
المقدّمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.
نصّ الكتاب الكريم على وجوب العدّة للطلاق بقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ}(١)، وبقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ}(٢)، وللوفاة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(٣)، كما دلّت الأخبار الواردة(٤) على ثبوت العدّة للوطء الحاصل من الشبهة.
وقد يتّفق للمرأة أن تكون في حال يجتمع عليها عدّتان أو أكثر، كما لو انضمّت إلى عدّة الطلاق أو الوفاة عدّةٌ أو أكثر من وطء الشبهة.
وقد وقع في فتاوى الخاصّة والعامّة الخلاف في تداخل هذه العدد أو تعدّدها نظراً لاختلاف الأدلّة في ذلك، والغاية من هذا البحث تسليط الضوء على أقوال الفقهاء، وكيفيّة استفادتهم من الأدلّة المتباينة، وما يكتنفها من ملابسات، وتفصيل الأدلّة وما يمكن أن يُركن إليه منها، وبه نستعين.
في المراد من تداخل العدد
إذا اجتمع على المرأة سببان لثبوت العدّة:
فإن اتّحد أو تقارب زمان الابتداء بالعدّتين على فرض تداخلهما، كما إذا وطِئت شبهةً فطلّقها زوجها مباشرةً أو علمت بموته كذلك، فلا إشكال في أنّ المراد من التداخل حينئذٍ الاكتفاء بمضيّ زمن عدّة واحدة في الاجتزاء عن كلتا العدّتين إذا كانتا متساويتين في المقدار، وبمُضيّ أطولهما إذا لم تتساويا فيه.
وكذا لو اختلفتا في زمان الابتداء وتقدّمت الأطول وكان انقضاؤها متزامناً مع انقضاء العدّة الأقصر أو بعده، كما إذا وطِئت مَن تعتدّ بالشهور شبهة قبل انقضاء عدّتها من الوفاة بثلاثة أشهر أو أكثر.
وأمّا لو اختلفتا في زمان الابتداء في غير الفرع المتقدّم، بأن كان انقضاء المتأخّرة متأخّراً عن انقضاء الأُولى، سواء أكانتا متّحدتين في المقدار أم مختلفتين، كما لو طلّقها زوجها أو بلغها خبر موته أثناء عدّتها من وطء الشبهة، فللتداخل في هذا الفرض معنيان متصوّران:
الأوّل: أن يكون بمراعاة مضيّ خصوص العدّة الأُولى وكفايتها عن العدّة الواقعة في أثنائها، فإذا شرعت بعدّة الطلاق ووطِئت شبهة بعد مضيّ ثلثيها ـ مثلاً ـ فلا يجب للحكم بخلوّها من مطلق العدّة سوى مراعاة الثلث الباقي من عدّة الطلاق.
الثاني: أن يكون بمراعاة مضيّ تمام العدّة المتأخّرة، ودخول ما بقي من العدّة المتقدّمة فيها، فيجب عليها في المثال المتقدّم مراعاة عدّةٍ كاملة لوطء الشبهة، ويكون ثلثها الأوّل مُتمّماً لما بقي من العدّة الأُولى أيضاً.
ويظهر إرادة المعنى الأوّل من كلام الفاضل المقداد في التنقيح، حيث قال: (وأمّا الاكتفاء بواحدة فلا أعلم القائل به .. نعم، يمكن أن يحتجّ لهذا القول بأنّ حكم العدّة استبراء الرحم، وهو يحصل بإتمام العدّة. وفيه نظر من وجهين .. الثاني: لو دخل بها وقد بقي يوم واحد، فإنّ العلم بالاستبراء لا يتمّ بالإتمام المذكور؛ لجواز العلوق من الثاني)(٥).
وظاهر كلامه أنّ دليل التداخل عند اجتماع سببين للعدّة هو أنّ استبراء الرحم يحصل بإتمام عدّةٍ واحدة، ثمّ استشكل في ذلك من وجهين، ثانيهما هو أنّ السببين لو اختلفا من حيث الوقوع زماناً وكان وقوع الثاني قبل يوم من إتمام عدّة الأوّل فينبغي على القول بكفاية عدّةٍ واحدة الحكم بخلوِّها من العدّة عند نهاية اليوم التالي لوطء الشبهة، وهذا النحو من الاعتداد لا يتحقّق به الاستبراء المطلوب.
ومن الواضح إرادته للمعنى الأوّل من المعنيين المتقدّمين.
ولكن يظهر من عموم كلمات الفقهاء القائلين بالتداخل وغيرهم أنّ مقصودهم من التداخل المبحوث عنه هو المعنى الثاني، فقد قال الشهيد الثاني: (ومعنى التداخل أنّه يدخل الأقلّ منهما تحت الأكثر، فلو كانتا بالأقراء أو الأشهر استأنفت العدّة من حين الوطء، ودخل باقي العدّة الأولى في الثانية .. وبالجملة: لا بدّ من مراعاة أكثر العدّتين عند اجتماعهما حيث نحكم بالتداخل)(٦).
ومن هنا كان معنى التداخل في هذا البحث مبنيّاً على المعنى المنظور في أكثر كلمات الفقهاء الآتية.
العرض التاريخي للمسألة
إنّ أقدم من نُقل عنه التطرّق إلى بعض موارد اجتماع عدّتين على المرأة هو ابن الجنيد S، فقد قال العلّامة S في المختلف: (وقال ابن الجنید: إذا نعي إلى المرأة زوجها، أو أخبرت بطلاقه، فاعتدّت، ثمّ تزوّجت بعد العدّة، فجاء الأوّل، وأنكر الطلاق، ولم يقم به بيّنة، فهو أحقّ بها من هذا الزوج الثاني، دخل بها أو لا، فإن كان قد دخل استبرأت منه بثلاث حِيَض، أو ثلاثة أشهر وإن كان نكاحها منفسخاً، وإن مات الثاني قبل خروجها من العدّة التي تعتدّ منه لم يكن عليها عدّة الوفاة، وإن مات الأوّل وهي في عدّة من الثاني ابتدأت عدّة الوفاة من الأوّل من يوم مات، فإذا انقضت استتمّت ما كان ابتدأت به من العدّة من الثاني، وإن كان الثاني لم يدخل بها فلا عدّة عليها، وللأوّل أن يقربها ساعة دخوله، وإن طلّقها الزوج بعد دخول الثاني فإنّ عدّتها واحدة منهما جميعاً)(٧).
وكلامه يتطرّق لصورتين: إحداهما اجتماع عدّة وطء ذات البعل شبهة بعد عقد الواطئ عليها مع عدّة الوفاة، وذهب فيها إلى عدم تداخل العدّتين، والأُخرى اجتماع عدّة وطء ذات البعل شبهة مع عدّة الطلاق، وذهب فيها إلى التداخل.
وذكر الشيخ الصدوق S في مواضع مختلفة من المقنع ثلاث صور:
الأُولى: اجتماع عدّة وطء ذات البعل شبهة مع عدّة الوفاة، فقال: (وسئل الصادق g عن أختين أهديتا لأخوين في ليلة واحدة، فأدخلت امرأة هذا على هذا، وامرأة هذا على هذا، قال: فلكلّ واحد منهما الصداق بالغشيان، فإن كان وليّهما تعمّد ذلك أغرم الصداق، ولا يقرب واحد منهما امرأته حتّى تنقضي العدّة .. قيل: فإن مات الزوجان وهما في العدّة؟ قال g: ترثانهما، ولهما نصف المهر المسمّى، وعليهما العدّة، ثمّ بعدما تفرغان من العدّة الأولى تعتدّان عدّة المتوفّى عنها زوجها)(٨).
الثانية: التزويج بالمعتدّة من دون علم مع الدخول، فقال: (وإذا تزوّج الرجل امرأة في عدّتها ولم يعلم، وكانت هي قد علمت أنّه قد بقي من عدّتها، ثمّ قذفها بعد علمه بذلك، فإن كانت علمت أنّ الذي عملت محرّم عليها، فقدمت على ذلك، فإنّ عليها الحدّ حدّ الزاني، ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئاً، فإن فعلت بجهالة منها ثمَّ قذفها ضرب قاذفها الحدّ، وفرّق بينهما، وتعتدّ من عدّتها الأولى، وتعتدّ بعد ذلك عدّة كاملة)(٩).
الثالثة: اجتماع عدّة وطء ذات البعل شبهة بعد العقد عليها مع عدّة الطلاق، فقال: (وإذا نعي إلى امرأة زوجها فاعتدّت، وتزوّجت، ثمّ قدم زوجها، فطلّقها، وطلّقها الأخير، فإنّها تعتدّ عدّة واحدة ثلاثة قروء)(١٠).
وقال بعدهم السيّد المرتضى S في الناصريّات ـ معلّقاً على المسألة الحادية والسبعين بعد المائة لجدّه من أُمّه الناصر: إذا تزوّجت المرأة في عدّتها، ودخل بها زوجها الثاني، فرّق بينهما، وتعتدّ من الأوّل، ثمّ من الثاني ـ: (هذا صحيح، وذهب إلى مثله الشافعيّ، فقال: إذا طلّق الرجل امرأته، ونكحت في عدّتها غيره، ووطئها الثاني، وهما جاهلان بتحريم الوطء، فإنّ عليها العدّة للثاني وبقيّة العدّة للأوّل، ولا تتداخل العدّتان. وقال أبو حنيفة: تتداخل العدّتان، فتأتي المرأة بثلاثة أقراء بعد مفارقتها للثاني، ويكون ذلك عن بقيّة عدّة الأوّل وعن عدّة الثاني، دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه: أنّ العدّة حقّ لكلّ واحد من الزوجين، فلا مداخلة بينهما، وإنّما لم يملك الزوج إسقاط العدّة لأنّ فيها حقّاً لله تعالى، وليست بحقّ خالص للآدميّ، وأيضاً فعلى ما قلناه إجماع الصحابة؛ لأنّه روي: أنّ امرأة نكحت في العدّة، ففرّق بينهما أمير المؤمنين g وقال: أيّما امرأة نكحت في عدّتها فإن لم يدخل بها زوجها الذي تزوّجها فإنّها تعتدّ من الأوّل، ولا عدّة عليها للثاني، وكان خاطباً من الخُطّاب، وإن كان دخل بها فرّق بينهما، وتأتي ببقيّة العدّة عن الأوّل، ثمّ تأتي عن الثاني بثلاثة أقراء مستقبلة. وروي مثل ذلك عن عمر بعينه، وأنّ طليحة كانت تحت رشيد الثقفيّ فطلّقها، فنكحت في العدّة، فضربها عمر، وضرب زوجها بخفقة، وفرّق بينهما، ثمّ قال: أيّما امرأة نكحت في عدّتها فإن لم يدخل بها زوجها الذي تزوّجها فإنّها تعتدّ عن الأوّل، ولا عدّة عليها للثاني، وكان خاطباً من الخطّاب، وإن كان دخل بها فرّق بينهما، وأتت ببقيّة عدّة الأوّل ثمّ تعتدّ عن الثاني، ولا تحلّ له أبداً، ولم يظهر خلاف لما فعل، فصار إجماعاً)(١١).
وقال الشيخ في الخلاف: (كلّ موضع تجتمع على المرأة عدّتان، فإنّهما لا تتداخلان، بل تأتي بكلّ واحدة منهما على الكمال، وروي ذلك عن عليّ g، وعمر، وعمر بن عبد العزيز، وبه قال الشافعيّ، وذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنّهما تتداخلان، وتعتدّ عدّة واحدة منهما معاً.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً فقد ثبت وجوب العدّتين عليها، وتداخلهما يحتاج إلى دليل، وروى سعيد بن المسيّب وسليمان بن يسار [ثمّ ذكر الرواية المتقدّمة في كلام السيّد المرتضى] وعن عليّ g مثل ذلك، ولا مخالف لهما في الصحابة)(١٢).
وقال ابن إدريس S في السرائر: (كلّ موضع تجتمع على المرأة عدّتان فإنّهما لا يتداخلان، بل تأتي بكلّ واحدة منهما على الكمال، تقدّم الأولى ثمّ الثانية)(١٣).
والذي يظهر من تعليل السيّد المرتضى S وما ساقه من الأدلّة اختصاص كلامه بأنّ الحقّين عندما يكونان لشخصين فلا مداخلة بينهما؛ لأنّه قد فرض في جميع أدلّته وجود زوجين أوّل وثان، على خلاف ما يظهر من عبارة الشيخ وابن إدريس T، فإنّ التعبير بـ: (كلّ موضع تجتمع على المرأة عدّتان) واضح في الالتزام بعدم التداخل حتّى لو كانت العدّتان من شخص واحد.
ومن هنا نسب جمع إلى الشيخ وابن إدريس T ـ كما في المسالك والمفاتيح والحدائق والجواهر(١٤) ـ إطلاق الحكم بعدم التداخل، ففي المسالك مثلاً: (وقال الشيخ وابن إدريس: لا تتداخل العدّتان عليها مطلقاً، بل تأتي بكلّ منهما على الكمال؛ لأنّهما حقّان مختلفان)(١٥).
والظاهر أنّ اعتمادهم في نسبة القول بعدم التداخل مطلقاً إليهما كان على العبارة المتقدّمة في الخلاف والسرائر والتي عنونها العلّامة في المختلف فكانت محطّ نظر الفقهاء.
لكن للتأمّل في ذلك مجال، فإنّ الشيخ في مقدّمة كتاب الخلاف(١٦) يشير إلى أنّ نظره فيه إلى العامّة؛ إذ إنّه قد كتبه استجابة لطلب موجّهٍ إليه في إحصاء المسائل الخلافيّة بين الخاصّة والعامّة، كما لعلّه يفهم منها أيضاً أنّ كثيراً ممّا يُساق فيه من الأدلّة من باب الاحتجاج والإلزام بما يُؤمن به الخصم، ولذا فلا ينبغي الاعتماد في تشخيص آراء الشيخ ونسبتها إليه على كتاب الخلاف، ثمّ إنّه بمراجعة المبسوط والذي كان تأليفه متأخِّراً(١٧) عن النهاية والخلاف يتّضح أنّ التزامه بعدم التداخل ليس بمطلق تماماً، وإنّما هو مطلق لجميع الصور التي تكون فيها العدّتان من شخصين، فقد جاء فيه: (وكلّ موضع اجتمع عليها عدّتان من شخصين فإنّهما لايتداخلان، بل تأتي بكلّ واحدة منهما على الكمال، وفيه خلاف.
وإذا وجبت العدّتان لرجل واحد بأن طلّق زوجته طلاقاً رجعيّاً ثمّ وطئها في حال العدّة، فعندنا تصير بالوطء راجعاً، وعند بعضهم الوطء محرّم عليه، فإن كانا عالمين عزّرا، وإن كانا جاهلين عُذرا، وإن كان أحدهما عالماً عزّر دون الجاهل، ويلزم المرأة بهذا الوطء عدّة؛ لأنّه وطء شبهة.
ثمّ لا تخلو أن تكون حاملاً وقت الوطء أو حائلاً، فإن كانت حائلاً نظر، فإن لم يحبلها فقد كانت اعتدّت عن الطلاق بعض العدّة، وعليها الباقي، ويلزمها عدّة ثانية بالوطء، وتدخل إحداهما في الأخرى؛ لأنّهما لرجل واحد، فتأتي بثلاثة أقراء كوامل تدخل فيها بقيّة العدّة الأولى)(١٨)، ومن الواضح اختصاص کلامه بما لو كانت العدّتان من اثنين.
وممّا قد يشهد له ما ذكره بعد ذلك بقوله: (وإذا وجبت العدّتان لرجل واحد بأن طلّق زوجته طلاقاً رجعيّاً ثمّ وطأها في حال العدّة، فعندنا تصير بالوطء راجعاً، وعند بعضهم الوطء محرّم عليه، فإن كانا عالمين عزّرا، وإن كانا جاهلين عذرا، وإن كان أحدهما عالماً عزّر دون الجاهل، ويلزم المرأة بهذا الوطء عدّة؛ لأنّه وطء شبهة.
ثمّ لا تخلو أن تكون حاملاً وقت الوطء أو حائلاً، فإن كانت حائلاً نظر، فإن لم يحبّلها فقد كانت اعتدّت عن الطلاق بعض العدّة، وعليها الباقي، ويلزمها عدّة ثانية بالوطء، وتدخل إحداهما في الأخرى؛ لأنّهما لرجل واحد، فتأتي بثلاثة أقراء كوامل تدخل فيها بقيّة العدّة الأولى)(١٩).
فإنّ القول بثبوت العدّة على من وطء مطلّقته الرجعيّة في زمن العدّة وإن كان مخالفاً لما ذهب إليه فقهاء الخاصّة، إلّا أنّ استدلاله لهذا القول بقوله: (لأنّهما لرجل واحد) ظاهر في قبوله له في غير هذه المسألة، كما لو طلّق زوجته بائناً ثمّ وطئها في العدّة عن شبهة.
هذا كلّه إذا سُلّم صراحة عبارة الخلاف في إطلاق عدم التداخل.
أمّا لو شُكّك فيها ـ كما قال في الجواهر في أمثال هذه العبارة: (نعم، لو كان الاشتباه من المطلّق نفسه ـ مثلاً ـ اتّجه التداخل وفاقاً للفاضلين، بأن تستأنف عدّة كاملة للأخير واجتزأت بها؛ لأنّهما إنّما تعلّقتا بواحد، والموجب لهما حقيقة إنّما هو الوطء، وإذا استأنفت عدّة كاملة ظهرت براءة الرحم، ولا ينافي ذلك إطلاق الأكثر إطلاق عدم تداخل العدّتين بعد انسياق التعدّد منه)(٢٠) ـ فالأمر في الإشكال على من نسب إلى الشيخ هذا النحو من الإطلاق أسهل.
وعلى هذا فإمّا أن يقال: بأنّ آخر رأي للشيخ Sهو ما صرّح به في المبسوط من عدم التداخل فيما لو كانت العدّتان من شخصين لا مطلقاً، بخلاف ما ذكره في الخلاف، أو يقال: إنّ عبارة الخلاف لا تنافي ذهاب الشيخ إلى التداخل فيما لو كانت العدّتان من واحد.
وأمّا ابن إدريس فإنّه وإن ذكر في سرائره عبارة الخلاف نفسها ـ فيظهر أنّ نظره كان إليها دون عبارة المبسوط ـ إلّا أنّ الذي يظهر من بعض إجاباته عن بعض الأسئلة الموجَّهة إليه أنّ التزامه بعدم التداخل ليس بنحو مطلق، فقد جاء في كتابه أجوبة مسائل ورسائل في مختلف فنون المعرفة: (مسألة: ما تقول في امرأة سافر عنها زوجها سنة سبعين إلى بلاد بعيدة، ثمّ مات في خلال تلك السنة، فلمّا كان سنة خمس وسبعين ضجرت الزوجة من المقام على الفقر، فخطبها بعض الناس، وهو غير عالم بحالها، فتزوّج بها في تلك السنة ـ أعني سنة خمس وسبعين ـ ودخل بها، فبعد ذلك أتى الخبر مع رجال ثقات بأنّ الزوج مات سنة سبعين، ففارقها الزوج، واعتدّت عدّتين، فلمّا خرجت من العدّة هل لهذا الزوج أن يعقد عليها ثانياً أم تحرم عليه أبداً؟
الجواب وبالله التوفيق: الذي أراه في هذا السؤال وأعتقده مذهباً .. فأمّا ما ذكره في أثناء السؤال من العدّتين فلا يلزمها إلّا عدّة الوفاة فحسب، فإذا خرجت من عدّة الوفاة يصحّ أن يعقد عليها، ويطأها من غير أن تأتي بعدّة أخرى منه؛ لأنّ لزوم العدّتين ما ورد، إلّا فيمن نكحت بشبهة عقد، وهي في عدّة، فيفارقها الزوج، وتكمل عدّة الأوّل، وتأتي بعده بعدّة أخرى عن النكاح الثاني، فتبيّن ذلك وتحقّقه، فهذا خلاصة فقه المسألة، والحمد لله على توفيقه للصواب)(٢١).
وکلامه صریح في انحصار لزوم تعدُّد العدّتين وعدم تداخلهما بمن نكحت بشبهةِ عقدٍ وهي في عدّة دون غيرها.
ومنه يظهر اختلاف رأي ابن إدريس S، ففي السرائر ذهب إلى أنّ عدم التداخل مطلق، وذهب في كتاب آخر إلى اختصاص ذلك بوطء المرأة بشبهة عقد في عدّة، فلا ينبغي الجزم بذهابه إلى القول بعدم التداخل بنحو مطلق.
ومن مجمل ما تقدّم يتبيّن انحصار الخلاف بين قول ابن الجنيد والصدوق T بالتداخل، وبين قول السيّد والشيخ T ومن وافقهما بعدم التداخل في خصوص ما لو كانت العدّتان لشخصين هذا من جهة، وفي غير التزويج بالمعتدّة من جهة أخرى، وأمّا التزويج بها فهو مورد اتّفاقهم على عدم التداخل عدا ابن الجنيد لا من جهة كونه مخالفاً، بل لعدم نقل رأيه، فيمكن دعوى عدم ظهور الخلاف من أحدٍ فيه.
كما نصّ على الحكم بعدم التداخل في التزويج بالمعتدّة عن جهل مع الدخول ابن حمزة في الوسيلة(٢٢)، والكيدريّ في الإصباح(٢٣)، والمحقّق في النافع(٢٤) والفاضل الآبيّ في كشف الرموز(٢٥)، وهو ظاهر ابن سعيد في الجامع(٢٦)، وصريح ابن فهد في المقتصر(٢٧)، والصيمريّ في غاية المرام(٢٨)، والشهيد الثاني في المسالك(٢٩)، وغيرهم(٣٠).
ثمّ إنّه عُبّر بصياغات مختلفة تُفيد أنّ عدم التداخل هو المشهور في فرض التزويج بالمعتدّة، أو فيما إذا كانت العدّتان لشخصين، أو مطلقاً في المسالك(٣١)، ونهاية المرام(٣٢)، والكفاية(٣٣)، والمفاتيح(٣٤)، وكشف اللثام(٣٥)، والحدائق(٣٦)، والرياض(٣٧)، والجواهر(٣٨)، بل لم يُنقل الخلاف من أحدٍ سوى ما أشار إليه المحقّق S في الشرائع ومختصره من أنّه قيل يجزي عدّة واحدة(٣٩)، ولم ينسبه لأحدٍ، وعلّق على كلامه في التنقيح(٤٠)، والمسالك(٤١)، ونهاية المرام(٤٢) بما يُفيد مجهوليّة القائل.
لكن في مختلف العلّامة، وإيضاح ابنه، ومهذّب ابن فهد، والجواهر، وأنوار الفقاهة: أنّ القائل المخالف هو الإسكافيّ والصدوقT (٤٣)، وفي كشف اللثام: الإسكافيّ والصدوق في موضع من المقنع(٤٤)، وفي الرياض: أنّه الإسكافيّ على ما حُكي(٤٥).
وللتأمّل فيه مجال؛ فإنّ مورد كلامهم بالتحديد أو الشمول هو التزويج بالمعتدّة، وقد تقدّم(٤٦) أنّه لم يرد فيه نقلُ رأيٍ لابن الجنيد، وإنّما الذي نقله عنه العلّامة S هو التزامه بالتفصيل في مورد خاصّ ـ وهو تزويج ذات البعل التي نعي إليها زوجها اشتباهاً فظهرت حياته فيما بعد ـ بين ما لو مات بعلها فلا تداخل وعليها عدّتان، وبين ما لو طلّقها فتتداخل العدّتان وتأتي بعدّة واحدة.
وكذا بالنسبة إلى الصدوق فقد تقدّم(٤٧) أيضاً أنّه ذكر ثلاثة موارد تجتمع فيها على المرأة عدّتان، وأنّه التزم في المورد الثاني منها، وهو مورد كلامهم ـ أعني التزويج بالمعتدّة ـ بعدم التداخل، مضافاً إلى التزامه بذلك في اجتماع عدّة وطء ذات البعل شبهةً مع عدّة الوفاة.
وبالنظر إلى ذلك كيف يمكن نسبة القول بالتداخل إلى ابن الجنيد والصدوق T في التزويج بالمعتدّة، أو مطلقاً؟
والظاهر أنّ الاعتماد على كلام العلّامة في المختلف هو الذي سبّب لهم الوقوع في ذلك الاشتباه؛ إذ إنّ الذي يظهر من منهجيّته في ذلك الكتاب أنّ همّه كان منصبّاً على جمع ما يقع فيه الخلاف، ولذا فقد اقتصر في نقل رأي الشيخ S في المسألة على كتاب الخلاف الذي كان يقرِّر فيه رأيه في مقابل العامّة، ولم يرجع إلى المبسوط ـ مع أنّه آخر كتب الشيخ ـ لينقل ما استقرّ عليه، بل لعلّه لم يورد رأي ابن الجنيد S في التزويج بالمعتدّة؛ لكونه غير مخالف فيه، ويشهد لذلك أنّه لم يَنقل من المواضع الثلاثة التي ذُكرت في المقنع إلّا المورد الثالث الذي يحصل به الخلاف، وترك ذكر الموردين الآخرَين اللذين التزم فيهما الصدوق بعدم التداخل.
هذا مضافاً إلى النظر في بيان العلّامة S لدليل الصدوق S على التداخل؛ إذ قال: (وقال الصدوق في المقنع: إذا نعي إلى المرأة زوجها فاعتدّت وتزوّجت ثمّ قدم زوجها فطلّقها، وطلّقها الآخر، فإنّها تعتدّ عدّة واحدة ثلاثة قروء .. احتجّ الصدوق بما رواه زرارة ـ في الصحيح ـ عن الباقر g: في امرأة تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها، قال: يفرّق بينهما، وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً، وعن زرارة في الصحيح عن
الباقر g: في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها، فتزوّجت، ثمّ قدم زوجها بعد ذلك فطلّقها، قال: تعتدّ منهما جميعاً ثلاثة أشهر عدّة واحدة، وليس للأخير أن يتزوّجها أبداً، وفي الصحيح عن ابن بكير أو أبي العبّاس عن الصادق g: في المرأة تتزوّج في عدّتها، قال: يفرّق بينهما، وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً)(٤٨).
في حين أنّ الصدوق S لم يحتجّ بمتون هذه الروايات في المقنع، ومن المعروف أنّ دأبه فيه على ذكر المتون، ولا رواها في الفقيه، مضافاً إلى أنّ مورد الروايتين الأُولى والثالثة هو التزويج بالمعتدّة، وهو المورد الثاني من موارد المقنع الثلاثة، وقد التزم فيه الصدوق ـ على خلافهما ـ بعدم التداخل.
ويشهد لكون محطّ نظر بقيّة الفقهاء عبارة المختلف استدلال المسالك في كتاب الطلاق بنفس ما جاء في المختلف من روايات، بل لم يخالف حتّى في ترتيبها ما يُظهِر الاعتماد عليه في النقل، قال: (والرواية الأخرى الدالّة على تداخل العدّتين والاكتفاء بواحدة تامّة بعد وطء الأوّل رواها زرارة في الصحيح .. وروى زرارة أيضاً .. وروى أبو العبّاس..)(٤٩).
وحذا حذوهم في الجواهر، فأسند الاستدلال بروايات التداخل في التزويج بالمعتدّة ومخالفة المشهور فيها إلى ابن الجنيد والصدوق قائلاً: (وقيل ـ والقائل الصدوق فيما حكي من مقنعه وابن الجنيد ـ: تجزئ عدّة واحدة لموثّق زرارة السابق وصحيحه الآخر عن أبي جعفر g: في امرأة تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها، قال: يفرّق بينهما، وتعتدّ عدّة واحدة عنهما جميعاً)(٥٠).
فإن قيل: إنّ تعبيره في نسبة الاستدلال بهذه الأخبار وإن كان مشعراً بإسناده إليهما، لكن يحتمل أيضاً أن يكون لأصل القول المخالف، وهو أعمّ من إسناد الاستدلال بهذه الأخبار إليهما.
ففيه: إنّه ـ إذن ـ يرى التزامهما بالتداخل في التزويج بالمعتدّة، وهو ممّا لا يصحّ نسبته إليهما.
فقد تبيّن ممّا تقدّم:
أوّلاً: إنّ نسبة مخالفة المشهور إلى ابن الجنيد والصدوق T والقول بالتزامهما بالتداخل مطلقاً ليست في محلّها؛ فإنّ الأوّل إنّما ذهب إلى التداخل في خصوص من نُعي إليها زوجها، فتزوّجت، وجاء الأوّل فطلّقها، دون ما إذا مات عنها، ولم يُنقل عنه التصريح في بقيّة الموارد بالتداخل، وكذا الصدوق S، فقد خصّ الحكم بالتداخل في أصل المورد المتقدّم على خلاف موردين آخرَين من الموارد الثلاثة المذكورة في مقنعه، حيث التزم فيهما بعدم التداخل.
وثانياً: إنّ نسبة القول بعدم التداخل مطلقاً إلى الشيخ S في غير محلّها أيضاً؛ لأنّها تعتمد على ما جاء في كتابه الخلاف، في حين أنّه صرّح في آخر كتبه بما يفيد اختصاص التزامه بعدم التداخل بما لو كانت العدّتان من شخصين.
وعلى أيّ حال فهذه جملة من كلماتهم إذا اتّضح الأمر فيها تصل النوبة إلى ذكر الأقوال في المقام، وهي ستّة:
الأقوال في المسألة
القول الأوّل ـ وهو المنسوب إلى المشهور(٥١) ـ: عدم تداخل العدّتين مطلقاً، سواء أكانتا من شخصٍ واحدٍ أم من شخصين، في فرض التزويج بالمعتدّة أم في غيره، وسواء أكان المجتمع مع عدّة وطء الشبهة عدّة الطلاق، أم عدّة الوفاة، أم عدّة أخرى للشبهة، وهو ظاهر الشيخ في الخلاف، وابن إدريس في السرائر، وتقدّم ذكر كلامهم(٥٢)، كما تقدّم الكلام في نسبته إلى المشهور أيضاً.
القول الثاني: التداخل مطلقاً، وهو مختار السيّد العامليّ في نهاية المرام والمحقّق السبزواريّ في الكفاية، والمحدّث البحرانيّ في الحدائق، والسيّد اليزديّ في تكملة العروة، والسيّد الحكيم في المستمسكz.
قال في نهاية المرام: (نعم، يمكن حمل الأمر بالاستئناف على الاستحباب)(٥٣)، ونحوها عبارة الكفاية(٥٤).
وفي الحدائق: (فما ورد بذلك [أي عدم التداخل] في أخبارنا يجب حمله على التقيّة وإن اشتهر بينهم العمل عليه)(٥٥).
وفي تكملة العروة: (وعن ابن الجنيد والصدوق ـ في موضع من المقنع ـ التداخل، واختاره جماعة من متأخّري المتأخّرين، وهو الأقوى)(٥٦).
وفي المستمسك: (وعلى الأوّل يمكن الجمع العرفيّ بينها وبين نصوص التعدّد بحمل الثانية على الاستحباب؛ لأنّه أبرأ للرحم وأحفظ للحقوق، والإنصاف يقتضي البناء على ذلك)(٥٧).
القول الثالث: التفصيل بين ما إذا كانت العدّتان من شخصين فلا تداخل، وبين ما إذا كانتا من واحدٍ فتتداخلان، ذهب إليه الشيخ في المبسوط، وتقدّم نقل كلامه(٥٨)، والعلّامة وابنه وشمس الدين الحلّيّ، وهو اختيار الجواهر في موضع.
ففي القواعد: (ولا تتداخل العدّتان إذا كانتا لشخصين)(٥٩). وفي الإيضاح: (والذي اختاره والدي المصنّف أنّ العدّتين إن كانتا من واحد تداخلتا، وإن كانتا من اثنين لم تتداخلا، وهو الأصحّ عندي)(٦٠).
وفي معالم الدين: (إذا كانتا لشخصين لم يتداخلا، وإن كانت(٦١) لواحد تداخلتا)(٦٢).
وفي الجواهر: (نعم، لو كان الاشتباه من المطلّق نفسه ـ مثلاً ـ اتّجه التداخل، وفاقاً للفاضلين، بأن تستأنف عدّة كاملة للأخير، واجتزأت بها؛ لأنّهما إنّما تعلّقتا بواحد، والموجب لهما حقيقة إنّما هو الوطء، وإذا استأنفت عدّة كاملة ظهرت براءة الرحم، ولا ينافي ذلك إطلاق الأكثر ـ إطلاق عدم تداخل العدّتين ـ بعد انسياق التعدّد منه)(٦٣).
ولكنّه رجع عنه بعد ذلك، وذهب إلى التفصيل بين اختلاف السبب من الرجل الواحد، كما لو طلّقها ثمّ وطأها شبهة، فلا تداخل، وبين اتّحاد السبب من الواحد، كما لو وطأها شبهة مرّتين، فتتداخلان، فقال: (إذا طلّقها بائناً ثمّ وطأها لشبهة قيل
ـ وإن لم نعرف القائل به قبل المصنّف ـ: تتداخل العدّتان .. وهو حسن عند المصنّف .. خلافاً للمحكيّ عن الشيخ وابن إدريس، فلا تتداخل .. وليس الموجب لها في الفرض حقيقة الوطء، بل هو والطلاق، وكلّ منهما سبب. نعم، لو تعدّد الوطء من المشتبه اجتزئ بعدّة كاملة للأخير؛ لكون الموجب لها حقيقة هو الوطء، فالأقوى حينئذٍ عدم التداخل)(٦٤).
ولعلّ السیّد S يذهب إلى هذا القول في كلامه المتقدّم في الناصريّات(٦٥)؛ فإنّ استدلاله يقتضي التزامه بعدم التداخل فيما لو كانت العدّتان لشخصين، فلاحظ.
لكن لم يتطرّق في كتبه الموجودة إلى فرض اجتماعهما من واحد.
وكذا الحال فيما ذكره ابن البرّاج S؛ إذ يظهر من كلامه في موضعين من المهذّب الالتزام بعدم التداخل إذا كانتا لشخصين، قال في الأوّل: (وإذا اجتمع على امرأة عدّتان، وكانت هي والزوج جاهلين، أو كان الزوج جاهلاً، وكانت غير حامل، تعتدّ بالأقراء أو بالشهور، فإنّها تكمل عدّة الأوّل، ثمّ تعتدّ عن الثاني)(٦٦). والثاني قوله في مسألة زوجة الصبيّ الموطوءة شبهة إذا مات: (لأنّه لا يصحّ أن تكون معتدّة عن رجلين في حالة واحدة)(٦٧).
لكنّه أيضاً لم يتطرّق إلى فرض اجتماعهما من شخص واحد وإن كان آخر كلامه مشعراً بالتداخل فيه.
القول الرابع: تفصيل مفاده أنّ العدّتين إذا اجتمعتا في مورد التزويج بالمعتدّة فلا تداخل، وتتداخلان في غير ذلك من موارد الاجتماع، وهو ظاهر ابن إدريس S في أجوبة المسائل، وتقدّم نقل كلامه(٦٨).
القول الخامس: تفصيل مفاده: أنّ العدّتين إذا كانتا في مورد التزويج بالمعتدّة فلا تداخل مطلقاً، وأمّا في مورد التزويج بذات البعل فيفرّق بين اجتماع عدّة وطء الشبهة مع عدّة الوفاة فلا تداخل، وبين اجتماع عدّة وطء الشبهة مع عدّة الطلاق فتتداخلان، وهو مذهب الصدوق S بعد جمع الموارد الثلاثة التي تقدّمت من المقنع(٦٩)، بل يمكن نسبته إلى ابن الجنيد T على ما تقدّم احتماله(٧٠).
ولعلّ هذا هو مختار الشيخ الحرّ في الوسائل S، فقد قال: (باب أنّ من تزوّج بامرأة ذات بعل حرّمت عليه مؤبّداً إن كان عالماً أو دخل، وإلّا فلا، بل العقد باطل وعليها عدّة واحدة إن فارقها الأوّل)(٧١).
ثمّ قال في الباب الذي يليه: (باب أنّ من تزوّج امرأةً في عدّتها من طلاق أو وفاة عالماً أو دخل حرّمت عليه مؤبّداً، وإلّا فلا، بل العقد باطل، فإن كان أحدهما عالماً حرم عليه خاصّةً بغير دخول، ويجب المهر مع الدخول والجهل، ويجب عليها إتمام العدّة واستئناف أخرى إن كان دخل)(٧٢).
نعم، لم يصرّح في الباب الأوّل بأنّ ذات البعل إذا تزوّجت ودخل بها ثمّ مات بعلها هل تتداخل عليها العدّتان أم لا؟
القول السادس: التفصیل بین ما لو وطئت المعتدّة من الوفاة شبهةً فلا تتداخل العدّتان، وتتداخلان في ما لو كانت معتدّة من الطلاق فوطئت شبهةً، أو وطئت شبهة فطلّقها زوجها، أو مات عنها، وهو ما ذهب إليه السيّد الخوئيّ S كما في بحثه على العروة، فقد جاء في المباني: (وبالجملة فالذي يتحصّل ممّا تقدّم كلّه أنّ مقتضى ملاحظة النصوص والقاعدة في المقام هو الالتزام بالتداخل في فروض ثلاثة من فروض المسألة الأربعة، وهي ما لو دخلت عدّة وطء الشبهة على عدّة الطلاق، أو دخلت عدّة الطلاق على عدّة وطء الشبهة، أو دخلت عدّة الوفاة على عدّة وطء الشبهة، والالتزام في فرض واحد خاصّة هو دخول عدّة وطء الشبهة على عدّة الوفاة بعدم التداخل ولزوم التعدّد)(٧٣).
وربّما أوهمت تعليقته على العروة تفصيلاً آخر، فإنّه ـ بعد ما ذكر السيّد اليزديّ S المسألة: ١٢من فصل التزويج بالمعتدة: (إذا اجتمعت عدّة وطء الشبهة مع التزويج أو لا معه وعدّة الطّلاق أو الوفاة أو نحوهما، فهل تتداخل العدّتان، أو يجب التعدّد؟ قولان: المشهور على الثاني، وهو الأحوط وإن كان الأوّل لا يخلو عن قوّة؛ حملاً للأخبار الدالّة على التعدّد على التقيّة، بشهادة خبر زرارة وخبر يونس) ـ علّق عليها قائلاً: (لا وجه للحمل على التقيّة، والظاهر هو التفصيل بين عدّة الوفاة وغيرها بالالتزام بالتعدّد في الأُولى والتداخل في الثانية؛ وذلك لأنّ الروايات على طوائف ثلاث:
إحداها: تدلّ على عدم التداخل مطلقاً.
وثانيتها: تدلّ على التداخل مطلقاً.
وثالثتها: تدلّ على عدم التداخل في خصوص الموت.
وبما أنّ النسبة بين الطائفة الثالثة والطائفة الثانية عموم مطلق فتقيّد الطائفة الثالثة إطلاق الطائفة الثانية، وبعد ذلك تنقلب النسبة بين الطائفة الثانية والطائفة الأولى فتصبح الطائفة الثانية أخصّ من الطائفة الأُولىٰ فتقيّد إطلاقها، فالنتيجة هي عدم التداخل في خصوص الموت والتداخل في غير الموت، فإذن لا معارضة بين الروايات)(٧٤).
وعبارته بإطلاقها توهم أنّ الحكم بعدم التداخل ثابت في اجتماع عدّتين: إحداهما من الوفاة سواء أكانت هي الداخلة على عدّة الشبهة أم كانت مدخولة لها.
لكن هذا التوهّم يرتفع بملاحظة تعليقته التالية للتعليقة الآنفة فقد جاء فيها: (قد عرفت أنّه لا تعدّد إلّا فيما إذا كان الوطء بشبهة في عدّة الوفاة ولا بدّ فيه من إتمام عدّة الوفاة أوّلاً ثمّ الاعتداد بعدّة الوطء بالشبهة)(٧٥).
فخصّ الحكم بعدم التداخل بما لو تأخّرت عدّة الشبهة ودخلت على عدّة الوفاة دون العكس، وهي نفس نتيجة بحثه في المباني.
هذا هو تمام الكلام في كلمات فقهائنا وأقوالهم، وأمّا فقهاء العامّة فتفصيل آرائهم كالآتي.
كلمات فقهاء العامّة وأقوالهم
يظهر من بعض أخبار العامّة أنّ القول بعدم التداخل منسوب إلى أمير المؤمنين g، وأنّه قضى في التي تزوّج في عدّتها بالتفريق بينهما، ولها الصداق بما استحلّ من فرجها، وتكمل ما أفسدت من عدّة الأوّل، وتعتدّ من الآخر(٧٦).
كما رووا ذلك عن عمر، فقد روى مالك عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب وسليمان بن يسار: أنّ طليحة كانت تحت رشيد الثقفيّ، فطلّقها ونكحها غيره، فضربها عمر بن الخطّاب وضرب زوجها ضربات بمخفقة، وفرّق بينهما، ثمّ قال: أيّما امرأة نكحت في عدّتها فإن كان زوجها الذي تزوّجها لم يدخل بها فرّق بينهما، ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من زوجها الأوّل، وكان خاطباً من الخطّاب، وإن كان دخل بها فرّق بينهما، ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من الأوّل، ثمّ اعتدّت من الآخر، ولا ينكحها أبداً(٧٧).
ونسب السرخسيّ إلى معاذ بن جبل القول بتداخل العدّتين(٧٨).
ويظهر من بعض أخبارنا أنّ إبراهيم النخعيّـ وهو من رواة الحديث المشهورين عندهم(٧٩)ـ كان يفتي بعدم تداخل العدّتين(٨٠).
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى التداخل، فقد ذكر السرخسيّ الحنفيّ في المبسوط: (وإذا تزوّجت المرأة المعتدّة من الطلاق برجل، ودخل بها، ففرّق بينهما، فعليها عدّة واحدة من الأوّل والآخر ثلاث حِيَض، وهو مذهبنا)(٨١).
وعبارة القاسانيّ الحنفيّ في بدائع الصنائع أعمّ، حيث قال: (وعلى هذا ينبني العدّتان إذا وجبتا أنّهما يتداخلان، سواء كانتا من جنس واحد أو من جنسين، وصورة الجنس الواحد: المطلّقة إذا تزوّجت في عدّتها فوطأها الزوج، ثمّ تتاركا حتّى وجبت عليها عدّة أخرى، فإنّ العدّتين تتداخلان عندنا، وصورة الجنسين المختلفين: المتوفّى عنها زوجها، وإذا وطئت بشبهة تداخلت أيضاً، وتعتدّ بما رأته من الحيض في الأشهر من عدّة الوطء عندنا)(٨٢).
وفي المدوّنة الكبرى التي يَنقل فيها سحنون آراء مالك: (أرأيت المرأة يطلّقها زوجها طلاقاً بائناً بخلع، فتزوّجت في عدّتها، فعلم بذلك، وفرّق بينهما.
قال: كان مالك يقول الثلاث حيض تجزي من الزوجين جميعاً من يوم دخل بها الآخر، ويقول قد جاء عن عمر ما قد جاء، يريد أنّ عمر قال: تعتدّ بقيّة عدّتها من الأوّل، ثمّ تعتدّ من الآخر)(٨٣).
لكن يظهر من عيون المسائل للثعلبيّ المالكيّ وبداية المجتهد وجود الاختلاف في النقل عن مالك:
قال الأوّل: (اختلف عن مالك في المرأة إذا تزوّجت في العدّة ودخل بها الثاني، فقال: تعتدّ بقيّة الأوّل، وتستأنف من الثاني، كانت بالأقراء أو الشهور.
وقال أيضاً: تعتدّ من الثاني، ويجزئها عن بقيّة الأولى، إلّا أن تكون حاملاً فبالوضع تنقضي العدّتان، كان الحمل للأوّل أو للثاني)(٨٤).
وجاء في الثاني: (وإذا تزوّجت ثانياً في العدّة فعن مالك في ذلك روايتان: إحداهما تداخل العدّتين، والأخرى نفيه)(٨٥).
وذهب أحمد بن حنبل والشافعيّ إلى عدم التداخل، فقد ذكر ابن قدامة الحنبليّ في شرحه مسألة من مختصر الخرقيّ المؤلّف على مذهب أحمد: (مسألة: قال: لو طلّقها أو مات عنها فلم تنقض عدّتها حتّى تزوّجت من أصابها فرّق بينهما، وبنت على ما مضى من عدّة الأوّل، ثمّ استقبلت العدّة من الثاني)(٨٦).
وفي روضة الطالبين للنوويّ الشافعيّ: (إذا كانت العدّتان لشخصين ـ بأن كانت معتدّة لزيد عن طلاق أو وفاة أو شبهة أو نكحها جاهلاً ووطئها أو كانت المنكوحة معتدّة عن وطء شبهة فطلّقها زوجها ـ فلا تداخل، بل تعتدّ عن كلّ واحد عدّة كاملة)(٨٧).
ويتلخّص من جميع ما تقدّم أنّ القول بعدم تداخل العدّتين منسوب عندهم إلى أمير المؤمنين g، وإلى عمر، وهو قول مالك ـ في أحد النقلين ـ وأحمد ابن حنبل والشافعيّ، وأمّا القول بالتداخل فقد نُسب إلى معاذ بن جبل، وهو قول أبي حنيفة وكذا مالك في نقل آخر.
إذا اتّضح ذلك فالكلام يقع في الأصل ومقتضى القاعدة على فرض فقدان الدليل.
الأصل ومقتضى القاعدة
تقدّم في كلمات الفقهاء ما يدلّ على استدلالهم لعدم تداخل العدّتين بدلالة الأصل ومقتضى القاعدة على ذلك، ففي الناصريات للسيّد المرتضى S: (أنّ العدّة حقّ لكلّ واحد من الزوجين، فلا مداخلة بينهما، وإنّما لم يملك الزوج إسقاط العدّة لأنّ فيها حقّاً لله تعالى، وليست بحقّ خالص للآدميّ)(٨٨).
وفي خلاف الشيخ : (وأيضاً فقد ثبت وجوب العدّتين عليها، وتداخلهما يحتاج إلى دليل)(٨٩).
وفي غاية المرام: (وقيل بالثاني؛ لأنّهما حكمان، وتداخلهما على خلاف الأصل، فلا بدّ من عدّتين، وهو المعتمد)(٩٠).
وعبّر عن هذا المضمون بنحوٍ آخر في بعض كلماتهم، ففي جامع المقاصد مثلاً: (لأنّ تعدّد الأسباب يقتضي تعدّد المسبّبات)(٩١)، ونحوه تعابير جماعة(٩٢).
لكن يظهر الخلاف من ابن إدريس في بعض كتبه، فإنّه وإن وافق في السرائر كلام الشيخ المتقدّم ذكره عن الخلاف الناصّ على كون الأصل هو عدم التداخل، إلّا أنّه في كتابه الموسوم بـ(أجوبة مسائل في مختلف الفنون) أجاب عن بعض الأسئلة ـ التي تقدّم ذكرها عند ذكر كلمات الفقهاء(٩٣) ـ بما يُفيد كون الأصل هو التداخل، فإنّه بعد ما أفتى بتداخل العِدد على من تزوّجت قبل علمها بموت زوجها ثمّ علمت، علّل ذلك بأنّ أخبار عدم التداخل إنّما وردت في خصوص المعتدّة التي توطأ بشبهة نكاح، وهذا يقتضي التزامه بأنّ الأصل الذي يرجع إليه عند فقدان الدليل ـ كما في مورد سؤال السائل فإنّه خالٍ من النصّ ـ هو التداخل.
وعلى أيّ حال فقد أُشكل(٩٤) على اقتضاء الأصل عدم التداخل بأنّه إنّما يكون كذلك حيث يكون المورد قابلاً لجريانه، وأمّا في المقام فيدّعى عدم إمكانه؛ وذلك لأنّ الزمان الواحد غير قابلٍ لامتثال عدّتين مستقلّتين معاً، وحيث إنّ أدلّة وجوب العدد ظاهرة باتّصالها بأسبابها ـ فعدّة وطء الشبهة إنّما تجب من حين انكشاف الشبهة مثلاً، وعدّة الطلاق من حين الطلاق، وعدّة الوفاة من حين الوفاة إن كان حاضراً، ومن حين بلوغ الخبر في الغائب من أجل الحداد ـ فلا معنى حينئذٍ لجريان هذا الأصل في محلّ الكلام؛ لأنّه يقتضي انفصال إحدى العدّتين عن سببها، إذ عليه لا تأتي بالعدّة الأُخرى إلّا بعد إتمام الأُولى.
وما أجاب به في الجواهر بقوله: (ودعوى عدم معقوليّة التعدّد هنا واضحة المنع؛ ضرورة أنّ العدّة إنّما هي تربّص مدّة من الزمان عن التزويج، والاتّصال بالسبب غير معتبر في مفهومها شرعاً ولا لغةً. نعم، ظاهر الأدلّة فوريّتها، فمع فرض التعدّد تكون الفوريّة حينئذٍ على حسب الإمكان بالتعاقب)(٩٥)غير واضح في الردّ؛ فإنّ الكلام لو كان في عدم المعقوليّة لصحّ الجواب عنه بأنّه لو فرض بأنّ الأصل يقتضي عدم تداخل العدّتين فإنّه رغم ذلك لا يخرج عن المعقوليّة؛ لأنّ الفوريّة والاتّصال بالسبب يعلّق حينئذٍ على الإمكان، فلا ضير حال عدم الإمكان كما في المقام من الالتزام بالتعاقب بين العدّتين، فإنّه بعد ما فرض مسبقاً أنّ الأصل هو عدم التداخل يأتي بعده الكلام في كيفيّة التكييف بينه وبين ظهور الأدلّة في الفوريّة.
ولكن ما ينبغي أن يقع فيه الكلام هو مفاد الأصل بعد فرض ظهور الأدلّة في الاتّصال بين السبب وعدّته، فهل يقتضي التداخل أو عدمه؟
وفي هذا المقام يمكن أن يدّعى أنّ ظهور الأدلّة في الاتّصال والفوريّة قرينة على إفادته التداخل؛ إذ به يُحفظ الاتّصال بين العدد وأسبابها.
ومن هنا ذهب بعض الأعلام Å إلى أنّ الأصل في المقام يقتضي التداخل، كما في تكملة العروة ومستمسكها ومبانيها(٩٦)، وأُضيف في ثانيها شاهد آخر نُبّه عليه في كلماتهم وإن لم يتبنّوه، وهو: أنّ الغرض من العدّة استبراء الرحم من الولد، وهذا المعنى لا يحتاج إلى التعدّد(٩٧).
ومراده أنّ الغرض والعلّة من العدّة هو استبراء الرحم، وهو حاصل بالعدّة المتّصلة بالسبب، فالقول بعدم التداخل ولزوم اعتدادها بعدّةٍ أخرى غير متّصلة بسببها لا يكون دخيلاً في تحقيق ذلك الغرض؛ لأنّه قد تحقّق بالعدّة الأولى، فلا معنى لإيجاب الثانية مستقلّة بتمامها عن الأُولى.
وقد يُتأمّل في ذلك من جهتين:
الأُولى: أنّ كون الغرض من العدّة استبراء الرحم لم يَثبت كونه بنحو العلّة التي يدور الحكم بوجوب العدّة مدارها، ولذا لا كلام بينهم في وجوبها في طلاق من فارقها زوجها مدّةً لا يُحتمل فيها الحمل منه.
ويمكن أن يردّ: بأنّ هذا وإن كان ينفي علّيّة استبراء الرحم للعدّة بالمعنى المتقدّم لكنّه لا ينفي حكميتها، والحكمة وإن لم يكن الحكم دائراً مدارها وجوداً وعدماً ـ فلا يشترط وجودها في جميع الأفراد ـ إلّا أنّه لا بدّ من عدم انخرامها في موردٍ ما، ولذا لا يوجد مورد واحد من موارد العدد ثبت فيه انتفاء هذه الحكمة، فلاحظ.
نعم، هناك معنى آخر تطلق عليه الحكمة أيضاً ليس هو المقصود في محلّ الكلام، ويراد منه اشتمال أغلب الأفراد عليها، فهي قد تتخلّف عن بعض الموارد، ولعلّ أبرز ما يدلّ على اعتبار الاستبراء معتبرة زرارة الآتية في أخبار التداخل الواردة في اجتماع عدّتين الدالّة على أنّ ملاك الحكم في المقام ومناطه هو الاستبراء، فإنّه g بعد أن حكم فيها بتداخل العدّتين قال معلّلاً: (وإنّما تستبرئ رحمها بثلاثة قروءٍ تُحلّها للناس كلّهم)(٩٨).
الثانية: لو سلّم أنّ الغرض هو استبراء الرحم فإنّما يسلّم في عدّة وطء الشبهة دون عدّة الوفاة التي تختلف عنها في المدّة، ووجوب الحداد فيها، وعدم انقضائها بوضع الحامل حملها، بل حتّى في عدّة الطلاق ـ فإنّه بعد وجود الكلام في كون المطلّقة في الطلاق الرجعيّ هل هي زوجة حقيقةً أو حكماً في زمن عدّة الطلاق ـ يمكن أن يُشكّك في أنّ تمام الغرض منها الاستبراء. نعم، لا يبعد كونه تمام الغرض في البائن.
ويمكن أن يُردّ: بأنّ هذا وإن كان يصلح إيراداً عمّا في المستمسك؛ لإطلاقه كون الغرض من العدد الاستبراء، لكنّه رغم ذلك لا ينافي كون الأصل هو التداخل؛ وذلك لأنّه يمكن أن يقال: إنّا لا نحتاج لجعل الأصل في المقام التداخل سوى إحراز كون الغرض من عدّة وطء الشبهة هو استبراء الرحم من الولد، فإنّ الجامع المشترك بين الفروض المتصوّرة لاجتماع العدد هو عدّة وطء الشبهة ـ فإنّها تارةً تجتمع مع نفسها، كما لو اجتمع على المرأة عدّتان من وطأين للشبهة. وأخرى تجتمع مع عدّة الطلاق، كما في المعتدّة من الطلاق التي توطأ شبهةً، أو ذات البعل إذا وطِئت شبهة وطلّقها زوجها. وثالثة مع عدّة الوفاة، كالتي تُوطأ شبهة قبل إكمالها عدّة الوفاة، أو من توفّي عنها زوجها بعد أن وُطئت شبهةً ـ فإنّ عدّتي الطلاق والوفاة حتّى لو فرض أنّ لهما غرضاً خاصّاً، إلّا أنّ كلّ واحدةٍ منهما لا تجتمع إلّا مع عدّة وطء الشبهة التي لا يكون الغرض منها إلّا استبراء الرحم من الولد، فيكون هذا الغرض حاصلاً بمجرّد مضيّ عدّة الطلاق أو الوفاة.
وبعبارة أخرى: أنّ الغرض من عدّة وطء الشبهة حاصل قهراً، ولا ينافي الأغراض التي يمكن أن تتصوّر لبقيّة العِدد التي تجتمع معها.
ومن عموم ما تقدّم يظهر أنّ الذي ينبغي أن يصار إليه ـ وفاقاً لبعض الفقهاء القريبين من هذا العصر ـ هو أنّ الأصل في المقام يدلّ على التداخل.
إذا عرفت هذا فتصل النوبة إلى استعراض الأدلّة المتعلّقة بهذه المسألة.
الأدلّة
أمّا الأخبار في المقام فمنها ما يدلّ على التداخل، ومنها ما يدلّ على عدمه.
ما يدلّ من الأخبار على عدم التداخل:
الأُولى: موثّقة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر g، قال: سألته عن الرجل يتزوّج المرأة في عدّتها، قال: (إن كان دخل بها فرّق بينهما، ولم تحلّ له أبداً، وأتمّت عدّتها من الأوّل وعدّةً أخرى من الآخر، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما، وأتمّت عدّتها من الأوّل، وكان خاطباً من الخطّاب)(٩٩).
ويستفاد منها بطلان العقد الواقع على المعتدّة، ووجوب إتمام العدّة التي كانت قد ابتدأت بها من زوجها الأوّل، والإتيان بعدّة أخرى من الثاني إذا كان داخلاً بها، فهي ظاهرة في تعدّد العدّتين، وعدم تداخلهما عليها.
الثانية: رواية عليّ بن بشير النبّال: سألت أبا عبد الله g عن رجل تزوّج امرأةً في عدّتها، ولم يعلم، وكانت هي قد علمت أنّه بقي من عدّتها، وأنّه قذفها بعد علمه بذلك، فقال: (إن كانت علمت أنّ الذي صنعت محرّم عليها فقدمت على ذلك فإنّ عليها الحدّ حدّ الزّاني، ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئاً، وإن فعلت ذلك بجهالة منها ثمّ قذفها بالزنى ضرب قاذفها الحدّ وفرّق بينهما، وتعتدّ ما بقي من عدّتها الأولى، وتعتدّ بعد ذلك عدّةً كاملةً)(١٠٠).
ويظهر من جماعة ضعف سندها(١٠١)، قال في الملاذ معلّقاً: (مجهول ويحتمل الصحّة)(١٠٢) مع أنّ سندها: (روى محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العبّاس والهيثم، عن الحسن بن محبوب، عن ابن رئاب، عن عليّ بن بشير النبّال)، فالعبّاس هو ابن معروف، والهيثم هو ابن أبي مسروق النهديّ، وكلّ من وقع في هذا السند موثّق، ولذا فقد اعتمد عليها السيّد الخوئيّ واعتبرها(١٠٣)، ولكن يظهر من تعبير السيّد الحكيم في المستمسك: (في الصحيح عن عليّ بن رئاب، عن عليّ بن بشير النبّال)(١٠٤) أنّ جهة الإشكال فيها هو عليّ بن بشير النبّال، ولعلّه من جهة أنّ ابني بشير (محمّد وعليّ) وإن كانا موثّقين صريحاً عند النجاشيّ(١٠٥) إلّا أنّ طريقه إلى كتاب محمّد بن بشير يكشف عن كونه من مشايخ أحمد بن محمّد بن خالد، فيكون من رواة الطبقة السادسة، فكيف يمكن أن يروي عن الإمام الصادق g بلا واسطة؟ مضافاً إلى عدم ذكره أنّ لقبهما (النبّال).
في حين أنّ الوارد هو لقب النبّال في المقام، ومن لقّب به في الأخبار وكتب الرجال ثلاثة ـ بعد أبيهم بشير الذي يروي عن الإمامين الصادقين i(١٠٦)ـ هم إسحاق بن بشير النبّال، وقد عدّ من أصحاب الإمام الباقر g(١٠٧)، وعليّ بن بشير النبّال، ولم ترو له في الكتب الحديثية غير هذه الرواية، ويحيى بن بشير النبّال، وله روايتان بواسطة واحدة عن الإمام الصادق g، وعدّ من أصحابه g(١٠٨).
وعليه فيظهر أنّ عليّ بن بشير النبّال الذي يروي عن الإمام الصادق g مباشرةً في هذه الرواية غير من وثّقه النجاشيّ في ترجمة أخيه، فهو مهمل في كتب الرجال، ولا يمكن الاعتماد على روايته.
الثالثة: موثّقة محمّد بن مسلم، عن الباقر g، قال: قلت له المرأة الحبلى يتوفّى عنها زوجها، فتضع وتزوّج قبل أن تعتدّ أربعة أشهر وعشراً، فقال: (إن كان الذي تزوّجها دخل بها فرّق بينهما، ولم تحلّ له أبداً، واعتدّت بما بقي عليها من عدّة الأوّل، واستقبلت عدّةً أخرى من الآخر ثلاثة قروء، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما، وأتمّت ما بقي من عدّتها، وهو خاطب من الخطّاب)(١٠٩).
ورواها بسندين غير ما تقدّم في موضع آخر(١١٠) باختلاف يسير، فقد جاء في الجواب: (قال: إن كان زوجها الذي تزوّجها دخل بها فرّق بينهما، واعتدّت ما بقي من عدّتها الأولى، وعدّةً أخرى من الأخير، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما، واعتدّت ما بقي من عدّتها، وهو خاطب من الخطّاب).
وكلا التعبيرين: (واعتدّت بما بقي عليها من عدّة الأوّل، واستقبلت عدّةً أخرى من الآخر) و(واعتدّت ما بقي من عدّتها الأولى، وعدّةً أخرى من الأخير) ظاهر في الانفصال بين العدّتين، وعدم تداخلهما إذا تزوّجت في عدّة الوفاة ودخل بها.
الرابعة: صحيحة الحلبيّ أو حسنته عن أبي عبد الله g، قال: سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها، فتضع وتزوّج قبل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشراً(١١١)، فقال: (إن كان دخل بها فرّق بينهما، ثمّ لم تحلّ له أبداً، واعتدّت بما بقي عليها من الأوّل، واستقبلت عدّةً أخرى من الآخر ثلاثة قروء، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما، واعتدّت بما بقي عليها من الأوّل، وهو خاطب من الخطّاب)(١١٢).
وهي كسابقتها في الدلالة على أنّ الحبلى المتوفّى زوجها يلزمها التفريق بين العدّتين إذا تزوّجت قبل إتمامها لعدّة الوفاة، كما أنّ هذا هو مفاد الرواية الآتية.
الخامسة: رواية عليّ بن جعفر: وسألته عن امرأة توفّي زوجها وهي حامل، فوضعت وتزوّجت قبل أن تمضي أربعة أشهر وعشراً، ما حالها؟ قال: (لو كان دخل بها زوجها فرّق بينهما، فاعتدّت ما بقي عليها من زوجها [الأوّل]، ثمّ اعتدّت عدّةً أخرى من الزّوج الآخر، ثمّ لا تحلّ له أبداً، وإن تزوّجت غيره ولم يكن دخل بها فرّق بينهما فاعتدّت ما بقي عليها من المتوفّى عنها، وهو خاطب من الخطّاب)(١١٣).
لكنّها غير معتبرة من جهة جهالة حال عبد الله الواسطة بين الحميري وعليّ بن جعفر.
السادسة: مرسلة جميل بن صالح التي رواها في الكافي عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن بعض أصحاب أبي عبد الله g: في أختين أهديتا إلى أخوين في ليلة، فأدخلت امرأة هذا على هذا، وأدخلت امرأة هذا على هذا، قال: (لكلّ واحد منهما الصداق بالغشيان، وإن كان وليّهما تعمّد ذلك أغرم الصداق، ولا يقرب واحد منهما امرأته حتّى تنقضي العدّة، فإذا انقضت العدّة صارت كلّ واحدة منهما إلى زوجها بالنكاح الأوّل)، قيل له فإن ماتتا قبل انقضاء العدّة، قال: فقال: (يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما، ويرثانهما الرجلان)، قيل: فإن مات الرجلان وهما في العدّة، قال: (ترثانهما، ولهما نصف المهر المسمّى، وعليهما العدّة بعد ما تفرغان من العدّة الأولى تعتدّان عدّة المتوفّى عنها زوجها)(١١٤).
وفي الفقيه: (وروى الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، أنّ أبا عبد الله g قال في أختين..)(١١٥)، ولفظه وإن أوهم بدواً عدم الإرسال لكن تعلم الواسطة المجهولة من طريق الكلينيّ، فلا تكون معتبرة.
ودلالتها صريحة في أنّ المتزوّجة إذا وجب عليها أن تعتدّ من وطء الشبهة يجب عليها أيضاً إذا مات زوجها في ذلك الوقت عدّة أخرى لوفاته تبدأ بها بعد الفراغ من العدّة الأولى.
هذه هي الروايات الدالّة على عدم تداخل العدد في حال اجتماعها، وتبيّن أنّها ستّ روايات، اثنتان منها مطلقة بلسان تزويج المرأة في عدّتها، وهي موثّقة محمّد بن مسلم، ورواية عليّ بن بشير النبّال، وثلاث منها في التزويج بها في عدّة الوفاة، وهي موثّقة محمّد بن مسلم الأخرى، وصحيحة الحلبيّ، ورواية عليّ بن جعفر، وواحدة وهي مرسلة جميل بن صالح في من وجب عليها الاعتداد بوطء الشبهة فمات زوجها.
وفي مقابل هذه الروايات الدالّة على عدم التداخل روايات أخر تدلّ على التداخل.
أدلّة التداخل
أمّا الروايات الدالّة على التداخل فهي:
الأولى: موثّقة أبي العبّاس أو صحيحته عن أبي عبد الله g: في المرأة تتزوّج في عدّتها، قال: (يفرّق بينهما، وتعتدّ عدّةً واحدةً منهما جميعاً)(١١٦).
وسندها: (عن سعد، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان، عن جميل، عن ابن بكير، عن أبي العبّاس، عن أبي عبد الله g).
ورواها في موضع آخر بنفس السند إلّا أنّ الذي فيه: (عن ابن بكير أو عن أبي العبّاس)(١١٧)، وفي روضة المتّقين: (وفي بعض النسخ: (وعن أبي العبّاس)، وفي بعضها (أو عن أبي العبّاس))(١١٨).
الثانية: صحيحة زرارة عن أبي جعفر g: في امرأة تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها، قال: (يفرّق بينهما، وتعتدّ عدّةً واحدةً منهما جميعاً)(١١٩).
الثالثة: مرسلة جميل في الفقيه، قال: (وفي رواية جميل بن درّاج في المرأة تتزوّج في عدّتها، قال: يفرّق بينهما، وتعتدّ عدّةً واحدةً منهما، فإن جاءت بولد لستّة أشهر أو أكثر فهو للأخير، وإن جاءت بولد في أقلّ من ستّة أشهر فهو للأوّل)(١٢٠).
وعبارته وإن كانت توهم عدم الإرسال بدواً لكن يظهر استخدامه لهكذا عبارة في الأعمّ من الروايات المسندة والمرسلة، وسيأتي ما يشهد للإرسال(١٢١).
ورواها الشيخ في موضعين من التهذيب، جاء في الموضع الأوّل: (روى ذلك محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل، عن بعض أصحابه عن أحدهما i)(١٢٢).
وفي الموضع الثاني: (أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن صالح، عن بعض أصحابنا عن أحدهما i)(١٢٣).
وهذا ينافي ما نقله الصدوق S من كون الراوي هو جميل بن درّاج بعد استبعاد تعدّد الرواية.
ومن هنا يقع البحث في سندها من عدّة جهات:
الأولى: في تعيين جميل، وهل هو ابن درّاج أو ابن صالح؟
الثانية: في طريق الصدوق إلى جميل.
الثالثة: في إمكان تحديد المرسل عنه.
الرابعة: في إمكان تجاوز الإرسال.
الخامسة: في الطريق الذي ذكره الشيخ للرواية.
أمّا الجهة الأولى فقد يقال فيها بعدم إمكان التعيين؛ فإنّ رواية عليّ بن حديد ـ الراوي عن جميل في الطريق الأوّل للشيخ ـ عن ابن درّاج وإن كانت ثابتة من جهة كونه الراوي المباشر لبعض كتب جميل بن درّاج في طريق النجاشيّ، حيث قال: (وله كتاب اشترك هو ومرازم بن حكيم فيه، أخبرنا الحسين بن عبيد الله، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن حديد عنهما)(١٢٤)، لكن هذا وحده لا يكفي؛ إذ قد وقع عليّ هذا في بعض طرق النجاشيّ راوياً لكتب جميل بن صالح أيضاً، فقد جاء في ذكره لطرقه إلى كتب ابن صالح: (وقد رواه عنه عليّ بن حديد، أخبرنا ابن نوح، عن الحسن بن حمزة، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بن بطّة، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن حديد، عن جميل به)(١٢٥).
لكن ما يمكن أن يجعل قرينةً على التعيين ـ كما أشار إليه السيّد الخوئيّ S(١٢٦) ـ هو رواية عليّ بن حديد عن جميل المصرّح بكونه ابن درّاج في اثنين وثلاثين مورداً(١٢٧) من أصل تسعة وأربعين، فيما أهمل ذكر اسم والد جميل في البقيّة، ولم ترد روايته صريحاً عن جميل بن صالح، إلّا في هذا المورد من الشيخ في أحد موضعي نقله للرواية في التهذيب مخالفاً للصدوق الذي صرّح في الفقيه بكونه ابن درّاج، ومن هنا فدعوى وحدة الرواية وكون الصحيح فيها هو جميل بن درّاج غير بعيدة.
الجهة الثانية: في اعتبار طريق الصدوق إلى جميل بن درّاج.
وقد صرّح السيّد الخوئيّ S بعدم صحّة الاعتماد على الطريق الذي ذكره الصدوق في المشيخة؛ لأنّ طريقه هذا إلى خصوص الكتاب الذي اشترك في تأليفه جميل بن درّاج ومحمّد بن حمران، ولم يصرّح بأنّه طريقه إلى غير ذلك الكتاب(١٢٨)، ومن هنا استعان لتصحيح الرواية بالطريق الذي ذكره الشيخ في الفهرست إلى جميل، فإنّه يمرّ بالصدوق(١٢٩).
ولعلّ بالإمكان الاستغناء عن ذلك بعد الشهرة العظيمة للكتاب، قال النجاشيّ: (له كتاب رواه عنه جماعات من الناس وطرقه كثيرة)(١٣٠)، واحتمال اختلاف النسخ لا يعتنى به عندما يكون النقل بهذا النحو من الاشتهار.
الجهة الثالثة: وهي البحث في إمكان تعيين الواسطة المجهولة.
ويمكن أن يقال في هذا المقام إنّ الشيخ روى في التهذيب باختلاف يسير ذيل المرسلة مسنداً، حيث قال: (عليّ بن الحسن، عن جعفر بن محمّد بن حكيم، عن جميل، عن أبي العبّاس، قال: إذا جاءت بولد لستّة أشهر فهو للأخير، وإن كان أقلّ من ستّة أشهر فهو للأوّل)(١٣١).
والظاهر أنّ لهذا التعبير متعلّقاً، وأنسب ما يحتمل هو أن يكون صدراً لمرسلة جميل: (في المرأة تتزوّج في عدّتها، قال: يفرّق بينهما، وتعتدّ عدّةً واحدةً منهما).
ويتجلّى هذا المعنى أكثر إذا ضممنا إلى ذلك معتبرة أبي العبّاس، وهي الرواية الأولى من هذه الطائفة، فتكون مرسلة ابن درّاج هي نفس معتبرتي أبي العبّاس، وقد ذكر مقدار الحاجة منها في موضعين، فقطّعت لذلك.
لكن على هذا لا ينبغي عدّ مرسلة جميل روايةً ثالثة، بل ترجع إلى المعتبرة الأولى، ومن هذا يمكن ترجيح كون السند في الأولى هو: (عن سعد، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان، عن جميل، عن أبي العبّاس) فتوصف بالصحيحة.
الجهة الرابعة: في إمكان تجاوز الإرسال.
والبحث في هذه الجهة مبنيّ على عدم تماميّة الجهة الثالثة؛ إذ لا معنى للبحث عن تجاوز الإرسال إذا كانت هي الصحيحة الأولى نفسها، ويقرب في هذا المقام الاعتماد على حساب الاحتمال لتجاوز خلل الإرسال، فإنّ الروايات التي يرويها جميل عن الموثّقين من أصحاب الأئمّة i تفوق بنسبة تجعل احتمال كون هذه المرسلة من رواياته عن غير الموثّقين ضئيلاً جدّاً لا يعتنى به(١٣٢).
لكن يمكن أن يقال: إنّه على فرض تماميّة جريان حساب الاحتمال في أمثال المقام، وأنّه ينتج كون احتمال روايته عن غير الموثّقين ضئيلاً، إلّا أنّه لا يدفع احتمال رواية جميل لها عن أبي العبّاس الذي ثبتت روايته لهذا المضمون نفسه، بل بما يقاربها من ألفاظ في المعتبرة الأولى، فلا اطمئنان بكونها روايةً أخرى غير ما تقدّم عن زرارة.
فإن قيل: إنّ البحث في هذه الجهة فرض بناؤه على عدم استيضاح اتّحاد هذه المرسلة مع صحيحة أبي العبّاس.
فجوابه: أنّ عدم استيضاح الاتّحاد رغم فرضه لا ينفي احتمال الاتّحاد، وما ينفع في مقام الإشكال هو الاطمئنان بعدم الاتّحاد.
الجهة الخامسة: في سند الشيخ إلى جميل في المرسلة.
والظاهر عدم اعتباره؛ من جهة وقوع عليّ بن حديد فيه، وقد ضعّفه الشيخ عند تطرّقه لبعض الأسناد في التهذيب قائلاً: (فالطريق إليه عليّ بن حديد، وهو مضعّف جدّاً لا يعوّل على ما ينفرد بنقله)(١٣٣).
وعلى أيّ حال فلسان ما تقدّم من الروايات واحد، وهو يدلّ على كفاية الإتيان بعدّة واحدة لمن تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها، وتكون هذه العدّة منهما جميعاً، وهو معنى تداخل العدّتين مطلقاً.
الرابعة: معتبرة زرارة المرويّة في الكافي، قال: سألت أبا جعفر g عن امرأة نعي إليها زوجها، فاعتدّت وتزوّجت، فجاء زوجها الأوّل، ففارقها وفارقها الآخر، كم تعتدّ للناس؟ قال: (ثلاثة قروء، وإنّما يستبرأ رحمها بثلاثة قروء تحلّها للناس كلّهم)، قال زرارة: وذلك أنّ أناساً قالوا تعتدّ عدّتين من كلّ واحد عدّةً، فأبى ذلك أبو جعفر g قال: (تعتدّ ثلاثة قروء، فتحلّ للرجال)(١٣٤).
ورواها الصدوق في الفقيه بإسناده عن موسى بن بكر، عن زرارة: (قال: سألت أبا عبد الله g)(١٣٥)، ولعلّه من سهو قلمه الشريف، فإنّ الشيخ رواها (بإسناده
عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن عليّ بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر g)(١٣٦)، وهو يؤيّد صحّة ما في الكافي من كون الرواية عن الإمام الباقر g.
وكيفما كان فاعتبارها سنداً مبنيّ على توثيق موسى بن بكر ـ الذي لم يتطرّق لحاله في كتب الرجال ـ بإكثار الأجلّاء، ورواية بعض المشايخ الثلاثة عنه(١٣٧).
الخامسة: مرسلة يونس المرويّة في الكافي عن بعض أصحابه: في امرأة نعي إليها زوجها، فتزوّجت، ثمّ قدم زوجها الأوّل، فطلّقها وطلّقها الآخر، قال: فقال إبراهيم النخعيّ: عليها أن تعتدّ عدّتين، فحملها زرارة إلى أبي جعفر g: فقال: (عليها عدّة واحدة)(١٣٨).
ويجري الكلام في سندها من جهة إسماعيل بن مرّار الراوي لكتب يونس أوّلاً، وفي الإرسال ثانياً.
أمّا إسماعيل فهو ممّن لم يتعرّض له في كتب الرجال بتوثيق ولا تضعيف، وهناك عدّة محاولات لتوثيقه، أهمّها ما حكاه الشيخ S في الفهرست عن الصدوق S أنّ محمّد بن الحسن بن الوليد قال: (كتب يونس بن عبد الرحمن التي هي بالروايات كلّها صحيحة يعتمد عليها إلّا ما ينفرد به محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس، ولم يروه غيره، فإنّه لا يعتمد عليه، ولا يُفتى به)(١٣٩)، وجعله الوحيد البهبهانيّ S في فوائده(١٤٠) شهادة على توثيق بقيّة رواة كتب يونس، وهم إسماعيل بن مرّار، وصالح ابن السنديّ.
وهو الصحيح بعد وضوح تعليق الاعتماد على رواية محمّد بن عيسى عن يونس على انضمام رواية غيره مطلقاً، وحيث إنّ هذا الغير منحصر بإسماعيل وصالح كان ذلك شاهداً منه على وثاقتهما؛ إذ انضمام رواية غير الموثّق إلى رواية من يماثله أو الضعيف لا توجب الوثوق عادةً بالصدور، وعلى هذا فالإشكال فيها من جهة الإرسال فقط.
السادسة: معتبرة زرارة في التهذيب عن أبي جعفر g: في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها، فتزوّجت، ثمّ قدم زوجها بعد ذلك، فطلّقها، قال: (تعتدّ منهما جميعاً ثلاثة أشهر عدّةً واحدةً، وليس للأخير أن يتزوّجها أبداً)(١٤١).
واحتمال اتّحاد الروايات الثلاث الأخيرة وارد جدّاً؛ فإنّ لسان الرابعة والخامسة واحد، وألفاظهما متقاربة، والواقعة واحدة، مضافاً إلى ورود احتمال كون زرارة أو من يروي عنه هو من أرسل عنه يونس، وكذا الحال بين الرابعة والأخيرة؛ فإنّ وحدة الراوي وتقارب الألفاظ يمكن أن يكون قرينة على الاتّحاد.
ثمّ إنّه إذا ضممنا إلى ما تقدّم أنّ جميعها مرويّة عن الإمام الباقر g فلا يستبعد دعوى اتّحادها بعد وحدة الراوي والرواية والمرويّ عنه.
وعلى أيّ حال فدلالتها واضحة على أنّ زوج ذات البعل إذا فقد، وبلغها خبر وفاته، فتزوّجت بعد اعتدادها للوفاة، ثمّ قدم زوجها، فإنّ عليها عدّة وطء الشبهة من الثاني من جهة كونها باقيةً على زوجيّة الأوّل، فلو طلّقت حينئذٍ ـ وهذا سبب آخر لثبوت العدّة عليها ـ فإنّ عليها أن تعتدّ من وطء الثاني وطلاق الأوّل عدّة واحدة، وهو معنى تداخل العدد التي عليها.
هذه هي الروايات التي تدلّ على التداخل، وقد تبيّن أنّ ما يمكن أن يركن إليه هو أنّ عَددها ثلاث، اثنتان منها تدلّ على تداخل العِدد على من تزوّجت في عِدّتها مطلقاً، وهي معتبرة أبي العبّاس وصحيحة زرارة، وأمّا مرسلة جميل فهي وإن كانت بلسانهما إلّا أنّ الأقرب اتّحادها مع معتبرة أبي العبّاس كما تقدّم، فلا تحتسب ثالثة هذه الطائفة، وتبقى واحدة تدلّ على التداخل في من بلغها وفاة زوجها فتزوّجت وتبيّن حياة زوجها فطلّقها وهي معتبرة زرارة الأخرى.
وبهذا يتمّ الكلام فيما يخصّ الحلقة الأولى من هذا البحث، ويجري في الحلقة التالية استعراض الوجوه المطروحة لحلّ التنافي بين مداليل هذه الأخبار إن شاء الله تعالى.
والحمد لله ربّ العالمين.
(١) سورة البقرة: ٢٢٨.
(٢)سورة الطلاق: ١.
(٣)سورة البقرة: ٢٣٤.
(٤) عدّة من الأخبار سيأتي ذكر بعضها في أثناء البحث.
(٥)التنقيح الرائع: ٣/ ٨٤ ـ ٨٥.
(٦) مسالك الأفهام: ٩/ ٣٥٩ ـ ٣٦٠، ويلاحظ أيضاً: الحدائق الناضرة: ٢٥/ ٥٥١، أنوار الفقاهة (كتاب الطلاق): ٦٧، جواهر الكلام: ٣٢/ ٣٦٧، ٣٨٠.
(٧) مختلف الشيعة: ٧/ ٥٠٢.
(٨)المقنع: ٣١٦.
(٩)المصدر السابق: ٣٢٨.
(١٠)المصدر السابق: ٣٥٤.
(١١)الناصريّات: ٣٦١.
(١٢)الخلاف: ٥/ ٧٥.
(١٣)السرائر: ٢/ ٧٤٨.
(١٤)يلاحظ: مسالك الأفهام: ٩/ ٣٥٨، مفاتيح الشرائع: ٢/ ٣٥٥، الحدائق الناضرة: ٢٥/ ٥٥١، جواهر الكلام: ٣٢/ ٣٨٠.
(١٥)مسالك الأفهام: ٩/ ٣٥٨ ـ ٣٥٩.
(١٦) يلاحظ: الخلاف: ١/ ٤٥.
(١٧) يلاحظ: المبسوط: ١/ ٢، ٣.
(١٨) المبسوط: ٥/ ٢٦٧.
(١٩) المصدر السابق.
(٢٠) جواهر الكلام: ٣٢/ ٢٦٦.
(٢١)أجوبة مسائل ورسائل في مختلف الفنون: ٣٤٧.
(٢٢) يلاحظ: الوسيلة: ٣٢٧.
(٢٣) يلاحظ: إصباح الشيعة: ٣٩٩.
(٢٤) يلاحظ: المختصر النافع: ١/ ١٧٨.
(٢٥)يلاحظ: كشف الرموز: ٢/ ١٤٤.
(٢٦) يلاحظ: الجامع للشرائع: ٤٣٤.
(٢٧) المقتصر في شرح المختصر النافع: ٢٣٧.
(٢٨) يلاحظ: غاية المرام: ٣/ ٦٤.
(٢٩) يلاحظ: مسالك الأفهام: ٩/ ٣٤٢.
(٣٠) يلاحظ: روضة المتّقين: ٨/ ٥٢٤، رياض المسائل: ١١/ ٢٣٤.
(٣١) يلاحظ: مسالك الأفهام: ٩/ ٣٤٣.
(٣٢) يلاحظ: نهاية المرام: ١/ ١٧١.
(٣٣) يلاحظ: كفاية الأحكام: ٢/ ١٤٢.
(٣٤)يلاحظ: مفاتيح الشرائع: ٢/ ٣٥٤.
(٣٥)يلاحظ: كشف اللثام: ٨/ ١٥٥.
(٣٦)يلاحظ: الحدائق الناضرة: ٢٥/ ٤٥٩.
(٣٧)يلاحظ: رياض المسائل: ١١/ ٢٣١.
(٣٨) يلاحظ: جواهر الكلام: ٣٢/ ٣٦٤.
(٣٩)يلاحظ: شرائع الإسلام: ٢/ ٢٣٥، المختصر النافع: ١/ ١٧٨.
(٤٠)يلاحظ: التنقيح الرائع: ٣/ ٨٤.
(٤١)يلاحظ: مسالك الأفهام: ٧/ ٣٣٩.
(٤٢)يلاحظ: نهاية المرام: ١/ ١٧١.
(٤٣) يلاحظ: مختلف الشيعة: ٧/ ٥٠٢، إيضاح الفوائد: ٣/ ٣٦١، المهذّب البارع: ٣/ ٢٨٥، جواهر الكلام: ٢٩/ ٤٣٨، أنوار الفقاهة (كتاب الطلاق): ٦٧.
(٤٤) يلاحظ: كشف اللثام: ٨/ ١٥٦.
(٤٥) يلاحظ: رياض المسائل: ١١/ ٢٣٢.
(٤٦) يلاحظ : صفحة (١٤٢) وما بعدها.
(٤٧) يلاحظ : صفحة (١٤٣) وما بعدها.
(٤٨) مختلف الشيعة: ٧/ ٥٠٢.
(٤٩) مسالك الأفهام: ٩/ ٣٤٢، ٣٤٣.
(٥٠) جواهر الكلام: ٢٩/ ٤٣٨.
(٥١) نسبه إلى الشهرة المحدّث الكاشانيّ في مفاتيح الشرائع: ٢/ ٣٥٤.
(٥٢) يلاحظ: صفحة (١٤٢).
(٥٣) نهایة المرام: ١/ ١٧٢.
(٥٤) يلاحظ: كفاية الأحكام: ٢/ ١٤٣.
(٥٥) الحدائق الناضرة: ٢٣/ ٥٨٤.
(٥٦) تكملة العروة: ١/ ١٠٩.
(٥٧) مستمسك العروة الوثقى: ١٤/ ١٤٠.
(٥٨) يلاحظ: صفحة (١٤٧).
(٥٩) قواعد الأحكام: ٣/ ١٥٠.
(٦٠) إيضاح الفوائد: ٣/ ٣٦٢.
(٦١) كذا وردت في المصدر.
(٦٢) معالم الدين: ٢/ ١١٩.
(٦٣) جواهر الكلام: ٣٢/ ٢٦٦.
(٦٤) المصدر السابق: ٣٢/ ٣٨٠.
(٦٥) يلاحظ: صفحة (١٤٤).
(٦٦) المهذّب: ٢/ ٣٣٢.
(٦٧) المصدر السابق: ٢/ ٣٢١.
(٦٨) يلاحظ: صفحة (١٤٧).
(٦٩) يلاحظ: صفحة (١٤٣).
(٧٠) يلاحظ: الموضع السابق.
(٧١) وسائل الشيعة: ٢٠/ ٤٤٦.
(٧٢) المصدر السابق: ٢٠/ ٤٤٩.
(٧٣) موسوعة الإمام السيّد الخوئيّ S (مباني العروة): ٣٢/ ٢٠٥.
(٧٤) العروة الوثقى مع تعليقات السيّد الخوئيّ S: ٢/ ٥٩٨.
(٧٥) المصدر السابق.
(٧٦) يلاحظ: السنن الكبرى: ٧/ ٧٢٥.
(٧٧) يلاحظ: الموطّأ: ١/ ٥٨٣، السنن الكبرى: ٧ / ٧٢٥.
(٧٨) يلاحظ: المبسوط: ٦/ ٤١.
(٧٩) يلاحظ: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: ٥/ ١٩٠.
(٨٠) يلاحظ: الكافي: ٦/ ١٥١.
(٨١) المبسوط: ٦/ ٤١.
(٨٢) بدائع الصنائع: ٣/ ١٩٠.
(٨٣) المدوّنة الكبرى: ٢/ ٤٤٠.
(٨٤) عيون المسائل: ٣٨٦.
(٨٥) بداية المجتهد: ٣/ ١١٣.
(٨٦) المغني: ٩/ ١٢٠.
(٨٧) روضة الطالبين: ٦/ ٣٦٢.
(٨٨) المسائل الناصریّات: ٣٦١ ـ ٣٦٢.
(٨٩) الخلاف: ٥/ ٧٦.
(٩٠) غاية المرام: ٣/ ٦٤.
(٩١) جامع المقاصد: ١٢/ ٣٠٩.
(٩٢) يلاحظ: مسالك الأفهام: ٧/ ٣٣٩، نهاية المرام: ١/ ١٧١، مفاتيح الشرائع: ٢/ ٣٥٤، كشف اللثام: ٧/ ١٨٢، رياض المسائل: ١١/ ٢٣١، أنوار الفقاهة (كتاب النكاح): ١٢٤.
(٩٣) يلاحظ: صفحة (١٤٢).
(٩٤) يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: ١٤/ ١٤٠، موسوعة الإمام السيّد الخوئيّ: ٣٢/ ٢٠٠.
(٩٥) جواهر الكلام: ٣٢/ ٣٦٧ ـ ٣٦٨.
(٩٦) يلاحظ: تكملة العروة الوثقى:١/ ١٠٦ ـ ١٠٧، مستمسك العروة الوثقى: ١٤/ ١٤٠، شرح العروة الوثقى(مباني العروة الوثقى): ٣٢/ ٢٠٠.
(٩٧) يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: ١٤/ ١٤٠.
(٩٨) الكافي: ٦/ ١٥١، باب المرأة يبلغها نعي زوجها أو طلاقه فتتزوّج..، ح١.
(٩٩) الكافي: ٥/ ٤٢٨، باب المرأة التي تحرم على الرجل فلا تحلّ له أبداً، ح٨.
(١٠٠) تهذيب الأحكام: ٧/ ٣٠٩، ح١٢٨٤.
(١٠١) يلاحظ: الحدائق الناضرة: ٢٣/ ٥٩٠، تكملة العروة: ١/ ١٠٩، مستمسك العروة: ١٤/ ١٤١.
(١٠٢) ملاذ الأخيار: ١٢/ ١٣٦.
(١٠٣) يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئيّ: ٣٢/ ٢٠١.
(١٠٤) مستمسك العروة: ١٤/ ١٣٨.
(١٠٥) يلاحظ: رجال النجاشيّ:٣٤٤.
(١٠٦) يلاحظ: بصائر الدرجات: ١/ ٢٨٤، الكافي: ٣/ ٤٣٤.
(١٠٧) يلاحظ: رجال البرقيّ: ١٠، رجال الطوسيّ (الأبواب): ١٢٥.
(١٠٨) يلاحظ: المحاسن: ١/ ٢٥٥، ٢/ ٥٠١، رجال الطوسيّ (الأبواب): ٣٢٢.
(١٠٩) الكافي: ٥/ ٤٢٧، باب المرأة التي تحرم على الرجل فلا تحلّ له أبداً، ح٥.
(١١٠) يلاحظ: الكافي: ٦/ ١١٤، باب عدّة الحبلى المتوفّى عنها زوجها ونفقتها، ح٧.
(١١١) كذا في المصدر، وفي طبعة دار الحديث من الكافي: ١٠/٨٤٠ وجود نسخة فيها: (عشر)، وكذا في التهذيب: ٧/ ٣٠٦، باب من يحرم نكاحهن..، ح٣١.
(١١٢) الكافي: ٥/ ٤٢٧، باب المرأة التي تحرم على الرجل فلا تحلّ له أبداً، ح٤.
(١١٣) قرب الإسناد: ٢٤٩.
(١١٤) الكافي: ٥/ ٤٠٧، باب المدالسة في النكاح وما تردّ منه المرأة، ح١١.
(١١٥) من لا يحضره الفقيه: ٣/ ٤٢٢، ح٤٤٦٩.
(١١٦) تهذيب الأحكام: ٧/ ٣٠٨، ح١٢٨٠.
(١١٧) المصدر السابق: ٨/ ١٦٨، ح٥٨٥.
(١١٨) روضة المتّقین: ٨/ ٥٢٤.
(١١٩) تهذيب الأحكام: ٧/ ٣٠٨، ح١٢٧٨.
(١٢٠) من لا يحضره الفقيه: ٣/ ٤٧٠، ح٤٦٣٩.
(١٢١) يلاحظ: صفحة (١٨٠).
(١٢٢) تهذيب الأحكام: ٧/ ٣٠٩، ح١٢٨٣.
(١٢٣) المصدر السابق: ٨ / ١٦٨،ح٥٨٤.
(١٢٤) رجال النجاشيّ: ١٢٧.
(١٢٥) المصدر السابق: ١٢٨.
(١٢٦) يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئيّ: ٣٢/ ١٩٧.
(١٢٧) يلاحظ: الكافي: ١/ ٣٨٨، ٢/ ٤٢٨، ٣/ ٤١، ٣٧٥، ٤/ ٤٤١، ٤٧٩، ٥/ ١٧٩، ٢١٣، ٢٢٩، ٢٨٠، ٦/ ٨٥، ١٦٦، ٧/ ٨١، ٢١٩، ٢٥٦، ٣٢٠، ٣٥٧، ٨/ ٢٧٤، ٣٤١، ٣٤٥، تهذيب الأحكام: ١/ ٢٥٦، ٢/ ٢٧١، ٦/ ٣٤٩، ٧/ ٢٥، ١٠٠، ٢٧٦، ٣٠٠، ٣٧٣، ٩/ ٢١٦، ٣٧٨، ١٠/ ١٢٢، ١٢٩.
(١٢٨) يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: ٤/ ٤٣٠.
(١٢٩) يلاحظ: الفهرست:٤٤.
(١٣٠) يلاحظ: رجال النجاشيّ: ١٢٧.
(١٣١) تهذيب الأحكام: ٨/ ١٦٧، وعليّ بن الحسن هو ابن فضّال، وإكثاره الرواية عن جعفر بن محمّد بن حكيم كافٍ في توثيقه.
(١٣٢) يلاحظ في ذلك مجلّة دراسات علميّة عدد (١٤): ٢٤٥ وما بعدها.
(١٣٣) تهذيب الأحكام: ٧/ ١٠١.
(١٣٤) الكافي: ٦/ ١٥١، باب المرأة يبلغها نعي زوجها ..، ح١
(١٣٥) من لا يحضره الفقيه: ٣/ ٥٤٨، ح٤٨٨٨.
(١٣٦) تهذيب الأحكام: ٧/ ٤٨٨، ح١٩٦١.
(١٣٧) روى عنه عبد الله بن المغيرة في الكافي: ٢/ ٥٥٥، ٤/ ٥٢، ٧/ ١٠٤، ١١٤، ويونس بن عبد الرحمن في الكافي: ٢/ ٢٥، ٣٨٩، ٧/ ٨١، وأكثر عنه صفوان من المشايخ الثلاثة في الكافي: ١/ ٢٢٢، ٥/ ١٩٩، ٣٨١، ٣٨٩، ٦/ ٧٦، ٨٢، ٨٨، ١٠٤ وغيرها، كما روى عنه في من لا يحضره الفقيه: ٣/ ٤١٦ بتوسّط صفوان بن يحيى ومحمّد بن أبي عمير.
(١٣٨) الكافي : ٦/ ١٥١، باب المرأة يبلغها نعي زوجها ..، ح٢.
(١٣٩) الفهرست: .٥١٢
(١٤٠) الفوائد الحائريّة: ٢٣١.
(١٤١) تهذيب الأحكام: ٧/ ٣٠٨، ح١٢٧٩.