
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.
تعتبر نظرية انقلاب النسبة ـ بناءً على القول بها ـ من خصائص باب التعارض بين أكثر من دليلين، وتمتاز هذه النظرية بتأثيرها الواضح في نتائج كثيرٍ من المسائل الفقهيّة، ممّا يستدعي استقصاء الأقوال فيها، وأدلّة كلِّ قولٍ وصُوَرِهِ، وبيان كيفيّة انقلاب النسبة في كلِّ صورةٍ في نظر القائلين بها، أو تقديم أقوى الظهورين في نظر الرافضين لها، وبيان نتيجة كلِّ صورةٍ وفقاً لكلٍّ من القولين، وذِكر نماذج من تطبيقاتها، ولا بُدَّ قبل ذلك كلّه من التعرّض لبعض المطالب المؤثّرة في فهم هذه القاعدة، مثل بيان معنى التعارض وأقسامه الأوّليّة، وكيفيّة علاجه، وبيان أنواع الجمع إن كان ذلك ممكناً، وأقسام المرجّحات وطرق الترجيح؛ لكون بحث انقلاب النسبة من موارد التعارض بين أكثر من دليلين المشمولة بتعبير: (الجمع العرفيّ).
والذي دعانا لهذه الدراسة أنّ الأعلام لم يطرحوا هذه البحوث من خلال عناوين محدّدة، بل ذكروا أمثلة هي مصاديق وصغريات لتطبيق هذه النظرية أو عدمه، وبحثوا هذه الأمور من خلالها، مع أنّ وظيفة الأصوليّ البحث عن الكبريات والقواعد الكلّيّة، لا المصاديق والصغريات.
والكلام يقع في مقامات..
المقام الأوَّل: في بيان معنى التعارض.
المقام الثاني: في أنحاء الجمع.
المقام الثالث: في أقسام المرجّحات.
المقام الرابع: في القسمة الأوّليّة للتعارض وكيفيّة العلاج.
المقام الخامس: في نظرية انقلاب النسبة، والأقوال فيها، وأدلّتها.
المقام السادس: في نماذج من تطبيقات هذه النظريّة.
المقام الأوَّل: في بيان معنى التعارض
التعارض في اللغة: من (العَرْض) وهو ذو معانٍ عديدة، فقيل: مأخوذ من (العَرْض) بمعنى الإظهار(١)، فكأنّ كلَّاً من الدليلين يُظهر نفسه في مقابل الآخر.
وقيل: مأخوذ من (العَرْض) بمعنى جعل الشيء حذاء الشيء الآخر وفي قباله، فيقال: عارض الشيء بالشيء معارضة، قابله(٢)، فيكون ملاك العرضيّة إمّا التماثل والمباراة بين الشيئين، وإمّا بملاك التناقض والتكاذب.
ويمكن أن يكون مأخوذاً من (العُرْضة) بمعنى المنع، ومنه (سرتُ فعرض لي في الطريق عارضٌ) أي: مانع من السير، ومنه (عارضهُ في كلامه) أي: منعهُ منه، ومنه سُمّي الردّ على الدليل: الاعتراض عليه(٣).
وعلى الأخيرين يكون إطلاق التعارض على الدليلين المتنافيين مستفاداً من المعنى اللغويّ بالدلالة المطابقيّة؛ باعتبار أنّ كلَّاً منهما يمنع من حجّيّة الآخر، وينفي دليليّته على الواقع، ويقتضي عدم صدقه وعدم مطابقته، في حين يكون التنافي لازماً لمعناه اللغويّ على ما يقتضيه التفسير الأوّل.
وفي الاصطلاح: هو التنافي إمّا بالذات أو بالعرض على وجهٍ لا يستلزم التناقض أو التضادّ لو أُريد الجمع؛ وذلك لأنّ الدليلين: إمّا متنافيان بحسب الدلالة، أو غير متنافيين.
وعلى الأوَّل: إمّا أن تكون المنافاة بالذات، أو بالعرض.
أمّا المنافاة بالذات فمعناها: كون مدلول أحدهما منافياً لمدلول الآخر بحسب الدلالة المطابقيّة ـ حسبما يُفهم ذلك من العرف ـ تنافياً إمّا على نحو التناقض، أو التضادّ، كما لو فرض أنّ أحد الدليلين دلَّ على حرمة ذلك الشيء، ودلَّ الآخر على عدم حرمة نفس ذلك الشيء، أو دلّ أحدهما على وجوب شيء، والآخر على حرمته، فإنّ العرف لو نظر إلى مدلول كلٍّ منهما لفهم أنّ كلَّاً منهما ينفي ما يفهم من مقتضى الدليل الآخر صراحةً.
وأمّا المنافاة بالعرض فمعناها: استناد عدم إمكان الجمع إلى أمر خارج عن مقتضى الدلالة، وذلك الأمر الخارج إمّا إجماع، أو ضرورة، أو خبر، فمثلاً: لو دلَّ دليل على وجوب صلاة الظهر ودلّ آخر على وجوب صلاة الجمعة، فإنّ العرف لا يرى منافاة بين الدليلين، ويجوّز صلاتين في نهار واحد، ولكن بالنظر إلى نهوض الأدلّة على أنّه لا تجب على المكلّف صلاتان في وقت واحد، إمّا للإجماع، أو للضرورة، فحينئذٍ يكون علمنا بذلك الأمر الخارج عن ذات الدليلين موجباً للحكم بوجود منافاة بين مدلولي الدليلين، فيكون مدلول أحدهما مستلزماً لنفي مدلول الآخر بالدلالة الالتزاميّة، التي منشؤها وسببها هو قيام الإجماع(٤) أو الضرورة ونحوهما من الخارج.
فتحصّل من ذلك أنّ التعارض: هو التنافي الذاتيّ المستفاد من صريح اللفظ، أو العرضيّ المستفاد من أمر خارجيّ على وجهٍ تستلزم إرادة الجمع بينهما إمّا التضادّ، أو التناقض.
واعلم: أنّهم بعد اتّفاقهم على أنّ التعارض هو: التنافي إمّا بالذات أو بالعرض على وجهٍ يستلزم التناقض أو التضادّ، اختلفوا في أنّ متعلّق التنافي هل هو مدلول الدليلين، أم نفس الدليلين بحسب الدلالة ومقام الإثبات؟
والأوّل مختار الشيخ الأعظم S(٥)، والمحقّق النائينيّ S(٦)، وآخرين(٧)، وذهب صاحب الكفاية S إلى الثاني(٨).
والسبب في هذا الاختلاف هو اعتقاد كلّ منهما ضرورة إخراج موارد الجمع العرفيّ، كالتزاحم، والتخصيص، والحكومة، والتخصّص، والورود، عن التعريف.
فصاحب الكفاية S يعتقد أنّ تعريف المشهور قاصر عن ذلك؛ إذ إنّ التنافي بين المدلولين ثابت في موارد الجمع العرفيّ أيضاً فيشمله تعريفهم، بينما يسلم تعريفه من ذلك؛ لعدم التنافي بحسب الدلالة مع إمكان الجمع العرفيّ بين الدليلين، وهو ما دعاهُ للعدول عن تعريف المشهور.
في حين يعتقد المحقّق النائينيّ S عدم شمول تعريف المشهور لموارد الجمع العرفيّ؛ وذلك لعدم التنافي بين المدلولين في الموارد المذكورة(٩).
وبهذا يتّضح لك اتّفاق الجميع على عدم تحقّق التعارض في موارد التزاحم، أو التخصيص، أو الحكومة، أو الورود، والتخصّص.
أمّا في مورد التزاحم فلأنّ الدليلين إنّما يكونان متعارضين إذا تكاذبا في مقام الجعل والتشريع، ويكونان متزاحمين إذا امتنع الجمع بينهما في مقام الامتثال مع عدم التكاذب في مقام التشريع، فلا يتصوّر التعارض في مورده.
وأمّا في مورد التخصيص فلأنّه عبارة عن سلب حكم العامّ عن الخاصّ وإخراجه من تحت عموم العامّ، مع فرض بقاء عموم لفظ العامّ شاملاً للخاصّ بحسب لسانه وظهوره الذاتيّ.
نعم، صوّر السيّد الشهيد الصدر S وقوع التعارض في صورتين من صور التخصيص(١٠):
الصورة الأولى: أن يكون الخاصّ متكفِّلاً لإثبات سنخِ حُكمِ العامّ، ولكن في دائرةٍ أخصّ، كما إذا قيل: (أكرم كلَّ فقيرٍ)، وقيل: (أكرم الفقير العادل)، فإذا لم تُحرز وحدة الحكم لا يكون هناك تعارضٌ، وإن أُحرزت وحدة الحكم المدلول للحاظين وقع التعارض بين ظهور الأوَّل في العامّ وظهور الثاني.
الصورة الأخرى: أن يكون الخاصّ متكفِّلاً لإثبات نقيض حُكم العامّ أو ضدِّهِ لبعض حصص العامّ، كما إذا قيل: (أكرم كلَّ عالمٍ) وقيل: (لا تُكرم العالم النحويّ).
وتتَّفق الصورتان في حُكم التعارض بعد حصولِه؛ إذ يُقدَّم الخاصّ على العامّ في كلتا الصورتين بملاك قرينيّة الخاصّ(١١).
ويختلف الثاني عن الأوّل في أنَّ التعارض فيه محقّقٌ على أيِّ حالٍ، بلا حاجةٍ إلى افتراض شيءٍ من الخارج، بخلاف السابق فإنَّه يحتاج إلى افتراض العلم من الخارج بوحدة الحكم.
وذهب بعض أعاظم العصر l إلى أنّ ظهور العامّ مع ظهور الخاصّ متعارضان بدون فرق بينهما وبين التعارض بين المتباينين والعامّين من وجه؛ لأنّ مورد التعارض يتحقّق فيما إذا كان هناك ظهوران كاشفان عن حكمين لا يمكن اجتماعهما لتنافيهما وتنافرهما، فيتّصف الظهوران المذكوران بالتنافي بالعرض، فيمتنع ـ حينئذٍ ـ أن يتّصفا معاً بالحجّيّة، فإذا قال المولى: (يجب إكرام كلّ عالم)، ثُمَّ قال: (لا يجب إكرام أيّ عالم فاسق)، فهما متعارضان؛ لأنّ الموجبة الكلّيّة تعارضها السالبة الجزئيّة وتناقضها، ولذا فالعقلاء يلاحظون خصوصيّات الدليلين كي يخرجوا بعلاج لهذا التعارض، كما هو شأنهم في غير العامّ والخاصّ، فهم يتردّدون بين النسخ أو التأويل في أحدهما، أو التخصيص، فإذا رأوا أنّ الأنسب هو الحمل على التخصيص اختاروه علاجاً للتعارض، فتتحدّد حجّيّة العامّ بما وراء حدود التخصيص، وهذا ما يعبّر عنه بالطوليّة في الحجّيّة(١٢).
وأمّا في مورد الحكومة فبيانه: أنَّ الحكومة لها معنيان رئيسان:
الأوّل: أن يكون أحد الدليلين ناظراً للدليل الآخر وشارحاً له على نحو المفسّريّة بـ(أي) التفسيريّة أو ما شاكلها، على نحوٍ لولا الدليل المحكوم لما كان للدليل الحاكم أثرٌ مهمّ، كما لو ورد في دليل: (لا يعيد المكلّف إذا شكّ في صلاته)، ثُمَّ يأتي دليل آخر يقول: (المقصود منها الشكّ بين الثلاث والأربع)، فهنا لا منافاة بين الدليلين.
الثاني: أن يكون أحد الدليلين رافعاً للدليل الآخر رفعاً تعبّديّاً بسببٍ من الشارع، بمعنى: أنّ الرفع وسببه إنّما كان من الشارع المقدّس، أي: بتعبّده.
وكون أحد الدليلين رافعاً للآخر يكون تارة بالتصرّف في عقد الوضع:
إمّا بتضييق دائرة الموضوع، كما لو قال المولى: (أكرم العلماء) وقال: (الفاسق ليس بعالم)، فمفاد الثاني إخراج الفاسق عن صفة العلم بتنزيل الفسق منزلة الجهل، وهذا تصرّف في عقد الوضع، فلا يبقى عموم لفظ (العلماء) شاملاً للفاسق بحسب هذا الادّعاء والتنزيل.
ومثاله في الشرعيّات: قوله g: (ليس بين الوالد وولده ربا)(١٣)، أو (ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه مَن خلفه)(١٤)، التي تنزِّل الربا والسهو في هذه الموارد منزلة العدم.
وبهذا يتّضح أنّ نتيجة الحكومة هاهنا عين نتيجة التخصيص، إلّا أنّ الأخير لا يخرج الخاصّ عن الموضوع تنزيلاً على وجهٍ لا يبقى معه ظهور ذاتيّ للعموم في الشمول، وإنّما يحافظ على بقاء صفة العالم للفاسق، ولكن يخرجه عن وجوب الإكرام إخراجاً حقيقيّاً.
وإمّا بتوسعة دائرة الموضوع، مثل ما لو قال عقيب الأمر بإكرام العلماء: (المتّقي عالم)، فإنّ هذا يكون حاكماً على الأوّل وليس فيه إخراج، بل هو تصرّف في عقد الوضع بتوسعة معنى العالم ادّعاءً إلى ما يشمل المتّقي تنزيلاً للتقوى منزلة العلم.
ومثاله في الشرعيّات: قوله g: (الطواف بالبيت صلاة)(١٥) المعطي للطواف الأحكام المناسبة التي تخصّ الصلاة من الطهارة في الثوب والبدن.
وتارة أخرى في عقد الحمل: مثل أدلّة (لا ضرر) و(لا حرج)، كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(١٦)، فإنّ هذه الأدلّة التي تفيد رفع الحكم في صورة ثبوت الحرج والضرر إنّما تكون ناظرة إلى تلك الأدلّة المطلقة الثابتة للأحكام بعناوينها الأوّليّة.
والحاصل: أنّه لا منافاة بين الدليل الحاكم والمحكوم، كما لا يخفى.
وأمّا في موردي التخصّص والورود فنقول:
الورود: عبارة عن أن يكون الدليل الوارد رافعاً للدليل المورود، على أن يكون الخروج وجدانيّاً، ولكنّه بسبب التعبّد الشرعيّ، أي: أنّ مستند الخروج أمر تعبّديّ، إلّا أنّ نفس الخروج أمر وجدانيّ.
والتخصّص: عبارة عن الخروج الموضوعيّ وجداناً، وسببه أمر وجدانيّ، مثل ما لو قال: (أكرم العلماء) فالجاهل بلا ريب خارج عن الموضوع خروجاً وجدانيّاً غير مشوب بالتعبّد، فليس بين الأمرين تنافٍ أصلاً.
فالورود في نفس الخروج عين معنى التخصّص، أمّا في مستند الخروج فيفترق عن التخصّص باحتياجه إلى دليلٍ شرعيّ يتعبّد به في الخروج.
ومن هنا تعرف أنّ الرفع في كلٍّ من الورود والتخصّص واحد، وهو الوجدان، ولكنّ سببه في التخصّص وجدانيّ أيضاً، وفي الورود تعبّديّ.
ومثاله: خبر الواحد؛ فإنّه إنّما تثبت له الحجّيّة كونه مفيداً للعلم بتعبّدٍ من الشارع، إذ ليس فيه كاشفيّة تامّة، بل كاشفيّته ناقصة لا يمكن العمل على مقتضاها، وعدم كونه مفيداً للعلم وجدانيّ؛ كون الظنّ خارجاً عن العلم تخصّصاً.
ومثاله الآخر: دليل الأمارة الوارد على أدلّة الأصول العقليّة، كالبراءة وقاعدتي الاحتياط، والتخيير، فإنّ البراءة العقليّة لمّا كان موضوعها عدم البيان الذي يحكم معه العقل بقبح العقاب، فالدليل الدالّ على حجّيّة الأمارة يعتبر الأمارة بياناً تعبّداً مع كونه ليس بياناً وجداناً، وبهذا التعبّد يرتفع موضوع البراءة العقليّة، وهو عدم البيان، وعليه: فدليل الأمارة لا تنافي بينه وبين أدلّة الأصول العقليّة، فلا تعارض.
لذلك كلّه صرّح بعض الأعلام(١٧) بأنّ من شروط التعارض عدم كون أحد الدليلين مزاحماً، أو مخصِّصاً للآخر، أو وارداً، أو حاكماً عليه، مضافاً إلى شروط أخرى:
منها: أن لا يكون أحد الدليلين أو كلٌّ منهما قطعيّاً؛ لأنّه لو كان أحدهما قطعيّاً عُلم منه كذب الآخر، وكون كلٍّ منهما قطعيّاً مستحيل في نفسه، كما لا يخفى.
ومنها: أن لا يكون الظنّ الفعليّ معتبراً في حجّيّتهما معاً؛ لاستحالة حصر الظنّ الفعليّ بالمتكاذبَين كاستحالة القطع بهما. نعم، يجوز أن يعتبر في أحدهما الظنّ الفعليّ دون الآخر.
ومنها: أن يكون كلٌّ من الدليلين المتعارضين واجداً لشرائط الحجّيّة، بمعنى: أنّ كلَّاً منهما لو خُلّي ونفسه ولم يحصل ما يعارضه لكان حجّةً يجب العمل بموجبه، وإن كان أحدهما لا على التعيين بمجرّد التعارض يسقط عن الحجّيّة بالفعل.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّه ـ على المشهور(١٨) ـ لو لم يمكن الجمع بين المتعارضَين فحينئذٍ تصل النوبة إلى إجراء قواعد التعارض من التساقط، أو التخيير، وقد اختلفوا في القاعدة الأوّليّة في المتعارضين على ثلاثة أقوال:
الأوّل: التساقط المطلق، وهو ما ذهب إليه المشهور(١٩).
الثاني: بقاء الحجّيّة في الجملة في تمام موارد التعارض، فيلتجأ إلى التخيير في الأخذ بأحدهما وطرح الآخر، وهو ما ذهب إليه المحقّق النائينيّ S في فوائد الأصول(٢٠).
الثالث: ما نسب إلى المحقّق العراقيّ S من التفصيل(٢١) بين ما إذا كان التعارض ذاتيّاً، بأن يكون الخبران متنافيين بحسب مدلولهما فيحكم فيه بالتساقط المطلق، وبين ما إذا كان التعارض عرضيّاً، بأن لم يكن تنافٍ بين مدلولي الخبرين، بل يمكن صدقهما معاً، لكنّه عُلم بكذب أحد الراويين المستلزم لدلالة كلٍّ منهما بالملازمة على كذب الآخر، فيحكم فيه بالحجّيّة وتنجيز مدلولهما على المكلّف(٢٢).
المقام الثاني: في أنحاء الجمع
ذكرنا أنّه قبل الوصول إلى مرحلة إجراء قواعد التعارض لا بُدَّ لنا:
إمّا من محاولة الجمع بين الدليلين المتعارضين ـ إمّا لبناء العقلاء، أو لسيرة العلماء، أو لتسالمهم على أنّ الجمع أولى من الطرح(٢٣) ـ، أو ترجيح أحد المتعارضين بعد فرض حجّيّتهما معاً في أنفسهما(٢٤)، ويعبّر عن التعارض ـ حينئذٍ ـ بـ(التعارض غير المستقرّ).
وإمّا اللجوء إلى قواعد التعارض وهو يكون عند عدم إمكان الجمع، وهو ما يعبّر عنه بـ(التعارض المستقرّ)، لذلك لا بُدَّ أوّلاً من بيان معاني الجمع، ومعرفة ما هو المعنى المتّبع منها في مثل هذه الحالات، وما هي حدوده، ثُمَّ الحديث عن أقسام المرجّحات وطرق الترجيح وصوره.
فنقول: إنّ الجمع في موارد اختلاف الطرق والأمارات على نحوين:
الأوّل: الجمع الدلاليّ: وهو استكشاف مراد المتكلّم في مقام الثبوت من كلماته الصادرة عنه المختلفة ظاهراً.
الثاني: الجمع العمليّ: وهو العمل بالدليلين المتعارضين ولو بالتبعيض في مدلولهما، مع الإغماض عن التصرّف في دلالتهما.
مثلاً: إذا قال: (أكرم العلماء) وقال أيضاً: (لا تكرم العلماء)، فتارة يقال: المراد بالعلماء في الأوّل العدول، وفي الثاني الفسّاق، ويبني عمله على ذلك.
وأخرى يقال: المراد بالعلماء وإن كان هو الجميع في الخبرين، إلّا أنّه في مقام العمل يؤخذ بالبعض في كلٍّ من الحكمين، فالأوّل جمع دلاليّ، والثاني عمليّ، كما لو قامت بيّنة على أنّ هذه الدار لزيد، وقامت بيّنة أخرى مساوية لها عدداً وعدالةً أنّها لعمرو، فيتعيّن الأخذ بكلّ واحد منها في نصف مدلوله، فيعطى نصف الدار لزيد ونصفه الآخر لعمرو.
وبهذا يظهر أنّ مورد الجمع العمليّ فيما إذا كان المتعلّق في كليهما أو أحدهما عامّاً ذا أفراد، أو مركّباً ذا أجزاء، فلا يجري في البسيط كالحرمة والحلّيّة والزوجيّة والحرّيّة ونحوها؛ إذ التبعيض من حيث الزمان لا دخل له بالجمع العمليّ، بمعنى أنّه معلوم العدم؛ بأن يحكم بالحرمة في يوم، وبالحلّيّة في آخر، عملاً بالخبرين الدالّ أحدهما على إحداهما، والآخر على الأخرى.
ومن ذلك يظهر بيان الجمعين مفهوماً ومصداقاً؛ لاختلاف المناط والملاك فيهما؛ إذ العمل اللازم للتصرّف في الدلالة ليس من الجمع العمليّ ـ كما عرفت ـ حتّى يكون مصداقاً لهما. نعم، بينهما ـ بحسب المورد ـ عموم من وجه، بمعنى أنّ في بعض الموارد يمكن الجمع الدلاليّ دون العمليّ، وفي بعضها عكس ذلك، وفي بعضها يمكن كلٌّ منهما.
فمورد الاجتماع المثال المتقدّم، ومورد افتراق الأوّل ما إذا دلّ أحد الخبرين على العشر في الرضاع، والآخر على عدمه واعتبار خمس عشرة رضعة، فإنّه لا يمكن الجمع العمليّ؛ إذ الحرمة ليست قابلة للتبعيض إلّا بحسب الزمان، وهو معلوم العدم. ومورد افتراق الثاني تعارض النصّين والأصلين حيث لا يمكن التصرّف في دلالتهما، ويمكن الجمع العمليّ بينهما إذا كان المتعلّق فيهما أو في أحدهما قابلاً للتبعيض.
والحاصل: أنّ الجمع العمليّ على نوعين:
١. أن يُعمل بكلا الدليلين المتعارضين احتياطاً.
٢. أن يُعمل بمضمون كلٍّ من الطريقين المتعارضين في بعض مدلوله، كما في تعارض البيّنتين في ملكيّة الدار مثلاً، فإنّه لا يتصرّف في لفظ البيّنتين، بل يعمل بهما ويحكم بتنصيف الدار.
وأضاف بعضهم نوعاً ثالثاً من الجمع العمليّ، وهو تبعيض العمل بمدلول أحد الخبرين مع العمل بتمام مدلول الخبر الآخر، ومثّل له بالمطلق والمقيّد، حيث يُعمل بتمام مدلول المقيّد، وببعض مدلول المطلق وهو المقدار الذي لا يتنافى مع المقيّد(٢٥).
وفيه نظر؛ لأنّ معه سينتفي الفرق بين الجمع العمليّ والدلاليّ، خصوصاً على تفسير الدلاليّ بما يتناسب مع الضوابط العرفيّة، وأنّ الدليل عليه هو بناء العقلاء، إلّا أن يدّعى أنّه من موارد اجتماع الجمعين كما في مثال (أكرم العلماء) و(لا تكرم العلماء)، فتأمّل.
والمراد بالجمع في المقام: الجمع الدلاليّ دون العمليّ، فمع عدم إمكان الأوّل يرجع إلى سائر قواعد التعارض من التخيير والترجيح ونحو ذلك وإن أمكن الجمع العمليّ؛ وذلك لأنّ محلّ كلامهم تعارض أدلّة الأحكام، والجمع العمليّ فيها خلاف الإجماع كما هو مقرّر في محلّه.
مضافاً إلى أنّ غرضهم من الجمع أنّه إذا أمكن رفع التنافي بين الخبرين بحيث يخرجان عن التعارض وجب ذلك، ويكون مقدّماً على التخيير والترجيح، والجمع العمليّ ليس دافعاً للتنافي كما هو واضح، فلا ينبغي التأمّل في أنّ مرادهم من الجمع خصوص الجمع الدلاليّ لا العمليّ، ولا الأعمّ منهما.
هذا مضافاً إلى أنّ ظاهر أدلّتهم أيضاً ذلك، كما لا يخفى.
ولمعرفة ما هو الصحيح من أنحاء الجمع الدلاليّ المتّبع في علاج التعارض بين دليلين أو أكثر، نقول: إنّ للجمع الدلاليّ نحوين رئيسين، على الرغم من أنّه يمكن أن تكون له أنحاء ومحتملات تختلف بحسب الأدلّة التي استُدلّ بها له:
الأوّل: الجمع العرفيّ: وهو مبنيّ على أنّ الدليل على جواز الجمع هو:
إمّا بناء العقلاء، بمعنى أنّه لو صدرت أقوال مختلفة من متكلّم واحد أو من أفراد متعدّدين لهم حكم المتكلّم الواحد ـ كالأئمّة i ـ، بأن يكون أحدها عامّاً والآخر خاصّاً، أو أحدها مطلقاً والآخر مقيّداً، أو ظاهراً وأظهر، فإنّ العقلاء في مرحلة استكشاف مراد المتكلّم يبنون على حمل العامّ على الخاصّ، والمطلق على المقيّد، والظاهر على الأظهر.
فعلى هذا يكون المراد من الجمع العرفيّ: أن يكون هذا الجمع في مستوى فهم عموم العرف، ولا يعتمد على خبرة خاصّة للشخص، بحيث لو عرض هذان الكلامان على عموم الناس لما بقي العرف متحيّراً، بل إنّهم يلجؤون لهذا الجمع.
وإمّا السيرة التي تفترق عن بناء العقلاء بأنّها تعبّر عن عمل طائفة خاصّة تابعة لمنهج خاصّ، فتكشف عن رأي رئيسهم ومتبوعهم، والحكم المستكشف بها حكم تأسيسيّ، وأنّها تكشف عن عدم الردع عنها بالشروط المذكورة لها، التي منها الاتّصال بزمان المعصوم g. في حين يقوم بناء العقلاء على أمر عامّ، يحتاج في حجّيّته لإحراز عدم ردع الشارع عنه، فيكون الحكم المستكشف منه حكماً إمضائيّاً، فيختلفان في كلٍّ من الكاشف والمنكشف.
وممّن استدلّ على التوفيق في مثل الخاصّ والعامّ، والمقيّد والمطلق بالسيرة القطعيّة من لدن زمان الأئمّة i، وأنّها كاشفة إجمالاً عمّا يوجب تخصيص أخبار العلاج بغير موارد التوفيق العرفيّ لولا دعوى اختصاصها به، صاحب الكفاية(٢٦).
واعترض عليه المحقّق الحائريّ S بقوله: (ودعوى السيرة القطعيّة على التوفيق بين الخاصّ والعامّ، والمطلق والمقيّد، من لدن زمان الأئمّة i، وعدم رجوع أحد من العلماء إلى المرجّحات الأُخر يمكن منعها، كيف! ولو كانت لما خفيت على مثل شيخ الطائفة S، فلا يظنّ بالسيرة فضلاً عن القطع بعد ذهاب مثله إلى العمل بالمرجّحات في تعارض النصّ والظاهر، كما يظهر من العبارة المحكيّة عنه في الاستبصار والعدّة)(٢٧).
وقد قرّب بعض أعاظم العصر l السيرة التي ادّعاها صاحب الكفاية ببعض ما يمكن أن يكون شاهداً على هذه السيرة، مثل ما جاء من هذه الجموع في اعتقادات الصدوق، والكافي، والفقيه، والتهذيبين، ثُمَّ ناقش تلك الشواهد، كما ناقش وجود السيرة على الجمع العرفيّ عند الأصحاب والعلماء السابقين في مجال الروايات المتعارضة، وهو ما اعتبره توضيحاً لاعتراض المحقّق الحائريّ المتقدّم(٢٨).
الثاني: الجمع التبرّعيّ(٢٩): وهو مبنيّ على أنّ الدليل على الجمع هو قاعدة (الجمع مهما أمكن أولى من الطرح)، التي ادّعى ابن أبي جمهور الإجماع عليها(٣٠)، فهو نوع من التأويل والتوسعة لدائرة الجمع إلى أقصى ما يمكن.
وهو ما يمكن أن تُحمل عليه عبارة الشيخ في مقدّمة التهذيب، حيث قال: (ومهما تمكّنتُ من تأويل بعض الأحاديث من غير أن أطعن في أسنادها فلا أتعدّى وأجتهد أن أروي في معنى ما أتأوّل الحديث عليه حديث آخر يتضمّن ذلك المعنى)(٣١).
ورفض بعض أعاظم العصر lأن يكون أيّ نحو من هذه الأنحاء الثلاثة هو النحو الصحيح من أنحاء الجمع الدلاليّ، وهو الصحيح.
أمّا الجمع العرفيّ العقلائيّ فرفضهُ؛ لأنّه إذا كان المراد أنّ هذه الجموع التي نقوم بها بين الروايات والأقوال المختلفة للأئمّة i هي جموع عرفيّة عقلائيّة عامّة كأقوال سائر الناس، كما هو الحال في المخصّصات المنفصلة الواردة قبل وقت العمل بالعامّ، حيث يكون الجمع فيها عرفيّاً عقلائيّاً يتفهّمه ويتعقّله عامّة أبناء العرف والعقلاء، فهذا الرأي ممّا تدلّ الشواهد على خلافه(٣٢).
ومن هذه الشواهد: أنّه لم يثبت بالاستقراء بناء العقلاء على الجمع فيما لو لزم من الاعتماد على القرينة المنفصلة محذور تأخير البيان عن وقت الحاجة، ففي مثل هذه الموارد يحمل العقلاء القول الثاني على النسخ فيما لو كان المتكلّم ممّن يمكن في حقّه تبدّل الرأي وتغيّره، وإلّا فإنّهم يحكمون بالتعارض بين كلاميه، والروايات التي هي محلّ الابتلاء هي في الغالب من هذا القبيل.
ومنها: وقوع الحيرة والاضطراب والتشكيك العقائديّ، وهو ما صرّح به الشيخ في مقدّمة التهذيب(٣٣)، والكلينيّ في مقدّمة الكافي(٣٤)، فلو كانت مثل هذه الجموع الشائعة عند المتأخّرين جموعاً عرفيّةً واضحة عند العقلاء، لم يكن هناك أيّ موجب لمثل هذه الحيرة والاضطراب، ولزال التعارض بين كثير من الروايات.
وأمّا الجمع العرفيّ المبنيّ على السيرة فناقشهُ بتوقّف هذا النحو من الجمع على استقراء سيرة العلماء، وهو غير ثابت، وبعدم استقلاليّة السيرة؛ إذ لا بُدَّ أن تستند السيرة إلى دليل، وهذا الدليل إمّا هو بناء العقلاء، وإمّا الروايات، فيكون الدليل هما وليس السيرة(٣٥).
وأمّا الجمع التبرّعيّ ـ فمضافاً إلى كون كبرى سقوطه عن الحجّيّة مسلّمة عند الأكثر؛ لعدم استناده إلى الظهورات العرفيّة التي هي موضوع أدلّة الحجّيّة ـ فإنّه لا دليل عليه إلّا الإجماع الذي ادّعاه ابن أبي جمهور، ولا يبعد أن يريد من الإجماع: إجماع من تأخّر عن الشيخ؛ لأنّ الشيخ كان مُتَّبعاً لدى العلماء لفترة طويلة في فتاواه وآرائه، وإن كان قد نبّه في مقدّمة التهذيب على أنّ هذه الجموع التي يذكرها في كتابه ليست واجبة، وإنّما ذكرها لأنّها توجب أنس الأذهان بالأحاديث(٣٦).
لذلك كلّه ذهب F إلى نحوٍ آخر من الجمع الدلاليّ أسماه بـ(الجمع الاستنباطيّ) الذي يعتمد على فقاهة المستنبِط؛ بأن يلاحظ الكلمات المختلفة الصادرة من متكلّم واحد أو متكلّمين في حكم المتكلّم الواحد ممّن يتصدّى لزعامة اجتماعيّة أو دينيّة، بحيث لا يمكن لكلّ أحد من أبناء العرف القيام بمثل هذا الجمع وتفهّمه، وإنّما تختصّ معرفته بالمتخصّصين في معرفة كلام الأئمّة i ممّن يعرفون قواعد الإعلام والنشر، ومواقعه وأساليبه، وقوانين الكتمان عندهم i، وملاحظة الأوضاع، والأجواء، والمخاطبين، والمعاصرين للكلام، ومستوى الكلام وخصوصيّاته، ونوع الحكم من كونه ولائيّاً أو غيره.
فهؤلاء العارفون المتخصّصون هم من يحقّ لهم الجمع بين أقوال الأئمّة i، ولا علاقة لهذا النحو من الجمع بقيام سيرة العلماء على مثله.
والدليل على هذا النحو من الجمع هو أيضاً بناء العقلاء، ولكن لا على مستوى عامّة الناس، بل على مستوى الخاصّة، أي: على مستوى ذلك المتكلّم الذي يعلم مسبقاً بأنّه يتكلّم الكلام المختلف بحسب دواعي النشر والكتمان، ويحثّ على التعرّف على مقاصده وأساليبه وقواعده الخاصّة بحسب مكانته الاجتماعيّة، أو الدينيّة، لذلك لا تناط صحّة هذا الجمع بتقبّل العرف وفهمه، إلّا بعد تعرّفه على قواعد النشر والكتمان وموازينه(٣٧).
المقام الثالث: في أقسام المرجّحات
وللمرجّحات تقسيمات متعدّدة:
منها: تقسيمها إلى مرجّحات منصوصة، وغير منصوصة:
أمّا المرجّحات المنصوص عليها(٣٨) في الروايات فقد اختلف في عددها، والصحيح أنّها خمسة وإن كانت الروايات الدالّة عليها عبارة عن أربعة أصناف؛ وذلك لوحدة روايات الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة، وهذه المرجّحات الخمس هي: الترجيح بموافقة الكتاب، والترجيح بمخالفة العامّة ـ على خلاف في المراد من العامّة، وهل هو مخالفتها لحكّام العامّة وقضاتهم، أو مخالفتها لروايات العامّة ـ، والترجيح بالأحدث زماناً، والترجيح بصفات الراوي مثل أعدليّته وأفقهيّته وأصدقيّته وأورعيّته، والترجيح باشتهار الرواية شهرة فتوائيّة أو روائيّة على خلاف بينهم.
وأمّا المرجّحات غير المنصوصة فهي كثيرة، لكنّ أهمّ ما ذكر منها في كتب الأعلام: كثرة رواة أحد الخبرين بناءً على أنّ المراد بالشهرة في الأخبار هي الروائيّة، وأضبطيّة الرواة، وعلوّ الإسناد، وترجيح النقل باللفظ على النقل بالمعنى إذا لم يكن الناقل للفظ معروفاً بالضبط والمعرفة، وتأكّد دلالة أحد الخبرين بالقَسَم، وكون أحدهما بلفظ فصيح والآخر بركيك، وكون أحدهما بلفظ حقيقيّ والآخر بمجازيّ، وموافقة الرواية أو مخالفتها للأصل على خلاف في ذلك، وموافقة شهرة القدماء، وقيل: موافقة شهرة المتأخّرين بناءً على إرادة الشهرة الفتوائيّة في أخبار الترجيح، وترجيح الشيعة الإماميّة على باقي فرق الشيعة، وموافقة الرواية لحكم العقل أو التجربة، وأعلميّة الراوي، وترجيح الخبر المرويّ سماعاً على المرويّ إجازةً، وترجيح الخبر المتضمّن للزيادة، وترجيح الخبر المرويّ بالمشافهة على المرويّ بالمكاتبة، والترجيح بشهرة الراوي، وترجيح الأعلم بالعربيّة، وترجيح رواية صاحب الواقعة، وترجيح رواية من هو أكثر مجالسة للعلماء، وتقديم رواية من عُلمت عدالته بالاختبار على المزكّى، وتقديم رواية الراوي الجازم على الظانّ، وترجيح رواية المشهور بالرئاسة، ومرجوحيّة رواية من يلتبس اسمه باسم بعض الضعفاء، وترجيح رواية المتحمّل وقت البلوغ على المتحمّل وقت الصبا، وتقديم الرواية المتضمّنة لذكر السبب الموجب لصدور الرواية، ورواية المدنيّ أرجح من المكّيّ، والرواية المعلّلة أولى، والرواية التي فيها تهديد أولى، وترجيح الراوي الأقرب إلى المرويّ عنه.
ومنها: تقسيمها إلى مرجّحات دلاليّة، وغير دلاليّة:
وغير الدلاليّة تقسّم إلى داخليّة: وهي كلّ مزيّة غير مستقلّة في نفسها، بل متقوّمة بما في الدليل، وهي على ثلاثة أقسام باعتبار رجوعها إمّا إلى الصدور ـ سواء كان راجعاً إلى السند كصفات الراوي، أو إلى المتن كالأفصحيّة ـ، وإمّا إلى وجه الصدور ككون أحدهما مخالفاً للعامّة(٣٩)، وإمّا إلى المضمون كترجيح مضمون المنقول باللفظ على المنقول بالمعنى، وترجيح الخبر الموافق للشهرة على غير الموافق لها.
ومرجّحات خارجيّة: وهي أمر مستقلّ بنفسه ولو لم يكن هناك خبرٌ، سواء كان معتبراً كالأصل والكتاب، أو غير معتبر في نفسه كالشهرة على قولٍ.
والمستقلّ: إمّا أن يكون مؤثّراً في أقربيّة أحد الخبرين إلى الواقع كالكتاب، والأصل بناءً على إفادته الظنّ، أو غير مؤثّر ككون الحرمة أولى بالأخذ من الوجوب، والأصل بناءً على كونه من باب التعبّد الظاهريّ.
وذهب الشيخ الأعظم S إلى أنّ جعل المستقلّ مطلقاً ـ خصوصاً ما يؤثّر في أقربيّة الخبر ـ من المرجّحات لا يخلو عن مسامحة(٤٠).
والمرجّحات الدلاليّة ـ المعبّر عنها بالترجيح بحسب قوّة الدلالة ـ لها صورتان رئيستان:
الصورة الأولى: ترجيح النصّ على الظاهر.
وقد ذهب الشيخ الأعظم S إلى أنّه خارج عن مسألة الترجيح بحسب الدلالة؛ لأنّ الظاهر لا يعارض النصّ حتّى يرجّح النصّ عليه. نعم، النصّ الظنّيّ السند يعارض دليل سنده دليل حجّيّة الظهور(٤١).
وعدّ صاحب الكفاية S تقدّم العامّ المخصَّص على العامّ المعارض له منه؛ لكونه كالنصّ في الباقي بعد التخصيص(٤٢)، وهو ما يمكن أن يستفاد بالتأمّل في مجموع كلمات الشيخ الأعظم S.
الصورة الثانية: ترجيح الأظهر على الظاهر.
والأظهريّة أيضاً لها عدّة صور، منها:
١. أن تكون بملاحظة خصوص المتعارضين من جهة القرائن الشخصيّة، وهذا لا يدخل تحت ضابطة(٤٣).
الأولى: تقديم الخاصّ على العامّ بناءً على كونه من قبيل تقديم الأظهر على الظاهر.
الثانية: تقديم التخصيص على النسخ، المعلّل بشيوع التخصيص وندرة النسخ، ومورده فيما إذا كان هناك دليلان بينهما نسبة العموم والخصوص المطلق.
والمراد بالنسخ في المقام: إنشاء حكم جديد في حصّة خاصّة بعد أن كانت محكومة بحكم العامّ واقعاً قبل صدور الخاصّ، كما لو قيل أوّلاً: (أكرم كلّ عالم)، وبعد تحقّق إكرام العلماء خارجاً ـ الفسّاق والعدول ـ قال: (لا تكرم العالم الفاسق)، فيلتزم في مثله بتغيّر حكم العامّ في الحصّة إلى جعل حكم آخر لها؛ لتغيّر المصالح والمفاسد، فيحرم إكرام العالم الفاسق.
والمراد بالتخصيص: الالتزام بأنّ حكم العامّ منذ صدوره لم يكن شاملاً لحصّة الخاصّ، فيكتشف منه كون مقام الإثبات بالنسبة إلى الحكم العامّ أوسع من مقام الثبوت، وأنّ الإرادة الاستعماليّة غير مطابقة للإرادة الجدّيّة في العامّ، فالأخيرة في مقام الثبوت أضيق من الأولى في مقام الإثبات.
ولا بُدَّ من تقييد هذه الصورة بصدور الثاني منهما بعد وقت العمل بالأوّل(٤٤)؛ لأنّه لو كان قبله لم يحتمل النسخ؛ لقُبح النسخ قبل وقت العمل، فتعيّن النسخ مشروط بورود الخاصّ بعد حضور وقت العمل بالعامّ أو بالعكس، إلّا إذا كان هناك دليل على امتناعه، كغلبة هذا النحو من التخصيصات، وهو كون تكليف المخاطبين بالعامّ ظاهراً في العمل بالعموم المراد به الخصوص واقعاً في صورة تقدّم العامّ على الخاصّ، وبالعكس في حالة تقدّم الخاصّ على العامّ، ونحو ذلك.
ومحلّ الابتلاء هو ما لو صدر العامّ عن النبيّ e أو أحد الأئمّة المتقدّمين كالإمام الباقر g، ثُمَّ بعد وقت العمل بالعامّ صدر الخاصّ عن أحد الأئمّة المتأخّرين كالإمام الرضا g مثلاً، أو بالعكس بأن يصدر العامّ بعد وقت العمل بالخاصّ(٤٥).
والمتتبّع لأقوال الأعلام في المسألة يجد اتّفاقهم على أنّ الحمل على النسخ غير صحيح في نظرهم مطلقاً، فيتعيّن التخصيص؛ للانحصار بينهما، إلّا على رأي بعض أعاظم العصر l المُبرز لاحتمال ثالث في المسألة، وهو احتمال الحكم الولائيّ الذي ليس بنسخ ولا تخصيص، بل هو من قبيل عروض عنوان آخر؛ إذ ليس كلّ حكم مغيّر للحكم السابق يسمّى ناسخاً.
وعليه فالتخصيص ـ إن تمّ ـ ففي بعض الموارد فقط، وإبراز هذا الاحتمال نافع أيضاً في ظهور ثمرة عمليّة لهذه الصورة، حيث قال: (ومع ذلك فلا يدور الأمر بين النسخ والتخصيص، بل يبرز احتمال ثالث، وهو احتمال الحكم الولائيّ، حيث إنّ الأئمّة i بما أنّهم ساسة الأمم، وولاة الأمر، وتجب طاعتهم، فتكون لهم الولاية على جعل الحكم بحسب المصالح والمفاسد المتغيّرة، وإلزام المكلّفين بها، ولا يُسمّى هذا الحكم نسخاً، لأنّه لا ينافي الحكم السابق؛ إذ هو من قبيل العناوين الثانويّة، فكما يمكن للإنسان أن يُلزم نفسه بعمل ـ بنذر أو بشرط أو يمين أو بيع أو شراء أو غيره، فلا يقال: إنّه قد نسخت الإباحة مثلاً ـ فكذا الأئمّة i الذين هم أولى بنا من أنفسنا، فلهم حقّ التشريع والإلزام في حدود منطقة الفراغ، ولكنّ هذا التشريع الخاصّ يعتبر فيه ألّا يكون موجباً لتحليل الحرام أو تحريم الحلال)(٤٦).
وبذلك يندفع ما أفاده السيّد الخوئيّ S من عدم ترتّب ثمرة عمليّة على هذا البحث بالنسبة إلينا(٤٧)؛ لأنّنا لم ندرك ولم نعش الفترة المتوسّطة الممتدّة بين العامّ والخاصّ، وإنّما وُجدنا بعد صدورهما، فسواء كان الخاصّ مخصّصاً للعامّ أو ناسخاً له أو بالعكس، فإنّه ينبغي علينا العمل بالخاصّ، فلا أثر لدوران الأمر بينهما.
الثالثة: تقديم ظهور الكلام في استمرار الحكم على النسخ، عند دوران الأمر بين النسخ وارتكاب خلاف الظاهر، والمعروف ترجيح الكلّ على النسخ؛ لغلبتها بالنسبة إليه(٤٨).
وقد استُدلّ على ذلك بدليلين:
الأوّل: التمسّك باستصحاب عدم النسخ في المقام.
وأُجيب عنه: بأنّ الكلام في قوّة أحد الظاهرين وضعف الآخر، فلا وجه لملاحظة الأصول العمليّة في المقام، مع أنّا إذا فرضنا عامّاً متقدّماً وخاصّاً متأخّراً، فالشكّ ـ حينئذٍ ـ في أنَّ المتقدِّمين على زمان الخاصّ مكلّفون بالعامّ أو لا؟ وهو ليس مجرى للاستصحاب؛ إذ أنَّ استصحاب عدم النسخ عند الشكّ في التكليف لا معنى له، فيبقى ظهور الكلام في عدم النسخ معارضاً بظهوره في العموم(٤٩).
الثاني: قولهم i: (حلال محمّد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة)(٥٠).
وأجيب عنه: بأنّه مسوق لبيان استمرار أحكام النبيّ e نوعاً إلى يوم القيامة في مقابل نسخها بدين آخر، لا بيان استمرار أحكامه الشخصيّة، إلّا ما خرج بالدليل(٥١).
الرابعة: تقديم الإطلاق الشموليّ على الإطلاق البدليّ فيما إذا كان بين الدليلين عموم من وجه ـ كما ذهب إليه المحقّق العراقيّ(٥٢)، وقوّاه المحقّق النائينيّ(٥٣) ـ، أو يتساقط كلا الإطلاقين كما ذهب إليه صاحب الكفاية(٥٤).
مثاله: (لا تكرم الفاسق) و(أكرم العلماء)، فعلى القول الأوّل يدخل المجمع ـ وهو العالم الفاسق ـ في الإطلاق الشموليّ فلا يُكرم، ويُقيّد الإطلاق البدليّ بغير المجمع، فيجب إكرام العالم العادل، وعلى القول الثاني يحكم بتساقطهما.
إلّا أنّ بعض أعاظم العصر lمنع من دوران الأمر في هذه الصورة بين الإطلاق البدليّ والإطلاق الشموليّ كي يُبحث عن تقديم أيٍّ منهما على الآخر، وإنّما التعارض بين الإطلاق المقاميّ الدالّ على شمول الجواز التكليفيّ لكلّ حصّة حصّة، والإطلاق الشموليّ اللفظيّ الدالّ على حرمة بعض الحصص، فالتقديم على ضوء ذلك لا يبتني على ما ذكره المحقّق النائينيّ S؛ لأنّه يتوقّف على كون الجواز التكليفيّ مقوّماً للإطلاق، وكون الإطلاق الإثباتيّ متوقّفاً على الإطلاق الثبوتيّ، وإنّما يبتني على أمور أخرى كالعناوين الثانويّة، أو حمل الجواز على الجواز اللااقتضائيّ، أو قوّة الظهور إذا لم يعارض بها في الطرف الآخر، فالبحث على الرأي المختار يختلف موضوعاً ومحمولاً(٥٥).
الخامسة: ترجيح العموم على الإطلاق فيما لو كان هناك دليلان بينهما العموم من وجه، وكلٌّ منهما يشتمل على حكم ينافي حكم الآخر، ودلالة أحدهما بالعموم مثل: (أكرم كلّ عالم) والآخر بالإطلاق مثل: (لا تكرم الفاسق) فيتعارضان في العالم الفاسق(٥٦).
وقد عبّر الشيخ الأعظم S عن هذه الصورة بـ(تعارض الإطلاق والعموم، فيتعارض تقييد المطلق وتخصيص العامّ).
ولا يخفى أنّ التعبيرين ـ وإن اختلفا ـ إلّا أنّ النتيجة واحدة؛ إذ إنّ نتيجة ترجيح التقييد على التخصيص هو ترجيح العموم على الإطلاق؛ لأنّ الحكم بالإطلاق من حيث عدم البيان، والعامّ بيان، فعدم البيان للتقييد جزء من مقتضي الإطلاق، والبيان للتخصيص مانع عن اقتضاء العامّ للعموم، فإذا دفعنا المانع عن العموم بالأصل، والمفروض وجود المقتضي له، ثبت بيان التقييد وارتفع المقتضي للإطلاق.
لذلك قال الشيخ الأعظم S: (ولا إشكال في ترجيح التقييد)(٥٧)، وهو ما قوّاه المحقّق النائينيّ S(٥٨). وذهب صاحب الكفاية S إلى عدم ترجيح العموم(٥٩)، وقوّاه المحقّق العراقيّ S(٦٠).
وقد اعتمد الشيخ الأعظم S فيما ذهب إليه على ما حقّقه سلطان العلماء S من أنّ أسماء الأجناس إنّما وضعت للماهيّة المهملة، وأمّا اللابشرطيّة ـ أي الإطلاق ـ فهي حيثيّة خارجة عن حدود الموضوع لاسم الجنس، وإنّما تستفاد اللابشرطيّة من الأداة الموضوعة للعموم، فدلالة العامّ على الشمول وضعيّة تنجيزيّة، وأمّا دلالة الإطلاق على اللابشرطيّة والشمول فبمقدّمات الحكمة، ومن هذه المقدّمات عدم وجود البيان، فدلالته تعليقيّة؛ لكونها معلّقة على عدم البيان على التقييد، وبما أنّ العامّ يصلح أن يكون بياناً على عدم توفّر اللابشرطيّة في المطلق، فيكون المجمع محكوماً بحكم العامّ دون حكم المطلق.
أمّا صاحب الكفاية S فيرى أنّه لا فرق بين ظهور المطلق وظهور العامّ، إذ إنّ كلا الظهورين تنجيزيّ؛ لأنّ المطلق إنّما يناط ظهوره بالشمول بعدم خصوص البيان المتّصل، فالبيان المنفصل ليس له تأثير في ظهور المطلق؛ لأنّ عدم البيان ـ الذي هو من مقدّمات الحكمة ـ إنّما هو عدم البيان المتّصل لا عدم البيان إلى الأبد، فالبيان المنفصل في غير مقام التخاطب لا ينفي ظهور المطلق، وعليه يكون ظهور المطلق تنجيزيّاً كظهور العامّ، فيتعارض هذان الظهوران التنجيزيان، ولا بُدَّ في تشخيص أظهريّة أحدهما من الآخر من ملاحظة خصوصيات الكلام(٦١).
لكنّ بعض أعاظم العصر l رفض فكرة ابتناء النزاع على كون ظهور المطلق تعليقيّاً وظهور العامّ تنجيزيّاً؛ لأنَّ هذا الابتناء ممّا لا يكاد يخفى فساده؛ وذلك (لأنَّ ظهور اللفظ ليس قابلاً للتعليق، فإنّ الظهور إنّما ينعقد بملاحظة ذات الكلام، والشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه، وعلى ضوء ما ذكرناه فإنّ البيان المنفصل إنّما يمنع من حجّيّة هذا الظهور، دون أن يمنع من أصل انعقاده)(٦٢).
لذلك ذهب F إلى أنّ رأي الشيخ ومن تبعه مبتنٍ على القول بأنّ انكشاف الإطلاق بحكم العقل، ورأي صاحب الكفاية ومن تبعه مبتنٍ على أنّ انكشافه بالظهور اللفظيّ، ولذلك اختار التفصيل على ضوء اختلاف مستويات الكلامين المتعارضين في صدورهما، فقد يكون مستوى أحدهما التعليم والآخر في مستوى الفتوى، وقد يكون كلاهما في مستوى التعليم، أو كلاهما في مستوى الإفتاء، والحكم في كلّ مستوى يختلف عن الآخر(٦٣).
هذا كلّه بناءً على كونه حقيقة.
وأمّا على القول بكونه مجازاً فالمعروف في وجه تقديم التقييد كونه أغلب من التخصيص، وقد تأمّل فيه الشيخ بأنّ الكلام في التقييد بالمنفصل، وكونه أغلب غير مسلّم. نعم، دلالة ألفاظ العموم أقوى من دلالة المطلق ولو قلنا إنّها بالوضع(٦٤).
السادسة: تقديم التخصيص على غير التقييد من الظواهر عند تعارض العموم مع غير الإطلاق من الظواهر، معلّلاً بغلبته وشيوعه.
وقد تأمّل الشيخ الأعظم S في بعض تطبيقات هذه الصورة، كما هو الحال في ظهور صيغة الأمر في الوجوب؛ فإنّ استعمالها في الاستحباب شائع أيضاً، بل قال صاحب هداية المسترشدين(٦٥) بكونه مجازاً مشهوراً، ولم يقل ذلك في العامّ المخصّص، وهو ما تأمّل فيه الشيخ أيضاً(٦٦).
٣. أن تكون بملاحظة الصنفين المتعارضين المندرجين تحت نوع واحد:
ومثّلوا له بتقديم المجاز الشائع على غيره، كحمل الأمر المصروف عن الوجوب على الاستحباب دون الإباحة.
٤. أن تكون بملاحظة الأفراد، فيقدّم بعض أفراد التخصيص على بعض، وذكروا له صوراً..
منها: الترجيح بقوّة عموم أحد الفردين على الآخر، وأقوائيّة العامّ إمّا بنفسه كتقديم الجمع المحلّى باللام على المفرد المعرّف، ونحو ذلك.
وإمّا بملاحظة المقام، فإنّ العامّ المسوق لبيان الضابط أقوى من غيره، ونحو ذلك.
ومنها: الترجيح بقرب أحد المخصّصين وبُعد الآخر، ومثّلوا له بترجيح الأقلّ أفراداً على غيره، مثل تقديمهم عموم (يجوز أكل كلّ رمّان) على عموم النهي عن أكل الحامض؛ لأنّه أقلّ أفراداً فيكون أشبه بالنصّ.
المقام الرابع: في القسمة الأوَّليّة للتعارض وكيفيّة العلاج
إنَّ التعارض على قسمين:
القسم الأوَّل: ما يقع بين دليلين لا غير.
والمتعيّن في هذا القسم كون النسبة بين الدليلين واحدة، بخلاف القسم الثاني الآتي الذي يحتمل فيه أن تكون النسبة بين الأدلّة واحدة أو أكثر.
وقبل بيان صور التعارض في هذا القسم لا بُدَّ من بيان الغرض من ملاحظة النسبة بين الأدلّة المتعارضة، وهو أحد أمرين:
الأوّل: تحديد موضع التعارض، وتشخيص محلّ الظهورات وحدودها حيث لا يمكن اتّصاف الدليلين بالحجّيّة في ذلك المحلّ؛ فإذا كانت النسبة بين الدليلين هي التباين فإنّ التعارض يكون في تمام المدلول، وإذا كانت النسبة هي العموم من وجه فإنّ التعارض يكون في بعض المدلول لكليهما، وإذا كانت النسبة العموم المطلق كان التعارض بين بعض مدلول أحدهما ـ وهو الأعمّ ـ مع تمام مدلول الأخصّ.
وبهذا يظهر أنّ توصيف مجموع الدليلين المتباينين بأنّهما متعارضان هو توصيف حقيقيّ، وأمّا في غيرهما فإنّما يكون على نحو المجاز والواسطة في العروض.
الثاني: معرفة إمكان وعدم إمكان الجمع الدلاليّ؛ لكون معرفة النسبة مقدّمة للوصول إلى الجمع الدلاليّ، ففي حالات التعارض بين المتباينين لا مورد للجمع الدلاليّ أصلاً، وفي حالات العموم من وجه يمكن أن ترشد ملاحظة النسبة ذاتاً إلى إمكان الجمع الدلاليّ بينهما، كما في الموارد التالية:
١. ما تقدّم في المقام السابق من أنّه إذا كانت دلالة أحد العامّين من وجه بالعموم والآخر بالإطلاق، فيقدّم ما كانت دلالته بالعموم في الجملة.
٢. ما لو كان إدخال المجمع في أحدهما موجباً لسقوط العنوان المأخوذ في الآخر، كما هو الحال في قوله g: (كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه)(٦٧)، وقوله g: (اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه)(٦٨)؛ فإدخال المجمع وهو (الطائر غير المأكول اللحم) في عنوان الخبر الأخير موجب لسقوط عنوان (الطائر) عن خصوصيّة نفي البأس عن بوله وخرئه.
وفي حالات العموم المطلق فالمشهور تقديم الخاصّ على العامّ، إمّا بملاك الأخصّيّة مباشرةً، أو بملاك كونهِ أقوى الدليلين ظهوراً.
فهذان الدليلان المتعارضان: إمّا أن يكونا متساويين في المزايا والخصوصيّات، وإمّا أن يكون أحدهما واجداً لمزيّةٍ وخصوصيّةٍ يفتقدها الآخر.
وعلى الأوَّل ـ وهو ما يُسمّى التعارض فيه مستقرّاً ـ فالقاعدة الأوّليّة في مثله تقتضي التساقط.
والدليل على ذلك: أنَّ دليل الحجّيّة لا يخلو: إمّا أن يكون شاملاً للدليلين المتعارضين، أو لأحدهما المعيَّن دون الآخر، أو لهما على سبيل التخيير.
والجميع باطلٌ..
أمّا الأوَّل فلعدم معقوليّتهِ؛ لأنَّ الدليلين المتعارضين تارةً يكون مفاد أحدهما حكماً إلزاميّاً ومفاد الآخر نفي ذلك الحكم الإلزاميّ، والأخذ بكليهما مستحيلٌ؛ لأنَّه يستلزم تنجيز حكمٍ إلزاميٍّ والتعذير عنه في وقتٍ واحد.
وأخرى يكون مفادهما حكماً ترخيصيّاً، كما لو ورد: (يستحبّ إكرام العالم) و(يكره إكرام العالم) فالأخذ بكليهما مستحيلٌ أيضاً؛ لأنَّه يستلزم الترخيص في المخالفة القطعيّة لذلك الواقع المعلوم إجمالاً مع العلم بمخالفة أحد الترخيصين للواقع.
وثالثة يكون مفادهما حكماً إلزاميّاً، فإمّا أن يكون الحكمان متضادّين ذاتاً، فالشمول محالٌ؛ لاستلزامهِ تنجيز حكمين إلزاميّين في موضوعٍ واحد، كما إذا دلَّ دليلٌ على وجوب صلاة الجمعة وآخر على حُرمتها.
وإمّا أن يكونا متضادّين بالعرَض، وذلك للعلم الإجماليّ من الخارج بعدم ثبوت أحدهما، كما إذا دلَّ دليلٌ على وجوب الجمعة وآخر على وجوب الظهر، فالشمول محالٌ أيضاً؛ لأنَّ كلَّاً من الدليلين المفروضين يدلّ بالالتزام على نفي الوجوب المستفاد من الآخر، فيقع التعارض بين الدلالة المطابقيّة لأحدهما والالتزاميّة للآخر، وحجّيّتهما معاً تستلزم تنجيز حكمٍ والتعذير عنه في وقتٍ واحد، وهو محالٌ كما مرَّ.
وأمّا الثاني فلأنَّه ترجيحٌ بلا مرجِّح.
وهو تامّ في مثل ما إذا كان كلّ من الدليلين مورداً لاحتمال وجود الملاك الأقوى فيه.
وهذا يعني عدم اطّراد هذا البرهان فيما عدا الحالة السابقة، وهو ما يمكن حصره في واحدةٍ من حالاتٍ ثلاث:
١. حالة عدم ثبوت ملاك الحجّيّة والطريقيّة في كلٍّ من الدليلين في حالة التعارض، فيسقطان معاً بلا حاجةٍ إلى برهان.
٢. حالة العلم بوجود ملاك الحجّيّة في كلٍّ منهما، وأنَّ الملاك في أحدهما المعيَّن أقوى منه في الآخر، فيكون ذلك المعيَّن مشمولاً لدليل الحجّيّة قطعاً، بخلاف الآخر المعلوم عدم شموله له.
٣. حالة كون الطريق لإحراز الملاك هو نفس دليل الحجّيّة، مع فرض العلم بأنَّ الملاك لو كان ثابتاً في المتعارضين فهو أقوى في أحدهما المعيّن، ممّا يعني العلم بسقوط إطلاق دليل الحجّيّة للآخر، فلا يكون ترجيحاً بلا مرجِّح.
وأمّا الثالث فلأنَّه لا ينطبق على مفادهِ العرفيّ، وهو الحجّيّة التعيينيّة، فيمكن إبطال الحجّيّة التخييريّة بأنَّ مفاد الدليل هو كون الفرد مركزاً للحجّيّة، لا الجامع.
وأشكل عليه السيّد الشهيد الصدر S: بأنَّ الحجّيّة التخييريّة لا ينحصر أمرها بحجّيّة الجامع ليقال: إنَّ ذلك خلاف مفاد الدليل، بل يمكن تصويرها بحجّتين مشروطتين بأن يلتزم بحجّيّة كلٍّ من الدليلين لكن لا مطلقاً، بل شريطة أن لا يكون الآخر صادقاً، فمركز كلٍّ من الحجّتين هو الفرد لا الجامع، ولكن نرفع اليد عن إطلاق الحجّيّة لأجل التعارض، ولا تنافي بين حجّتين مشروطتين من هذا القبيل، ولا محذور في ثبوتهما إذا لم يكن كذبُ كلٍّ من الدليلين مستلزماً لصدق الآخر، فلا مانع من التخيير(٦٩).
لذلك قال المحقّق النائينيّ S: (فالقاعدة فيهما تقتضي التساقط، ولكن قام الدليل على التخيير في الأخذ بأحدهما وطرح الآخر)(٧٠) في إشارةٍ منه إلى قبوله بالحالات التي لا يوجد فيها مانع من التخيير.
نعم، إن كان كذبُ كلٍّ من الدليلين مستلزماً لصدق الآخر، وجبَ الرجوع إلى إناطة حجّيّة كلٍّ منهما بصدق نفسه، وهو غير معقولٍ، فيتعيَّن التساقط.
وعلى الثاني(٧١)ـ وهو ما يسمّى التعارض فيه بغير المستقِرّ ـ فالمزيّة إمّا أن تكون في السند أو في جهة الصدور، فلا بُدَّ من ترجيح صاحب المزيّة وطرح الآخر، ومستنده الروايات المعروفة بأخبار الترجيح(٧٢).
وإمّا أن تكون المزيّة في الدلالة، فاللازم ـ حينئذٍ ـ الجمع بينهما، وعدم جواز طرح أحدهما؛ لذلك اشتهر على ألسنتهم أنَّ الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح، وهو ما ادَّعى البعض الإجماع عليه(٧٣).
وكيفما كان، فلا خلاف في تقديم الخاصّ على العامّ مطلقاً؛ وذلك لعدم سماح الخاصّ بانعقاد ظهور تصديقيّ للعامّ في العموم إذا كان الخاصّ متّصلاً، وباعتبار كون الخاصّ قرينةً على تخصيص العامّ، فيخرج ظهور العامّ عن موضوع دليل الحجّيّة إذا كان الخاصّ منفصلاً.
وإنَّما الخلاف في قرينيّة الخاصّ على التخصيص هل هي بملاك الأخصّيّة مباشرةً، أو بملاك كونهِ أقوى الدليلين ظهوراً؟ على الرغم من تسليم الجميع بقرينيّة الأظهر إذا كانت أظهريّته واضحة عرفاً، ومن ثَمَّ يجمع بينه وبين الظاهر ـ في حالة تعارضهما ـ بتحكيم الأظهر على الظاهر وفقاً لنظريّة الجمع العرفيّ.
وقد تقدّم الكلام فيه في تعريف التعارض، وسيأتي مزيد بيان لهذا الخلاف في المقام الخاصّ بالأقوال في انقلاب النسبة.
القسم الثاني: ما يقع بين أكثر من دليلين.
وقد جرت عادة الأصوليّين أن يبيّنوا هذا القسم على أساس كون النسبة بين جميع الأدلّة المتعارضة واحدة أو مختلفة.
فإن كانت النسبة واحدةً فهي إمّا التباين، كما لو ورد عامّ مثل: (أكرم العلماء)، وورد خاصّان هما: (يحرم إكرام العالم الفاسق ) و(يكره إكرام عدول العلماء)، فيكون مجموع الخاصّين في قوّة (لا تكرم العلماء)، فتكون النسبة بينه وبين العامّ الأوّل هي التباين، فيقع التعارض بينه وبين مجموع الخاصّين، وكذلك مثل (يجب إكرام العلماء) و(يحرم إكرام العلماء) وورد (يستحبّ إكرام العلماء)، فمورد التعارض فيما بينها واضح؛ لوحدة الموضوع في الأدلّة الثلاثة، وعدم إمكان الجمع بينها ممّا لا يكاد يخفى، فيرجع إلى المرجّحات ـ إن وجدت ـ وإلّا فيأتي حديث التساقط أو التخيير المتقدّم.
وإمّا العموم من وجهٍ، نحو (يجب إكرام العلماء) و(يحرم إكرام الفسّاق) و(يستحبّ إكرام الشعراء)، فيتعارض الكلُّ في مادّة الاجتماع، وهو (العالم الفاسق الشاعر)، فإنّ مقتضى الدليل الأوّل وجوب إكرام العالم الفاسق، ومقتضى الدليل الثاني حرمة إكرامه، كما أنّ قوله: (يحرم إكرام الفسّاق) يعارضه قوله: (يستحبّ إكرام الشاعر) في الشاعر الفاسق، كما أنّ قوله: (يجب إكرام العلماء) يعارضه (يستحبّ إكرام الشعراء) في العالم الشاعر، ومعها يجب الرجوع إلى المرجّحات، وإلّا فيتساقطان أو يتخيّر بينها.
وإمّا العموم المطلق بأن يرد عامّ وخاصّان، فإن لم يلزم محذور من تخصيص العامِّ بهما، خصِّص العامُّ بهما(٧٤)، كما لو ورد (أكرم العلماء)، ودلّ دليل على عدم وجوب إكرام الفسّاق منهم مثل (لا تكرم العالم الفاسق)، ثُمَّ ورد (لا تكرم النحويّين) فإنّه إذا عمل بالخاصّين وأخرج فسّاق العلماء والنحويّين عن عموم العلماء لم يلزم منه محذور تخصيص الأكثر، أو لزوم بقاء العامّ بلا مورد؛ لبقاء العلماء العدول من غير النحويّين تحته.
ومثالهُ في الشرعيّات: عموم قوله تعالى: {أَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}(٧٥) بملاحظة ما يدلُّ على أنَّه (لا ربا بين الوالد وَوَلَدِه)، وما يدلُّ على أنَّه (لا ربا بين الزوج وزوجتِه)، وما يدلُّ على أنَّه (لا ربا بين المسلم والذمّيّ)، وما يدلُّ على أنَّه (لا ربا بين السيّد وعبدِه)(٧٦)، فالحكم بحرمة الربا باستثناء هذه الموارد لا يلزم منه أيُّ محذورٍ.
ومن خصائص التعارض بين أكثر من دليلين وجود ظاهرة اشتباه أطراف المعارضة، وحينئذٍ يُحتاج إلى معرفة كيفيّة تعيين أطراف المعارضة؛ إذ إنّ مورد التعارض تارةً يكون بيّناً، وأخرى يكون خفيّاً.
والأوّل: له صورتان:
الأولى: أن يكون كلّ من مورد التعارض وإمكان الجمع بيّناً، كما لو ورد دليلان بينهما عموم من وجه مثل: (أكرم كلّ عالم) و(لا تكرم كلّ فاسق)، فيتعارضان في المجمع وهو العالم الفاسق، ثُمَّ يرد دليل خاصّ ـ وهو لا محالة أخصّ مطلقاً من كلّ واحد من العامّين ـ يتعرّض لخصوص المجمع، ويتضمّن حكماً مغايراً لحكمي العامّين من وجه، مثل: (يكره إكرام العالم الفاسق)؛ فإنّه يكون مخصّصاً لكلا الدليلين؛ لتكفّله ببيان حكم ما تعارض فيه العامّان، فيكون المجمع خاضعاً لحكم الخاصّ وحده، فيحكم بكراهة إكرام العالم الفاسق(٧٧).
الثانية: أن يكون كلّ من مورد التعارض وامتناع الجمع بيّناً، وهذه الصورة شاملة لحالتي كون النسبة بين الأدلّة الثلاثة هي التباين، والعموم من وجه، وقد تقدّم الكلام في وضوح مورد التعارض وعدم إمكان الجمع بينها، فيرجع إلى قواعد التعارض من الترجيح ثُمَّ التساقط، أو التخيير على اختلاف الآراء في ذلك.
وبهذا البيان تكون هاتان الصورتان خارجتين عن بحث انقلاب النسبة، وسيأتي في محلّه مناقشة دعاوى جريان انقلاب النسبة في بعضها عند الحديث عن صور انقلاب النسبة.
والثاني: وهو ما كان مورد المعارضة خفيّاً، وله صور متعدّدة(٧٨)، أهمّها:
ما يعرف بمحذور (التخصيص المُستهجَن)، أو (بقاء العامّ بعد التخصيص بلا موردٍ في بعض صور تخصيص العامّ)، كما لو ورد عامّ مثل: (أكرم العلماء)، ومخصّصان مثل: (لا تكرم العلماء الفسّاق) و(يكره إكرام العلماء العدول)؛ فإنَّه إذا خصِّص العامُّ بكلا الخاصّين بقي العامُّ بلا موردٍ، بناءً على القول بعدم الواسطة بين العدالة والفسق(٧٩)، وفي تحديد أطراف المعارضة في مثل هذه الحالة مسالك ثلاثة:
المسلك الأوّل: أنّ المعارضة تقع بين العامّ ومجموع الخاصّين؛ بأن يشكّل الخاصّان وحدة مجموعيّة، فتكون نسبته مع العامّ هي نسبة التباين، فيجب ملاحظة الترجيح بين العامّ ومجموع الخاصّين.
وهذا المسلك هو ما يظهر من كلمات كلٍّ من المحقّق النائينيّ(٨٠)، والمحقّق الأصفهانيّ(٨١)، والمحقّق العراقيّ(٨٢) T.
المسلك الثاني: أنّ المعارضة تقع بين الأدلّة الثلاثة جميعاً، فتكون المعارضة ثلاثيّة الأطراف، ولازمه تحقّق علم إجماليّ بأنّ ظاهر أحد هذه الأدلّة الثلاثة غير مراد قطعاً.
وهو مختار السيّد الخوئيّ S(٨٣)، وبعض أعاظم العصر l في هذه الصورة(٨٤).
المسلك الثالث: أنّ المعارضة تقع بين الخاصّين فحسب، وأمّا العامّ فإنّه يخرج عن مورد المعارضة، فيتعيّن ملاحظة المرجّحات بين الخاصّين فقط.
وهذا المسلك هو ما استظهره بعض أعاظم العصر l من كلمات صاحب العروة S(٨٥).
وعليه فعند تعيّن الرجوع إلى المرجِّحات لا يخلو الأمر من واحدةٍ من ستِّ صورٍ(٨٦):
الأولى: أن يكون العامُّ مرجوحاً بالنسبة إلى الخاصّين، فعلى المسالك الثلاثة لا إشكال ـ حينئذٍ ـ في طرح العامّ والعمل بالخاصّين، فتكون نتيجتهُ في المثال المتقدِّم كراهة إكرام عدول العلماء، وحرمة إكرام الفسّاق منهم.
الثانية: أن يكون العامّ راجحاً على كلا الخاصَّين، فعلى المسلك الأوّل ـ من القول بوقوع التعارض بين العامِّ ومجموع الخاصَّين فقط ـ يجب طرح الخاصَّين والأخذ بالعامّ، ونتيجته وجوب إكرام العلماء.
وعلى المسلك الثاني والقول بوقوع التعارض بين أحد الثلاثة وبين الآخرَين، وأنَّ المعلوم إجمالاً إنَّما هو كذب أحدها، فبعد الأخذ بالعامّ ـ لرجحانه على كلا الخاصَّين؛ لأنَّه هو المفروض ـ فلا وجهَ لطرح الخاصَّين معاً؛ لانحصار العلم بكذب أحدهما، فإن كان أحد الخاصَّين راجحاً على الآخر وجبَ الأخذ به وطرح المرجوح.
وأمّا إن كانا متساويين فإمّا أن يتساقطا ـ على ما تقدَّم من أنَّه مقتضى القاعدة ـ، أو يُتخيَّر بينهما على ما مرَّ بيانُه، والنتيجة هي الأخذ بالعامّ وهو وجوب إكرام العلماء، وبأحد الخاصَّين تعييناً في حال ترجيح أحدهما على الآخر، أو تخييراً في حالة التساوي بأن يمتنع عن إكرام الفسّاق من العلماء أو يُكرم عدولهم على كراهة.
أمّا المسلك الثالث فهو لا ينهض في علاج التعارض في هذه الصورة؛ لاستلزامه طرح الراجح وترجيح المرجوح.
الثالثة: أن يكون العامّ راجحاً على أحد الخاصَّين ومساوياً للخاصّ الآخر، ومن الواضح أنَّه على المسلكين الأوّل والثاني يجب الأخذ بالعامّ والخاصّ المساوي، وطرح الخاصّ المرجوح.
فتكون النتيجة وجوب إكرام العلماء: إمّا مع حرمة إكرام الفسّاق منهم إن كان الأخير هو المساوي للعامّ، ويطرح الخاصّ الآخر الدالّ على كراهة إكرام العدول منهم.
وإمّا مع كراهة إكرام العدول منهم إن كان الآخر هو المساوي للعامّ، ويطرح الخاصّ الآخر الدالّ على حرمة إكرام الفسّاق منهم.
وأمّا على المسلك الثالث فيتعيّن الأخذ بالخاصّ المساوي للعامّ فقط.
الرابعة: أن يكون العامّ مرجوحاً بالنسبة لأحد الخاصَّين ومساوياً للخاصِّ الآخر، فإنَّه يجب على المسلكين الأوّل والثاني الأخذ بالخاصِّ الراجح ويُتخيَّر بين الأخذ بالعامّ والأخذ بالخاصِّ المساوي له.
فنتيجته: إمّا حرمة إكرام الفسّاق من العلماء والتخيير بين وجوب إكرام الجميع وبين كراهة إكرام العدول منهم، وإمّا كراهة إكرام العدول من العلماء والتخيير بين وجوب إكرام الجميع وحرمة إكرام الفسّاق منهم.
أمّا على المسلك الثالث فيتعيّن الأخذ بالخاصّ الراجح فقط.
الخامسة: أن يكون العامّ راجحاً على أحد الخاصَّين ومرجوحاً بالنسبة للخاصِّ الآخر.
فعلى المسلك الأوّل يكون المكلَّف مخيَّراً بين الأخذ بالعامِّ وطرح كلا الخاصَّين، وبين الأخذ بكلا الخاصَّين وطرح العامّ؛ لأنَّ التعارض إنَّما هو بين العامِّ ومجموع الخاصَّين(٨٧).
ورفض السيّد الخوئيّ S أن تكون المعارضة بين العامّ ومجموع الخاصَّين؛ لعدم العلم الإجماليّ بكذب العامّ أو مجموع الخاصَّين، بل المعلوم كذبُ أحد الأدلّة الثلاثة، فلا بُدَّ ـ حينئذٍ ـ من الأخذ بالعامّ والراجح من الخاصَّين، وطرح المرجوح منهما(٨٨).
وعلى المسلك الثالث يتعيّن الأخذ بالخاصّ الراجح فقط.
السادسة: أن يكون العامّ مساوياً لكلا الخاصَّين، فعلى المسلك الأوّل يتعامل مع العامّ ومجموع الخاصَّين كما يتعامل مع المتباينين من التساقط أو التخيير.
وعلى المسلك الثاني يتخيَّر بين طرح العامّ والأخذ بكلا الخاصَّين، وبين الأخذ بالعامّ وأحد الخاصَّين وطرح الخاصّ الآخر؛ لما مرَّ من العلم بكذب أحد الثلاثة، وعدم الترجيح بينها.
وعلى المسلك الثالث يتعيّن العمل بالخاصَّين فقط.
وإن كانت النسبة مختلفةً فحينئذٍ إمّا أن يُقدَّم ما حقّه التقديم؛ لأجل الدلالة كتقديم الأظهر على الظاهر، أو لمرجِّحٍ آخر من المرجّحات المتقدّمة، وإمّا أن يخصّص أحدهما بالآخر، ثُمَّ تلاحظ النسبة بين العامّ المخصّص مع الدليل الثالث، فقد تنقلب النسبة.
وبذلك يظهر أنّ ظاهرة (انقلاب النسبة) من خصائص التعارض بين أكثر من دليلين مع كون النسبة بينها مختلفة، مضافاً إلى ما تقدّم من وجود ظاهرة اشتباه أطراف المعارضة.
ويأتي الكلام ـ إن شاء الله تعالى ـ في الحلقة القادمة في المقامين الأخيرين وهما:
المقام الخامس: في نظريّة انقلاب النسبة، والأقوال فيها، وأدلّتها.
والمقام السادس: في نماذج من تطبيقات هذه النظريّة.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على أشرف الخلق محمّد وآله الطاهرين.
(١)يلاحظ: القاموس المحيط: ٢/ ٣٣٤، المصباح المنير: ٣١٢، واختاره من الأصوليّين الشيخ الأنصاريّ في فرائد الأصول: ٤/ ١٣.
(٢)يلاحظ: لسان العرب: ٧/ ١٦٧، واختاره من الأصوليّين السيّد الشهيد الصدر في بحوث في علم الأصول: ٧/ ١٣.
(٣) يلاحظ: المصدر نفسه: ٧/ ١٧٩.
(٤) يلاحظ: محاضرات في أصول الفقه: ٣/ ٢٢٣.
(٥)يلاحظ: فرائد الأصول: ٤/ ١١.
(٦) يلاحظ: أجود التقريرات: ٢/ ٥٠١.
(٧)يلاحظ: القوانين المحكمة: ٤/ ٥٨٠، ضوابط الأصول: ٦/ ٣٧٦.
(٨)يلاحظ: كفاية الأصول: ٤٣٧.
(٩) يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٠٠، وما بعدها.
(١٠) يلاحظ: دروس في علم الأصول: ٣/ ٢٢٩ ـ ٢٣٠.
(١١)سيأتي تحقيق حال قرينيّة الخاصّ، وهل أنَّها بملاك الأخصّيّة مباشرةً، أم بملاك كونها أقوى الدليلين ظهوراً؟
(١٢)يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٤٨٦.
(١٣) مستدرك الوسائل: ١٣/ ٣٣٩، باب أنَّه لا يثبت الربا بين الوالد والولد، ح ١٥٥٣٦.
(١٤) الكافي: ٣/ ٣٥٨ ـ ٣٥٩، باب مَن شكّ في صلاته كلّها ولم يدرِ زاد أو نقص، ح٥، تهذيب الأحكام: ٣/ ٥٤، باب أحكام الجماعة وأقلّ الجماعة وصفة الإمام، ح٩٩.
(١٥) مستدرك الوسائل: ٩/ ٤١٠، باب جواز الكلام في الطواف الواجب وغيره..، ح١١٢٠٣.
(١٦)سورة الحجّ: ٧٨.
(١٧) يلاحظ: كتاب التعارض: ٤٦، مصباح الأصول: ٣/ ٣٤٧، ٣٥٣، أصول الفقه: ٣/ ٣١٤.
(١٨)وقد نسب السيّد الطباطبائيّ في كتاب التعارض: ١٤٨ ـ ١٤٩ إلى جماعة إنكار الجمع الدلاليّ. وهو ما يظهر من كلمات صاحب الحدائق واعتراضاته على حمل الأصوليّين الأمر على الاستحباب، أو حمل النهي على الكراهة عند المعارضة، بعدم ورود ذلك في النصوص، ولا بُدَّية إعمال المرجّحات المنصوصة.
فمع عدم وجود مرجّح تجدهم يلجؤون مباشرةً للتخيير، أو التساقط، حتّى وإن كان الجمع ممكناً، لذلك قالوا بالتخيير بين العامّ والمطلق، والخاصّ والمقيّد. ومن يقول بالتساقط يرجع مباشرةً للعامّ الفوقانيّ، أو الأصل، بمجرّد التعارض وفقدان المرجّح.
يلاحظ: الحدائق الناضرة: ١/ ٧١، ١٠٨ـ ١٠٩، ونُسب الإنكار للشيخ في كلٍّ من الاستبصار والعدّة، وفي نسبة الإنكار إليه نظر. يلاحظ: الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ١/ ٤، العدّة في أصول الفقه: ١/ ١٤٧ـ ١٤٨.
(١٩) يلاحظ: منتهى الأصول: ٢/ ٦١٦، أصول الفقه: ٣/ ٢٢٦، المعجم الأصوليّ: ١/ ٤٣٤، القواعد الأصوليّة: ٥/ ٣٤٦.
(٢٠) يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٢٦.
(٢١) يلاحظ: المعجم الأصوليّ: ١/ ٤٣٥.
(٢٢) يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٥٥، تعليقة: ١، مقالات الأصول: ٢/ ٧٢، ٤٦٣ ـ ٤٦٧، نهاية الأفكار: ٥/ ١٣٨ ـ ١٣٩.
(٢٣)يلاحظ: عوالي اللآلئ: ٤/ ١٣٦.
(٢٤)إنّما قيّدنا بذلك احترازاً عمّا يُقَوِّم أصل الحجّة ويميّزها عن اللاحجّة، فالجهة التي تكون من مقوّمات الحجّة مع قطع النظر عن المعارضة، لا تدخل في مرجّحات باب التعارض، بل تكون من باب تمييز الحجّة عن اللاحجّة، لذلك يجب التنبّه إلى أنّ الروايات المذكورة في باب الترجيحات هل هي واردة في صدد ترجيح الحجّة على الحجّة، أو تمييز الحجّة عن اللاحجّة؟
فعلى الثاني: لا يكون فيها شاهد على ما نحن فيه، كما قال صاحب الكفاية S في روايات الترجيح بموافقة الكتاب (يلاحظ: كفاية الأصول: ٥٠٥)، أو السيّد الخوئيّ S في روايات الترجيح بالشهرة (يلاحظ: مصابيح الأصول: ٤/ ٤٦٧)، لذلك جعل فرض حجّيّتهما في أنفسهما أحد شروط تحقّق التعارض الاصطلاحيّ، كما تقدّمت الإشارة إليه.
(٢٥)يلاحظ: المعجم الأصوليّ: ١/ ٦١١.
(٢٦) يلاحظ: كفاية الأصول: ٤٤٩.
(٢٧) درر الفوائد: ٢/ ٦٨٠.
(٢٨) يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٣٨٥ ـ ٣٨٩.
(٢٩) أو الجمع التورّعيّ؛ لمناسبة تقتضيه، أي: لورع الفقيه من طرح روايات المعصومين i، على ما ذكره بعض أعاظم العصر l في تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٣٩٩.
(٣٠) يلاحظ:عوالي اللآلئ: ٤/ ١٣٦.
(٣١) تهذيب الأحكام: ١/ ٣ ـ ٤.
(٣٢)يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٣٧٨.
(٣٣)يلاحظ: تهذيب الأحكام: ١/ ٢.
(٣٤) يلاحظ:الكافي: ١/ ٨.
(٣٥)يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٤٠١ ـ ٤٠٢.
(٣٦) يلاحظ:تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٤٠١.
(٣٧) يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٣٧٨، ٤٠٠ ـ ٤٠١.
(٣٨)وممّا تجدر الإشارة إليه أنّه قد وقع الخلاف في إفادة النصوص مرجّحيّة بعضها مثل الترجيح بالصفات والأحدثيّة، والتي ذهب كثير من الأصوليّين إلى عدمه.
(٣٩) بناءً على احتمال كون مثل هذا الخبر صادراً لأجل التقيّة، أمّا بناءً على أنّ الوجه في الترجيح بها هو ما ورد في الكافي: (١/ ٨) من أنّ (الرشد في خلافهم) فهي من المرجّحات الراجعة إلى المضمون.
(٤٠)يلاحظ: فرائد الأصول: ٤/ ٨٠.
(٤١) يلاحظ: المصدر نفسه: ٤/ ٨٩.
(٤٢) يلاحظ: كفاية الأصول: ٤٥٣.
(٤٣) يلاحظ: المصدر نفسه.
(٤٤) إنّما عبّرنا بالأوّل والثاني ولم نعبّر بالعامّ والخاصّ؛ لأنّ في المسألة صورتين: إحداهما تقدّم العامّ زماناً على الخاصّ، بحيث يصدر الخاصّ بعد وقت الحاجة للعمل بالعامّ، أي: بعد الجري العمليّ بالفعل أو بالقوّة على طبق العامّ، والثانية بالعكس.
(٤٥)إنّما كانت هذه الصورة هي محلّ الابتلاء؛ لأنّه يمكن جريان البحث في العرف العامّ الذي يحمل المتأخّر على النسخ بلا إشكال، ويحكم بتغيّر رأيه في حصّة من حصص موضوع العامّ؛ لقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة عند العرف، وهو قبيح ذاتاً أو اقتضاءً.
وكذلك يجري فيما لو صدر كلا الدليلين في زمان النبيّ الأكرم e، فحينئذٍ لا مانع من الالتزام بالنسخ أيضاً، ولكن لا من جهة تبدّل الرأي، بل من جهة أنّ العامّ كان من البداية ذا ملاك إلى أمدٍ معيّن في علم المولى ولكنّه لم يبرزه، وإنّما أُبرز بعد ذلك بلسان حكمٍ جديد رافعٍ للحكم الأوّل في الحصّة المعيّنة.
(٤٦) يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٤٢٦.
(٤٧) يلاحظ: مصباح الأصول: ٢/ ٤٥٩.
(٤٨) يلاحظ: فرائد الأصول: ٤/ ٩٩، فوائد الأصول: ٤/ ٧٣٩.
(٤٩) يلاحظ:المصدر والموضع نفسه.
(٥٠) الكافي: ١/ ٥٨، باب البدع والرأي والمقاييس، ح١٩.
(٥١) يلاحظ: فرائد الأصول: ٤/ ٩٩، فوائد الأصول: ٤/ ٧٣٩.
(٥٢) يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٣١، تعليقة: ٣.
(٥٣) يلاحظ: أجود التقريرات: ٢/ ٥١٣.
(٥٤) يلاحظ: كفاية الأصول: ١٠٦.
(٥٥) يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٤٢٠ ـ ٤٢١.
(٥٦)يلاحظ: المصدر نفسه: ٢/ ٤٠٣.
(٥٧)فرائد الأصول: ٤/ ٩٧.
(٥٨) يلاحظ: أجود التقريرات: ٢/ ٥١٣.
(٥٩) يلاحظ: كفاية الأصول: ٤٥٠.
(٦٠) يلاحظ: نهاية الأفكار: ٤ ق٢/ ١٤٩.
(٦١) يلاحظ: كفاية الأصول: ٤٥٠.
(٦٢) يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٤٠٩.
(٦٣) يلاحظ: المصدر نفسه: ٢/ ٤٠٩ ـ ٤١٣.
(٦٤) يلاحظ: فرائد الأصول: ٤/ ٩٨.
(٦٥) يلاحظ: هداية المسترشدين: ١/ ٦٥٩.
(٦٦) يلاحظ: فرائد الأصول: ٤/ ٩٩.
(٦٧) الكافي: ٣/ ٥٨، باب أبوال الدواب وأرواثها، ح٩.
(٦٨) الكافي: ٣/ ٥٧، باب أبوال الدواب وأرواثها، ح٣.
(٦٩)يلاحظ: دروس في علم الأصول (الحلقة الثالثة): ٢/ ٥٤٠.
(٧٠)فوائد الأصول: ٤/ ٧٢٦.
(٧١)وهو كون أحد الدليلين واجداً لمزيّة يفتقدها الآخر.
(٧٢)يلاحظ: الكافي: ١/ ٦٧ ـ ٦٨، باب اختلاف الحديث، ح٨، ١٠، من لا يحضره الفقيه: ٣/٨ ـ ١١، باب الاتّفاق على عدلين في الحكومة، ح٣٢٣٣، تهذيب الأحكام: ٦/ ٣٠١ ـ ٣٠٢، باب من الزيادات في القضايا والأحكام، ح٥٢.
(٧٣) يلاحظ: عوالي اللآلئ: ٤/ ١٣٦.
(٧٤)أشار الشيخ الأعظم في (فرائد الأصول: ٤/ ١٠٣) إلى توهّم بعض من عاصره ـ وهو الفاضل النراقيّ في العوائد (١١٩ ـ ١٢٠، العائدة: ٤٠) ـ بملاحظة العامّ بعد تخصيصه ببعض الأفراد بإجماع ونحوه مع الخاصّ المطلق الآخر، فتنقلب النسبة، وسيأتي بيان ذلك في الحلقة الثانية عند الحديث عن الصورة الثانية من النوع الأوّل من صور انقلاب النسبة.
(٧٥)سورة البقرة: ٢٧٥.
(٧٦)يلاحظ: الكافي: ٥/ ١٤٧، باب أنَّه ليس بين الرجل وبين ولده وما يملكه ربا، ح١، ٢، ٣، من لا يحضرهُ الفقيه: ٣/ ٢٧٧ ـ ٢٧٨، باب الربا، ح٤٠٠٠، ٤٠٠١، ٤٠٠٢، تهذيب الأحكام: ٧/ ١٧ـ ١٨، باب فضل التجارة وآدابها، ح٧٥، ٧٦، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ٣/٧٠ ـ ٧١، باب أنَّه لا ربا بين المسلم وبين أهل الحرب، ح١، ٢.
(٧٧) وسيأتي الحديث مرّة أخرى عن هذه الصورة في الحلقة الثانية في أولى صور النوع الثاني، وهل يمكن أن تكون من صور انقلاب النسبة أو لا؟
(٧٨) وسيأتي في الحلقة الثانية عند الحديث عن صور انقلاب النسبة صورٌ أخرى لخفاء مورد المعارضة، مثل صورة ورود عامّين بينهما عموم من وجه، وورد خاصّ لكلّ واحد من هذين العامّين يعارضه في مورد افتراقه عن العامّ المعارض له، وهي الصورة الثالثة من النوع الثاني.
(٧٩)أمّا على القول بثبوت الواسطة بين العدالة والفسق، وذلك بناءً على تفسير العدالة بملكة عدم ارتكاب الكبائر ـ كما قد يتَّفق للإنسان في أوَّل بلوغهِ من عدم ارتكاب الكبائر من دون أن يكون ذلك ملكة ـ فيلزم حمله على الفرد النادر الذي هو لا عادل ولا فاسق، وهو التخصيص المُستهجَن.
(٨٠) يلاحظ: أجود التقريرات: ٢/ ٥١٨.
(٨١)يلاحظ: نهاية الدراية: ٦/ ٣٥١.
(٨٢) يلاحظ: نهاية الأفكار: ٤/ ١٦٠.
(٨٣) يلاحظ: مصباح الأصول: ٣/ ٣٩٠.
(٨٤) يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٤٤٩ ـ٤٥٠.
(٨٥)المصدر نفسه: ٢/ ٤٥١.
(٨٦)ذكرها السيّد الخوئيّ في مصباح الأصول: ٣/ ٣٩٠ ـ ٣٩١، مع اختلاف في ترتيب الصور، وذكرت متفرّقة في كلمات غيره من الأعلام كالمحقّق النائينيّ في فوائد الأصول: ٤/ ٧٤٢ ـ ٧٤٣، والمحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار: ٤ ق٢/ ١٦٠، ٥/ ١٦٠.
(٨٧)يلاحظ: درر الفوائد في الحاشية على الفرائد: ١/ ٤٦٦.
(٨٨)يلاحظ: مصباح الأصول: ٣/ ٣٩١.