهؤلاء المضعّفين أيضاً ليسوا بدرجة واحدة فيمكن فيهم الميز والفرز، فمنهم من ضعّفه القميّون وهم اثنان على الأقلّ: محمَّد بن أبي عبد الله الجاموراني ومحمَّد بن موسى الهمداني بناءً على رجوع تضعيف ابن الغضائري إلى ما اشتهر عند القميّين؛ إذ لم يعهد غيره في غيره كالنجاشي والشيخ).

أقول: الرجلان هما ممَّن استثنى ابن الوليد والصدوق رواياتهم من كتاب نوادر الحكمة، وقد حكى النجاشي في ترجمة محمَّد بن أحمد بن يحيى عن أستاذه ابن نوح أنَّه قال: (وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمَّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه وتبعه أبو جعفر بن بابويه S على ذلك إلّا في محمَّد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رابه فيه؛ لأنَّه كان على ظاهر العدالة والثقة). 

وهذا الكلام واضح الدلالة على أنَّ ابن نوح ــ الذي وثّقه الشيخ وقال عنه النجاشي: كان ثقة في حديثه متقناً لما يرويه فقيهاً بصيراً  بالحديث والرواية ــ قد وافق ابن الوليد والصدوق على عدم وثاقة من عدا محمَّد بن عيسى بن عبيد، ويظهر من النجاشي عدم مخالفته في ذلك، فكيف يقال بأنَّ المضعّف للجاموراني ــ وهو محمَّد بن أحمد أبو عبد الله لا محمَّد بن أبي عبد الله كما ذكره الكاتب ــ والهمداني ينحصر في القميّين؟!

وأمَّا ابن الغضائري فهو أجلّ من أن يتبع القميّين في تضعيفاتهم من غير تمحيص وتحقيق، كيف وقد ردّ عليهم في غير موضع. 

قال المحقّق التستري Q ــ ونِعْمَ ما قال ــ: (هذا الرجل لا نقّاد مثله بعد ابن الوليد الناقد لنوادر الحكمة وغيره، بل هو فوقه، فتراه قوّى ممّن ضعّفه ابن الوليد وابن بابويه: أحمد بن الحسين بن سعيد والحسين بن شاذويه ومحمَّد بن أورمة وزيد الزراد وزيد النرسي).

والملاحظ أنَّه حكى تضعيف القميّين للجاموراني ولم يعلّق عليه، وإنَّما عقّبه بقوله: (وفي مذهبه ارتفاع). وأمَّا الهمداني فقد ضعّفه بنفسه قائلاً: (ضعيف يروي عن الضعفاء ويجوز أن يُخرَّج شاهداً) ثمَّ حكى استثناء القميّين لما رواه من نوادر الحكمة، ولا دلالة في ذلك على رجوع تضعيفه إلى ما ذكره القميّون، كما لا دلالة لعدم ورود التضعيف في كلام النجاشي والشيخ على ذلك.

(ومنهم من هو غير مسلَّم الضعف عند جميع الرجاليين، ولا أقلّ من عدم الاتفاق على ضعفه من الثلاثة الشيخ والنجاشي والغضائري، وهم الغالبية سوى أربعة فقط وهم: إبراهيم بن إسحاق النهاوندي والحسن بن علي بن أبي عثمان ومحمَّد بن سليمان الديلمي، ومحمَّد بن عبد الله بن مهران).

أقول: لا خصوصية لاتفاق الثلاثة الشيخ والنجاشي وابن الغضائري على تضعيف هؤلاء الأربعة، فإنَّ هناك من هم أشدّ ضعفاً من بعض المذكورين ولم يضعّفه بعضهم كالشيخ، مثل محمَّد بن علي القرشي أبي سمينة، الذي عدّه الفضل بن الشاذان من الكذّابين المشهورين بل أشهرهم, وقال عنه النجاشي: (ضعيف جدّاً فاسد الاعتقاد لا يعتمد عليه في شيء، وكان وَرَد قم وقد اشتهر بالكذب بالكوفة)، وقال ابن الغضائري: (كذّاب غالٍ .. كان شهيراً في الارتفاع لا يُلتفت إليه ولا يُكتب حديثه)، ومثله يونس ابن ظبيان الذي عدّه الفضل بن شاذان من الكذّابين المشهورين أيضاً, وقال النجاشي: (ضعيف جدّاً لا يلتفت إلى ما رواه، كلّ كتبه تخليط)، وقال ابن الغضائري: (غالٍ وضّاع للحديث .. لا يلتفت إلى حديثه). فهل ترى أنَّ عدم تضعيف الشيخ لهذين الراويين يضعِّف من احتمال كونهما من الكذّابين الوضّاعين؟!

(ومنهم من اتّهم بالغلوّ والمذاهب الفاسدة وهم تسعة).

أقول: ليس فيهم من ضعّف بالغلوّ وحده إلّا محمَّد بن صدقة، وأمَّا بقيَّة مَن عدّوا من الغلاة وفاسدي المذهب فقد ضعّفوا أيضاً تضعيفاً مطلقاً أو من جهة خصوص الكذب وفساد الحديث والتفرّد بالغرائب ونحو ذلك. 

هذا, مضافاً إلى ما تقدَّم من أنَّ الغالي لا يستغني عادة عن الكذب، ولذلك يكاد أن يكون الجمع بين كون الرجل غالياً وكونه ثقة جمعاً بين متنافيين.

(ومنهم من تفرّد بتضعيفهم واحد من الرجاليين، فابن الغضائري ما يقارب العشرة، والنجاشي ما يقارب الأربعة، ومنهم من تفرّد بتضعيفهم الشيخ أيضاً).

أقول: تقدَّم أنَّ هذا لا يضرّ بالمقصود، فإنَّ استبعاد أن يوثّق ابن قولويه أزيد من ستّين شخصاً ممَّن وَرَد تضعيفهم في كلمات الرجاليين ــ وفيهم كبار الوضّاعين والكذّابين ــ ممَّا لا يختلف بوجود تضعيف بعضهم في كلام واحد أو أكثر؛ إذ إنَّ مثل هذا لم يقع لأيّ من الرجاليين الآخرين كما مرّ شرحه.

(ومنهم من طعن عليه أهالي قم بالغلوّ كمحمَّد بن موسى الهمداني مع أنَّ له كتاباً في ردّ الغلاة ممَّا يكشف أنَّ وراء الأكمة ما وراءها).

أقول: تأليف الهمداني كتاباً في الرد على الغلاة ليس دليلاً قاطعاً على عدم غلوّه، فإنَّ بعض الغلاة لا يرى نفسه غالياً بل يعدّ من يقول بما دون قوله مقصّراً ويرى الغلوّ في ما يتبناه من هو أشدّ تطرّفاً منه، ومن شواهد ذلك أنَّ علي بن العباس الجراذيني الذي رمي بالغلوّ هو صاحب كتاب في الردّ على السلمانية الذين هم طائفة من الغلاة كما قال النجاشي.

نعم, الملاحظ أنَّ النجاشي نسب تضعيف الهمداني بالغلوّ إلى القميّين، وكذلك قال ابن الغضائري: إنَّه تكلّم فيه القميّون بالغلوّ، ولا يظهر من أيّ من العَلَمين الموافقة على ذلك، فهذا يصلح أن يورث بعض الشكّ في غلوّ الرجل. 

وعلى أيّ حال فليس الأساس في تضعيف هذا الرجل هو اتّهامه بالغلوّ ليناقش في صحته، بل تصريح ابن الوليد بأنَّه كان يضع الحديث وكان كذّاباً غير ثقة، وموافقة ابن نوح على استثناء رواياته من نوادر الحكمة وتضعيف ابن الغضائري إيّاه، فراجع.

(ومنهم مَن روى عنه اثنان من أصحاب الإجماع وهو صالح بن الحكم النيلي).

أقول: الظاهر أنَّه قصد بالاثنين .. 

١ ــ صفوان بن يحيى الذي هو ممَّن قال الشيخ في كتاب العدّة: إنَّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة، ولكن أقصى ما يقتضي ذاك هو تعارض الجرح والتعديل في هذا الرجل، فلماذا أورد الكاتب اسمه هنا ولم يورده في القسم الثاني المتقدم؟! 

٢ ــ حمّاد بن عثمان الذي هو من جماعة ادعى الكشّي إجماع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنهم، ولكن أين هذا من الدلالة على وثاقة من يروون عنهم؟! بل أقصى ما يمكن أن يدّعى هو اقتضاؤه اعتبار رواياتهم بغض النظر عن حال من يروونها عنهم، مع أنَّ هذا غير تام أيضاً كما حقّق في محلِّه.

(ومنهم من يحتمل رجوعه عن الغلوّ وهو صالح بن سهل كما في اختيار الكشّي، ويظهر منه حسن حاله كما فهم منه ابن داود المدح).

أقول: هذا الكلام غريب، فإنَّ ابن الغضائري قد ضعّف الرجل بقوله: (غالٍ كذّاب وضّاع للحديث .. لا خير فيه ولا في سائر ما رواه)، فيلاحظ أنَّ تضعيفه لم يقتصر على عدّه من الغلاة بل اتّهمه بالكذب ووضع الحديث أيضاً، فلو فرض أنَّ هناك ما يدلّ على رجوعه عن الغلوّ فما الذي يدلّ على كفّه عن الكذب والوضع؟! 

وأمَّا رواية الكشّي فهي مرسلة ومروية عن الرجل نفسه أنَّه قال: كنت أقول في أبي عبد الله g بالربوبية فدخلت عليه فلمّا نظر إلي قال: (يا صالح إنا والله عبيد مخلوقون، لنا ربّ نعبده وإن لم نعبده عذّبنا). وهذه الرواية إن صحّت فأقصى ما تدلّ عليه هو رجوع الرجل عن القول بربوبية الصادق g، وأمَّا عدم قوله بالغلوّ بنحو آخر فلا يستفاد منها أبداً، فضلاً عن أن يستفاد منها حسن حاله. وأمَّا ابن داود فقد ذكره بعنوان صالح بن سهل وقال: (كش: ممدوح) وذكره بعنوان صالح بن سهيل وقال: (كش: كان يعتقد في الصادق g الربوبية وأنَّه دخل عليه فأقسم أنَّه ليس بربّ). وعلى كل حال لا عبرة بفهمه المدح من الرواية، مع أنَّه لا يمكن أن يعتمد على مدح المضعَّف لنفسه، فتدبّر.

(ومنهم من لا يخفى على أي ناظر للكتب والمصنّفات ومن جاس خلال الديار وتصفح الآثار والأخبار كثرة مروياته بدرجة لا تتناسب مع اشتهاره بالغلوّ والكذب والفساد في الحديث إلّا أن تكون له حالة استقامة فيما قبل).

أقول: بل إنَّ من له إلمام كافٍ بطريقة المتقدّمين من أعلام المحدّثين يعلم أنَّهم كانوا لا يتحاشون عن إيراد روايات الضعفاء المشهورين فضلاً عن غير المشهورين في كتبهم إذا لم يستنكروا مضامينها، بل وكانوا يعملون بها متى حصلت لهم القناعة بها بمقتضى الشواهد والقرائن، ومن ذلك تصحيح بعض نقّاد الأخبار لها، هذه طريقتهم التي لا يحيدون عنها، وعليها تمّ تأليف الكتب الأربعة وغيرها من كتب الأحاديث الواصلة إلينا.

وأمَّا أن يستكشف من كثرة روايات بعض المشهورين بالكذب في كتب الحديث أنَّه كانت له حالة سابقة اعتمد الأصحاب على ما تمَّ تلقّيه منه في تلك الحالة، فهو لعمري من العجب العجاب، ولا يقوله قائله إلّا من ضيق الخناق. 

ونظيره ما ذكره السيد الخوئيS(٧١) أيام كان يرى وثاقة رجال كامل الزيارات، حيث لاحظ أنَّ أبا سمينة ممَّن لا ريب في ضعفه واشتهاره بالكذب ومع ذلك ورد اسمه في أسانيد الكامل فالتجأ إلى القول بأنَّ محمَّد بن علي القرشي الواقع في سند كامل الزيارات لم يُعلم أنَّه أبو سمينة، فإنَّ أبا سمينة وإن كان قرشياً واسمه محمَّد بن علي إلّا أنَّه لا يلازم انحصار المسمّى بهذا الاسم فيه، فمن الممكن أنَّه رجل آخر، ورواية محمَّد ابن أبي القاسم ماجيلويه عنه لا تدلّ على الاتحاد، لإمكان روايته عن كلا الرجلين!!

وكذلك لاحظ S التسالم على ضعف محمَّد بن عبد الله بن مهران ومع ذلك وقع في أسانيد كامل الزيارات فقال(٧٢): (يمكن أن يقال: إنَّ محمَّد بن عبد الله بن مهران الواقع في إسناد كامل الزيارات هو غير هذا الرجل وإنَّما هو محمَّد بن أحمد بن عبد الله ابن مهران الثقة) مع وضوح أنَّ الأخير متأخّر طبقة عمّن ذكر في الكامل، فراجع.

(ومن هذه التضعيفات ما يستشم منها رائحة الحدس).

أقول: إذا كان ابن قولويه قد وثّق كل أولئك المضعّفين في كلمات غيره ــ وهو عندي أجلّ من ذلك ــ فإنَّه ينبغي أن تستشم منه رائحة الحدس بدرجة أقوى؛ إذ كيف يمكن أن يكون توثيقه لكلّهم مستنداً إلى الحسّ عن طريق نقل كابر عن كابر، وكلمات من سبقه ومن لحقه مشحون بتضعيف الكثيرين منهم؟!

(فلو فتحنا كل هذه الأبواب التي أوصدها المستشكل لتضاءل هذا العدد وتلاشى، فلا محلّ للبعد و لا الاستبعاد).

أقول: قد اتضح ممَّا مرّ بيانه أنَّ الباحث المحقّق لا يجد مناصاً من الإقرار بأنَّ الأبواب المشار إليها كلّها مؤصدة أمامه، وأنَّ الاستبعاد المتقدّم في محلّه تماماً، ولذلك لا محيص من البناء على أنَّ ابن قولويه لم يقصد  بما ذكره في المقدّمة توثيق جميع رواة كتابه.

(لا سيّما مع ما بيّنه سماحة السيد (دام عمره الشريف) من أنَّ الغرض من توثيق هؤلاء هو توثيق رواياتهم. 

ولا يقال: إنَّ ادّعاء كون التوثيق حال أداء الرواية خلاف الظاهر، ثمَّ إنَّ هذا مبنيّ على كونهم مستقيمين زمناً ما, وهذا فرض في فرض ولا شاهد عليه بوجه.

لأنّا نقول: أمَّا ادّعاء كون توثيق ابن قولويه لهؤلاء حال أداء الرواية خلاف الظاهر فغريب جدّاً! لأنَّ ظاهر حال كلّ موثِّق حكاية وثاقة الراوي حال أدائه للرواية لا مطلقاً، والتنبيه على حاله في غير هذه الحال ــ كما لو انحرف بعد ذلك وتُركت الرواية عنه ــ خارج عن حيطة علم الرجال، بل هو من شؤون علم التراجم وما أشبه).

أقول: دعوى أنَّ ابن قولويه أراد وثاقتهم حين تلقّي روايات الكتاب عنهم، لا قبل ذلك ولا بعده، لأنَّ غرضه من التوثيق إنَّما كان بيان اعتبار وحجيّة تلكم الروايات، وهو لا يقتضي أزيد من وثاقة كلّ راوٍ حين نقله الرواية لمن بعده، وهذا محتمل حتى في المشهورين بالغلوّ والكذب، بأن كانت لهم حالة استقامة رووا فيها الأحاديث، ويكون ما أورده ابن قولويه في كتابه إنَّما هو من تلك الأحاديث خاصَّة دون ما رووها قبل ذلك أو بعده. 

مردودة ..

أوَّلاً: بأنَّ كون غرض ابن قولويه هو التنبيه على اعتبار روايات كتابه لا يشكّل قرينة على أنَّه قصد توثيق رواتها في زمان تلقّي تلكم الروايات عنهم فقط، فإنَّ المنساق من قوله: (ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته) كونهم موصوفين بالوثاقة ومعدودين من أصحابنا ومستحقين لطلب الرحمة لهم من الله تعالى، بحيث ختمت حياتهم بذلك، ولا يستساغ التعبير المذكور إذا كان لبعضهم دور وثاقة واستقامة ثمَّ خرجوا من المذهب أو أصبحوا يمارسون الكذب والوضع واشتهروا به واستحقوا بذلك اللعن والعذاب، وإن كانت الروايات المدرجة في الكتاب مأخوذة منهم قبل ذلك، بل في مثل هذه الحالة ينبغي التنبيه على المعنى المذكور بنحو قولهم كما في موضع من الكافي(٧٣) (عن طاهر بن حاتم في حال استقامته)، وفي موضع من كمال الدين(٧٤) (عن أحمد بن هلال في حال استقامته)، وما حكاه ابن الغضائري(٧٥) من قولهم: (حدّثنا أبو الخطّاب في حال استقامته)، وقول النجاشي(٧٦): (حدّثنا الحسين بن عبيد الله بن سهل في حال استقامته).

وثانياً: أنَّه لو سلّم ظهور كلام ابن قولويه في توثيق رواة الكامل في حين تلقّي الروايات المدرجة في الكتاب عنهم، إلّا أنَّ الجمع بين توثيقه وتضعيف غيره بحمل توثيقه على كونه ناظراً إلى حالة استقامة محتملة كانت للشخص ــ وقد تمّ النقل عنه في الكامل في تلك الحالة ــ وحمل التضعيف على كونه ناظراً إلى حالة الانحراف اللاحقة، جمع اقتراحي تبرعي ولا عبرة به، ولا أقلّ من جهة عدم قرينة على كون التضعيف ناظراً إلى خصوص تلك الحالة، ومن الواضح أنَّ المقام ليس من موارد حمل المطلق على المقيّد، فإنَّ ذلك يختص بما إذا كان المطلق والمقيّد صادرين من شخص واحد أو من شخصين هما بمنزلة الواحد كإمامين معصومين. 

وثالثاً: أنَّه لو غضَّ النظر عمَّا تقدَّم فإنَّ الجمع المذكور غير متّجه من جهة أخرى، وهي ما أشار إليه الأستاذ  من أنَّ مضامين جملة من روايات الكذّابين والوضّاعين المذكورة في الكامل  تشهد بأنها من مختلقاتهم(٧٧) في دور الضعف لا من رواياتهم قبل ذلك في دور الاستقامة ــ إن كان لهم دور من هذا القبيل ــ مع أنَّ الملاحظ عدم اختلاف الرواة عنهم فيها عن رواة سائر رواياتهم، فكيف اقتنع ابن قولويه أنَّها رويت عنهم في حال الاستقامة؟!

وأيضاً تقدَّم أنَّ عدداً من الروايات التي أوردها عن المنحرفين مروية عن أناس شاركوهم في الانحراف، كما في علي بن أبي حمزة الذي أخرج له عدَّة روايات عن القاسم بن محمَّد الجوهري وكان واقفياً مثله، وبعض الروايات عن الحسن بن على الوشّاء الذي قضى شطراً من عمره على القول بالوقف، فبطبيعة الحال لم يكن لابن قولويه طريق لإحراز كون تلك الروايات مروية عن ابن أبي حمزة في حال استقامته، فكيف أوردها في كتابه إذا لم يكن يوثّق الرجل حتى بعد انحرافه؟! 

ورابعاً: أنَّ لازم كون ابن قولويه ناظراً في توثيقه المزعوم إلى زمان تلقّي الروايات المدرجة في الكامل عن الرواة المذكورين فيه هو أن لا يصح الاستناد إلى توثيقه في البناء على اعتبار سائر ما ورد في جوامع الحديث من روايات للمذكورين في أسانيد الكامل، ممَّا يحتمل أنَّه تمَّ تلقّيها منهم قبل زمن تلقّي رواياتهم في الكامل مع عدم ثبوت وثاقتهم آنذاك.

مثلاً: عبد الرحمن بن سيابة له رواية واحدة في الكامل رواها عنه علي بن النعمان وله عشرات الروايات في الكتب الأربعة وغيرها رواها عنه آخرون، والرجل ممَّن لم يوثّق في كتب الرجال، فإذا بني على كون التوثيق المزعوم لابن قولويه ناظراً إلى زمان تلقّي علي بن النعمان تلك الرواية عنه، فلا ينفع ذاك التوثيق في الاعتماد على سائر رواياته إلّا مع إحراز تلقّيها عنه في زمن تلقّي تلك الرواية أو في ما بعده. وأمَّا مع احتمال تلقّيها قبل ذلك فحيث لا مثبت لوثاقته في حينه ــ لعدم حجيّة الاستصحاب القهقرى ــ لا سبيل إلى البناء على حجيّتها، وبذلك تقل جدوى الالتزام بوثاقة رواة كامل الزيارات. 

وهو أيضاً على خلاف ما سلكه بعض المراجع الأعلام F في مصباحه، مثلاً: تراه اعتمد على رواية لسليمان بن حفص المروزي وردت في مفطّرية إدخال الغبار في الحلق من جهة ورود اسمه في أسانيد كامل الزيارات(٧٨), مع أنَّ الراوي عنه في هذه الرواية هو محمَّد بن عيسى في حين أنَّ الراوي عنه في الكامل في موضع هو الحسين بن زكريا وفي موضع آخر علي بن محمَّد عن بعض أصحابه(٧٩) والظاهر أنَّ المراد بعلي بن محمَّد هو الأشعث بقرينة كون الراوي عنه سلمة بن الخطاب وقد روى عن الأشعث في موضع من معاني الأخبار(٨٠).

ومن الواضح أنَّه لا سبيل إلى إحراز أنَّ رواية محمَّد بن عيسى عن سليمان بن حفص لم تكن متقدّمة زماناً على رواية الحسين بن زكريا والواسطة المبهمة عنه فكيف يمكن البناء على اعتبار روايته الواردة في مفطّرية الغبار إذا كان توثيق ابن قولويه إيّاه ناظراً إلى حال تلقّي الحسين بن زكريا والواسطة المبهمة ما ورد عنه في الكامل؟

(ولا يبعد كون أغلب التضعيفات التي طعن فيها على الغلاة ممَّن تأخّر عن ابن قولويه بعشرات السنين ناشئاً عن اغترارهم بما ذكر من أحوالهم بعد انحرافهم من مقالاتهم الباطلة وترويج بضائعم الكاسدة وعقائدهم الفاسدة، غافلين عن هجران الأصحاب للرواية عنهم حينها وكون ما روي عنهم في كتبنا المعروفة المشهورة إنَّما كان حال استقامتهم ووثاقتهم في الحديث).

أقول: في هذا الكلام إساءة بالغة لأئمَّة الرجال: الشيخ والنجاشي وابن الغضائري, الذين هم تلامذة ابن قولويه بواسطة واحدة, فإنَّ أساتذتهم وهم أعلام الإمامية: الحسين بن عبيد الله والمفيد وابن عبدون كانوا من تلامذة ابن قولويه والراوين عنه كتبه ومصنفاته.

فكيف يتصوّر أنَّهم اغتروا بكذا وغفلوا عن كذا وعَلم بذلك من جاء بعدهم بألف عام مع قلّة المصادر وضياع معظم الكتب والأصول؟!

 هذا, مع أنَّ الكلام المذكور غير صحيح من أصله ولا يبتني على التتبع والتحقيق، فإنَّ من له إلمام بطريقة الأصحاب في تأليف كتب الروايات والأحاديث يعلم أنَّهم لم يكونوا يقتصرون فيها من روايات الغلاة والفاسدين على ما تمَّ تلقّيها منهم قبل انحرافهم. ومن شواهد ذلك أنَّ كتاب نوادر الحكمة لمحمَّد بن أحمد بن يحيى الذي كان من أشهر كتب الحديث عند الإمامية، وقد عدّه الصدوق S في مقدمة الفقيه(٨١) من (الكتب المشهورة التي عليها المعوّل وإليها المرجع) استثنى منه بنفسه عند روايته إياه في فهرسته(٨٢) (ما كان فيه من غلوّ وتخليط) مصرّحاً بأنَّه يقصد به ما كان من روايات من ذكرهم أستاذه ابن الوليد.

ومن الشواهد عليه أيضاً ما تقدَّم آنفاً من التقييد بحال الاستقامة في بعض روايات الغلاة ومنحرفي المذهب، فإنَّه إذا كان دأبهم الإعراض عن روايات هؤلاء بعد
انحرافهم فما الوجه في التقييد المذكور؟! ولحشد سائر الشواهد على هذا محلّ آخر. 

(وأمَّا ادعاء كون الاستقامة في كثير من المنحرفين فرضاَ لا شاهد عليه فيدفعه كلام الشيخ الطوسي S في عدّته: وأمَّا ما ترويه الغلاة والمتّهمون والمضعّفون وغير هؤلاء فما يختص الغلاة بروايته فإن كانوا ممّن عرف لهم حال استقامة وحال غلوّ عمل بما رووه في حال الاستقامة وترك ما رووه في حال خطئهم، ولأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطّاب محمَّد بن أبي زينب في حال استقامته وتركوا ما رواه في حال تخليطه، وكذلك القول في أحمد بن هلال العبرتائي وابن أبي عذافر وغير هؤلاء، فأمَّا ما يرويه في حال تخليطهم فلا يجوز العمل به على كلّ حال، وكذلك القول فيما ترويه المتّهمون والمضعّفون.

وكلامه S إن دلّ على شيء فإنَّما يدلّ على حالة متفشّية في كثير من الرواة، بنحو يتناسب معها الرواية عنهم وإدراج مروياتهم في كتب الأصحاب الذين يحترزون عادة عن أخبار من اشتهر بالكذب والوضع والغلوّ لولا كونها منقولة عنهم زمن الاستقامة، ولا يسع المجال لحشد الشواهد وجلب الموارد).

أقول: إنَّ احتمال وجود حالة استقامة لأولئك المضعّفين المذكورين في كامل الزيارات كانوا فيها من ثقات أصحابنا لا يعدو كونه مجرّد احتمال لا شاهد عليه بوجه، بل ينبغي القطع بخلافه في أكثرهم، فإنَّه لو كانت لأكثرهم حالتان من هذا القبيل لتمثّل ذلك في كتب الرجال، كما نجده بالنسبة إلى بعض الرواة ممَّن كانوا منحرفين ثمَّ اهتدوا أو كانوا مهتدين ثمَّ انحرفوا. 

ومن الغريب الاستشهاد للمدّعى المذكور بكلام الشيخ S في العدّة ودعوى دلالته على أنَّ ذلك كان أمراً متفشّياً، فإنَّه لا يستفاد من كلامه S تفشّي الحالة المذكورة، بل مجرّد وجودها بمقدار معتدّ به، وهذا لا ينكر. ولذلك نبَّه على ضرورة الاقتصار في العمل برواياتهم على ما كانت من مروياتهم في زمان الاستقامة إلّا مع احتفافها بالقرائن. 

ولكنّ الكاتب ضمَّ إلى ذلك ما زعمه من تحرّز الأصحاب عادة عن أخبار المشهورين بالكذب والوضع والغلوّ، فاستنتج منه أنَّ روايات هؤلاء المبثوثة في كتبنا إنَّما هي منقولة عنهم في زمن الاستقامة.

إلَّا أنَّ هذا وهم محض، بل هي بقسميها مبثوثة في كتبنا، ومتى أُريد التمييز بينهما قُيّد النقل عنهم بحال الاستقامة كما مرَّ بعض نماذجه.

(ثمَّ كلامه S صريح في مفروغية الأصحاب عن ترك ما رواه الغلاة وأضرابهم حال انحرافهم وفسادهم، فما ورد في كتبنا يحمل على ذاك المحمل الحسن، وأمَّا ادعاء كونها كلّها مروية عنهم في حال الانحراف لأنَّها اقترنت بقرائن الاطمئنان بالصدور فبعيد جدّاً في مثل هذه الموارد الكثيرة التي لا تخفى على من راجعها من روايات وكتب ومصنّفات وأصول لم تهجر ولم تُستثنَ، وهذا باب وسيع يحتاج إلى فرصة أخرى إن شاء الله تعالى).

أقول: ما ذكره الشيخ S إنَّما هو عدم العمل بروايات الغلاة وأمثالهم إذا كانت مروية عنهم حال تخليطهم، لا عدم إيرادها في كتب الحديث، بل يظهر منه المفروغية عن تداول إيرادها فيها، ولذلك احتاج إلى التنبيه على ضرورة عدم العمل بهذا القسم من رواياتهم.

وهذا أيضاً ليس على إطلاقه بل فيما إذا لم تكن قرينة على صحّتها، وقد بتر الكاتب كلامه S وحذف المقطع الدال على هذا المعنى، وهو قوله(٨٣): (وإنْ كان هناك ما يعضد روايتهم ويدلّ على صحّتها وجب العمل به، وإن لم يكن هناك ما يشهد لروايتهم بالصحّة وجب التوقف في أخبارهم).

وذكر S في موضعآخر منالعدّة(٨٤) مالفظه: (فأمَّاما رواهالغلاة ومنهو مطعون عليه في روايته ومتّهم في وضع الأحاديث فلا يجوز العمل بروايته إذا انفرد، وإذا انضاف إلى روايته رواية بعض الثقات جاز ذلك ويكون ذلك لأجل رواية الثقة دون روايته).

وبما ذكره في الموضعين يظهر الوجه في ما يلاحظ من وجود أعداد غير قليلة من روايات الضعفاء والمطعونين في كتب المتقدّمين حتى ما كانت معدّة للعمل بها كالكافي والفقيه.

(فظهر جلياً كون الاستبعاد المدّعى في غير محلّه، والحمد لله).

أقول: بل تجلّى بأوضح من ذي قبل تماميَّة الاستبعاد المذكور وأنَّه في محلِّه جدّاً، بل يبدو لي كونه مع سائر الشواهد والقرائن موجباً للاطمئنان بعدم كون ابن قولويه قاصداً بما أورده في مقدّمة الكامل توثيق جميع رواته. 

وقد تمَّ تحرير هذه التعقيبات وإعادة صياغتها والإضافة عليها بمراجعة السيد الأستاذ , وأرى لزاماً عليَّ أن أقدِّم له خالص شكري وامتناني على بالغ عنايته وجميل رعايته لإنجازها بهذه الصورة.

 والحمد لله أوَّلاً وآخراً وصلّى الله على نبيّه وآله الأطهار.

 

 

 

 

المصادر

  1. اختيار معرفة الرجال, محمَّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي, مع تعليقات الميرداماد  الأسترآبادي, تحقيق: السيد مهدي الرجائي, الناشر: مؤسسة آل البيت i لإحياء التراث, ١٤٠٤ هـ, قم. 
  2. استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار, الشيخ محمَّد بن الحسن بن الشهيد الثاني, الناشر: مؤسسة آل البيت i لإحياء التراث, ١٤١٩هـ, ط ١ قم.
  3. الأمالي, الشيخ الصدوق, الناشر: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة, ١٤١٧هـ, ط١ قم.
  4. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمَّة الأطهار, العلّامة محمَّد باقر المجلسي, الناشر: مؤسسة الوفاء, ١٤٠٣هـ, ط٢ بيروت.
  5. التنقيح في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة), الميرزا علي الغروي التبريزي, تقرير أبحاث السيد الخوئي, الناشر: مؤسسة أنصاريان, ١٤١٧هـ, ط٤ قم.
  6. تهذيب الأحكام, الشيخ محمَّد بن الحسن الطوسي, الناشر: دار الكتب الإسلامية, ١٣٧٧هـ, ط٢ النجف الأشرف.
  7. التوحيد, الشيخ الصدوق, تصحيح السيد هاشم الحسيني الطهراني, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم.
  8. خلاصة الرجال, العلّامة الحلّي, تحقيق: السيد محمَّد صادق آل بحر العلوم, منشورات المطبعة الحيدرية, ١٣٨١هـ, ط٢ النجف الأشرف.
  9. الذريعة إلى تصانيف الشيعة, الشيخ آغا بزرك الطهراني, الناشر: دار الأضواء, ١٤٠٣هـ, ط٣ بيروت.
  10. رجال ابن داود, الحسن بن علي بن داود الحلّي, منشورات جامعة طهران, ١٣٨٣هـ,  طهران.
  11.  الرجال لابن الغضائري, أحمد بن الحسين بن عبيد الله البغدادي, تحقيق: السيد محمَّد رضا الحسيني الجلالي, الناشر: دار الحديث, ١٤٢٢هـ, ط١ قم.
  12.  رجال السيد بحر العلوم, السيد محمَّد مهدي بحر العلوم, تحقيق: السيد محمَّد صادق والسيد حسين بحر العلوم, ١٤٠٥هـ, ط طهران.
  13.  رجال الطوسي, الشيخ محمَّد بن الحسن الطوسي, تصحيح: جواد القيّومي الأصفهاني, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم, ١٤٢٧هـ, ط٣ قم. 
  14.  رجال النجاشي, أحمد بن علي النجاشي, تصحيح: السيد موسى الشبيري الزنجاني, , الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم, ١٤٠٧هـ, قم.  
  15.  العدّة في أصول الفقه, الشيخ محمَّد بن الحسن الطوسي, تحقيق: محمَّد رضا الأنصاري القميّ, ١٤١٧هـ, ط١ قم.
  16.  عيون أخبار الرضا g, الشيخ الصدوق, تصحيح: الشيخ حسين الأعلمي, منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات, ١٤٠٤هـ, بيروت.
  17.  الغيبة للطوسي, الشيخ محمَّد بن الحسن الطوسي, تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح, الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية, ط١ قم.
  18.  فلاح السائل, السيد علي بن موسى بن طاووس, منشورات المكتبة الحيدرية, ١٣٨٥هـ, النجف الأشرف.
  19.  فهرست كتب الشيعة وأصولهم, الشيخ محمَّد بن الحسن الطوسي, تحقيق: السيد عبد العزيز الطباطبائي, إعداد مكتبة المحقّق الطباطبائي, ١٤٢٠هـ, ط١ قم.
  20. الفوائد الرجالية من مصباح المنهاج, السيد محمَّد سعيد الطباطبائي الحكيم, إعداد وترتيب: السيد أحمد بن زيد الموسوي, منشورات دار الهلال, ١٤٣٦هـ , قم.
  21.  قاموس الرجال, الشيخ محمَّد تقي التستري, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم, ١٤٣١هـ, ط٣ قم.  
  22.  قبسات من علم الرجال, أبحاث السيد محمَّد رضا السيستاني, جمعها ونظمها السيد محمَّد البكاء, نسخة أوّليّة محدودة التداول, ١٤٣٦ هـ, النجف الأشرف.
  23.  الكافي, محمَّد بن يعقوب الكليني, تحقيق: علي أكبر الغفاري, منشورات دار الكتب الإسلامية, ١٣٧٩هـ, طهران.
  24.  كامل الزيارات, جعفر بن محمَّد بن قولويه القمي, تحقيق: الشيخ عبد الحسين الأميني, المطبعة المرتضوية في النجف الأشرف, ١٣٥٦هـ, و ط قم منشورات مؤسسة نشر الفقاهة, و ط طهران بإشراف علي أكبر الغفاري منشورات مكتبة الصدوق.
  25.  كشف اللثام, الشيخ محمَّد بن حسن الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي, تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم, ١٤١٦هـ, ط١ قم.  
  26.  كمال الدين, الشيخ الصدوق, تحقيق: علي أكبر الغفاري, منشورات دار الكتب الإسلامية, ١٣٩٥هـ, طهران.
  27.  المحاسن, أحمد بن محمَّد بن خالد البرقي, تحقيق السيد جلال الدين المحدّثمنشورات دار الكتب الإسلامية, ١٣٧٠هـ, طهران.
  28.  مسالك الأفهام, الشهيد الثاني, تحقيق: مؤسسة المعارف الإسلامية, ١٤١٣هـ, ط١ قم.
  29.  مسـتدرك الوسائل (الخاتمة), الميرزا حسين النـوري, تحـقيق:مؤسسة آل البيت iلإحياء التراث, ١٤١٥هـ, ط ١ قم.
  30.  مستند الناسك, الشيخ مرتضى البروجردي, تقريرات السيد الخوئي, منشورات دار المؤرخ العربي, ١٤٣٥هـ, بيروت.
  31.  مصباح المنهاج (كتاب التجارة), السيد محمَّد سعيد الطباطبائي الحكيم, الناشر: دار الهلال, ١٤٢٧هـ, قم.
  32.  مصباح المنهاج (كتاب الصوم), السيد محمَّد سعيد الطباطبائي الحكيم, الناشر: دار الهلال, ١٤٢٥هـ, قم.
  33.  مصباح المنهاج (كتاب الطهارة), السيد محمَّد سعيد الطباطبائي الحكيم, الناشر: مؤسسة المنار, ١٤١٧هـ, قم.
  34.  معاني الأخبار, الشيخ الصدوق, تحقيق: علي أكبر الغفاري, منشورات دار الكتب الإسلامية, ١٣٧٩هـ, ط طهران.
  35.  معجم رجال الحديث, السيد أبو القاسم الخوئي, ط النجف الأشرف.
  36.  من لا يحضره الفقيه, الشيخ الصدوق, الناشر: دار الكتب الإسلامية, ١٣٧٧هـ, النجف الأشرف.
  37. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة, الشيخ محمَّد بن الحسن الحرّ العاملي, ط المكتبة الإسلامية, ١٣٩١هـ ط بيروت, و ط مؤسسة آل البيت i لاحياء التراث, ١٤٠٩ هـ. ط١ قم. 

 

 

 

 

 


(١) مصباح المنهاج (كتاب التجارة): ١/ ٤٦١ وما بعدها. 

(٢) قبسات من علم الرجال: ١/ ١٠٥ ـ ١٢٠. 

(٣) كامل الزيارات: ١٤، ٢٨٠، ١٧٤ ط: نجف. 

(٤) المصدر السابق: ٤٨ ط: نجف. 

(٥) المصدر السابق: ٤ ط: نجف, ٣٧ ط: قم. 

(٦) المصدر السابق: ١٥. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمَّة الأطهار: ١/ ٧٦. مستدرك الوسائل (الخاتمة): ٣/٢٥١.

(٧) ورد في كلام السيد الأستاذ S أنّها (لعلّها تربو على النصف) ولكنّ الظاهر أنّها تربو على الربع, ومع ذلك فهي كثيرة جدّاً. منه .

(٨) رجال النجاشي: ١٢٤.

(٩) الفوائد الرجاليّة من مصباح المنهاج: ٣٣ــ ٣٨.

(١٠) رجال السيد بحر العلوم: ٢/٣٥٥.

(١١) يظهر منه عدم الجزم بذلك ومنشؤه أنَّ المذكور في المطبوع من الفقيه (٤/٩٥) (المشيخة) هكذا: (محمَّد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الرازي)، ولكنّ الصحيح كما ورد في الوسائل (٣٠/٥٠): (محمَّد ابن أحمد عن عبد الله بن أحمد الرازي)، ومحمَّد بن أحمد هو ابن يحيى صاحب نوادر الحكمة التي استثنيت روايات عبد الله بن أحمد الرازي من كتابه.

(١٢) عيون أخبار الرضا g: ٢ /٢٤.

(١٣) قبسات من علم الرجال: ١/٣٦٩، ٢/٣٦.

(١٤) قبسات من علم الرجال: ١/٣٥.

(١٥) من لا يحضره الفقيه: ١/٢٣٥.

(١٦) قاموس الرجال: ١/٦٦.

(١٧) عيون أخبار الرضا g: ١/٢٧٢.

(١٨) اختيار معرفة الرجال: ٢/٤٧١.

(١٩) فلاح السائل: ١٣.

(٢٠) اختيار معرفة الرجال: ٢/٨٠٥.

(٢١) المصدر السابق: ٢/٨١٢. 

(٢٢) رجال ابن الغضائري: ٩٤.

(٢٣) معجم رجال الحديث: ٤/٣١٩.

(٢٤) قبسات من علم الرجال: ١/٢٨٥ وما بعدها.

(٢٥) استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار: ٣/٢٧١ــ٢٧٢.

(٢٦) قبسات من علم الرجال: ١/٢٩٢.

(٢٧) تجدر الإشارة إلى أنَّه ورد في المطبوع من كتاب الرجال لابن الغضائري (ص:٩٣) هكذا: (رأيت كتاباً من أبي الحسن علي بن محمَّد h إلى القميّين في براءته ممَّا قذف به وحسن عقيدته وقرب منزلته) وأشير في الهامش إلى اختلاف النسخ في ذيل هذه العبارة، والملاحظ خلوّ ما نقله العلّامة في خلاصة الرجال (ص: ٢٥٣), وابن داود في رجاله (ص:٥٠٠) عن ابن الغضائري من تمام ما في الذيل بعد قوله: (قذف به).

(٢٨) قبسات من علم الرجال: ١/٢١.

(٢٩) الغيبة للطوسي: ٣٤٧.

(٣٠) قبسات من علم الرجال: ١/٥٣٩.

(٣١) الغيبة للطوسي: ٣٤٦.

(٣٢) قبسات من علم الرجال: ١/٥٥٣.

(٣٣)  لاحظ المصدر السابق: ١/٨٦.

(٣٤) رجال النجاشي: ١١٢.

(٣٥) الكافي: ٦/٤٧٣.

(٣٦) تهذيب الأحكام: ١٠/٢٨. وتجدر الإشارة إلى أنَّ المذكور فيه رواية (جميل عن بريد)، ولكن حيث إنَّ الراوي عن (جميل) هو (ابن أبي نصر) الذي روى عن (جميل بن دراج)، ولم تعثر له رواية عن (جميل بن صالح) كان ذلك قرينة على كون المراد بـ(جميل) فيه هو (ابن دراج)، فتأمّل.

(٣٧) المصدر السابق: ٥/٨٢.

(٣٨) وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: ١٨/١٧٠.

(٣٩) الكافي: ٧/٣٦١.

(٤٠) اختيار معرفة الرجال: ٢/٦٥٨.

(٤١)  معجم رجال الحديث: ٢/٤٣٦.

(٤٢) مصباح المنهاج (كتاب الطهارة): ١/٣٥٠.

(٤٣) رجال النجاشي: ٢٣٦.

(٤٤) المصدر السابق: ٢٨٤. 

(٤٥) فهرست كتب الشيعة وأصولهم: ٥٠. 

(٤٦) قاموس الرجال: ١/٦٧٦.

(٤٧) ويحتمل سقوط لفظ (غير) من العبارة بأن كانت في الأصل هكذا: (غير صالح الرواية يعرف منها وينكر)، فتأمّل.

(٤٨) قبسات من علم الرجال: ١/١٨٤.

(٤٩) اختيار معرفة الرجال: ٢/٧٤٢. 

(٥٠) يحتمل أن يكون قوله: (الحسن بن) زيادة في السند المذكور، فالمروي عنه هو علي بن أبي حمزة والمتوفّى هو سالم والده، والرواية عن الإمام موسى بن جعفر g فيندفع الإشكال. 

(٥١) لاحظ قبسات من علم الرجال: ٢/٣١. 

(٥٢) مسالك الأفهام: ١١/٣٦٠، كشف اللثام: ٩/٧٣. 

(٥٣) من لا يحضره الفقيه: ٤/٢٨٤.

(٥٤) الأمالي للصدوق: ١٧٨ (وفيه: محمَّد بن أبي عمر)، وهو تصحيف.

(٥٥) رجال الطوسي: ٢٢٩.

(٥٦) الكافي: ٥/٨٣.

(٥٧) المحاسن:١/٢٤٦، ٢٦٦، ٢٧٤، ٢/٣٨٧، ٥٢٨. الكافي: ١/٤٤، ٣/٥٦٩، ٤/٥٠، ٥/١٢٥، ١٥١. التوحيد: ٤٠٦. معاني الأخبار: ٢٣٩.

(٥٨) قبسات من علم الرجال: ١/٦٩.

(٥٩) المصدر السابق: ١/٣٧.

(٦٠) قاموس الرجال: ١/٤٤.

(٦١) التنقيح في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة): ١/٢٤٤، مستند الناسك : ١/٨٢.

(٦٢) خلاصة الأقوال: ٢٥٥.

(٦٣) الرجال لابن الغضائري: ٨٧، ٩٩.

(٦٤)  لاحظ قبسات من علم الرجال: ٢/٧٧.

(٦٥) المصدر السابق: ٢/٨٤.

(٦٦) فهرست كتب الشيعة وأصولهم: ٣٢. 

(٦٧) الرجال لابن الغضائري: ٥٦. 

(٦٨) الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ٢٢/٣٦٢. 

(٦٩) قاموس الرجال: ٤/٤٧٦. 

(٧٠) قبسات من علم الرجال: ١/٢٤٩.

(٧١) معجم رجال الحديث: ١٦/٣٣٧.

(٧٢) المصدر السابق: ١٦/٢٧٧.

(٧٣) الكافي: ١/٨٦.

(٧٤) كمال الدين: ٢٠٤.

(٧٥) الرجال لابن الغضائري: ٨٨.

(٧٦) رجال النجاشي: ٦١.

(٧٧) ولعلَّ منها جملة من روايات عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ، ولا سيّما بعض ما روي في باب نوادر

 الزيارات، فراجعها إن شئت، والظاهر أنَّها مقتبسة من كتابه في الزيارات الذي قال عنه ابن الغضائري: (يدلّ على خبث عظيم ومذهب متهافت).

(٧٨) مصباح المنهاج (كتاب الصوم): ٧٣.

(٧٩) كامل الزيارات: ٢٠٩, ٢١٠.

(٨٠) معاني الأخبار: ١٥٨.

(٨١) من لا يحضره الفقيه: ١/٤.

(٨٢) فهرست كتب الشيعة وأصولهم: ٤١٠.

(٨٣) العدّة في أصول الفقه: ١/١٥١.

(٨٤) المصدر السابق: ١/١٣٥.