
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
البحث في مسألة هل أنّ ضيق الوقت عن الطهارة المائيّة من مسوّغات التيمّم لأداء الصلاة في وقتها أو لا؟
ممّا عرفه جميع المسلمين ـ وهو من الضروريّات الإسلاميّة ـ بدليّة التيمّم عن الوضوء أو الغسل؛ لذكره في كتاب الله أكثر من مرّة، وتكرّره في التراث الحديثيّ، ولكن حيث إنّ التيمّم ليس بديلاً اختياريّاً، بل هو شُرّع لنيل فضل العبادات في أوقاتها عند قصور المكلّف عن إدراك شرفها بالوضوء أو الغسل، فلذا سمّي بدلاً اضطراريّاً.
فلأجل ذلك تحتّم علينا في كلّ مورد ندّعي بدليّته عن الوضوء أو الغسل إقامة دليل خاصّ بذاك المورد أو عامّ يشمله، وقد وجدنا في بعض الموارد دليلاً واضحاً على بدليّة التيمّم عن الوضوء، وقد اتّفق الفقهاء جميعاً على بدليّته فيه، كما إذا كان المكلّف مريضاً يضرّه استعمال الماء.
ولكنّه وقع الخلاف بينهم في بعض الموارد الأخرى، فادّعى البعض منهم تماميّة الدليل على ذلك فيه، وأنكر الآخرون. ومن تلك الموارد التي وقع الخلاف بينهم فيها هو مورد ضيق الوقت عن أن يجمع المكلّف بين الطهارة المائيّة ـ أي الوضوء أو الغسل ـ والصلاة في وقتها، فهل وظيفته هنا تتحوّل إلى التيمّم أو لا؟
وهذه السطور ـ بين يدي القارئ ـ محاولة بسيطة للوصول إلى ما يبدو أنّه هو مفاد ظاهر الأدلّة، مع عرض ما قيل في إثبات أو ردّ بدليّة التيمّم في المقام.
وهنا نذكر ثلاث مسائل تمهيديّة، ثمّ نتكلّم في ثلاثة مقامات:
المقام الأوّل: في نقل الأقوال في المسألة.
المقام الثاني: في ذكر الأدلّة والوجوه التي اعتمد عليها كلّ طرف.
المقام الثالث: في الأصل الجاري في المقام.
أمّا المسائل الثلاثة فهي:
المسألة الأولى: في بيان محلّ البحث.
إنّ محلّ بحثنا ما إذا ضاق الوقت عن تحصيل الطهارة المائيّة وأداء الصلاة بها في وقتها، مع فرض وجود الماء، وعدم المانع عن الوصول إليه واستعماله.
فهذا هو الذي وقع فيه الخلاف، وسنتكلّم فيه تفصيلاً، وإلّا نجد أنّهم متّفقون على مسوّغيّة ضيق الوقت للتيمّم في بعض الموارد الأُخر، كما إذا ضاق الوقت عن الفحص عن الماء، فإنّهم قالوا بسقوط وجوب الفحص عن الماء حينئذٍ، وتعيّن التيمّم، والصلاة في وقتها(١).
وكذلك أفتوا بوجوب إتمام الصلاة مع التيمّم، وعدم وجوب تحصيل الطهارة المائيّة إذا حضر الماء وهو في الصلاة، وكان قطع الصلاة وتحصيلها يؤدّي إلى فوت الصلاة(٢).
المسألة الثانية: في المراد بضيق الوقت، فإنّ مفهوم ضيق الوقت عن الطهارة المائيّة يختلف عند الأعلام في محلّ البحث، فإنّ البعض يرى أنّ الطهارة المائيّة إذا استوجبت وقوع شيء من الصلاة خارج الوقت هذا معناه ضاق الوقت عن إتيان الصلاة بالطهارة المائيّة، كما اختاره السيّد اليزديّ وغيره(٣). والبعض الآخر يرى أنّ الضيق يتحقّق عند عدم القدرة على إتيان شيء من الصلاة في داخل الوقت ولو ركعة واحدة مع الطهارة المائيّة، وإلّا مع التمكّن من إتيان بعض الصلاة ولو ركعة واحدة في الوقت لا يتحقّق الضيق، كما هو مختار صاحب الجواهر(٤).
ونحن لا ندخل في البحث من هذه الجهة؛ لأنّ هذا نزاع آخر في أنّه متى يتحقّق فوت الصلاة؟ وإنّما نجعل القول بمشروعيّة التيمّم عند الضيق بكلا الحدّين في طرف مقابل الطرف الآخر الذي لا يرى مشروعيّة التيمّم عند الضيق مطلقاً؛ لأنّ الأدلّة التي أقيمت على جواز التيمّم من القائلين به لا اختلاف فيها، بل هي نفسها عند الجميع، إنّما الاختلاف في أنّها تثبت المشروعيّة إذا فات شيء من أجزاء الصلاة، أو إذا فاتت الصلاة بتمامها حسب ما يفسّر به فوت الصلاة.
المسألة الثالثة: إنّ المنظور إليه في البحث هو الضيق عن الطهارة لأجل الصلاة بدون النظر إلى مبحث آخر، وهو ضيق الوقت عن تحصيل الطهارة بالغسل عن الجنابة وغيرها لأجل صوم شهر رمضان؛ لأنّ لكلّ مقام مقالاً، ولاختلاف بعض الأدلّة في الموردين، فمثلاً السيّد الخوئيّ S قال بجواز التيمّم هنا في مورد البحث مطلقاً، ولكنّه منع منه هناك إذا كان الضيق قد حصل عن عمد.
والوجه في التفريق بين المقامين في الحكم هو اختصاص بعض أدلّة مشروعيّة التيمّم عنده بالمقام، مثل أنّ الصلاة لا تترك بحال(٥)، كما يأتي بيان ذلك إن شاء الله.
الكلام في المقامات
المقام الأوّل: في الأقوال.
وفيه أقوال أربعة:
القول الأوّل: يجب التيمّم مع ضيق الوقت، قال به ابن سعيد الحلّيّ، وهذا نصّ عبارته: (ومن خاف فوت الحاضرة إن تطهّر بالماء تيمّم)(٦)، والعلّامة في المختلف والقواعد والمنتهى(٧)، بل ظاهر كلامه أنّه لا يوجد قول آخر في الإماميّة، حيث قال: (السبب السابع: ضيق الوقت، فلو كان الماء موجوداً إلّا أنّه إن اشتغل بتحصيله فاته الوقت جاز له التيمّم. وهو قول الأوزاعيّ والثوريّ خلافاً للشافعيّ وأبي ثور وأصحاب الرأي، فإنّهم منعوا من جواز التيمّم، وأوجبوا عليه التحصيل وإن خرج الوقت)(٨).
فنسبة الإنكار إلى العامّة فقط ظاهر ـ على الأقلّ ـ في عدم الخلاف بين أصحابنا في مشروعيّة التيمّم في المقام.
نعم، قال في التذكرة: (قال بعض علمائنا لا يجوز له التيمّم؛ لأنّه واجد للماء)(٩)، ولعلّه أشار به إلى ما اختاره المحقّق الحلّيّ في المعتبر(١٠)، ثمّ هو اختار التفصيل، وسيأتي ذكره.
وممّن ذهب إلى هذا القول الشهيد الثاني في الروضة(١١)، والأردبيليّ في المجمع(١٢)، والسبزواريّ في الذخيرة(١٣)، وصاحب الحدائق(١٤)، وصاحب الرياض مدّعياً الشهرة عليه(١٥)، كما نسب إليه في الجواهر، وصاحب الجواهر أيضاً(١٦)، والسيّد اليزديّ في العروة(١٧)، والهمدانيّ في مصباح الفقيه(١٨)، والسيّد الحكيم في المستمسك(١٩)، والسيّد الخوئيّ في موسوعته(٢٠)، والشيخ حسين الحلّيّ في دليل العروة(٢١)، والسيّد الخمينيّ والسيّد الكلبايكانيّ والسيّد البروجرديّ والشيخ التبريزيّ والسيّد السيستانيّ في الرسائل العمليّة لهم(٢٢)، رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين.
ويمكن نسبة هذا القول إلى صاحب المدارك على احتمال في عبارته(٢٣).
القول الثاني: عدم مشروعيّة التيمّم في هذه الحالة مطلقاً، وهو مختار المحقّق في المعتبر(٢٤)، وقال به المحقّق الكركيّ في جامع المقاصد(٢٥)، وصاحب المدارك(٢٦)، والفاضل الهنديّ في كشف اللثام(٢٧) حسب ما فهمه من عباراتهم صاحب الجواهر في الجواهر(٢٨) والسيّد الحكيم في المستمسك(٢٩).
ولكنّ السيّد الخوئيّ S خالفهم في هذا الفهم، حيث فهم اختصاص كلامهم بصورة تفريط المكلّف في تأخير الصلاة إلى أن حصل الضيق(٣٠)، وسيأتي تفصيل مدّعاه لاحقاً.
ويمكن أن يشكّك في كلا الفهمين لعبارات المحقّق الكركيّ وصاحب المدارك، وسنبيّن وجه التشكيك.
وممّن نُسب إليه هذا القول الشيخ حسين آل عصفور في كلام السيّد الخوئيّ(٣١)، واختاره من فقهاء العصر السيّد محمّد سعيد الحكيم S في مصباح المنهاج(٣٢).
ويمكن نسبة هذا القول إلى طائفتين أُخريين من العلماء وإن لم يصرّحوا به:
الطائفة الأولى: كلّ من لم يذكر ضيق الوقت عن الطهارة المائيّة من مسوّغات التيمّم؛ لأنّه مقتضى كون مورد البحث محلّ ابتلاء للمكلّفين بالكثرة أن يذكر في مسوّغات التيمّم لو كان البناء عليه، وإلّا يفهم أنّه ليس منها، كما هو حال الشيخ المفيد في المقنعة، حيث قال: (وإذا فقد المحدث الماء أو فقد ما يصل به إلى الماء أو حال بينه وبين الماء حائل من عدوّ أو سبع أو ما أشبه ذلك أو كان مريضاً يخاف التلف باستعماله أو كان في برد أو حال يخاف على نفسه فيها من الطهور بالماء فليتيمّم بالتراب)(٣٣)، ومثله كلام السيّد المرتضى في جمل العلم والعمل(٣٤)، والشيخ في كتبه، كالمبسوط والنهاية(٣٥)، وكذلك ابن حمزة في الوسيلة(٣٦)، وابن زهرة في الغنية(٣٧)، وابن إدريس في السرائر(٣٨)، والكيدريّ في إصباح الشيعة(٣٩)، والشهيد في الدروس(٤٠)، فإنّ هؤلاء لم يذكروا ضيق الوقت من المسوّغات، وهو ممّا يرشد إلى عدم كونه من المسوّغات عندهم.
اللهم إلّا أن يقال بأنّ عدم ذكره كان بسبب عدم كثرة الابتلاء به، أو بسبب وضوح كونه من المسوّغات، وفيه ما لا يخفى.
نعم، الأقرب أن يقال: إنّهم لم يكونوا في مقام إحصاء جميع أحكام التيمّم وذكر جميع موارد مشروعيّته، باعتبار أنّها كتب فتوائيّة يقتصرون فيها على المطروح في الروايات أو في كلام الفقهاء السابقين عليهم من العامّة أو الخاصّة، والمسألة المبحوث عنها لم تكن مطروحة في الروايات، ولا أنّها كانت من المسائل الأساسيّة من بحث التيمّم في الكتب الفقهيّة حتّى في كتب العامّة، ولذا نرى أنّ المحقّق لم يتعرّض لها نفياً أو إثباتاً في الشرائع(٤١)، مع ذكره مسوّغات التيمّم فيه، وإنّما تعرّض لها في المعتبر فقط(٤٢)، والعلّامة في المختلف والتذكرة ذكرها كمسألة من مسائل التيمّم في ذيل بحث التيمّم(٤٣)، وفي الإرشاد لم يتعرّض لها مع تعرّضه لمسوّغات التيمّم(٤٤)، بينما جعل ضيق الوقت من أسباب التيمّم في كتبه الأخر(٤٥)، والشهيد لم يتعرّض لها في كتبه أصلاً مع ذكره لأسباب التيمّم، والحال أنّها قد طرحت من قبل بعض من سبقه في الكتب الفقهيّة.
فلعلّ السبب الأساسيّ لعدم تعرّض الكثير من الفقهاء السابقين للمسألة، وعدم ذكر ضيق الوقت من المسوّغات هو ما ذكرناه، لا بناؤهم على عدم كونه من مسوّغات التيمّم، وإلّا كما كان من المناسب أن يذكروا ضيق الوقت من مسوّغات التيمّم على تقدير بنائهم عليه، كذلك كان من المناسب أن ينفوا ذلك على تقدير البناء على القول الآخر؛ لوجود شبهة كونه كذلك كما فعل المحقّق وغيره.
وعلى هذا ليس لنا أن نجزم بنسبة القول الثاني إلى كلّ من لم يذكر ضيق الوقت من مسوّغات التيمّم.
ولكن قد جزم السيّد الحكيم S بأنّ هؤلاء لا يقولون بمسوّغيّة الضيق للتيمّم وإلّا لذكروه منها(٤٦).
الطائفة الثانية: كلّ من أفتى بعدم صحّة الصلاة مع التيمّم إذا ترك طلب الماء مع وجوبه عليه حتّى ضاق الوقت عنه، فيمكن أن ينسب إليه القول بعدم مسوّغيّة الضيق للتيمّم في محلّ البحث، وقال السيّد العامليّ في مفتاح الكرامة: (ظاهر كلام الشيخ في المبسوط والخلاف والنهاية وابن إدريس في السرائر والمحقّق في النافع والشهيد في الدروس البطلان في صورة ترك الطلب، وهذا هو مختار ابن زهرة في الغنية(٤٧) وابن حمزة في الوسيلة(٤٨) حيث جعلا من شرائط صحّة التيمّم طلب الماء قبل الضيق وصرّح به الطبرسيّ في المؤتلف(٤٩))(٥٠).
وهنا ننقل بعض نصوصهم، قال الشيخ في المبسوط: (إن تيمّم قبل الطلب مع التمكّن لم يعتدّ بذلك التيمّم، فإن نسي الماء في رحله وقد طلبه فلم يجده لم يلزمه إعادة الصلاة، وإن كان فرّط في الطلب أعاد الصلاة)(٥١).
وقال في النهاية: (ولا يجوز له التيمّم في آخر الوقت إلّا بعد طلب الماء في رحله وعن يمينه ويساره مقدار رمية سهم أو رميتين إذا لم يكن هناك خوف، فإن خاف لم يجب أن يتعدّى المكان الذي هو فيه، فمتى لم يطلب الماء وتيمّم وصلّى وجب عليه إعادة الصلاة)(٥٢).
وقال الطبرسيّ في المؤتلف من المختلف: (طلب الماء واجب ومتى تيمّم من غير طلب لم يصحّ تيمّمه)(٥٣).
وقال ابن إدريس في السرائر: (وآخر الوقت من شرائطه، كما عدم الماء بعد طلبه من شرطه)(٥٤).
وقال الشهيد في الدروس: (ولو وهب الماء أو أراقه في الوقت أو ترك الطلب وصلّى أعاد، وأولى بالإعادة ما لو وجد الماء في موضع الطلب)(٥٥)، ولكنّه فصّل في البيان، حيث قال: (لو أخلّ به ـ أي الطلب ـ حتّى ضاق الوقت عصى وصحّت الصلاة بالتيمّم، فإن وجد بعده في رحله أو مع أصحابه الباذلين أو في الفلوات أعادها)(٥٦).
وذهاب هؤلاء الأعلام إلى عدم مشروعيّة التيمّم في حال ترك الطلب إلى أن ضاق الوقت ليس للنصّ الخاصّ، بل إنّما لعدم كون الضيق مطلقاً من المسوّغات عندهم، فيكون الحال كذلك في مورد البحث، بل حتّى لو فهموا هذا من مفهوم دليل وجوب الطلب فلأجله حكموا بالبطلان، فالمناسب أن يحكموا ببطلان التيمّم بالأولويّة في المورد؛ لأنّه إذا تمّ الدليل عندهم هناك على البطلان مع صدق عدم وجدان الماء في آخر الوقت فهو يدلّ على البطلان في ما نحن فيه بالأولويّة حيث يوجد الماء حسب الفرض، ولذا لا تجد أحداً ممّن أفتى بمشروعيّة التيمّم في محلّ البحث يفتي ببطلانه في مورد الطلب، وبالنظر إلى هذا جعل المحقّق الكركيّ القول الثاني ظاهر كلام الشيخ(٥٧)، مع أنّ الشيخ لم يصرّح به.
نعم، العكس ليس بلازم، أي اختيار الفقيه عدم الصحّة في موردنا لا يستلزم أن يختار عدمها هناك، بل يمكن أن يختار الصحّة هناك كما فعله المحقّق.
ومن هنا يعرف أنّ نسبة هذا القول إلى أربعة من العلماء فقط ـ كما فعله الشيخ صاحب الجواهر S وغيره ـ أو إلى واحدٍ ـ كما فعله السيّد الخوئيّ S ـ ليس بدقيق.
ولكن يمكن أن يقال: إنّ لازم كلامهم ليس أكثر من عدم مشروعيّة التيمّم عند الضيق عن الطهارة المائيّة إذا كانت عن عمدٍ واختيار لا مطلقاً؛ لأنّهم حكموا ببطلان الصلاة بالتيمّم عند الضيق إذا ترك الطلب متعمّداً لا مطلقاً.
وعلى هذا، الذي يمكن أن نجزم به في اختيارهم هو هذا المقدار، وأمّا إذا حصل الضيق لا عن اختيار فلا نعلم مختارهم فيه، فليتأمّل.
القول الثالث: التفصيل بين الضيق عن اختيار وبين الضيق عن غير اختيار، فلا يجوز الاكتفاء بالصلاة مع التيمّم في الأوّل، ويجوز في الثاني.
اختاره العلّامة في التذكرة، وهذه عبارته: (والوجه عندي وجوب التيمّم لتعذّر استعماله في هذه الصلاة. نعم، لو تمكّن من استعماله وإدراك ركعة من الصلاة لم يجز التيمّم، ولو كان التفريط منه فالأقرب وجوب الصلاة بتيمّم والإعادة، ويحتمل الاشتغال بالطهارة والقضاء)(٥٨).
وهذا القول هو الذي يمكن أن يكون مختار المحقّق في المعتبر والمحقّق الكركيّ وصاحب المدارك وصاحب كشف اللثام على ما فهم السيّد الخوئيّ من عباراتهم، حيث ادّعى أنّهم في اختيارهم لعدم مشروعيّة التيمّم لأجل الضيق ناظرون ـ حسب ظاهر كلامهم ـ إلى صورة تفريط المكلّف في حصول الضيق، ولا ندري أنّهم ماذا يختارون فيما إذا حصل الضيق بسبب طبيعة حال المكلّف؟ لعلّهم يرون جواز التيمّم(٥٩).
فلو طابق هذا الاحتمال مرادهم يكون مختارهم هو التفصيل، قال السيّد الخوئيّ في الموضع المشار اليه آنفاً:
(المسألة الأولى: ما إذا فرضنا أنّ الطهارة المائيّة تقتضي وقوع الصلاة بتمامها خارج الوقت فهل يجب على المكلّف أن يتيمّم ليوقع الصلاة في وقتها أو أنّه فاقد الطهورين فهو لا يكلّف بالصلاة؟
المعروف ـ بل المتسالم عليه بينهم ـ هو وجوب التيمّم، لكن نسب الخلاف في المسألة صريحاً إلى الشيخ حسين آل عصفور، حيث ذهب إلى أنّ المكلّف فاقد الطهورين ولا يجب عليه الوضوء؛ لاستلزامه تأخير الفريضة عن وقتها، كما لا يجب عليه التيمّم لكونه واجد الماء، والتيمّم مشروع لفاقده.
ويمكن إسناد الخلاف في المقام إلى صاحب المدارك والشرائع وكشف اللثام وجامع المقاصد S وغيرهم؛ لأنّهم في المسألة المعروفة ـ وهي ما إذا كان الماء موجوداً عنده إلّا أنّه أخلّ باستعماله وأخّر الصلاة إلى أن ضاق الوقت عن الطهارة المائيّة والأداء ـ ذهبوا إلى عدم مشروعيّة التيمّم لضيق الوقت.
وعلّله في المدارك بما يشمل المقام حيث ذكر ـ بعدما عنون المسألة ـ أنّ فيها قولين: أظهرهما الأوّل ـ يعني يتطهّر ويقضي ـ وهو خيرة المصنّف في المعتبر؛ لأنّ الصلاة واجب مشروط بالطهارة، والتيمّم إنّما يسوغ مع العجز عن استعمال الماء.
والحال أنّ المكلّف واجد للماء متمكّن من استعماله، غاية الأمر أنّ الوقت لا يتّسع لذلك، ولم يثبت كون ذلك مسوّغاً للتيمّم.
وتعليله هذا كما ترى شامل لمسألتنا أيضاً.
ثمّ يمكن المناقشة في ذلك بأنّ ظاهر المدارك اعتبار كون المكلّف فاقداً للماء في طبعه في مشروعيّة التيمّم، وليس الأمر كذلك في المسألة المعروفة؛ لأنّه واجد للماء طبعاً وإنّما صار فاقداً له بتأخير صلاته اختياراً، وهذا يخالف مسألتنا التي نبحث عنها؛ لأنّ المكلّف فاقد للماء في طبعه لا باختياره، فالمخالف الصريح هو الشيخ حسين آل عصفور فقط)(٦٠).
هذا ما فهمه السيّد الخوئيّ من عباراتهم، ونحن نذكر هنا نصوص عبارات هؤلاء الأعلام حتّى يتّضح مرادهم، وهل هم ناظرون إلى صورة التفريط، أو أرادوا الإطلاق؟
قال المحقّق في المعتبر(٦١): (السادس: مَن كان الماء قريباً منه وتحصيله ممكن لكن مع فوات الوقت، أو كان عنده وباستعماله يفوت، لم يجز له التيمّم، وسعى إليه؛ لأنّه واجد)(٦٢).
وعبارته ظاهرة في إطلاق المنع كما نسب إليه ذلك صاحب الجواهر، لا كما فهمه السيّد الخوئيّ، بل يمكن أن يقال: إنّها بظاهرها أقرب إلى صورة عدم التفريط من المكلّف، فإخراج هذه الصورة من كلامه يحتاج إلى تكلّف كبير.
وقال الفاضل الهنديّ في كشف اللثام: (ولو أخلّ بالطلب حتّى ضاق الوقت تيمّم وجوباً وصلّى ولا إعادة عليه وإن كان مخطئاً في إخلاله بالطلب وإن ظهر وجود الماء فيما دون النصاب وفاقاً للشرائع والمعتبر؛ لسقوط الطلب عنه بالضيق وإن أثم بتركه في السعة، وصدق أنّه غير واجد للماء، فيجب عليه التيمّم والصلاة فيجزئان، بخلاف واجد الماء إذا ضاق الوقت عن الوضوء؛ إذ لا صلاة إلّا بطهور، ويجب الماء مع التمكّن، والضيق لا يرفعه مع احتمال المساواة، كما في المختلف)(٦٣).
وظاهر كلامه ينادي بالإطلاق ولاسيّما التعليل الذي استند إليه في الحكم يقوّي تعميم الحكم إلى غير المفرط أيضاً، فهو كالمحقّق من القائلين بالقول الثاني.
وقال في المدارك: (الثالث [أي الفرع الثالث]: لو كان الماء موجوداً عنده فأخلّ باستعماله حتّى ضاق الوقت عن الطهارة المائيّة والأداء، فهل يتطهّر ويقضي، أو يتيمّم ويؤدّي؟ فيه قولان: أظهرهما الأوّل، وهو خيرة المصنّف في المعتبر؛ لأنّ الصلاة واجب مشروط بالطهارة، والتيمّم إنّما يسوغ مع العجز عن استعمال الماء، والحال أنّ المكلّف واجد للماء، متمكّن من استعماله، غاية الأمر أنّ الوقت لا يتّسع لذلك، ولم يثبت كون ذلك مسوّغاً للتيمّم.
وقال العلّامة في المنتهى: يجب التيمّم والأداء؛ لقوله g في صحيحة حمّاد بن عثمان: (هو بمنزلة الماء)، قال: وإنّما يكون بمنزلته لو ساواه في أحكامه، ولا ريب أنّه لو وجد الماء، وتمكّن من استعماله وجب عليه الأداء، فكذا لو وجد ما ساواه.
قلت: ويدلّ عليه فحوى قول الصادق g في صحيحة الحلبيّ: (إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض)، وفي صحيحة جميل: (إنّ الله جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً).
وهذا القول لا يخلو من رجحان، ولا ريب أنّ التيمّم والأداء ثمّ القضاء بالطهارة المائيّة أحوط)(٦٤).
وإذا تأمّلنا في كلامه يظهر منه أمران:
الأوّل: أنّه وإن بدأ كلامه من صورة تفريط المكلّف في التأخير ولكنّ ما علّل به كلام المحقّق ـ القائل بعدم المشروعيّة ـ وما علّل به كلام العلّامة ـ القائل بالمشروعيّة ـ يجعل الكلام ظاهراً في العموم، كما يقال: إنّ العلّة تعمّ وتخصّ، وهذا ظاهر جدّاً، فلا ينبغي أن يجعل كلامه مختصّاً بصورة تفريط المكلّف.
الثاني: أنّه وإن قال بعد نقل قول المحقّق: (إنّه هو الأظهر)، وهذا ظاهر في أنّه اختاره، ولكن عبارته الأخيرة يظهر منها أنّه يعدل أخيراً إلى القول الثاني في كلامه بعدما جعل الأوّل هو الأظهر؛ لأنّه استدلّ عليه بالروايات من دون المناقشة فيها، وقال: (أنّه لا يخلو من رجحان)؛ لأنّ هذا التعبير ظاهر في ترجيح هذا القول على القول الأوّل، وعلى هذا ينبغي أن يُعدّ صاحب المدارك من القائلين بالقول الأوّل لا الثاني، كما فعله صاحب الجواهر والسيّد الحكيم(٦٥).
اللهم إلّا أن يقال: إنّه لا يقصد رجحانه على القول الأوّل إنّما يريد أن يقول: إنّ القول الأوّل وإن كان هو الأظهر ولكنّ القول الثاني أيضاً له وجه معقول، فليتأمّل.
وعلى هذا لم نجد من يقول بهذا التفصيل غير العلّامة في التذكرة مع بنائه في صورة التفريط على الاحتياط بالجمع بين الصلاتين أداءً بالتيمّم وقضاءً بالوضوء أو الغسل، واحتمل كفاية الأخير فقط.
القول الرابع: التفصيل بين وجود الماء عنده مع خروج الوقت باستعماله وبين وجوده على بُعدٍ بمقدار يخرج الوقت بالوصول إليه والتطهير به، فلا يجوز التيمّم في الأوّل، ويجوز في الثاني.
اختاره المحقّق الثاني في جامع المقاصد ـ على ما فهمته ـ حيث قال: (فعلى هذا لو كان الماء موجوداً عنده فأخلّ باستعماله حتّى ضاق الوقت، فهل يتيمّم ويؤدّي، أم يتطهّر به ويقضي؟ ظاهر إطلاق الشيخ بطلان التيمّم والصلاة قبل الطلب للفاقد، ويقضي الثاني بطريق أولى، وكلام المصنّف يقتضي الأوّل، وقد صرّح به في المنتهى، ثمّ قال: نعم، لو كان الماء بعيداً عنه بحيث لو سعى إليه لخرج الوقت فتيمّم وصلّى مع الضيق فلا إعادة عليه؛ لعدم صدق الوجدان حينئذٍ)(٦٦).
وقال النراقيّ بعد نقل هذا التفصيل عن المحقّق الكركيّ: (وهو الحقّ)(٦٧).
والشهيد الثاني ردّ على هذا التفصيل بعد نقله عن المحقّق الكركيّ قائلاً: (وأنت خبير بأنّ المراد بوجدان الماء في باب التيمّم وفي الآية فعلاً أو قوّة، ولهذا يجب على الفاقد الطلب والشراء؛ لصدق الوجدان، ولو كان المراد بالوجدان بالفعل لم يجب عليه ذلك؛ لأنّه تعالى شرط في جواز التيمّم عدم الوجدان، فلا يتمّ حينئذٍ ما ذكره من الفرق؛ لصدق الوجدان في الصورتين بالمعنى المعتبر شرعاً، فلا بدّ من الحكم باتّفاقهما إمّا بالتيمّم، كما ذكره المصنّف، أو بالطهارة المائيّة، كما ذكره المحقّق)(٦٨).
هذا بالنسبة إلى فقهاء الخاصّة أيّدهم الله.
وأمّا العامّة فنقل عنهم ثلاثة أقوال: ذهب الأوزاعيّ والثوريّ إلى الجواز، وذهب الشافعيّ وأصحاب الرأي وأبي ثور إلى المنع، بل أوجبوا عليه التحصيل وإن خرج الوقت(٦٩).
وذهب أبو حنيفة إلى الجواز في العيدين دون غيرهما حسب ما نقل عنه المحقّق في المعتبر(٧٠).
وهذا الخلاف هو ظاهر عبارات بعض علمائهم مثل السرخسيّ، حيث قال: (قال زفر: إن كان لا يصل إلى الماء قبل خروج الوقت يجزئه التيمّم وإن كان الماء قريباً منه؛ لأنّ التيمّم لضرورة الحاجة إلى أداء الصلاة في الوقت ولكنّا نقول التفريط جاء من قبله بتأخير الصلاة، فليس له أن يتيمّم إذا كان الماء قريباً منه، ومن العلماء من يقول: إذا لا يبلغه صوتهم فبعيد، فحينئذٍ يجوز له التيمّم)(٧١).
ويظهر مثل هذا الكلام من عبارات الكاسانيّ في بدائع الصنائع(٧٢).
وقال الشربينيّ: (من معه ماء لو توضّأ به خرج الوقت فإنّه لا يتيمّم؛ لأنّه واجد الماء)(٧٣).
وقال الرافعيّ في فتح العزيز: (الثانية: أن يكون بعيداً عنه بحيث لو سعى إليه فاته فرض الوقت فيتيمّم ولا يسعى إليه؛ لأنّه فاقد في الحال، ولو وجب انتظار الماء مع خروج الوقت لما ساغ التيمّم أصلاً، بخلاف ما لو كان واجداً للماء وخاف فوات الوقت لو توضّأ حيث لا يجوز له التيمّم؛ لأنّه ليس بفاقد، على أنّ صاحب التهذيب حكى في هذه الصورة وجهاً أنّه يتيمّم ويصلّي لحرمة الوقت، ثمّ يتوضّأ ويعيد)(٧٤).
المقام الثاني
في ذكر مدارك الأقوال
١ ـ مدرك القول الأوّل.
وهو وجوه:
الوجه الأوّل: أنّ الصلاة قد تعيّن عليه فعلها، وتحصيل الطهارة المائيّة متعذّر، فيجب أن يؤتى بها بالطهارة الترابيّة؛ لأنّه أحد الطهورين.
استدلّ به العلّامة في المنتهى، والأردبيليّ في المجمع، والسبزواريّ في الذخيرة(٧٥).
ولكن تتوقّف تماميّته على وجود إطلاق في أدلّة التيمّم الدالّ على أنّه كلّما تعذّر إتيان الصلاة بالطهارة المائيّة في الوقت يجب إتيانها بالترابيّة حتّى نحرز وجوبها في الوقت، وإلّا لا علم عندنا ببقاء وجوبها كذلك، وقد نوقش في وجود مثل هذا الإطلاق، كما يظهر من أدلّة القول الثاني.
وبتعبير آخر: أنّ المقدّمة الأولى ـ وهي أنّ فعل الصلاة متعيّن عليه في الوقت ـ متوقّفة على ثبوت مشروعيّة التيمّم في حقّه، وإذا توقّف هذا الأخير على الأوّل أصبح الاستدلال دوريّاً.
الوجه الثاني: دعوى الملازمة بين سقوط الطهارة المائيّة وبين مشروعيّة التيمّم فكلّما تسقط الصلاة مع الطهارة المائيّة بأيّ سبب كان تجب مع الطهارة الترابيّة، وحيث تعذّرت الأولى في المقام تتعيّن الثانية، نقل هذا الوجه السيّد الحكيم في المصباح عن البعض.
ثمّ أجاب عنه في المصباح بأنّ: الملازمة متيقّنة مع العلم بوجوب الصلاة مع الطهارة، وأمّا مع احتمال أنّها ليست واجبة أداءً ـ لتعذّر المائيّة ـ فمشروعيّة التيمّم من أجل تحقيق القدرة على الصلاة وإبقاء الخطاب بها أوّل الكلام(٧٦).
وتقريب كلامه: إنّ ثبوت الملازمة المذكورة متوقّف على ثبوت وجوب الصلاة عليه في الوقت، وهو مشكوك؛ لاحتمال عدم قدرته عليها، لكون المطلوب هو الصلاة مع الطهارة المائيّة، وإثبات القدرة عليها متوقّف على ثبوت مشروعيّة التيمّم في حقّه، وهو بعدُ لم يثبت.
الوجه الثالث: قال السيّد الحكيم S في المستمسك ما محصّله: إنّ هناك ملازمة حسب النصّ والفتوى بين سقوط الطهارة المائيّة ومشروعيّة التيمّم، وحيث سقطت المائيّة ـ للضيق عنها ـ فلا بدّ من التيمّم، ودعوى اختصاص الملازمة بصورة كون السقوط لا من جهة الضيق خلاف الظاهر.
نعم، يمكن أن يقال: إنّ هذه الملازمة فيما إذا لم تسقط الصلاة، وفي المورد لا إجماع على عدم سقوطها، ولكنّه يمكن دفعه بأنّه لا نحتاج إلى هذا الإجماع، بل يكفي عموم قوله g: لا تسقط الصلاة بحال(٧٧).
والسيّد الخوئيّ S صاغ هذا الوجه بصياغة تختلف بعض الشيء عن صياغة السيّد الحكيم S له حيث قال: لا بدّ من الالتزام بوجوب التيمّم؛ وذلك لأنّا قد علمنا ببركة الإجماع القطعيّ وما ورد في المستحاضة من أنّها لا تدع الصلاة بحال، أنّ الصلاة واجبة على كلّ مكلّف، كما استفدنا ببركة ما دلّ على أنّه لا صلاة إلّا بطهور أنّ الصلاة يعتبر فيها الطهارة، وعلمنا ببركة أدلّة البدليّة أنّ طهور من لا يتمكّن من الماء هو التراب، وبهذه الأدلّة الثلاثة نجزم بأنّ المكلّف مأمور بالصلاة في المقام، وطهارته هي التراب، فيجب عليه الصلاة مع الطهارة الترابيّة(٧٨).
وصحيحة زرارة ـ المشار إليها في كلام السيّدين ـ حيث قال: (قلت له: النفساء متى تصلّي؟ قال: تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين، فإن انقطع الدم وإلّا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت، وإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت، ثمّ صلّت الغداة بغسل، والظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد، قلت: والحائض، قال: مثل ذلك سواء فإن انقطع عنها الدم وإلّا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء، ثمّ تصلّي، ولا تدع الصلاة على حال، فإنّ النبيّ J قال: الصلاة عماد دينكم)(٧٩).
وهي لا إشكال فيها من حيث السند رواها الكلينيّ بأكثر من طريق، حيث قال: (عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن فضل بن شاذان، جميعاً عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة)، فهي مرويّة بطرق ثلاثة كلّها معتبرة.
وأجاب السيّد الحكيم S في المصباح عن هذا الوجه بقوله: (ويشكل بأنّ الإجماع على عدم سقوط الصلاة بحال لو تمّ لا يشمل ـ على ما يأتي في فاقد الطهورين ـ صورة تعذّر الطهارة التي منها المقام، بناءً على قصور دليل بدليّة التيمّم عنه؛ لأنّ المراد بالطهور ليس إلّا استعماله بالوجه المشروع الذي تترتّب عليه الطهارة، ومقتضى إطلاق الخطاب بالطهارة المائيّة انحصار الطهارة بها، وبعد فرض قصور دليل مشروعيّة التيمّم عن صورة التفريط يتعيّن تعذّر الطهارة بتعذّر الطهارة المائيّة)(٨٠).
هذا جوابه S عن التمسّك بالإجماع على عدم سقوط الصلاة بحال، ومحصّله ـ بعد التشكيك في وجود أصل الإجماع ـ أنّ الإجماع غير شامل لموردنا، مثل عدم شموله لمورد فاقد الطهورين؛ لأنّ المكلّف غير قادر على الطهارة؛ لأنّ مقتضى إطلاق أدلّة الطهارة المائيّة أنّها مطلوبة ممّن فرّط في التأخير، ومع عدم قدرة المكلّف عليها تسقط الصلاة أداءً، كما التزموا بذلك في فاقد الطهورين، ولم يتمّ إطلاق دليل مشروعيّة التيمّم للمورد حتّى يقيّد تلك الأدلّة وتصبح الصلاة مقدورة.
أقول: لا نحتاج في ردّ هذا الكلام إلى دعوى اليقين بعدم شمول معقد الإجماع للمورد، بل يكفينا الشكّ في ذلك؛ لأنّ الإجماع دليل لبّيّ لا إطلاق له يتمسّك به لرفع هذا الشكّ، كما لا يتناسب دعوى أنّ ظهور مشروعيّة التيمّم خاصّ بصورة التفريط مع ما اختاره من عدم المشروعيّة مطلقاً.
وأجاب عن الاستدلال بصحيحة زرارة على عدم سقوط الصلاة بحال قائلاً: (وأمّا النصّ فهو صحيح زرارة عن أبي جعفر g في النفساء التي يستمرّ بها الدم المتضمّن جريان حكم المستحاضة عليها وبيان وظيفة المستحاضة .. ومقتضى المناسبة بين التعليل والحكم المعلّل أن يكون المراد بقوله g فيه: (ولا تدع الصلاة على كلّ حال) التأكيد على وجوب المحافظة على الصلاة بعد الفراغ عن مشروعيّتها والردع عن التسامح في أدائها استثقالاً لوظيفة المستحاضة المذكورة فيه، فلا ينهض بإثبات المدّعى من وجوب الصلاة في المقام بعد أن لم تثبت مشروعيّتها من الخارج ليستلزم مشروعيّة التيمّم لها كما ذكره S، وإنّما ينهض بذلك لو كان المراد به بيان مشروعيّة الصلاة، ووجوبها مهما كان حال المكلّف وبمقدار طاقته، لكن المناسب حينئذٍ تعليله بمثل قوله: (الميسور لا يسقط بالمعسور) لا بالنبويّ المذكور(٨١).
ثمّ قال: (هذا مضافاً إلى أنّه S قد ذكر في حكم فاقد الطهورين أنّ ما تضمّن عدم سقوط الصلاة بحال لا ينهض ببيان مشروعيّة الصلاة من دون طهور؛ لأنّ مقتضى ما تضمّن ركنيّة الطهور كون الصلاة الفاقدة له ليست بصلاة، وحينئذٍ يتعيّن قصوره عن المقام؛ لما تقدّم في توجيه قصور الإجماع، ومن هنا لا مجال للخروج عن ما سبق من عدم الاجتزاء بالتيمّم)(٨٢).
وكلامه يتضمّن جوابين لهذا الاستدلال:
الأوّل: ما محصّله أنّ النصّ أجنبيّ عن المقام؛ لأنّه ورد في مورد قد فرغ فيه عن وجوب الصلاة لدليل خارجيّ، وأكّد الإمام إتيانها خوفاً من التساهل في حقّها لثقل وظيفتها، وصعوبة الالتزام بأغسالها، وهذا ليس إشكالاً في التعدّي عن موردها، بل الإشكال هو أنّه بعد تسليم إطلاقها لغير المرأة أيضاً لا ينفع في المقام؛ لجواز أن لا تكون الصلاة الأدائيّة في المورد مطلوبةً من المكلّف أساساً.
وهذا الجواب وجيه؛ لأنّ ظاهر الرواية أقرب إلى ما فسّرها به S، وإذا تنازلنا عن دعوى أنّ هذا هو ظاهر الرواية فيكفينا أن ندّعي أنّه على الأقلّ هو أحد الاحتمالين في تفسيرها، فيسقط الاستدلال بها في المورد.
وقريب من جوابه ما ذكره المحقّق الهمدانيّ في مصباح الفقيه، حيث قال: (وليس معنى «أنّ الصلاة لا تسقط بحال» بقاء التكليف بها بعد أن عصى المكلّف(٨٣) وصيّر إيجادها على النحو المعتبر شرعاً في حقّه ممتنعاً، فمن الجائز أن يكون تأخير الطهارة المائيّة عند القدرة عليها إلى أن تتعذّر ـ كتأخير التيمّم إلى أن يتعذّر الإتيان به مع الصلاة في الوقت ـ موجباً لوجوب القضاء)(٨٤).
والجواب الثاني الذي أشار إليه السيّد الحكيم: هو أنّه لو سلّمنا أنّ الرواية تدلّ على مشروعيّة الصلاة في حقّ كلّ مكلّف، ولكنّه يأتي هنا ما ذكره السيّد الخوئيّ في فاقد الطهورين ردّاً على من تمسّك بهذه الرواية لإثبات وجوب الصلاة في حقّه من أنّ الصلاة غير مقدورة له؛ لأنّ مقتضى ركنيّة الطهارة للصلاة هو أنّ الصلاة بلا طهارة ليست بصلاة، فهذا الكلام يمكن أن يجاب به في المقام أيضاً حيث يقال: إنّ إطلاق أدلّة الطهارة المائيّة شامل للمكلّف في مورد البحث، وهو غير قادر على الصلاة معها، وإثبات قدرته عليها بالتيمّم يتوقّف على ثبوت مشروعيّته في حقّه، وهو أوّل الكلام.
وفيه: أنّه بعد تسليم دلالة الرواية على أنّ الصلاة مطلوبة من كلّ مكلّف في كلّ حال لا مجال للمنع عن التمسّك بها في المورد.
وما ذكره S وجهاً للمنع ـ من أنّ التمسّك بها في المقام يتوقّف على كون الصلاة مقدورة له، وهو بدوره يتوقّف على مشروعيّة التيمّم في حقّه، وهو بعدُ لم نفرغ عن ثبوته ـ لا يصلح للمنع؛ لأنّ الرواية بإطلاقها أو عمومها لمّا شملت المورد تكون هي دليلاً على مشروعيّة التيمّم بالدلالة الالتزاميّة، كما لا يخفى.
وبتعبير آخر: أنّ شمولها للمورد لا يتوقّف على مفروغيّة كون التيمّم مشروعاً فيه، بل هي دالّة على الأمرين معاً: مطلوبيّة الصلاة، ومشروعيّة التيمّم؛ للعجز عن الوضوء، وهذه الدلالة الثانية تحقّقت طبعاً بمعونة الفراغ عن ثبوت بدليّة التيمّم للوضوء والغسل في الشريعة في الجملة.
ولا يقاس المورد على فاقد الطهورين؛ لأنّه ذاك عاجز عن أصل الصلاة بمقتضى ركنيّة الطهور للصلاة، فلا يكون مشمولاً لعموم الرواية، بخلاف ما نحن فيه، فإنّه عاجز عن الصلاة مع الطهارة المائيّة لا مطلق الصلاة، وهذا الأمر هو فرق فارق بين الموردين.
الوجه الرابع: التمسّك بالروايات التي تنزّل التراب منزلة الماء، وهي عدّة روايات، مثل صحيحة حمّاد التي رواها الشيخ في التهذيب بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حمّاد بن عثمان، قال: سألت أبا عبد الله g عن الرجل لا يجد الماء أيتيمّم لكلّ صلاة؟ فقال: (لا، هو بمنزلة الماء)(٨٥).
استدلّ بها العلّامة قائلاً: (وإنّما يكون بمنزلته لو ساواه في أحكامه، ولا ريب أنّه لو وجد الماء وتمكّن من استعماله وجب عليه، فكذا لو وجد ما ساواه)(٨٦).
واستدلّ بها صاحب الجواهر أيضاً(٨٧).
ومثلها صحيحة ابن حمران وجميل رواها الشيخ في التهذيب بإسناده عن محمّد ابن عليّ بن محبوب، عن يعقوب، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران وجميل، عن أبي عبد الله g أنّهما سألاه عن إمام قوم أصابته في سفر جنابة، وليس معه من الماء ما يكفيه في الغسل، أيتوضّأ ويصلّي بهم؟ قال: (لا، ولكن يتيمّم ويصلّي، فإنّ الله تعالى جعل التراب طهوراً، كما جعل الماء طهوراً)(٨٨).
والرواية صحيحة سنداً، ويعقوب هو ابن يزيد الأنباريّ ثقة(٨٩)، ورواها الكلينيّ عن عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن حمران وجميل.
وفي تقريب الاستدلال قال العلّامة بعد ذكر الجملة الأخيرة فقط من الرواية: (والتشبيه يقتضي المساواة في الأحكام إلّا ما أخرجه الدليل)(٩٠)، وقريب من كلام العلّامة ما ذكره الشيخ التبريزيّ S ـ من الاستدلال بالفقرة الأخيرة من صحيحة محمّد بن مسلم التي رواها الشيخ عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله g عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد وصلّى، ثمّ وجد الماء، فقال: (لا يعيد، إنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد فقد فعل أحد الطهورين)(٩١) ـ حيث قال: (إنّ قوله التيمّم أحد الطهورين ظاهره إذا لم يتمكّن المكلّف من طهور الماء لصلاته في وقتها تكون وظيفته التيمّم لها)(٩٢).
وقَبِل السيّد الخوئيّ S دلالتها على المشروعيّة عند الضيق في كتاب الصوم(٩٣)، لكنّه يرى انصرافها عن حالة التفريط والعمد.
وردّ على مثل هذا الاستدلال السيّد الحكيم S بأنّ عموم التنزيل لا يجدي بعد تقييده بعدم الوجدان(٩٤).
وتقريب كلامه: أنّه بعد ما قيّد هذا التنزيل بعدم وجدان الماء عرفنا أنّه مع وجود الماء التراب ليس كالماء، ولا مجال للطهور الترابيّ معه، ومورد البحث هو وجدان الماء، فلا يكون مشمولاً لإطلاق التنزيل.
وأيضاً يمكن أن يناقش في وجود أصل الإطلاق في التنزيل من جميع الجهات
ـ مع قطع النظر عن التقييد المذكور ـ بأنّ السائل فيها قد سأل من جهة معيّنة، فالإمام لمّا أجاب بجواب معلّلاً بكون التيمّم بمنزلة الماء فمن الممكن أنّه أراد التنزيل من هذه الجهة فقط، فمثلاً في صحيحة حمّاد ـ بعدما سأل حمّاد عن وجوب تجديد التيمّم لكلّ صلاة توهّماً منه أنّه ليس كالوضوء من هذه الجهة ـ بيّن الإمام g أنّ التيمّم كالوضوء يستمرّ بلا حاجة إلى التجديد، ولا ينتقض إلّا بالناقض، فهو g ناظر إلى هذه الجهة في كلامه، وليس في كلامه تعرّض لجهة بيان موارد مشروعيّة التيمّم، فلا يثبت الإطلاق في التنزيل، كما قالوا: إنّه إذا كان المتكلّم في مقام بيان من جهة لا يجب أن يكون في مقام بيان من جهة أخرى أيضاً.
وكذا حال صحيحة ابن حمران وجميل؛ لأنّه بالنظر إلى صدر الرواية يظهر أنّ الإمام g كان في مقام بيان أصل طهوريّة التراب عند فقد الماء؛ لجهل السائل عنها، لا في بيان موارده، فالمراد هو أنّ التراب طهور في حال فقدان الماء كالماء.
ولكنّ الإنصاف أنّه وإن كان مورد الكلام فيها هو فقدان الماء ولكنّه بالنظر إلى أنّ المورد لا يخصّص الوارد ينعقد للكلام إطلاق، وليس الإمام g في هذه الرواية في مقام بيان إلّا من جهة أنّ التيمّم بديل ومثل للوضوء، ومقتضى المماثلة المطلقة بينهما صحّة الصلاة بالتيمّم في موردنا.
لكن هذا كلّه مبنيّ على أنّ السائل كان يجهل بدليّة التيمّم للغسل، فاحتمل بدليّة الوضوء له، والإمام g نفى بدليّة الوضوء، وبيّن أنّ الله جعل التيمّم بديلاً له.
ولكنّ هذا بعيد جدّاً عن أمثال جميل وابن حمران كما لا يخفى، فالمناسب في حقّهم هو أحد احتمالين:
الأوّل: أنّهما احتملا أنّ التيمّم يكون بديلاً عن الغسل مع فقد الماء تماماً، وأمّا مع وجود مقدار منه يكفي للوضوء تكون الوظيفة هي الوضوء، وعلى هذا يكون مراد الإمام g من قوله: (إنّ الله جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً) أنّ الوظيفة في هذه الحالة أيضاً هي التيمّم؛ لأنّ التيمّم الذي يؤتى به عوضاً عن الغسل يكون طهوراً كالغسل في حالة الاضطرار بخلاف الوضوء، فإنّه لا يصلح لذلك.
وعلى هذا، لا يصحّ التمسّك بإطلاق التنزيل؛ لأنّ الإمام g كان في مقام بيان من جهة معيّنة، وهي أنّ الذي تحصل به الطهارة ـ كالطهارة الحاصلة من الغسل في حالة الاضطرار ـ هو التيمّم لا الوضوء، وأمّا ما هي الموارد التي يتحقّق فيها الاضطرار ومشروعيّة البدل فليس هذا منظوراً إليه.
والاحتمال الآخر: هو أنّهما احتملا أنّ المتيمّم لا يجوز أن يؤمّ الجماعة، وإذا توضّأ بدل الغسل يجوز له ذلك، والإمام g أراد بكلامه المذكور في الرواية أن يبيّن أنّ المتيمّم يجوز له أن يكون إمام جماعة في الصلاة، بخلاف اعتقاد السائل؛ لأنّ المتيمّم متطهّر كالمغتسل، وعلى هذا كان الإمام g في مقام بيان تنزيل التراب منزلة الماء من جهة أنّ أحكام التيمّم ـ في موارد مشروعيّته ـ هي أحكام المتطهّر بالطهارة المائيّة، ولم يكن في مقام بيان من جهة موارد تشريع التيمّم، فلا يمكن التمسّك بإطلاق كلامه؛ لأنّه يحتمل أنّه أراد التنزيل من هذه الجهة المذكورة فقط.
فالمحصّل أنّه لم يثبت أنّ الإمام g كان في مقام بيان تنزيل التراب منزلة الماء من جميع الجهات.
وعلى كلّ تقدير يبقى إشكال السيّد الحكيم S متوجّهاً إليها أيضاً.
ومثل هذا يرد على الاستدلال بصحيحة محمّد بن مسلم من أنّ الإمام g في مقام بيان أنّ الصلاة المأتيّ بها بالتيمّم بسبب عدم وجدان الماء كالصلاة مع الوضوء من جهة تحقّق امتثال التكليف، وعدم وجوب الإعادة أو القضاء، وليس كما توهّمه الراوي، وأمّا ما هي موارد مشروعيّة إتيانها بالتيمّم؟ فليس في صدد بيانه، بل هذا الإشكال بالنسبة إلى هذه الرواية أوضح من السابق.
وأيضاً يتوجّه إليه أنّ التعبير الوارد في الرواية هو أنّه (قد فعل أحد الطهورين)، وليس ما ذكره وهو أنّ (التيمّم أحد الطهورين)، فإن أمكن دعوى الإطلاق فهو ممكن في التعبير الثاني لا الأوّل؛ لأنّه إشارة إلى أنّ ما فعله المسؤول عنه في مورد العمل قد فعل أحد الطهورين، فإنّ دعوى الإطلاق من ظاهر هذا التعبير بعيدة كلّ البعد، كما لا يخفى.
ولعلّه لضعف الاستدلال بها لم يعتمد عليها السيّد الخوئيّ لإثبات مدّعاه، ولم يتعرّض السيّد الحكيم في المصباح لردّه.
الوجه الخامس: هو الاستدلال ببعض الروايات الأخرى الواردة في التنزيل التي تختلف عن سابقتها في الدلالة، وهي صحيحة ابن أبي يعفور وعنبسة التي رواها الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، عن عبد الله بن أبي يعفور وعنبسة بن مصعب، عن أبي عبد الله g، قال: (إذا أتيت البئر وأنت جُنُب فلم تجد دلواً ولا شيئاً تغرف به، فتيمّم بالصعيد، فإنّ ربّ الماء ربّ الصعيد، ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم)(٩٥).
وعنبسة لم يوثّق، بل قال الكشّيّ: (ناووسيّ واقفيّ)(٩٦) ولكنّ وجوده في الرواية لا يضرّ؛ لوجود ابن أبي يعفور معه في الرواية عن الإمام g، فالرواية صحيحة سنداً.
وموثّقة سماعة التي رواها الشيخ بإسناده عن الحسين، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة، قال: سألت أبا عبد الله g عن الرجل يكون معه الماء في السفر، فيخاف قلّته، قال: (يتيمّم بالصعيد، ويستبقي الماء، فإنّ الله a جعلهما طهوراً الماء والصعيد)(٩٧).
استدلّ بهما السيّد الحكيم S في مصباح المنهاج على جواز التيمّم مع وجود الماء إذا كان استعماله يستلزم محذوراً شرعيّاً، كالدخول في بيت مغصوب؛ لأنّه سلّم دلالتهما على أنّه كلّما استلزم من الطهارة المائيّة محذور شرعيّ ـ بل عرفيّ ـ يصار إلى التيمّم(٩٨).
وهذا الوجه للاستدلال يأتي في المقام، حيث يقال: إنّ الطهارة المائيّة تؤدّي إلى محذور شرعيّ، وهو فوات الفريضة، فيرجع إلى بديلها.
والظاهر أنّه بالنظر إلى هذه الروايات وأمثالها ادّعى السيّد الحكيم أنّ موضوع التيمّم في الآية وبعض الروايات وإن كان هو عدم وجدان الماء، حيث قال الله سبحانه وتعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}(٩٩)، ولكن هذا الوجدان المأخوذ عدمه موضوعاً لمشروعيّة التيمّم يختصّ بما إذا كان لا يلزم محذور من استعمال الماء، فإذا كان ضيق الوقت موجباً للزوم المحذور من استعمال الماء الموجود، كان موجباً لصدق عدم الوجدان الذي هو موضوع المشروعيّة.
وهذا نصّ عبارته: (وثانياً: ما أشرنا إليه أيضاً آنفاً من أنّ الوجدان المأخوذ عدمه موضوعاً لمشروعيّة التيمّم يختصّ بما لا محذور به من استعمال الماء، فإذا كان ضيق الوقت موجباً للزوم المحذور من استعمال الماء الموجود، كان موجباً لصدق عدم الوجدان الذي هو موضوع المشروعيّة.
ودعوى اختصاص هذا التقريب بصورة كون القدرة لا من جهة الضيق خلاف الظاهر)(١٠٠).
ويظهر من كلام السيّد الحكيم S في مصباح المنهاج جوابان لهذا الكلام:
أحدهما: على تقدير أن تكون الدعوى أنّ الوجدان محمول على صورة عدم لزوم محذور شرعاً.
وثانيهما: على تقدير أن يدّعى أنّ موضوع التيمّم هو كلّ واحد من هذين الأمرين: عدم وجدان الماء، وعدم لزوم محذور من استعماله مع وجوده.
فعلى تقدير الأوّل أجاب: (ويشكل بأنّه قد يتّجه انصراف الوجدان عن وجدان ما يكون استعماله تعدّياً على حقّ الغير فيه، كالأمانة والمغصوب، لا عن كلّ ما يلزم من استعماله محذور ولو لم يرجع لحقّ الغير في الماء، ولا سيّما مع عطف عدم الوجدان في الآيتين الشريفتين على المرض، حيث يناسب ذلك كون المراد من عدم الوجدان ما يقابل الضرر اللازم من المرض لا ما يعمّه)(١٠١).
وتقريب قوله: إنّ دعوى انصراف وجدان الماء المأخوذ عدمه في موضوع التيمّم عن الموارد التي يكون استعمال الماء فيها موجباً لضياع حقّ الناس، كما إذا كان أمانة عنده أو كان يوجب الغصب مثلاً، فدعوى انصرافه عنها لها وجه، ولكن دعوى انصرافه عن الموارد التي استعمال الماء فيها يوجب محذوراً ما، ولكنّه بدون أن يمسّ حقوق الناس فهذه الدعوى لا وجه لها.
والذي يؤكّد عدم صحّتها هو عطف عدم وجدان الماء في الآيتين على المرض، حيث قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}، فلو كان المراد من عدم الوجدان مفهوماً عامّاً يشمل حالات المرض الموجبة للضرر باستعمال الماء بحيث يصدق معها عدم وجدان الماء لما عطفه على المرض، فلمّا جعل عدم الوجدان معطوفاً على المرض عرفنا أنّ المراد من عدم الوجدان هو عدم الوجدان الخارجيّ؛ لأنّه هو يصلح أن يذكر مقابل المرض، فلا يصحّ دعوى انصراف الوجدان عن مثل هذه الحالات.
وفيه: أنّ هنا احتمالين في تفسير الآية:
الأوّل: أنّ هذا المعطوف راجع إلى قوله: {عَلَى سَفَرٍ} فما بعده، ويكون المعنى أنّه إذا كنتم مرضى فتيمّموا، وإن كنتم على سفر فلم تجدوا ماءً فتيمّموا، والظاهر هذا هو مراده S من عطف عدم الوجدان على المرض، وبالدقّة هو معطوف على {عَلَى سَفَرٍ}، والمجموع معطوف على {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى}، وهذا واضح، وعلى هذا الاحتمال يتمّ كلامه.
الثاني: أنّ قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} راجع إلى المرض وما بعده، ويكون المعنى إن كنتم مرضى فلم تجدوا ماءً لاستعماله في الطهارة لمانعيّة المرض عنه فتيمّموا، وكذلك إن كنتم على سفر فلم تجدوا ماءً فتيمّموا، وكذلك ما بعده.
ويبدو أنّ هذا الاحتمال هو مختار الشيخ حسين الحلّيّ S في تفسير الآية(١٠٢).
وعلى هذا الاحتمال لا يتمّ كلامه؛ لأنّ عدم الوجدان حينئذٍ ليس مقابل المرض، بل شامل له.
ويمكن أن يقال: إنّ هذا الاحتمال الثاني هو أقرب إلى سياق الآية كما لا يخفى، وعلى الأقلّ هو احتمال مقابل احتمال آخر، وعلى هذا فلا يحصل به تأييد كلامه.
وعلى التقدير الثاني ـ وهو أن يدّعى أنّ موضوع التيمّم هو كلّ واحد من هذين الأمرين: عدم وجدان الماء، أو لزوم محذور من استعماله مع وجوده ـ أجاب: بأنّ المتيقّن من ذلك ما إذا علم بوجوب الصلاة، ولا عموم له يقتضي وجوب الصلاة في مورد الشكّ، فهو راجع إلى تحديد موضوع بدليّة التيمّم وسعتها في فرض الخطاب بالصلاة؛ لدفع وجوب ارتكاب المحذور من أجل تحصيل الطهارة المائيّة، لا لتحديد القدرة على الصلاة وسعتها لكلّ مورد يقدر فيه على التيمّم من أجل إحراز عموم الخطاب بالصلاة حينئذٍ، لتحرز مشروعيّة التيمّم، كما هو الحال في المقام(١٠٣).
محصّله: أنّ موضوع التيمّم وإن كان يتحقّق عند لزوم محذورٍ من استعمال الماء في الوضوء أو الغسل، ولكنّ المتيقّن منه هو ما إذا علمنا بوجوب الصلاة عليه، ولكنّه لزم من الوضوء أو الغسل محذور فانتقلت الوظيفة إلى التيمّم؛ لتحقّق موضوعه، وهذا يرجع إلى تحديد موضوع بدليّة التيمّم وسعتها مع فرض وجود التكليف بالصلاة.
وعلى هذا، إذا كان هناك شكّ في أصل الخطاب بالصلاة؛ للشكّ في وجود القدرة عليها ـ على ما هو المفروض في موردنا ـ فتقييد موضوع التيمّم بذلك لا ينفع؛ لأنّه ليس من شأنه أن يثبت قدرة المكلّف على الصلاة حتّى يثبت التكليف الفعليّ بالصلاة، وبالملازمة تثبت مشروعيّة التيمّم في حقّه.
الوجه السادس: وهو قريب من الوجه السابق، ذكره السيّد الخوئيّ S حيث ادّعى أنّ الوجدان الذي أُخذ عدمه في موضوع التيمّم يصدق في نظر العرف إذا كان متمكّناً من استعمال الماء بعد وجوده، وإلّا إذا وجد الماء لكنّه لم يتمكّن من استعماله يصدق في حقّ هذا الشخص أنّه غير واجد للماء، بل فاقد له بالنسبة إلى الطهارة.
وهذا نصّ عبارته: (والصحيح في مسألتنا هو وجوب التيمّم لأجل ضيق الوقت؛ وذلك لدلالة الآية الكريمة والروايات عليه، حيث إنّ المستفاد منهما بحسب الفهم العرفيّ أنّ المراد من عدم الوجدان هو عدم التمكّن من استعمال الماء في الوضوء والغسل، لا عدم التمكّن منه مطلقاً وبالإضافة إلى جميع الأمور.
وأنّ مدلولها أنّ من تمكّن من الوضوء يتوضّأ، ومن تمكّن من الغسل يغتسل، ومن لم يتمكّن منهما يتيمّم وإن كان متمكّناً من استعمال الماء في مثل الشرب وتنظيف ثوبه أو بدنه ونحوهما؛ وذلك لوضوح أنّ المكلّف إذا كان متمكّناً من شرب الماء واستعماله في التنظيف وشبهه لترخيص المالك إيّاه في ذلك، ولم يتمكّن من صرف الماء في الغسل أو الوضوء شرّع له التيمّم بدلاً عنهما؛ وذلك لصدق أنّه فاقد الماء، أي بالإضافة إلى الوضوء والغسل، وحيث إنّ المكلّف في مفروض المسألة لا يتمكّن من استعمال الماء في الوضوء أو الاغتسال ولو لأجل ضيق الوقت جاز له التيمّم، ووجب عليه الصلاة مع الطهارة الترابيّة.
إذن لا نحتاج في استفادة حكم المسألة إلى القرائن الخارجيّة، وإنّما نستفيده من نفس الآية والأخبار)(١٠٤).
وأجاب عنه السيّد الحكيم S في المصباح بأنّه لو سلّمنا هذا فغاية الأمر أن يدّعى انصراف عدم الوجدان لعدم وجدان ما يمكن استعماله في الطهارة في مقابل ما لا يمكن استعماله فيها، كما لو كان نجساً أو في بئر لا يمكن إخراجه منها، والتعدّي لسائر موارد عدم القدرة ولو للزوم المحذور مستفادٌ من قرائن وأدلّة أخرى تقصر عن المقام(١٠٥).
محصّل كلامه: أنّه لو سلّمنا تقيّد الوجدان بالتمكّن من الاستعمال فنسلّم تقيّده بالتمكّن الخارجيّ، بمعنى إمكان استعماله في الطهارة مقابل ما لا يمكن استعماله في الطهارة؛ إمّا لنجاسته أو لكونه في البئر مع عدم قدرته على إخراجه ونحو ذلك، وأمّا تقيّده أكثر من هذا بحيث لمجرّد لزوم محذور شرعيّ من استعمال الماء يصدق عدم التمكّن من الماء، وبالتالي يكون مصداقاً لعدم الوجدان، فلا نسلّمه.
نعم، في بعض الموارد قامت الأدلّة على مشروعيّة التيمّم للزوم المحذور من استعمال الماء في الطهارة المائيّة في تلك الموارد وإن صدق فيها وجدان الماء، كما في موارد لزوم إفساد الماء إذا اغتسل في البئر أو لزوم العطش وغيرهما، ولكن تلك الأدلّة قاصرة عن شمولها للمورد.
ومرجع كلامه أنّه لا يمكن استنتاج القاعدة العامّة من هذه الروايات الواردة في موارد خاصّة، وهي أنّه كلّما توقّف استعمال الماء على أيّ محذور يكون من موارد عدم التمكّن من استعمال الماء، وبالتالي يكون من موارد عدم وجدان الماء، والسيّد الخوئيّ يدّعي ذلك.
ولكن تقدّمت الإشارة إلى أنّ السيّد الحكيم S في بعض المسائل في المصباح استفاد من بعض الروايّات القاعدة العامّة، وهي أنّ توقّف الطهارة المائيّة على مطلق العذر يكفي في مشروعيّة التيمّم سواء كان عذراً شرعيّاً أو عرفيّاً، وسواء كان أهمّ من الأعذار المذكورة في الروايات أو لا(١٠٦).
وعلى هذا بعد تسليم لزوم المحذور من الطهارة المائيّة في المورد يكون مقتضى تطبيق القاعدة هنا هو قبول مشروعيّة التيمّم فيه.
ولذا كان من المناسب له أن يختار في الجواب أنّه لم يثبت أنّ الصلاة مطلوبة منه أداءً حتّى يلزم من الوضوء أو الغسل محذور ترك الصلاة، حتّى يقال إنّه غير متمكّن منهما، فهو غير واجد للماء.
ثمّ اعترف السيّد الخوئيّ S أنّ هذا الوجه من الاستدلال لا مجال له في صورة تفريط المكلّف؛ لعدم صدق عدم تمكّنه من الطهارة المائيّة، وهذا نصّ ما قاله: (وهذا [أي فقدان الطهارة المائيّة بالاختيار ليس مسوّغاً للتيمّم، بل المسوّغ هو الفقدان الطبيعيّ] هو الموافق للارتكاز العرفيّ في أمثال المقام، فإذا أمر المولى عبده بطبخ الطعام مع الماء، وعلى تقدير عدم التمكّن منه أو العجز عنه أمره بشراء الخبز مثلاً، ثمّ العبد أراق الماء باختياره ليندرج في موضوع وجوب شراء الخبز، فإنّ الفهم العرفيّ يقتضي عدم كفاية هذا العجز والفقدان في وجوب شراء الخبز في حقّه)(١٠٧).
ولذا هو S تمسّك في إثبات مشروعيّة التيمّم في هذه الصورة بالوجه الثالث الذي تقدّم نقله عنه(١٠٨).
ولكنّه يمكن أن يقال: إنّ الضيق الحاصل من التفريط والحاصل من غير التفريط لا فرق بينهما من جهة صدق عدم التمكّن من الطهارة المائيّة وعدمها، فإنّه يصدق هذا في الصورتين كلتيهما، إنّما الفرق بينهما من جهة حصول العصيان وعدمه، فإنّ المكلّف عاصٍ في تفويت الصلاة مع الطهارة المائيّة في صورة التفريط دون غيره، وهذا الكلام نفسه يأتي في المثال الذي ذكره، فإنّ العرف لا يفرّق بين الصورتين من جهة صدق أنّ العبد عاجز عن طبخ الطعام بالماء.
نعم، لا يرونه معذوراً إذا حصل هذا عن عمدٍ واختيار، وهذا أمر آخر.
وإن كان المقصود هو عدم إطلاق في كلام الآمر يشمل مورد التعمّد والتفريط؛ لانصراف كلامه إلى مورد حصول العجز بسبب طبيعة الحال فهذا أيضاً يجاب عنه بأنّه انصراف بدويّ يزول بالتأمّل، فليتأمّل.
نعم، يبقى الكلام في استفادة كلّيّة مشروعيّة التيمّم عند عدم التمكّن من الطهارة المائيّة، وقد قرّب الشيخ حسين الحلّيّ S دلالة الآية عليها، ولا نتعرّض له خوفاً من الإطالة، فإن شئت فراجع دليل العروة(١٠٩).
وادّعى المحقّق الهمدانيّ S أيضاً أنّ المفهوم من أدلّة التيمّم هو أنّه كلّما عجز المكلّف عن الطهارة المائيّة ولم يتمكّن منها يشرع له التيمّم بلا نظر إلى أسباب حصول العجز عنها بدون أن يوضّح وجه استفادة هذا المعنى من الأدلّة، بل هذا الوجه هو المعتمد عليه(١١٠).
وعلى كلٍّ لا مخلص عن الإشكال في تطبيقها في المورد إذا سلّمناها من جهة أنّ التمسّك بها فرع وجوب الصلاة على المكلّف، وفي مورد البحث لم يثبت أنّها واجبة أداءً.
الوجه السابع: أنّه في الحقيقة إذا دار الأمر في المقام بين إتيان الصلاة مع تمام شرائطها خارج الوقت وبين إتيانها في وقتها فاقدة للطهارة المائيّة، وحيث إنّ إتيان الصلاة في وقتها أهمّ في نظر الشارع من رعاية شرائطها الأخرى عند التزاحم بينه وبينها ـ كما نرى في الساتر والقبلة وغيرهما ـ يتعيّن تقديم الوقت، بل التيمّم شرّع للحفاظ على هذا الأمر، استدلّ به صاحب الحدائق في الحدائق وصاحب الجواهر في الجواهر(١١١).
والظاهر أنّ المقصود في المقام هو التزاحم الملاكيّ وليس الحكميّ؛ لوحدة التكليف في المحصّل النهائيّ.
وردّ السيّد الحكيم S على هذا الوجه للاستدلال بأنّ كون العلّة في تشريع التيمّم المحافظة على الوقت ـ لو سلّم ـ يختصّ بما إذا صدق عدم الوجدان، وأهمّيّة الوقت يقتضي سقوط الوضوء لا مشروعيّة التيمّم، إلّا بتوسّط الملازمة بينهما(١١٢).
ومقصوده من هذه العبارة: أنّنا لا نسلّم أهمّيّة الوقت مطلقاً، بل المتيقّن منها هو مع عدم وجدان الماء، ولو سلّمت لكنّها وحدها لا تثبت المطلوب؛ لأنّها ليس مقتضاها إلّا سقوط الوضوء، وأمّا وجوب الصلاة مع التيمّم فهو بحاجة إلى ضمّ كلّيّة أخرى إلى دعوى أهمّيّة الوقت، وهي كلّما تعذّرت الطهارة المائيّة يجوز التيمّم.
فهو يستشكل أوّلاً بعدم ثبوت كلّيّة مشروعيّة التيمّم لأهمّيّة الوقت. وثانياً أنّه يحتاج إلى متمّم حتّى يثبت المطلوب.
أقول: الوجه الثاني من الإشكال ليس بواضح؛ لأنّ المستدلّ بهذا الوجه استدلّ به بعد الفراغ عن وجود بديل للطهارة المائيّة في كلّ مورد ثبت وجوب الصلاة وعجز المكلّف من إتيانها بالطهارة المائيّة، فهو أراد بهذا الوجه مجرّد إثبات أنّ الصلاة الأدائيّة هي وظيفة المكلّف في المقام، وهذا الأمر هو الذي نحتاج إثباته، وأمّا وجوب التيمّم بعد إثباته فهو ثابت في محلّه.
والسيّد الخوئيّ S أيضاً ناقش هذا الاستدلال قائلاً: (وفيه: ما ذكرناه سابقاً من أنّ التزاحم إنّما يتصوّر بين التكليفين النفسيّين دون التكليف الواحد إذا دار الأمر فيه بين شرط وشرط آخر، أو بين جزء وجزء آخر، فهو خارج عن باب التزاحم رأساً، ومقتضى القاعدة فيه هو السقوط؛ لعدم إمكان امتثال التكليف الواحد المتعلّق بالجميع على الفرض، ويحتاج إثبات الأمر بالفاقد لجزئه أو شرطه إلى دليل)(١١٣).
ولكنّ الظاهر أنّ المستدلّ بهذا الوجه لا يريد أن يدّعي التزاحم الاصطلاحيّ، بل مقصوده هو التزاحم الملاكيّ، وأنّ الخطاب بالصلاة كان متوجّهاً إلى هذا الشخص، وشككنا في سقوطه عند ضيق الوقت؛ لاحتمال مطلوبيّة الطهارة المائيّة منه وإن ضاق الوقت عنها، ولكنّه بالنظر إلى أهمّيّة الوقت على الطهارة ندفع هذا الاحتمال، فلا يبقى حينئذٍ الشكّ في شمول الخطاب له في هذا الحال.
وناقش السيّد الحكيم S في مصباح المنهاج هذا الوجه بما حاصله ـ على ما فهمته ـ أنّ ثبوت أهمّيّة الوقت عند الشارع في موارد مشروعيّة التيمّم(١١٤) لا يلزم منه أنّه شامل لكلّ الموارد حتّى موردنا، بل يتوقّف هذا على ثبوت مشروعيّة التيمّم مطلقاً، مع أنّ المشروعيّة ثابتة في موارد خاصّة لا تشمل موردنا، وهي موارد عدم وجدان الماء أو وجود مانع عن استعماله، فلتكن مشروعيّة التيمّم في هذه الموارد لأهمّيّة الوقت، ولكن لا ندري أنّ الحال في موردنا كذلك، أي أنّ الصلاة مع التيمّم في الوقت أهمّ منها مع الوضوء خارجه، بل ـ لأجل أنّ المفروض هو وجود الماء مع القدرة على استعماله ـ يحتمل العكس، وعلى هذا فثبوت أهمّيّة الوقت في موارد أخر لا ينفع في موردنا.
وبتعبير آخر: أنّ الشارع لم يعلن أنّ الوقت عندي أهمّ من شرط الطهارة المائيّة حتّى نتمسّك بإطلاق كلامه، بل فهمناها بالكشف الإنّي بواسطة مشروعيّة التيمّم، وهي لا تكشف عنها إلّا في موارد ثبوتها.
وهذا نصّ كلامه S: (لكن مجرّد ذلك [أي كون المشروعيّة لأجل أهمّيّة الوقت] لا تكفي في فهم تشريعه في المقام بعد ظهور دليل تشريعه الأوّليّ ـ كالآيتين، بل جميع الأدلّة ـ في قصور دليل تشريعه، واختصاصه بغير صورة وجدان الماء، والقدرة على استعماله بالمقدار الحاصل في محلّ الكلام)(١١٥).
وهذا الإشكال يرجع إلى الإشكال الأوّل في كلام السيّد الحكيم S المتقدّم آنفاً ذكره عن المستمسك(١١٦).
ثمّ أيّد هذا الإشكال بأنّ شمول أدلّة مشروعيّة التيمّم لموردنا خلاف المرتكزات ولاسيّما في حال التفريط في التأخير مع أنّ مقتضى الوجه المذكور ـ لو تمّ ـ صحّة التيمّم حتّى في هذه الحالة.
ومرجع كلامه إلى أنّ دعوى أهمّيّة الوقت وترجيحه على الطهارة المائيّة مطلقاً تصادم ارتكاز المتشرّعة في بعض الموارد.
ولكنّه بالرجوع إلى الوجدان والارتكاز لم أجد فيه ما يتنافى مع مشروعيّة التيمّم
في مورد البحث لو دلّ عليها الدليل.
الوجه الثامن: هو ما اختاره الشيخ حسين الحلّيّ S حيث قال ما محصّله: أنّه لا يمكن الالتزام بأنّ وظيفة المكلّف في مورد البحث هو الوضوء والصلاة خارج الوقت؛ لأنّ معناه إذا كانت الصلاة مع الطهارة المائيّة مقدورة ولو في خارج الوقت لم تكن الصلاة مع التيمّم في الوقت مشروعة، ولازم ذلك أنّه لا يشرع التيمّم إلّا إذا لم يتمكّن المكلّف من الصلاة مع الطهارة المائيّة إلى آخر عمره، وأمّا مع التمكّن منها ولو آخر عمره فالواجب هو تأخيرها إلى ذاك الوقت، وإذا كان الحال كذلك في الطهارة المائيّة كان الحال في الشرائط الأخرى كالساتر وغيره أيضاً مثله، فإنّه إذا قدّمنا الطهارة المائيّة على الوقت كان الساتر وغيره مقدّماً عليه بطريق أولى، فلا يجوز له أن يصلّي عرياناً في الوقت إذا كان متمكّناً منها مع الساتر بعد الوقت إلى آخر عمره؛ لأنّ المدرك في التقدّم واحد، وهو أنّ المتمكّن من الاختياريّ ولو بعد الوقت لا يشرع له الاضطراريّ، إلّا إذا لم يكن متمكّناً من الاختياريّ في تمام عمره، وهذه اللوازم باطلة بالإجماع، بل بالضرورة من الدين، فلا يمكن الالتزام بلزوم تأخير الصلاة من الوقت للطهارة المائيّة(١١٧).
ولكنّه لا يمكن المساعدة على هذا الكلام؛ لأنّه لا يلزم بالبناء على عدم مشروعيّة التيمّم في مورد البحث ما ذكره من تأخير الصلاة إلى آخر العمر لحصول الطهارة المائيّة وغيرها من الشرائط الأخرى.
أمّا الطهارة المائيّة فلأنّ الأدلّة دلّت على مشروعيّة التيمّم مع عدم إمكانها في غير موردنا، فيعمل بها، وهي تكشف بالإن أهمّيّة الوقت عند الشارع من الطهارة المائيّة إذا كان عدم القدرة عليها ناشئاً عن سبب فقدان الماء أو غيره من الأسباب الأخرى التي ورد فيها دليل على مشروعيّة التيمّم، ولا يلزم من مشروعيّته هناك مشروعيّته فيما نحن فيه ـ وهو إذا كان سبب فقدان القدرة على الطهارة المائيّة ضيق الوقت عن الصلاة بها ـ لعدم كاشف عن أهمّيّة الوقت في هذا الحال أيضاً، كما لا يلزم من نفي مشروعيّته في المقام نفيها هناك، بل لا يلزم التأخير إلى آخر العمر حتّى في موردنا؛ لأنّ الفرض هو أنّه متمكّن من الطهارة المائيّة، ولكنّ الصلاة تقع خارج الوقت، وأمّا إذا فرضنا عدم وجود الماء مضافاً إلى ضيق الوقت فحينئذٍ يلتزم بصحّة التيمّم.
وأمّا الشرائط الأخرى فلا ينبغي قياسها على شرط الطهارة، فإنّ لها خصوصيّة تميّزها عن الباقي، وهي أنّه لا صلاة إلّا بالطهور الكاشفة عن أهمّيّتها، فيحتمل أنّ الشارع اهتمّ بها في موردنا أكثر من اهتمامه بالوقت.
وعلى هذا لا مانع من التفريق في الحكم بين شرط الطهارة وغيرها، وحيث يوجد دليل في كلّ مورد دلّ على مشروعيّة الصلاة في الوقت مع فقد شرط من تلك الشروط فيعمل به.
فلم يتّضح وجه لزوم اللازم المذكور في كلامه إذا بني على الصلاة مع الوضوء خارج الوقت في المورد.
الوجه التاسع: هذا الوجه أيضاً جاء في كلمات الشيخ حسين الحلّيّ، ومحصّله: أنّ مفاد مجموع أدلّة التيمّم من الآية والأخبار أنّ الطهارة المائيّة مشروطة بالقدرة الشرعيّة، والوقت مشروط بالقدرة العقليّة، وعند الدوران بينهما يقدّم الأخير على الأوّل(١١٨).
ويرد عليه ما ذكره السيّد الحكيم في مصباح المنهاج في بعض مسائل التيمّم.
ومحصّله بتوضيح منّا: أنّه إذا سلّمنا كبرى تقديم ما هو المقيّد بالقدرة العقليّة من المتزاحمين على ما هو المقيّد بالقدرة الشرعيّة فلا نسلّم أنّ الطهارة المائيّة مقيّدة بالقدرة الشرعيّة؛ لأنّ الأدلّة التي بأيدينا في المقام على قسمين:
القسم الأوّل: هي أدلّة اشتراط الصلاة بالوضوء أو الغسل، وهذا القسم لا يفهم منه أنّ هذا الشرط مقيّد بالقدرة الشرعيّة، بل إطلاقها ظاهر في أنّها مقيّدة بالقدرة العقليّة، كما هو واضح.
القسم الثاني: هي الأدلّة التي دلّت على أنّه مع فقد الماء أو مع عدم القدرة على استعماله لوجود مانع تكوينيّ أو شرعيّ يشرع التيمّم، فهذا القسم هو الذي يدّعى فيه أنّه دالّ على أنّ الطهارة الترابيّة مشروطة بالقدرة الشرعيّة، مع أنّه لا دلالة له على ذلك أيضاً؛ لإمكان اجتماع تحقّق موضوع التيمّم بتحقّق القيود المذكورة، ومشروعيّته مع تماميّة موضوع الطهارة المائيّة وتماميّة ملاكها، نظير الخطاب بالضدّ عند تعذّر ضدّه الأهمّ، فإنّه مع وجوب الضدّ المهمّ الفعليّ يبقى الأهمّ على تماميّة ملاكه، ولاسيّما بالنظر إلى أنّ التيمّم بدل اضطراريّ، فإنّه يناسب كونه لا يفي بتمام ملاك المائيّة مع فعليّة ملاكه(١١٩).
فهو S لا يرى المنافاة بين تحقّق القيود المأخوذة في موضوع التيمّم حتّى يصبح مشروعاً في حقّ المكلّف وبين تحقّق ملاك الطهارة المائيّة أيضاً، وحينئذٍ لا تكشف مشروعيّة التيمّم عند عذر من الأعذار المسوّغة له عن أنّ موضوع الوضوء أو الغسل مقيّد بقيد القدرة حسب لسان الدليل الشرعيّ.
ولكن هذا الكلام لا يكفي في الردّ على كلام الشيخ الحلّيّ S؛ لأنّه لم يستفد تقييد الطهارة المائيّة بالقدرة الشرعيّة من مجرّد جعل التيمّم بدلاً له في موارد عدم التمكّن من الماء أو استعماله حتّى يرد عليه ما جاء في المصباح، بل صرّح بعدم كفاية هذا، وقد أوضح وجه استفادة هذا التقييد من مجموع الأدلّة في بداية بحث التيمّم.
فقال هناك: إنّ بعض الروايات تدلّ على تقديم الطهارة الخبثيّة على الحدثيّة إذا كان الماء يكفي لواحدة منهما، وكذلك تدلّ على تقديم الصلاة مع التيمّم على الصلاة مع الطهارة المائيّة إذا كان تحصيل الماء يحتاج إلى طلب موجب لخروج وقت الصلاة(١٢٠)، فبالنظر إلى مجموع أمثال هذه الروايات يفهم أنّ الطهارة المائيّة مشروطة بالقدرة الشرعيّة(١٢١).
ويمكن أن يناقش هذا الكلام:
أوّلاً: بأنّ هذا المقدار من وجود الأدلّة لا يكشف عن أنّ موضوع دليل الطهارة المائيّة مقيّد بالقدرة الشرعيّة ما لم يأخذ الشارع في لسان دليلها قيد القدرة.
وثانياً: أنّ تقديم الوقت على الطهارة المائيّة لكونها مشروطة بالقدرة الشرعيّة مبنيّ على قاعدة أنّه إذا دار الأمر بين المتزاحمين وكان أحدهما مقدور بالقدرة العقليّة والثاني بالقدرة الشرعيّة، فالأوّل يقدّم على الثاني.
والوجه فيه: هو أنّ مفاد تقييد التكليف بالقدرة الشرعيّة هو أنّ فعليّته مقيّدة بأن لا يزاحمه تكليف آخر مضادّ له، وحيث إنّ التكليف الثاني غير مقيّد بهذا القيد ففي مقام المزاحمة مع الأوّل يقدّم.
ولكن هذا التفسير للقدرة الشرعيّة لم يرتضه بعض أساتذتنا i، بل قال ما مفاده: إنّ القدرة إذا أخذت في لسان الدليل في موضوع الحكم ليس المفهوم العرفيّ منها هو أنّه كلّما زاحم هذا الحكم حكماً آخر لا يكون مطلوباً، ففي كلّ مورد زاحمه تكليف ما يقال إنّ هذا غير مقدور، فيقدّم الآخر، ليس هذا هو المفهوم عرفاً من هذا القيد، بل المفهوم عرفاً منه أنّه كلّما صدق في حقّه عرفاً أنّه غير قادر عليه لا يكون واجباً، كما إذا لزم منه العسر والحرج الشديد، فإنّه حينئذٍ لا يكون مقدوراً في نظر العرف، فلا يكون واجباً شرعاً.
نعم، مجيء قيد القدرة في لسان الدليل يكشف عن أنّ هذا الحكم لا ملاك فيه مع لزوم الحرج الشديد منه.
وعلى هذا التفسير الثاني للقدرة الشرعيّة لا يكون المقدور بالقدرة العقليّة مقدّماً على المقدور بالقدرة الشرعيّة دائماً في مورد المزاحمة، بل إذا صدق في نظر العرف بسبب هذه المزاحمة أنّه غير مقدور عليه حينئذٍ يتقدّم الحكم المزاحم عليه.
وعلى هذا، هل يحكم العرف في مورد البحث ـ على فرض أنّ الطهارة المائيّة مقيّدة بالقدرة الشرعيّة ـ أنّ المكلّف غير قادر على الوضوء؟
يمكن أن يقال: إنّه غير واضح إلّا بناءً على ارتكاز أهمّيّة الوقت في نظر الشارع عندهم من الطهارة المائيّة، وهو أوّل الكلام، وعلى تقدير ثبوت هذا الارتكاز لا ينفع في هذا الوجه؛ لأنّه حينئذٍ يكون هو بنفسه وجهاً لتقديم الصلاة مع التيمّم في الوقت بلا حاجة إلى إثبات أنّ الطهارة مقيّدة بالقدرة الشرعيّة.
الوجه العاشر: أنّ الضيق لو لم يكن مسوّغاً للتيمّم للزم وجوب السعي لطلب الماء مع عدم وجوده حتّى لو علم خروج الوقت به، ولمّا لم يلتزموا بذلك إذا ضاق الوقت عن الطلب فلا فرق حينئذٍ بين الضيق عن التحصيل وبين الضيق عن الاستعمال.
استدلّ بهذا الوجه غير واحد من الأعلام، منهم المحقّق الأردبيليّ في مجمع الفائدة وصاحب الحدائق T(١٢٢).
وردّ السيّد الحكيم S في المستمسك هذا الاستدلال بأنّ مستند الحكم إن كان هو الإجماع فهو غير موجود في المقام، وإن كان هو صحيح زرارة فالتعدّي عن موردها يحتاج إلى لطف قريحة(١٢٣).
وصحيحة زرارة التي أشار إليها السيّد الحكيم هي ما رواه الكلينيّ عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أحدهما ª، قال: (إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم وليصلّ في آخر الوقت، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه، وليتوضّأ لما يستقبل)(١٢٤).
ويمكن أن يقال تأييداً لكلام المستمسك: إنّ هناك فرقاً بين الموردين يمكن أن يكون هو فارقاً في الحكم، وهو صدق عدم الوجدان عرفاً الذي هو موضوع آية التيمّم في ذاك المورد المقيس عليه، وعدم صدقه في محلّ البحث، ولذا التزم المحقّق في المورد عدم الجواز وهناك بالجواز(١٢٥)، فوجود النصّ الدالّ على مشروعيّة التيمّم هناك مثل صحيحة زرارة لا يكفي في إثبات مشروعيّة التيمّم هاهنا.
وقرّب الشيخ التبريزيّ S هذا الوجه بتقريب آخر، حيث قال: (إنّ هذه الصحيحة وأمثالها دلّت على أنّه مع عدم التمكّن من الوضوء أو الغسل للصلاة في وقتها تنتقل الوظيفة إلى التيمّم، والتمكّن من صرفه في الوضوء أو الاغتسال لا لصلاته في وقتها لا أثر له، ولا يمنع عن انتقال الوظيفة إلى التيمّم)(١٢٦).
ومحصّل كلامه أنّ مورد النصّ وما نحن فيه يشتركان في عدم التمكّن من الوضوء للصلاة في وقتها، فإذا صحّ التيمّم في مورد النصّ صحّ في موردنا، والفرق الموجود بين الموردين ـ وهو وجود الماء والتمكّن منه في مقامنا وعدم وجوده هناك ـ لا يصلح للتفريق في الحكم؛ لأنّ الوضوء للصلاة خارج الوقت ليس له أيّ أثر.
ويمكن أن يقال: إنّ هذا الكلام تامّ لو استظهرنا من هذا النصّ الإطلاق، وهو أنّه كلّما لم يتمكّن المكلّف من الوضوء للصلاة في وقتها مهما كان سببه يتيمّم ويصلّي، فإذا كان كذلك يتمّ الكلام.
ولكنّ الكلام كلّ الكلام في هذا الإطلاق فإنّه لا مانع من أن تكون مشروعيّة التيمّم مختصّة بعدم التمكّن من الوضوء الناشئ من عدم وجدان الماء وهو مورد النصّ، ولم يأت بلفظ عامّ يشمل غير مورده، فعلى هذا كيف نحرز الإطلاق؟!
والتفريق في الحكم بين الموردين ليس أثراً للتمكّن من الوضوء بعد الوقت كما هو تصوّره واستبعده، بل هو أثر لوجود الماء في مورد البحث من جهة أنّه يمنع من تحقّق موضوع التيمّم.
ولكنّه يمكن أن يقال: إنّ ظهور الرواية في أهمّيّة الوقت على الطهارة المائيّة مطلقاً ممّا لا ينبغي أن ينكر، ويمكن أن يقرّب بما يلي:
إنّ الإمام g كرّر في كلامه ذكر الوقت ثلاث مرّات:
الأولى: لمّا أمر بطلب الماء وقيّده بوجود سعة في الوقت للطلب، وإلّا لا يجب، وإطلاق الكلام شامل لما إذا كان يعلم بالحصول على الماء لو طلب، فيكون مفاد هذه الفقرة هو أنّه إن كان في الوقت سعة اطلب الماء، وإن لم تكن فيه سعة لا تطلبه وإن علمت بحصول الماء لو طلبت.
الثانية: لمّا جعل الخوف من عدم كفاية الوقت للطلب موضوعاً للتيمّم، فقال: إذا خاف الوقت فليتيمّم، وهذا أيضاً بإطلاقه شامل لما إذا علم بإيجاد الماء إذا طلبه.
الثالثة: لمّا أمر بأن يصلّي مع التيمّم في هذه الحالة في آخر الوقت ليدلّ على أنّ الطهارة المائيّة لأهمّيّتها مطلوبة للشارع إلى آخر لحظة من إمكان الصلاة في الوقت، أمّا إذا زاحمت الوقت فيقدّم الوقت ولو كان متمكّناً من تحصيل الماء بالطلب خارج الوقت.
فيقال: إنّ العرف يفهم من تركيز الإمام g على الوقت بهذه الكيفيّة والطريق: أنّ تشريع التيمّم في مورد النصّ ليس لخصوصيّته، بل إنّما لأهمّيّة الوقت عند الشارع، فيمكن تعميم الحكم من مورد النصّ لمورد البحث بتنقيح مناط مشروعيّة التيمّم، فليتأمّل.
إلى هنا انتهى الكلام في الوجوه التي استدلّ بها على القول الأوّل ـ وهو أنّ ضيق الوقت من مسوّغات التيمم ـ وقد ذكرنا وجه التأمّل في أكثرها وإن تمّ البعض منها(١٢٧).
٢ ـ مدرك القول الثاني.
وهو عدّة وجوه:
الوجه الأوّل: أنّ موضوع التيمّم هو عدم كون المصلّي واجداً للماء، وما نحن فيه واجد له.
استدلّ به المحقّق في المعتبر(١٢٨).
وأجاب القائلون بالجواز: بأنّ المراد من عدم الوجدان هو عدم التمكّن من الطهارة المائيّة بلا لزوم محذور عقليّ أو شرعيّ، وفي المقام يوجد محذور شرعيّ، وتقدّم ذكر هذه الدعوى في وجوه الاستدلال على القول الأوّل(١٢٩)، وما قيل فيها فلا نعيد.
والأولى أن يقال: إنّه إذا سلّمنا أنّ المراد من عدم الوجدان هو عدم الوجدان في الخارج، فتكون الآية بمفهومها دالّة على عدم جواز التيمّم مع وجود الماء، ولكن هذا المفهوم قابل للتقييد، فإذا وجد الدليل على مشروعيّة التيمّم في المورد يكون مقيّداً لهذا المفهوم، كما ثبت تقييده في موارد أخرى، وقد تقدّم بيان تماميّة بعض الوجوه المثبتة لمشروعيّة التيمّم في مورد البحث، فلا وجه للتمسّك بالآية للمنع بعده.
الوجه الثاني: يمكن أن يدّعى أنّ أدلّة مشروعيّة التيمّم بدل الوضوء منصرفة عمّا إذا كان العذر قد نشأ عن تأخير عمديّ في الطهارة حتّى ضاق الوقت؛ لأنّه كان مكلّفاً بالوضوء، وصيّره ممتنعاً في حقّه باختياره، وهذا وإن أوجب ارتفاع التكليف به، ولكن بالعصيان، فنشكّ في تحوّل تكليفه إلى البدل الاضطراريّ، فإنّه لا يبعد دعوى انصراف الأدلّة عن هذا المورد.
ذكر هذا الوجه المحقّق الهمدانيّ S في مصباح الفقيه(١٣٠).
وهذا الوجه ـ كما هو ظاهر ـ يختصّ بصورة تفريط المكلّف في تأخير الصلاة إلى أن ضاق الوقت عنها مع الطهارة المائيّة.
وفيه: أنّه يمكن أن يقال: إنّ الكلام كلّ الكلام في ثبوت عامّ يدلّ على أنّ كلّ من عجز عن الصلاة مع الطهارة المائيّة في الوقت يتيمّم أو نحوه، كما يأتي في الوجه اللاحق، وأمّا انصرافه بعد فرض وجوده فدعواه غير مقبولة، كما لو قال الإمام g: كلّما عجز المكلّف عن الصلاة مع الوضوء في الوقت فيجب عليه أن يتيمّم ويصلّي، فلا يصحّ أن يدّعى انصراف هذا الكلام عمّن نشأ عجزه عن ذلك عن اختيار، ولذا لمّا فسّر السيّد الحكيم S وجدان الماء بوجود الماء مع عدم لزوم محذور في استعماله لم يفرّق بين الضيق الحاصل عن عمدٍ وغيره.
وأيضاً أنّ دعوى الانصراف إذا كان لها وجه فهو في بعض الوجوه المتقدّمة المستدلّ بها في المقام كالوجه الثالث والرابع لا في بعضها الأخرى، كالوجه الثامن، كما لا يخفى.
الوجه الثالث: قال السيّد الحكيم في المصباح: (الأولى في وجه عدم المشروعيّة هو الإشكال في عموم مشروعيّة التيمّم لضيق الوقت عن استعمال الماء مع القدرة عليه)(١٣١).
وهذا الإشكال هو ظاهر غير واحد من الأعلام(١٣٢)، فيبقى إطلاق أدلّة الطهارة المائيّة بلا تقييد يقتضي الصلاة بالوضوء ولو بعد الوقت.
أقول: هذا الكلام مبنيّ على عدم تماميّة وجه من الوجوه التي استدلّ بها على مشروعيّة التيمّم في المورد، ولكن تقدّم أنّ بعضها تامّ(١٣٣).
الوجه الرابع: أنّ هذا المسوّغ ليس بنحو يفهم من النصوص والأدلّة بلا تكلّف ولا تعمّل، وحيث كان يشيع الابتلاء به جدّاً فلو كان ثابتاً لكان المناسب التعرّض له سؤالاً وجواباً من المتشرّعة والأئمّة i، ولكثُرتْ النصوص فيه، بل ينبغي كثرة النصوص الواردة في فروعه الابتلائيّة، مع أنّه ليس لذلك عين ولا أثر، ويزيد ذلك ظهوراً بملاحظة إهمال قدماء الأصحاب التعرّض لذلك حيث لم يعرف تحرير هذه المسألة قبل المحقّق في المعتبر، كلّ هذا يشرف الإنسان على القطع بعدم ثبوته.
هذا الوجه للاستدلال تبنّاه السيّد الحكيم S في مصباح المنهاج، بل عمدة ما اعتمد عليه(١٣٤).
ويمكن أن يقال: إنّه لا يمكن أن يدّعى أن عدم تمثّل هذا المورد في السؤال والجواب يكشف عن أنّ ضيق الوقت ليس من المسوّغات؛ لأنّ هذا يصحّ إذا كان سبب عدم السؤال عنه وعدم تنبيه الإمام عليه منحصراً في كون هذا الأمر واضحاً حسب ارتكاز المتشرّعة بحدّ لا يرون ضرورة السؤال عنه، ولا يرى الإمام الحاجة إلى التنبيه عليه، ولكنّه ليس كذلك؛ لأنّه من الممكن أن يكون عدم السؤال والجواب عن المورد أو عدم تنبيه الأئمّة i عليه كان بسبب وضوح الأمر عند المتشرّعة وأنّ المرتكز عندهم أنّ إدراك الوقت مهمّ جدّاً عند الشارع؛ لأنّه يتنازل عن جميع شرائط الواجب حتّى يتمكّن المكلّف من إدراك الصلاة في الوقت، فلو كان شرط الطهارة مخالفاً للشرائط الأخرى في ذلك لأهمّيّتها من الوقت مثلاً، وبالتالي كان تأخير الصلاة عن الوقت واجباً لإدراك الطهارة لكان من الضروريّ أن ينبّه عليه الإمام g؛ لأنّ المرتكز عندهم خلافه.
وبتعبير آخر: هل كان المتشرّعة يحكمون في وجوب القضاء مع الوضوء لو دار الأمر بينه وبين الأداء مع التيمّم بسبب وجود ماء على بعد مسافة خمس دقائق أو وجوب القضاء مع الغسل؛ لعدم كفاية الوقت له مع الصلاة مع وجود الماء عنده، والحال أنّه قادر على أداء الصلاة بالتيمّم مثلاً؟ أفكانوا يحكمون بذلك بلا أيّ شكّ وتردّد يوجب التأكّد منه بالسؤال من الإمام g؟ وهل كانوا يرون بطلان الصوم فيما إذا تعمّد الجنابة مع عدم سعة الوقت للغسل بلا إمكان تصحيحه بالتيمّم بكلّ وضوح تامّ بحيث لم يبق عندهم شكّ يستوجب الاستفسار من الإمام g في هذا الشأن؟
يمكن أن يقال: دعوى وجود هكذا ارتكاز ليس بواضح جدّاً، بل يمكن أن يُدعى عكسه.
ولذا قال صاحب الجواهر S ما محصّله: إنّه يمكن أن يدّعى أنّ عدم التعرّض سؤالاً وجواباً لهذا المورد كان لوضوح وجوب الصلاة مع التيمّم بعد ورود الأمر بالتيمّم في حالات مشابهة لهذه الحالة، من جهة وجود الأمر، ومن جهة وجود المانع عن استعماله، وبعد معرفة أنّ الصلاة لا تترك بحال، وأنّ أصل مشروعيّة التيمّم لحفظ الصلاة في وقتها، وسقوط السعي أو إكماله في طلب الماء عند الضيق فبالنظر إلى كلّ هذه الأمور لعلّ الارتكاز أوجب عندهم بأنّ وجوب التيمّم عند الضيق ممّا لا ينبغي الشكّ فيه، فيقال لو لم يكن الضيق من المسوّغات لكثر السؤال والجواب عنه.
والحقيقة أنّ عدم تمثّل هذا المورد في الروايات أصلاً لا يخلو من غرابة؛ لأنّ كون مشروعيّة التيمّم عندهم مركوزة بهذا المقدار من الوضوح بحيث يغنيهم عن السؤال ليس بواضح جدّاً.
ويبدو أنّ وجهه هو الإهمال والغفلة عن هذا المورد؛ لعدم كثرة الابتلاء به، فإنّ الوضوء مع وجود الماء في جنب المكلّف عادة لا يحتاج إلى وقت أكثر من التيمّم بمقدار يعتدّ به بحيث يؤدّي الوضوء إلى فوات الصلاة دون التيمّم وإن أمكن وقوع هذا في حالات نادرة.
نعم، يمكن أن يقال بالابتلاء به في مورد الغسل.
ولكنّ الابتلاء بالغسل وإن كان كثيراً في حدّ نفسه ولكنّه بالنسبة إلى الوضوء قليل.
ثمّ فرض الدوران بينه وقضاء الصلاة وبين التيمّم وأدائها في آخر وقت الصلاة ليس بكثير، فليتأمّل.
الوجه الخامس: الاستدلال ببعض الروايات.
ادّعى السيّد الحكيم S في مصباح المنهاج إشعار طائفتين من النصوص أو دلالتها على عدم مسوّغيّة الضيق للتيمّم، وإحدى الطائفتين منهما ذكرها في كتاب الطهارة، وهي عدّة روايات:
منها: صحيح عبيد بن زرارة رواها الكلينيّ عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله g، قال: قال: (أيّما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة، ففرّطت فيها حتّى يدخل وقت صلاة أخرى، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها، وإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت صلاة ودخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء، وتصلّي الصلاة التي دخل وقتها)(١٣٥).
والظاهر أنّ سند الرواية معلّق على سابقتها التي رواها الكلينيّ، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، ثمّ قال السيّد الحكيم: (وقريب منه موثّق محمّد ابن مسلم).
والظاهر أنّه أراد موثّقته المرويّة في التهذيب، وقد رواها الشيخ بإسناده عن عليّ ابن الحسن بن فضّال، عن عليّ بن أسباط، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما ª، قال: قلت: المرأة ترى الطهر عند الظهر، فتشتغل في شأنها حتّى يدخل وقت العصر، قال: (تصلّي العصر وحدها، فإن ضيّعت فعليها صلاتان)(١٣٦).
ومنها: موثّق الحلبيّ، رواه الشيخ، عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الله الحلبيّ(١٣٧)، عن أبي عبد الله g في المرأة تقوم في وقت الصلاة، فلا تقضي طهرها حتّى تفوتها الصلاة، ويخرج الوقت أتقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال: (إن كانت توانت قضتها وإن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي)(١٣٨).
ثمّ قرّب دلالتها على المطلوب قائلاً: (حيث لم يشر فيها إلى وجوب التيمّم لو لم يسع الوقت الغسل مع التعرّض فيها لفرض ضيق الوقت، ومن هنا يشكل البناء على مشروعيّة التيمّم لضيق الوقت)(١٣٩).
وفيه: أنّ القائلين بمشروعيّة التيمّم عند ضيق الوقت بعضهم ادّعى أنّ هذه الروايات أجنبيّة عن بيان أداء الصلاة مع الغسل أو التيمّم عند الضيق، بل هي وردت في بيان وجوب القضاء وعدمه، وأنّه متى يجب القضاء على الحائض إذا طهرت منه في آخر الوقت؟ ومتى لا يجب؟ فلا يمكن التمسّك بإطلاقها لإثبات عدم مشروعيّة التيمّم عند الضيق؛ لأنّ الإمام g ليس في مقام البيان من جهة وجوب الأداء أصلاً(١٤٠).
وبعض آخر ادّعى أنّ مفادها أنّ المرأة الحائض إذا نقت من دمها في آخر الوقت، فإن كان الوقت كافياً للغسل والصلاة في الوقت وجبت الصلاة، وإلّا لا تجب وإن كان الوقت كافياً للتيمّم والصلاة(١٤١).
وعلى هذا فعدم تنبيه الإمام g على وجوب إدراك الصلاة مع التيمّم لا يكون كاشفاً عن أنّ الضيق ليس من مسوّغات التيمّم، بل سكوته عنه لأنّ الصلاة لم تكن واجبة عليها حينئذٍ، ولذا الإمام g نفى وجوب القضاء عنها في هذا الحال.
ولأجل استفادة هذا المعنى من الروايات التزم السيّد الحكيم بأنّ الصلاة لا تجب مع التيمّم عند ضيق الوقت عن الغسل حتّى على المرأة التي وظيفتها التيمّم مع قطع النظر عن الضيق، وكذلك لا يجب عليها الصلاة إذا كان الوقت لا يسع إلّا للغسل وبعض الصلاة، فهو استفاد من هذه الروايات أنّ الأبدال الاضطراريّة تشرع في ظرف مشروعيّة المبدل منه الاختياريّ لولا العذر، وحيث إنّ المبدل منه غير مشروع في حقّ هذه المرأة لفرض وجود حيضها إلى أن ضاق الوقت فلا يشرع البدل أيضاً وهو التيمّم(١٤٢).
وعلى هذا الفهم أيضاً الروايات لا تثبت مرام من يدّعي عدم مشروعيّة التيمّم للضيق؛ لأنّها أجنبيّة عن المقام.
والطائفة الأخرى التي ادّعى إشعارها، بل دلالتها على عدم مشروعيّة التيمّم عند الضيق هي التي ذكرها في كتاب الصوم من مصباح المنهاج(١٤٣).
وهي صحيح محمّد بن مسلم التي رواها الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن العلا، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما ª، قال: سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان، ثمّ ينام قبل أن يغتسل، قال: (يتمّ صومه، ويقضي ذلك اليوم، إلّا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر، فإن انتظر ماءً يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه)(١٤٤).
وخبر إسماعيل بن عيسى الذي رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن سعد بن إسماعيل، عن أبيه، عن إسماعيل بن عيسى، قال: سألت الرضا g عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام حتّى يصبح أيّ شيء عليه؟ قال: (لا يضرّه هذا، ولا يفطر)(١٤٥).
قال: (إنّ عدم التنبيه فيهما على التيمّم مع ظهور غفلة المكلّف عنه مشعر أو ظاهر في عدم مشروعيّته هنا لضيق الوقت)(١٤٦).
ووصفه للأخير بـ(الخبر) من جهة سعد بن إسماعيل وأبيه؛ فإنّهما مهملان، والظاهر أنّ كلمة (عن) بعد أبيه زائدة، والصحيح: سعد بن إسماعيل، عن أبيه إسماعيل بن عيسى، والشاهد عليه ــ مضافاً إلى تكرار هذا الطريق على هذا النحو المشار إليه، وعدم وجود غيره في الأخبار ــ هو أنّ الشيخ أعاد ذكر هذه الرواية بعد ثلاث صفحات من هذا الموضع عن سعد بن إسماعيل عن أبيه عن الرضا g (١٤٧).
وبعد ذكر هذه الروايات تعرّض لإشكال صاحب الجواهر على الاستدلال بها وأجاب عنه.
قال صاحب الجواهر: (وعدم الأمر بالتيمّم هنا في صحيح محمّد بن مسلم وخبر ابن عيسى لابتناء السؤال ظاهراً على تخيّل سعة الوقت لا أقلّ من احتمال ذلك فيهما، فيبطل الاستدلال، كما أنّه يبقى عموم المنزلة سالماً)(١٤٨).
وأجاب عنه السيّد قائلاً: (وما في الجواهر من ظهور أو احتمال ابتناء السؤال على تخيّل سعة الوقت لو تمّ لا ينافي حسن التنبيه للتيمّم في أمثال المقام ممّا كان المكلّف فيه معرّضاً لضيق الوقت)(١٤٩).
أقول: إنّه لو فرض أنّ السؤال كان عن صورة بناء المكلّف على سعة الوقت لم يكن الإمام g ملزماً بالتنبيه على مشروعيّة التيمّم لو كان مشروعاً في نفسه؛ لأنّ الأئمّة i كثيراً ما كانوا يكتفون بالإجابة عمّا سئلوا عنه بدون أن يتعرّضوا لجهات أخرى متعلّقة بمورد السؤال، وعلى هذا الاحتمال الذي ذكره صاحب الجواهر يُمنع من الاستدلال بهذه الروايات على القول الثاني.
٣ ـ مدرك القول الثالث.
وهو التفصيل بين حالة تفريط المكلّف وبين عدمه.
لم يذكر العلّامة الذي اختار هذا القول في التذكرة مدرك هذه الفتوى، ولكن جاء في كلمات غير واحد من الأعلام ما يصلح أن يكون مدركاً لهذا القول، وهو أنّ أدلّة التيمّم منصرفة عن مورد تعمّد المكلّف فيه في تأخير الصلاة حتّى ضاق الوقت عنه، وقد تقدّم بيان هذا الوجه عن المحقّق الهمدانيّ في الوجه الثاني من وجوه القول الثاني(١٥٠)، وعن السيّد الخوئيّ في الوجه السادس من وجوه القول الأوّل(١٥١)، وبيّنا عدم صلاحيّة هذا الوجه للقول بالتفصيل المذكور، وما يشهد على هذا هو عدم اختيار هؤلاء الأعلام هذا التفصيل.
٤ ـ مدرك القول الرابع.
قد ذكر له وجهان:
الوجه الأوّل: ما ذكره المحقّق الكركيّ القائل بالتفصيل بين وجود الماء في القرب منه وبين وجوده على بعد منه بقوله: (والذي يقتضيه النظر استعمال الماء لانتفاء شرط التيمّم، وهو عدم الوجدان، ولم يثبت أنّ فوات الأداء سبب لمنع استعمال الماء. نعم، لو كان الماء بعيداً عنه بحيث لو سعى إليه لخرج الوقت، فتيمّم وصلّى مع الضيق، فلا إعادة عليه؛ لعدم صدق الوجدان حينئذٍ)(١٥٢).
وناقش هذا الوجه الشهيد الثاني بقوله: (وأنت خبير بأنّ المراد بوجدان الماء في باب التيمّم وفي الآية فعلاً أو قوّة، ولهذا يجب على الفاقد الطلب والشراء؛ لصدق الوجدان، ولو كان المراد بالوجدان بالفعل لم يجب عليه ذلك؛ لأنّه تعالى شَرَط في جواز التيمّم عدم الوجدان، فلا يتمّ حينئذٍ ما ذكره من الفرق؛ لصدق الوجدان في الصورتين بالمعنى المعتبر شرعاً، فلا بدّ من الحكم باتّفاقهما إمّا بالتيمّم، كما ذكره المصنّف [أي العلّامة] أو بالطهارة المائيّة كما ذكره المحقّق)(١٥٣).
ويمكن أن يضاف إلى هذا الإشكال إشكال آخر، وهو أنّ دليل مشروعيّة التيمّم لا ينحصر في ما موضوعه عدم وجدان الماء ـ مثل الآية ـ حتّى يقال بهذا التفصيل بالنظر إليه، بل هناك أدلّة أخرى يتمسّك بها في المقام، وقد تقدّم أنّ بعضها يثبت المطلوب.
الوجه الثاني: ذكره المحقّق النراقيّ ـ بعد عدم ارتضائه الوجه السابق الذي اعتمد عليه المحقّق الكركيّ ـ قائلاً: (وهو [أي القول الرابع] الحقّ لا لما ذكره [أي المحقّق الكركيّ] لما أورده عليه في روض الجنان من أنّ المراد بوجدان الماء في باب التيمّم فعلاً أو قوّة، فلا يتمّ الفرق؛ لصدق الوجدان في الصورتين، بل لقوله g في مرسل العامريّ السابق: ولم ينته إلى الماء .. إلى آخره، فإنّه يشمل من علم وجود الماء ولم يمكنه الوصول إليه إلّا بفوات الوقت)(١٥٤).
فهو استدلّ بمرسلة العامريّ التي نقلها الشيخ قائلاً: (وبهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد، عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن الحسين العامريّ مولى مسعود ابن موسى، قال: حدّثني من سأله عن رجل أجنب، فلم يقدر على الماء، وحضرت الصلاة فتيمّم بالصعيد، ثمّ مرّ بالماء ولم يغتسل وانتظر ماءً آخر وراء ذلك، فدخل وقت الصلاة الأخرى ولم ينته إلى الماء وخاف فوت الصلاة، قال: يتيمّم ويصلّي، فإنّ تيمّمه الأوّل انتقض حين مرّ بالماء ولم يغتسل)(١٥٥).
ومقصود الشيخ من قوله: (بهذا الإسناد) هو الإشارة إلى سند الرواية السابقة وهو هكذا: (أخبرني الشيخ أيّده الله تعالى، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد .. إلى آخر السند.
وعلى هذا يكون سند الرواية يبدأ من الشيخ عن الشيخ المفيد، عن شيخه أحمد ابن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين ابن سعيد، عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن الحسين العامريّ، عن رجل.
والمراد من ابن سنان في السند المذكور هو محمّد بن سنان بقرينة الراوي والمرويّ عنه، كما لا يخفى.
وهي من حيث السند ضعيفة، مضافاً إلى إرسالها من العامريّ، فإنّه مجهول الحال، ومحمّد بن سنان، فإنّه ضعيف.
وأمّا من حيث الدلالة فأراد المحقّق النراقيّ أن يتمسّك بإطلاق قول الراوي: (ولم ينتهِ إلى الماء وخاف فوت الصلاة)، فإنّ هذا الكلام بإطلاقه يشمل ما إذا كان يعلم بوجود الماء في مكان بحيث لو انتهى إليه وجده ولكنّه يخاف فوت الصلاة حينئذٍ، والإمام g أمر بالتيمّم بدون استثناء صورة العلم بوجود الماء.
وعلى هذا تدلّ الرواية على أنّه إذا وجد الماء بعيداً عن المكلّف بمقدار بحيث يكون الوصول إليه والتطهير به موجباً لفوت الصلاة تنقلب وظيفته إلى التيمّم، وحيث لا تشمل الرواية صورة وجود الماء عند المكلّف مع ضيق الوقت عن التطهير ـ كما هو واضح ـ فلا دليل على مشروعيّة التيمّم فيها.
وفي كلامه S مواقع للنظر:
أوّلاً: أنّ الرواية لا تصلح للاعتماد عليها في استنباط الحكم الشرعيّ؛ لضعفها السنديّ، كما تبيّن.
ثانياً: أنّه قد يشكّ في وجود الإطلاق المدّعى في الرواية، من جهة أنّ السائل والإمام g كلّ منهما ناظر إلى جهة معيّنة في السؤال والجواب، وهي وجوب إعادة التيمّم وعدمه في الحالة المذكورة في السؤال، وليسا في مقام بيانٍ من جهة أنّ تبدّل وظيفته بالتيمّم عند عدم التمكّن من إيجاد الماء للغسل قبل فوات الصلاة هل هذا فقط في صورة ما إذا لا يعلم بوجود الماء فيحتاج إلى بحث عنه، ولكنّه لا سعة في الوقت لذلك، أو يشمل صورة ما إذا علم بوجوده ولكنّه بعيد بحيث يكون الوصول إليه موجباً لفوات الصلاة؟
وشمول الكلام للصورة الثانية يحتاج إلى الإطلاق المتوقّف على أن يكون المتكلّم في مقام البيان من هذه الجهة، وهو ليس كذلك، والمتيقّن من كلامهما هو الصورة الأولى، فليتأمّل.
وثالثاً: أنّه إذا سلّمنا الإطلاق فيمكن أن يقال حينئذٍ إنّ المفهوم العرفيّ من كلام الإمام g هو أنّ مشروعيّة التيمّم في هذا المورد ليس لخصوصيّة أنّ الماء على بُعدٍ من المكلّف، بل لأجل ضيق الوقت عن تحصيل الطهارة به، وحينئذٍ لا يفرّق بين كون الماء بعيداً عن المكلّف أو قريباً منه في انقلاب الوظيفة إلى التيمّم إذا ضاق الوقت عن الطهارة به.
رابعاً: وعلى تسليم اختصاص الرواية بصورة وجود الماء بعيداً عن المكلّف وعدم شمولها لما إذا وجد قريباً منه نقول: إنّ الدليل على مشروعيّة التيمّم غير منحصر في هذه الرواية حتّى نقول بالتفصيل، بل وجد ما يثبت مشروعيّته في الموردين، كما تقدّم بيانه(١٥٦).
المقام الثالث
مقتضى الأصل العمليّ في المقام
يمكن أن يقال: إنّه مع الشكّ في الحكم يجري استصحاب بقاء وجوب الصلاة في الوقت.
ولكن فيه:
أوّلاً: أنّ الموضوع مختلف؛ لأنّ اليقين السابق كان مع سعة الوقت للطهارة المائيّة، والآن ضاق الوقت عنها، ولذا قالوا بعدم وجوب الصلاة في الوقت على فاقد الطهورين.
وثانياً: أنّ هذا في الحقيقة شكّ في تكليف زائد، وهو تكليف بالصلاة مع الطهارة الترابيّة، والمتيقّن كان مع الطهارة المائيّة، فهو مجرى البراءة.
وثالثاً: أنّه في بعض الأحيان لا يكون وجوب الصلاة متيقّناً في السابق، كما إذا قام من النوم في ضيق الوقت.
ولكنّ الصحيح أنّه مجرى الاشتغال؛ لعلمه بوجوب الصلاة إمّا أداءً مع التيمّم أو قضاءً مع الوضوء؛ لعدم احتمال سقوط الصلاة عنه، فعليه أن يحتاط بإتيان كليهما، كما ذكره المحقّق الهمدانيّ S في مصباح الفقيه(١٥٧).
والحاصل ممّا تقدّم أنّ في المسألة أقوالاً أربعة، والتامّ منها في النظر القاصر هو القول الأوّل المبنيّ على مسوّغيّة ضيق الوقت عن الطهارة المائيّة للتيمّم؛ لتماميّة الوجه الأخير من وجوهه العشرة، ولم يتمّ للقول الثاني أيّ من وجوهه الخمسة، وكذا الحال في القول الثالث والرابع.
ومع فرض عدم تماميّة أيّ وجه لأيّ قول كان مقتضى الأصل العمليّ الاشتغال المقتضي للاحتياط بالجمع بين الصلاة مع التيمّم والقضاء مع الطهارة المائيّة.
مصادر البحث
القرآن الكريم.
(١) يلاحظ: جواهر الكلام: ٥/ ٧٦.
(٢) يلاحظ: جواهر الكلام: ٥/ ٢٤١.
(٣) يلاحظ: العروة الوثقى: ١/ ٤٨٠.
(٤) يلاحظ: جواهر الكلام: ٥/ ٩١.
(٥) يلاحظ: موسوعة السيّد الخوئيّ (كتاب الصوم): ٢١/ ١٩٩.
(٦) الجامع للشرائع: ٤٦.
(٧) يلاحظ: مختلف الشيعة: ١/ ٤٤٦، قواعد الأحكام: ١/ ٢٣٦، منتهى المطلب: ٣/ ٣٨.
(٨) منتهى المطلب: ٣/ ٣٨.
(٩) يلاحظ: تذكرة الفقهاء: ٢/ ١٦٢.
(١٠) يلاحظ: المعتبر: ١/ ٣٦٦.
(١١) يلاحظ: الروضة البهيّة: ١/ ٤٤٥.
(١٢) يلاحظ: مجمع الفائدة والبرهان: ١/ ٢١٦.
(١٣) يلاحظ: ذخيرة المعاد: ١/ ٩٣.
(١٤) يلاحظ: الحدائق الناضرة: ٤/ ٢٥٩.
(١٥) يلاحظ: رياض المسائل: ٢/ ٣٠٩.
(١٦) يلاحظ: جواهر الكلام: ٥/ ٩١.
(١٧) يلاحظ: العروة الوثقى: ١/ ٤٨٠.
(١٨) يلاحظ: مصباح الفقيه: ٦/ ١٠٤.
(١٩) يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: ٤/ ٣٥٦.
(٢٠) يلاحظ: موسوعة السيّد الخوئيّ (كتاب الطهارة): ١٠/ ١٥٥، ١٦١.
(٢١) يلاحظ: دليل العروة الوثقى: ٧/ ٣٢٥.
(٢٢) يلاحظ: مسألة مسوّغات التيمّم في الرسائل العمليّة لكلّ واحد من هؤلاء الأعلام.
(٢٣) يلاحظ: مدارك الأحكام: ٢/ ١٨٥.
(٢٤) يلاحظ: المعتبر: ١/ ٣٦٦.
(٢٥) يلاحظ: جامع المقاصد: ١/ ٤٦٧.
(٢٦) يلاحظ: مدارك الأحكام: ٢/ ١٨٥.
(٢٧) يلاحظ: كشف اللثام: ٢/ ٤٣٦.
(٢٨) يلاحظ: جواهر الكلام: ٥/ ٩٢.
(٢٩) يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: ٤/ ٣٥٧.
(٣٠) يلاحظ: موسوعة السيّد الخوئيّ (كتاب الطهارة): ١٠/ ١٥٥.
(٣١) الهامش السابق.
(٣٢) يلاحظ: مصباح المنهاج: ٨/ ١١١.
(٣٣) المقنعة: ٥٨.
(٣٤) يلاحظ: جمل العلم والعمل: ٥٢.
(٣٥) يلاحظ: المبسوط: ١/ ٣٠، النهاية: ٤٥.
(٣٦) يلاحظ: الوسيلة: ٧٠.
(٣٧) يلاحظ: الغنية: ٦٤.
(٣٨) يلاحظ: السرائر: ١/ ١٣٥.
(٣٩) يلاحظ: إصباح الشيعة: ٤٨.
(٤٠) يلاحظ: الدروس الشرعيّة: ١/ ٣١.
(٤١) يلاحظ: شرائع الإسلام: ١/ ٣٩.
(٤٢) يلاحظ: المعتبر: ١/ ٣٦٦.
(٤٣) يلاحظ: مختلف الشيعة: ١/ ٤٤٦، تذكرة الفقهاء: ٢/ ١٦١.
(٤٤) يلاحظ: إرشاد الأذهان: ١/ ٢٣٣.
(٤٥) يلاحظ: منتهى المطلب: ٣/ ٣٨، قواعد الأحكام: ١/ ٢٣٦.
(٤٦) يلاحظ: مصباح المنهاج: ٨/ ١٠٧.
(٤٧) يلاحظ: غنية النزوع: ٦٤.
(٤٨) يلاحظ: الوسيلة: ٦٩.
(٤٩) يلاحظ: المؤتلف من المختلف: ١/ ٥٥.
(٥٠) مفتاح الكرامة: ٤/ ٣٤٤.
(٥١) المبسوط: ١/ ٣١.
(٥٢) النهاية: ٤٨.
(٥٣) المؤتلف من المختلف: ١/ ٥٥.
(٥٤) السرائر: ١/ ١٤٠.
(٥٥) الدروس الشرعيّة: ١/ ١٣١.
(٥٦) البيان: ٨٤.
(٥٧) يلاحظ: جامع المقاصد: ١/ ٤٦٧.
(٥٨) تذكرة الفقهاء: ٢/ ١٦٢.
(٥٩) يلاحظ: موسوعة السيّد الخوئيّ (كتاب الطهارة): ١٠/ ١٥٤.
(٦٠)يلاحظ: موسوعة السيّد الخوئيّ (كتاب الطهارة): ١٠/ ١٥٤ ـ ١٥٥.
(٦١) لم يتعرّض للمسألة في الشرائع، فهذا اشتباه من السيّد S حيث يظهر من نسبته إليه أنّه قال بهذا الكلام في الشرائع.
(٦٢) المعتبر: ١/ ٣٦٦.
(٦٣) كشف اللثام: ٢/ ٤٣٦، وما بالخطّ الغامق هو متن كتاب قواعد الأحكام للعلّامة الحلّيّ.
(٦٤) مدارك الأحكام: ٢/ ١٨٦، وما بين المعقوفين إضافة منّا للإيضاح.
(٦٥) يلاحظ: جواهر الكلام: ٥/ ٩٢، مستمسك العروة الوثقى: ٤/ ٣٥٦.
(٦٦) جامع المقاصد: ١/ ٤٦٧.
(٦٧) مستند الشيعة: ٣/ ٣٦٦.
(٦٨) روض الجنان: ١/ ٣٤٥.
(٦٩) حكى ذلك عنهم العلّامة في منتهى المطلب: ٣/ ٣٨.
(٧٠) يلاحظ: المعتبر: ١/ ٤٠٤.
(٧١) المبسوط (للسرخسيّ): ١/ ١١٥.
(٧٢) يلاحظ: بدائع الصنائع: ١/ ٤٩ ـ ٥١.
(٧٣) الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع: ١/ ٧٨.
(٧٤) فتح العزيز: ٢/ ١٢.
(٧٥) يلاحظ: منتهى المطلب: ٣/ ٣٩، مجمع الفائدة والبرهان: ١/ ٢١٦، ذخيرة المعاد: ١/ ٩٣.
(٧٦) يلاحظ: مصباح المنهاج: ٨/ ١٠٥.
(٧٧) يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: ٤/ ٣٥٦.
(٧٨) يلاحظ: موسوعة السيّد الخوئيّ (كتاب الطهارة): ١٠/ ١٥٦.
(٧٩) الكافي: ٣/ ٩٩،باب النفساء، ح٤.
(٨٠) مصباح المنهاج: ٨/ ٧٧ بتصرّف.
(٨١) مصباح المنهاج: ٨/ ٧٧ ـ ٧٨.
(٨٢) مصباح المنهاج: ٨/ ٧٧.
(٨٣) هو ناظر إلى صورة تفريط المكلّف في تأخير الصلاة.
(٨٤) مصباح الفقيه: ٦/ ١٠٣.
(٨٥) تهذيب الأحكام: ١/ ٢٠٠، ح٥٨١.
(٨٦) منتهى المطلب: ٣/ ٣٩.
(٨٧) يلاحظ: جواهر الكلام: ٥/ ٩١.
(٨٨) تهذيب الأحكام: ١/ ٤٠٤، ح١٢٦٤.
(٨٩) يلاحظ: رجال النجاشيّ: ٤٥٠ الرقم: ١٢١٥.
(٩٠) منتهى المطلب: ٣/ ٣٩.
(٩١) تهذيب الأحكام: ١/ ١٩٧، ح١٧٥.
(٩٢) تنقيح مباني العروة الوثقى(كتاب الطهارة): ٧/ ٥٣٦.
(٩٣) يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئيّ (كتاب الصوم): ٢/ ٢١٧.
(٩٤) يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: ٤/ ٣٥٧.
(٩٥) تهذيب الأحكام: ١/ ١٨٥، ح٥٣٥.
(٩٦) اختيار معرفة الرجال: ٢/ ٦٥٩، ح٦٧٦.
(٩٧) تهذيب الأحكام: ١/ ٤٠٥، ح١٢٧٤.
(٩٨) يلاحظ: مصباح المنهاج: ٨/ ٨٧.
(٩٩) النساء: ٤٣، المائدة: ٦.
(١٠٠) يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: ٤/ ٣٥٦.
(١٠١) مصباح المنهاج: ٨/ ٨٦.
(١٠٢) يلاحظ: دليل العروة الوثقى: ٧/ ٢٣٦.
(١٠٣) مصباح المنهاج: ٨/ ١٠٦.
(١٠٤) موسوعة السيّد الخوئيّ (كتاب الطهارة): ١٠/ ١٥٥.
(١٠٥) يلاحظ: مصباح المنهاج: ٨/ ١٠٦.
(١٠٦) يلاحظ: مصباح المنهاج: ٨/ ٨٨.
(١٠٧) موسوعة السيّد الخوئيّ (كتاب الطهارة): ١٠/ ١٦٠.
(١٠٨) يلاحظ ص ٣٤ وما بعدها.
(١٠٩) يلاحظ: دليل العروة الوثقى: ٧/ ٢٣٩.
(١١٠) يلاحظ: مصباح الفقيه: ٦/ ١٠٦.
(١١١) يلاحظ: الحدائق الناضرة: ٤/ ٢٥٩، جواهر الكلام: ٥/ ٢٩١.
(١١٢) يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: ٤/ ٣٥٨.
(١١٣) موسوعة السيّد الخوئيّ (كتاب الطهارة): ١٠/ ١٥٢.
(١١٤) ظاهر كلامه S أنّه يقبل مشروعيّة التيمّم لإدراك الوقت.
(١١٥) مصباح المنهاج: ٨/ ١٠٦.
(١١٦) يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: ٤/ ٣٨٥.
(١١٧) يلاحظ: دليل العروة الوثقى: ٧/ ٣٢٦.
(١١٨) يلاحظ: دليل العروة الوثقى: ٧/ ٣٢٦ وما بعدها.
(١١٩) يلاحظ: مصباح المنهاج: ٨/ ٦١٠.
(١٢٠) هذا إشارة إلى صحيحة زرارة التي سنذكرها في الوجه اللاحق.
(١٢١) يلاحظ: دليل العروة الوثقى: ٧/ ٢٤٠.
(١٢٢) يلاحظ: مجمع الفائدة والبرهان: ١/ ٢١٦، الحدائق الناضرة: ٤/ ٢٥٩.
(١٢٣) يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: ٤/ ٣٥٧.
(١٢٤) الكافي: ٣/ ٦٣، باب الوقت الذي يوجب التيمّم..، ح٢.
(١٢٥) يلاحظ: المعتبر: ١/ ٣٦٦، ٣٩٣.
(١٢٦) التنقيح في شرح العروة الوثقى (كتاب الطهارة): ٧/ ٥٣٦.
(١٢٧) وهو الوجه الأخير منها.
(١٢٨) يلاحظ: المعتبر: ١/ ٣٦٦.
(١٢٩) يلاحظ الوجه الخامس من وجه القول الأوّل، ص ٤٣ وما بعدها.
(١٣٠) يلاحظ: مصباح الفقيه: ٦/ ١٠٢.
(١٣١) مصباح المنهاج (كتاب الصوم): ٨٩.
(١٣٢) يلاحظ: مدارك الأحكام: ٢/ ١٨٥، كشف اللثام: ٢/ ٤٣٦.
(١٣٣) وهو الوجه الأخير منها، يلاحظ: ص ٦٣ ــ ٦٤.
(١٣٤) يلاحظ: مصباح المنهاج: ٨/ ١٠٧.
(١٣٥) الكافي: ٣/ ١٠٣، باب المرأة تحيض بعد دخول الوقت..، ح٤.
(١٣٦) تهذيب الأحكام: ١/ ٣٨٩، ح١٢٠٠.
(١٣٧) كذا في التهذيب، ولكنّ الصحيح ــ كما في الوسائل: ٢/ ٣٦٤ ـ: عبيد الله الحلبيّ.
(١٣٨) تهذيب الأحكام: ١/ ٣٩١، ح١٢٠٧.
(١٣٩) مصباح المنهاج (كتاب الطهارة): ٨/ ١٠٨.
(١٤٠) يلاحظ: موسوعة السيّد الخوئيّ (كتاب الصلاة): ٧/ ٤٤٨.
(١٤١) يلاحظ: العروة الوثقى: ١/ ٧٧٤.
(١٤٢) مستمسك العروة الوثقى: ٣/ ٣٦٥.
(١٤٣) يلاحظ: مصباح المنهاج (كتاب الصوم): ٩٠.
(١٤٤) تهذيب الأحكام: ٤/ ٢١١، ح٦١٣.
(١٤٥) تهذيب الأحكام: ٤/ ٢١٠، ح٦١٠.
(١٤٦) مصباح المنهاج (كتاب الصوم): ٩٠.
(١٤٧) يلاحظ: تهذيب الأحكام: ٤/ ٢١٣، ح٦١٩.
(١٤٨) جواهر الكلام: ١٦/ ٢٤٥.
(١٤٩) مصباح المنهاج (كتاب الصوم): ٩٠.
(١٥٠) يلاحظ: مصباح الفقيه: ٦/ ١٠٧.
(١٥١) يلاحظ: موسوعة السيّد الخوئيّ (كتاب الطهارة): ١٠/ ١٦٥.
(١٥٢) جامع المقاصد: ١/ ٤٦٧.
(١٥٣) روض الجنان: ١/ ٣٤٥.
(١٥٤) مستند الشيعة: ٣/ ٣٦٦.
(١٥٥) تهذيب الأحكام: ١/ ١٩٣.
(١٥٦) وهو الوجه الأوّل من وجوه القول الأوّل، يلاحظ: ص ٣٢.
(١٥٧) يلاحظ: مصباح الفقيه: ٦/ ١٠٣.