
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف النبيّين محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
تقدّم الكلام في الحلقة الأولى عن محاور ستّة:
أوّلها: استعراض كلمات الفقهاء z, وقد ظهر من مطاوي البحث فيها التشكيك في نسبة بعض الفقهاء القول بعدم التداخل مطلقاً إلى أبي عليّ ابن الجنيد الإسكافيّ والشيخ الصدوق, كما ظهر وجود قول آخر للشيخ وتفصيل لابن إدريس.
ثانيها: ذكر أقوال الفقهاء في المسألة, وهي ستّة: قولان بالتداخل وعدمه مطلقاً, والأربعة الأخر مختلفة في كيفيّة التفصيل.
ثالثها: كلمات فقهاء العامّة وأقوالهم, وقد ظهر اختلافهم أيضاً, فقد نسب في أخبارهم إلى أمير المؤمنين g القول بعدم التداخل, وكذلك إلى عمر, وهو قول مالك في أحد النقلين عنه، وابن حنبل والشافعيّ. وأمّا عدم التداخل فقد نسب إلى معاذ بن جبل, وهو قول مالك على النقل الآخر، وأبي حنيفة.
رابعها: في بيان أنّ مقتضى القاعدة في المقام على فرض عدم قيام الدليل هو التداخل, حتّى إن لم يلتزم بكونه مقتضى القاعدة في مقامات أخر مماثلة.
خامسها: الأدلّة الدالّة على عدم التداخل, وتمّ استعراض ستّ من الروايات الدالّة على عدم التداخل, أهمّها موثّقتي محمّد بن مسلم وصحيحة الحلبيّ.
سادسها: الأدلّة الدالّة على التداخل, وتقدّم أنّها ستّ روايات أيضاً, لكن بعد استقراب إرجاع بعضها إلى بعض ظهر أنّه لا اطمئنان بكونها أكثر من ثلاث, وهي معتبرة أبي العبّاس، وصحيحة زرارة، ومعتبرته الأخرى.
هذا مجمل ما تقدّم في الحلقة الأولى.
وقد وصل البحث إلى إمكان الجمع بين الأدلّة وكيفيّته, وفي هذا المقام يمكن أن يقال:
كيفيّة التعامل مع تعارض الروايات
إنّه قد وقع الكلام والنقض والإبرام في كيفيّة التعامل مع هذه الأخبار لعلاج التنافي الواقع بين دلالاتها.
الوجوه التي تنتج عدم التداخل.
والابتداء أوّلاً بذكر الوجوه التي تنتج عدم التداخل مطلقاً باعتباره المنسوب إلى المشهور، وهي وجوه عديدة:
الوجه الأوّل: ما ذكره الشيخ S من حمل الأخبار المفيدة لتعدّد العِدد على حصول الدخول، والأخبار الدالّة على التداخل على عدمه، قال في التهذيب: (ومتى كان قد دخل بها لزمتها عدّتان: تمام عدّتها من الأوّل، وعدّة أخرى من الذي دخل بها بعد العقد عليها)(١).
وذكر دليلاً عليه موثّقة محمّد بن مسلم، وهي الرواية الثالثة من روايات عدم التداخل، ثمّ ذكر في قبالها ثلاث من روايات التداخل: صحيحة زرارة، وموثّقته الأخرى، ومعتبرة أبي العبّاس, وهي الروايات: الثانية، فالسادسة، فالأولى من أخبار التداخل المتقدّمة.
ثمّ قال معلّقاً: (فليس بمنافٍ لما ذكرناه؛ لأنّه ليس في هذه الأخبار أنّه كان دخل بها، ونحن إنّما أوجبنا العدّة الثانية عليها إذا كان قد دخل بها، فأمّا إذا لم يدخل بها فيجزيها عدّة واحدة، ولا تنافي بين الأخبار)(٢)، ونفس هذا المعنى جاء في الاستبصار(٣)، وقد استحسنه الفاضل الآبي S، فقال معلّقاً على روايات التداخل: (وحملها الشيخ على أنّه لم يدخل الثاني توفيقاً بين الروايتين، وهو حسن)(٤)، كما ارتضاه الفاضل المقداد في التنقيح(٥)، والمحقّق الكركيّ في جامع المقاصد O(٦).
ولكن ترد على هذا الوجه إيرادات عديدة:
الأوّل: أنّ الشيخ S بعد ذكره لهذا الجمع استدلّ بعد صفحة واحدة في مسألة إلحاق الولد برواية تنافي هذا الحمل، وهي مرسلة جميل ـ الثالثة من روايات تداخل العدد المتقدّمة ـ وقد جاء في ذيلها: (وإن جاءت بولد لستّة أشهر أو أكثر فهو للأخير، وإن جاءت بولد لأقلّ من ستّة أشهر فهو للأوّل)(٧)، وهي صريحة في إثبات تداخل العدد مع حصول الدخول؛ إذ لا يلحق به الولد إن لم يكن هناك دخول، وقد أشار إليه المجلسيّ الأوّل S(٨).
وهي وإن كانت مرسلة إلّا أنّ اعتماده عليها في ما استدلّ له بها من إلحاق الولد يلزمه برفع اليد عن الجمع الذي ذكره؛ إذ لا يمكن التفريق في الأخذ بين جهة وأخرى بعد أن كانا مدلولين طوليّين لرواية واحدة.
هذا مضافاً إلى ما تقدّم في الحلقة الأولى من إمكان تجاوز الإرسال بحساب الاحتمالات، ومن استقراب كون ذيلها ذيلاً لصحيحة أبي العبّاس أيضاً، بل هي نفسها(٩).
الإيراد الثاني: عدم وجود شاهد على هذا الجمع، فهو لا يعدو أن يكون جمعاً تبرّعيّاً يخلو عن الشاهد، ومجرّد ملاءمته لرفع التعارض الواقع بين الأدلّة لا يكفي للبناء عليه والعزوف عن إطلاق مداليل هذه الأخبار.
الإيراد الثالث: أنّ التعليل الوارد في معتبرة زرارة ـ الرابعة من روايات التداخل ـ لثبوت عدّة واحدة بأنّها: (إنّما تستبرئ رحمها بثلاثة قروء) إنّما يتلاءم مع افتراض الدخول من الثاني، ولو كان الملحوظ فيها عدم الدخول لكان التعليل بفقدان ما يوجب ثبوت عدّة أخرى هو المتعيّن، لا ما ذكر.
وكون مورد هذه المعتبرة التزويج بذات البعل ـ لكي يدّعى لزوم اختصاص المذكور فيها به ـ إنّما يرد عند من يجيز التفصيل بين هذا المورد وبين التزويج بالمعتدّة، لكن تقدّم في الحلقة الأولى من البحث(١٠) تصريح الشيخ ـ بل جمع ـ بعدم الفرق بين الموردين.
الإيراد الرابع: ما عن جماعة(١١) من أنّ التعبير في أخبار التداخل بأنّ هذه العدّة الواحدة منهما جميعاً لا يتلاءم مع الحمل على عدم الدخول؛ إذ من الواضح عدم ثبوت عدّة أصلاً إذا لم يفرض الدخول، فلا وجه على هذا الحمل لنسبة العدّة في هذه الأخبار إليهما.
الإيراد الخامس: ذكر في جامع المقاصد أنّ لازم حمل أخبار التداخل على عدم الدخول هو ثبوت التحريم المؤبّد بمجرّد العقد مع الجهل بالزوجيّة، فإنّه ـ مع بعده ـ لا قائل به(١٢)؛ إذ إنّ موثّقة زرارة ـ السادسة من أخبار التداخل ـ بعد أن جاء فيها كفاية عدّة واحدة منهما جميعاً صرّحت بأنّ ليس للأخير أن يتزوّجها أبداً، فلازم حملها على عدم الدخول ثبوت الحرمة المؤبّدة حتّى مع الجهل وعدم الدخول، وهذا ـ مضافاً إلى بُعدِه بَعدَ مخالفته لجملة من الأخبار(١٣) ـ لا قائل به.
ولكن قال الشهيد الثاني S في المسالك: (وحكمه بتحريمها على الثاني مؤبّداً لا يدلّ على دخوله أيضاً؛ لجواز استناد التحريم إلى علمه بالحال، فإنّه يوجب التحريم وإن لم يدخل)(١٤)، ومراده أنّ التحريم الوارد يمكن أن يسند إلى موجبه الآخر، وهو العلم بالاعتداد، فلا تكون الموثّقة شاهداً على خلاف مدّعى الشيخ.
ولكن يرد عليه:
أوّلاً: فقدان ما يوجب انحصار الموثّقة في صورة العلم، بل لم يظهر منها حتّى شمولها لها، فإنّه لم يفرض لا في سؤال السائل، ولا في جواب الإمام، فلا بدّ من انصرافها إلى الحالة الشائعة من هكذا سؤال، وهي في العادة صورة الجهل والاشتباه, بل لو كانت مختصّة أو شاملة لصورة العلم لنصّ على ذكرها السائل؛ لأنّها مظنّة في العرف لاختصاص حكم شرعيّ بها, وعلى أيّ حال فشمولها لفرض الجهل ممّا لا ينبغي المناقشة فيه، وعليه فلا بدّ حينئذٍ من افتراض الدخول؛ لأنّه الموجب الوحيد للتحريم المؤبّد في هذا الحال.
وثانياً: أنّه لو فرض علم الواطئ فإنّه يكون زانياً، ولا عدّة منه عند المشهور، بل ادّعي عدم الخلاف فيه إلّا من بعض(١٥)، فيخرج العلم عن مورد الرواية؛ للحكم فيها بثبوت العدّة منهما معاً, وهذا شاهد آخر ـ بعد تسليم قول المشهور ـ على أنّ الموثّقة قد فرض فيها عدم العلم، فلا بدّ من فرض الدخول حينئذٍ؛ لأنّه الموجب الوحيد للتحريم في فرض الجهل.
فإن قيل: إنّ المشهور وإن التزم بانتفاء العدّة من الزاني لكنّ المقام يختلف، لخصوصيّة انضمام تعمّد التزويج إلى الزنا ممّا قد يسبّب اختلاف الحكم عن الزنا المجرّد عنه.
فجوابه: أنّ الذي يُتصيّد من كلماتهم ـ بل صريح بعضها(١٦) ـ أنّ سبب الحكم بعدم العدّة من الزاني هو عدم كون وطئه محترماً, ومن الواضح أنّ انضمام التزويج لا يخرج الزنا إلى الاحترام.
الإيراد السادس: ما عن بعض مراجع العصر (مدظله) من أنّ لازم هذا الجمع حمل المطلق على الفرد النادر، فإنّ تعبيراً مطلقاً كتعبير(التزويج في العدّة) يمكن أن يدّعى انصرافه إلى فرض الدخول، ولا يمكن فرضه خارجاً عن هذا الإطلاق(١٧).
لكنّ دعوى الانصراف إلى فرض الدخول غير ظاهرة, بعد ظهور النصّ وشهرة الفتوى(١٨) في كون التزويج حقيقةً في العقد.
ولعلّ مراده F أنّ عنوان (التزويج بالمعتدّة) وإن كان شاملاً لكلّ من عقد عليها لكنّ انطباقه على الداخل بها أوضح وأشدّ صدقاً من انطباقه على من لم يدخل, وليس معنى ذلك التشكيك في انطباقه على غير الداخل, ومن هنا كان إخراج المصداق الأوضح عن العنوان ليس بمتعارف عند أهل المحاورة.
وممّا تقدّم يظهر عدم تماميّة الوجه الأوّل لرفع التنافي بين الطائفتين.
الوجه الثاني: ترجيح الأخبار الدالّة على عدم التداخل بالأشهريّة، قال المحقّق S: (لو تزوّجت في العدّة لم يصحّ، ولم تنقطع عدّة الأوّل، فإن لم يدخل بها الثاني فهي في عدّة الأوّل، وإن وطأها الثاني عالماً بالتحريم فالحكم كذلك حملت أو لم تحمل، ولو كان جاهلاً ولم تحمل أتمّت عدّة الأوّل؛ لأنّها أسبق، واستأنفت أخرى للثاني على أشهر الروايتين)(١٩).
فإنّه قد رجّح القول بعدم التداخل في مقام تعارضت فيه الأخبار بملاك كونه أشهر الروايتين، لا أشهر القولين.
ويمكن أن يقال فيه: إنّ كون الشهرة الروائيّة من مرجّحات باب التعارض محلّ نقاش عند أغلب المتأخّرين من محقّقي الأصول(٢٠).
ثمّ إنّه لو أُغمض عن ذلك فالموجب لتقديم الرواية المشهورة مختصّ بما إذا كان الخبر المخالف شاذّاً نادراً؛ لورود: (ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك)(٢١) ونحوه في أدلّة هذا المرجّح، وهذا بخلاف ما نحن فيه، فإنّ الروايات الدالّة على التداخل كثيرة، بل قد يدّعى كونها أكثر من روايات عدم التداخل، كما سيأتي.
ومن هنا فسّر في الحدائق هذه الشهرة بقوله: (والظاهر من نسبة الرواية إلى الشهرة أنّ المراد بها الشهرة في الفتوى، فإنّ المشهور هو التعدّد كما عرفت، وإلّا فالشهرة في الرواية إنّما هي في جانب الروايات الدالّة على الاتّحاد)(٢٢).
ونحو ذلك ذكر في الجواهر، فإنّه أضاف كلمة (عملاً) إلى الشهرة تفسيراً لما تقدّم من قول المحقّق S، فقال: (ولو كان جاهلاً ولم تحمل أتمّت عدّة الأوّل؛ لأنّها أسبق، واستأنفت أخرى للثاني على أشهر الروايتين عملاً)(٢٣).
وعلى أيّ حالٍ، فإن كان مراد المحقّق من الشهرة في كلامه المتقدّم الشهرة العمليّة الفتوائيّة فهي ليست من المرجّحات المقرّرة في علم الأصول للأخبار المتعارضة، وإن كان مراده الشهرة الروائيّة لأخبار عدم التداخل بالنسبة إلى أخبار التداخل فقد تقدّم الإشكال فيها، ومنه يظهر عدم تماميّة الوجه الثاني أيضاً.
الوجه الثالث: تعيّن العمل بأخبار عدم التداخل؛ لسقوط أخبار التداخل عن الحجّيّة بعد إعراض الأصحاب عنها.
ففي الجواهر ـ بعد أن نقل الإجماع على عدم التداخل من الخلاف، ومخالفة ابن الجنيد، والاختلاف في كلمات الصدوق، ثمّ الأخبار الدالّة على التداخل ـ قال: (إلّا أنّ الجميع كما ترى، بعدما عرفت من الشهرة العظيمة، فضلاً عن الإجماع المحكيّ، بل يمكن دعوى تحصيله، فلا مكافأة حتّى يجمع بينهما بذلك .. على أنّه اجتهاد في مقابلة النصوص المعمول بها بين الأصحاب، بل قد سمعت دعوى الإجماع على مضمونها، فلا تصلح النصوص المزبورة بعد الإعراض عنها مكافئة لها)(٢٤).
وآخر كلامه صريح بعدم صلاحيّة أخبار التداخل لمعارضة أخبار عدم التداخل، من جهة أنّ الأصحاب عملوا بالأخيرة، وأعرضوا عن الأولى.
وكلامه يتضمّن أمرين:
الأوّل: أنّ هناك إعراضاً من قبل الأصحاب عن العمل بمدلول أخبار التداخل.
الثاني: أنّ هذا الإعراض يوجب سقوط هذه الأخبار عن الحجّيّة.
أمّا الأمر الأوّل فإعراض الأصحاب عن أخبار التداخل في كلامه مبنيّ على ثلاث مقدّمات:
الأولى: تحقّق الشهرة العظيمة على عدم التداخل، وعدم العامل بأخبار التداخل، إلّا ما حكي عن ابن الجنيد من ذهابه إلى التداخل مطلقاً.
الثانية: اضطراب كلام الصدوق في المقنع، فلا يحرز عمله بأخبار التداخل لكي يجعل مخالفاً كابن الجنيد.
الثالثة: الاعتناء بنقل الإجماع على عدم التداخل من الشيخ في الخلاف، وجعله دليلاً آخر لإعراض الأصحاب عن أخبار التداخل.
ويمكن التأمّل في جميعها:
أمّا المقدّمة الأولى فيقال فيها: إنّ الشهرة ـ سواء قيل باختصاص المعتبرة منها بما تكون بين المتقدّمين؛ لقربهم من عصر صدور النصوص، الأمر الذي يجعلهم في معرَض الاطّلاع على ما قد يخفى على غيرهم، كما هو مذهب جماعة(٢٥), أو بُني على عكس ذلك، وأنّ المتأخِّرين أكثر إحاطةً ونظراً بالأدلّة وتمحيصها، كما هو مذهب آخرين(٢٦), أو قيل بكفاية مطلق الشهرة، كما قد يظهر من بعض العبائر(٢٧)ـ يمكن أن يُشكّك بتحقُّقها على عدم التداخل مطلقاً فضلاً عن وصفها بالعظيمة؛ وذلك لأنّ المُدّعى شهرة القول بالتداخل مطلقاً، في حين أنّ من ذهب إليه بهذا النحو هو السيّد ـ على ما يستفاد من أدلّته التي أوردها في التزويج بالمعتدّة الذي هو مورد تصريحه بعدم التداخل ـ والشيخ وابن البرّاج(٢٨) وابن إدريس ـ على ما تقدّم في الحلقة الأولى ـ والعلّامة(٢٩) وابنه(٣٠) z, على خلاف ابن الجنيد والصدوق (مدظله) حيث فصَّلا كما تقدَّم, مع أنّ هناك مجموعة من الأعلام ممَّن تأخَّر عنهم عند تعرّضهم لفرض التزويج بالمعتدّة ذكروا أنّ الحكم فيه هو عدم التداخل، ولم يظهر منهم التعميم لبقيّة الموارد, ويمكن أن يعدّ في هذا المقام ابن حمزة(٣١) وابن إدريس ـ على ما في بعض كتبه, بل صرّح فيها باختصاص عدم التداخل بمورد النصّ(٣٢)ـ والكيدريّ(٣٣) والمحقّق(٣٤) والفاضل الآبيّ(٣٥) وابن فهد(٣٦) والصيمريّ(٣٧) والشهيد الثاني(٣٨)U، والظاهر عدم إمكان عدّهم من القائلين بقول السيّد والشيخ، أي التداخل بنحو الإطلاق؛ لعدم وضوح قولهم بعدم التداخل في غير المورد المنصوص في كلماتهم، وهو التزويج بالمعتدّة.
ويظهر أنّ صاحب الجواهر S ـ حيث إنّه لم يحتمل منهم التفصيل ـ اعتبرهم من القائلين بعدم التداخل مطلقاً لمجرّد ذهابهم إلى عدم التداخل في مورد التزويج بالمعتدّة، بل إنّه أغمض حتّى عن تفصيل ابن الجنيد والصدوق، ولعلّ هذا هو المبرّر لدعواه الشهرة العظيمة على عدم التداخل.
ولكنّ استبعاد التفصيل ليس في محلّه؛ إذ لا شاهد عليه خصوصاً بعد ما تقدّم من تصريح ابن الجنيد بالتفريق في الحكم بين فرضين، وكذا التزام الصدوق بذلك بين الموارد الثلاثة التي ذكرها في المقنع، وأمّا عدم التصريح بالتفصيل من القسم الآخر من الفقهاء المتقدّم ذكرهم فإنّه وإن كان لا يجعلهم في عداد المفصّلين، لكن كذلك لا يجعلهم من المانعين من التداخل مطلقاً؛ لأنّ مجرّد ورود احتمال التزامهم بالتفصيل كافٍ في عدم وضوح عدّهم من القائلين بعدم التداخل مطلقاً.
ومنه يظهر النظر فيما جاء في المستمسك من قوله: (ومن الغريب أنّ الصدوق الذي نسب إليه القول بالتداخل في كتاب المقنع ـ حيث قال في آخر كتاب الإيلاء منه: (فإن نعي إلى المرأة زوجها فاعتدّت وتزوّجت، ثمّ قدم زوجها فطلّقها، وطلّقها الأخير، فإنّها تعتدّ عدّة واحدة ثلاثة قروء)، وهو مضمون موثّق زرارة الوارد في ذات البعل ـ قال في كتاب النكاح منه: (وإذا تزوّج الرجل امرأة في عدّتها ولم يعلم، وكانت هي قد علمت أنّه قد بقي من عدّتها، ثمّ قذفها بعد علمه بذلك، فإن كانت علمت أنّ الذي عملت محرّم عليها، فندمت على ذلك، فإنّ عليها الحدّ حدّ الزاني، ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئاً، فإن فعلت بجهالة منها ثمّ قذفها ضرب قاذفها الحدّ، وفرّق بينهما، وتعتدّ عدّتها الأولى، وتعتدّ بعد ذلك عدّة كاملة) وهو مضمون رواية عليّ بن بشير المشار إليها في أخبار التعدّد، فنسبة القول بالتداخل إليه غير ظاهرة، ولو أمكن التفكيك بين المسألتين كان اللازم نسبة التداخل إليه في تزويج ذات البعل، والتعدّد إليه في تزويج ذات العدّة، لكن عرفت التسالم على عدم الفرق، فالكلامان متنافيان مع قرب ما بينهما)(٣٩).
فإنّ الذي يظهر من كلامه أنّ تمام النكتة في المنع عن التفريق بين الموردين، بل حتّى التوقّف في نسبة القول بالتداخل للصدوق هي عدم إمكان التفكيك الناشئ من التسالم على عدم الفرق.
لكنّه قد تبيّن ممّا تقدّم ما في دعوى الشهرة ـ فضلاً عن وصفها بالعظيمة ـ من نظر، فكيف بدعوى التسالم؟!
كما اتّضح أيضاً انتفاء الغرابة عن عدّ الصدوق من الذاهبين إلى التفصيل بين الموارد التي ذكرها في المقنع.
ثم إنّ ما ذكره في المستمسك من أنّه بناءً على إمكان التفكيك يكون رأي الصدوق هو القول بالتفصيل بين التزويج بذات البعل والتزويج بالمعتدّة، بالتداخل في الأوّل دون الثاني، فالظاهر أنّه أيضاً محلّ نظر؛ وذلك لأنّ ما ذكره مبنيّ على عدم وجود غير الموردين المتقدّمين في كلامه.
ولكن قد ظهر ممّا تقدّم عند نقل أقوالهم أنّ هناك مورداً ثالثاً ذكره في المقنع لم يشر إليه في المستمسك، ولا في غيره ممّن تقدّمه، وهو قوله: (وسئل الصادق g عن أختين أهديتا لأخوين في ليلة واحدة، فأدخلت امرأة هذا على هذا، وامرأة هذا على هذا، قال: فلكلّ واحد منهما الصداق بالغشيان، فإن كان وليّهما تعمّد ذلك أغرم الصداق، ولا يقرب واحد منهما امرأته حتّى تنقضي العدّة .. قيل: فإن مات الزوجان وهما في العدّة؟ قال g: ترثانهما، ولهما نصف المهر المسمّى، وعليهما العدّة، ثمّ بعد ما تفرغان من العدّة الأولى تعتدّان عدّة المتوفّى عنها زوجها)(٤٠).
وعليه يكون رأي الصدوق S التفصيل بين التزويج بالمعتدّة وكذا بذات البعل إذا توفّي زوجها، فإنّه في كلا الفرضين لا تتداخل عليها العدّتان، وبين التزويج بذات البعل إذا طلّقها زوجها فتتداخلان.
وأمّا نسبة الجواهر إطلاق المخالفة إلى ابن الجنيد S فيمكن أن يناقش فيها بالبيان التالي:
إنّ أخبار التداخل التي أوردها صاحب الجواهر على قسمين، فمورد بعضها التزويج بمطلق المعتدّة، ومورد البعض الآخر ذات البعل إذا وطئت شبهة ثمّ طلّقها زوجها، وقد تقدّم عند ذكر أقوال الفقهاء ذهاب ابن الجنيد إلى نحوٍ من التفصيل، وأنّه عمل بمدلول القسم الثاني من هذه الأخبار في موردها، فهو إذن ليس من الملتزمين بالتداخل مطلقاً.
وأمّا المقدّمة الثانية ـ من اضطراب كلام الصدوق S ـ فقد عرفت ما يرد عليها، وأنّ الصدوق تعرّض في المقنع بمتون روايات لثلاثة من الموارد التي تجتمع فيها على المرأة عدّتان، نصّ في أحدها على التداخل، وفي الآخرين على عدمه، فهو إذن قائل بالتفصيل، لا أنّ كلامه في الموارد المختلفة في الحكم يحمل على اضطراب الرأي، غاية الأمر أنّ العلّامة لم يحك عنه في المختلف إلّا المورد الذي ذهب فيه إلى التداخل؛ لاقتضاء منهجيّة كتابه ذلك، ولم يذكر الموردين الآخرين، ولعلّه بعد تتبّع بعض الفقهاء للمقنع، وعثورهم على مورد قد حكم فيه بعدم التداخل، استقربوا اضطراب الرأي، فلم يعدّوه لا من القائلين بالتداخل، ولا من الذاهبين إلى عدمه.
وبهذا يظهر عدم انفراد ابن الجنيد بالعمل ببعض أخبار التداخل، بل عمل بها الصدوق، بل يظهر من الشرائع وجود القائل بالتداخل في التزويج بالمعتدّة، ولا ينبغي توهّم حمله على ابن الجنيد والصدوق، أمّا الصدوق فواضح؛ لتصريحه بعدم التداخل فيه، وأمّا ابن الجنيد فلعدم نقل العلّامة S في المختلف ـ الذي ألّفه لإحصاء الأقوال في المسائل المختلف فيها ـ الخلاف منه في هذا المورد مع ذكره مخالفته في مورد ذات البعل.
وأمّا المقدّمة الثالثة ـ من جعل الإجماع المنقول في كتاب الخلاف على عدم التداخل دليلاً على إعراض الأصحاب عن أخبار التداخل ـ فيمكن أن يورد عليها كما عن جملة من الفقهاء(٤١): بأنّه لا ينبغي الاعتماد على ما ينقل في كتاب الخلاف حتّى بمقدار معرفة الرأي الذي استقرّ عليه الشيخ فضلاً عن الإصغاء لدعاوي الإجماع فيه؛ كون الغاية من كتابته إحصاء أصل الخلافات الواقعة بين فقهاء الخاصّة والعامّة، ولذا تجد مخالفته صريحاً في بقيّة كتبه لكثير ممّا أورده في الخلاف، بل لبعض ما ادّعى فيه الإجماع، حتّى أنّ بعض أعلام العصر صرّح بأنّ إجماعات الشيخ في الخلاف لا تدلّ على الشهرة(٤٢).
هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل من الأمرين المتضمّنين في كلام الجواهر، وقد تبيّن عدم وجود شهرة واضحة على القول بعدم التداخل مطلقاً، ومنه يظهر عدم تماميّة الإعراض المدّعى عن عموم نصوص التداخل.
نعم، يمكن دعوى ثبوت الإعراض منهم عن خصوص ما دلّ على التداخل في مورد التزويج بالمعتدّة؛ إذ لم يظهر الخلاف من أحد في عدم التداخل في هذا المورد سوى ما نسبه المحقّق إلى قائل مجهول.
وأمّا الأمر الثاني ـ من دعوى صاحب الجواهر S في أنّ الإعراض عن أخبار التداخل يوجب سقوطها عن الحجّيّة ـ فالكلام يجري فيه بناءً على تسليم تحقّق الإعراض عن مطلق أخبار التداخل، أو عن خصوص القسم الدالّ على التداخل في التزويج بالمعتدّة للاتّفاق على عدم العامل بها إلّا من مجهول.
ويمكن أن يقال في مقام الجواب عنه ـ وفاقاً لما في المستمسك(٤٣) ـ: إنّ الإعراض الموجب لسقوط الخبر عن الحجّيّة هو الإعراض الذي يكون كاشفاً عن خلل في أصل الصدور أو جهته أو الدلالة، بحيث لا يمكن بعد فرضه التمسّك بشمول أدلّة الحجّيّة للخبر المعرض عنه، وهذا غير محرز في المقام؛ فإنّه من الوارد جدّاً أنّهم قد استندوا في ترجيح الطائفة المانعة من التداخل إلى الاحتياط، أو لموافقتها للأصل الذي يقتضي عندهم عدم التداخل، أو لمخالفتها للعامّة، فإنّه قد ادّعي ذهاب أكثرهم إلى التداخل، كمالك وأبي حنيفة وأصحابه كما في الخلاف(٤٤)، أو لغير ذلك من الجهات الاجتهاديّة التي لا يمنع استناد إعراضهم إليها من شمول أدلّة الحجّيّة للخبر المعرض عنه.
ويؤيّده تعليل بعض المتأخّرين ومن تأخّر عنهم في ترجيح عدم التداخل ـ بعد ذكر الأخبار المتعارضة والتصريح بأنّ المشهور ذهب إلى عدم التداخل ـ بموافقته للاحتياط، ففي كشف الرموز: (والأنسب عندي العمل بفتوى النهاية؛ إذ التسلّط على استباحة الفروج لا يجوز إلّا مع اليقين، ولا يقين إلّا بانقضاء العدّتين)(٤٥)، وفي أنوار الفقاهة: (والجميع لا يقاوم الأخبار الأدلّة(٤٦) المعتضدة بالفتوى والاحتياط)(٤٧).
الوجه الرابع من وجوه الجمع المفضية للقول بعدم التداخل مطلقاً: حمل أخبار تداخل العدّتين على التقيّة، كما احتمله الحرّ في بعض الأخبار(٤٨)، وصرّح به في شرح المفاتيح(٤٩)، واحتمله سيّد الرياض(٥٠)، والشيخ حسن في أنوار الفقاهة(٥١)، فيرتفع التعارض، ويتعيّن العمل بروايات عدم التداخل.
وقد يستشهد لهذا الحمل بما يفهم من كلام الشيخ في الخلاف من أنّ القول بالتداخل مذهب أكثر العامّة، فقد نسبه إلى مالك وأبي حنيفة وأصحابه، ولم يخالف إلّا الشافعيّ.
ولكن يمكن أن يتأمّل فيه:
أوّلاً: بأنّه قد تقدّم عند ذكر أقوال العامّة اختلاف النقل عن مالك، وذهاب ابن حنبل والشافعيّ إلى عدم التداخل، فهناك شكّ في ذهاب غير أبي حنيفة وأصحابه إلى القول بالتداخل، فكيف يستوضح نسبة هذا القول إلى أكثر العامّة؟
وعليه فإذا فرض دوران الأمر بين حمل إحدى الطائفتين على التقيّة فحمل أخبار التداخل عليها ليس بأولى من العكس.
وثانياً: أنّ سبب صدور بعض الأخبار من باب التقيّة هو التحفّظ عن عدم الوقوع في مخالفة الرأي المعروف والسائد عند العامّة في ذلك الزمان، وحيث إنّ أغلب أخبار التداخل واردة عن الإمام الباقر g فلا بدّ من البحث عن الرأي السائد عندهم في زمانه g، ولا ينبغي الاعتناء بمن هو غير معروف في ذلك الزمان كمالك وأبي حنيفة فضلاً عمّن تأخّر عنهم.
هذا، وقد تقدّم في الحلقة الأولى ذكر أخبارهم التي جاء فيها قضاء أمير المؤمنين g بعدم التداخل، ورووه أيضاً عن عمر، بل في بعض أخبار التداخل ـ كمعتبرة زرارة ومرسلة يونس ـ ما يشير إلى أنّ عدم التداخل هو رأي بعض فقهاء العامّة في ذلك الزمان، وأنّ الإمام الباقر g خالفهم في ذلك، وصرّح بأنّ الحكم هو التداخل.
ومن هنا كان للتشكيك في صحّة حمل أخبار التداخل على التقيّة وجه، ومنه يظهر عدم تمامية الوجه الرابع.
هذه هي الوجوه التي استدلّ بها للقول بعدم التداخل مطلقاً، وقد تبيّن عدم تماميّة شيء منها.
الوجوه التي تنتج التداخل.
وفي مقابل ذلك استدلّ القائلون بالتداخل مطلقاً بعدّة وجوه لتقديم الأخبار الدالّة على التداخل:
الوجه الأوّل: ما في الحدائق(٥٢) واحتمله سيّد العروة(٥٣) من حمل أخبار عدم التداخل على التقيّة، فيتعيّن العمل بأخبار التداخل، واستدلّ لذلك بالروايتين الرابعة والخامسة من أخبار التداخل المتقدّمة، وهما معتبرة زرارة ومرسلة يونس الدالّتين على أنّ عدم التداخل قول العامّة، وأنّه g حكم بالتداخل على خلافهم.
ولكن للإشكال في هذا الوجه مجال؛ فإنّ بعض أخبار عدم التداخل، كموثّقة محمّد بن مسلم، وصحيحة الحلبيّ، ورواية عليّ بن جعفر ـ الثالثة والرابعة والخامسة من روايات عدم التداخل المتقدّمة ـ لا يمكن حملها على التقيّة؛ لأنّها تثبت عدم تداخل العدّتين في مورد لا يرى فيه العامّة ثبوت العدّة من أصل.
وبيانه: أنّ مورد هذه الروايات الثلاث الحبلى التي يتوفّى زوجها، فتضع وتتزوّج قبل أن يأتي عليها أربعة أشهر وعشرة أيّام، وقد حُكم فيه عند العامّة بانتهاء العدّة بوضع الحمل، والظاهر أنّ هذا الحكم موضع وفاق بين فقهائهم، فقد قال النوويّ في المجموع: (وقد ذهب جمهور الفقهاء من السلف والخلف إلى أنّ الحامل إذا مات عنها زوجها تنقضي عدّتها بوضع الحمل)(٥٤)، وفي مثل هذا الحال يرد النصّ الصريح من الإمام g بالحكم على خلاف ما ذهبوا إليه، وأنّ على هذه المرأة أن تتمّ عدّتها من الوفاة؛ لأنّها لم تنقض بالوضع، وأن تستأنف أيضاً عدّةً أخرى من جهة حصول الوطء بالتزويج الباطل ـ فإنّ مجرّد التزويج لا يوجب العدّة ما لم يكن هناك دخول ـ فتنافي هذه الروايات مع الحمل على التقيّة ظاهرٌ.
هذا مضافاً الى أنّ مورد الروايتين هو خصوص ذات البعل التي توطأ شبهة بعقد, فكيف يفهم منها أنّ الحكم عندهم هو عدم التداخل في جميع الفروض لكي تحمل بقيّة روايات عدم التداخل في بقيّة الموارد ـ كالتزويج في الاعتداد ـ على التقيّة!
ومن هنا يمكن القول بأنّ دعوى حمل أخبار عدم التداخل على التقيّة بعد مخالفتها الصريحة لما اتّفق عليه العامّة من البُعد بمكان.
الوجه الثاني: ما في نهاية المرام وكفاية الأحكام والمستمسك(٥٥) من أنّ مقتضى الجمع بين الأخبار المتعارضة في المقام حمل ما دلّ على عدم التداخل منها على الاستحباب.
ولكن يمكن أن يقال: بأنّه وإن كان هنالك نظائر ليست بعزيزة يحمل فيها بمقتضى القاعدة في الجمع ما دلّ على إرادة الأكثر على الاستحباب، كالحكم باستحباب الثلاث في الاختلاف الوارد في الأخبار الظاهرة تارةً بكفاية المرّة، وأخرى بوجوب الثلاث في عدد التسبيحات الأربع التي يؤتى بها بدل القراءة في الركعتين الثالثة والرابعة، فيقال في المقام: إنّ للمرأة أن تعتدّ بعدّة واحدة، ويستحبّ لها أن تأتي بعدّتين.
إلّا أنّ الذي يظهر هو أنّ المقام ليس من هذا القبيل، وذلك لعدّة أمور:
أوّلها: أنّه لو ثبت أنّ الأمر بالعدّة منحصر بالاستبراء من الحمل من دون ترتّب أثر آخر كان من الممكن حمل ما دلّ على تعدّد العدد على الاستحباب؛ لأنّه حينئذٍ يورث مزيد استبراء مثلاً، وكذا لو ثبت ترتّب أثر آخر مختصّ بها كالحداد في زمن عدّة الوفاة؛ إذ إنّ بإمكانها الاعتداد بعدّة واحدة فتحدّ، كما بإمكانها أن تعدّد العدّة عليها فتحدّ في زمن عدّة الوفاة.
لكن هذا الاستحباب لا يمكن فرضه بعد ثبوت تعلّق بعض الآثار في زمن العدّة بالرجل، كإلزامه بالنفقة والسكنى، وجواز الرجعة في العدّة الرجعيّة، ومن الواضح أنّ هذه الآثار متعلّقها الرجل، وزمنها متعيّن بوقت العدّة وملازم لها، وهذا لا يتلاءم مع استحباب التعدّد المتوجّه إليها.
اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ مراد أصحاب هذا الوجه أنّ العدّتين تتداخلان واقعاً، فتتحقّقان بمضيّ زمان عدّة واحدة، وما يبقى بعد ذلك هو خصوص استحباب ترك التزويج في زمان مماثل لمقدار عدّة أخرى.
ثانيها: أنّ لسان بعض أخبار عدم التداخل الظاهر في الإلزام في جميع المفردات الواردة فيها يمكن أن يدّعى بأنّه آبٍ عن الحمل على الاستحباب، كقوله g في موثّقة ابن مسلم ـ الثالثة من أخبار عدم التداخل المتقدّمة ـ: (إن كان الذي تزوّجها دخل بها فرّق بينهما، ولم تحلّ له أبداً، واعتدّت بما بقي عليها من عدّة الأوّل، واستقبلت عدّةً أخرى من الآخر ثلاثة قروء)، فإنّ التعبير عن تعدّد الاعتداد بصيغة الماضي: (اعتدّت واستقبلت) كأنّه اعتبر مفروض التحقّق، خصوصاً وأنّ الجواب ظاهر في بيان ما يتعيّن الالتزام به, مضافاً إلى جعل ذلك في سياق وجوب التفريق، والحرمة المؤبّدة.
ثالثها: ثمّ إنّه لو فرض أنّ ما تقدّم لا ينهض للمنع من الحمل على الاستحباب فيمكن أن يقال: إنّه إنّما يتمّ مع اتّحاد موضوع الطائفتين، وأمّا مع العلم باختلافهما فيه أو احتماله فلا مناص من الالتزام بعدم التداخل، ولا موجب لحمل أدلّته على الاستحباب، بل ينبغي أن يُصار إلى عدم التداخل في المورد الذي دلّ فيه الدليل على ذلك، وهذا ما سيأتي التطرّق إليه في الأقوال المفصّلة (٥٦).
وبذلك يظهر أنّ دعوى حمل أدلّة عدم التداخل على الاستحباب غير ظاهرة.
الوجه الثالث: تقديم الأخبار الدالّة على التداخل بملاك الأصحّيّة، قال السيّد في تكملة العروة: (وهذه الأخبار [أي أخبار التداخل] أصحّ من الأخبار السابقة، فتقدّم)(٥٧)، أمّا كونها أصحّ فهو ظاهر المسالك أيضاً، حيث قال: (فهذه الروايات كلّها دالّة على تداخل العدّتين، وهي أوضح إسناداً من السابقة)(٥٨).
والظاهر أنّ ذلك من جهة أنّ الأخبار الدالّة على عدم التداخل لا توجد فيها رواية واحدة مرويّة عن الإماميّة العدول الثقات، فإنّ الرواية الأولى منها وصفت بالموثّقة لأنّ ابن فضّال من الفطحيّة، والثانية بالضعيفة لجهالة عليّ بن بشير الوارد فيها على ما تقدّم تفصيله(٥٩)، والثالثة بالموثّقة لورود عبد الكريم الملقّب بكرّام، وهو وإن وثّقه النجاشيّ لكنّ الشيخ وصفه بالوقف والخبث(٦٠)، والرابعة بالحسنة بإبراهيم ابن هاشم فهو ممّن لم يوثّق صريحاً، والخامسة بالضعيفة لجهالة عبد الله الواقع واسطة بين الحميريّ وعليّ بن جعفر في مسائله، والسادسة بالضعيفة للإرسال.
وهذا بخلاف الأخبار الدالّة على التداخل فقد وقع فيها الصحيح، كصحيحة زرارة، وهي الرواية الثانية من أخبار التداخل المتقدّمة، وقد تقدّم(٦١) في الجهة الثالثة من البحث في سند الرواية الثالثة من أخبار التداخل استقراب كون الرواية الأولى صحيحة أيضاً.
لكن يرد عليه:
أوّلاً: أنّ تجاوز عدم توثيق إبراهيم بن هاشم في كتب الرجال إنّما هو من جهة تلقّي المشايخ القمّيّين لرواياته الكثيرة بالقبول، وهذا كاشف عن معروفيّته عندهم، وأنّه كان في أعلى مراتب الوثوق، فإنّ حال القمّيّين معروف بالتشدّد في أخذ الأخبار، وهذا الأمر يجعل رواياته في عداد الصحاح، والمناقشة في ذلك تفضي إلى عدم اعتبار الرواية، فالأمر دائر بين عدّها من الصحاح، أو القول بعدم اعتبارها، فلاحظ.
وثانياً: أنّ كبرى الترجيح بأصحّيّة الإسناد عند تعارض الأخبار محلّ مناقشة عند أغلب المحقّقين في علم الأصول(٦٢).
وثالثاً: على فرض التنزّل فهو إنّما يقتضي تقديم أخبار التداخل عندما يكون التعارض بينها وبين أخبار عدم التداخل مستقرّاً، وأمّا إذا كان هناك وجه عرفيّ للجمع فإنّه يتعيّن المصير إليه، وهذا ما سيأتي البحث فيه عند النظر في الأقوال المفصّلة الآتية.
وممّا تقدّم يظهر عدم تماميّة القول الثاني أيضاً.
الوجوه التي تنتج القول بالتفصيل.
وأمّا أصحاب القول الثالث ـ القائلين بعدم التداخل فيما إذا كان اجتماع العدّتين من شخصين ـ فإنّهم وافقوا أصحاب القول الأوّل في تقديم أخبار عدم التداخل، ولكن خصّوها بما إذا كانت العدّتان من شخصين، وأمّا إذا كانتا من شخص واحد فذهبوا إلى التداخل؛ لعدم جريان الأصل الدالّ على عدم التداخل في هذا الفرض بعد خلوّه من النصّ، إذ إنّ الأصل مختصّ بما إذا كان هناك حقّان لآدميّين.
ويرد على هذا الوجه ما ورد على الوجوه المذكورة للقول الأوّل؛ لأنّ هذا القول مبنيّ على تقديم أخبار عدم التداخل للوجوه المتقدّمة في الاستدلال للقول الأوّل، غاية الأمر أنّ الحكم بعدم التداخل خصّ في القول الثالث بما لو كانتا من شخصين، فما يرد هناك على سبيل الإطلاق يرد هنا في فرض ثبوتهما من شخصين.
مضافاً إلى ما تقدّم ممّا يرد على بقيّة الوجوه السابقة من عدم صحّة البناء على التعامل مع جميع الروايات الواردة في هذا الشأن بأنّها من باب واحد؛ إذ لم يفرّقوا في الحكم بين مواردها المختلفة.
وأمّا القول الرابع ـ وهو القول بالالتزام بعدم التداخل في خصوص التزويج بالمعتدّة، وأمّا في غير ذلك فالحكم هو التداخل ـ فوجه هذا القول، كما ذكر ابن إدريس ـ على ما تقدّم(٦٣) ـ أنّ ما دلّ على عدم التداخل من الأخبار مورده خصوص نكاح المعتدّة بشبهة عقد، فيقتصر الحكم بعدم التداخل عليها، ولازم ذلك هو الالتزام بالتداخل في غير المورد المنصوص من الموارد، كما صرّح في مورد التزويج بمن لم يبلغها وفاة زوجها، وتقدّم في ذكر كلماتهم.
ويرد على هذا الوجه:
أوّلاً: أنّه مبنيّ على أنّ الأخبار الواردة في المعتدّة يرجح العمل فيها بما دلّ على عدم التداخل مطلقاً، كموثّقة محمّد بن مسلم ورواية عليّ بن بشير ـ الأولتين من أخبار عدم التداخل المتقدّمة ـ ويترك ما دلّ منها على التداخل، كصحيحتي أبي العبّاس وزرارة ومرسلة جميل ـ الثلاث الأول من أخبار التداخل المتقدّمة ـ ولا بدّ حينئذٍ من رجوع ذلك إلى بعض الوجوه التي استند إليها لهذا الترجيح من الوجوه المذكورة في القول الأوّل، وقد تقدّم ما يرد عليها، فراجع.
ثانياً: أنّه مبنيّ على أنّ مقتضى القاعدة التي يُرجَع إليها في المقام عند فقدان الدليل أو سقوطه هو التداخل, وتقدّم أنّ ذلك هو الصحيح, لكنّه خلاف ما يظهر من التزامه في السرائر ـ كما تقدّم عند ذكر كلماتهم ـ تبعاً لخلاف الشيخ من أنّ مقتضاها هو عدم التداخل, بل خلاف السائد في أنّ مرادهم من القاعدة عدم التداخل إلى زمن قريب, كما تقدّم تفصيله في الحلقة الأولى عند ذكر القاعدة في المسألة(٦٤).
وأمّا القول الخامس ـ وهو الالتزام بعدم التداخل في التزويج بالمعتدّة، وأمّا ذات البعل التي وجبت عليها عدّة وطء الشبهة فيفرّق في الحكم فيها بين انضمام عدّة الوفاة إليها فلا تداخل، وبين انضمام عدّة الطلاق فتتداخل العدّتان ـ فيمكن لبيان الوجه فيه أن يقال:
أمّا عدم التداخل في التزويج بالمعتدّة, فيمكن أن يكون وجهه أحد أمرين:
فإنّه إمّا أن يستند إلى ترجيح الروايات الدالّة على عدم التداخل في هذا المورد, كالأُولتين من أخبار عدم التداخل المتقدّمة, وتقديمها على ما دلّ على التداخل فيه, كالروايات الثلاث الأُول من أخبار التداخل المتقدّمة.
أو يستند إلى أنّ عدم التداخل بعد استقرار التعارض بين الطائفتين وسقوطهما هو مقتضى القاعدة عندهم.
وأمّا وجه عدم التداخل في ذات البعل الموطوءة شبهةً إذا لزمتها عدّة الوفاة, فإمّا لأجل الاعتماد على مرسلة جميل بن صالح ـ السادسة من أخبار عدم التداخل المتقدّمة ـ الناصّة في هذا المورد بعدم التداخل, أو لأنّ عدم التداخل هو مقتضى القاعدة عندهم بعد فقدان الدليل المعتبر فيه على التداخل.
وأمّا وجه التداخل في ذات البعل الموطوءة شبهةً لو لزمتها عدّة الطلاق فللأخبار الدالّة على كفاية عدّةٍ واحدة في هذا المورد، كالروايات الثلاث الأخيرة ممّا دلّ على التداخل.
ويمكن أن يورَد على هذه الوجوه المحتملة لهذا التفصيل بأنّ ما احتمل وجهاً لعدم التداخل في المعتدّة ـ من ترجيح أخبار التداخل أو الرجوع إلى مقتضى القاعدة ـ فيه مجال للنظر في كلا الأمرين:
أمّا الأوّل فلابتنائه ـ كما في ما عدا الثاني من وجوه الأقوال السابقة ـ على تقديم الأخبار الدالّة على عدم التداخل في التزويج بالمعتدّة على أخبار التداخل فيها, فمرجعه إلى الوجوه المتقدّمة في القول الأوّل, وتقدّمت المناقشة فيها.
وأمّا الثاني فلما تقدّم تفصيله(٦٥) من أنّ مقتضى القاعدة في المقام هو التداخل لا عدمه.
وأمّا ما احتُمل وجهاً لعدم التداخل في ذات البعل الموطوءة شبهةً إذا لزمتها عدّة الوفاة من دلالة مرسلة جميل بن صالح أو كونه مقتضى القاعدة فكلاهما محلّ نظر أيضاً:
أمّا مرسلة جميل فلعدم اعتبارها سنداً من جهة الإرسال, وفقدان ما يوجب الوثوق بصدورها, كما عرفت أنّ مقتضى القاعدة في المقام هو التداخل لا عدمه.
وأمّا القول السادس، وهو التفصيل بين ما لو وطئت المعتدّة من الوفاة شبهة فلا تتداخل العدّتان, وتتداخلان فيما لو كانت معتدّة من الطلاق فوطئت شبهة, أو وطئت شبهة فطلّقها زوجها, أو مات عنها, وتقدّم أنّ ذلك هو مختار السيّد الخوئيّ S في بحثه وتعليقته على العروة الوثقى(٦٦).
فالوجه فيه: هو ما ذكره ـ بعد أن بيّن كون الأصل في خصوص المقام يقتضي التداخل ـ من أنّ الأخبار الواردة تنقسم إلى ثلاث طوائف، فمنها ما يدلّ على التداخل مطلقاً، كصحيحة زرارة ومعتبرة أبي العبّاس ـ الأُولتين من أخبار التداخل ـ، ومنها ما يدلّ على عدم التداخل مطلقاً، كصحيحة محمّد بن مسلم ومعتبرة عليّ بن بشير النبّال ـ الأولتين من أخبار عدم التداخل ـ, ومنها ما يدلّ على عدم التداخل في خصوص فرض التزويج بالمرأة المتوفّى زوجها في عدّتها، كصحيحتي الحلبيّ ومحمّد ابن مسلم ـ الثالثة والرابعة من أخبار عدم التداخل ـ.
وبعد تقييد الطائفة الأُولى الدالّة على التداخل مطلقاً بالطائفة الثالثة الدالّة على عدم التداخل في عدّة الوفاة تنقلب النسبة؛ لبنائه على قبول كبرى انقلاب النسبة بين الطائفة الأُولى والطائفة الثانية الدالّة على عدم التداخل مطلقاً إلى العموم المطلق, فتكون الأُولى حينئذٍ أخصّ من الثانية, فيخصِّص مدلولها المطلق في عدم التداخل بصورة اجتماع عدّتي الوفاة والشبهة, فينتج عدم التداخل في المعتدّة من الوفاة والتداخل في المعتدّة من غيرها.
ثمّ ذكر أنّ هذه هي النتيجة حتّى على فرض عدم قبول كبرى انقلاب النسبة؛ وذلك لتساقط الطائفتين الأولى والثانية بالتعارض، فيرجع في غير مورد الطائفة الثالثة ـ الدالّة على عدم التداخل في فرض التزويج بالمعتدّة من الوفاة ـ إلى الأصل، وهو يقتضي التداخل.
وتبقى روايات من نُعي إليها زوجها فاعتدّت وتزوّجت فجاء زوجها الأوّل فطلّقها ـ الثلاث الأخيرة من أخبار التداخل ـ دالّة على التداخل في موردها.
هذا بلحاظ الموارد المذكورة في الروايات, وأمّا غيرها ـ كما لو تعدّد عليها وطء الشبهة من شخص أو أكثر ـ فيمكن القول بذهابه Q فيها إلى التداخل نتيجة ما أسّسه من كون ذلك هو مقتضى الأصل عند فقدان الدليل.
وبيان ما يتوقّف عليه القول السادس وما يمكن أن يورد على ذلك والمختار في المسألة يظهر من مطاوي التالي.
الراجح بالنظر القاصر في المسألة
ثمّ إنّ النظر في الأخبار يقتضي بيان عدّة أمور تترتّب عليها النتيجة:
الأمر الأوّل: أنّ أخبار عدم التداخل فيها ما هو مطلق، كموثّقة محمد بن مسلم ورواية عليّ بن بشير النبّال، وفيها ما يدلّ على ذلك في مورد الحبلى المتوفّى عنها زوجها فتضع وتزوّج قبل مضيّ أربعة أشهر وعشرة أيّام، كموثّقة محمّد بن مسلم الثانية وصحيحة الحلبيّ ورواية عليّ بن جعفر، ومنها ما يدلّ على ذلك في المتزوّجة التي توطأ شبهة ثمّ يموت زوجها، كمرسلة جميل بن صالح.
الأمر الثاني: قد تطرح بعض وجوه للمناقشة في دلالة الأخبار على عدم التداخل مطلقاً:
الوجه الأوّل: قد يقال إنّ دعوى فقدان الدليل المعتبر على عدم التداخل مطلقاً ليست بعيدة بعد انحصار الأخبار التي يدّعى دلالتها على ذلك بموثّقة محمّد بن مسلم ورواية عليّ بن بشير النبّال, فإنّ قوله g في الأولى: (وأتمّت عدّتها من الأوّل وعدّة أخرى من الآخر) غير صريح في انفصال العدّة عن الثانية؛ إذ لم يبيّن فيه أنّ العدّة الأخرى تكون بعد انتهاء الأولى لتدلّ على عدم التداخل، أو أنّها في أثنائها لتدلّ على التداخل، والعطف بالواو أعمّ من التقارن وعدمه.
فهي إذن مجملة من جهة التداخل وعدمه.
وأمّا رواية ابن بشير ـ فمع الإغماض عن ضعف سندها على ما تقدّم تفصيله في الحلقة الأولى ـ قد يدّعى عدم إباء ما جاء فيها من قول: (وتعتدّ ما بقي من عدّتها الأولى وتعتدّ بعد ذلك عدّة كاملة) عن الحمل على التداخل بتقريب أنّ المراد من (بعد ذلك) إحصاء ما يوجب كمال العدّة الثانية بعد انتهاء الأولى.
لكن يمكن أن يجاب عنه بأنّ موثّقة ابن مسلم وإن لم تكن نصّاً إلّا أنّه من غير الممكن إنكار ظهورها في عدم التداخل, وذلك لأنّ التداخل في هكذا مقام بحاجة في عرف المتحاورين إلى قرينة تبيّنه على خلاف عدم التداخل، فإنّه هو المتبادر في الخطابات بعد ظهور كونها عن أسباب متعدّدة يقتضي امتثالها مع عدم التصريح بتداخلها الإتيان بها بصورة مستقلّة, فلو ورد (يجب إتمام ما بقي من صوم الاعتكاف وصيام ما وجب للكفّارة) لم يحتج لإثبات عدم تداخل صوم الكفّارة مع ما بقي من صوم الاعتكاف إلى قرينة بخلاف ما لو كان المراد التداخل، فإنّه في عرف المتحاورين لا بدّ من إقامة قرينة عليه.
ولا يوجب العطف بالواو بعد ذلك التردّد بين التقارن والترتيب لتكون مجملة.
وأمّا دعوى عدم إباء رواية عليّ بن بشير للتقارن الزمانيّ فهو مخالف للظاهر جدّاً، فإنّ قول: (وتعتدّ بعد ذلك عدّة كاملة) بعد قول: (تعتدّ بما بقي من عدّتها الأولى) يكاد يكون نصّاً في لزوم كون الاعتداد بتمام العدّة الثانية بعد إكمال تمام العدّة الأولى.
ويمكن أن يؤيّد ظهور الروايتين في عدم التداخل بما عرفت من عدم نقل الخلاف بين المتقدّمين والمتأخّرين في كون الحكم في التزويج بالمعتدّة هو عدم التداخل, مع أنّ ما دلّ على عدم التداخل مطلقاً فيها منحصر بهاتين الروايتين, فإنّ ذهابهم إلى هذا الحكم رغم وجود الروايات المعارضة شاهد على تمسّكهم بظهورهما في عدم التداخل؛ لأنّه إمّا أن يرجع إلى ترجيحهم لهاتين الروايتين على ما عارضهما، أو لرجوعهم إلى مقتضى القاعدة ـ عندهم ـ بعد التساقط, وكلا الأمرين فرع الفراغ عن ظهورهما في عدم التداخل.
بل لم يشكّك في ذلك الظهور حتّى من خالف في الحكم، وذهب إلى التداخل مطلقاً من متأخّري المتأخّرين ومَن بعدهم، كما يظهر من الوجوه المتقدّمة لاستدلالهم.
الوجه الثاني: قد يقال إنّه من الممكن طرح احتمال اتّحاد موثّقة محمّد بن مسلم
ـ وهي العمدة في إطلاق ما دلّ على عدم التداخل ـ مع موثّقته الثانية الواردة في الحبلى المتوفّى عنها زوجها، فيشكّك حينئذٍ بوجود رواية معتبرة دالّة على عدم التداخل مطلقاً.
وبيانه: أنّ الملاحظ في الموثّقتين وحدة الراوي والإمام g المرويّ عنه والجواب، مضافاً إلى وجود المبرّر للاشتباه في الحكم في الرواية الخاصّة بالمورد ـ وهو كونها حبلى وضعت ـ فيكون هذا مثاراً للاشتباه في زعم انقضاء العدّة، كما عليه فتوى العامّة، وحيث إنّ هذا الأمر مفقود في الرواية المطلقة، فلو كان الإطلاق مراداً لتعيّن التفصيل في الجواب بين صورتي العلم والجهل في التزويج بالمعتدّة، فإنّ تزويج العالمين بعدم انقضاء العدّة لا يعتدّ منه؛ لكونه زنا، وهذا ما قد يجعل قرينة على اتّحاد الموثّقتين، وكون السؤال فيهما عن خصوص الحبلى المتوفّى زوجها، فإطلاق السؤال الوارد في الأولى يمكن أن يحمل على الاشتباه من بعض الرواة، وأنّ الصحيح هو كون السؤال عن الحبلى المتوفّى زوجها، وهذا المعنى قد يكون آكد في عدم البناء على إطلاق السؤال بناءً على مسلك الوثوق.
لكن يمكن أن يورد عليه ـ مضافاً إلى وضوح أنّه بعد اختلافهما في موضوع السؤال فمجرّد اتّحاد الراوي والإمام g المرويّ عنه ووحدة الجواب الوارد في كلا الروايتين لا يكفي في استقراب اتّحادهما ـ بما تقدّم من حمل هذه الأخبار على جهل الزوج على أقلّ تقدير؛ لكونه الفرد الشائع عند عدم ذكر العلم في سؤال السائل الملتفت بحسب العادة إلى دخالة العلم في الأحكام, فيكون الوطء محترماً شرعاً, ولا يكون التفصيل بين صورتي العلم والجهل في محلّه.
الأمر الثالث: أنّ أخبار التداخل أيضاً فيها ما يدلّ على ذلك بالإطلاق، كصحيحتي أبي العبّاس وزرارة، ومرسلة جميل، وفيها ما يدلّ على ذلك فيمن نعي إليها زوجها فاعتدّت وتزوّجت فجاء زوجها الأوّل فطلّقها، كمعتبرتي زرارة ومرسلة يونس.
الأمر الرابع: تقدّم عند استعراض الأدلّة في ذيل الرواية السادسة من أخبار التداخل استقراب اتّحاد الروايات الثلاث الأخيرة من أخبار التداخل، وهي: الرابعة التي هي معتبرة زرارة، والخامسة وهي مرسلة يونس، والسادسة التي هي معتبرة زرارة الأخرى.
الأمر الخامس: قد يقرّب التشكيك في وجود ما يدلّ على التداخل مطلقاً بعد انحصاره ـ كما تقدّم في الحلقة الأولى من البحث(٦٧) ـ بصحيحتي أبي العبّاس وزرارة ببيانات:
البيان الأوّل: قد يقال في صحيحة زرارة إنّه قد ورد في أخبار التداخل من الراوي الواحد عن الإمام الواحد ما يدلّ على إطلاق التداخل تارةً، كصحيحة زرارة التي هي الثانية من أخبار التداخل، وما يدلّ على التداخل في مورد خاصّ تارةً أخرى كمعتبرتيه اللتين هما الرابعة والسادسة من أخبار التداخل، وقد تقدّم استقراب اتّحادهما، وهذا قد يكون شاهداً على وحدة الرواية، بل يكفي احتماله في عدم الركون إلى الإطلاق فيها.
إلّا أنّ الظاهر عدم إمكان الاعتناء بذلك؛ من جهة عدم كون المورد المذكور في تلك الأخبار من أفراد الإطلاق الوارد في الأخبار المطلقة، فإنّ الأخبار المطلقة موضوعها المعتدّة، ولا جامع بينها وبين من نعي إليها زوجها فاعتدّت وتزوّجت ثمّ تبيّن حياته فطلّقها الذي هو موضوع الحكم بالتداخل في معتبرتي زرارة.
البيان الثاني: أن يقال ـ للردّ على الاستدلال بصحيحة أبي العبّاس ومرسلة جميل ـ: إنّه قد تقدّم عند استعراض أخبار التداخل استقراب اتّحاد صحيحة أبي العبّاس ومرسلة جميل، وهما الأولى والثالثة من أخبار التداخل المتقدّمة، ولهذا فما يرد على إحداهما يرد على الأخرى.
وعلى أساس ذلك قد يقال: إنّ في دلالة مرسلة جميل على التداخل مطلقاً نظراً؛ وذلك لما ذكره بعض أعلام العصر(٦٨) من وجود القرينة على خروج فرض اجتماع عدّة وطء الشبهة مع عدّة الوفاة، فلا يكون موردها إلّا اجتماع عدّة الشبهة مع عدّة الطلاق.
وتوضيحه: أنّه قد جاء في ذيل جواب المرسلة: (فإن جاءت بولد لستّة أشهر أو أكثر فهو للأخير، وإن جاءت بولد في أقلّ من ستّة أشهر فهو للأوّل).
ولا بدّ من التقيّد بالصور التي يمكن أن تدخل في مفاد هذا الذيل، وأمّا ما يمكن أن لا يكون داخلاً فيه فيفترض أن يحكم بخروجه عن نظر المرسلة، ومن هنا يقال: إنّه لو فرض حصول زواج المعتدّة بعد مضيّ أربعة أشهر من عدّة الوفاة، ثمّ وضعت حملها بعد ذلك بخمسة أشهر وعشرين يوماً، فلا يدخل في ذيل المرسلة؛ لعدم إمكان إلحاقه بأحدهما، أمّا الثاني فلأنّ الولادة في أقلّ من ستّة أشهر من زواجه، وأمّا الأوّل فلأنّ أقصى مدّة الحمل ـ وهي التسعة أشهر ـ قد مضت، وإنّما حصلت الولادة فيما يزيد على عشرة أشهر من بداية عدّة الوفاة.
وهذا قد يجعل شاهداً على اختصاص المرسلة باجتماع عدّة الشبهة مع خصوص عدّة الطلاق دون عدّة الوفاة، فإنّ احتمال قرينيّة الذيل على اختصاص المرسلة بغير صورة اجتماع عدّتي الوفاة والشبهة كافٍ في عدم القول بإطلاقها.
وعليه فينبغي أن يسري ذلك أيضاً إلى صحيحة أبي العبّاس؛ لما تقدّم في الحلقة السابقة(٦٩) من استقراب اتّحادهما، أو لا أقلّ من ثبوت الذيل المذكور في المرسلة للصحيحة، بل يكفي احتمال ذلك احتمالاً معتدّاً به؛ للتشكيك بدلالتهما على التداخل بنحو الإطلاق؛ فإنّ مقدّمات الحكمة غير محرزة في المقام.
لكن يمكن أن يتأمّل في جعل ذيل المرسلة قرينةً على الاختصاص من عدّة جهات:
الأولى: أنّه قد يمنع من صلاحيّة ذيل المرسلة للقرينيّة على الاختصاص؛ إذ يفترض في صلاحيّة القرينة للقرينيّة ابتداءً إدراك المخاطبين لها نوعاً، وأمّا ما يتوقّف على إعمال النظر وإجراء الحسابات والفروض التي لا يلتفت إليها عادةً فإنّه لا يكون صالحاً لجعله قرينةً يتّكل عليها المتكلّم لإفادة مطلوبه.
الثانية: أنّ الفرض المذكور في التقريب المتقدّم ـ الذي جعل قرينةً على اختصاص المرسلة باجتماع عدّتي الطلاق والشبهة ـ لا واقع له إلّا على فرض علوق حملها من غير الأوّل والثاني، بعد فرض كون أقلّ الحمل ستّة أشهر وأكثره لا يصل إلى عشرة أشهر، فوضعها للحمل لخمسة أشهر وعشرين يوماً من حين زواجها بالثاني ولمّا يتجاوز حتّى العشرة أشهر من وفاة الأوّل لا يعني إلّا أنّها قد حملت من غيرهما، وهو خلاف الفرض.
وبعبارة أخرى: حيث إنّ علوقها في الفرض منحصر بأحد الزوجين فالزمن الذي يمكن أن تضع فيه إمّا أن يكون لستّة أشهر فأكثر من التزويج بالثاني، وإمّا لأقلّ من ذلك على أن لا يتجاوز التسعة أشهر من وفاة الأوّل؛ لعدم إمكان حملها منه لأكثر من ذلك.
وبهذا البيان يصحّ أن يقال: إنّها إن ولدت لستّة أشهر فأكثر من التزويج بالثاني فالولد له، وإن ولدت لأقلّ من ذلك فهو للأوّل، غاية الأمر أنّ الشقّ الثاني ـ أعني قوله: (وإن ولدت لأقلّ من ذلك) ـ سوف ينحصر بقرينة ما دلّ على أنّ أكثر الحمل تسعة أشهر بالزمن الذي يمكن فيه نسبة الحمل إلى الأوّل، أي إلى خمسة أشهر من زواج الثاني في الفرض المذكور.
وعليه فما ذكر من أنّها لو تزوّجت على رأس أربعة أشهر من وفاة زوجها ووضعت حملها لخمسة أشهر وعشرين يوماً من تزويجها بالثاني لا واقع له لكي يجعل قرينةً على الاختصاص.
الثالثة: أنّ جعل عدم إمكان إلحاق الولد بكلا الزوجين ـ في الفرض المتقدّم ـ قرينة على خروج عدّة الوفاة عن الرواية مبنيّ على كون أكثر مدّة للحمل تسعة أشهر, وأمّا لو فرض أنّه أكثر من ذلك ـ كما لو كان عشرة أشهر وعشرة أيّام فأكثر مثلاً ـ فلا يتمّ التقريب المذكور للقرينة؛ لانتفاء المانع عن إلحاق الولد المولود لخمسة أشهر وعشرين يوماً بالأوّل بعد ازدياد أكثر مدّة للحمل.
وفي كون أكثر الحمل تسعة أشهر خلاف بين الفقهاء(٧٠) وإن كان هو المشهور بينهم(٧١)؛ إذ هناك قول بأنّه عشرة أشهر، ومنهم من ذهب إلى السنة.
بل يظهر من بعض مراجع العصر F ـ المتقدّم الإشارة إليه ـ اختيار الأخير، وحمل ما دلّ من الأدلّة على التسعة أشهر على الغالبيّة(٧٢).
وعليه فما ذكر من وجود القرينة على خروج عدّة الوفاة عن مرسلة جميل فالظاهر أنّه غير تامّ, ولا إشكال في إطلاقها، وبالتالي إطلاق صحيحة أبي العبّاس.
البيان الثالث: أنّ الأخبار الدالّة على التداخل مطلقاً جاء في جميعها: (تعتدّ عدّة واحدةً منهما) تعبيراً عن التداخل، ويمكن أن يدّعى أنّ ظاهره كفاية عدّة واحدة مطلقاً، بمعنى كفاية تحقّق مقدار أيّ عدّة وإجزائها عن كلا السببين الموجبين للاعتداد, وهذا لا ينسجم بمقتضى مناسبات الحكم والموضوع إلّا مع كون العدّة الثابتة من موجبين واحدة في المقدار الزمانيّ، كما في اجتماع عدّة وطء الشبهة مع عدّة الطلاق، وأمّا فرض تغايرهما في الزمان ـ كما في اجتماع عدّة الوفاة وعدّة الشبهة ـ فالظاهر عدم لحاظه في هذه الروايات، وإلّا للزم من الإطلاق المتقدّم القول بكفاية ثلاثة أشهر في اجتماع عدّتي الوفاة والشبهة، ولعلّ الاكتفاء بهذا المقدار عن عدّة الوفاة خلاف الضرورة الفقهيّة وإن كان في فرض اجتماعها مع عدّة أخرى، فلاحظ.
وبعبارة أخرى: أنّه قد جاء في هذه الأخبار: (المعتدّة تزوّج في عدّتها) ولو كان قول: (في عدّتها) مطلقاً وشاملاً لعدّة الوفاة لم يكن التعبير في الجواب بما تقدّم من أنّها تعتدّ منهما عدّة واحدة من دون تعيين مقدارها بالأكثر عند الاختلاف وافياً، بل كان اللازم هو التفصيل بين التزويج بالمعتدّة من الطلاق، فتعتدّ عدّة واحدة مطلقاً لاتّحادهما في المقدار، وبين التزويج بالمعتدّة من الوفاة، فتعتدّ بأطول العدّتين، فإنّ مطلق العدّة لا يجزئ عن عدّة الوفاة، بل يلزم إكمال أربعة أشهر وعشرة أيّام فيها, وحيث إنّ التفصيل لم يرد في جواب الإمام g فلا بدّ من خروج فرض اجتماع عدّة وطء الشبهة مع عدّة الوفاة عنه.
ولتحقيق ذلك يمكن ذكر عدّة احتمالات في هذه الروايات:
الأوّل: أن يكون الموضوع فيها ـ وهو (المعتدّة تزوّج في عدّتها) ـ مطلقاً، فكما يشمل التزويج بالمعتدّة من الطلاق كذلك يشمل التزويج بالمعتدّة من الوفاة, ويكون الحكم مطلقاً أيضاً، وناظراً إلى كلا الفرضين.
الثاني: أن يكون الموضوع مطلقاً، كما في الفرض الأوّل، لكنّ الجواب عن خصوص فرض التزويج بالمعتدّة من الطلاق.
الثالث: أن يكون الموضوع مختصّاً بفرض التزويج بالمعتدّة من الطلاق، فيختصّ الحكم الوارد فيها بالتداخل بهذا الفرض.
ولعلّ الاحتمال الأوّل هو الظاهر بدواً، كما أنّه المعروف من كلماتهم المثبتة للتعارض بين هذه الروايات وبين ما دلّ على عدم التداخل مطلقاً.
وأمّا الاحتمال الثاني فيمكن أن يوجّه بأنّ ظاهر الموضوع المتقدّم في هذه الروايات هو الشمول لكلا الفرضين، أي فرضي اجتماع عدّة الشبهة مع عدّة الطلاق تارةً ومع عدّة الوفاة أخرى, ولكنّ الجواب الوارد اختصّ ببيان الحكم في خصوص فرض التزويج بالمعتدّة من الطلاق بشهادة ما تقدّم من الاكتفاء في الجواب بالإتيان بعدّة واحدة مع ظهور حال المتكلّم في أنّه في مقام بيان تمام حدود المقدار الواجب في الحكم، فعدم تعيينها بالأطول كافٍ في خروج فرض الاعتداد من الوفاة؛ للقطع بعدم كفاية غير الأطول فيها.
ولا يخفى أنّ عدم استبعاد هذا التصوير بوضوح يُدخل الأمر في موضوع احتمال قرينيّة الموجود، والذي ينتج في المقام البناء على عدم إمكان الركون إلى الإطلاق في هذه الروايات، ولا يمكن استفادة شمولها لفرض التزويج بالمعتدّة من الوفاة, بل تكون مجملةً من هذه الجهة.
وعلى هذا فلا حاجة في بيان وجه الاحتمال الثالث سوى أن يدّعى عدم استبعاد وجود قرائن حاليّة خارجة عن حاقّ الألفاظ موجبة لتخصيص السؤال بفرض التزويج بالمعتدّة من الطلاق.
ولكن يرد عليه ما هو المعروف في دفع نظائره بإجراء الأصول العدميّة للبناء على انتفاء القرائن الخارجيّة, فيدور الأمر بين الاحتمالين الأوّلين.
وقد يقال في مقام ترجيح الاحتمال الأوّل:
أوّلاً: أنّ هناك عدّة إطلاقات أو عمومات في أخبار المقام:
أوّلها: إطلاق الموضوع الوارد في السؤال بقوله: (المعتدّة تزوّج في عدّتها) المقتضي للشمول إلى فرضي اجتماع عدّة الشبهة مع الطلاق تارةً ومع الوفاة أخرى.
ثانيها: الإطلاق في الحكم إلى الفرضين، بدعوى ترك استفصال الإمام g وعدم تفريقه بينهما.
ثالثها: الإطلاق في الحكم للاكتفاء بعدّةٍ واحدة، بدعوى أنّ قوله g: (تعتدّ منهما عدّةً واحدة) يقتضي إجزاء العدّة القصيرة مطلقاً وإلّا لقيّد.
والإطلاقان الثاني والثالث متنافيان؛ لأنّ الثاني يفيد الاكتفاء بعدّة واحدة وإن كان الفرض هو اجتماع عدّتي الشبهة والوفاة, وهذا ينافي ما يثبته الإطلاق الثالث من كفاية العدّة وإن كانت أقلّ من الأخرى؛ إذ سيثبت بذلك كفاية العدّة الأقلّ عند اجتماع عدّتي الشبهة والوفاة.
ومن هنا قد يقال: إنّ تقديم الاحتمال الثاني المتقدّم مبنيّ على ثبوت الإطلاق الثالث في الجواب المذكور بمعنى إفادته لكفاية مطلق العدّة, وهو أوّل الكلام؛ إذ يمكن أن يقال: إنّ الظاهر من الجواب هو أنّ ترك استفصال الإمام g ابتداءً مع عموم سؤال السائل كافٍ في ثبوت الإطلاق، فيدخل فيه فرض اجتماع عدّة وطء الشبهة مع الوفاة, ولا يبعد أن يكون منشأ عدم التفصيل هو أنّ الأربعة أشهر وعشرة أيّام باعتبارها المقدار المعلوم بالضرورة من الشارع للعدّة المسبَّبة من الوفاة, فيمكن في مقام التخاطب الاعتماد على ذلك، ولا حاجة إلى التفصيل في الجواب؛ لأنّه مفهوم عند المخاطب, فإنّ المكلّف العالم بلزوم العدّة الأطول عند الوفاة عندما يخاطَب بكفاية عدّة واحدة عند اجتماع سببين للاعتداد يحتمل أن يكون أحدهما الوفاة يجزم بتعيّن الإتيان بالمقدار الأطول، ولا حاجة إلى بيان أكثر.
وثانياً: بأنّ هذه الروايات أجنبيّة عن إفادة وجوب عدّة واحدة بخصوصها، وإنّما المراد فيها هو أنّ ما وجب من الاعتداد للأوّل والثاني فإنّه ليس على نحو التعدّد، وإنّما بنحو العدّة الواحدة التي تحسب عن كليهما، فهي إذن ليست في مقام تحديد الوجوب بعدّة خاصّة ليورَد عليه بما تقدّم، وإنّما في مقام بيان أنّ ما ثبت عليها من وجوب الاعتداد للرجلين ـ بغضّ النظر عن الاتّحاد في مقدار الزمن وعدمه ـ يتداخل ليس إلّا، ولذا جاء التعبير بقول: (تعتدّ منهما عدّة واحدة)، ولم يقل: (بعدّة واحدة)، وإلّا كان مفاده إلغاء ما أتت به من الاعتداد الأوّل قبل التزويج، فيكون الاعتداد الثاني استئنافاً من جديد للاعتداد من الزوج الأوّل، وابتداءً آخر للاعتداد من الثاني، وهو ممّا لم يظهر الالتزام به من أحد، فلاحظ وتأمّل.
ولعلّه من الممكن أن يورَد على كلا الأمرين بأنّهما مبنيّان على الظاهر، ويكفي في ردّهما احتمال أن يكون الإمام g في مقام بيان تمام ما له خصوصيّة في الحكم, فعدم ذكره للعدّة الأطول لاحتمال إرادته إفهام المخاطب عدم نظره إلى الفرض الموجب لها, ومجرّد احتمال الإطلاق الثالث كافٍ في البناء على عدم إطلاق هذه الروايات لفرض التزويج بالمعتدّة من الوفاة؛ فإنّ ذلك ليس من احتمال القرينة، وإنّما من احتمال قرينيّة الموجود الذي لا يمكن دفعه بالأصل العدميّ, ومعه لا يمكن البناء على إطلاق الأخبار للفرض الموجب للعدّة الأطول.
وانطباق هذا المعنى أوضح بناءً على تفسير الإطلاق بأنّه لحاظ عدم القيد، ليكون أمراً وجوديّاً، لا أنّه عدم لحاظ للقيد، فتأمّل.
بيان النتيجة
وبملاحظة الأمور المتقدّمة يظهر أنّ طوائف الأخبار عديدة، وهي:
الأولى: ما دلّ على عدم التداخل مطلقاً في التزويج بالمعتدّة، كموثّقة محمّد بن مسلم، ورواية عليّ بن بشير النبّال، وهما الأولى والثانية من أخبار عدم التداخل المتقدّمة.
الثانية: ما دلّ على عدم التداخل في التزويج بالمعتدّة من الوفاة، كموثّقة محمّد بن مسلم، وصحيحة الحلبيّ، ورواية عليّ بن جعفر، وهي الثالثة والرابعة والخامسة من أخبار عدم التداخل.
الثالثة: ما دلّ على عدم التداخل فيمن مات زوجها في زمن اعتدادها من وطء الشبهة، كمرسلة جميل بن صالح، وهي السادسة من أخبار عدم التداخل.
الرابعة: ما دلّ على التداخل مطلقاً في التزويج بالمعتدّة، كموثّقة أبي العبّاس أو صحيحته، وصحيحة زرارة، ومرسلة جميل بن درّاج، وهي الأولى والثانية والثالثة من أخبار التداخل, على تأمّل في إطلاقها تقدّم ذكره.
الخامسة: ما دلّ على التداخل فيمن نعي إليها زوجها فاعتدّت وتزوّجت ثمّ ظهرت حياته فطلّقها، كمعتبرتي زرارة، ومرسلة يونس، وهي الرابعة والخامسة والسادسة من أخبار التداخل، وتقدّم استقراب اتّحادها.
ولا ينبغي الإشكال في العمل بأخبار الطائفة الخامسة الدالّة على التداخل في تزويج ذات البعل اشتباهاً؛ لاعتبارها متناً وسنداً، وعدم تنافيها مع باقي الطوائف، فإنّ الموضوع فيها ذات البعل إذا طلّقت بعد وطء الشبهة، وهو مختلف عن موضوع الطوائف الباقية عدا الثالثة المتّفقة معها في كون الحكم هو التداخل عند لحوق الطلاق, لكنّها منحصرة بمرسلة جميل بن صالح، ولا طريق إلى اعتبارها.
ولا مانع من العمل بها ـ أي الطائفة الخامسة ـ سوى دعوى منافاتها مع ما دلّ على عدم التداخل من باقي الطوائف والنظر إلى جميعها بمنظار واحد، فإمّا أن يثبت التداخل في جميع الفروض أو لا يثبت كذلك، كما تقدّم من الجواهر والمستمسك، وقد عرفت ما يرد عليها.
وأمّا باقي الطوائف فالظاهر استقرار التعارض بين الطائفتين الأُولى ـ الدالّة في فرض التزويج بالمعتدّة على عدم التداخل مطلقاً ـ والرابعة ـ الدالّة على التداخل مطلقاً فيها ـ بناءً على تماميّة الإطلاق في كل منهما، وعدم قبول كبرى انقلاب النسبة، فتتساقطان ويرجع إلى الأصل في غير ما تمّ الدليل الخاصّ فيه.
وعليه فيقتصر في الالتزام بعدم التداخل على خصوص التزويج بالمعتدّة من الوفاة؛ لكونها مورد الأخبار المعتبرة في الطائفة الثانية, ويرجع في بقيّة الفروض إلى القاعدة التي تقدّم أنّها تقضي بالتداخل.
وكذا الأمر لو قيل في الطائفة الرابعة بالإجمال وعدم تماميّة الإطلاق فيها ـ كما هو المختار ـ؛ لأنّ التعارض حينئذٍ سوف يستقرّ بين الطائفتين الأولى والرابعة في خصوص المقدار الذي يُتيقّن دلالة الطائفة الرابعة عليه ـ وهو التزويج بالمعتدّة من الطلاق ـ فيتساقطان فيه، وتبقى دلالة الطائفة الأولى على عدم التداخل في التزويج بالمعتدّة من الوفاة من دون معارض, فتصبح الطائفة الأولى بحكم الطائفة الثانية الدالّة على عدم التداخل في التزويج بالمعتدّة من الوفاة.
وعلى أيّ حال، فإنّه بعد انحصار الدليل التامّ على عدم التداخل بمورد الطائفة الثانية فالاحتمالات في موضوع هذا الحكم واقعاً وفي مقام الثبوت عديدة:
الأوّل: أن يكون موضوع الحكم بعدم التداخل اجتماع سببين للعدّة مطلقاً.
الثاني: أن يكون الموضوع انضمام سبب لعدّة أخرى حال كونها معتدّة.
الثالث: أن يكون موضوعه اجتماع عدّتين إحداهما من وفاة, ولا يفرّق فيه بين تقدّم عدّة الوفاة على وطء الشبهة أو تأخّرها عنه, ولا بين انضمام التزويج إلى وطء الشبهة وعدمه.
الرابع: أن يكون الموضوع طروّ وطء الشبهة على المعتدّة من الوفاة.
الخامس: أن يكون الموضوع هو طروّ وطء الشبهة المستند إلى التزويج على المعتدّة من الوفاة.
السادس: أنّ الموضوع هو طروّ وطء الشبهة المستند إلى التزويج الناشيء من الجهل بالحكم دون الموضوع على المعتدّة من الوفاة.
وفي مقام الإثبات يبعِّد الاحتمال الأوّل ورود بعض الأخبار بتداخل العدد من دون معارض لها، كما في أخبار الطائفة الخامسة.
ويشهد للثاني أخبار الطائفة الأولى, لكنّها معارضة بأخبار الطائفة الرابعة، فتتساقطان, فلا ينبغي الاعتماد على هذا الاحتمال.
ويشهد للثالث الجمع بين أخبار الطائفة الثانية الدالّة على عدم التداخل في التزويج من المعتدّة من الوفاة وبين الطائفة الثالثة، وهي مرسلة جميل بن صالح ـ السادسة من أخبار عدم التداخل المتقدّمة ـ الدالّة على عدم التداخل عند حصول وطء الشبهة لذات البعل ثمّ يتوفّى زوجها, فإنّ الجمع بينهما يقتضي الحكم بعدم التداخل عند اجتماع عدّتين إحداهما من الوفاة سواء تقدّمت عدّة الوفاة أو تأخّرت وسواء كان الوطء عن تزويج أو تجرّد عنه.
ولكن حيث إنّه لا يمكن الاعتماد على المرسلة فلا بدّ من الاقتصار على ما تفيده خصوص الطائفة الثانية لتحديد الموضوع من باقي الاحتمالات.
وينبغي ابتداءً تسليط الضوء على دلالة أخبار الطائفة الثانية ثمّ سوق الكلام في إمكان التعدّي في الحكم من موردها ـ أي خصوص التزويج بالمعتدّة من الوفاة ـ إلى ما يمكن أن يكون مظنّة لسريان الحكم, فهنا مقامان:
المقام الأوّل: أمّا دلالتها فيمكن أن يقال: إنّ هذه الطائفة جاء في جميع أخبارها السؤال بلسان أنّ المرأة الحبلى إذا توفّي زوجها فوضعت حملها وتزوّجت قبل انقضاء أربعة أشهر وعشراً, وجاء الجواب في جميعها بلسان: (إن دخل بها فرّق بينهما واعتدّت بما بقي عليها من الأوّل واستقبلت عدّة أخرى من الآخر..), ومن الواضح أنّ الموضوع في هذه الطائفة الذي انصبّ عليه الحكم بعدم التداخل هو الدخول بعد التزويج بالمرأة المعتدّة من الوفاة الجاهلة بأنّ حكمها هو الاعتداد بأربعة أشهر وعشراً إذا وضعت حملها قبل ذلك, وعلى هذا فالعناصر التي تَشكّل منها الموضوع هي:
أوّلاً: تحقّق الدخول المستند إلى التزويج.
ثانياً: كون المرأة حال تزوّجها معتدّة من الوفاة.
ثالثاً: جهالتها بالحكم الضروريّ الثابت بالكتاب الكريم بأنّ عدّتها من الوفاة تستمرّ إلى أربعة أشهر وعشراً، وعدم انقضائها بمجرّد وضع الحمل.
والاقتصار على حدود الموضوع لترتّب الحكم بعدم التداخل هو المتعيّن, لأنّ هذه الحدود وإن كانت واردة في سؤال السائل، ومن المحتمل كون الموضوع واقعاً أوسع، إلّا أنّ هذا وحده غير كافٍ في مقام الإثبات لإثبات شمول الحكم عند انتفاء بعضها، بل لا بدّ من وجود شاهد على ذلك, فيتعيّن الاحتمال السادس، إلّا إذا تمّ التعدّي إلى ما هو أوسع من ذلك, وهذا ما يجري فيه البحث في المقام الآتي.
المقام الثاني: في إمكان التعدّي في الحكم من مورد أخبار الطائفة الثانية ـ أي خصوص الوطء المسبّب عن التزويج بالمعتدّة من الوفاة الجاهلة بالحكم ـ إلى ما يمكن أن يكون مظنّة لسريان الحكم، وهو فروض ثلاثة:
الفرض الأوّل: في إمكان التعدّي إلى صورة حصول وطء الشبهة من دون انضمام التزويج إليه، فإنّ أخبار الطائفة الثانية موردها حصول الوطء بعد التزويج.
الفرض الثاني: في إمكان التعدّي إلى صورة تقدّم وطء الشبهة على وفاة الزوج، فإنّ مورد تلك الطائفة هو تقدّم الوفاة.
الفرض الثالث: في إمكان التعدّي من صورة جهلها بالحكم إلى صورة جهلها بالموضوع، كما لو حصل لها الخطأ بالحساب واعتقدت أنّها قد أكملت أربعة أشهر وعشراً في حين أنّها لم تكملها وتزوّجت فدخل بها.
ولا يتوهّم ترتّب البحث في الفرض الثاني على كون النتيجة في الفرض الأوّل هي التعدّي؛ لزعم انحصار الفرض الثاني بصورة تجرّد الوطء عن التزويج، بل يجري الكلام فيه حتّى لو كانت نتيجة الأوّل عدم التعدّي؛ لأنّه كما يمكن في الفرض الثاني تصوّر وقوع وطء الشبهة مجرّداً عن التزويج، كذلك يمكن تصوّر وقوعه منضمّاً إليه، كما لو اعتقدت وفاة زوجها فاعتدّت وتزوّجت، ودخل بها الثاني، ثمّ تبيّنت حياة الأوّل، ثمّ مات قبل إتمام عدّة وطء الشبهة.
وعلى أيّ حال لولا الإرسال في مرسلة جميل بن صالح ـ السادسة من أخبار عدم التداخل المتقدّمة ـ لاستُغني هنا عن البحث في التعدّي؛ لكونها تامّة الدلالة على ثبوت الحكم بعدم التداخل في جميع الفروض الثلاثة بعدما كان موردها وطء الشبهة الحاصل من دون تزويج المتقدّم على وفاة الزوج وعند الاشتباه في الموضوع بإدخال زوجة كلّ من الأخوين على الآخر.
هذا، ثمّ إنّه في مقام تقريب التعدّي ممّا دلّ على عدم التداخل عند تقدّم الوفاة وكون وطء الشبهة عن تزويجٍ إلى الفرضين الأوّلين قد يقال: إنّ الذي يظهر من الأخبار المتقدّمة تعليق الحكم بعدم التداخل على الدخول بها، فالأمر في حقيقته دائر مدار الدخول وعدمه، والعرف في هكذا مقام لا يرى لانضمام التزويج دخلاً في ترتّب هذا الحكم، خصوصاً وأنّ عبارة التزويج بالمعتدَّة إنّما وردت في سؤال السائل وعلى وفقه جاء الجواب بأنّ الحكم بتعدُّد العِدد معلَّق على تحقُّق الدخول, فدخالة العقد في الحكم المذكور في الجواب ليست بذلك الظهور.
وقريب من هذا الكلام قد يقال في تقريب التعدّي إلى الفرض الثاني، فأيّ فرق بين تقدّم الوفاة على وطء الشبهة، وبين تأخّرها عنه، بعد كون مؤدّاهما أمراً واحداً، وهو اجتماع عدَّتين إحداهما من الوفاة أُخذ فيها الاعتداد بالأشهر والأيّام والحداد, والأخرى من وطء الشبهة لاستبراء الرحم وتكون عادةً بالأقراء!
لكنّ الإنصاف أنّ القطع بعدم الفرق في كلا الفرضين عهدته على مَن يدَّعيه, فإنّه قد تتصوّر بعض الخصوصيّات تجعل من اختصاص الحكم بفرض تقدّم عدّة الوفاة على عدّة الشبهة أمراً ممكناً, كاحتمال كونه عقوبة على الجاهلة بحكم ضروريّ نصّ عليه الكتاب الكريم، مثل كون عدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً, أو من جهة أنّ الحكم به للتشديد على المكلّف لغرض بيان خلاف ما أطبق عليه العامّة ممّا خالف الكتاب الكريم, أو لغير ذلك ممّا لا يمكن معه البتّ في عدم اختلاف الحكم؛ لاختصاصها بفرض تقدّم عدّة الوفاة وانضمام التزويج دون انتفاء الأمرين.
وعلى أيّ حال فالقطع بكون الملاك أمراً لا يوجب اختلاف الحكم بين فرض وقوع وطء الشبهة عن تزويج وبين تجرّده عنه, وكذا بين تقدّم عدّة الوفاة على الشبهة وبين تأخّرها, عهدته على مدّعيه.
كما يمكن أن يؤيّد ذلك في الفرض الأوّل بالتزام الفقهاء(٧٣) باختلاف الحكم في ثبوت الحرمة المؤبّدة على الجاهل بين ثبوتها عند وقوع وطئه للشبهة عن تزويج وبين عدم ثبوتها لا عنه، فلاحظ.
والكلام في الفرض الثالث تقريباً وردّاً هو الكلام في الفرضين الأوّلين.
وعليه فاحتمال اختلاف الحكم ووجود الفارق بين مورد أخبار الطائفة الثانية وبين الفروض الثلاثة وارد.
ومنه يظهر عدم إمكان التعدّي في الحكم من مورد أخبار الطائفة الثانية ـ المعتدّة من الوفاة إذا وطئت شبهة ـ إلى فرض موت الزوج في عدّة الزوجة من وطء الشبهة لو تزوّجت اشتباهاً؛ إذ التعدّي في هذا الفرض بحاجة إلى إلغاء خصوصيّة طروّ وطء الشبهة على المعتدّة, ومن ثمّ إلغاء خصوصيّة تقدّم الوفاة على وطء الشبهة, مضافاً إلى إلغاء خصوصيّة كون الاشتباه في الحكم الضروريّ, فعدم إمكان التعدّي له أولى.
وعلى هذا فقد يتّجه بَدواً في الفروض الثلاثة المتقدّمة الرجوع إلى القاعدة والالتزام فيها بالتداخل, لكنّ التوقّف في محلّه بعدما عرفت من كونها مورد مرسَلة جميل بن صالح الدالّة على عدم التداخل, بل قد تكون من المورد المتيقّن في الكلمات المتقدّمة لكثير من الأعلام في عدم التداخل.
ويتلخّص ممّا تقدّم أنّ الظاهر هو كون الحكم عند اجتماع العِدد تداخلها إلّا في صورة اجتماع عدَّة الوفاة مع عدّة وطء الشبهة، فإنّ الحكم فيها هو عدم التداخل إذا تقدّمت الوفاة وحصل الوطء عن شبهة عقد مسبّب عن الاشتباه في الحكم الضروريّ, وأمّا إذا انتفى أحد هذه القيود فالحكم بعدم التداخل لا يخلو من إشكال.
والتفصيل حسب الفروض المتصوّرة بأن يقال: إنّ من اجتمعت عليها العدد: إمّا أن تكون ابتداءً ذات بعل، أو معتدّة، أو مَن في حكمها.
فذات البعل التي يفرض فيها الوطء شبهة: إمّا أن يكون مع التزويج، أو بدونه, وفي كلّ منهما: إمّا أن يموت زوجها الأوّل بعد ذلك، أو يطلّقها.
والمعتدّة: إمّا من طلاق، أو وفاة، أو وطء شبهة, وفي كلّ منها: إمّا أن توطأ بعد ذلك شبهة بالتزويج، أو من دونه.
ومَن في حكم المعتدّة تارةً يفرض فيها اجتماع عدّتين متماثلتين بالمقدار والغاية, وأخرى يفرض فيها اجتماع عدّتين مختلفتين بالمقدار والغاية, وفي كلا الفرضين: إمّا أن يكون وطء الشبهة فيها عن تزويج، أو يتجرّد عنه.
وعلى هذا فالصور أربع عشرة:
ذات البعل الموطوءة شبهةً إذا طلّقها زوجها فذات البعل الموطوءة شبهةً بعد العقد عليها اشتباهاً إذا طلّقها زوجها قبل انتهاء عدّتها من الشبهة تتداخل عليها العدّتان؛ لكونها مورد معتبرتي زرارة ومرسلة يونس ـ الثلاث الأخيرة من أخبار التداخل ـ الدالّة على التداخل, وقد تقدّم عدم استبعاد اتّحادها.
وكذا ينبغي أن يحكم بالتداخل في هذا الفرض لو كان وطؤها شبهةً من دون سبق تزويج فطلّقها الزوج؛ لكونه مقتضى القاعدة(٧٤).
بل يمكن الاستدلال له بهذه الأخبار الثلاثة؛ للجزم بعدم دخالة انضمام العقد إلى وطء الشبهة في الحكم بالتداخل الوارد فيها.
كما يمكن الاستدلال له أيضاً بتعليل التداخل في بعضها بقوله g: (وإنّما يستبرأ رحمها بثلاثة قروء تحلّها للناس كلّهم)(٧٥), ولا يعارض ذلك بالأخبار الدالّة على عدم التداخل؛ لاختصاص موضوع تلك الأخبار بفرض الاعتداد.
ذات البعل الموطوءة شبهةً إذا توفّي زوجها
وأمّا لو مات زوجها بعد وطء الشبهة المسبوق بالعقد أو المتجرّد عنه فإنّ القاعدة بحسب الصناعة وإن كانت قاضية بالتداخل بعد خلوّ الفرض عن النصّ، إلّا أنّ عدم ظهور الخلاف في عدم التداخل في هذا الفرض بين المتقدّمين على الرغم من وجود المخالف في بعض الفروض الأخرى على ما تقدّم تفصيله عند ذكر كلماتهم, مضافاً إلى كونه مورد مرسلة جميل بن صالح ـ السادسة من أخبار عدم التداخل المتقدّمة ـ الصريحة دلالة في عدم التداخل في هذا المقام, وأنّ مَن أرسلها هو الذي وصفه النجاشيّ بأنّه ثقة وجه(٧٦) لا يبعد أن يكون مانعاً من سكون النفس إلى التداخل وفق القاعدة, فالتوقّف هنا في محلّه.
المعتدّة من الطلاق
وأمّا المعتدّة فإن كان اعتدادها من طلاق ووطئت شبهة بالتزويج فالحكم هو التداخل؛ لكونه مقتضى القاعدة بعد تساقط ما دلّ فيها على التداخل وعدمه بالمعارضة, بناءً على تماميّة الإطلاق في أخبار التداخل, وكذا يرجع إلى القاعدة بناءً على عدم تماميّته؛ لأنّ الأمر يؤول أيضاً إلى التساقط، لتعارضها مع ما دلّ من الأخبار على عدم التداخل مطلقاً، لكن في خصوص المقدار المتيقّن من دلالة أخبار التداخل، وهو فرض اجتماع عدّتي الشبهة والطلاق على ما تقدّم بيانه.
بل يمكن الاستدلال له هنا أيضاً بالتعليل المتقدّم في معتبرة زرارة، فإنّه شامل لفرض اجتماع عدّتين الغرض منهما استبراء الرحم.
والحكم بالتداخل لو تجرّد وطء الشبهة للمعتدّة من الطلاق عن التزويج أولى من فرض انضمامه إليه؛ لاحتمال قيديّة التزويج ودخوله في موضوع ما دلّ من الأخبار على عدم التداخل, وعدم احتمال دخالته في موضوع ما دلّ منها على التداخل، فلاحظ.
وأولى منه بالتداخل ما لو كان الواطئ هو صاحب العدّة، كمن طلّق زوجته بائناً، ثمّ وطأها شبهة في العدّة؛ إذ جريان الأدلّة السابقة فيه أولى, بل الأولى منه في الاستدلال إدخال الفرض في تداخل الأسباب الموجب لتداخل العدد من دون إشكال، وهذا هو المفهوم غير المصرّح به في بعض أقوال الفقهاء، من أنّ السبب في عدم التداخل الثابت في مورده هو وجود حقّين لشخصين.
المعتدّة من الوفاة
وإن كان الاعتداد من وفاة وكان وطؤها شبهةً عن تزويج فإن كان زواجها ناشئاً عن جهلها المركّب بمقدار العدّة لم تتداخل عليها العدد؛ لكونها مورد الطائفة الثانية الدالّة على عدم التداخل.
ودعوى التعدّي في الحكم إلى فرض كون زواجها ناشئاً عن الجهل بأصل العدّة غير بعيدة؛ لاشتراكهما في الجهل بالحكم الضروريّ.
وإن لم يكن زواجها ناشئاً عن الجهل بالحكم فلا يخلو عدم التداخل عن إشكال؛ لخروجه عن ظهور هذه الطائفة بعدما كان السؤال فيها عن التزويج المستند لزعم الانتهاء من عدّة الوفاة بالوضع قبل إكمال أربعة أشهر وعشرة أيّام، لا الجهل في الموضوع، كزعمها الانتهاء من العدّة اشتباهاً في الحساب, فينبغي حينئذٍ الرجوع إلى القاعدة. هذا من جهة.
ومن جهةٍ أخرى لعدم ظهور الخلاف بين المتقدّمين والمتأخّرين في عدم التداخل في التزويج بالمعتدّة من الوفاة ـ عدا ما نسبه في الشرائع إلى مجهولٍ(٧٧) ـ وعدم تفصيلهم بين استناد الاشتباه المسبّب للوطء إلى الموضوع أو الحكم.
نعم، قد لا تكون عبارات جملة منهم z ظاهرة في غير ما هو نصّ الأخبار، فيجري فيها ما جرى في الأخبار من عدم إمكان استظهار شمولها للجهل بالموضوع، فليتأمّل.
وفي الحكم بعدم التداخل لو تجرّد وطؤها عن التزويج الإشكال المتقدّم, بل يزيده هنا انتفاء ما يحتمل دخالته في موضوع الحكم بعدم التداخل، وهو العقد.
المعتدّة من وطء الشبهة
وإن كان اعتدادها من وطء شبهة فوطئت كذلك مرّة أخرى تداخل عليها العدّتان، سواء أكان الوطء الثاني عن تزويج أم تجرّد عنه, وسواء اتّحد الواطئ أم تعدّد.
أمّا إذا اتّحد الواطئ فلأنّه من تداخل الأسباب، والأمر فيه سهل؛ إذ هو نظير وجوب غسل الجنابة على من جامع مرّتين، فإنّه لا يجب عليه الغسل إلّا مرّة واحدة.
وأمّا إذا تعدّد الواطئ ـ فمضافاً إلى أنّ التعليل المتقدّم في معتبرة زرارة بقوله g: (وإنّما يستبرأ رحمها بثلاثة قروء تحلّها للناس كلّهم) شامل لهذا الفرض الذي لا يكون الغاية من إيجاب العدّة فيه سوى براءة الرحم ـ فلعدم بُعد أولويّة التداخل في هذا الفرض منه في فرض دخول عدّة الطلاق على عدّة الوطء شبهةً المنصوص عليه بذلك.
وإن أبيت إلّا عن عدم نهوض ما تقدّم لإفادة التداخل فالمرجع إلى القاعدة التي قد عرفت أنّها تقضي به أيضاً.
ومن ذلك علم عدم الفرق بين انضمام التزويج اشتباهاً إلى الوطء الثاني وبين تجرّده عنه.
مَن في حكم المعتدّة
وأمّا مَن كانت في حكم المعتدّة ـ وهي مَن ليست بذات بعلٍ، ولا معتدّة بالفعل، ولا يكون لها حكم الخليّة في نفس الوقت ـ فلها فرضان:
الأوّل: أن تجتمع على المرأة عدّتان متماثلتان بالمقدار والغاية, كما في اجتماع عدّتين من الشبهة، مثل الخليّة الموطوءة شبهة إذا وطئت شبهة مرّة أخرى من آخر قبل تبيّن الأمر, فإنّه ـ بناءً على أنّ اعتدادها يبتدئ عند تبيّن الحال لا من حين الوطء ـ يكون قد اجتمع عليها سببان للعدّة.
وقد علم ممّا سبق جريان التعليل المتقدّم في معتبرة زرارة لإثبات التداخل عندما يكون الغرض من العِدد استبراء الرحم, وإن نوقش فيه فالمرجع إلى القاعدة بعد فقد النصّ.
كما علم عدم الفرق بين انضمام التزويج إلى وطء الشبهة وبين خلوّه عنه.
الثاني: أن تجتمع على المرأة عدّتان غير متماثلتين بالمقدار والغاية, كما في اجتماع عدّتين إحداهما من الوفاة, مثل التي توطأ شبهة بعد وفاة زوجها قبل أن يبلغها الخبر, فإنّها في تلك الحال لا ذات بعلٍ ولا معتدّة.
فإن كان الوطء عن تزويج ففي كونه كالتزويج بالمعتدّة من الوفاة الذي اختصّ النصّ التامّ الصريح فيه بعدم التداخل، أو كالتزويج بغيرها ممّا دلّ النصّ أو القاعدة على تداخل العدد فيه، وجهان.
وجه الأوّل وحدة المناط، والتعدّي من حكم المعتدّة إليها.
لكنّه غير ظاهر؛ لما تقدّم من احتمال الخصوصيّة, فالجزم بكون الحكم فيها عدم التداخل في غير محلّه.
ووجه الثاني خلوّ الفرض عن النصّ، فالمرجع القاعدة الحاكمة بالتداخل.
لكن تقدّم أنّ هذا وإن كان هو مقتضى الصناعة، إلّا أنّ التوقّف في محلّه بعدما عرفت من عدم ظهور الخلاف بين المتقدّمين والمتأخّرين ـ إلّا ما نسب في الشرائع إلى مجهولٍ ـ في كون الحكم عند الاجتماع مع عدّة الوفاة عدم التداخل, المؤيّد بدلالة مرسلة جميل بن صالح بعدم التداخل في ذات البعل.
وبذلك يظهر جريان الإشكال لفرض تجرّد الوطء في هذه الصورة عن التزويج.
هذا ما وسعه الكلام وخلص إليه البحث في هذه المسألة بنظر فاتر وفكر قاصر، وتبقى هناك أمور لا بدّ من بيانها، والنظر فيها موكول إلى حلقة ثالثة بإذن الله تعالى، والحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
(١) تهذيب الأحكام: ٧/ ٣٠٧.
(٢) المصدر السابق: ٧/ ٣٠٨.
(٣) يلاحظ: الاستبصار: ٣/ ١٨٨.
(٤) كشف الرموز: ٢/ ١٤٣.
(٥) يلاحظ: التنقيح الرائع: ٣/ ٨٤.
(٦) يلاحظ: جامع المقاصد: ١٢/ ٣٠٩.
(٧) تهذيب الأحكام: ٧/ ٣٠٩، ح١٢٨٣.
(٨) يلاحظ: روضة المتّقين: ٨/ ٥٢٤.
(٩) يلاحظ: مجلّة دراسات علميّة: عدد ١٩ ـ ٢٠/ ١٨٠ ـ ١٨١.
(١٠) يلاحظ: مجلّة دراسات علميّة: عدد ١٩ ـ ٢٠/ ١٤٥ وما بعدها.
(١١) يلاحظ: جامع المقاصد: ١٢/ ٣١١، مسالك الأفهام: ٧/ ٣٤٠، كشف اللثام: ٧ / ١٨٢.
(١٢) يلاحظ: جامع المقاصد: ١٢/ ٣١٢.
(١٣) يلاحظ: وسائل الشيعة: ٢٠/ ٤٥٠ وما بعدها، باب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(١٤) مسالك الأفهام: ٩/ ٣٤٣.
(١٥) يلاحظ: الحدائق الناضرة: ٢٥/ ٥٣٣.
(١٦) يلاحظ: إيضاح الفوائد: ٣/ ٧١، التنقيح الرائع: ٣/ ٥٤١، الحدائق الناضرة: ٢٥/ ٣٩٧ وقد نسبه إلى المشهور، أنوار الفقاهة (كتاب البيع): ٢٦٢.
(١٧) تقرير بحث السيّد الزنجانيّ ـ كتاب النكاح (فارسيّ): ٦/ ١٩٩٠.
(١٨) يلاحظ: إيضاح الفوائد: ٣/ ٢٧، كنز العرفان: ٢/ ١٧٩، كشف اللثام: ٧/ ٦، الحدائق الناضرة: ٢٣/ ٤٤٨، مستند الشيعة: ١٦/ ١٠.
(١٩) شرائع الإسلام: ٣ / ٣٤.
(٢٠) يلاحظ: كفاية الأصول: ٤٤٣ وما بعدها, مقالات الأصول: ٢/ ٤٧٤, مصباح الأصول: ١/ ١٦٤, بحوث في علم الأصول: ٧/ ٣٧١ , منتقى الأصول: ٧/ ٤١٥.
(٢١) الكافي: ١/ ٦٨، باب اختلاف الحديث، ح١٠.
(٢٢) الحدائق الناضرة: ٢٥/ ٥٣٥.
(٢٣) جواهر الكلام: ٣٢ / ٣٦٤.
(٢٤) المصدر السابق: ٣٦٧ ـ ٣٦٨.
(٢٥) يلاحظ: روضة المتّقين: ٢/ ١٩٥، ذخيرة المعاد: ٢/ ٤١٠، مشارق الشموس: ٣/ ٥٥٠، مقامع الفضل: ٢/ ٨، ٩، رياض المسائل: ١٦/ ٤٤٧، كتاب المناهل: ٥٣٩، تبيان الصلاة: ٧/ ٥٢.
(٢٦) يلاحظ: أنوار الفقاهة (كتاب الشهادات): ٥٤، مصباح الفقيه: ٧/ ٣٠٧.
(٢٧) يلاحظ: جواهر الكلام: ٨/ ١٥٦، غاية الآمال في شرح كتاب المكاسب: ١/ ٣١.
(٢٨) يلاحظ: المهذّب: ٢/ ٣٣٢.
(٢٩) يلاحظ: قواعد الأحكام: ٣/ ١٥٠.
(٣٠) يلاحظ: إيضاح الفوائد: ٣/ ٣٦٢.
(٣١) يلاحظ: الوسيلة: ٣٢٧.
(٣٢) يلاحظ: أجوبة مسائل ورسائل في مختلف الفنون: ٣٤٧.
(٣٣) يلاحظ: إصباح الشيعة: ٣٩٩.
(٣٤) يلاحظ: المختصر النافع: ١/ ١٧٨.
(٣٥) يلاحظ: كشف الرموز: ٢/ ١٤٤.
(٣٦) يلاحظ: المقتصر في شرح المختصر النافع: ٢٣٧.
(٣٧) يلاحظ: غاية المرام: ٣/ ٦٤.
(٣٨) يلاحظ: مسالك الأفهام: ٩/ ٣٤٢.
(٣٩) مستمسك العروة الوثقى: ١٤/ ١٤٠ ـ ١٤١.
(٤٠) المقنع: ٣١٦.
(٤١) يلاحظ: تبيان الصلاة: ٨/ ٢٩٠، كتاب البيع (السيّد الحجّة الكوه كمريّ): ٣٣٢، كتاب الطهارة (السيّد الخمينيّ): ١/ ٦٦.
(٤٢) يلاحظ: كتاب النكاح (السيّد الزنجانيّ): ١٧/ ٥٤٣٣.
(٤٣) مستمسك العروة الوثقى: ١٤/ ١٤٠.
(٤٤) يلاحظ: الخلاف: ٥/ ٧٥.
(٤٥) كشف الرموز: ٢/ ١٤٤.
(٤٦) كذا في المصدر، ولعلّ الصحيح: (الأخبار والأدلّة).
(٤٧) أنوار الفقاهة (كتاب الطلاق): ٦٧.
(٤٨) يلاحظ: وسائل الشيعة: ٢٠/ ٤٥٤، الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ذيل ح ١٤.
(٤٩) يلاحظ: الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع: ١٠/ ق ٢/ ٢٠٠.
(٥٠) يلاحظ: رياض المسائل: ١١/ ٢٣٣.
(٥١) يلاحظ: أنوار الفقاهة (كتاب النكاح): ١٢٤.
(٥٢) يلاحظ: الحدائق الناضرة: ٢٥/ ٥٣٥.
(٥٣) يلاحظ: تكملة العروة الوثقى: ١/ ١١٠.
(٥٤) المجموع شرح المهذّب: ١٨/ ١٤٩.
(٥٥) يلاحظ: نهاية المرام: ١/ ١٧٢، كفاية الأحكام: ٢/ ١٤٣، مستمسك العروة الوثقى: ١٤/ ١٤٠.
(٥٦) يأتي الكلام في ذلك في القول الرابع وما بعده، ص: ١٦٨ وما بعدها.
(٥٧) تكملة العروة الوثقى: ١/ ١١٠.
(٥٨) مسالك الأفهام: ٩/ ٣٤٣.
(٥٩) يلاحظ: مجلّة دراسات علميّة: عدد ١٩ ـ ٢٠/ ١٧٢.
(٦٠) يلاحظ: رجال النجاشيّ: ٢٤٥، الرقم: ٦٤٥، رجال الطوسيّ: ٣٣٩، الرقم: ٥٠٥١.
(٦١) يلاحظ: مجلّة دراسات علميّة: عدد ١٩ ـ ٢٠/ ١٨١.
(٦٢) يلاحظ: كفاية الأصول: ٤٤٣، مقالات الأصول: ٢/ ٤٧٣، مصباح الأصول: ٢/ ٤٩٦، بحوث في علم الأصول: ٧/ ٣٧٣، منتقى الأصول: ٧/ ٤٠٢.
(٦٣) يلاحظ: مجلّة دراسات علميّة: عدد ١٩ ـ ٢٠/ ١٤٩.
(٦٤) يلاحظ: مجلّة دراسات علميّة: عدد ١٩ ـ ٢٠/ ١٦٦.
(٦٥) يلاحظ: مجلّة دراسات علميّة: عدد ١٩ ـ ٢٠/ ١٦٦ ـ ١٧١.
(٦٦) موسوعة السيّد الخوئيّ: ٣٢/ ١٩٩ ـ ٢٠٢.
(٦٧) يلاحظ: مجلّة دراسات علميّة: العدد ١٩ ـ ٢٠/ ١٨٥.
(٦٨) تقرير بحث السيّد الزنجانيّ ــ كتاب النكاح (فارسيّ): ٦/ ١٩٨٣ وكلامه مختصّ بالمرسلة، وساق الكلام في إمكان جعلها ـ على فرض اعتبارها ـ مخصّصة لما دلّ على عدم التداخل مطلقاً.
(٦٩) يلاحظ: مجلّة دراسات علميّة: العدد ١٩ ـ ٢٠/ ١٨٠ ـ ١٨١.
(٧٠) يلاحظ للخلاف في ذلك: مختلف الشيعة: ٧/ ٣١٥.
(٧١) يلاحظ: كنز الفوائد: ٢/ ٥٢٥، جامع المدارك: ٤/ ٤٤٤، مقامع الفضل: ١/ ٤٧٩.
(٧٢) يلاحظ: كتاب النكاح للسيّد الزنجانيّ (فارسيّ): ٢٥/ ٧٧٩٩.
(٧٣)يلاحظ: أنوار الفقاهة (كتاب النكاح): ١٢٤، العروة الوثقى: ٥/ ٥٢٠.
(٧٤)تقدّم في الحلقة الأولى من البحث أنّ مقتضى القاعدة هو التداخل، يلاحظ: مجلّة دراسات علميّة: العدد ١٩ ـ ٢٠/ ١٦٦.
(٧٥) الكافي: ٦/ ١٥١، باب المرأة يبلغها زوجها ..، ح١.
(٧٦)يلاحظ: رجال النجاشيّ: ١٢٧.
(٧٧)يلاحظ: شرائع الإسلام: ٢/ ٢٣٥.