
بسم الله الرحمن الرحيم
تقدّم في الحلقة الأولى كثرة اعتماد العلماء المتأخّرين على قرينة مناسبة الحكم والموضوع، وحيث إنّهم لم يبيّنوا مرادهم بها وجب علينا سلوك طريقين لذلك:
الطريق الأوّل: هو المدلول اللغوي لكلمة (المناسبة).
والطريق الآخر: هو تحليل مستندهم في الموارد التي اعتمدوا فيها على هذه القرينة.
وقد تقدّم الكلام في الحلقة الأولى عن الطريق الأوّل ضمن جهتين كانت الجهة الأولى منهما في إشارة لتاريخ المسألة، والأخرى في تحديد المفاد اللغوي لمناسبة الحكم والموضوع.
ويقع الكلام في هذه الحلقة عن الطريق الآخر ضمن جهات ثلاث:
الجهة الأولى
في الدليل على اعتبار مناسبة الحكم والموضوع
ومقدار حجّيتها وموارد جريانها
خرّج بعض العلماء حجّية مناسبة الحكم والموضوع باندراجها في كبرى حجّية الظهور.
واعلم أنّه ربّما فهمت لمناسبة الحكم والموضوع تفسيرات خمسة:
الأوّل: أنّها قرينة غير لفظية(١).
الثاني: أنّها ارتكاز يكشف حكمة التشريع(٢).
الثالث: تنقيح المناط(٣).
الرابع: الجزم بنفي الخصوصية توسعةً، والجزم بإرادتها تضييقاً.
الخامس: الانصراف، وإنّما تفسّر به المناسبة المضيّقة.
وإنّما تدخل مناسبة الحكم والموضوع في باب الظهورات بناءً على تفسيرها بأنّها قرينة على المراد، أو تفسيرها بالانصراف، دون تفسيرها بالارتكاز، أو تنقيح المناط، أو الجزم بالخصوصية أو بعدمها.
أمّا على تفسيرها بالارتكاز الكاشف عن حكمة التشريع فمن الواضح أنّه لا صلة لها بالظهور أصلاً؛ لأنّ الارتكاز لا يمسّ دلالة الكلام ولا يغيّرها، فلو قال المشرّع: (أيّما رجل ذكر أخاه بعيب في غيبته فكأنّما أكل لحمه)، بقي لفظ (رجل) على دلالته، ولا نقول إنّ المراد به: (إنسان). ولكنّنا نستكشف بالارتكاز أنّ هذا الحكم تطبيق لحكمٍ عامّ، وهو (أيّما إنسان رجلاً كان أم امرأة)، فلا نقول إنّه بهذا الخطاب أراد تحريم الغيبة مطلقاً حتّى على النساء، بل نقول إنّه أراد بيان تحريم الغيبة على الرجال خاصّة، ولكنّنا استكشفنا أنّ هذا التحريم لم يكن تشريعاً مستقلَّاً، بل هو تطبيق لتشريع أوسع، وهو تحريم الغيبة مطلقاً.
وأمّا على تفسيرها بتنقيح المناط فهي أيضاً أجنبية عن الظهور؛ إذ هي داخلة في حجّية القطع أو الاطمئنان؛ باعتبار أنّ مرجع تنقيح المناط إلى القطع أو الاطمئنان بعلّة الحكم، والغرض من تشريعه.
وأمّا على تفسيرها بالجزم بالخصوصية، أو بعدم الخصوصية فكونها أجنبية عن الظهور واضح أيضاً.
والفرق بين هذا التفسير وسابقه هو أنّ الأوّل يدّعي العلم بعلّة الحكم من طريق موضوعي، وهو الارتكاز أو الترابط بين الحكم والموضوع، وقد لا يدّعي النظر إلى علّة الحكم، بل يدّعي العلم بحكمٍ أوسع، كما في مثال تحريم الغيبة، وأمّا هذا فيدّعي العلم بعلّة الحكم علماً ذاتياً.
ومن هذا البيان يظهر لك وجه التفصيل الذي ذكره بعض العلماء(٤) من جريانها في خصوص الأدلّة اللفظية دون اللبّية؛ فإنّها على تقدير كونها صغرى لحجّية الظهور تختصّ بالأدلّة اللفظية، ولكنّها على تقدير آخر لا تأبى أن تجري في الأدلّة اللبّية.
ومنه أيضاً يظهر لك وجه التفصيل بين المعاملات والعبادات المشوبة بغير التعبّد، فتجري فيها، وبين العبادات المحضة، فلا تجري فيها، فإنّها إذا كانت ترجع إلى حكمة التشريع، أو تنقيح المناط فإنّما يصحّ الاعتماد عليها في باب المعاملات والعبادات غير المحضة خاصّة؛ لأنّ حكمة تشريعها معلومة، ومناطها معروف، ولا تجري في العبادات المحضة؛ لأنّ العالم بحكمة تشريعها وبمناطها هو الله تعالى، ومن أظهره على ذلك من طريق الوحي.
وعلى ذلك فهل التعبير عنها بتنقيح المناط، أو إلغاء الخصوصية، أو الانصراف من سهو القلم، أو لاعتقاد وحدة المراد؟
الجواب: أنّ الأصل في العبارات المختلفة هو اختلاف المراد، فينبغي التأمّل لاستخراج ما يميّز مسألتنا عن هذه المسائل.
وممّن صرّح بأنّ مناسبة الحكم والموضوع أجنبية عن الظهور السيّد الأستاذ S في منتقى الأصول، حيث قال: (الأمر الثالث: العرف، والمراد به ما يفهمه العرف بحسب مرتكزاته من قياسات الأحكام والموضوعات، في قبال ما يفهمه بحسب متفاهم الألفاظ وفي مقام المحاورة الذي هو مفاد تحكيم الدليل، فقد يفهم العرف بحسب لفظ الدليل كون الموضوع للحكم هو الأمر الكذائي، ولكن بحسب مرتكزاته من مناسبة الحكم وموضوعه يرى عدم تبدّل الموضوع عند زوال بعض صفاته المقوّمة بحسب الدليل، وأنّ الحكم ثابت للأعمّ، فهو يرى بحسب الدليل أنّ الحنطة هي موضوع الحلّية، ولكنّه بحسب مرتكزاته يرى أنّ عروض الحلّية لا يختصّ بالحنطة، بل يعمّها ويعمّ الدقيق، كما يرى بحسب مرتكزاته أنّ موضوع النجاسة هو ذات الماء وأنّ التغيّر يؤثّر فيه بنحو العلّية.
ويشترط أن لا يكون الفهم العرفي المذكور من القوّة بحيث يكون من القرائن المتّصلة أو المنفصلة الموجبة لانقلاب ظهور اللفظ من معناه وانعقاده في المفهوم العرفي، أو المانعة عن حجّيته في ما هو ظاهر فيه، وإلّا رجع الأمر الثاني، أعني لسان الدليل)(٥).
الجهة الثانية
في الفرق بينها وبين القياس
إنّ الفرق بينها وبين القياس يستدعي النظر في حقيقة القياس وأقسامه، لمعرفة الأحكام المترتّبة على ذلك، وهل كلّ قياس عندنا باطل في الشريعة أو لا؟
فأقول: للقياس إطلاقان:
الأوّل: ما يعدّونه دليلاً ومستنداً.
والآخر: الاستناد وعمل الشخص الذي يقيس.
والأوّل: هو الظنّ بمساواة محلّ لآخر في علّة حكمه، والآخر: هو إثبات حكم الأصل للفرع؛ لظن اشتراكهما في العلّة الموجبة للحكم.
ودعوى اشتراك الأصل والفرع في العلّة مبنيّ على تخمين المستدلّ بالقياس وظنّه لاعتقاده التشابه بينهما، ولو كان أهل القياس يدّعون حصول العلم بالعلّة لكان ذلك عذراً لهم، ولكنّهم لا يدّعون ذلك.
والقياس باطل عندنا؛ لأنّه ليس للعباد طريق لمعرفة علل الأحكام وملاكاتها، إلّا بيان الشرع، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً.
وأمّا مناسبة الحكم والموضوع فقد عرفت أنّ الذي يظهر من تطبيقات الفقهاء لها هو أنّها اطمئنان الفقيه بحكمة التشريع، فالقياس ظنّ بالعلّة، والمناسبة اطمئنان بها.
واعلم أنّه يظهر من ملاحظة الروايات التي تذمّ القياس معنى آخر غير ما اصطلح عليه علماء أصول الفقه بالقياس، والذي يظهر من الروايات هو إعمال الرأي، ونسبة الحكم للشرع اقتراحاً.
وكيفما كان، فالمهمّ أنّ هذه الكلمة التي بقيت في تراثنا بسبب النصّ الروائي قد طرأ عليها تغيّر في المفهوم بسبب المعنى الاصطلاحي، فلا ينبغي إغفال ذلك.
الجهة الثالثة
موارد اعتماد العلماء على مناسبة الحكم والموضوع
تقدّم منّا أنّ الاعتماد على مناسبات الحكم والموضوع قد بلغ في زماننا هذا بل وقبله مبلغاً عظيماً، فلا بأس أن ننظر في بعض المواضع التي اعتمد العلماء فيها على هذه القرينة، لنصل إلى فهم حقيقة مرادهم، فنقول مستعينين بالله:
الأوّل: موارد اعتماد المحقّق آغا رضا الهمداني S (ت ١٣٢٢هـ).
المورد الأوّل: تعرَّض المحقّق الهمداني S في عقد الفضولي للاستدلال بعموم وجوب الوفاء بالعقود لإثبات كفاية رضا المالك في صحّة العقد مطلقاً، وقال إنّه يثبت المطلوب إذا كان المراد بالعقود في الآية الشريفة: (كلَّ عقد عن كلّ أحد متعلّق بماله)، فيكون معناه أنّه يجب على المالك الوفاء بكلّ عقد تعلّق بماله سواء كان العاقد نفسه أو غيره، وغاية ما في الباب تخصيص ذلك العموم بدليل طيب النفس بما لا يكون المالك راضياً بالعقد مطلقاً.
ولكنّه لم يرتضِ هذا المعنى محتجّاً بأنّه خلاف ظاهر الآية، فالظاهر منها بضميمة مناسبة الحكم والموضوع أنّه يجب الوفاء على كلّ شخص يكون من شأنه الوفاء بكلّ عقد صدر منه، لا عنه وعن غيره مطلقاً؛ إذ المناسب للحكم بوجوب الوفاء إنّما هو كونه صادراً عنه، كما أنّه لو قيل: (أوفِ بالعهد) ينصرف إلى عهود نفسه، لا كلّ عهد وقع في الدنيا، ولو كان مرتبطاً إليه [ظ: به]، كما لو تعاهد شخصان أجنبيان عليه شيئاً، ومعلوم أنّ عموم هذا الأمر لا يشمل هذا المورد من أوّل الأمر، فعلى هذا فليس مفاد الآية إلّا كمفاد قوله تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا}، في أنّ الوفاء إنّما تعلّق بما عاهد، فمفاد الآية أنّه يجب على العاقد الوفاء بعقده(٦).
فأثر مناسبة الحكم والموضوع في هذا المورد هو تضييق موضوع الحكم، وقد صرّح في عموم وجوب الوفاء بالعهد بأنّ الحكم ينصرف إلى عهد نفسه، ولكن لا يسعنا الآن ـ ونحن في بداية المسير ـ أن نحكم بأنّ ما يريده المحقّق الهمداني من مناسبة الحكم والموضوع في كلّ مورد اعتمد فيه على هذه القرينة هو موجبات الانصراف.
المورد الثاني: في عدم وجوب غسل موضع النجو إذا كان الظاهر لم يتلوّث بالنجاسة، قال: (واحتمال وجوب الغسل تعبّداً كما عن ظاهر المنتهى لإطلاقات الأمر بالغسل ضعيف في الغاية؛ لأنّ الأوامر المطلقة منزّلة على الغالب، كما يدلّ عليه ـ مضافاً إلى الفهم العرفي الناشئ من مناسبة الحكم وموضوعه، أعني وجوب الغسل ونجاسة موضع النجو بمقتضى العادة ـ جعل النقاء وإذهاب الغائط حدّاً للاستنجاء في حسنة ابن المغيرة، وموثّقة يونس بن يعقوب المتقدّمتين)(٧).
وهذا يمكن إرجاعه إلى تشخيص الغرض من تشريع وجوب الغسل، ويمكن إرجاعه أيضاً إلى الانصراف إلى الغالب.
المورد الثالث: في التمسّك بمناسبة الحكم والموضوع لتعميم موضوع حرمة مسّ الجنب ما عليه لفظ الجلالة في موثّقة عمّار عن الصادق g، قال: (لا يمسّ الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم الله). فلا يختصّ الحكم بلفظة (الله)، بل يعمّ كلّ اسم من أسمائه سبحانه وتعالى المختصّة به من أيّ لغة كانت. وكون المتعارف في أزمنة الأئمّة i نقش لفظ خاصّ على الدينار والدرهم لا يقتضي قصر الحكم عليه، خصوصاً مع وضوح مناطه، بل المتبادر من اسم الله تعالى في الرواية ـ ولو لأجل وضوح المناسبة بين الحكم وموضوعه ـ مطلق ما أنبأ عن الذات المقدّسة، سواء كان بالوضع أو بانضمام القيود والقرائن، فيعمّ الأوصاف المختصّة والمشتركة، بل مطلق الألفاظ العامّة، وصفاً كان أم غيره بشرط احتفافها بما يعيّن إرادة الذات المقدّسة منها، كـ(العالِم بكلّ شيء) أو (خالق كلّ شيء)(٨).
وهذا التعميم لا يمكن إرجاعه إلى الانصراف؛ فإنّ الانصراف تضييق للمطلق، ومنشأ التعميم هنا هو معرفة الغرض من تشريع الحكم جزماً، فإنّ الغرض منه هو تعظيم الله جلّ شأنه، وهذا الغرض لا يختصّ بلفظ الجلالة، كما أنّ مناسبة الحكم والموضوع في هذا المقام توجب تضييقاً من جهة أخرى، فإنّ موضوع الحكم في الموثّقة هو الدينار والدرهم الذي عليه اسم الله، لكن ينبغي رفع اليد عن إطلاق الدينار والدرهم، وتقييده بموضع اسم الله فيهما، فيجوز له أن يمسّ أطرافهما ممّا ليس فيه هذه الكتابة، ويجوز في جانب التضييق أن يكون المراد بمناسبة الحكم والموضوع معرفة غرض التشريع جزماً، ويجوز أن يكون المراد بها الانصراف.
المورد الرابع: في إلحاق الأمة والزوجة المنقطعة بالزوجة الدائمة في جواز تغسيل كلّ منهما للآخر، فقد استفاد S حكمهما من الأخبار الدالّة على جواز تغسيل كلّ من الزوجين صاحبه، بتقريب: أنّ موضوع الحكم في تلك الأخبار وإن كان الزوجين، والمتبادر منهما لدى الإطلاق غير الأمة وسيّدها، لكنّ المناط الذي يتعقّله العرف منشأً للجواز ليس إلّا المعنى القائم بالزوجين، الموجود بين الأمة وسيّدها من حلّية النظر واللمس والاستمتاع، فلا يتعقّل العرف من الزوجة في مثل المقام ـ ولو لأجل المناسبة بين الحكم وموضوعه ـ إلّا ما يعمّ الأمة والمنقطعة كالدائمة، مع أنّ المتبادر منها لدى الإطلاق ليس إلّا الأخيرة(٩).
وهنا يريد بمناسبة الحكم والموضوع معرفة الغرض من تشريع هذا الحكم.
المورد الخامس: في حرمة تمكين الغير وبعثه على ارتكاب ما حرّمه الله على عباده وإن كان ذلك الغير صبيّاً أو مجنوناً أو غافلاً، هذا إذا لم يكن عنوان البلوغ أو العقل أو العمد والاختيار مأخوذاً في الأدلّة السمعية قيداً لمتعلّق التكليف، ولو من حيث الانصراف الناشئ من المناسبة بين الحكم وموضوعه أو غير ذلك من الأمور المقتضية للصرف، وإلّا فلا تأمّل في أنّه لو كان مفاد الدليل السمعي الدالّ على حرمته أنّه يحرم على العاقل أو على البالغ أو الملتفت أو نحو ذلك، لا يحرم تمكين من لم يندرج في موضوع متعلّق الحكم، وبعثه على ذلك الفعل(١٠).
المورد السادس: في صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله g قال: (يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها)(١١).
وهل يختصّ جواز الاقتصار على فاتحة الكتاب بحصول المشقّة بقراءة السورة؟ قولان: اختار المحقّق الهمداني S اختصاصها بحصول المشقّة؛ لأنّ المنساق إلى الذهن من المريض في مثل هذه الموارد بواسطة المناسبات المغروسة فيه ليس إلّا المريض الذي يشقّ عليه إطالة الصلاة، ويطلب تخفيفها(١٢).
واعترض عليه السيّد الخوئي S بأنّ المريض بأيّ مرحلة فرضناه ـ حتّى المصلّي مستلقياً ـ لا مشقّة عليه غالباً في التكلّم بسورة يسيرة كالتوحيد مثلًا. نعم، ربّما تفرض شدّة المرض بمثابة يشقّ عليه ذلك أيضاً لاقترانه بثقل في لسانه، أو شدّة المرض بحيث تصعب عليه حتّى تلك التلاوة اليسيرة، لكنّه فرض نادر جدّاً لا يمكن حمل الإطلاق عليه، فالأقوى في النظر تعميم السقوط لصورتي المشقّة وعدمها، عملاً بإطلاق الدليل بعد امتناع حمله على الفرد النادر(١٣).
ومناسبة الحكم والموضوع التي اعتمد عليها المحقّق الهمداني S يحتمل أن تكون من باب الاعتماد على حكمة التشريع؛ لأنّ تشريع كفاية الفاتحة للإرفاق، والذي يناسب الإرفاق هو من يشقّ عليه ذلك، ويحتمل أن يكون مراده الانصراف.
ولنقتصر على هذه الموارد من كلامه رفع الله في الخلد مقامه؛ لأنّنا نريد فهم مراد سائر العلماء بمناسبة الحكم والموضوع، وليس مقصودنا فهم خصوص مراده؛ لأنّ هذا المصطلح ربّما طرأ عليه من التطوّر في الدلالة ما يستحقّ الوقوف عليه،
فلا بدّ أن ننظر أيضاً في موارد توظيف هذه القرينة في كلمات من تلاه من العلماء. وقد تحصّل لنا أنّ مراده S من هذه القرينة ـ مع سبقه في اكتشافها وتوظيفه لها ـ مجمل، فيحتمل أن يريد بها ما يوجب الانصراف، ويحتمل أن يريد بها معرفة ملاك الحكم وحكمة التشريع، وهو ما يعبّر عنه بالعلّة المستنبطة بيقين، هذا فيما إذا استند إليها في تضييق موضوع الحكم، وأمّا الموارد التي استند فيها إلى هذه القرينة لتوسعة موضوع الحكم فلا مجال للانصراف، بل يكون مراده منها مردّداً بين معنيين آخرين، وهما حكمة التشريع، وإلغاء الخصوصية.
الثاني: موارد اعتماد المحقّق النائيني S (ت ١٣٥٥هـ).
يعتبر المحقّق النائيني S من المكثرين لتوظيف هذه القرينة في الأبحاث الفقهية المختلفة، وقد أبرزت كلماته جوانب مهمّة في تشخيص المقصود منها، فهو يصرّح بأنّ مناسبات الحكم والموضوع وحدها لا تكفي؛ فإنّها بنفسها ليست دليلاً ما لم توجب انعقاد ظهور الدليل على خلاف ما كان ظاهراً فيه لولا المناسبة، فلا يمكن الركون إليها في الموارد التي لا يكون هناك دليل توجب المناسبة انعقاد ظهوره في مورد المناسبة؛ لأنّها من سنخ القرائن التي تؤثّر في دلالة الكلام(١٤).
ومن خلال بيانه هذا نستفيد أنّ الوجه في حجّيتها راجع إلى حجّية الظهور.
وبالرغم من أنّ بحث القرائن لم يحرّر في علم الأصول ببحثٍ مستقلّ، إلّا أنّه S قد أحاط بأبعاده وخصوصياته، وشروط تطبيقه، مع أنّه غير مسبوق بتحليل الفارق بين الدليل والقرينة، ولم يكتفِ بذلك بل سجّل اعتراضاً على من يستند إلى مناسبة الحكم والموضوع وحدها من دون وجود دليل تصرّفت في دلالته؛ لأنّ دور مناسبة الحكم والموضوع كغيرها من القرائن يقتصر على تغيير ظهور الكلام(١٥).
ولكن النظر في موارد توظيفه لهذه القرينة لا يوجب جزمنا بالمقصود منها؛ فإنّ المراد بها في ثنايا كلامه يحتمل وجوهاً شتّى، وهذه الوجوه تختلف من مورد إلى آخر، فتارةً تحتملالانصراف، وتارةتحتمل تنقيحالمناط، وأخرىتحتمل الجزمبنفي الخصوصية.
والآن فلنقف على بعض الموارد التي اعتمد فيها على هذه القرينة، لنستكشف قاعدة عامّة تأصيلية يمكن الركون إليها في سائر أبواب الفقه. وقبل الخوض في ذلك لا بأس أن نشير إلى بعض الأمور التي أشار إليها في كلماته المختلفة ممّا له ربط بالمسألة، وهي تحظى بأهمّية خاصّة في الفقه والأصول؛ لما اشتملت عليه من بيان أبعاد قد تكون غائبة عنّا في معرفة حقيقة هذه القرينة.
الأمر الأوّل: أنّ مناسبة الحكم والموضوع، بل القرائن بشكل عامّ، قد تقتضي ثبوت الحكم الثابت لعنوان خاصّ لذاتِ المعنون ولو مع زوال عنوانه، كما في الحلّية الثابتة لعنوان الحنطة مثلاً؛ حيث إنّ العرف يفهم من الدليل الدالّ عليها حلّية الدقيق والخبز من دون التماس دليلٍ آخر، فلا يكون الحكم تابعاً للعنوان، ولا يدور مداره بقاءً.
وقد تقتضي ثبوته للمعنون بما هو كذلك، فيحكم بارتفاعه عند ارتفاعه، كما في النجاسة الثابتة للعذرة؛ فإنّ العرف يراها ثابتةً لنفس العذرة، فلا يحتملون بقاءها عند تبدّلها حيواناً، وفي مثل ذلك يدور الحكم مدار تحقّق عنوان موضوعه(١٦).
وتوضيح ذلك أنّ العرف بحسب ما هو المرتكز في ذهنه من مناسبة الحكم والموضوع يرى أنّ العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام تختلف باختلاف الموارد، ولا بأس أن نذكر مثالين ذكرهما في مواضع متعدّدة من كلامه:
الأوّل: لو قال الشارع: (يجب إعطاء الزكاة للفقير) سواء أُخذ الفقر في لسان الدليل عنواناً أو وصفاً أو شرطاً؛ فإنّ العرف يرى عنوان الفقر مقوّماً للموضوع، فيدور الحكم مداره، وذلك بواسطة مناسبة الحكم والموضوع فإنّها تقضي بأنّ عنوان الفقر له دخل في وجوب إعطاء الزكاة، فيرتفع موضوع الحكم عرفاً إذا صار الفقير غنياً. وهذا بنظر العرف من باب ارتفاع الموضوع وتبدّله إلى موضوع آخر، بحيث لو قام دليل على جواز إعطاء الزكاة لمن زال عنه وصف الفقر كان ذلك بنظر العرف تسرية حكم من موضوع إلى موضوع آخر.
الآخر: لو قال الشارع: (الماء المتغيّر نجس)، فإنّ مناسبة الحكم والموضوع تقضي بأنّ عنوان التغيّر حيثية تعليلية من دون أن يكون له دخل في الموضوع عرفاً؛ فإنّ النجاسة بنظر العرف من الأعراض القائمة بذوات الأشياء، فيكون موضوع النجاسة ومعروضها ذات الماء، لا الماء المتغيّر، بل التغيّر إنّما يكون عرفاً علّة لعروض النجاسة على الماء، فيكون الموضوع محفوظاً عرفاً عند زوال التغيّر عن الماء، بحيث لو قام دليل على طهارته كان ذلك بنظر العرف من رفع الحكم عن موضوعه، لا رفع الحكم بارتفاع موضوعه.
الأمر الثاني: أنّ مناسبة الحكم والموضوع ربّما تختلف باختلاف الموارد، فقد يكون المأخوذ في موضوعات أحكام متعدّدة عنواناً واحداً، لكن العرف يرى دخله في موضوع بعضها، فيحكم بارتفاعه عند ارتفاعه، ولا يرى دخله في موضوع بعضها الآخر، ومثّل لذلك بما ورد في خيار العيب من جواز ردّ المعيب إذا كان قائماً بعينه، وما ورد في التفليس من أنّ الغريم يرجع ماله إذا كان قائماً بعينه، مع أنّ الفقهاء حكموا في باب الخيار أنّ مجرّد تغيّر العين ولو بأدنى تغيّر يوجب المنع عن الردّ، وهذا بخلاف التفليس فإنّهم حكموا فيه بجواز الرجوع ولو مع تغيّرها بتلك التغيّرات، وليس الاختلاف في الأبواب إلّا من جهة اختلاف مناسبات الأحكام مع موضوعاتها(١٧).
الأمر الثالث: أنّ المتّبع في بقاء الموضوع هو ما تقتضيه مناسبات الحكم والموضوع، ولا عبرة بظاهر الدليل بعدما كان المرتكز العرفي على خلاف ما يقتضيه ظاهر الدليل ابتداءً، فإنّه بعد الالتفات إلى المرتكز العرفي وما تقتضيه المناسبة المذكورة لم يبقَ للدليل ظهور على خلاف المرتكز العرفي، فإنّ مفاد الدليل يرجع بالآخرة إلى ما يقتضيه نظر العرف؛ لأنّه يكون قرينة متّصلة صارفة عمّا يكون الدليل ظاهراً فيه ابتداءً، فلو كان الدليل ظاهراًَ بدواً في قيدية العنوان، وكانت مناسبة الحكم والموضوع تقتضي عدمه، فاللازم هو العمل على ما تقتضيه(١٨).
ولنرجع إلى ما كنّا بصدده من تطبيقات هذه القرينة في كلام المحقّق النائيني:
المورد الأوّل: في تعميم حكم الشكّ في عدد الركعات في النافلة إلى الشكّ في الأفعال، بتقريب أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي عدم الالتفات إلى الشكّ في الأفعال، ولكنّه اعترض على ذلك بأنّ مناسبة الحكم والموضوع وحدها لا تكفي، فإنّها بنفسها ليست دليلاً ما لم توجب انعقاد ظهور الدليل على خلاف ما كان ظاهراً فيه لولا المناسبة.
والحاصل: أنّ مناسبة الحكم والموضوع إنّما نقول بها فيما إذا كان هناك دليل توجب المناسبة انعقاد ظهوره في مورد المناسبة، وإلّا فهي بنفسها ليست من الأدلّة. وفي المقام بعدما كان دليل نفي السهو مختصّاً بالشكّ في عدد الركعات، فلا دليل في الأفعال حتّى يتشبّث بمناسبة الحكم والموضوع، فالتمسّك بها في المقام يكون أشبه شيءٍ بالقياس(١٩).
ويظهر منه أنّ الرجوع إلى مناسبة الحكم والموضوع هنا مردّه إلى تشخيص الغرض من التشريع ومعرفة علّة الحكم، ولكن رفضه لهذا التقريب مبنيّ على ردّ القياس مطلقاً، وقد عرفت قريباً أنّ منصوص العلّة وما تستنبط علّته بيقين من القياس الحجّة.
المورد الثاني: أنّ من أسباب خروج الملك عن كونه طلقاً صيرورة المملوكة أمّ ولد لسيّدها، وهل يختصّ المنع عن التصرّف فيها بخصوص البيع، أو يعمّ مطلق المعاوضة، أو مطلق النقل ولو لم يكن معاوضة كالهبة؟
أقوال، والمحقّق النائيني قوّى الأخير، حيث قال: (إنّ الأحكام المترتّبة على العقود تارةً يستفاد من نفس أدلّتها أو من مناسبة الحكم والموضوع أنّها مختصّة بالبيع، ولا تجري في غيره كخيار المجلس والحيوان، وأخرى يستفاد أنّها جارية في مطلق المعاوضة بيعاً كانت أو صلحاً أو إجارةً كتلف المبيع قبل قبضه .. وثالثةً يستفاد أنّها جارية في مطلق النقل والانتقال ولو لم يكن معاوضة، كالهبة ونقل أمّ الولد، فإنّه لا يجوز نقلها عن ملك سيّدها ولو بالهبة، فإنّ من مناسبة الحكم والموضوع يستفاد أنّ الاستيلاد مانع عن التصرّفات الناقلة)(٢٠).
ومراده من قوله: (يستفاد من نفس أدلّتها أو من مناسبة الحكم والموضوع)، أنّ الدليل قد يكون دالَّاً بمفرده، وقد يكون دالَّاً بضميمة مناسبة الحكم والموضوع،
فلا يرد عليه أنّ مناسبة الحكم والموضوع قرينة وليست دليلاً. والمراد من مناسبة الحكم والموضوع في هذا المقام وإن لم يذكره صراحةً أنّ الغرض من تشريع المنع من بيع أمّ الولد هو استبقاؤها في ملك من استولدها حتّى يموت، فتصير من سهم ولدها منه، فتنعتق، وهذا الغرض ـ أي حرّية أمّ الولد ـ ينتقض بكلّ تصرّف ناقل لا بخصوص البيع، فلو صالح من استولدها شخصاً فنقلها إليه انتقض هذا الغرض، وهو وصولها الى الحرّية بعد الموت.
المورد الثالث: في تخصيص خيار الحيوان بالحيوان الذي يقصد منه حياته، مع أنّ ظاهر النصّ والفتوى شموله لكلّ ذي حياة، بدعوى أنّ مقتضى مناسبة الحكم والموضوع اختصاص هذا الخيار بالحيوان المقصود منه حياته لا لحمه، فالصيد المشرف على الموت والسمك والجراد اللذان يقصد منهما اللحم نوعاً وإن قصد نادراً حياتهما خارجة عن هذا العموم(٢١).
ومناسبة الحكم والموضوع هنا يستفاد منها تضييق موضوع الحكم، وهذا يحتمل فيه دعوى الانصراف من وجه، ويحتمل تنقيح المناط من وجه آخر، لكنّه بتنقيح المناط أشبه.
المورد الرابع: ما ذكره S في خيار الحيوان، وحاصله: أنّ خيار الحيوان لمن انتقل إليه بائعاً كان أو مشترياً أو كليهما، دون من انتقل عنه؛ لعدم الدليل على ثبوته له إلّا صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله g، قال: (المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان، وفيما سوى ذلك مِن بيع حتّى يفترقا)(٢٢)؛ فإنّه بإطلاقه يشمل ما إذا كان الثمن أو المثمن أو كلاهما حيواناً، ولكن يمكن تقييده بصحيحه الآخر عنه g، قال: (قال رسول الله e: البيّعان بالخيار حتّى يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام)(٢٣). فيصير المراد من المتبايعين بعد التقييد بصاحب الحيوان من انتقل إليه الحيوان، فيحمل على مورد يكون الثمنان حيوانين.
ثمّ أورد على التقييد بأنّ اتّحاد السياق يقتضي أن يكون ثبوت الخيار في بيع الحيوان وغيره ـ الذي ثبت فيه خيار المجلس ـ على نهجٍ واحد، وخيار المجلس أمر قائم بالمتبايعين بالنسبة إلى الثمن والمثمن، فخيار الحيوان لو كان للمنتقل إليه خاصّة، يلزم أن يرتكب شبه استخدام في قوله: (المتبايعان بالخيار)، أي يراد منه تعلّق الخيار بالنسبة إلى غير الحيوان بالثمن والمثمن، وبالنسبة إلى الحيوان بأحدهما.
وأجاب عنه بأجوبة عدّة منها: أنّ هذه الصحيحة الدالّة بإطلاقها على ثبوت الخيار لهما معارضة مع رواية قرب الإسناد الصريحة في عدم ثبوت الخيار للبائع إذا كان المبيع حيواناً، ولا سيّما التعليل الوارد فيها بقوله g: (الخيار لمن اشترى نظرة ثلاثة أيّام)(٢٤)؛ فإنّ العلّة وإن كانت حكمة التشريع، وهي لا تقتضي الاطّراد، إلّا أنّه بمناسبة الحكم والموضوع يستكشف مناط جعل الخيار، وأنّه للمنتقل إليه دون المنتقل عنه(٢٥).
أقول: مناط جعل الخيار في الحيوان هو النظر والاختبار، فإنّ الحيوان قد يكون مريضاً ولكن يعرضه النشاط والصحّة، فقد تشتري حيواناً من السوق وتراه حين المعاملة سليماً، وتذهب به إلى البيت فيسقط، وقد يعطى بعض الحيوانات ما يوجب نشاطه، فيذهب به المشتري إلى البيت فيسقط، وإذا كان هذا هو حال الحيوانات فيعطى من انتقل إليه الحيوان مهلةً، فيجعل له الخيار إلى ثلاثة أيّام، فالمناط من جعل خيار الحيوان يوجب أنّ الخيار قد جعل لمن انتقل إليه الحيوان دون من انتقل عنه، فضلاً عن أن يكون لمن انتقل عنه خاصّة.
ومراده من مناسبة الحكم والموضوع هنا هو معرفة مناط جعل الحكم، أي: تنقيح مناط الحكم بيقين، واستكشاف علّة جعله، ولكن هذه العلّة المستنبطة لا تجعل من هذا الاستدلال قياساً في الشرع؛ لأنّ القياس ما كانت علّته مستنبطة بظنّ، وهذا الاستنباط مستند إلى قياس مستنبط العلّة بيقين، وهو المعبّر عنه بتنقيح المناط.
المورد الخامس: تنقيح متن رواية: (لا ضرر ولا ضرار)؛ فإنّه قد وردت في هذه الرواية زيادتان في بعض كتب الحديث، وحاول المحقّق النائيني توظيف قرينة مناسبة الحكم والموضوع لمعالجة هذا الأمر.
وبيان ذلك: أنّ الشيخ الصدوق S في كتاب من لا يحضره الفقيه، روى الحديث عن النبيّ e بزيادة كلمة: (في الإسلام)، إلّا أنّ هذه الزيادة حيث لم تثبت في شيء من مسانيد أصحابنا فلا عبرة بها أصلاً(٢٦).
وفي الكافي جاء هذا الحديث بزيادة كلمة (على مؤمن)(٢٧)، إلّا أنّ المحقّق النائيني ردّ هذه الزيادة لوجهين مع ورودها في الكافي، وشدّة اعتماده عليه، حتّى أنّه عدّ المناقشة في أسانيده حرفة العاجز(٢٨)، أي العاجز عن فقه الرواية، وقال في بيان ذلك أنّ الرواية المشتملة عليها وإن كانت من طرقنا، ويكفي في ثبوتها وجودها في الكافي، إلّا أنّ استفاضة هذا الحديث بدون هذه الزيادة من طرق الفريقين توجب وهناً فيها.
وهذا لا شأن لنا به؛ لعدم دخله فيما هو المهمّ في المقام.
والوجه الآخر لردّ هذه الزيادة أنّه يحتمل أن يكون الراوي الواحد زادها من جهة المناسبة بين الحكم والموضوع، لا خيانةً، وأنّ المؤمن هو الذي تشمله العناية الإلهية، ويستحقّ أن يُنفَى عنه الضرر امتناناً(٢٩).
فمناسبة الحكم والموضوع هنا تدخّلت في معرفة الحكمة من تشريع (نفي الضرر)، وهو الامتنان، والامتنان لا يناسب غير المؤمن، فدور مناسبة الحكم والموضوع هنا بعد تشخيص غاية التشريع وحكمته تنقيح متن الخبر، وأنّ هذه الزيادة من الراوي لهذه المناسبة.
المورد السادس: ما بيّنه المحقّق النائيني S في معرض كلامه عن الصلاة على الراحلة من أنّ الوصف العنواني الذي يؤخذ في موضوع دليل الحكم: (تارةً: بمناسبة الحكم والموضوع يكون المتفاهم منه عرفاً أنّ للوصف العنواني دخلاً في موضوع الحكم حدوثاً وبقاءً، كما في قوله: (أعطِ الزكاة الفقير)؛ فإنّ العرف يرى بمناسبة الحكم والموضوع أنّ لوصف الفقر دخلاً في الحكم بإعطاء الزكاة، فلو زال الفقر يكون من باب زوال الموضوع، وكذلك قوله: (قلّد المجتهد العادل)، وأمثال ذلك ممّا يكون للوصف في نظر العرف دخل في الحكم.
وأخرى لا يرى العرف للوصف العنواني دخلاً في الموضوع بحسب مرتكزاته وما يراه من مناسبة الحكم والموضوع، بل يرى الوصف معرّفاً ومن قبيل العلّة للحكم لا أنّه جزء موضوع له، كقوله: (الماء المتغيّر نجس)، فإنّ العرف يفهم أنّ معروض النجاسة إنّما هو جسم الماء لا وصف التغيّر، وإنّما أخذ التغيّر علّة لعروض هذا الحكم على نفس الماء(٣٠)، ومن هنا يرى النجاسة باقية ببقاء الماء وإن زال التغيّر، بحيث لو فرض حكم الشارع بالطهارة عند زواله يرى من باب ارتفاع الحكم عن موضوعه مع بقائه، لا ارتفاعه بارتفاعه(٣١).
ومناسبة الحكم والموضوع في (أعطِ الفقير الزكاة) تنقّح لنا حكمة التشريع، ومناط جعل الحكم، أي: العلّة المستنبطة بيقين، فإنّ الغاية من إعطاء الفقير الزكاة هي الإعانة، فإذا صار غنياً فلا معنى لإعانته ومساعدته لانتفاء الموضوع، فالحكم يدور مدار تحقّق وصف الفقر حدوثاً وبقاءً، وهذا أمرٌ يفهمه العرف، وكذلك يفهم العرف بضميمة مناسبة الحكم والموضوع أنّ موضوع جواز التقليد هو عنوان الاجتهاد حدوثاً وبقاءً.
وأمّا تغيّر الماء بالنجاسة فإنّ مناسبة الحكم والموضوع تنقّح لنا أنّ عنوان التغيّر حيثيّة تعليليّة في الحكم لا دخل لها في الموضوع عرفاً؛ فإنّ النجاسة بنظر العرف من الأعراض القائمة بذوات الأشياء، فيكون موضوع النجاسة هو ذات الماء، ويكون الموضوع محفوظاً عرفاً عند زوال التغيّر عن الماء، بحيث لو قام دليل على طهارته كان ذلك بنظر العرف من ارتفاع الحكم مع بقاء موضوعه، لا رفع الحكم بارتفاع موضوعه، وهذا منبّه وجداني.
المورد السابع: ما ذكره في مسألة اشتراط الستر في جميع أجزاء الصلاة وأكوانها حتّى السكنات المتخلّلة، فإنّ الظاهر من اعتبار الستر في الصلاة بحسب استظهاره هو اعتباره في جميع الصلاة حتّى في الهيئة الاتّصالية، هذا مع أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي ذلك، حيث إنّه لا يناسب الوقوف بين يدي الجبّار مع كونه مكشوف العورة، ولو في آنٍ من الآنات(٣٢).
والذي يظهر من كلامه أنّ مناسبة الحكم والموضوع هنا دليل وليست قرينة، فلا يوجد دليل تصرّفت هذه المناسبة في ظاهره، حتّى نحكم بأنّها قرينةً، فلعلّه ذكر هذا الوجه من غير ملاحظة هذه الجهة مع أنّها تكرّرت في كلماته فقهاً وأصولاً، ولعلّه يفهم ممّا دلّ على اعتبار الستر في الصلاة إرادةَ الستر في جميع أجزاء الصلاة وأكوانها المتخلّلة من خلال هذه المناسبة فتكون قرينة، ولكن عبارته لا تعطي هذا المعنى.
المورد الثامن: ما ذكره في وجه عدم بطلان النافلة بالشكّ من أنّه يمكن أن يكون ذلك لأجل مناسبة الحكم والموضوع، والتوسعة في النافلة بما لا يوسّع في الفريضة(٣٣).
المورد التاسع: ما ذكره في بعض فروع صلاة الجماعة، وقال أنّه يظهر من كلام السيّد اليزدي في العروة(٣٤) من أنّ إدراك الركوع ليس شرطاً في إدراك الركعة، بل آخر ما يدرك به الركعة هو الركوع، ويكفي في إدراك الركعة إدراكه قبل الركوع ولو لم يدرك الركوع، ولكن خصّ ذلك بالركعة الأولى، ولم يعتبر في سائر الركعات إدراك شيءٍ أصلاً.
وقال في الاعتراض عليه: (إطلاق ما تقدّم من الأخبار على اعتبار إدراك الركوع في إدراك الركعة يقتضي اعتبار ذلك في كلّ ركعة؛ إذ الحكم في إدراك جنس الركعة قد علّق على إدراك الركوع وإن كان مورد تلك الأخبار هو الركعة الأولى في اتّباع الصلاة، إلاّ أنّ الخصوصية الموردية ممّا لا دخل لها، مضافاً إلى أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي ذلك أيضاً؛ إذ مقتضى المناسبة الحكمية هو اعتبار إدراك المأموم لشيءٍ من ركعة الإمام، وعلى كلّ حال يكفي عدم قيام الدليل على كفاية إدراك الركعة الأولى في اعتبار ذلك في كلّ ركعة، فتأمّل جيّداً)(٣٥).
ومنه يظهر أنّ إلغاء الخصوصية يختلف عن مناسبة الحكم والموضوع. كما أنّ ظاهر كلامه يُوحي بأنّ مناسبة الحكم والموضوع دليلٌ، وهو خلاف ما صرّح به.
الثالث: موارد اعتماد المحقّق الحائري S (ت ١٣٥٥هـ).
المورد الأول: ما قاله في صلاة المسافر من أنّ: (السفر في معصية الله أو لغاية محرّمة من جهة عدم صلاحية صدوره عن العباد أوجب الله فيه إتمام الصلاة والصوم، ولم يستوجب المكلّف السائر بهذا السير الموجب لسخط الشارع الإرفاق الملحوظ لسائر المسافرين في السفر المباح، ويدلّ على ذلك مضافاً إلى مناسبة الحكم والموضوع في المقام تعليل لزوم التمام في بعض الأخبار بأنّه مسير باطل .. إلى آخر كلامه(٣٦).
ويظهر من كلامه أنّه يعدّ مناسبة الحكم والموضوع دليلاً مستقلَّاً وليس قرينة، كما أنّه اعتمد على مناسبة الحكم والموضوع في العبادات المحضة.
المورد الثاني: ما قاله في صلاة المسافر أيضاً من أنّ المتردّد ثلاثين يوماً يتمّ، قال: (وهو أيضاً مقتضى المناسبة بين الحكم والموضوع بحسب الارتكاز العرفي حيث إنّ المركوز في أذهانهم أنّ المسافر إذا أقام مدّةً في بلدةٍ يسلب عنه اسم المسافر، فحدّد الشارع تلك المدّة بمضي ثلاثين يوماً، وهذه المناسبة الارتكازية أيضاً تقتضي كون المناط في الإتمام مضي ثلاثين يوماً دون الشهر وإن وقع في أكثر الروايات التعبير به؛ لأنّ ظاهر التحديد أنّ القاطع طول الزمان وكثرة الأيّام من دون خصوصيته في الشهر وما بين الهلالين)(٣٧).
ولا يخفى أنّ موضوع الحكم بوجوب القصر هو السفر، ومن تردّد ثلاثين يوماً في بلدة سلب عنه اسم المسافر، فعدم وجوب القصر لعدم تحقّق الموضوع، وهو عنوان المسافر، فأين هذا من مناسبة الحكم والموضوع المعدود قرينةً ارتكازية، فإنّه يكفي في بيان مقصوده أن يقول إنّ المتردّد ثلاثين يوماً في بلدةٍ لا يصدق عليه عنوان المسافر، فلا يجب عليه القصر، فلا نحتاج إلى إقحام شيء غير بيّن ولا مبيّن، مع أنّ الاستدلال يستقيم من دونه. ثمّ إنّه ذكر أنّ العرف يرى أنّ المتردّد في بلدة (مدّةً طويلة) لا يصدق عليه عنوان المسافر، ثمّ تدخّل الشرع في تحديد هذه المدّة التي يرتفع معها عنوان المسافر بثلاثين يوماً، كما تدخّل في تحديد المسافة في السفر بخمسة فراسخ أو مسير يوم.
نعم، قد ورد في أكثر الروايات عنوان الشهر، إلّا أنّ المراد به ثلاثون يوماً، ولا عبرة بما بين الهلالين؛ وذلك لأنّ الشهر في تلك النصوص بيان للمدّة الطويلة، وبمناسبة الحكم والموضوع نفهم أنّ عنوان المسافر يزول بالعدد الكثير، لا بوقوع هذه المدّة ما بين هلالين.
ولكن من الواضح أنّ ما بين الهلالين مدّة، وطول المدّة وقصرها أمرٌ نسبيّ يختلف في نظر العرف من مورد لآخر بلحاظ أغراض الناس وأثر هذه المدّة فيها، فإذا كان العرف يرى أنّ الثلاثين يوماً مدّة طويلة فما بين الهلالين كذلك، فالمدّة هي هي، غايته أنّ الثلاثين يوماً مدّة منضبطة بخلاف الشهر، وهذا الاختلاف لا يؤثّر في الحكم الشرعي، ويدلّ على ذلك وجوب الصيام فيما بين هلالين، فلا يقال: إنّ موضوع الحكم غير منضبط، فلا يصحّ تعلّق التكليف الشرعي به؛ لأنّ التكاليف الشرعية يجب أن تكون موضوعاتها منضبطة؛ لأنّه يقال: إنّ هذا المقدار من عدم الانضباط مع وجود علامات مبيّنة للموضوع يرفع المحذور في تعلّق التكليف به، فما عدّه مناسبة بين الحكم والموضوع غير واضح.
المورد الثالث: ما قاله من أنّه: لا ريب في اشتراط التوالي بين الأيّام؛ للمناسبة بين الحكم والموضوع، بل وظهور نفس القضية في اعتباره كما لا يخفى(٣٨).
والذي يظهر من كلامه أنّ مناسبة الحكم والموضوع هنا دليلٌ لإثبات الحكم، وإن أمكن تأويل كلامه، وذلك بأن نحمل كلامه على أنّ الروايات المبيّنة لحكم المتردّد ثلاثين يوماً ظاهرة بمناسبة الحكم والموضوع في إرادة ثلاثين يوماً متوالية، فتكون قرينة لا دليلاً.
ولكنّ هذا التأويل محلّه إذا جزمنا بأنّ مناسبة الحكم والموضوع عنده قرينة، فيسهل علينا التأويل، ولكن المشكل أنّ ظاهر عبارته الاستدلال بمناسبة الحكم والموضوع، وهو لم ينقّح حقيقة هذه المناسبة حتّى نستفيد من كلامه أنّها قرينة، فلا قرينة تعيننا على تأويل كلامه، وحمله على خلاف ظاهره.
الرابع: موارد اعتماد المحقّق الأصفهاني S (ت ١٣٦١).
المورد الأوّل: في تقرير دلالة آية النبأ على حجّية خبر الواحد، قال: (نعم، كلّ ذلك مبنيٌّ على تسليم ظهور الآية بمناسبة الحكم والموضوع في علّية الفسق للحكم، لا للتنبيه على فسق المخبر، وهو الوليد في خصوص المورد)(٣٩).
فمناسبة الحكم والموضوع هنا جعلت الحكم يدور مدار فسق المخبر، مع قطع النظر عن كون المفهوم من مفهوم الوصف أو اللقب أو الشرط، فالآية كقوله e: (مطل الغني ظلم)(٤٠).
وقد ردّ الشيخ المظفّر Sاستدلال من أثبت حجّية مفهوم الوصف مطلقاً بالجمل التي ثبتت دلالتها على المفهوم كهذا الحديث، بأنّه لا مانع من دلالة التقييد بالوصف على المفهوم في بعض الموارد لوجود قرينة، وفي خصوص المثال نجد القرينة على إناطة الحكم بالغنى من جهة مناسبة الحكم والموضوع، فيفهم أنّ السبب في الحكم كون المدين غنياً، فيكون مطله ظلماً، بخلاف المدين الفقير؛ لعجزه عن أداء الدين، فلا يكون مطله ظلماً(٤١). وكذلك مفهوم اللقب فإنّه لا دلالة فيه على المفهوم، لكنّهم ذكروا أنّ بعض الجمل اللقبية ظاهرة في الانتفاء عند الانتفاء، لمناسبة الحكم والموضوع.
المورد الثاني: في أنّ الأمر بالوفاء العقدي في قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، قد يدّعى أنّه إرشاد إلى اللزوم الوضعي، فهو معقول في حدّ ذاته، ويمكن تقريبه بأن يقال: إنّ الأوامر والنواهي وإن كانت ظاهرة في التكليف والمولوية، لكنّها في باب المعاملات ظاهرة في الإرشاد، كما يقال بظهورها في باب الأجزاء والشرائط في التكليفات في الإرشاد إلى الجزئية والشرطية، فيكون للأوامر والنواهي ظهوراً ثانوياً في الإرشاد في بابي المعاملات والأجزاء والشرائط.
لكنّه S ردّ هذا التقريب بأنّ المسلّم من ذلك لو تعلّق الأمر والنهي بنفس المعاملات، مثل: (لا تبيعوا ولا تشتروا)، لا مثل الأمر بالوفاء والنهي عن النقض، فإنّه فيها على ظاهره الأوّلي في المولوية كما تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع، ويشهد به مدح المؤمنين بالوفاء، وذمّ المنافقين على النقض.
قال S في مقام تقريب المولوية في مثل الأمر بالوفاء: (إنّ مناسبة الحكم والموضوع فيه تقتضي مولوية الأمر والنهي؛ فإنّ الآيات الواردة في باب الوفاء والنقض والنكث، وتوصيف المؤمنين بالوفاء بالعهد والميثاق، وتوصيف غيرهم بأنّه لا عهد لهم، ولا يمين لهم، كلّها شاهدة على أنّ مساقها مساق التكليف لا الإرشاد، فالأظهر كون الأمر بالوفاء والنهي عن النقض مولوياً، وحينئذٍ يشكل استفادة اللزوم الوضعي منه، بل يدلّ الأمر والنهي المولويان على خلافه، للزوم تعلّقهما بالمقدور في وعاء الامتثال، فيدلّان على أنّ العقد قابل للحلّ)(٤٢).
وهذا المورد من الموارد التي لم يكن دور مناسبة الحكم والموضوع فيها التعميم أو التخصيص، بل دورها تبديل الظهور الثانوي للأوامر والنواهي الواردين في المعاملات في الإرشاد، وردّه إلى الظهور الأوّلي في الأوامر والنواهي، فإنّهما بالظهور الأوّلي ظاهران في المولوية، فالأمر والنهي وإن وردا في معاملة، إلّا أنّهما ظاهران في المولوية لمناسبة الحكم والموضوع.
ولعلّ وجه دلالة مناسبة الحكم والموضوع في كلامه على المولوية، هو أنّ الوفاء فعل من أفعال العباد الاختيارية، والذي يناسبه من الأحكام هو الوجوب أو الحرمة، كما أنّ النقض من أفعالهم الاختيارية، ويناسبه البعث أو الزجر، بخلاف الاعتبارات، فإنّ الذي يناسبها هو الإرشاد إلى الحكم الوضعي، فلو ورد (بيعوا أو لا تبيعوا)، فحيث إنّنا نجزم بأنّ متعلّق الأمر أو النهي ليس هو التسبّب إلى البيع، بل هو الاعتبار المعاملي، وأعني به: (المعتبَر الجعلي)، وهذا يناسبه الإرشاد إلى الحكم الوضعي، وأنّ هذا الاعتبار مُمضى أو غير ممضى.
المورد الثالث: في أنّ الصبيّ يضمن بالإتلاف، فقد ذكر أنّ حديث رفع القلم لا يجري في المقام؛ لدعويين:
الأولى: أنّ حديث رفع القلم واردٌ مورد الامتنان، فإذا كان رفع القلم امتناناً على الصبيّ وخلاف الامتنان على صاحب المال المتلَف فلا يجري؛ إذ لا ترجيح له عليه، وبنظيره نقول بثبوت الضمان في الإتلاف خطأً ونسياناً، وعدم رفعه بحديث رفع الخطأ والنسيان.
وهذا ليس موضع كلامنا.
والأخرى ـ وهي التي تهمّنا في هذا الموضع ـ: أنّ مقتضى مناسبة الحكم والموضوع كون المرفوع عنه هو كلّ أثر يناط ترتّبه على الفعل بالعقل وكماله واستشعار الفاعل، فهو مرفوع عن المجنون والصبيّ والنائم؛ لفقد العقل في الأوّل، وفقد كماله ـ نوعاً ـ في الثاني، وفقد الشعور في الثالث، والضمان مترتّب على مجرّد الإتلاف لا على كون المتلِف عاقلاً(٤٣).
وهنا يحتمل أن يكون مراده بمناسبة الحكم والموضوع الانصراف، ويحتمل أن يكون المراد هو معرفة حكمة التشريع، ويحتمل أن يراد تنقيح المناط.
المورد الرابع: في خيار العيب إذا زال العيب قبل العلم به، قال: وأمّا قاعدة نفي الضرر فمقتضى مناسبة الحكم والموضوع وإن كان دوران الخيار مدار الضرر وجوداً وعدماً إلّا أنّ غايته عدم الدلالة على بقاء الحكم بعلّية الضرر، لا عدم بقائه رأساً ولو بعلّة أخرى، فإنّ العلّية أمر، وكونها منحصرةً أمر آخر، ومناسبة الحكم والموضوع وعدم الإطلاق لدليله لا يقتضي إلّا الأوّل دون الآخر، فيبقى مجال لاستصحاب الخيار(٤٤).
وفي هذا المورد ربّما رجعت مناسبة الحكم والموضوع إلى الانصراف، وربّما رجعت إلى التقييد العمدي.
المورد الخامس: وهو من الكلمات المهمّة في هذا الباب، فإنّنا نظرنا في كلمات الأعلام قبل المحقّق الأصفهاني S فوجدنا كلماتهم عامّةً تعطي أنّ مناسبة الحكم والموضوع من القرائن المؤثّرة على دلالة الكلام تضيّق تارةً موضوع الحكم، وتوسّعه أخرى، ولم نجد ضابطةً في كلماتهم لتعريف مناسبة الحكم والموضوع، وأمّا الذي وجدناه في كلامه هذا، فهو خارج عن كلّ هذه السياقات، فإنّه في بحث اشتراط وحدة القضية المتيقّنة والمشكوكة في جريان الاستصحاب، وأنّ العبرة ببقاء الموضوع على نظر العرف، جاء في ذلك الموضع ببيان يختلف عن بيانات سائر العلماء لمناسبة الحكم والموضوع، بل يختلف عن بياناته نفسه في مواضع أخر، حيث نفى كون مناسبة الحكم والموضوع قرينةً، وعدّها طريقاً لاكتشاف موضوع الحكم بشكل مباشر، وبتعبير آخر جعل مناسبة الحكم والموضوع دليلاً مستقلَّاً.
قال S: (إنّ للعرف نظرين:
أحدهما: بما هو من أهل المحاورة، ومن أهل فهم الكلام، وبهذا النظر يحدّد الموضوع الدليلي، ويستفيد من الكلام، فيرى أنّ الموضوع في قوله: (الماء المتغيّر نجس) هو الماء المتغيّر بما هو متغيّر.
وثانيهما: بما ارتكز في ذهنه من المناسبة بين الحكم وموضوعه على خلاف ما هو متفاهم الكلام، فيرى أنّ الموضوع في المثال المزبور ذات الماء، وأنّ التغيّر واسطة في ثبوت النجاسة؛ لما ارتكز في ذهنه من أنّ النجاسة من عوارض الماء، لا من عوارض الماء والتغيّر، وأنّ النجاسة من عوارض جسم الكلب، لا من عوارض جسمه ونفسه الحيوانية وإن كان المفهوم من الكلب المجعول موضوعاً في لسان الدليل هو الحيوان الخاصّ، وحينئذٍ فمنشأ الشكّ في بقاء النجاسة: هو أنّ التغيّر كما أنّه واسطة في حدوث النجاسة لذات الماء، هل هو واسطة لها بقاءً أم لا؟ وأنّ الحياة واسطة في حدوث النجاسة لجسم الكلب، فهل هي واسطة لها بقاءً أيضاً أم لا؟
ولا يخفى عليك أنّ ما ارتكز في ذهن العرف من المناسبة أو غيرها، لا بدّ من أن لا يكون من القرائن الحافّة بالكلام، بحيث يمنع من انعقاد الظهور في ما هو مدلول اللفظ لولاه، ولا من القرائن المنفصلة المتّبعة في رفع اليد عن الظهور المستقرّ، فإنّه على التقديرين يكون محدّداً للموضوع الدليلي، لا موضوعاً في قبال الموضوع الدليلي، كما هو محلّ الكلام)(٤٥).
وبيان مرامه S أنّ للعرف نظرين في تحديد موضوعات الأحكام:
الأوّل: أن يفهم العرف بما هو من أهل المحاورة، ومن أهل فهم الكلام، أنّ موضوع حكم الشرع بالنجاسة في قوله مثلاً: (الماء المتغيّر نجس) هو الماء المتغيّر بما هو متغيّر، فللسامع حينئذٍ أن ينسب كون موضوع الحكم هو الماء المتغيّر بوصف التغيّر للمتكلّم.
والآخر: أن يرى العرف أنّ النجاسة ليست من عوارض الماء المتغيّر بما هو متغيّر، بل هي من عوارض نفس الماء، والتغيّر حيثية تعليلية لثبوت الحكم، وكذلك لو قال الشارع: (الكلب نجس)، فإنّ النجاسة من عوارض جسم الكلب، لا من عوارض نفسه الحيوانية، وهذا تصرّف في الموضوع سوّغته تلك المناسبات الارتكازية، فالكلب ـ بحسب الدلالة الكلامية ـ هو الحيوان الخاصّ المؤلّف من جسم وروح، ولكن عندما تقول: (الكلب نجس) لا يفهم العرف أنّ روح الكلب نجسة، وما ذلك إلّا بسبب أنّهم يرون بحسب ارتكازهم أنّ النجاسة ممّا تعرض الأجسام لا الأرواح، فالعرف يتصرّف في موضوع الحكم وإن لم يتصرّف في الدلالة اللغوية، فمفهوم الكلب المجعول موضوعاً في لسان الدليل باقٍ على ما هو عليه قبل قيام هذه المناسبة الارتكازية، وظهور كلمة الكلب المستعملة في قوله: (الكلب نجس) في معناها الحقيقيّ مستقرّ لم ينهدم، فلا الحجّية تغيّرت ولا الإرادة الجدّية على خلاف الإرادة الاستعمالية.
وحاصل كلامه: أنّ الطريق الأوّل في تحديد الموضوع الدليلي هو الكلام سواء كان بدلالته الوضعية فحسب، أو بالدلالة الوضعية مع القرينة كما في الاستعمالات المجازية، والقرينة قد تكون متّصلة، وقد تكون منفصلة توجب رفع اليد عن الحجّية مع بقاء الدلالة، لكن كلّ هذا مرتبط بالموضوع الدليلي، ويوجد طريق آخر لتحديد موضوع الحكم غير البيان الشرعي، وهو الارتكاز العرفي الذي منه مناسبة الحكم والموضوع، وهو لا يغيّر من دلالة الألفاظ، فلذا لا ينسب العقلاء فيه تحديد موضوع الدليل للمتكلّم، فلا يقولون قال المتكلّم كذا، أو أراد كذا، بل يقولون موضوع حكمه في صفحة التشريع هو هذا الحكم.
وهذا البيان دعوى لا بيّنة ولا مبيّنة.
ويجدر بنا في هذا المقام الإشارة إلى أنّ مناسبة الحكم والموضوع في كلمات الأعلام تقترن غالباً بكلمة الارتكاز، وقد رتّب المحقّق الأصفهاني S على ذلك ما عرفته منّا من أنّ مناسبة الحكم والموضوع دليل مستقلّ؛ لأنّها مرتبطة بالارتكاز فهي أجنبية عن الدلالات اللفظية الكلامية. وبعبارة أخرى تكون مرتبطة بمرحلة الثبوت لا مرحلة الدلالة والإثبات. وعليه فالعرف يرى بمقتضى مرتكزاته مع قطع النظر عن أيّ لسان يتحدّث به، وأيّ بيانٍ بيّن به هذا الحكم سواء كان لفظياً، أم لبّياً، أنّ الموضوع لهذا الحكم كذا، والموضوع لذاك الحكم كذا، فالمسألة ترتبط بالارتكاز بين الموضوع والحكم مع قطع النظر عن الدلالة.
الخامس: موارد اعتماد السيّد الخوئي S (ت ١٤١١هـ).
وسنقتصر هنا على استقصاء بعض الموارد التي اعتمد فيها السيّد الخوئي S على مناسبة الحكم والموضوع، أو تعرّض لاعتماد أحد من العلماء عليها، قاصرين النظر على العبادات الصرفة، للتأكيد على أنّ الفقهاء يجرون هذه المناسبات الارتكازية في أبواب العبادات، مع أنّها يمكن أن ترجع إلى حكمة التشريع أو تنقيح المناط، ولذلك أكثروا من الاعتماد عليها في باب المعاملات والطهارة دون العبادات، ومع أنّ الموارد التي اعتمد فيها السيّد الخوئي على مناسبة الحكم والموضوع في الفروع المختلفة من الأبواب الفقهية لا تحصى، لكنّنا آثرنا ترك موارد اعتماده عليها في كتاب الطهارة؛ لأنّه لا يرى الطهارة تعبّداً صرفاً، كما تركنا موارد اعتماده عليها في المعاملات؛ لأنّها ليست تعبّدية، وصنيعنا هذا لهذه النكتة التي أسلفناها.
المورد الأول: في توسعة وقت صلاة الليل في الليالي القصار، وقد دلّت صحيحة ليث المرادي على أنّه يجوز أن يقدّمها المكلّف على الانتصاف، قال: سألت أبا عبد الله g عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل في أوّل الليل، فقال: (نعم، نِعم ما رأيت، ونِعم ما صنعت)(٤٦). إلّا أنّ الكلام وقع في أنّ جواز التقديم أو التوسعة بالإضافة إلى المصلّي في الليالي القصار، هل هو مطلق، أو مقيّد بما إذا خاف الفوات، أو بما إذا صعب عليه القيام في آخر الليل؟ وأجاب عن ذلك بأنّ: (مقتضى الأخبار الواردة في المقام هو الإطلاق .. إلّا أنّ مقتضى مناسبة الحكم والموضوع أو القرينة العرفية هو اختصاص الحكم بما إذا خاف الفوات على تقدير تأخيرها إلى وقتها، أو صعب عليه القيام في وقتها، وذلك لأنّه مقتضى كون الليل قصيراً، وإلّا فأيّة خصوصية لطول الليل وقصره، فلا خصوصية للقِصَر غير كونه موجباً لأحد الأمرين المذكورين)(٤٧).
وهو كما ترى لم يجزم بأنّ القرينة التي اعتمد عليها في المقام هي مناسبة الحكم والموضوع، بل ردّد بينها وبين ما سمّاه بالقرينة العرفية، ولم يبيّن نوع هذه القرينة التي يدور الحكم بالتقييد مدارها على نحو الترديد، واحتمال كونه عطف بيانٍ غيرُ وارد؛ لأنّه لم يقدّم القرينة العرفية على مناسبة الحكم والموضوع، ليقال إنّه عطف بيان.
والقرينة التي استند إليها هنا أوجبت جزمه بعدم الخصوصية؛ إمّا لمعرفة مذاق الشرع والأحكام الشرعية المكتنفة بهذه المسألة، أو دعوى أنّ العرف لا يرى خصوصية لقصر الليل.
المورد الثاني: قال السيّد اليزدي S: (إذا طلع الفجر وقد صلّى من صلاة الليل أربع ركعات أو أزيد أتمّها مخفّفة). واعترض عليه السيّد الخوئي بأنّه لم يقم على ذلك أيّ شاهد، والمستفاد من الرواية موضع الاستدلال أنّها إنّما تدلّ على استحباب إتمام صلاة الليل على النحو المتعارف، وكما كان يأتي بها قبل طلوع الفجر، فالتخفيف يحتاج إلى دليل، ولعلّ اعتباره من جهة مناسبة الحكم والموضوع، حيث إنّ التطوّع في وقت الفريضة محرّم أو مرجوح، فإذا أثبتنا جوازه بتلك الرواية تخصيصاً فيما دلّ على النهي عن التطوّع في وقت الفريضة، فالمناسب والأولى أن يؤتى بها مخفّفة حتّى لا تتحقّق مزاحمة الفريضة بكثير(٤٨).
فقد جمع السيّد الخوئي S بين أمرين:
الأوّل: الاعتماد على مناسبة الحكم والموضوع، ولم يبيّن مراده منها.
والآخر: الاعتماد على قواعد باب التزاحم، وأنّ الأمر يدور بين تحصيل مصلحتين ندبيّتين غير إلزاميّتين: الأولى مصلحة التعجيل والمبادرة إلى الفريضة. والأخرى مصلحة صلاة الليل مع الأناة.
لكن مصلحة أوّل الوقت أرجح من مصلحة الأناة في صلاة الليل. وهذا الكلام بهذا المقدار يحتاج إلى معالجة مسألتين:
الأولى: إثبات رجحان أصل صلاة الليل بعد طلوع الفجر على مصلحة أوّل الوقت الندبية.
والأخرى: إثبات أنّ مصلحة التعجيل في الفريضة أرجح من مصلحة الأناة في صلاة الليل.
مع أنّه طالما أكّد على أنّ ملاكات الأحكام لا سبيل إلى معرفتها إلّا من خلال الأوامر والنواهي الشرعية، وهنا لم يقتصر على معرفة الملاك، بل تعدّاه إلى تعيين الراجح من الملاكين، وهو الذي اعترض على الشيخ الأنصاري S، بأنّ تنقيح المناط أشبه شيء بالقياس، بل هو هو بعينه؛ وذلك لعدم علمنا بمناطات الأحكام وملاكاتها(٤٩)، وذلك عندما اعتمد الشيخ الأعظم على تنقيح المناط لإلحاق مسألة وجود اللاصق ببعض مواضع الوضوء بمسألة الجبيرة، مع أنّ أخبار الجبائر مختصّة بالجراحة والقرحة والكسر، بدعوى أنّ المناط في أحكام الجبائر ليس هو وجود الجرح والخرقة عليه، وإنّما المناط عدم تمكّن المتوضّئ من إيصال الماء إلى بشرته.
ونحن هنا لا نريد أن ندخل في مناقشة كلماته S في الفرع الفقهي، وإنّما المقصود هو تحديد مراد العلماء من مناسبة الحكم والموضوع، وأمّا كون اعتمادهم على مناسبة الحكم والموضوع في هذا المورد أو ذاك صحيح أو لا، فلا يعنينا في هذا المقام.
المورد الثالث: ذهب مشهور العلماء إلى كراهة الصلاة في الطرق وإن كانت في البلاد ما لم تضرّ بالمارّة، ومستند الحكم روايات عديدة، وقد أفاد السيّد الخوئي O أنّ هذه النصوص ظاهرة في الحرمة، لكنّها محمولة على الكراهة؛ لأنّ مناسبة الحكم والموضوع تقضي بأنّ النهي لم يكن لأجل منقصةٍ ذاتيةٍ في الطريق مانعة عن صحّة الصلاة،وإنّما هو لأحد أمرين على سبيل منع الخلو: إمّا المزاحمة للمارّة، أو لكونه معرضاً للخطر وتوجّه الضرر، فلو أَمِن المصلّي من كلا الأمرين لم يكن محذور في البين(٥٠).
ويبدو أنّه S اعتمد على علمه الخارجي بأنّ الطريق ليس فيه مفسدة ذاتية، وأنّ الصلاة في الطريق بعنوانها الأوّلي ليست أمراً مرجوحاً مانعاً من صحّة الصلاة، ولم يعتمد على مناسبة الحكم والموضوع، فما عدّه مناسبةً بين الحكم والموضوع في المقام، وبموجبه صرف الظهور الأوّلي في هذه الروايات من الحرمة إلى الكراهة، هو الجزم بأنّ الصلاة في الطريق بالعنوان الأوّلي ليست محرّمة، ولا مبطلة للصلاة. وإذا كان الأمر كذلك فلا داعي لإقحام قرينة مناسبة الحكم والموضوع في الاستدلال؛ لأنّ الجزم وحده كافٍ في إثبات المطلوب.
مضافاً إلى أنّ مناسبة الحكم والموضوع قضية عرفية تحتفّ بالكلام، بحيث إنّه لو قيل لأعرابي حديث عهد بالإسلام: (لا تصلّ في الطريق)، لفهم منه أنّ النهي عن الصلاة في الطريق ليس بسبب وجود حزازة مانعة من صحّة الصلاة في الطريق، بل لأجل الكراهة. ومن أين يفهم هذا الأعرابي الحرمة والكراهة، حتّى يفهم أنّ المناسبة بين الحكم والموضوع تقتضي الكراهة؟!
المورد الرابع: ما ذكره في اشتراط الذكورة في أذان الإعلام؛ لقصور دليله عن الشمول للنساء؛ نظراً إلى أنّ المطلوب في هذا الأذان رفع الصوت، بل في صحيح زرارة: (كلّما اشتدّ الصوت كان الأجر أعظم)(٥١). وبما أنّ المطلوب من المرأة خفض صوتها وإن لم يكن عورة، فمناسبة الحكم والموضوع تقتضي انصراف النصوص إلى الرجال وعدم شمولها للنساء(٥٢).
ويلاحظ على هذا المورد: أنّه S اعتبر مناسبة الحكم والموضوع قرينة موجبة لرفع اليد عن الإطلاق، بل عدّها من أسباب الانصراف، مع أنّ كلماته في الفقه والأصول تنادي بأعلى صوتها بأنّ الضابط في الانصراف المانع من التمسّك بالإطلاق، هو الانصراف الناشئ من خفاء الصدق، وأمّا الانصراف البدوي الناشئ من التعارف الخارجي من قبيل غلبة الوجود أو قلّته فلا يكون منشأً للانصراف ما لم يوجب أنس الذهن بحيث لا ينسبق إليه غير المنصرف إليه عند الإطلاق، بحيث يعدّه العرف قرينةً متّصلة موجبة لظهور المطلق في قسم خاصّ، أو يكون صالحاً للقرينية وموجباً للإجمال.
والحاصل: أنّه بناءً على ما ذكره O في حقيقة الانصراف القادح في التمسّك بالإطلاق لا يتحقّق الانصراف بمجرّد الشيوع والغلبة، ولا ملازمة بين الأمرين، فإنّ العبرة بالظهور العرفي، فإذا كان الكلام مطلقاً وغير ظاهر في المنصرف إليه فالتمسّك بالانصراف لا يعدو الاستحسان العقلي المحض(٥٣).
ويمكن تقريب اختصاص هذا الاستحباب بالرجال دون النساء بالقول: إنّ الغرض من تشريع أذان الإعلام هو إعلام الناس بدخول وقت الصلاة، وهذا الغرض لا يحصل إلّا برفع الصوت، والمرأة مندوبة لخفض صوتها، فهي غير مخاطبة به، فمن خلال حكمة التشريع علمنا أنّ المطلوب هو الأذان مع رفع الصوت، وهذا علمناه من مناسبة الحكم والموضوع. وأمّا أنّ المرأة مندوبة لخفض صوتها فقد علمناه من الشرع بدليل آخر غير مناسبة الحكم والموضوع.
وربّما عنى بكلامه هذا أنّ مفهوم الأذان في اللغة هو الإعلام، ففي صحيح البخاري ومسلم أنّ عليّاً g دفن فاطمة ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر(٥٤). أي: لم يعلمه، ومنه قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ}(٥٥)، يعني إعلام وإعلان، فمفهوم الأذان بضميمة مناسبة الحكم والموضوع لا يتحقّق إلّا مع رفع الصوت، فهذه المناسبة لا توجب انصراف النصوص إلى الرجال، وإنّما هي موجبة لانصراف الأذان في أخبار الإعلام إلى ما كان مع الصوت المرتفع.
والحاصل: أنّه يحتمل أن ترجع مناسبة الحكم والموضوع في مقامنا إلى حكمة التشريع، وأنّ الغرض من أذان الإعلام لا يحصل إلّا بهذه الحصّة من الأذان، وهو الأذان بالصوت المرتفع، ويمكن إرجاعه إلى الانصراف ولو بدعوى الشكّ في صدق الأذان فيما لو قرئت فصوله من دون رفع الصوت؛ لأنّ الأذان في اللغة هو الإعلام، فلا نحرز صدق عنوان الأذان على هذه الفصول من دون رفع الصوت.
المورد الخامس: في استحباب جهر الإمام بتكبيرة الإحرام إذا كبّر سبعاً، دون الستّ فإنّه يستحبّ له الإخفات بها، مع أنّ النصوص الكثيرة تضمّنت استحباب جهر الإمام بواحدة وإخفات الستّ، ولم يصرّح بتكبيرة الإحرام في شيءٍ من تلك الأخبار، وإنّما ذكر الجهر بواحدة، لكن القرائن الداخلية والخارجية سيّما مناسبة الحكم والموضوع تقضي بإرادتها منها، وتعيّنها فيها. مضافاً إلى ما ورد أنّ الإمام يجهر بكلّ ما يتلفّظ به، ويسمع المأمومين كلّ ما يقوله في الصلاة(٥٦).
ووجه مناسبة الحكم والموضوع هنا يحتمل فيه أمور عديدة، وهذا يحوجنا إلى استحضار بحث الجهر في تكبيرة الإحرام، وهو يطول.
المورد السادس: في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله g، قال: (إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن تقرأ بغيرها فامضِ فيها ولا ترجع، إلّا أن تكون في يوم جمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة والمنافقين منها)(٥٧).
والكلام في المراد بالصلاة المستثناة عن هذا الحكم، أعني جواز العدول في يوم الجمعة لمن افتتح بالتوحيد، هل هو خصوص صلاة الجمعة، أو الأعمّ منها ومن الظهر كما عليه المشهور، أو بزيادة العصر؟ وجوه بل أقوال: اختار السيّد الخوئي S ما عليه المشهور، ونفى شمول هذا الاستثناء لصلاة العصر في يوم الجمعة؛ لأنّ الوجه في جواز العدول ليس استحباب قراءة الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة وظهرها، كي يسري إلى العصر لثبوت الاستحباب فيه أيضاً، بل الوجه في ذلك شدّة الاهتمام وتأكّد العناية بقراءتهما في صلاة الجمعة بالمعنى الأعمّ الشامل للظهر بحيث كاد أن يكون واجباً، كما يفصح عنه التعبير بكلمة (لا ينبغي) في صحيحة زرارة عن أبي جعفر g في حديث طويل يقول: (اقرأ سورة الجمعة والمنافقين فإنّ قراءتهما سنّة في يوم الجمعة في الغداة والظهر والعصر، ولا ينبغي لك أن تقرأ بغيرهما في صلاة الظهر يعني يوم الجمعة إماماً كنت أو غير إمام)(٥٨). ثمّ قال في آخر كلامه: (وعليه، فمناسبة الحكم والموضوع تقتضي اختصاص الحكم بصلاة الجمعة بالمعنى الأعمّ، ولأجل ذلك ينصرف الإطلاق في صحيحة الحلبي إليها؛ فإنّ الاستحباب وإن كان ثابتاً في العصر أيضاً كما ذكر في هذه الصحيحة، إلّا أنّ تلك العناية والاهتمام خاصّة بالظهر، لاختصاصها بالتعبير بـ(لا ينبغي)، أي: لا يتيسّر)(٥٩).
ويلاحظ على ما ذكره: أنّه ليس من قبيل المناسبات العرفية بين الحكم والموضوع، وإنّما هو أمر يعلم ببيان الشرع.
المورد السابع: في صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله g: قال: قلت له: أدنى ما يجزي المريض من التسبيح في الركوع والسجود؟ قال: (تسبيحة واحدة)(٦٠).
ونتيجة ذلك أنّ المريض يمتاز عن غيره باجتزائه بالتسبيحة الواحدة مطلقاً وإن كانت هي الصغرى.
قال S: (نعم، قد يقال بأنّ موردها المريض .. فلا دليل على التعدّي إلى مطلق الضرورة. وفيه ما لا يخفى؛ لوضوح أنّ المريض المأخوذ في النصّ لا خصوصية فيه كي يكون ملحوظاً على وجه الصفتية والموضوعية، فيسأل عن حكمه بما هو كذلك، وإن كان قادراً على الثلاث الصغريات، فإنّ ذلك أظهر من أن يحتاج إلى السؤال سيّما من مثل معاوية بن عمّار، بل مناسبة الحكم والموضوع تقضي بأنّ ذكره من باب المثال، وأنّ موضوع السؤال مطلق من يشقّ عليه الثلاث، إمّا لمرض أو لغيره من سائر الضرورات)(٦١).
والحاصل: أنّ مناسبة الحكم والموضوع هنا تقضي بأنّ ذكر المريض من باب المثال، وأنّ موضوع السؤال يعمّ سائر موارد الضرورة أيضاً، ولعلّ مراده بالموضوع هو المتعلّق، وهو الذكر في الركوع والسجود، والحكم هنا هو الاجتزاء بتسبيحة صغرى واحدة، وإعفاء المصلّي من تكرارها، فحاصل دعواه O أنّ العرف يتلقّى هذا الخطاب، وهو قوله: (المصلّي إذا كان مريضاً يجزيه في الذكر تسبيحة صغرى واحدة)، بأنّ ذكر المريض لا موضوعية له، وأنّ موضوع الحكم هو المعذور الذي يشقّ عليه أن يأتي بالتسبيحات الثلاث. ودعوى أنّ هذا من العرف حتّى لمن كان جاهلاً بالأحكام الشرعية محلّ تأمّل.
المورد الثامن: وقد جعله S شاهداً للمورد السابق، وهو في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}(٦٢)، إذ لا يحتمل سقوط الصوم عن مطلق المريض ولو كان علاجه الإمساك طول النهار، أو فرض امتناعه عن استعمال المفطرات خلال اليوم بطبعه صامه أم لم يصمه، فالمراد من المريض هنا بمناسبة الحكم والموضوع من يشقّ عليه الصوم، ولا خصوصية لعنوان المريض بما هو مريض(٦٣).
المورد التاسع: في أنّ وجوب السجود فوريّ على من قرأ إحدى العزائم الأربع أو سمعها أو استمع لها، وهل يشمل الحكم من سمع السجدة في الأوقات التي تكره الصلاة فيها، أي بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وكذا قبل الغروب، أو أنّ السجدة في هذه الأوقات تؤخّر إلى ما بعد خروج الوقت؟
قال السيّد الخوئي S: إنّه قد يتخيّل الثاني استناداً إلى موثّقة عمّار عن أبي عبد الله g: في الرجل يسمع السجدة في الساعة التي لا يستقيم الصلاة فيها قبل غروب الشمس، وبعد صلاة الفجر، فقال: (لا يسجد)(٦٤).
وناقشه S بإيرادين، ثمّ قال ما حاصله: أنّه يمكن أن يقال: إنّ الموثّقة خاصّة بغير العزيمة، وذلك بقرينة قوله: (لا تستقيم الصلاة فيها ..)، فإنّ المراد بهذه الصلاة إنّما هي النافلة؛ إذ هي التي يتوهّم أنّها لا تستقيم، وإلّا فلا شكّ في استقامة الفريضة؛ لامتداد وقتها من الفجر إلى طلوع الشمس، ولا يحتمل خفاء مثل هذا الحكم الواضح على مثل عمّار، فبمناسبة الحكم والموضوع يكون المراد من السجدة هي المستحبّة(٦٥).
ولم يتعرّض S في كلامه الأخير عن وضوح حكم السجود قبل الغروب على مثل عمّار؛ لأنّه ربّما قيل بأنّ الظاهر من قبل الغروب هو قبيله بيسير، وإذا بنينا على أنّ الغروب يتحقّق بدخول الليل بعد ذهاب الحمرة المشرقية، فيحمل كلامه على أنّه بعد استتار قرص الشمس، وقبل ذهاب الحمرة، فيمكن أن يكون هذا الوقت ممّا لا تستقيم الصلاة فيه. وأمّا بعد صلاة الفجر، فلا يمكن الحمل على أنّ الفريضة لا تستقيم في هذا الوقت؛ لأنّ الفريضة تستقيم حتّى تطلع الشمس. بل هو في غنىً حتّى عن هذا الجواب؛ لأنّ الظاهر من قوله: (بعد صلاة الفجر) أنّه أدّى الفريضة.
هذا، ولكن الكلام في أنّ المقيّد هل هو علمنا بعدم إرادة السجدة الواجبة ولو لأجل وضوح الحكم على مثل عمّار، أو ما سمّاه بمناسبة الحكم والموضوع؟ وهل سيفهم العرف لو ألقي عليه مثل هذا الكلام أنّ الحكم مختصّ بالنافلة، فإنّه من الواضح أنّ مناسبة الحكم والموضوع لا يختلف الحال فيها بين الفقيه وغيره، ومن الصعب جدّاً البناء على أنّ العرف يتلقّى الكلام بالنحو الذي قرّره S.
المورد العاشر: في صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبد الله g في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام، قال: (يقضي عنه أولى الناس بميراثه)(٦٦). فهل بوسعنا أن نأخذ بإطلاق هذه الصحيحة، ونحكم بأنّه يجب على الولي قضاء ما فات الميت من الصلاة عمداً؟
أفتى السيّد اليزدي N في العروة بأنّه يجب على وليّ الميت أن يقضي عنه ما فاته من الصلاة لعذر، فلا يشمل صورة ما لو ترك الصلاة عمداً، وفي مقام بيان مدركه في هذه المسألة قال السيّد الخوئي N: (وما يقال من أنّ العامد يستحقّ العقاب فلا يجديه القضاء من الوليّ، لكونه بمثابة الكفّارة، وهي بمناسبة الحكم والموضوع تختصّ بالمعذور. فهو وجه استحساني لا يركن إليه لإثبات حكم شرعي، ولا يقاوم الإطلاق)(٦٧).
وسواء كان هذا مراد السيّد اليزدي أو لا، فإنّ لازم هذا القول أنّ العرف يرى أنّ تشريع وجوب الكفّارة على من أفطر عمداً في نهار شهر رمضان للنصوص الدالّة على ذلك مصادمٌ لمناسبة الحكم والموضوع، فيرونه بحسب مرتكزاتهم تشريعاً غريباً يتصادم مع ما هو مغروس في أذهانهم، هذا مع أنّ الظاهر في الكفّارة كونها عقوبة دنيوية؛ لأجل التخفيف عنه في الآخرة كي لا يؤخذ بعقاب أشدّ، فكيف تكون مختصّة بالمعذور؟
ثمّ إنّ مراده O من الاستحسان الذي لا يركن إليه في إثبات حكم شرعي هو الصغرى، أعني دعوى أنّ مناسبة الحكم والموضوع في المقام تقتضي اختصاص الكفّارة بالمعذور، لا كبرى الاعتماد على مناسبة الحكم والموضوع في تقييد المطلق، وهو واضح.
المورد الحادي عشر: ورد في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر g: في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة، فسلّم وهو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة، وتكلّم، ثمّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين، فقال: (يتمّ ما بقي من صلاته، ولا شيء عليه)(٦٨).
صرّح غير واحد بظهور هذه الصحيحة في عدم وجوب سجود السهو للتكلّم ساهياً، بتقريب أنّ المنفيّ في قوله g: (ولا شيء عليه) لا يحتمل أن يكون هو الإثم؛ لعدم احتماله في مورد السهو، ولا الإعادة؛ لأنّ الأمر بالإتمام يلازم الصحّة، والحمل على التأكيد خلاف الأصل، وليس ثمّة أثر يتوهّم ترتّبه كي يتصدّى لنفيه عدا سجدتي السهو.
لكنّه O اعترض عليهم بأنّ: (المنسبق إلى الذهن والمتفاهم العرفي من مثل هذه العبارة هو التأكيد، كما لعلّه الدارج المتعارف في الاستعمالات في عصرنا الحاضر، فنجيب عن نظير المسألة بأنّه يتمّ صلاته ولا شيء عليه، ونعني به نفي الإعادة تأكيداً لما ذكر أوّلاً. وأولوية التأسيس من التأكيد ليست قاعدة مطّردة وضابطاً كلّياً، بل يختلف ذلك حسب اختلاف الموارد وخصوصياتها ومناسبات الحكم والموضوع، فربّما يكون التأكيد هو الظاهر من الكلام كما في المقام(٦٩).
السادس: موارد اعتماد شيخنا الأستاذ الشيخ الوحيد الخراساني F.
وقد تمسّك F بمناسبة الحكم والموضوع في مواضع كثيرة في الفقه والأصول، ونذكر بعض هذه المواضع ممّا جاء في بحث الخيارات من كتاب (بغية الراغب):
المورد الأوّل: قال في تصحيح الاستدلال بقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(٧٠): (إنّه لا بدّ من ملاحظة مناسبة الحكم للموضوع؛ فإنّ المناسبة المذكورة من القرائن الارتكازية العقلائية العرفية الحافّة بالكلام، وهي قد توسّع دائرة الموضوع وقد تضيّقه ..)(٧١).
وهذا تعريف مكتمل الأركان لمناسبة الحكم والموضوع، وليس هو في مقام الحصر والاستقصاءمن جهة آثار هذه القرينة، وإنّما المقصود من ذكر هذين الأثرين بالخصوص هو أنّ هذه القرينة ليست دائماً مضيّقة للموضوع، كما أنّها ليست دائماً موسّعة له.
المورد الثاني: في أنّ المراد من الحيوان في خياره، هل هو خصوص ما يقصد بقاؤه، أو مطلق ما فيه الحياة؟ ذهب المحقّق النائيني S إلى الأوّل، واستدلّ عليه بمناسبة الحكم والموضوع، وبيّنه شيخنا الأستاذ بأنّ الإطلاق إنّما ينعقد في صورة عدم القرينة على انصراف موضوع الحكم إلى حصّة منه، ومن موجبات صرف الطبيعة إلى بعض الحصص مناسبة الحكم والموضوع(٧٢).
لكنّ السيّد الخوئي S تعقّب المحقّق النائيني S بأنّ ما يقيّد الموضوع هو العلّة، وأمّا الحكمة فلا تمنع من الإطلاق، ولا تكون سارية في جميع الأفراد، وبعبارةٍ موجزة: إنّ الحكمة لا تطّرد، ومعنى هذا أنّ السيّد الخوئي S فسّر مناسبة الحكم والموضوع الواردة في كلام المحقّق النائيني S بحكمة التشريع، واعترض عليه بأنّ الحكمة لا تطّرد(٧٣).
ودافع شيخنا الأستاذ F عن المحقّق النائيني S فذكر أنّ الذي أفاده السيّد الخوئي S (غير مرتبط بما أفاده المحقّق النائيني S من الاستدلال؛ فإنّه لم يستند إلى الحكمة، وإنّما إلى مناسبة الحكم والموضوع، وبينهما فرق؛ فإنّ الأولى وإن كانت لا تعمّم ولا تخصّص إلّا أنّ الثانية توجب التعميم والتخصيص، فلو سئل عن ملاقاة البول للثوب وكان الجواب هو الحكم بالنجاسة، فإنّ مناسبة الحكم والموضوع ـ أي الانفعال بالنجاسة والملاقاة ـ تقتضي عدم الفرق بين الموضوعات، وعدم الاختصاص بالثوب وإن كان السؤال عنه، وهكذا الكلام من جهة التخصيص؛ فإنّ تناسب الحكم والموضوع ممّا يقيّد الموضوع)(٧٤).
وهذا تصريح منه بأنّ مناسبة الحكم والموضوع ليست هي حكمة التشريع.
المورد الثالث: في أنّ خيار الغبن على الفور أو التراخي، اختار الشيخ الأعظم S القول بالفور مستدلَّاً بالاستصحاب، وناقشه المحقّق النائيني S في ذلك بتفصيل مبنيّ على مناسبة الحكم والموضوع، وحاصل هذا التفصيل أنّه قد يحرز بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع أنّ المدار في موضوع الحكم هو الحدوث، ومثال ذلك النجاسة التي تعرض الماء الكثير عند تغيّره بوصف النجاسة، فإنّه لو زال التغيّر من تلقاء نفسه فالنجاسة باقية؛ لأنّ العرف بارتكازه يرى أنّ موضوع الحكم بالنجاسة هو حدوث التغيّر على الماء، فالموضوع للنجس الذي يحكم العرف بأنّه نجس هو الماء، والتغيّر بنظر العرف علّة لثبوت النجاسة للماء، فإذا ارتفع التغيّر فالموضوع باقٍ؛ لأنّ الماء موجود، والنجاسة باقية لعدم وجود الرافع لها.
وقد يحرز العرف أنّ موضوع الحكم هو الشيء مع وصفٍ، بحيث يكون ذلك الوصف حيثية تقييدية، فإذا زال الوصف فقد ارتفع الموضوع، مثاله الفقر والفقاهة، فموضوع الزكاة مثلاً هو الإنسان الفقير، يعني ما دام فقيراً، فإذا ارتفع الفقر ارتفع الموضوع، وإن كان الإنسان باقياً، وكذلك موضوع التقليد والاتّباع، فإنّ الموضوع هو الفقيه ما دام هذا الوصف ثابتاً له.
وقد يكون الموضوع مردّداً، أي لا يحرز أنّه من هذا القبيل أو ذاك.
هذا محصّل كلام المحقّق النائيني S، والشيخ الأستاذ F لم يناقش في هذه الكبرى، أي أنّ هذا التقسيم الثبوتي صحيح عنده(٧٥).
المورد الرابع: في أنّ مورد خيار الرؤية خصوص المشتري، أو الأعمّ منه ومن البائع، وقد أفاد الأستاذ F في هذه المسألة: أنّ المستند في هذا الخيار إن كان صحيحة جميل بن درّاج التي قال فيها: سألت أبا عبد الله g عن رجل اشترى ضيعة، وقد كان يدخلها ويخرج منها، فلمّا أن نقد المال صار إلى الضيعة فقلبها، ثمّ رجع فاستقال صاحبه فلم يقله، فقال أبو عبد الله g: (لو أنّه قلب منها، أو نظر إلى تسع وتسعين قطعة منها، ثمّ بقي منها قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية)(٧٦). فالتعميم للبائع في غاية الإشكال؛ لاختصاصها بالمشتري، والتعدّي إلى البائع يحتاج إلى الدليل.
ثمّ ذكر أنّ العلماء ذكروا وجهين للتعدّي منه، أوّلهما: إلغاء خصوصية المشتري وإن كان هو موضوع الحكم، وأردفه بقوله: (وبما أنّ إلغاء الخصوصية على خلاف الأصل ذكروا لاختياره سببين:
الأوّل: تنقيح المناط.
والآخر: مناسبة الحكم للموضوع عرفاً، بحيث يكون حجّة في الفقه.
أمّا تنقيح المناط فما لم يصل إلى حدّ القطع فلا يفيد؛ لعدم تجاوزه القياس الظنّي، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً، وحصول القطع مع خفاء مناطات الأحكام نفس الأمرية علينا لا طريق له عند أهل الفنّ. وأمّا مناسبة الحكم والموضوع [فهي] وإن كانت تقتضي إلغاء الخصوصية عرفاً في بعض الموارد ـ كما في الحكم بتنجّس الثوب بملاقاته للنجاسة؛ فإنّه يتعدّى إلى غيره مع كون الموضوع خاصّاً؛ لأنّ مناسبة الحكم للموضوع تقضي بكون العبرة بانفعال الملاقي للنجاسة بها، ولا يختصّ الانفعال بالثوب ـ إلاّ أنّها لا توجب التعميم في المقام؛ لكون المناسبة فيه هي الإرفاق فقط(٧٧).
أقول: ظاهره أنّ المراد بمناسبة الحكم للموضوع هو حكمة التشريع، مع أنّه في المورد الثاني اعترض على السيّد الخوئي لمّا حمل مناسبة الحكم والموضوع في كلام النائيني على حكمة التشريع. وتقييده مناسبة الحكم للموضوع بحيث يكون حجّة في الفقه يوحي بأنّه ربّما ادّعيت مناسبة الحكم والموضوع لمجرّد الظنّ بالمناسبة، أو احتمالها، وهذا القيد منه يعطي بأنّه قد وجد بعض الفقهاء قد استندوا إلى مناسبة الحكم والموضوع في مورد لا ينبغي الاستناد إليها فيه، ويؤخذ منه أيضاً أنّ مناسبة الحكم والموضوع عنده غير تنقيح المناط.
المورد الخامس: في مسقطات خيار الرؤية، وهناك بحث مسألة الإسقاط قبل الرؤية، وتعرّض للإشكال في الإسقاط على القول بعدم كاشفية الرؤية، وفي ثنايا كلامه تعرّض لمرجعية العرف، وأنّها منحصرة في أمرين:
الأوّل: في تعيين مفاهيم الألفاظ. ويقصد به الأعمّ من مفاهيم الألفاظ وظهورات الجمل التركيبية.
الآخر: في مناسبة الحكم للموضوعات، مثلاً عندما يُسأل عن حكم ملاقاة البول للثوب، فيأتي الجواب: طهّره بالماء، فإنّ الثوب وإن كان هو موضوع الحكم في السؤال، ولكن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي عدم الخصوصية لمورد السؤال، وأنّ التأثير والتأثّر بالنجس عامّ(٧٨).
المورد السادس: ما ذكره في مسقطات خيار العيب، فقد ناقش ما اعتمده المحقّق الأصفهاني S من أنّ المستفاد من النصوص المتعدّدة في الأبواب المختلفة أنّ غرامةإزالة البكارة عشر قيمة الجارية بأنّ إسراء ذلك الحكم من هذه الموضوعات إلى ذلك الموضوع لا يصحّ إلّا بأحد طريقين: الأوّل إلغاء الخصوصية، والآخر تنقيح المناط.
وفيما يتعلّق بإلغاء الخصوصية ذكر أنّها مشروطة بوجود مناسبة بين الحكم والموضوع تقتضي الإلغاء، وإلّا فمقتضى الأصل هو خصوصية العنوان المأخوذ في الموضوع، بمعنى أنّ الأصل احترازية القيود، وبهذا أمكن إلغاء الخصوصية في موارد إحراز العرف عدمها، كما لو ورد: (اغسل ثوبك من الدم)؛ فإنّ الحكم يتعدّى إلى غير الثوب؛ لأنّ العرف يحرز أنّ المدار في مثل هذا على الانفعال بالنجس بسبب الملاقاة للدم(٧٩).
ولكن من أين يحرز العرف عدم الخصوصية في الأحكام التعبّدية؟ فهذا البيان له مجال في الأحكام غير التعبّدية، كالأحكام المرتبطة بأبواب المعاملات والطهارة، فإنّ الفقهاء يصرّحون بأنّ الطهارة ليست تعبّداً صرفاً، بل لوحظ فيها جهة القذارة، ومن ثَمَّ حكموا بجملة من الأحكام في باب الطهارة، مثل اعتبار الرطوبة المسرية وأمثال ذلك من الأمور؛ استناداً إلى كون الطهارة ليست تعبّداً صرفاً، فيكون للعرف مسلك للدخول في مثل هذه الأحكام بأن يقول: إنّ هذا الحكم ثابت لهذا الموضوع من جهة عامّة، ولا خصوصية فيه.
ولكن إذا كان معنى مناسبة الحكم والموضوع هو جزم العرف بعدم دخل هذه الخصوصية في موضوع الحكم فلا بدّ أن لا نستعين بمناسبة الحكم والموضوع في باب الصلاة مثلاً، وكذا غيرها من الأمور التعبّدية الصرفة، والحال أنّهم يتمسّكون بمناسبة الحكم والموضوع في سائر الأبواب الفقهية.
نتائج البحث
والذي تلخّص من ملاحظة كلمات جملة من العلماء في ما يتعلّق بهذه المسألة هو أنّ العلماء قد اختلفوا في أنّها قرينة أو دليل، وأنّ من عدّها قرينة ـ وهي التي لها أثر على الدليل فتغيّر من دلالته سعةً وضيقاً ـ رتّب على ذلك جملةً من الآثار التالية:
الأثر الأوّل: توسعة الحكم أو موضوعه، ومن ذلك مسألة تولّي الزوج تغسيل زوجته، فإنّ مناسبة الحكم والموضوع توسّعه إلى المتمتّع بها والأمة. ومسألة تحريم بيع أمّ الولد، فإنّها توسّع الحكم إلى أنّها لا توهب ولا تنقل بالصلح وغيره. ومنها حرمة مسّ الجنب اسمَ الله، فإنّها توسّع الموضوع إلى كلّ ما أنبأ عن ذاته تعالى. ومنها كفاية التسبيحة الواحدة للمريض، فإنّها توسّعه إلى من ضاق الوقت عليه. ومنها غسل الثوب من الدم، فإنّها توسّعه إلى غيره.
الأثر الثاني: تضييق الحكم أو موضوعه، ومن ذلك وجوب الوفاء بالعقود، فقد خصّته هذه المناسبة بالعقد الصادر من العاقد نفسه، لا كلّ عقدٍ وقع في الدنيا. ومنه الأمر بغسل موضع النجو، فقد خصّته بما إذا تلوّث ظاهره. وحرمة مسّ الجنب ديناراً عليه اسم الله، فقد خصّته بموضع الكتابة. ومنه خيار الحيوان للمشتري، فقد خصّته بما يقصد استحياؤه، والخيار في بيع الحيوان، فقد خصّته بالمشتري دون البائع. ومنه مبطلية الشكّ للصلاة، فقد خصّته بالفريضة، والقصر للمسافر، فقد خصّته بالسفر المباح، والإتمام للمتردّد، فقد خصّته بالتوالي، واستحباب الأذان، فقد خصّته بالرجال، وتقديم صلاة الليل إذا كان الليل قصيراً، فقد خصّته بمن خاف الفوت، والجهر بتكبيرة واحدة من السبع، فقد خصّته بتكبيرة الإحرام، وجواز العدول إلى سورة الجمعة يوم الجمعة لمن بدأ بالتوحيد، فقد خصّته بصلاة الجمعة. ومنه إفطار المريض، فقد خصّته بمن شقّ عليه الصيام.
الأثر الثالث: حمل الأمر على الاستحباب والنهي على الكراهة.
الأثر الرابع: حمل الموضوع على كونه حيثية تعليلية للحكم، فيثبت الحكم عند حدوث الموضوع، ويبقى ولو ارتفع الموضوع. ومنه نجاسة الماء الكثير بتغيّر أوصافه؛ فإنّ التغيّر بحدوثه علّة لطروّ النجاسة على الماء، فإذا زال التغيّر من تلقاء نفسه بقيت النجاسة.
الأثر الخامس: حمل الموضوع على كونه حيثية تقييدية للحكم، فيكون الحكم تابعاً للموضوع حدوثاً وبقاءً، ومنه: (أطعم الفقير)، و(قلّد الفقيه).
الأثر السادس: حمل الأمر أو النهي على التأكيد لا التأسيس خلافاً للأصل.
الأثر السابع: حمل العنوان المذكور في النصّ على المرآتية، بأن يكون عنواناً مشيراً على خلاف الأصل الأوّلي من احترازية العناوين، وأنّ للعناوين المذكورة موضوعية.
وبهذا أختم الحديث في مناسبة الحكم والموضوع، حامداً، مصلّياً، مسلّماً، مستغفراً، والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، محمّد وعترته المعصومين. ونسأل الله تعالى بعد المغفرة أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم بمنّه وكرمه.
مصادر البحث
القرآن الكريم.
(١) موسوعة السيّد الشهيد الصدر: ٩/ ٣٤٦.
(٢) نهاية الدراية في شرح الكفاية (ط قديمة): ٣/ ٢٧٦.
(٣) سيظهر هذا المعنى وما بعده عند ذكر موارد استعمال مناسبة الحكم والموضوع في كلمات الأعلام.
(٤) موسوعة السيّد الشهيد الصدر S: ٩/ ٦٦ ـ ٦٧.
(٥) منتقى الأصول: ٦/ ٣٦٥.
(٦) يلاحظ: حاشية كتاب المكاسب (للمحقّق الهمداني S): ١٩٠ـ ١٩١.
(٧) مصباح الفقيه: ٢/ ٧٦.
(٨) يلاحظ: مصباح الفقيه: ٣/ ٢٩٢ ـ ٢٩٣.
(٩) يلاحظ: مصباح الفقيه: ٥/ ٧٨.
(١٠) يلاحظ: مصباح الفقيه: ١٠/ ٣٢٥.
(١١) الكافي: ٣/ ٣١٤، باب قراءة القرآن، ح٩.
(١٢) يلاحظ: مصباح الفقيه: ١٢/ ١٩٣.
(١٣) يلاحظ: شرح العروة الوثقى: ١٤/ ٢٨٦.
(١٤) يلاحظ: كتاب الصلاة (تقرير الشيخ محمّد عليّ الكاظمي N): ٢/ ٣٢٥ ـ ٣٢٦.
(١٥) وللمحقّق الشيخ حسين الحلّي S في أصول الفقه: ١١/ ٩٤ كلام نقله عن أستاذه المحقّق النائيني N يظهر منه أنّه يجري هذه المناسبة حتّى في الأدلّة اللبّية، قال S: (لو كان الدليل لبّياً كالإجماع أو العقل كان الرجوع أيضاً إلى القرينة المذكورة .. وتكون تلك القرينة ـ أعني مناسبة الحكم والموضوع ـ موجبة للتصرّف في دليل الاستصحاب أعني (لا تنقض)، وحاكمة بصدقه على المورد.
والحاصل: أنّه ليس الرجوع هنا إلى الفهم العرفي بواسطة هذه القرينة رجوعاً إلى الفهم العرفي من لسان الدليل؛ إذ ليس في البين دليل لفظي، ولا أنّ العرف يكون شارحاً لحال القيد، وأنّه علّة في الحكم لا قيد في موضوعه، لأنّه لا مسرح للعرف في ذلك، بل هو رجوع إلى العرف في صدق (لا تنقض) على المورد، وحينئذٍ يكون المقام من الشبهة الصدقية لا المصداقية).
(١٦) يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٥٨٥.
(١٧) يلاحظ: أجود التقريرات: ٢/ ٤١٠ ـ ٤١١.
(١٨) يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٥٨٦.
(١٩) يلاحظ: كتاب الصلاة (تقرير الشيخ محمّد عليّ الكاظمي): ٢/ ٣٢٥ ـ ٣٢٦.
(٢٠) منية الطالب في حاشية المكاسب: ١/ ٣٥٥.
(٢١) يلاحظ: منية الطالب في حاشية المكاسب: ٢/ ٣١.
(٢٢) تهذيب الأحكام: ٧/ ٢٣ ـ ٢٤، باب عقود البيع، ح١٦.
(٢٣)الكافي: ٥/ ١٧٠، باب الشرط و الخيار في البيع، ح٥.
(٢٤) قرب الإسناد (ط الحديثة): ١٦٧. عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد، عن أحمد وعبد الله ابني محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، قال: سألت أبا عبد الله g عن رجل اشترى جارية، لمن الخيار، للمشتري، أو البائع، أو لهما كليهما؟ قال: فقال: (الخيار لمن اشترى ثلاثة أيّام نظرة، فإذا مضت ثلاثة أيّام فقد وجب الشراء).
(٢٥) يلاحظ: منية الطالب في حاشية المكاسب: ٢/ ٣٣.
(٢٦) يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: ٤/ ٣٣٤، ح٥٧١٨، وسائل الشيعة: ٢٦/ ١٤، ح٣٢٣٨٢.
(٢٧) الكافي: ١٠/ ٤٨٥ ـ ٤٨٦، باب الضرار، ح٨: عن عليّ بن محمّد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن بعض أصحابنا، عن عبد الله بن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر g، قال: (إنّ سمرة بن جندب كان له عذق، وكان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الأنصار، فكان يجيء ويدخل إلى عذقه بغير إذن من الأنصاري، فقال له الأنصاري: يا سمرة، لا تزال تفاجئنا على حال لا نحبّ أن تفاجئنا عليها، فإذا دخلت فاستأذن، فقال: لا أستأذن في طريق، وهو طريقي إلى عذقي). قال: (فشكاه الأنصاري إلى رسول الله e، فأرسل إليه رسول الله e فأتاه، فقال له: إنّ فلاناً قد شكاك، وزعم أنّك تمرّ عليه وعلى أهله بغير إذنه، فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل. فقال: يا رسول الله، أستأذن في طريقي إلى عذقي؟ فقال له رسول الله e: خلّ عنه ولك مكانه عذق في مكان كذا وكذا، فقال: لا، قال: فلك اثنان، قال: لا أريد، فلم يزل يزيده حتّى بلغ عشرة أعذاق، فقال: لا، قال: فلك عشرة في مكان كذا وكذا، فأبى، فقال: خلّ عنه ولك مكانه عذق في الجنة، قال: لا أريد، فقال له رسول الله e: إنّك رجل مضارّ، ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن). قال: (ثمّ أمر بها رسول الله e، فقلعت، ثمّ رُمي بها إليه، وقال له رسول الله e: انطلق فاغرسها حيث شئت).
(٢٨) حكى السيّد الخوئي S في معجم رجالالحديث: ١/ ٨١ أنّه سمعذلك منالمحقّق النائيني S في مجلس الدرس.
(٢٩) يلاحظ: منية الطالب في حاشية المكاسب: ٣/ ٣٦٥.
(٣٠) تعبيره S بأنّ التغيّر علّة لعروض الحكم على نفس الماء، موهم لإرادة الواسطة في العروض، ومقصوده أنّه واسطة في الثبوت؛ فإنّ الواسطة في العروض جزء من الموضوع، بخلاف ما نحن فيه، فإنّه حيثية تعليلية.
(٣١) يلاحظ: كتاب الصلاة (تقرير الشيخ محمّد عليّ الكاظمي): ١/ ١٧٣.
(٣٢) يلاحظ: كتاب الصلاة (تقرير الشيخ محمّد عليّ الكاظمي): ١/ ٣٩٣.
(٣٣) يلاحظ: كتاب الصلاة (تقرير الشيخ محمّد عليّ الكاظمي): ٢/ ٢٩٠.
(٣٤) يلاحظ: العروة الوثقى: فصل في الجماعة، مسألة ٢٤.
(٣٥) كتاب الصلاة (تقرير الشيخ محمّد عليّ الكاظمي): ٢/ ٣٦٧ ـ ٣٧٥.
(٣٦) يلاحظ: كتاب الصلاة (المحقّق الحائري): ٦١٠.
(٣٧) كتاب الصلاة (المحقّق الحائري): ٦٤٢.
(٣٨) يلاحظ: كتاب الصلاة (المحقّق الحائري): ٦٤٢.
(٣٩) نهاية الدراية في شرح الكفاية: ٣/ ٢٠٣.
(٤٠) من لا يحضره الفقيه: ٤/ ٣٨٠، وعدّه من ألفاظ رسول الله e الموجزة التي لم يسبق إليها. وفي لسان العرب: ١١/ ٦٢٤ المطل: التسويف والمدافعة بالعدة والدين.
(٤١) يلاحظ: أصول الفقه: ١/ ١٣٦.
(٤٢) يلاحظ: حاشية كتاب المكاسب: ١/ ١٤٦ ـ ١٤٧.
(٤٣) يلاحظ: حاشية كتاب المكاسب: ٢/ ٢٣.
(٤٤) يلاحظ: حاشية كتاب المكاسب: ٤/ ٥١٨.
(٤٥) نهاية الدراية في شرح الكفاية (ط مؤسّسة آل البيت i): ٥/ ٢٣١ ـ ٢٣٢.
(٤٦) من لا يحضره الفقيه: ١/ ٤٧٨، تهذيب الأحكام: ٢/ ١١٩، باب كيفيّة الصلاة ..، ح٢١٤.
(٤٧) التنقيح في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة): ١/ ٤٠١ ـ ٤٠٣.
(٤٨) يلاحظ: التنقيح في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة): ١/ ٤٢٦.
(٤٩) يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئي: ٦/ ١٧٣.
(٥٠) يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئي: ١٣/ ١٩٢وما بعدها.
(٥١) يلاحظ: وسائل الشيعة: ٥/ ٤١٠، ب١٦ من أبواب الأذان والإقامة، ح٢.
(٥٢) موسوعة الإمام الخوئي: ١٣/ ٣٢٨.
(٥٣) يلاحظ كلماته في شرح العروة الوثقى: ٤/ ٥٥، ٥/ ٩٣، ١٣/ ١١٥، ١٤/ ١٤٥، ١٥/ ٢١٦، ٢٠/ ١٢٠، ٢٣/ ٣٠٩، ٢٧/ ٧٥، ٢٩/ ١٩٣، ٣١/ ٥١٢، والجدير بالذكر أنّ بحث الانصراف ـ كبحثنا هذا ـ من البحوث التي لم تحرّر في علم الأصول، وحقّه أن يفرد بالبحث، وأن تفرد له مسألة في علم الأصول.
(٥٤) يلاحظ: صحيح البخاري: ٢/ ١٨٦، صحيح مسلم: ٣/ ١٣٨٠.
(٥٥) سورة التوبة: ٣.
(٥٦) موسوعة الإمام الخوئي: ١٤/ ١٥٠.
(٥٧) تهذيب الأحكام: ٣/ ٢٤٢، باب العمل في ليلة الجمعة ويومها، ح٣٢.
(٥٨) علل الشرائع: ٢/ ٣٥٥ ـ ٣٥٦.
(٥٩) شرح العروة الوثقى: ١٤/ ٣٥٩ ـ ٣٦٠.
(٦٠) الكافي: ٣/ ٣٢٩، باب أدنى ما يجزئ من التسبيح ..، ح٤.
(٦١) مستند العروة الوثقى (كتاب الصلاة): ٤/ ٦٨.
(٦٢) سورة البقرة: ١٨٤.
(٦٣) يلاحظ: مستند العروة الوثقى (كتاب الصلاة): ٤/ ٦٩.
(٦٤) تهذيب الأحكام: ٢/ ٢٩٣، باب كيفيّة الصلاة وصفتها ..، ح٣٣.
(٦٥) يلاحظ: المستند في شرح العروة الوثقى: ١٥/ ٢٠٣.
(٦٦) الكافي: ٤/ ١٢٣، باب الرجل يموت وعليه من صيام شهر رمضان وغيره، ح١.
(٦٧) موسوعة الإمام الخوئي: ١٨/ ٣٤٣.
(٦٨) تهذيب الأحكام: ٢/ ١٩١ ـ ١٩٢، باب أحكام السهو في الصلاة ..، ح٥٨.
(٦٩) المستند في شرح العروة الوثقى: ١٨/ ٣٤٣.
(٧٠) سورة المائدة: ١.
(٧١) يلاحظ: بغية الراغب: ١/ ٩٩.
(٧٢) بغية الراغب: ٢/ ١٢١.
(٧٣) يلاحظ: مصباح الفقاهة: ٦/ ١٧٦، التنقيح في شرح المكاسب: ٣/ ١٥٠.
(٧٤) بغية الراغب: ٢/ ١٢٢.
(٧٥) يلاحظ: بغية الراغب: ٣/ ٣٤٠.
(٧٦) تهذيب الأحكام: ٧/ ٢٦، باب عقود البيع، ح٢٩.
(٧٧) يلاحظ: بغية الراغب: ٤/ ٢٢٠.
(٧٨) يلاحظ: بغية الراغب: ٤/ ٢٧٦.
(٧٩) يلاحظ: بغية الراغب: ٤/ ٤٧٧.