انقلاب النسبة (الحلقة الثانية)

احدث المقالات

PDF
نص المقال

21-01mg-Untitled-2

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف النبيّين وآله الطاهرين.

تقدّم الكلام في الحلقة السابقة في أربع مقامات:

الأوّل: في بيان معنى التعارض.

الثاني: في أنحاء الجمع.

الثالث: في أقسام المرجّحات.

الرابع: في القسمة الأوّليّة للتعارض وكيفيّة العلاج.

وبقي الكلام في المقامين الأخيرين.

المقام الخامس: انقلاب النسبة

عند متابعة كلمات الأعلام نلاحظ أنّه على الرغم من اختلاف تعبيراتهم في تصوير النزاع، إلّا أنّها ـ في الجملة ـ تشترك في إرجاع الخلاف في انقلاب النسبة وعدمه إلى الالتزام بأنّ العامّ المخصَّص هل هو كالخاصّ في تقدّمه على العامّ المعارض له، أم أنّه يبقى على عمومه، فهو كالعامّ على الرغم من تخصيصه؟

فمثلاً: إذا قام دليل عامّ مثل: (أكرم الفقراء)، وقام دليل عامّ آخر مباين له نحو: (لا تكرم الفقراء)، ثمّ ورد دليل منفصل مثل: (لا تكرم الفقير الفاسق)، وهو مخصِّص للعامّ الأوّل فحسب، ولا يتعرّض للعامّ الثاني؛ لكون الحكم فيهما هو النهي عن الإكرام، وبعد تخصيصه للعامّ الأوّل، هل يكون هذا العامّ المخصَّص في حكم الخاصّ، فكأنّ المولى قد قال: (أكرم الفقراء العدول)، فقد تنقلب النسبة ما بين العامّين إلى العموم المطلق بعد أن كانا متباينين، أم أنّه يبقى على عمومه، فهو كالعامّ على الرغم من تخصيصه، ولا تنقلب النسبة؟

ذهب المحقّق النائينيّ(١) والسيّد الخوئيّ(٢)T إلى أنّ العامّ المخصَّص كالخاصّ، فيتقدّم على معارضه بالتخصيص، ومن ثمّ التزموا بانقلاب النسبة بينه وبين العامّ المعارض له.

وقد جرى على هذا من قبلهما صاحب الكفاية أيضاً، إلّا أنّه لم يلتزم بانقلاب النسبة؛ لالتزامه ببقاء العامّ على عمومه على الرغم من كون العامّ المخصَّص كالنصّ في الباقي بعد التخصيص، وأنّ وجوب تقديمه على العامّ إنّما هو لمكان الأظهريّة، حيث قال: (إنّنا نسلّم انثلام حجّيّة العامّ بعد تخصيصه بمخصِّص منفصل، لذلك يكون حجّة في الباقي بعد التخصيص؛ لأصالة عمومه بالنسبة إليه، ولكن لا نسلّم انثلام ظهوره به، والنسبة إنّما هي بملاحظة الظهورات. وإنكار ظهور العامّ في العموم بعد تخصيصه بالقطعيّ؛ لكونه غير مستعمل في العموم حينئذٍ قطعاً مردود بأنّ المقطوع به عدم إرادة العموم، لا عدم استعماله فيه)(٣).

وقد ناقش بعض أعاظم العصر F هذا الطريق بما حاصله: (أنّه إن كان مقصود صاحب الكفاية أنّ ظهور العامّ في الباقي يتقوّى بالتخصيص، فهو محال؛ لأنّ الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه، وظهور العامّ الشموليّ لا يتغيّر بالتخصيص المنفصل. وإن كان مقصوده أنّ حجّيّة العامّ المخصّص تتحدّد فيكون كالنصّ ـ وهو ما يستظهر من كلامه المتقدّم ـ فهو يرجع إلى مبنى انقلاب النسبة الذي لا يلتزم به صاحب الكفاية)(٤).

ويؤيّد ما ذكره ـ من الرجوع إلى مبنى انقلاب النسبة فيما إذا كان المقصود من كلامه تحديد حجّيّة العامّ المخصَّص ـ تصريح المحقّق النائينيّ S بهذا المعنى في استدلاله على انقلاب النسبة، حيث قال: (فلازم حجّيّة دليل المخصِّص هو سقوط دليل العامّ عن الحجّيّة في تمام المدلول، وقصر دائرة حجّيّته على ما عدا المخصِّص، وحينئذٍ لا معنى لجعل العامّ بعمومه طرفاً للنسبة؛ لأنّ النسبة إنّما تلاحظ بين الحجّتين، فالذي يكون طرفاً للنسبة هو الباقي تحت العامّ الذي يكون العامّ حجّة فيه؛ لأنّ ما سقطت حجّيّته لا معنى لأن يكون معارضاً)(٥).

ولكن يمكن التأمّل في ما أورده F على صاحب الكفاية بأنّ الأخير لم يدّعِ تقوّي ظهور العامّ في الباقي بالتخصيص، ولا أنّ حجّيّته تتحدّد فيكون كالنصّ كي يلزم ما ذكر من محذور محاليّة انقلاب الشيء عمّا وقع عليه، وإنّما مقصوده عدم انثلام ظهور العامّ عمّا كان عليه قبل التخصيص، وهو ما صرّح به بقوله: (إنّنا نسلّم انثلام حجّيّة العامّ بعد تخصيصه بمخصِّص منفصل، لذلك يكون حجّة في الباقي بعد التخصيص؛ لأصالة عمومه بالنسبة إليه، ولكن لا نسلّم انثلام ظهوره به، والنسبة إنّما هي بملاحظة الظهورات)(٦).

ويظهر بالتأمّل في مجموع كلمات الشيخ الأعظم S أيضاً أنّه يميل لمثل ما ذكره صاحب الكفاية S؛ فإنّه وإن نسب إليه السيّد الخوئيّ S القول برفض انقلاب النسبة(٧)، إلّا أنّه عند التدقيق في كلماته تجد أنّه يقبل بانقلاب النسبة في صورة واحدة، فبعد أن قسّم النسبة بين المتعارضات إلى واحدة ومختلفة، ذكر أنّه على الثاني إن كان في هذه المتعارضات المختلفة ما يقدّم على بعض آخر منها ـ إمّا لأجل الدلالة وإمّا لمرجّح آخرـ قدّم ما حقّه التقديم، ثمّ لو لوحظت النسبة مع باقي المعارضات فقد لا تنقلب النسبة، فيحدث الترجيح في المتعارضات بنسبة واحدة، وقد تنقلب النسبة وقد يحدث الترجيح، كما إذا ورد (أكرم العلماء) و(لا تكرم فسّاقهم) و(يستحبّ إكرام العدول)، فإنّه إذا خصّ العلماء بعدولهم يصير أخصّ مطلقاً من العدول، فيخصَّص العدول بغير علمائهم؛ إذ لولا الترتيب في العلاج لزم إلغاء النصّ، أو طرح الظاهر المنافي له رأساً، وكلاهما باطل(٨).

فمراده من (النصّ) هو الخاصّ، ومن (الظاهر المنافي له) العامّ المخصَّص، فيكون المعنى: أنّه إذا ورد عامّان وخاصّ: فإمّا أن يلتزم بالترتيب في العلاج، بتقديم الخاصّ على أحد العامّين، ثمّ ملاحظة ذلك العامّ المخصَّص مع العامّ الآخر، وبذلك نكون قد أخذنا بالأدلّة الثلاثة، وإمّا أن نرفع اليد عن الخاصّ الوارد في مورد الافتراق، أو نطرح الظاهر المنافي لذلك النصّ رأساً حتّى في مورد الاجتماع، وكلاهما باطل.

وقد وصف بعض أعاظم العصر F هذا الطريق بكونه غير تامّ؛ لوجهين:

(أوّلاً: أنّ سقوط الظاهر إن كان بلا موجِب فهو باطل، وأمّا سقوطه بسبب ومصحّح فلا مانع منه؛ حيث تكون معارضته في المجمع مع العامّ المساوي أو الأرجح، وفي مورد الافتراق مع الأظهر ـ وهو الخاصّ ـ يكفي مصحّحاً لسقوطه تماماً.

وهكذا لو قلنا بسقوطه هو والخاصّ في مورد الافتراق كما هو المختار، فهو سقوط بلا مصحّح، فليس عندنا قاعدة عقلائيّة تقول بأنّه لا بدّ من المحافظة على النصّ والظاهر، والاجتناب عن إلغائهما مهما أمكن، بل الثابت عند العقلاء هو عدم إسقاط دليل بلا وجه مصحّح، وليس هو جارٍ فيما نحن فيه؛ فإنّ سقوط العامّ هنا لابتلائه بالمعارض الأرجح أو المساوي فيتساقطان، وسقوط النصّ ـ أي: الخاصّ ـ لأجل عدم توفّر ملاك المخصّص فيه، فليس سقوطهما بلا مصحّح عقلائيّ.

وثانياً: أنّ الدليل أخصّ من المدّعى؛ لأنّه قد يكون الظاهر هو الأرجح فيدخل المجمع فيه، فلا يلزم أيّ محذور ويخصّص به الآخر كما يخصّصه الخاصّ)(٩).

وذهب كلّ من المحقّق الأصفهانيّ(١٠) والمحقّق العراقيّ(١١) وصاحب البحوث(١٢) T، وبعض أعاظم العصرF(١٣)، وسيّدنا الأستاذ (دامت بركاته) (١٤) إلى أنّ العامّ المخصَّص ليس كالخاصّ، ولا هو في حكمه بعد التخصيص، ولذا فإنّه لا يتقدّم على معارضه بالتخصيص، بل تجري قواعد التعارض فيهما، فلا تنقلب النسبة.

ولا بدّ من التنبيه على أنّ هؤلاء الأعلام القائلين بالثاني يمكن لهم أن يلتزموا بانقلاب النسبة في حالات محدّدة، كما وقع من سيّدنا الأستاذ i في رفع التعارض في صورة واحدة، وهي صورة ما إذا ورد عامّان متباينان، مثل: (أكرم الشعراء) و(لا تكرم الشعراء)، وورد خاصّ ليس له مفهوم يصلح لأن يكون مخصِّصاً لأحد العامّين، كأن يكون جواباً بـ(نعم) عن سؤال حاصله: هل يجب إكرام شعراء أهل البيت i؟ فإنّه لمّا لم يرد القيد على لسان المجيب، بل في كلام السائل، فلم يكن له مفهوم يقتضي عدم إكرام طبيعيّ الشاعر.

فالنتيجة: هي كون الدليل الثالث ـ يعني الجواب بـ(نعم) ـ صالحاً لأن يكون مخصِّصاً لقوله: (لا تكرم الشعراء)، وغير صالح لأن يكون مخصِّصاً لقوله: (أكرم الشعراء)، فينحصر الجمع الدلاليّ بين العامّين حينئذٍ في الالتزام بانقلاب النسبة بينهما من التباين إلى العموم المطلق بعد تخصيص (لا تكرم الشعراء) بقول المجيب: (نعم) الدالّ على جواز إكرام شعراء أهل البيت i(١٥).

فظهر ممّا تقدّم أنّ في هذا المورد ثلاثة أقوال:

الأوّل: القول بالتلازم بين كون العامّ المخصَّص كالخاصّ وانقلاب النسبة.

الثاني: القول بأنّ العامّ المخصَّص كالخاصّ من دون الالتزام بانقلاب النسبة.

الثالث: القول بأنّ العامّ المخصَّص ليس كالخاصّ من دون الالتزام بانقلاب النسبة باستثناء مورد واحد.

لذلك قدّمنا أدلّة القول الثاني ومناقشته، وخصَّصنا البحث الآخر لبيان دليل أصحاب القول الأوّل فقط، ومناقشته. 

دليل القائلين بانقلاب النسبة

اختلف القائلون بانقلاب النسبة في احتياج دعواهم إلى إقامة دليل، فمنهم من ادّعى انقلاب النسبة في موارد من دون إقامة دليل عليه، فهي تبلغ درجة من الوضوح لا حاجة معها إلى إقامة دليل(١٦)، وهو ما استظهره بعض أعاظم العصر F من كلام صاحب العروة في كتاب (التعارض)(١٧).

واعتبر السيّد الخوئيّ S أنّ ما ذهب إليه من انقلاب النسبة لا يحتاج عند إرادة التصديق به إلى أزيد من تصوّره بعد تقديم مقدّمتين(١٨):

المقدّمة الأولى: أنّ لكلّ لفظ ثلاث دلالات:

الأولى: الدلالة الوضعيّة أو التصوّريّة: وهي كون اللفظ ـ بعد العلم بوضعه لمعنى ـ موجباً لانتقال الذهن إلى المعنى عند سماع اللفظ، سواء أكان اللافظ مريداً أم لا، كما إذا كان نائماً أو سكراناً، أو لم يكن بذي إدراك كصدور لفظٍ ما من اصطكاك حجرين، بل حتّى لو نصب قرينة على إرادة غير هذا المعنى، فإنّ السامع يفهم المعنى الذي وضع له اللفظ.

وقد أطلق السيّد الخوئيّ S على هذا النوع من الدلالة اسم (الدلالة الأنسيّة)(١٩)؛ لأنّ هذه الدلالة ـ في نظره الشريف ـ لا تكون غرضاً للواضع حتّى تكون وضعيّة، وإنّما منشؤها أنس الذهن بالمعنى بسبب كثرة استعمال اللفظ فيه، لا الوضع، بل رفض العلّامة المظفّر S تسميتها بالدلالة أصلاً، بل يراها من قبيل تداعي المعاني(٢٠).

الثانية: الدلالة التصديقيّة الأولى: وهي دلالة اللفظ على كون المعنى مراداً للمتكلّم بالإرادة الاستعماليّة.

وهذه الدلالة تحتاج إلى إحراز كون المتكلّم بصدد التفهيم ومريداً له، فمع الشكّ فيه لا يكون للّفظ مثل هذه الدلالة، فضلاً عمّا إذا علم بعدم إرادته إيّاه، كما إذا علم كون المتكلّم نائماً، بل هذه الدلالة متوقّفة على عدم نصب قرينة متّصلة على الخلاف؛ إذ ذكر أنّ مجيء كلمة (يرمي) بعد قوله: (رأيت أسداً) ـ مثلاً ـ يمنع من دلالة كلمة (أسد) على أنّ المتكلّم أراد بها الحيوان المفترس وإن كان مدلولاً عليه بالدلالة التصوّريّة أو الأنسيّة أو تداعي المعاني.

أمّا وجود القرينة المنفصلة ـ كالمخصّص المنفصل ـ فإنّه لا يؤثّر في هذه الدلالة؛ فإنّ ظهور الكلام بعد انعقاده لا ينقلب عمّا وقع عليه، بل الذي يؤثّر فيها هو القرائن الحافّة بالكلام المتّصلة به فحسب.

وقد أطلق السيّد الخوئيّ S على هذا القسم من الدلالة اسم (الدلالة الوضعيّة)(٢١).

الثالثة: الدّلالة التصديقيّة الثانية(٢٢): وهي دلالة اللفظ على كون المعنى مراداً للمتكلّم بالإرادة الجدّيّة، أي: دلالة اللفظ على أنّ ما أراد المتكلّم تفهيمه بالكلام مطابق لإرادته الجدّيّة.

وتتوقّف هذه الدلالة ـ مضافاً إلى عدم نصب قرينة متّصلة على الخلاف ـ على عدم نصب قرينة منفصلة أيضاً.

وهذا القسم هو موضوع الحجّيّة ببناء العقلاء، والتي تحرز بالأصل العقلائيّ المعبَّر عنها تارةً بـ(أصالة الجدّ)، وأخرى بـ(أصالة الجهة).

المقدّمة الثانية: أنّ التعارض بين الأدلّة لا يتحقّق إلّا باعتبار كون كلّ منهما حجّة ودليلاً في نفسه لولا المعارضة، وهو ما يسمّى بالتعارض بين الحجّتين اللولائيّتين؛ إذ لا معنى لوقوع التعارض بين ما هو حجّة وما ليس بحجّة، فإذاانثلمت حجّيّة العامّ بالمخصِّص لم يصلح لأن يعارض غيره إلّا في حدود ما هو حجّة فيه بعد التخصيص، فتترتّب عليه قواعد التعارض.

وهذا البيان لا يختلف عمّا استدلّ به المحقّق النائينيّ S على انقلاب النسبة إلّا في الصياغة، حيث قال ما ملخصّه: (إنّ التعارض بين الأدلّة إنّما يكون بمقدار كشفها وحكايتها عن المراد النفس أمريّ. ومن الواضح أنّ تخصيص العامّ يقتضي تضييق دائرة كشفه وحكايته، فإنّ التخصيص يكشف ـ لا محالة ـ عن عدم كون عنوان العامّ تمام المراد، بل المراد هو ما عدا الخاصّ؛ لأنّ دليل الخاصّ لو لم يكشف عن ذلك يلزم لغويّة التعبّد به وسقوطه عن الحجّيّة، فلازم حجّيّة دليل المخصِّص هو سقوط دليل العامّ عن الحجّيّة في تمام المدلول، وقصر دائرة حجّيّته على ما عدا المخصِّص. وحينئذٍ لا معنى لجعل العامّ بعمومه طرفاً للنسبة؛ لأنّ النسبة إنّما تلاحظ بين الحجّتين، فالذي يكون طرفاً للنسبة هو الباقي تحت العامّ الذي يكون العامّ حجّة فيه؛ لأنّ ما سقطت حجّيّته لا معنى لأن يكون معارضاً)(٢٣).

فإذا تمّت هاتان المقدّمتان، نقول: لو ورد ـ على سبيل المثال ـ عامّان بينهما عموم من وجه، مثل: (يستحبّ إكرام العلماء) و(يكره إكرام الفسّاق)، فالعامّ الأوّل ظاهر في استحباب إكرام جميع العلماء باعتبار عدم اقترانه بما يضيّق دائرة دلالته التصديقيّة الأولى، فإذا ورد خاصّ مثل: (يجب إكرام العلماء العدول)، فسيختصّ العامّ الأوّل ـ وهو يستحبّ إكرام العلماء ـ في مرحلة الدلالة التصديقيّة الثانية بغير العدول من العلماء فقط، فيصير في حكم قوله: (يستحبّ إكرام العلماء الفسّاق)؛ لقيام القرينة المنفصلة ـ وهو الخاصّ ـ على عدم شمول حكم استحباب الإكرام للعدول من العلماء، فتختصّ حجّيّته حينئذٍ بالفسّاق من العلماء، وتكون النسبة بين (يستحبّ إكرام العلماء الفسّاق) وبين العامّ الثاني ـ وهو (يكره إكرام الفسّاق) ـ هي العموم المطلق بعد أن كانت عموماً من وجه قبل التخصيص؛ وذلك لملاحظة النسبة بين العامّين في حدود ما هما حجّة فيه، وهذا هو معنى انقلاب النسبة.

وهناك احتمال ثانٍ لعلّه يكون هو المراد من المقدّمة الأولى، احتمله بعض أعاظم العصر F(٢٤) وهو ما دعاه لطرح تقريب بديل عن هذا التقريب يتناسب مع هذا الاحتمال، سيأتي بيانه عند التعرّض للجواب عن دليل القائلين بانقلاب النسبة(٢٥).

وأجاب الرافضون لانقلاب النسبة عن هذا الاستدلال بأجوبة مجملة، وأخرى مفصّلة. 

أمّا المجملة فأهمّها:

أوّلاً: أنّ انثلام حجّيّة العامّ بعد تخصيصه بمخصِّص منفصل ـ لذلك يكون حجّة في الباقي بعد التخصيص؛ لأصالة عمومه بالنسبة إليه ـ مسلّم، ولكنّ انثلام ظهور العامّ في العموم بالتخصيص غير مسلّم، والنسبة إنّما هي بملاحظة الظهورات.

وإنكار ظهور العامّ في العموم بعد تخصيصه بالقطعيّ لكونه غير مستعمل في العموم حينئذٍ قطعاً مردود، بأنّ المقطوع به عدم إرادة العموم، لا عدم استعماله فيه لإفادة القاعدة الكلّيّة، فيعمل بعمومها ما لم يعلم تخصيصها، وإلّا لم يكن وجه في حجّيّته في تمام الباقي؛ لجواز استعماله حينئذٍ فيه وفي غيره من المراتب التي يجوز أن ينتهي إليها التخصيص، وأصالة عدم مخصِّص آخر لا يوجب انعقاد ظهور له، لا فيه ولا في غيره من المراتب؛ لعدم الوضع، ولا القرينة المعيِّنة لمرتبة منها كما لا يخفى؛ لجواز إرادتها وعدم نصب قرينة عليها.

نعم، ربّما يكون عدم نصب قرينة ـ مع كون العامّ في مقام البيان ـ قرينة على إرادة التمام، وهو غير ظهور العامّ فيه في كلّ مقام(٢٦)

ثانياً: أنّه بعد ما كان الظهور ـ بمعنى: الدلالة التصديقيّة النوعيّة ـ هو مناط الحجّيّة، والذي يرجع إلى الكشف النوعيّ الحاصل من وضع اللفظ، أو ما هو بحكمه، الصادر في حال الإفادة والاستفادة، فإنّ لازم ذلك كون ما هو الأقوى ظهوراً هو المقدّم في الحجّيّة. 

وأنّ توهّم لزوم ملاحظة النسبة بين الحجّتين وبين ما لا يكون حجّة جزماً، مدفوع، بأنّ مجرّد عموميّة النسبة وخصوصيَّتها لا يكون مناطاً للترجيح تعبّداً؛ فإنّ نتيجة تقديم أحد المنفصلين على الآخر ليس إلّا قصر حجّيّته على بعض مدلوله، ورفع اليد عن البعض الآخر، ومن البديهيّ أنّ قصر حجّيّته على بعض المدلول لا يوجب أقوائيّة دلالة الدليل؛ لأنّ ظهوره في مقدار الحجّيّة إنّما هو بعين ظهوره في التمام، والمفروض أنّ هذا الظهور أضعف من غيره، فكيف يقدّم مقدار الحجّيّة حينئذٍ على ما هو أقوى منه دلالةً بمحض أخصيّة نسبته(٢٧)؟!

ثالثاً: قد تقدّم أنّه لا خلاف في تقديم الخاصّ على العامّ مطلقاً؛ وذلك لعدم سماح الخاصّ بانعقاد ظهور تصديقيّ للعامّ في العموم إذا كان الخاصّ متّصلاً، وباعتبار كون الخاصّ قرينة على تخصيص العامّ فيخرج ظهور العامّ عن موضوع دليل الحجّيّة إذا كان الخاصّ منفصلاً.

وإنّما الخلاف في قرينيّة الخاصّ على التخصيص، هل هي بملاك الأخصّيّة مباشرةً؛ لأنّ الخاصّ يعتبر عند العقلاء قرينة بالنسبة إلى العامّ؛ لكونه أخصّ مضموناً منه، أو بملاك كونه أقوى الدليلين ظهوراً؟

وبناءً على القول بأنّ ملاك القرينيّة هو الأخصّيّة، فهل المراد بها الأخصّيّة عند المقارنة بين مفادي الدليلين في مرحلة الدلالة والإفادة، أم المراد بها الأخصّيّة عند المقارنة بين مفاديهما في مرحلة الحجّيّة؟

فهذا الجواب يعتمد على التفريق بين كون المعارضة من شأن الدلالة التي لم تسقط بعدُ عن الحجّيّة، وبين تحديد ملاك القرينيّة، فإنّ القرينيّة تمثّل بناءً عرفيّاً على تقديم الأخصّ، وليس من الضروريّ أن يراد بالأخصّ هنا الأخصّ من الدائرتين الداخلتين في مجال المعارضة، بل بالإمكان أن يراد الأخصّ مدلولاً في نفسه منهما، فأخصّيّة الدليل الأخصّ مدلولاً في نفسه هي السبب في تقديم المقدار الداخل منه في المعارضة على معارضه، بل هذا هو المطابق للمرتكزات العرفيّة؛ لأنّ النكتة في جَعل الأخصّيّة قرينة هي ما تسبِّبه الأخصّيّة ـ عادة ـ من قوّة الدلالة التي تحصل من الأخصّيّة مدلولاً، لا مجرّد سقوط حجّيّة العامّ الأوّل في بعض مدلوله؛ لأنّه لا يجعل دلالته ـ في وضوح شمولها للبعض الآخرـ على حدّ خاصّ يرد فيه مباشرة(٢٨)

وأمّا الجواب التفصيليّ فهو جواب بعض أعاظم العصر F في تقريراته(٢٩)، ورتّبناه ببيان منّا على مراحل:

المرحلة الأولى: ملاحظة النقاط التي ترتكز عليها فكرة انقلاب النسبة، وهي منحصرة في نقطتين:

النقطة الأولى: أنّ أحد العامّين يخصَّص بالخاصّ أوّلاً، فيتفرّع عليه أنّ العامّ المخصَّص كالخاصّ في تقدّمه على العامّ الآخر المعارض له.

النقطة الثانية: أنّ السرّ في تقدّم الخاصّ على العامّ، وانتفاء أصالة مطابقة الإرادة الاستعماليّة للإرادة الجدّيّة في العامّ عند وجوده هو: قوّة ظهور الخاصّ باعتبار تمركز الإرادة التفهيميّة في خصوص الحصّة، فيكون ظهوره فيه آكد وأقوى من ظهور العامّ في الحصّة.

المرحلة الثانية: بيان عدم تمامية النقطتين المتقدّمتين في نظر الرافضين لانقلاب النسبة.

أمّا النقطة الأولى فهي وإن كانت أمراً مفروغاً عنه في نظر أنصار انقلاب النسبة، بل حتّى في نظر بعض الرافضين لانقلاب النسبة ـ كالشيخ الأعظم وصاحب الكفاية كما مرّ بيانه ـ، وهو تامّ فيما إذا كان العامّ المبتلى بالخاصّ راجحاً أصلاً، إلّا أنّه مع ذلك لا حاجة حينئذٍ إلى دعوى انقلاب النسبة وغيرها لإدخال المجمع فيه.

وأمّا مع مرجوحيّة العامّ أو تساويه مع العامّ الآخر المعارض له فلا يتمّ ذلك أصلاً؛ لأنّ تخصيص العامّ يبتني على فرض ثبوته، وما لم يكن راجحاً لم يكن ثابتاً أصلاً.

فالحاصل: أنّه لا وجه لتقديم ملاحظة الخاصّ مع العامّ على العامّ المعارض له، مع أنّ الخاصّ والعامّ المعارض في عرض واحد مع العامّ المبتلى بالخاصّ في معارضتهما له.

وأمّا النقطة الثانية فإنّه قد تقدّم أنّ الخلاف واقع في سبب تقدّم الخاصّ على العامّ، فإن كان السبب في التقديم في نظر القائلين بانقلاب النسبة منحصر في كونه حجّة أخصّ لنكتة تسري إلى العامّ المخصَّص أيضاً، فما ذكر تامّ.

ولكنّ ذلك ممنوع..

أوّلاً: لأنّها مجرّد دعوى لم يذكروا دليلاً عليها، ولا برهان لهم يثبت ذلك. 

وثانياً: لأنّ السرّ في تقدّم الخاصّ على العامّ ليس هو كونه حجّة أخصّ، وإنّما هو قوّة ظهور الخاصّ باعتبار تمركز الإرادة التفهيميّة في خصوص الحصّة، فيكون ظهوره فيه آكد وأقوى من ظهور العامّ في الحصّة؛ لأنّه يشمل أفراده جميعاً بإرادة تفهيميّة عامّة، كما نلاحظ ذلك بوضوح في البيانات الدوليّة؛ فإنّ الأمر الواحد تختلف أهمّيّته إن ذكر بلفظ العموم أو صرّح به بالخصوص، وعلى هذا يجري بناء العقلاء، فإنّ المذكور بنحو العموم أقلّ أهمّيّة عندهم ممّا هو مذكور بنحو الخصوص.

فإذا كان هذا هو ملاك التقدّم فإنّه غير متحقّق في العامّ المخصَّص؛ فإنّ القرينة المنفصلة لا توجب هدم الظهور المنعقد، وإنّما توجب تحديد الحجّيّة وتضييقها، وهو ما اعترف به المستدلّ في المقدّمة الثانية، وهو ما لا يوجب أخصّيّة الظهور، بل يبقى العامّ على عمومه وشموله لحصصه وأفراده كما كان قبل التخصيص؛ فإنّ تضييق دائرة حجّيّة العامّ بما سوى مورد الخاصّ لا يوجب أقوائيّة ظهوره في الحصّة الباقية بعد التخصيص، والمفروض أنّ الأقوائيّة هي الملاك في تقدّم الخاصّ على العامّ.

وبهذا المقدار اكتفى الرافضون لانقلاب النسبة في أجوبتهم الإجماليّة على اختلاف عباراتهم في بيان هذا المعنى، كما تقدّم بيان ذلك.

إلّا أنّ بعض أعاظم العصر F لم يكتفِ بهذا المقدار من الجواب؛ لاحتمال أن يكون مراد المستدلّ خصوصاً من المقدّمة الأولى معنى آخر سيأتي التعرّض له ومناقشته.

المرحلة الثالثة: إثبات عدم وفاء المقدّمتين اللتين ذكرهما السيّد الخوئيّ S في استدلاله بالنقطتين اللتين ترتكز عليهما فكرة انقلاب النسبة.

أمّا المقدّمة الأولى فتتلخّص في أنّ الدلالة التصديقيّة الثانية تتحدّد بالقرينة المنفصلة، وهي بهذا المقدار تكاد تكون مبهمة؛ إذ إنّ تحديد الدلالة التصديقيّة الثانية وزوال موضوع أصالة التطابق له سببان، يمنعان من انعقاد هذه الدلالة ويورثان الشكّ فيها:

الأوّل: ورود القرينة المنفصلة، ومعه يتحقّق أساس فكرة انقلاب النسبة. 

والثاني: وجود العامّ المساوي أو الأرجح، ومعه لا يبقى عموم كي يخصَّص بالخاصّ المنافي له لتنقلب النسبة بين العامّين إلى العموم المطلق.

فكما أنّ الخاصّ المنفصل يذهب بموضوع أصالة التطابق، فكذلك وجود العامّ المساوي أو الأرجح، وبما أنّ العامّ الأوّل المبتلى بالخاصّ في مورد افتراقه مبتلى أيضاً بعامّ يعارضه في المجمع، والمفروض أنّ العامّ الآخر إمّا مساو له أو أرجح، فلا يحرز عمومه كي يخصَّص بالخاصّ.

إذن تحديد الدلالة التصديقيّة الثانية وزوالها لا ينحصر بورود القرينة المنفصلة كي يتحقّق أساس فكرة انقلاب النسبة، مضافاً إلى أنّ المقدّمة الأولى لم تبيّن وجه الطوليّة في تقديم ملاحظة الخاصّ مع العامّ على ملاحظة غير الخاصّ معه؛ فكما أنّ الخاصّ يعارض العامّ فكذلك يعارضه العامّ الآخر، فلماذا قدّم الخاصّ؟! وما الفرق بين الخاصّ المعارض وغيره ممّا يقدّم عليه أو يساويه فيتساقطان في الحصّة؟!

فالحاصل: أنّ المقدّمة الأولى لم تتكفّل ببيان وجه الطوليّة بين ملاحظة الخاصّ مع العامّ على ملاحظة غير الخاصّ معه.

لا يقال: إنّ القرينة المنفصلة تحدّد الدلالة التصديقيّة الثانية للعامّ، ولكنّ العامّ المعارض لا يرفعها، وإنّما هي من قبيل الحجج المتعدّدة.

لأنّا نقول: لا يمكن الالتزام بهذا؛ لأنّ من جملة المرجّحات مخالفة العامّة، وهي توجب حمل الموافق على التقيّة، ومعناه رفع اليد عن أصالة الجدّ وأصالة الجهة كما اعترف به المستدلّ.

وأمّا المقدّمة الثانية التي تتلخّص في أنّ العامّ بعد تخصيصه لا يكون حجّة في العموم كي يعارض العامّ الآخر لأنّ اللاحجّة لا يعارض الحجّة فيرد عليها: أنّ التخصيص إنّما يذهب بالعامّ في مورد الافتراق فحسب، وأمّا في المجمع فلم يرد له معارض كي يسقط بموجبه عن الحجّيّة، فكما أنّ العامّ غير المخصّص حجّة في المجمع، فكذلك العامّ المخصَّص حجّة فيه، فيكون كلّ واحد من العامّين حجّة في المجمع لولا المعارضة، فيكون من معارضة الحجّة مع الحجّة.

وبذلك يثبت ـ مضافاً لعدم تماميّة النقطتين اللتين ترتكز عليهما فكرة انقلاب النسبة ـ عدم وفاء المقدّمتين اللتين ذكرهما المستدلّ بالنقطتين المذكورتين، لذلك سيتمّ اقتراح صياغة جديدة لدعوى انقلاب النسبة، مضافاً إلى أنّ الصياغة الجديدة يحتمل أن تكون هي مراد السيّد الخوئيّ S خصوصاً من المقدّمة الأولى التي مهّدها لتقريب القول بالانقلاب.

المرحلة الرابعة: محاولة اقتراح تقريب دعوى انقلاب النسبة بنحو يندفع به الاعتراضان المسبّبان لعدم وفاء المقدّمتين اللتين ذكرهما السيّد الخوئيّ S في استدلاله بالنقطتين اللتين ترتكز عليهما فكرة انقلاب النسبة.

ومرجعه إلى إثبات الطوليّة بين ملاحظة الخاصّ مع العامّ وبين ملاحظة غير الخاصّ معه، وهو يتوقّف على أمرين:

الأوّل: أنّ الخاصّ مع العامّ لا يعدّان من قبيل حجّتين متعارضتين، بل هما ظهوران، وحجّيّة أحدهما في طول حجّيّة الآخر؛ وذلك لأنّ السرّ في تقدّم الخاصّ على العامّ هو أنّ أصالة الجدّ العقلائيّة ـ التي تثبت أنّ المراد التفهيميّ في العامّ مطابق للمراد الجدّيّ ـ قد أخذ في موضوعها الشكّ، فالخاصّ يتقدّم على العامّ لأنّه يرفع هذا الشكّ، وثانياً يضيّق موضوع أصالة التطابق في العامّ في حدود حصّته، فمع وجود الخاصّ يرتفع موضوع حجّيّة العامّ، فحجّيّة العامّ مفروضة في غير موارد تعارضه مع الخاصّ.

الثاني: أنّ الموارد التي تتعارض فيها الحجّة مع اللاحجّة خارجة موضوعاً عن نطاق قواعد التعارض؛ لأنّ مورد قواعد التعارض إنّما هو تعارض حجّتين لولائيّتين، أي أنّ التعارض بينهما لا يتحقّق إلّا حيث لا يكون في أيّ واحد من الحجّتين نقص سوى ما يعرضه نتيجة لتعارضه مع الحجّة الأخرى، فلكي يكون التعارض فيما بينهما مستقرّاً لا بدّ أن تكون أصالة التطابق جارية في كليهما لولا التعارض.

وعلى ضوء هذين الأمرين فإنّ كلَّاً من الخاصّ الوارد في مورد الافتراق والعامّ المعارض يشغل رتبة معيّنة في مقام المعارضة، فالأوّل منهما يحدّد موضوع حجّيّة العامّ، وأمّا الثاني فهو وإن أوجب انتفاء الحجّيّة عن العامّ المبتلى بالخاصّ، لكنّه ليس من ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه ليتّحد رتبة مع الخاصّ، بل هو من باب انتفاء الحكم عن موضوعه لوجود معارض مساو أو أقوى، وحينئذٍ تتحقّق الطوليّة بينهما، ويتعيّن الجمع العرفيّ بين هذين الظهورين المتعارضين لإمكانه، فلا تصل النوبة إلى إجراء قواعد التعارض المستقرّ.

المرحلة الخامسة: اختبار مدى صحّة الملاحظتين ـ اللتين ذكرتا في المرحلة الثانية كوجهين لعدم تماميّة مقدّمتي الدليل الأصليّ ـ وفق التقريب الجديد لفكرة انقلاب النسبة.

أمّا النقطة الأولى ـ التي كان حاصلها أنّه لا وجه لتقديم ملاحظة الخاصّ مع العامّ على العامّ المعارض له، مع أنّ الخاصّ والعامّ المعارض في عرض واحد مع العامّ المبتلى بالخاصّ في معارضتهما له ـ فالجواب عنها: أنّ تأثير الخاصّ والعامّ المعارض في العامّ المبتلى بالخاصّ ليسا في عرض واحد؛ فالخاصّ المنفصل يعتبر قرينة بالنسبة للعامّ، والقرينة وإن كانت غير مؤثّرة في ظهور العامّ؛ لكونها منفصلة، لكنّها من متمّماته بلحاظ الحجّيّة؛ فإنّ موضوع الحجّيّة ـ وهو أصالة التطابق بين مقامي الإثبات والثبوت ـ ينتفي بقيام القرينة على عدم كون جزء من الظهور مقصوداً بالإرادة الجدّيّة، وثبوت الحجّيّة للعامّ يتوقّف على ملاحظة الظهور العامّ الحاصل من ملاحظة القرائن الحاليّة والمقاليّة وما يرتبط بالحجّيّة من القرائن العرفيّة.

وعليه فمن الطبيعي أن يلاحظ العامّ المبتلى بالخاصّ مع خاصّه أوّلاً ويخصَّص به، ثمّ يلاحظ العامّ المخصَّص مع العامّ الآخر، فإنّ العامّ الآخر يعتبر معارضاً، ومرحلة التعارض متأخّرة عن ملاحظة العامّين بما لهما من التوابع والمكمّلات المؤثّرة في تحديد حجّيّتهما.

وأمّا النقطة الثانية ـ التي كان مفادها إنكار أن يكون العامّ المخصّص كالخاصّ في تقدّمه على العامّ المعارض له مع احتمال كون تقدّم الخاصّ على العامّ لقوّة ظهوره، وهذه الخاصّيّة غير متوفّرة في العامّ المخصَّص ـ فيجاب عنها بما تقدّم من تحقّق التعارض بين ظهور العامّ المخصَّص والعامّ الآخر، وحينئذٍ فإمّا أن يجمع بينهما وفق قواعد الجمع العرفيّ، أو تطبّق فيهما قواعد التعارض، والأخير باطل؛ لعدم تحقّق ضابط التعارض ـ وهو توفّر مقوّمات الحجّيّة من جميع الجهات مع التنافي بين مدلوليهما ـ في أحد الدليلين بتمام مدلوله أو ببعضه، فلا يمكن عدّه من التعارض؛ لأنّه والحال هذه من قبيل معارضة الحجّة مع اللاحجّة.

وعليه يتعيّن الجمع الدلاليّ بإجراء قواعد الجمع العرفيّ بين العامّ المخصَّص والعامّ المعارض له، وهو معنى انقلاب النسبة. 

المرحلة السادسة: إثبات أنّ التقريب المقترح لا يعدو كونه تصوّراً محضاً، لا يؤيّده شيء من الشواهد العقلائيّة ولا البراهين التي تقتضيها الصناعة.

والسبب في ذلك أمران:

الأوّل: أنّ العقلاء لا يؤيّدون الطوليّة في الحجّيّة بين الخاصّ والعامّ المعارض له في ملاحظته مع العامّ كي يقال: إنّ العامّ يلاحظ أوّلاً مع الخاصّ فيخصّصه، ثمّ يلاحظ العامّ المخصّص مع العامّ المعارض.

وتوضيح ذلك: أنّ الطوليّة في الحجّيّة إنّما تتصوّر في الكاشفين عن أمرين متنافيين يمتنع اتّصافهما معاً بالحجّيّة، وهذا الأمر يتحقّق في الخاصّ بملاك أقوائيّة الظهور، وفي ما سواه من المتعارضين غير المتكافئين ـ وهما العامّان فيما نحن فيه ـ بملاك آخر.

الثاني: أنّ العقلاء لا يؤيّدون كون مطلق الحجّة الأخصّ مقدّمة على الحجّة الأوسع، ويوضّحه اختلافهم في ذلك، وقد تقدّم اختيار كون السرّ في تقدّم الخاصّ على العامّ ليس هو كونه حجّة أخصّ، وإنّما هو قوّة ظهور الخاصّ باعتبار تمركز الإرادة التفهيميّة في خصوص الحصّة، فيكون ظهوره فيه آكد وأقوى من ظهور العامّ في الحصّة؛ لأنّه يشمل أفراده جميعاً بإرادة تفهيميّة عامّة، كما نلاحظ ذلك بوضوح في البيانات الدوليّة؛ فإنّ الأمر الواحد تختلف أهمّيّته إن ذكر بلفظ العموم أو صرّح به بالخصوص، وعلى هذا يجري بناء العقلاء؛ فإنّ المذكور بنحو العموم أقلّ أهمّيّة عندهم ممّا هو مذكور بنحو الخصوص.

فالنتيجة: أنّ الدليل المذكور لإثبات انقلاب النسبة غير تامّ.

أنواع التعارض بين أكثر من دليلين وصور انقلاب النسبة وعدمه

بما أنّ التعارض في كثير من أبواب الفقه يقع بين أكثر من دليلين، ممّا يستلزم كثرة الابتلاء بهذا البحث، فلا بدّ من استقصاء صوره، وبيان كيفيّة انقلاب النسبة في كلّ صورة ـ في نظر القائلين به ـ أو تقديم أقوى الظهورين بناءً على عدم الالتزام بانقلاب النسبة، وبيان نتيجة كلّ صورة على كلّ من القولين، فنقول:

إنّ التعارض بين أكثر من دليلين على أربعة أنواع:

النوع الأوّل(٣٠): ما إذا ورد عامّ ومخصِّصان منفصلان.

وبما أنّ النسبة بين المخصِّصين لا تخلو في المقام من واحدة من نسب ثلاث(٣١): هي إمّا التباين أو العموم المطلق أو من وجه، لذلك اشتمل هذا النوع على صور ثلاث:

الصورة الأولى(٣٢): ما إذا ورد عامّ وخاصّان منفصلان متباينان.

كما إذا قام دليل على وجوب إكرام النحويّين، ودليل آخر على عدم وجوب إكرام الكوفيّين منهم، وقام ثالث على عدم وجوب إكرام البصريّين منهم، فإنّ النسبة بين الخاصّين هي التباين، وبينهما وبين العامّ هي العموم المطلق.

ولا إشكال في هذه الصورة في تخصيص العامّ بكلّ من الخاصّين، بلا فرق بين القول بانقلاب النسبة والقول بعدمه؛ إذ لا يفرق الحال بين لحاظ العامّ مع كلا المخصِّصين في عرض واحد وبين لحاظه مع أحدهما بعد لحاظه مع الآخر؛ لأنّ نسبة العامّ إلى كلّ من المخصِّصين هي العموم المطلق على كلّ تقدير، فيجب تخصيص العامّ بكلا المخصِّصين، لذلك جعل الشيخ الأعظم S هذه الصورة من قبيل النسبة الواحدة بين المتعارضات على ما مرّ. 

ومثاله في الشرعيّات عموم قوله تعالى: {أَحَلَّ اللَّـه البَيعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}(٣٣) بملاحظة ما يدلّ على أنّه (لا ربا بين الوالد وَوَلَدِه)، وما يدلّ على أنّه (لا ربا بين الزوج وزوجته)، وما يدلّ على أنّه (لا ربا بين المسلم وبين الذمّيّ)، وما يدلّ على أنّه (لا ربا بين السيّد وعبده)(٣٤)، فالحكم بحرمة الربا باستثناء هذه الموارد. 

هذا فيما إذا لم يستلزم تخصيص العامّ بكليهما التخصيص المستهجن، أو بقاء العامّ بلا مورد، وإلّا فلا بدّ من الرجوع إلى واحدة من صور الترجيح الستّ المتقدّمة، فلا بدّ في مثله من معاملة التعارض بين العامّ ومجموع الخاصّين بإعمال المرجّحات السنديّة، وحينئذٍ فإمّا أن يكون الخاصّان متساويي الأفراد، بمعنى عدم إباء العامّ عن التخصيص بكلّ واحد من الخاصّين منفرداً، وإمّا أن يكون أحدهما أكثر أفراداً من الآخر بحيث يأبى العامّ عن تخصيصه بالأكثر بانفراده.

فعلى الثاني: لا شبهة في أنّه يخصّص العامّ بالخاصّ الآخر الذي لا يلزم من التخصيص به محذور الاستهجان، ويعامل مع ما يلزم منه المحذور معاملة التباين، إلّا إذا فرض كون العامّ أصنافيّاً، لا أفراديّاً، فلا يضرّ حينئذٍ كثرة أفراده بتخصيص العامّ به، كما هو ظاهر.

وعلى الأوّل: فإمّا أن لا يكون بين الخاصّين معارضة ذاتيّة، كما في المثال المتقدّم، وإمّا أن يكون.

فعلى الأوّل: إن أخذ بالخاصّين ـ ترجيحاً أو تخييراً ـ طرح العامّ ولا تعارض بينهما، وإن أخذ بالعامّ كذلك؛ فحيث إنّ المعارض للعامّ هو مجموع الخاصّين دون الجميع، يقع بين الخاصّين تعارض بالعرض، فيعامل معهما معاملة المتعارضين، فإن كان لأحد الخاصّين مزيّة على الآخر يؤخذ به ويخصّص به العامّ، ويطرح الآخر. 

وعلى الثاني: فلا بدّ من إعمال الترجيح بينهما أوّلاً، ثمّ تخصيص العامّ بالراجح منهما، ولا وجه حينئذٍ لإعمال الترجيح في العامّ؛ لأنّه فرع معارضة الخاصّين معه، فإذا كان الترجيح بينهما قد اقتضى قصر الحجّيّة بذي المرجّح منهما يسقط الآخر عن صلاحيّة المعارضة مع العامّ ولو بضميمة غيره، فينحصر المعارض للعامّ بالخاصّ الراجح، فيخصّص به العامّ؛ لأقوائيّة دلالته منه.

الصورة الثانية(٣٥): ما إذا ورد عامّ مطلقاً وخاصّان، بينهما ـ أي الخاصّين ـ نسبة العموم والخصوص المطلق، نحو: (أكرم العلماء) و(لا تكرم النحويّين منهم) و(لا تكرم الكوفيّين منهم).

وقد ذكر في علاج هذه الصورة ثلاثة وجوه:

الأوّل: وجوب تخصيص العامّ بأخصّ الخاصّين أوّلاً، ثمّ ملاحظة النسبة بين الباقي تحت العامّ وبين الخاصّ الآخر، فقد تنقلب النسبة من العموم المطلق إلى العموم من وجه، فإنّه بعد تخصيص قوله: (أكرم العلماء) بما عدا الكوفيّين من النحويّين ـ الذي هو أخصّ الخاصّين ـ تصير النسبة بينه وبين (لا تكرم النحويّين) عموماً من وجه؛ لأنّ النحويّ يعمّ الكوفيّ وغيره، والعالم غير الكوفيّ يعمّ النحويّ وغيره، فيتعارضان في العالم النحويّ غير الكوفيّ(٣٦).

وقد رفض هذا الوجه كلّ من الشيخ الأنصاريّ(٣٧) والمحقّق النائينيّ(٣٨) والسيّد الخوئيّ(٣٩)T بدعوى: أنّه بعد فرض كون نسبة الخاصّين إلى العامّ على حدّ سواء، لا وجه لتخصيص العامّ بأخصّ الخاصّين أوّلاً، ثمّ ملاحظة النسبة بين العامّ والخاصّ الآخر، فإنّه ترجيح بلا مرجّح.

وفيه نظر؛ لأنّ الترجيح بلا مرجّح لازم لو كانت النسبة بين الخاصّين هي التساوي، وما نحن فيه ليس كذلك، وحينئذٍ يمكن إمّا ترجيح التخصيص بأخصّ الخاصّين باعتباره القدر المتيقّن الخارج عن وجوب الإكرام، وهو ما صرّح المحقّق النائينيّ نفسه بكونه من المرجّحات الدلاليّة، حيث قال: (ومنها ـ أي المرجّحات ـ ما إذا كان لأحد الدليلين قدر متيقّن في مقام التخاطب؛ فإنّه يكون كالنصّ فيه فيوجب التصرّف في معارضه)(٤٠)، أو ترجيح التخصيص بأعمّ الخاصّين باعتباره شاملاً لكلا الخاصّين، وهو ما اختاره المعترضون أنفسهم.

الثاني: وجوب تخصيص العامّ بكلا الخاصّين، فيحكم بحرمة إكرام خصوص الكوفيّ من النحويّين، وبحرمة إكرام النحويّين بقول مطلق إن لم يلزم التخصيص المستهجن، أو بقاء العامّ بلا مورد.

وأمّا إذا لزم منه ذلك فقد قيل حيث إنّ المحذور لا يكون إلّا من جهة عدم صلاحيّة الأعمّ من الخاصّين لتخصيصه، وإلّا فصلاحيّته لذلك ملازمة لصلاحيّة الأخصّ أيضاً لتخصيصه، فلا محالة لا بدّ من تخصيصه بالخاصّ الأخصّ، والرجوع إلى المرجّحات السنديّة بين العامّ والخاصّ الأعمّ، كما أشير إليه آنفاً(٤١)، وحكى المحقّق العراقيّ S عن بعض الأعاظم القول: بإلحاق حكمه بالصورة الأولى، خصوصاً على مختاره من انقلاب النسبة(٤٢)

إن قلت: إنّه بعد تخصيص العامّ بأحد الخاصّين الذي نتيجته حرمة إكرام النحويّين بقول مطلق، يكون ذكر الأخصّ لغواً؛ إذ إنّه بعد القول بحرمة إكرام النحويّين مطلقاً لا فائدة في ذكر حرمة إكرام الكوفيّين منهم.

قلنا: إنّه يمكن أن يكون تخصيص العامّ بالأخصّ ـ مع تخصيصه بالخاصّ ـ إمّا على نحو تعدّد المطلوب بالتشكيك في المبغوضيّة أو المحبوبيّة مثلاً، أو لغرض من الأغراض، كما لو كان السؤال عن ذلك الأخصّ، أو كان محلّ الحاجة، أو لأجل أهمّيّته، أو لكونه الغالب، أو غير ذلك من الأغراض الموجبة لذكر الأخصّ.

الثالث: (التفصيل بين ما إذا كان الحكم في الخاصّين قد أحرز كونه على نحو وحدة المطلوب، وبين ما إذا أحرز كونه على نحو تعدّد المطلوب، بأن يكون إكرام مطلق النحويّ مبغوضاً، وإكرام الكوفيّ من النحويّين مبغوضاً آخر بنحو أشدّ. 

فعلى الأوّل: يخصّص العامّ بأخصّ الخاصّين؛ لأنّه كما يخصَّص به العامّ يخصَّص به الخاصّ الأعمّ أيضاً حسب إحراز وحدة المطلوب فيهما، ومع تخصيصه به يخرج عن الحجّيّة فيما عدا مورد الأخصّ، فلا يصلح للمعارضة مع العامّ كي تلاحظ النسبة بينه وبين العامّ فيخصّص به، بل العامّ يبقى على حجّيّته في ما عدا مورد الخاصّ الأخصّ، وهو الكوفيّ من النحويّين، من غير أن تزاحمه حجّة أخرى. 

وعلى الثاني: فمع بقاء المجال في بدو الأمر لتخصيص العامّ بكلّ من الخاصّين، ولكن بعد خروج أخصّهما من حكم العامّ على كلّ تقدير، إمّا مستقلَّاً وإمّا في ضمن الخاصّ الأعمّ، تنقلب النسبة بين العامّ وبين الخاصّ الأعمّ إلى العموم من وجه؛ لأنّ النحويّ يعمّ الكوفيّ وغيره، والعالم الكوفيّ يعمّ النحويّ وغيره، فعلى القول بالانقلاب تقع المعارضة بينهما في مورد الاجتماع، وهو النحويّ غير الكوفيّ، حيث كان مقتضى العامّ وجوب إكرامه، وكان مقتضى الخاصّ الأعمّ حرمة إكرامه؛ لأنّ تخصيص العامّ بأخصّ الخاصّين قهريّ؛ للعلم بعدم حجّيّة العامّ بالنسبة إليه؛ لخروجه عن تحته على كلّ تقدير، وحينئذٍ فعلى القول بالانقلاب لا محيص من لحاظ نسبة العموم من وجه بين العامّ وبين الخاصّ الأعمّ، لا نسبة العموم المطلق بينهما، وعلى القول بعدم انقلاب النسبة في التخصيصات المنفصلة فإنّ العامّ يخصّص بهما جميعاً)(٤٣).

نعم، لو كان أخصّ الخاصّين دليلاً لفظيّاً متّصلاً بالعامّ من قبيل الصفة أو الشرط أو بدل البعض أو الاستثناء كانت النسبة بين هذا التركيب ـ أعني العامّ المتّصل به الأخصّ ـ وبين الخاصّ الآخر العموم من وجه؛ للفرق بين المخصِّص المتّصل والمنفصل(٤٤)، كما لو قال: (أكرم العلماء من النحويّين غير الكوفيّين)، فإنّ النسبة بينه وبين (لا تكرم النحويّين) العموم من وجه؛ لأنّ النسبة إنّما تلاحظ بين الكلامين بما لهما من الخصوصيّات المحتفّة بهما، فإنّ لحاظ النسبة إنّما يكون بين الظهورات الكاشفة عن المرادات، وللخصوصيّات دخل في انعقاد الظهور، فإنّ اتّصال الأخصّ بالعامّ كاشف عن عدم تعلّق الإرادة الاستعماليّة بالنسبة إلى ما يشمله الأخصّ، فلا ينعقد للعامّ ظهور بالنسبة إليه من أوّل الأمر، فتكون النسبة بين العامّ والخاصّ المنفصل هي العموم من وجه(٤٥).

وبسبب معاملة التخصيص بالاستثناء معاملة التخصيص بالمتّصل صحَّح الشيخ الأنصاريّ S كون النسبة بين قوله: (ليس في العارية ضمان إلّا الدينار والدرهم) وبين ما دلّ على ضمان الذهب والفضّة عموماً من وجه، فيرجّح الأوّل؛ لأنّ دلالته بالعموم ودلالة الثاني بالإطلاق، أو يرجع إلى عمومات نفي الضمان، وحكى عن غير واحد من متأخّري المتأخّرين تقوية ذلك(٤٦)، وسيأتي تفصيل ذلك في فصل التطبيقات(٤٧).

وإنّما قيّدنا ذلك بكون أخصّ الخاصّين دليلاً لفظيّاً متّصلاً بالعامّ؛ لأنّه لو لم يكن كذلك لما بقي سوى احتمال توهّم كون العامّ مخصَّصاً بالإجماع أو العقل بدعوى أنّه كالمتّصل، وهو مندفع بأنّ التنافي بين المتعارضين إنّما يكون بين ظاهري الدليلين، وظهور الظاهر إمّا أن يستند إلى وضعه، وإمّا أن يستند إلى القرينة المبيِّنة للمراد، وعلى كلا التقديرين لا بدّ من إحراز الظهور حين التعارض وقبل علاجه؛ لأنّ العلاج راجع إلى دفع المانع، لا إلى إحراز المقتضي.

فالعامّ المذكور ـ بعد ملاحظة تخصيصه بالإجماع أو العقل ـ إن لوحظ بالنسبة إلى وضعه للعموم مع قطع النظر عن تخصيصه بذلك الدليل، فذلك الدليل والمخصِّص اللفظيّ سواء في المانعيّة عن ظهور العامّ في العموم، فترفع اليد عن الموضوع له بهما.

وإن لوحظ بالنسبة إلى المراد منه ـ بعد التخصيص بهما أيضاً ـ فلا ظهور له في إرادة العموم باستثناء ما خرج بهما إلّا بعد إثبات كونه تمام الباقي، وهو غير معلوم، إلّا بعد نفي احتمال مخصِّص آخر ولو بأصالة عدمه، وإلّا فهو مجمل مردّد بين تمام الباقي وبعضه؛ لأنّ الإجماع أو العقل قرينة صارفة عن العموم لا معيِّنة لتمام الباقي، وأصالة عدم المخصِّص الآخر في المقام غير جارية مع وجود المخصِّص اللفظيّ، فلا ظهور للعامّ المخصَّص بالإجماع أو العقل في تمام الباقي حتّى تكون النسبة بينه وبين المخصِّص المنفصل عموماً من وجه.

وتطرّق الأصوليّون إلى مسألة تتفرّع عن هذه الصورة، وحاصلها: أنّه لو فرض وجود عامّ لم يتّصل به مخصِّص أصلاً، نحو (أكرم العلماء)، وعامّ آخر اتّصل به أخصّ الخاصّين، نحو (أكرم العلماء إلّا المرتكب للكبائر)، والخاصّ المنفصل الآخر نحو (يحرم إكرام العالم العاصي)(٤٨)

في مثل ذلك ذهب المحقّق النائينيّ S إلى لزوم تخصيص العامّ الأوّل بالمخصِّص المتّصل بالعامّ الثاني، ثمّ ملاحظة النسبة بينه وبين المخصِّص المنفصل، وهي العموم من وجه، فتقع المعارضة بينهما في مادّة الاجتماع، وهو العالم المرتكب للكبيرة، فيعامل معها معاملة المتعارضين.

واستدلّ بوجهين:

الأوّل: أنّ العامّ الأوّل قد تخصَّص بالمخصِّص المتّصل بالعامّ الثاني يقيناً؛ لعدم المعارضة بين الخاصّين بالنسبة إلى المقدار المشمول للأخصّ منهما، فيكون مفاد العامّ الأوّل عين مفاد العامّ الثاني المتّصل به أخصّ الخاصّين، وهو وجوب إكرام العالم غير المرتكب للكبيرة، ومن الواضح أنّ النسبة بينه وبين الخاصّ الآخر المنفصل ـ وهو حرمة إكرام العالم العاصي ـ هي نسبة العموم من وجه.

الثاني: أنّ الخاصّ المنفصل ـ وهو (يحرم إكرام العالم العاصي) ـ معارض بالعامّ الثاني المتّصل به أخصّ الخاصّين وهو (أكرم العلماء إلّا مرتكب الكبيرة)، فلا يكون صالحاً لتخصيص العامّ الأوّل(٤٩).

إلّا أنّ السيّد الخوئيّ S اختار معاملته معاملة المخصِّص المنفصل، ثمّ تخصيص العامّ بكلا المخصِّصين، فتكون النتيجة حينئذٍ وجوب إكرام العلماء إلّا مرتكب المعصية، باعتبار انفصالهما عن العامّ الأوّل. 

وأجاب عن أوّل استدلالي المحقّق النائينيّ S بما تقدّم من أنّه (لا وجه لتخصيص العامّ بأحد المخصِّصين أوّلاً، ثمّ ملاحظة النسبة بينه وبين الخاصّ الآخر)(٥٠).

وفيه نظر؛ إذ إنّ المانع من التخصيص بأحد المخصِّصين أوّلاً إن كان هو لزوم ترجيح أحد الخاصّين بلا مرجّح بعد فرض كون نسبة كلّ من الخاصّين إلى العامّ على حدّ سواء، فهو ممنوع في خصوص المقام؛ لكون أحد المخصِّصين متّصلاً مانعاً من انعقاد ظهور تصديقيّ للعامّ في العموم، في حين أنّ الآخر منفصل، فهو قرينة تخرج ظهور العامّ عن موضوع دليل الحجّيّة.

وأجاب عن ثاني الاستدلالين بأنّه: (وإن كان صحيحاً، إلّا أنّه لا ينتج التعارض بين العامّ الأوّل والخاصّ المنفصل، فإنّه بعد ابتلاء الخاصّ المنفصل بالمعارض ـ وهو العامّ الثاني المخصَّص بالمتّصل ـ لا بدّ من معالجة التعارض بينهما أوّلاً، ثمّ ملاحظة العامّ الأوّل، فإن قلنا بالتساقط فلا مانع من الرجوع إلى العامّ، وإن قلنا بالرجوع إلى المرجّحات أو إلى التخيير ـ مع فقدانها ـ فإن أخذنا بالعامّ المتّصل به أخصّ الخاصّين للترجيح أو التخيير يطرح الخاصّ المنفصل، فيبقى العامّ الأوّل بلا معارض أيضاً، وإن أخذنا بالخاصّ المنفصل ـ للترجيح أو التخيير ـ يخصَّص به العامّ الأوّل؛ لكونه أخصّ مطلقاً بالنسبة إليه، فلا يكون بين العامّ الأوّل والمخصِّص المنفصل تعارض على كلّ حال)(٥١).

الصورة الثالثة(٥٢): وهي صورة ما إذا ورد عامّ وخاصّان بينهما نسبة العموم من وجه، فالعامّ نحو: (أكرم العلماء)، والخاصّ الأوّل نحو: (لا تكرم العالم الفاسق)، والخاصّ الثاني نحو: (لا تكرم العالم الشاعر)(٥٣).

ولهذه الصورة حالتان:

الأولى: حالة عدم تقدّم أحد الخاصّين على الآخر زماناً، والمراد من عدم التقدّم الزمانيّ صدور الخاصّين من معصوم واحد، ففي هذه الحالة اتّفقوا على أنّ الحكم هو تخصيص العامّ بكلا المخصِّصين ـ كما هو الحال في صورة تباين الخاصّين المتقدّمة ـ ما لم يستلزم التخصيص المستهجن أو بقاء العامّ بلا مورد، كما لو كان جميع أو أكثر العلماء المراد إكرامهم شعراء أو فسّاقاً ـ والعياذ بالله ـ.

الثانية: حالة تقدّم أحد الخاصّين زماناً على الآخر، كما لو كان العامّ صادراً عن أمير المؤمنين g، وأحد الخاصّين عن الإمام الباقر g، والخاصّ الآخر عن الإمام الصادق g. 

وفي مثل هذه الحالة يمكن الالتزام بتخصيص العامّ بالخاصّ الأسبق زماناً؛ إذ به يكشف عدم تعلّق الإرادة الجدّيّة من لفظ العامّ بالمقدار المشمول له، فلا يكون العامّ حجّة بالنسبة إليه، فتصير النسبة بين العامّ المخصَّص بالأسبق زماناً وبين الخاصّ المتأخّر نسبة العموم من وجه، بعد أن كانت عموماً مطلقاً قبل التخصيص.

إلّا أنّ السيّد الخوئيّ S رفض ذلك بتنزيل المعصومين i كلّهم منزلة المتكلّم الواحد، وأنّهم يخبرون عن الأحكام المجعولة في الشريعة المقدّسة في عصر النبيّ e؛ إذ لولا ذلك لم يكن وجه لتخصيص أيّ عامّ في كلام أحدهم g بالخاصّ الصادر عن معصوم غيره(٥٤).

وبعبارة أخرى: إنّ الخاصّ وإن كان متأخّراً عن العامّ بحسب مقام الإثبات، إلّا أنّه مقارن له بحسب مقام الثبوت، فكما أنّ الخاصّ المتقدّم زماناً يكشف عن عدم تعلّق الإرادة الجدّيّة من لفظ العامّ بالمقدار المشمول له، كذلك الخاصّ المتأخّر، وكلاهما في مرتبة واحدة.

النوع الثاني(٥٥): ما إذا ورد عامّان من وجه متعارضان مع ورود مخصِّص ما.

ويتصوّر في هذا النوع ثلاث صور أيضاً:

الصورة الأولى: أن يرد المخصِّص على مورد الاجتماع، وهو لا محالة يكون أخصّ مطلقاً من كلا العامّين المتعارضين، فيقدّم عليهما، وبه يرتفع التعارض، وقد تقدّم بيان حكم هذه الصورة، وأنّها من موارد كون كلّ من مورد التعارض وإمكان الجمع بين المتعارضات بيّناً، وقد ذكرنا هناك أنّها من الصور الخارجة عن بحث انقلاب النسبة(٥٦).

فلو كان هناك عامّ مثل: (أكرم العلماء) وآخر بينه وبين سابقه عموم من وجه، مثل: (لا تكرم الفسّاق)؛ إذ يجتمعان في العالم الفاسق ويفترقان في العالم العادل والفاسق غير العالم، فإذا ورد دليل ثالث أخصّ منهما، كأن يدلّ على كراهة إكرام العالم الفاسق الذي يمثّل مورد الاجتماع، فيقدّم عليهما، وبتقديمه يرتفع التعارض، وتكون النتيجة هي كراهة إكرام العالم الفاسق.

ولا مجال في هذه الصورة لتوهّم انقلاب النسبة، كما ورد ذلك في واحد فقط من تقريرات السيّد الخوئيّ S(٥٧)، بدعوى ملاحظة أحد العامّين مع الخاصّ أوّلاً، ثمّ يلاحظ مع العامّ الآخر، فربّما انقلبت النسبة بينهما من العموم من وجه إلى العموم المطلق؛ لأنّ ملاحظة الخاصّ مع أحد العامّين وتخصيصه به دون الآخر ترجيح بلا مرجّح.

الصورة الثانية: أن يرد المخصِّص على مورد افتراق أحد العامّين من وجه عن الآخر، وفيه حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون التخصيص وارداً على مادّة الافتراق بتمامها. 

فيقدّم الخاصّ على العامّ فتنقلب النسبة بين العامّين من وجه إلى العموم المطلق لا محالة، فيقدّم العامّ الذي خرجت منه مادّة الافتراق على العامّ الآخر.

مثاله: ما لو ورد ما يدلّ على استحباب إكرام العلماء، ثمّ ورد ما يدلّ على حرمة إكرام الفسّاق، فإذا دلّ دليل ثالث على وجوب إكرام العالم العادل، وقع التعارض بين الأوّل والثاني في مورد الاجتماع، وهو العالم الفاسق ـ والعياذ بالله ـ، وبعد تخصيص دليل الاستحباب بدليل الوجوب، وإخراج العالم العادل عنه ينحصر مورده بالعالم الفاسق، فيكون أخصّ مطلقاً من دليل الحرمة، فيقدّم عليه لا محالة، فتكون النتيجة وجوب إكرام العالم العادل، واستحباب إكرام العالم الفاسق، وحرمة إكرام الفاسق الجاهل(٥٨).

الحالة الثانية: أن يكون التخصيص وارداً على بعض مادّة الافتراق.

كما إذا دلّ الدليل الثالث في المثال المتقدّم على وجوب إكرام العالم العادل الهاشميّ، فيبقى التعارض على حاله، فلا بدّ من علاجه إمّا بالترجيح أو بالتخيير؛ لأنّ النسبة التي كانت بين المتعارضين ـ وهي العموم من وجه ـ لم تنقلب عمّا كانت عليه، بل هي باقية على حالها بعد تخصيص أحدهما أيضاً.

الصورة الثالثة(٥٩): أن يقع التعارض بين عامّين من وجه، وورد المخصِّص على مادّة الافتراق في كلّ منهما(٦٠).

فلو ورد عامّان بينهما عموم من وجه مثل: (يستحبّ إكرام العلماء) و(يكره إكرام الفسّاق)، ثمّ ورد مخصّص لكلّ واحد من هذين العامّين يعارضه في مورد افتراقه عن العامّ المعارض له، مثل: (يجب إكرام العلماء العدول) و(يحرم إكرام الجاهل الفاسق).

وبعبارة أخرى: دلّ دليل على استحباب إكرام العلماء، ودلّ آخر على كراهة إكرام الفسّاق، وهما عامّان بينهما عموم من وجه، يجتمعان في العالم الفاسق، ويفترق الأوّل في العالم العادل، والثاني في الجاهل الفاسق، ثمّ دلّ دليل ثالث على وجوب إكرام العالم العادل، ورابع على حرمة إكرام الفاسق الجاهل، فيقع التعارض بين دليل الاستحباب ودليل الكراهة في مادّة الاجتماع.

فبعد تخصيص دليل الاستحباب بدليل الوجوب ـ لكونه أخصّ منه ـ يكون مورد دليل الاستحباب منحصراً في العالم الفاسق.

وكذلك دليل الكراهة بعد تخصيصه بدليل الحرمة ينحصر مورده في العالم الفاسق أيضاً، فتصير النسبة بينهما بعد هذين التخصيصين هي التباين؛ لدلالة أحدهما على استحباب إكرام خصوص العالم الفاسق، والآخر على كراهته.

وحينئذٍ يقع الكلام في أمرين:

الأمر الأوّل: في تحديد أطراف المعارضة، وفيه قولان:

أحدهما: هو مختار السيّد الخوئيّ S من القول بثبوت التعارض بين الأدلّة الأربعة جميعاً، والوجه في ذلك: (أنّ منشأ التعارض ـ في أمثال هذه المقامات ـ إنّما هو العلم الإجماليّ بعدم صدور أحد المتعارضين، وفي المقام ليس لنا علم إجماليّ بعدم صدور خصوص أحد العامّين من وجه، بل لنا علم بعدم صدور أحد هذه الأدلّة الأربعة؛ إذ لو لم يصدر أحد العامّين أو أحد الخاصّين لم يكن تناف بين الثلاثة الباقية. أمّا لو لم يصدر أحد العامّين فواضح. وأمّا لو لم يصدر أحد الخاصّين فلأنّه بعد تخصيص أحد العامّين يصير أخصّ من العامّ الآخر، فيخصَّص به)(٦١).

ثانيهما: هو مختار المحقّق النائينيّ S من أنّ التعارض يختصّ بالعامّين فقط(٦٢)؛ لأنّه بعد تخصيص كلّ من العامّين بالنسبة إلى مادّة الافتراق ينحصر مفاد العامّين في مادّة الاجتماع، فيقع التعارض بينهما في مادّة الاجتماع بالتباين. أمّا الخاصّان فلا تعارض بينهما؛ لاختلاف موضوعهما، ولا تعارض بينهما وبين العامّين؛ لإمكان الجمع الدلاليّ بين كلّ عامّ مع خاصّه.

الأمر الثاني: في كيفيّة علاج التعارض على كلا القولين:

على القول الأوّل لا بدّ من ملاحظة قواعد الترجيح بين الأدلّة الأربعة بطرح أحدها والأخذ بالثلاثة الباقية، أو التخيير بينها جميعاً عند فَقد المرجّح بطرح أحدها والأخذ بالباقي أيضاً؛ لأنّ منشأ التعارض في مثل هذه المقامات ـ في نظره الشريف ـ إنّما هو العلم الإجماليّ بعدم صدور أحد المتعارضين، وهو غير متحقّق في المقام. نعم، ما يحصل هو علم إجماليّ بعدم صدور هذه الأدلّة الأربعة؛ إذ لو لم يصدر أحد العامّين أو أحد الخاصّين لم يكن تناف بين الثلاثة الباقية(٦٣).

وعلى القول الثاني بناءً على القول بانقلاب النسبة يخصَّص كلّ عامّ بمخصِّصه، ثمّ يلاحظ العامّان المخصَّصان، فتنقلب النسبة إلى التباين.

وبناءً على عدم انقلاب النسبة لا بدّ من ملاحظة كلّ عامّ مع العامّ الآخر، فإذا كان أحدهما راجحاً فيقدّم الراجح على الآخر في مورد تنافيهما، وهو المجمع، ثمّ يخصَّص العامّ المرجوح به، ثمّ يخصّص العامّ الراجح بأحد الخاصّين، وأمّا العامّ المرجوح ـ الذي خصّصناه بالعامّ الراجح ـ فيقدّم خاصّه عليه؛ لكونه أظهر من العامّ؛ لتركيزه على حصّة خاصّة بخلاف العامّ، لا لقرينيّة الخاصّ على المراد بالعامّ؛ لأنّه يستلزم بقاء العامّ بلا مورد؛ لأنّ المفروض تخصيصه أوّلاً بالعامّ الراجح بإخراج المجمع عنه، فإذا خصّصناه ثانياً بالخاصّ لزم إعدام جميع أفراده(٦٤)

النوع الثالث(٦٥): ما إذا ورد دليلان متباينان وورد مخصِّص ما.

ويتصوّر فيه أيضاً ثلاث صور:

الصورة الأولى: إذا ورد المخصِّص على أحدهما:

كما إذا دلّ دليل على وجوب إكرام العلماء، ودليل آخر مباين له يدلّ على عدم وجوب إكرام العلماء، وثالث يدلّ على وجوب إكرام العالم العادل، ففي مثل هذه الحالة يخصَّص أحد المتباينين ـ وهو الدالّ على عدم وجوب إكرام العلماء ـ بالدليل الثالث، فيخرج العالم العادل منه، فتنقلب النسبة بين المتباينين إلى العموم المطلق.

ولهذه الصورة تطبيقات فقهيّة كثيرة أبرزها مسألة إرث الزوجة من العقار، كما سيأتي بيانه في مقام التطبيقات.

الصورة الثانية: إذا ورد المخصِّص على كلّ واحد من الدليلين المتباينين مع عدم التنافي بين المخصِّصين في أنفسهما أصلاً، كما إذا دلّ دليل على كفاية الغسل مرّة واحدة في رفع النجاسة من غير اعتبار التعدّد في حصول الطهارة، ودلّ ثانٍ على عدم كفايته واعتبار التعدّد، فهما متباينان، ودلّ ثالث على التعدّد في الغسل بالماء القليل، وهو المخصِّص للأوّل، ودلّ رابع على عدم اعتبار التعدّد في الغسل بالجاري، وهو مخصِّص للثاني.

فبعد أن كان الأوّلان متباينين انقلبت النسبة بينهما بعد ورود المخصِّص على كلّ واحد منهما إلى العموم من وجه فيتعارضان في مادّة الاجتماع ـ وهي الغسل بالكرّ(٦٦) ـ فيتعامل معهما معاملة المتعارضين من لزوم الترجيح أو التخيير. 

الصورة الثالثة: هي عين الصورة السابقة مع التنافي بين المخصِّصين بالعموم من وجه:

كما إذا دلّ دليل على وجوب إكرام العلماء، ودلّ آخر على عدم وجوب إكرامهم، وثالث على وجوب إكرام العالم العادل، ورابع على عدم وجوب إكرام العالم النحويّ.

وفي مثل هذه الحالة لا تختلف النتيجة على القول بانقلاب النسبة أو عدمه، وهي الحكم بوجوب إكرام العالم العادل غير النحويّ، وبعدم وجوب إكرام العالم الفاسق النحويّ، وأمّا إكرام العالم العادل النحويّ فيرجع فيه إمّا للأصول العمليّة أو الترجيح أو التخيير.

والوجه في ذلك: أمّا على القول بانقلاب النسبة فلأنّ النسبة بين المتباينين ستنقلب ـ بعد خروج العالم النحويّ من الأوّل وخروج العادل من الثاني ـ إلى العموم من وجه؛ إذ يجتمعان في العالم العادل النحويّ، ويفترقان في العالم العادل غير النحويّ، وفي العالم الفاسق النحويّ.

وأمّا على القول بعدمه فلسقوط العامّين عن الاعتبار رأساً فلا يبقى إلّا الأخذ بالخاصّين، وحيث إنّ المفروض أنّ بينهما عموماً من وجه، فيعمل بهما في مورد افتراقهما، ويرجع إلى الأصول العمليّة أو الترجيح أو التخيير في مورد الاجتماع، وهو العالم العادل النحويّ.

النوع الرابع(٦٧): أن تكون النسبة بين ثلاثة أدلّة عموماً من وجه، ثمّ يرد رابع.

مثاله: (أكرم العلماء) و(لا تكرم الفسّاق) و(يستحبّ إكرام الشعراء)، فالثلاثة تجتمع في العالم الفاسق الشاعر، وفيه ثلاث صور أيضاً:

الصورة الأولى: أن يرد دليل رابع يخرج مورد الاجتماع عن مفاد الأدلّة الثلاثة، فتنقلب النسبة بين الأدلّة الثلاثة إلى التباين بلا معارضة.

الصورة الثانية: الحالة المتقدّمة بعينها، لكنّ الدليل الرابع يخرج مورد الافتراق عن جميع الأدلّة الثلاثة، فتنقلب النسبة بين الثلاثة إلى التباين مع المعارضة بينها؛ لأنّ مجمع العناوين يكون مورداً للنفي والإثبات.

الصورة الثالثة: الحالة المتقدّمة بعينها، لكنّ الدليل الرابع يخرج مورد الافتراق عن أحد الأدلّة الثلاثة، فقد تنقلب النسبة بينه وبين الآخرَين إلى العموم المطلق، فيخصَّصان به.

ولا بدّ من التنبيه على أنّنا لم نذكر نتائج بعض الصور المتقدّمة بناءً على رأي القائلين بعدم انقلاب النسبة، وهي التي تكون النتيجة فيها مغايرة للنتيجة على القول بالانقلاب؛ لبقاء الدليل المخصَّص في نظر القائلين بعدم انقلاب النسبة على حاله من حيث معارضته للدليل الآخر قبل التخصيص، فلا يؤثّر في نسبته إليه ورود المخصِّص.

المقام السادس: نماذج من تطبيقات انقلاب النسبة

تمتاز هذه القاعدة بتأثيرها في نتائج كثير من المسائل الفقهيّة، فمضافاً لما تقدّم الإشارة إليه من تطبيقات(٦٨)، سنتعرّض لذكر مجموعة أخرى منها هنا، ونوكل استيعاب باقي التطبيقات إلى دراسة أوسع:

التطبيق الأوّل: جريانها في إثبات حجّيّة خبر العدل(٦٩).

من الإشكالات الواردة على أدلّة حجّيّة خبر العدل وقوع التعارض بينها وبين عموم الآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم، وأنّ النسبة بينهما العموم من وجه، والمرجع في أمثال ذلك إلى أصالة عدم الحجّيّة.

وهو ما قد أجيب عنه بأجوبة متعدّدة، نذكر منها ما يتعلّق ببحث انقلاب النسبة، وحاصله: أنّ النسبة بين أدلّة حجّيّة خبر العدل ـ كمفهوم آية النبأ مثلاً ـ وبين الآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم، هي نسبة العموم والخصوص المطلق، وقد بيِّنت ببيانين:

الأوّل: أنّ المراد بالنبأ في المنطوق ما لا يعلم صدقه ولا كذبه، فيكون المفهوم أخصّ مطلقاً من تلك الآيات فيتعيَّن تخصيصها؛ بناءً على ما تقرَر عندهم من أنّ ظهور الجملة الشرطيّة في المفهوم أقوى من ظهور العامّ في العموم(٧٠).

الثاني: أنّه اعتماداً على كبرى تبعيّة المفهوم للمنطوق في العموم والخصوص، فإنّ المنطوق في آية النبأ يختصّ بخبر الفاسق الذي لا يفيد العلم كما يظهر من التعليل، فكذلك المفهوم يتبعه في الاختصاص بخبر العدل الذي لا يفيد العلم، فتكون النسبة بين المفهوم وبين عموم الآيات الناهية هي العموم والخصوص، ممّا يقتضي تخصيص عموم الآية بما عدا خبر العدل.

وللملتزم بقاعدة انقلاب النسبة أن يجيب عن ذلك بأنّ مفهوم دليل الحجّيّة وإن كان مختصّاً بما لا يفيد العلم، إلّا أنّه يعمّ صورة التمكّن من تحصيل العلم وعدمه، وأنّ الآيات الناهية عن اتّباع الظنّ وإن كانت أعمّ من خبر العدل وغيره إلّا أنّها لا تختصّ بصورة التمكّن من العلم، وبعد تخصيصها بصورة التمكّن تنقلب النسبة بينها وبين المفهوم إلى العموم من وجه بعدما كانت عموماً مطلقاً، وبذلك يقع التعارض بينهما في خبر العدل المتمكّن من العلم، وعندها يرجع إلى أصالة عدم الحجّيّة.

وهذا البيان غير مسلّم من الرافضين لانقلاب النسبة، بل يمكن حتّى لمن يلتزم بها أن يجيب بما تقدّم مراراً من أنّ انقلاب النسبة ـ على فرض التسليم به ـ مبنيّ على ملاحظة العامّ أوّلاً مع بعض المخصِّصات وتخصيصه به، ثمّ ملاحظة النسبة بينه وبين المخصِّصات الأخر، فلربّما تنقلب النسبة بينه وبينها إلى نسبة أخرى، لكنّ ذلك ممّا لا يمكن الالتزام به في المقام؛ لأنّ نسبة العامّ إلى جميع المخصِّصات على حدّ سواء، فخبر الواحد ومورد عدم التمكّن من العلم والبيِّنة والفتوى كلّها في عرض واحد، وهي خارجة عن عموم الآيات الناهية عن العمل بالظنّ بالتخصيص، وفي مثل هذه الحالة لا بدّ من التخصيص بالجميع في عرض واحد، إلّا إذا كان التخصيص بالجميع موجباً للتخصيص المستهجن وبقاء العامّ بلا مورد.

التطبيق الثاني: جريانها في مسألة ضمان العارية.

اختلف الأصوليّون في تعداد طوائف الأدلّة الواردة في باب ضمان العارية، والصحيح أنّ الطوائف أربع:

الطائفة الأولى: ما يدلّ بعمومه وإطلاقه على عدم ضمان العارية مطلقاً، كرواية مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمّد g، قال: سمعته يقول: (لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت أو سرقت أو ضاعت، إذا كان المستعير مأموناً)(٧١).

وقريب منها رواية عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله g عن العارية، فقال: (لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأموناً)(٧٢).

وصحيحة الحلبيّ عن الصادق g: (ليس على مستعير عارية ضمان، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن)(٧٣).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على نفي الضمان مع عدم الاشتراط، وإثباته معه(٧٤)، كرواية الحلبيّ عن أبي عبد الله g، قال: (إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنه إلّا أن يكون قد اشترط عليه)(٧٥).

وكمطلع صحيحة عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله g: (لا يضمن العارية إلّا أن يكون قد اشترط فيها ضماناً..)(٧٦).

الطائفة الثالثة: وتشتمل على نوعين:

أحدهما: ما يدلّ على عدم الضمان إلّا في عارية الدراهم فقط، كرواية عبد الملك، عن أبي عبد الله g، قال: (ليس على صاحب العارية ضمان إلّا أن يشترط صاحبها، إلّا في الدراهم فإنّها مضمونة، اشترط صاحبها أو لم يشترط)(٧٧).

 والآخر: ما يدلّ على عدم الضمان إلّا في عارية الدنانير فقط، كصحيحة عبد الله ابن سنان المتقدّمة، عن أبي عبد الله g، قال في آخرها: (..إلّا الدنانير، فإنّها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضماناً)(٧٨).

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على نفي الضمان في غير عارية الذهب والفضّة، كرواية إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله وأبي إبراهيم g، قالا: (العارية ليس على مستعيرها ضمان، إلّا ما كان من ذهب أو فضّة فإنّهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا)(٧٩).

فهذه الأدلّة قد توافقت على عدم ضمان العارية إذا لم تكن من جنس الذهب والفضّة، إلّا أن يشترط فيها الضمان، فيبقى الكلام فيما كان من جنس الذهب والفضّة.

فظاهر إطلاق رواية مسعدة عدم الضمان فيهما أيضاً، ولكن لا بدّ من تقييد هذا الإطلاق بما عدا جنس الذهب والفضّة؛ لتطابق بقيّة الأدلّة على الضمان فيهما في الجملة؛ لأنّ النسبة بينهما العموم المطلق(٨٠).

وأمّا النسبة بين نوعي الطائفة الثالثة ـ أعني ما يدلّ على نفي الضمان في غير عارية الدرهم وإثباته فيها، وما يدلّ على نفي الضمان في غير عارية الدينار وإثباته فيها ـ فهما بمنزلة رواية واحدة دالّة على نفي الضمان في غير عارية الدرهم والدينار، وإثباته في عاريتهما؛ إذ إنّ كلَّاً من رواية الدرهم ورواية الدنانير قد اشتملت على عقد سلبيّ وعقد إيجابيّ، فرواية الدراهم تنفي بعموم عقدها السلبيّ الضمان عمّا عدا الدراهم حتّى الدنانير، ورواية الدنانير تنفي بعموم عقدها السلبيّ الضمان عمّا عدا الدنانير حتّى الدراهم.

فالأوّل منهما يدلّ على نفي الضمان في عارية الدنانير بالإطلاق، وعلى إثباته في عارية الدراهم بالتصريح، والثاني منهما يدلّ على نفي الضمان في عارية الدرهم بالإطلاق ، وعلى إثباته في عارية الدينار بالتصريح، فالنسبة بين العقد الإيجابيّ في كلّ منهما مع العقد السلبيّ في الآخر هي العموم المطلق، فبين إطلاق السلب في كلّ منهما والإيجاب في الآخر جمع عرفيّ بتقييد إطلاق السلب في كلّ منهما بالإيجاب في الآخر، فيجب تخصيص عموم العقد السلبيّ في كلّ منهما بما عدا مورد العقد الإيجابيّ في الآخر، فتصير النتيجة عدم الضمان إلّا في عارية الدراهم والدنانير، وإثباته في عاريتهما.

ثمّ تقع المعارضة بين هذه الطائفة ـ أعني طائفة روايات الضمان في الدراهم والدنانير ـ وبين الطائفة الرابعة وهي ما دلّ على الضمان في مطلق الذهب والفضّة وإن لم يكونا مسكوكين، فإنّ مقتضى العقد السلبيّ في روايتي الدراهم والدنانير هو عدم الضمان في غير المسكوك من الذهب والفضّة، فيتعارض مع ما دلّ على الضمان في مطلق الذهب والفضّة(٨١).

وقد اختلف في النسبة بينهما على قولين:

الأوّل: العموم المطلق(٨٢)

وتقريبه: أنّ ما يدلّ على عدم الضمان أعمّ مطلقاً ممّا يدلّ على الضمان في الدراهم والدنانير، وممّا يدلّ على الضمان في مطلق الذهب والفضّة، فالأوّل أعمّ مطلقاً من الأخيرين، والأخيران خاصّان وأحدهما أخصّ من الآخر أيضاً، فيندرج المقام في صورة ورود عامّ وخاصّين، فيجب في مثلها تخصيص العامّ بكلّ من الخاصّين، فتكون النتيجة ضمان عارية مطلق الذهب والفضّة، سواء أكانا من المسكوكين أم من غير المسكوكين(٨٣).

الثاني: العموم من وجه(٨٤).

وهو مبتنٍ على قاعدة كلّيّة في المقام حاصلها أنّ أخصّ الخاصّين إذا كان متّصلاً بالعامّ فالنسبة بينه وبين الخاصّ الآخر هي العموم من وجه.

والحال في المقام كذلك؛ فإنّ أخصّ الخاصّين ـ وهو ما دلّ على ضمان عارية الدراهم والدنانير ـ متّصل بالعامّ؛ لأنّ مفاد العقدين الإيجابيّ والسلبيّ عدم الضمان إلّا في عارية الدراهم والدنانير.

وعليه يختصّ العقد السلبيّ منهما بنفي الضمان في مثل عارية الكتب، واختصاص الإيجابيّ في إحداهما بإثبات الضمان في عارية الدراهم والدنانير، ويجتمعان في عارية الذهب والفضّة غير المسكوكين كالحليّ.

ومقتضى القاعدة في مثله تساقطهما في مورد الاجتماع، والرجوع إلى العامّ الفوقانيّ الذي يدلّ على نفي الضمان مطلقاً(٨٥)، إلّا أنّ في المقام خصوصيّة تقتضي تقديم إيجاب ما يدلّ على ثبوت الضمان في عارية الذهب والفضّة، ويخصَّص به العامّ الفوقانيّ، وهو ما يدلّ على عدم الضمان بقول مطلق.

وهذه الخصوصيّة هي ما إذا كان تقييد إطلاق أحد المتعارضين بالعموم من وجه مستلزماً لاستهجانه عرفاً دون العكس فيقدّم الآخر حذراً من الاستهجان، والحال في المقام كذلك؛ فإنّ عارية الدراهم والدنانير نادر جدّاً إن لم يكن منتفياً رأساً؛ لأنّ استيفاء المنفعة المقصودة منهما غالباً لا يمكن إلّا بالتصرّف في عينهما؛ لأنّ المعتبر في العارية هو إمكان الانتفاع بالمعار مع بقاء عينه، وعليه فالغالب في عارية الذهب والفضّة هو عارية الحليّ غير المسكوك؛ فظهر بذلك بُعد حمل قوله g: (إلّا ما كان من ذهب أو فضّة فإنّهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا)(٨٦) على خصوص الدراهم والدنانير(٨٧).

التطبيق الثالث: جريانها في مسألة ميراث الزوجة من العقار.

بعدما اتّفق علماء الإماميّة(٨٨) على حرمان الزوجة عن شيء من ميراث الزوج في الجملة(٨٩)، وقع الخلاف بينهم في أمرين:

الأمر الأوّل: فيما تحرم منه الزوجة. 

وفيه أربعة أقوال:

١. القول بحرمانها من جميع الأراضي عيناً وقيمةً، سواء أكانت مشغولةً ببناء أو زرع أم لم تكن، وترث من قيمة البناء والآلات، وهو قول المشهور(٩٠).

٢. القول الأوّل بعينه، إلّا أنّها ترث من عين الشجر والنخل، وهو مختار الشهيد الثاني في رسائله، وهو ما فهمه من كلمات المتأخّرين ونسبه إليهم(٩١)، على تأمّل في صحّة النسبة.

  1. حرمانها من الدور والمساكن المعبّر عنها بالرباع، وترث من الضياع والبساتين، وتعطى قيمة الآلات والأبنية من الدور(٩٢).
  2. حرمانها من عين الرباع، وترث قيمته وقيمة البناء والآلات(٩٣).

الأمر الثاني: في من تحرم من الزوجات.

وقبل بيان الأقوال فيه، لا بدّ من تعداد طوائف الروايات المرتبطة بحرمان الزوجة من شيء من ميراث الزوج وعدمه، وهي عبارة عن عشرين رواية يمكن أن تقسّم إلى ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى: ما يدلّ على حرمان الزوجة من شيء من ميراث الزوج، والتي يعبّر عنها بالروايات النافية، وهي سبع عشرة رواية، تشتمل على أحد عشر عنواناً هي: العقار، القرى والدور، الدور والعقار، عقار الدور، الأرض والعقارات، عقار الأرض، الأرض، تربة دار، أو أرض، الدور والضياع، رباع الأرض، الرباع.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على أنّها ترث من جميع ما تركه الزوج، وهي روايتان: 

إحداهما: رواية الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله g، قال: سألته عن الرجل، هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً، أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئاً؟ فقال: (يرثها وترثه من كلّ شيء ترك وتركت)(٩٤).

والأخرى: رواية عبيد بن زرارة وفضل بن عبد الملك أبو العبّاس البقباق، قالا: قلنا لأبي عبد الله g: ما تقول في رجل تزوّج امرأة ثمّ مات عنها وقد فرض الصداق؟ قال: (لها نصف الصداق وترثه من كلّ شيء، وإن ماتت فهو كذلك)(٩٥).

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على التفصيل بين ذات الولد فتعطى من الرباع، وبين غيره فلا تعطى، وهي مقطوعة عمر بن أذينة: (في النساء إذا كان لهنّ ولد أعطين من الرباع)(٩٦).

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الأقوال في من تحرم من الزوجات اثنان:

الأوّل: عموم المنع في كلّ زوجة، سواء أكان لها ولد من الميت أم لا.

ذهب إليه الشيخ المفيد، والسيّد المرتضى، وأبو الصلاح، والمحقّق في النافع، وتلميذه الفاضل الآبيّ(٩٧)، وقد ادّعى ابن إدريس الإجماع عليه(٩٨)

واختلفوا في تحديد مراد الشيخ في الاستبصار، بعد وضوح اختياره التفصيل بين ذات الولد وغيرها في النهاية والمبسوط(٩٩).

الثاني: التفصيل بين ذات الولد وغيرها، فيختصّ المنع بالأخيرة دون الأولى.

وهو مختار الصدوق في الفقيه، والشيخ في النهاية والمبسوط، وابن البرّاج في المهذّب، وابن حمزة في الوسيلة، والمحقّق في الشرائع، والعلّامة في المختلف وإرشاد الأذهان، والشهيد في الدروس(١٠٠).

وقد استدلّ على هذا التفصيل بمقطوعة عمر بن أذينة المتقدّمة، وبانقلاب النسبة(١٠١)، بتقريب: أنّه بعد وضوح التباين بين طائفة الأخبار النافية لإرث الزوجة مطلقاً وطائفة الأخبار المثبتة لإرثها مطلقاً من كلّ شيء، فإنّ الطائفة الأخيرة مخصَّصة أوّلاً بالإجماع على حرمان غير ذات الولد، وبعد هذا التخصيص تنقلب النسبة بينهما إلى نسبة العموم والخصوص المطلق، وهو ما ينتج التفصيل بعد الحمل عليه بمنع غير ذات الولد من الإرث دون ذات الولد.

ويمكن أن يجاب عنه ـ مضافاً لما تقدّم من جواب الشيخ الأنصاريّ S على توهّم صاحب العوائد أنّ العامّ المخصَّص بالإجماع والعقل كالمتّصل(١٠٢) ـ بوجوه(١٠٣):

الأوّل: إنكار دعوى وجود إجماع على حرمان غير ذات الولد وإن كان حرمانها هو المتيقّن في المقام، ولكن بين كون الشيء متيقّناً وبين دلالة الدليل وإقامة الدليل فرق واضح.

الثاني: الاعتراف بتحقّق الإجماع، إلّا أنّه إجماع مدركيّ، وهو ليس بحجّة كما قرّر في محلّه.

الثالث: إنكار انقلاب النسبة أصلاً، وذلك بإنكار كون النسبة تبايناً أو عموماً من وجه، بل النسبة أساساً عموم مطلق.

ويؤيّد ذلك: أنّ الشيخ في الاستبصار لمّا كان في مقام توجيه الطائفة الثانية من الروايات ذكر وجهين: أحدهما الحمل على التقيّة، والثاني التخصيص بالطائفة الأولى، وهذا لا يصحّ إلّا إذا كانت النسبة بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً(١٠٤)، فتأمّل.

الرابع: لو فرض تحقّق انقلاب النسبة، فإنّها لا تنقلب في المقام إلى العموم المطلق، بل تنقلب إلى العموم من وجه؛ وذلك لأنّ الأخبار المثبتة تصير بعد التخصيص بالإجماع عامّاً من جهة عدم وجود الفرق بين العقار وغيره، وخاصّاً من جهة اختصاص الحرمان بغير ذات الولد، كما أنّ الأخبار النافية خاصّ من جهة الحرمان عن خصوص العقار، وعامّ من جهة عدم وجود الفرق بين ذات الولد وغيرها.

التطبيق الرابع: جريانها في مباحث الحجّ.

فقد ذكر سيّدنا الأستاذ i في بحوثه الفقهيّة، وبحوثه في مناسك الحجّ استعانة القائلين بانقلاب النسبة بهذه النظرية في عدّة مسائل(١٠٥) لأجل علاج التعارض الحاصل بين أدلّتها، إلّا أنّه i لمّا لم يكن من أنصار هذه النظرية ـ كما ذكرنا ـ فمن الطبيعيّ أن يسلك طريقاً آخر غير انقلاب النسبة، وسنقتصر على ذكر واحد من هذه الموارد، فنقول:

بعد أن بيَّن i أنّ أصل الحكم بجواز تأخير المريض والضعيف إحرامهما من ذي الحليفة إلى الجحفة ممّا لا ريب فيه، ولا خلاف بين الفقهاء z فيه بمقتضى جملة من النصوص، قال: (إنّما الكلام في أمرين:

أحدهما: أنّه هل يلحق بالمريض والضعيف غيرهما من ذوي الأعذار، أم لا؟

ثانيهما: أنّ المريض والضعيف وكذا من يلحق بهما ـ إن ثبت الإلحاق ـ هل يتعيَّن عليهم الإحرام من الجحفة، أو يجوز لهم الإحرام من أيِّ ميقات آخر؟)(١٠٦)

وأجاب عن هذين التساؤلين بما تقتضيه الصناعة في المقام من أنّ المراد بالمريض والضعيف ونحوهما هو من يقع في ضرر صحيّ أو مشقّة بدنية بالغة بسبب الإحرام من ذي الحليفة، أمّا من كان ما يقع فيه من ضرر أو حرج شديد من نوع آخر فالنصوص لا تفي بالدلالة على أنّه يجوز له تأخير الإحرام من ذي الحليفة، وعليه فالمرجع إطلاق ما دلّ على توقيت ذي الحليفة لأهل المدينة ومن بحكمهم، وعدم جواز تجاوزه إلّا محرماً. 

ثمّ تنظّر أو منع ثلاثة مواضع ممّا أفاده السيّد الخوئيّ S(١٠٧)، ما يهمّنا الحديث عنه هاهنا هو ثالثها، وهو اعتماده على انقلاب النسبة في الاستدلال على عدم جواز تأخير الإحرام عن ذي الحليفة في المورد الثاني المتقدّم.

وتوضيحه: أنّ هناك رواية تدلّ على عدم جواز التأخير مطلقاً، وهي رواية إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى g، قال: سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد وكثرة الأيّام ـ يعني الإحرام من الشجرة ـ فأرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها، فقال: (لا ـ وهو مغضب ـ من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلّا من المدينة)(١٠٨) بناءً على تفسيره المدينة بذي الحليفة.

وهناك رواية أخرى تدلّ على التخيير مطلقاً بين ذي الحليفة والجحفة؛ لأنّه مقتضى توقيتهما لأهل المدينة في عرض واحد، وهي صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر g قال: سألته عن إحرام أهل الكوفة وأهل خراسان وما يليهم وأهل الشام ومصر من أين هو؟ قال: (أمّا أهل الكوفة وخراسان وما يليهم فمن العقيق، وأهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة..)(١٠٩).

فيلزم تقييد إطلاق رواية إبراهيم بن عبد الحميد الدالّة على عدم جواز التأخير مطلقاً بما دلّ على جواز التأخير للمريض والضعيف(١١٠)، فتنقلب النسبة بينها وبين صحيحة عليّ بن جعفر الدالّة على التخيير مطلقاً، فتقيّد بالمريض والضعيف. 

وقد وصف سيّدنا الأستاذ i هذا الاستدلال بما لا يمكن المساعدة عليه(١١١).

والوجه في ذلك:

أوّلاً: قد تقدّم أنّه i من الرافضين لنظرية انقلاب النسبة، وعليه فالعامّ المخصَّص ـ وهو في المقام رواية إبراهيم بن عبد الحميد ـ الذي لا يكون حجّة في بعض مدلوله بعد تقييده بما دلّ على جواز التأخير للمريض والضعيف لا يتقدَّم في نظره الشريف على العامّ الآخر ـ وهو صحيحة عليّ بن جعفر ـ كما يتقدّم الخاصّ على العامّ، أي أنّ العامّ المخصَّص ليس كالخاصّ في صلاحيّته لتخصيص العامّ الآخر، فلا يتيسّر الجمع الدلاليّ بين العامّين بتخصيص العامّ الأوّل.

وثانياً: لو سلّمنا بنظرية انقلاب النسبة، فإنّ المقام ليس من مواردها، وهو ما يتوقّف على تقديم مقدّمة..

حاصلها: أنّه إذا ورد عامّ مثل (أكرم الشعراء)، وورد عامّ آخر مباين له مثل( لا تكرم الشعراء)، فإذا ورد خاصّ مثل (أكرم شعراء أهل البيت i)، فإذا كان للخاصّ مفهوم، فسيخصِّص بمفهومه العامّ الأوّل(١١٢)، وبمنطوقه العامّ الثاني، ولا تصل النوبة حينئذٍ إلى أن يخصَّص بالعامّ الثاني، فيكون التخصيص بالمفهوم مانعاً من الوصول إلى مرحلة الاحتياج لانقلاب النسبة.

وما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ ما دلّ على الترخيص للمريض والضعيف في تأخير الإحرام عن ذي الحليفة إلى الجحفة كما يقيِّد بمنطوقه إطلاق رواية إبراهيم بن عبد الحميد، كذلك يقيِّد بمفهومه إطلاق صحيحة عليّ بن جعفر، فلا حاجة حينئذٍ إلى تقييد صحيحة عليّ بن جعفر برواية إبراهيم بعد تقييد الأخيرة بما دلّ على الترخيص للمريض والضعيف في الإحرام من غير ذي الحليفة، أي لا تصل النوبة إلى انقلاب النسبة(١١٣).

نتيجة البحث

إنّه في حالات التعارض بين أكثر من دليلين واختلاف النسبة بين الأدلّة المتعارضة، واشتباه أطراف المعارضة، فالراجح في النظر القاصر عدم انثلام ظهور العامّ بالتخصيص، وأنّ الأقوى ظهوراً هو المقدّم في الحجّيّة، لا أنّ العامّ المخصَّص كالخاصّ في تقدّمه على العامّ المعارض له فتنقلب النسبة.

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على أشرف الخلق محمّد وآله الطاهرين.

 

 

مصادر البحث

القرآن الكريم

  1. أجود التقريرات: تقرير بحث المحقّق النائينيّ (ت١٣٥٥هـ)، تأليف: السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (ت١٤١١هـ)، مطبعة العرفان، الطبعة الثانية ـ صيدا، ١٣٦٨ش.
  2. إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بـ(العلّامة الحلّيّ ت٧٢٦هـ)، تحقيق: الشيخ فارس الحسّون، طبع ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، ١٤١٠ هـ.
  3. الاستبصار في ما اختلف من الأخبار: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (ت٤٦٠هـ)، تحقيق وتعليق: السيّد حسن الموسويّ الخرسان (ت ١٤٠٥هـ)، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة ـ طهران، الطبعة الرابعة، المطبعة: خورشيد، ١٣٩٠هـ.
  4. أصول الفقه: الشيخ محمّد رضا المظفّر (ت ١٣٨٣هـ) ـ مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين ـ قم.
  5. الانتصار: السيّد عليّ بن الحسين الموسويّ المعروف (بالشريف المرتضى ت ٤٣٦ هـ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، ١٤١٥هـ.
  6. بحوث فقهيّة حول الذبح بغير الحديد والزي والتجمّل ومسائل أخرى: السيّد محمّد رضا السيستانيّ ـ دار المؤرّخ العربيّ، الطبعة الثالثة ـ بيروت، ١٤٣٣هـ.
  7. بحوث في شرح مناسك الحجّ: تقرير بحث السيّد محمّد رضا السيستانيّ، بقلم: الشيخ أمجد رياض والشيخ نزار يوسف، دار المؤرّخ العربيّ، الطبعة الثانية، بيروت ١٤٣٧هـ.
  8. تقريرات في علم الأصول: تقرير بحث السيّد السيستانيّ، بقلم: السيّد هاشم الهاشميّ، مركز الإمام الحجّة لخدمة الطلّاب ـ قم، ١٤٤١هـ.
  9. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (ت ٤٦٠هـ)، حقّقه وعلّق عليه: السيّد حسن الموسويّ الخرسان (ت١٤٠٥هـ)، النّاشر: دار الكتب الإسلاميّة طهران بازار سلطانيّ، نهض بمشـروعه الشيخ عليّ الآخونديّ، الطبعة الثّالثة، ١٣٦٤ش. 
  10. جامع المقاصد في شرح القواعد: الشيخ عليّ بن الحسين الكركيّ المعروف بـ(المحقّق الثاني ت٩٤١هـ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت i لإحياء التراث ـ قم المشرّفة، المطبعة: المهديّة ـ قم، الطبعة الأولى، ١٤٠٨هـ
  11. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: الشيخ محمّد حسن النجفيّ المعروف بـ(صاحب الجواهر ت١٢٦٦هـ)، تحقيق وتعليق: الشيخ عباس القوچانيّ، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة ـ طهران، الطبعة الثانية، ١٣٦٥ش.
  12. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: الشيخ يوسف البحرانيّ المعروف بـ(المحدّث البحرانيّ ت١١٨٦هـ‍)، تحقيق: الشيخ محمّد تقي الإيروانيّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين ـ قم.
  13. درر الفوائد في الحاشية على الفرائد: الشيخ محمّد كاظم الخراسانيّ المعروف بـ(الآخوند الخراسانيّ ت ١٣٢٩هـ)، تحقيق: السيّد مهدي شمس الدين، طبعة انتشارات شفق ـ قم. 
  14. درر الفوائد: الشيخ عبد الكريم الحائريّ (ت١٣٥٥هـ)، تحقيق: الشيخ محمّد مؤمن القمّيّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين، الطبعة الخامسة ـ قم. 
  15. الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة: الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّيّ الجزينيّ العامليّ المعروف بـ(الشهيد الأوّل ت٧٨٦هـ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، الطبعة الثانية، ١٤١٧هـ. 
  16. دروس في علم الأصول: السيّد محمَّد باقر الصدر (ت ١٤٠٠هـ) ـ دار الكتاب اللبنانيّ، الطبعة الثانية، بيروت، ١٩٨٦م.
  17. دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام عن أهل بيت رسول الله عليه وعليهم أفضل السلام: القاضي النعمان بن محمّد المغربيّ (ت ٣٦٣هـ)، تحقيق: آصف بن عليّ أصغر فيضيّ، دار المعارف ـ مصر، ١٣٨٣هـ.
  18. رسالة في حرمان الزوجة من بعض الإرث: السيّد محسن الطباطبائيّ الحكيم (ت ١٣٩٠هـ)، مجلّة فقه أهل البيت i، العدد: ٤٣، السنة: ١١ ـ ١٤٢٧هـ.
  19. رسائل الشهيد الثاني: الشّيخ زين الدّين بن عليّ‌ العامليّ المعروف بـ(الشهيد الثاني) (ت ٩٦٥هـ)، ـ منشورات مكتبة بصيرتي ـ قم.
  20. رياض المسائل في بيان أحكام الشـرع بالدلائل: السيّد عليّ الطباطبائيّ (ت ١٢٣١هـ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النّشـر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، الطبعة الأولى، ١٤١٢هـ‍. 
  21. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: الشيخ أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّيّ المعروف بـ(ابن إدريس ت٥٩٨هـ)،‍ تحقيق وطباعة ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الثانية، ١٤١٠هـ.
  22. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر ابن الحسن الهذليّ المعروف بـ(المحقّق الحلّيّ ت٦٧٦هـ)، تحقيق: السيّد صادق الشيرازيّ ـ طبعة انتشارات استقلال ـ طهران، ١٤٠٩هـ.
  23. ضوابط الأصول: السيّد إبراهيم القزوينيّ (ت١٢٦٢هـ)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائيّ، مطبعة الكفيل ـ كربلاء المقدّسة، ١٤٣٩هـ.
  24. العدّة في أصول الفقه: شيخ الطائفة الشّيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (ت٤٦٠هـ)، تحقيق: الشيخ محمّد رضا الأنصاريّ القمّيّ، مطبعة ستارة، الطبعة الأولى ـ قم ١٣٧٦هـ. ش ـ ١٤١٧هـ. ق.
  25. عوالي اللآلئ العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة: الشيخ محمّد بن عليّ بن إبراهيم الأحسائيّ المعروف بـ(ابن أبي جمهور ٨٨٠هـ)، تحقيق: الشيخ مجتبى العراقيّ، مطبعة سيّد الشهداء، الطبعة الأولى ـ قم، ١٤٠٣هـ.
  26. عوائد الأيّام: الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقيّ (ت١٢٤٥هـ)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ، مطبعة مكتب الإعلام الإسلاميّ، الطبعة الأولى، ١٤١٧هـ.
  27. فرائد الأصول: الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاريّ (ت ١٢٨١هـ)، إعداد وتحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الأولى ـــ شعبان المعظّم، ١٤١٩هـ، المطبعة: باقريّ ـ قم.
  28. فوائد الأصول: من إفادات الشيخ المحقّق محمّد حسين الغرويّ النائينيّ المعروف بـ(الميرزا النائينيّ ت ١٣٥٥هـ)، تأليف: الشيخ محمّد عليّ الكاظميّ الخراسانيّ (ت ١٣٦٥هـ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين ـ قم، ١٤٠٤هـ.
  29. القاموس المحيط: محمّد بن يعقوب الفيروزآباديّ (ت٨١٧هـ)، طبعة دار العلم للجميع ـ بيروت. 
  30. قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن ابن يوسف بن المطهَّر المعروف بـ(العلّامة الحلّيّ ت٧٢٦هـ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، ١٤١٣هـ.
  31. القوانين المحكمة في الأصول المتقنة: الميرزا أبو القاسم ابن المولى محمّد حسن بن نظر عليّ الجيلانيّ الشفتيّ الجابلاقيّ القمّيّ، المعروف بـ(صاحب القوانين أو المحقّق القمّيّ ت١٢٢١هـ)، تحقيق: رضا حسين صبح، طبعة دار المحجّة البيضاء، الطبعة الأولى ـ بيروت، ١٤٣١هـ.
  32. الكافي في الفقه: الشيخ أبو الصلاح الحلبيّ (ت ٤٤٧هـ)، تحقيق: الشيخ رضا أستادي، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ g العامّة ـ أصفهان.
  33. الكافي: ثقة الإسلام الشيخ أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ الرازيّ (ت ٣٢٩هـ)،‍ صحّحه وعلّق عليه: الأستاذ عليّ أكبر الغفّاريّ، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الثالثة، ١٣٨٨هـ. 
  34. كتاب التعارض: السيّد محمّد كاظم الطباطبائيّ اليزديّ (ت١٣٣٧هـ)، تحقيق: الشيخ حلمي السنان، مؤسّسة انتشارات مدين، الطبعة الثانية ـ قم، ١٤٣٣هـ.
  35. كشف الرموز في شرح المختصـر النافع: الشيخ زين الدين أبو عليّ الحسن بن أبي طالب ابن أبي المجد اليوسفيّ المعروف بـ(الفاضل، والمحقّق الآبيّ ت ٦٩٠هـ)، تحقيق: الشيخ عليّ پناه الاشتهارديّ، الحاج آغا حسين اليزديّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، ١٤٠٨هـ. 
  36. كفاية الأصول: الشيخ محمّد كاظم الخراسانيّ المعروف بـ(الآخوند الخراسانيّ ت ١٣٢٩هـ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت i لإحياء التراث، الطبعة الأولى، قم، ١٤٠٩ هـ.
  37. كفاية الفقه المشتهر ب‍ـ(كفاية الأحكام): الشيخ المحقّق محمّد باقر السبزواريّ (ت١٠٩٠هـ)،‍ تحقيق: الشيخ مرتضى الواعظيّ الأراكيّ، طبع ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التّابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، الطبعة الأولى، ١٤٢٣هـ. 
  38. لسان العرب:الشيخ أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم ابن منظور الإفريقيّ المصريّ (ت٧١١هـ)، الناشر: أدب الحوزة ـ قم ـ إيران ـ ١٤٠٥، تاريخ النشر: محرّم ١٤٠٥هـ. 
  39. مباني الاستنباط: تقريرات بحث السيّد الخوئيّ (ت ١٤١٣هـ)، تأليف: السيّد أبو القاسم الكوكبيّ، مطبعة الآداب ـ النجف الأشرف. 
  40. المبسوط في فقه الإماميّة: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (ت٤٦٠هـ)، صحّحه وعلّق عليه: السيّد محمّد تقي الكشفيّ، الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، المطبعة: الحيدريّة ـــ طهران، ١٣٨٧هـ. 
  41. المختصر النافع في فقه الإماميّة: الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الهذليّ المعروف بـ(المحقّق الحلّيّ ت٦٧٦هـ)، الناشر: قسم الدراسات الإسلاميّة في مؤسّسة البعثة ـ طهران، الطبعة الثانية ـ الثالثة ـ طهران، ١٤٠٢ ـ ١٤١٠هـ. 
  42. مختلف الشيعة في أحكام الشريعة: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهَّر المعروف بـ(العلّامة الحلّيّ ت٧٢٦هـ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، ١٤١٢هـ. 
  43. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: الشيخ زين الدين بن عليّ العامليّ المعروف بـ(الشهيد الثاني ت٩٦٥هـ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، المطبعة: بهمن، الطبعة الأولى، ١٤١٣هـ.
  44. المسائل الصاغانيّة: الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبريّ البغداديّ المعروف بـ(الشيخ المفيد ت٤١٣هـ)، تحقيق: السيّد محمّد القاضي، طبعة مؤسّسة دنا، الطبعة الأولى، إيران، ١٤١٣هـ.
  45. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: الميرزا حسين النوريّ الطبرسيّ المعروف بـ(المحدّث النوريّ ت١٣٢٠هـ)،‍ تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت i لإحياء التراث ـ بيروت، الطبعة المحقّقة الأولى، ١٤٠٨هـ‍ ـ ١٩٨٧م. 
  46. مصابيح الأصول: تقرير بحث السيّد الخوئيّ (ت ١٤١٣هـ)، تأليف: السيّد علاء الدين بحر العلوم، تحقيق: السيّد محمّد عليّ بحر العلوم، طبعة دار الزهراء ـ الطبعة الثالثة، ١٤٣١هـ. 
  47. مصباح الأصول: تقرير بحث السيّد الخوئيّ، تأليف: السيّد محمّد سرور الواعظ البهسوديّ، منشورات مكتبة الداوريّ ـ الطبعة الخامسة ـ قم، ١٤١٧هـ.
  48. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: أحمد بن محمّد المغربيّ الفيوميّ (ت٧٧٠هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربيّ، الطبعة الأولى ـ بيروت، ١٤٣٠هـ.
  49. المعجم الأصوليّ: محمّد صنقور، منشورات نقش ـ قم، ١٤٢٦هـ.
  50. مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة: السيّد محمّد جواد ابن السيّد محمّد الحسينيّ العامليّ المعروف بـ(صاحب مفتاح الكرامة ت١٢٢٦هـ)، تصحيح وتحقيق: السيّد محمّد باقر الحسينيّ الشهيديّ، الناشر: دار إحياء التراث العربيّ، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى (القديمة). 
  51. مقالات الأصول: المحقّق آقا ضياء الدين العراقيّ (ت١٣٦١هـ)، تحقيق: الشيخ محسن العراقيّ والسيّد منذر الحكيم، طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ، الطبعة الأولى ـ قم، ١٤١٤هـ.
  52. المقنعة: الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبريّ البغداديّ المعروف بـ(الشيخ المفيد ت٤١٣هـ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الثانية، ١٤١٠هـ.
  53. من لا يحضره الفقيه: الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين ابن بابويه القمّيّ المعروف بـ(الشيخ الصدوق ت٣٨١هـ)، طبعة دار الكتب الإسلاميّة ـ طهران، ١٣٩٠هـ. 
  54. المهذّب: الشيخ عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسيّ (ت٤٨١هـ)‍ إعداد: مؤسّسة سيّد الشهداء العلميّة، إشراف: الشيخ جعفر السبحانيّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، ١٤٠٦هـ. ق.
  55. نخبة الأفكار في حرمان الزوجة من الأراضي والعقار: الشيخ محمّد تقي النجفيّ البروجرديّ (ت ١٣٩١ هـ)، مطبعة النعمان ـ النجف الأشرف، ١٣٧٨هـ.
  56. نهاية الأفكار: تقرير بحث الشيخ آقا ضياء الدين العراقيّ (ت ١٣٦١هـ)، تأليف: الشيخ محمّد تقي البروجرديّ (ت ١٣٩١ هـ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة.
  57. نهاية الدراية في شرح الكفاية: الشيخ محمّد حسين الغرويّ الأصفهانيّ المعروف بـ(المحقّق الأصفهانيّ ت١٣٦١هـ)، حقّقه وصحّحه وعلّق عليه: الشيخ مهدي أحدي أميركلائيّ، انتشارات سيّد الشهداء، الطبعة الأولى ـ قم، ١٣٧٤هـ.
  58. النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (ت٤٦٠هـ)، الناشر:‍ قدس محمّديّ ـ قم. 
  59. هداية المسترشدين في شرح أصول معالم الدين: الشيخ محمّد تقي الرازيّ الأصفهانيّ (ت١٢٤٨هـ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين ـ قم، ١٤٢١هـ. 
  60. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: الشيخ المحدّث محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ المعروف بـ(الشيخ الحرّ ت١١٠٤هـ)، تصحيح وتحقيق: الشيخ عبد الرحيم الربانيّ الشيرازيّ، الناشر: دار إحياء التراث العربيّ ـ بيروت ـ لبنان، الطبعة الخامسة، ١٤٠٣هـ.
  61. الوسيلة إلى نيل الفضيلة: الشيخ محمّد بن عليّ الطوسيّ المعروف بـ(ابن حمزة ق٦)، تحقيق: الشيخ محمّد الحسّون، الناشر: مكتبة السيّد المرعشيّ النجفيّ ـ قم، الطبعة الأولى، مطبعة الخيّام ـ قم، ١٤٠٨هـ. 

 


(١) يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٤٢ وما بعدها.

(٢)يلاحظ: مصباح الأصول: ٣/ ٣٨٨.

(٣) يلاحظ: كفاية الأصول: ٤٥٢.

(٤)يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٤٩٠.

(٥)يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٤٧ ـ  ٧٤٨.

(٦)يلاحظ: كفاية الأصول: ٤٥٢.

(٧) يلاحظ: مصباح الأصول: ٣/ ٣٨٦.

(٨)يلاحظ: فرائد الأصول: ٤/ ١٠٢ ـ ١١٢.

(٩)تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٤٨٩ ـ ٤٩٠.

(١٠)يلاحظ: نهاية الدراية: ٦/ ٣٤٩.

(١١) يلاحظ: نهاية الأفكار: ٤ ق٢/ ١٦٥ ـ ١٦٦.

(١٢) يلاحظ: دروس في علم الأصول: ٣/ ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

(١٣) يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٤٧٠.

(١٤)يلاحظ: بحوث فقهيّة: ٤٨٠، بحوث في شرح مناسك الحجّ: ٦/ ٥٠٦ ـ ٥٠٧، ٨/ ٢١٨، ٣١١، ٥١٣، ٩/ ٣٨، ١٠/ ٣٨٥ ـ ٣٨٦، ١٩/ ٣٢٠ ـ ٣٢٢.

(١٥)يلاحظ: بحوث في شرح مناسك الحجّ: ١٠/ ٣٨٥.

(١٦)يلاحظ: كتاب التعارض للسيّد اليزديّ: ٢٦٣.

(١٧)يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٤٧٤.

(١٨)يلاحظ: مصباح الأصول: ٣/ ٢٨٨.

(١٩) يلاحظ: المصدر نفسه: ٣/ ٣٨٧.

(٢٠) يلاحظ: أصول الفقه للعلّامة المظفّر: ١/ ٦٥.

(٢١)يلاحظ: مصباح الأصول: ٣/ ٣٨٧.

(٢٢)من الواضح أنّ الدلالة التصديقيّة عند السيّد الخوئيّ S منحصرة في هذا القسم.

(٢٣)يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٤٧ ـ ٧٤٨.

(٢٤)يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٤٨٥.

(٢٥)يلاحظ: ص: ٢٦٢. (المرحلة الرابعة: محاولة اقتراح تقريب دعوى انقلاب النسبة).

(٢٦)يلاحظ: كفاية الأصول: ٤٥٢. 

(٢٧)يلاحظ: تعليقة الشيخ محمّد عليّ الكاظميّ رقم (٢) على فوائد الأصول: ٤/ ٧٤٠ ـ ٧٤١، باختصار.

(٢٨)يلاحظ: دروس في علم الأصول (الحلقة الثالثة): ٣/ ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

(٢٩) يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: ٢/ ٤٧٨ ـ ٤٨٨.

(٣٠) يلاحظ: مصباح الأصول: ٣/ ٣٨٨.

(٣١)إنّما قيّدنا بذلك؛ لأنّ نسبة التساوي بين المخصِّصين تجعل التعارض بين دليلين فقط أحدهما عامّ والآخر خاصّ، فيخرج عن محلّ الكلام.

(٣٢) يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٤٢ ـ ٧٤٣، مصباح الأصول: ٣/ ٣٨٨ ـ ٣٩١.

(٣٣)سورة البقرة: ٢٧٥.

(٣٤) يلاحظ لهذه العناوين: الكافي: ٥/ ١٤٧، باب أنّه ليس بين الرجل وبين ولده وما يملكه ربا، ح١، ٢، ٣، من لا يحضره الفقيه: ٣/ ٢٧٧ ـ ٢٧٨، باب الربا، ح٤٠٠٠، ٤٠٠١، ٤٠٠٢، تهذيب الأحكام: ٧/ ١٧ـ ١٨، باب فضل التجارة وآدابها، ح٧٥، ٧٦، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ٣/ ٧٠ ـ ٧١، باب أنّه لا ربا بين المسلم وبين أهل الحرب، ح١، ٢.

(٣٥) يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٤٣، نهاية الأفكار: ٤ ق٢/ ١٦١ ـ ١٦٢، مصباح الأصول: ٣/ ٣٩٣ ـ ٣٩٤.

(٣٦) يلاحظ: عوائد الأيّام: ٣٤٩ ـ ٣٥٣، نهاية الأفكار: ٤/ ١٦١.

(٣٧) يلاحظ: فرائد الأصول: ٤/ ١٠٣.

(٣٨) يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٤٣.

(٣٩) يلاحظ: مصباح الأصول: ٣/ ٣٩٣.

(٤٠)أجود التقريرات: ٢/ ٥١٢.

(٤١) يلاحظ: نهاية الأفكار: ٤ ق٢/ ١٦٢.

(٤٢) يلاحظ: المصدر والموضع نفسه. 

(٤٣) يلاحظ: نهاية الأفكار: ٤ ق٢/ ١٦١ ـ ١٦٢.

(٤٤)ففي المخصِّص المنفصل لا يحكم بظهوره في تمام الباقي بمجرّد وجدانه، إلّا بعد إحراز عدم مخصِّص آخر، بل هو قبل إحراز جميع المخصِّصات مجمل مردّد بين تمام الباقي وبعضه، وبعده يتعيّن إرادة الباقي بعد جميع ما ورد عليه من التخصيص.

أمّا في المخصِّص المتّصل فلمّا كان ظهوره مستنداً إلى وضع الكلام التركيبيّ ـ على القول بكون لفظ العامّ حقيقةً ـ أو وضع لفظ القرينة ـ بناءً على كونه مجازاً ـ فيصحّ اتّصاف الكلام بالظهور؛ لاحتمال إرادة خلاف ما وضع له التركيب أو لفظ القرينة. 

(٤٥) يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٤٣ ـ ٧٤٤، مصباح الأصول: ٣/ ٣٩٥.

(٤٦)يلاحظ: فرائد الأصول: ٤/ ١٠٦.

(٤٧)من تطبيقات هذه الصورة أيضاً معارضة أدلّة حجّيّة خبر الثقة بمفهوم الآيات الناهية عن العمل بغير العلم، كما سيأتي بيانه.

(٤٨)وهو ما يمكن أن يكون من تطبيقاته جزء من مسألة ضمان العارية كما سيأتي.

(٤٩)يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٤٤ ـ ٧٤٥، مصباح الأصول: ٣/ ٣٩٥ ـ ٣٩٦.

(٥٠)يلاحظ: مصباح الأصول: ٣/ ٣٩٤، ٣٩٦.

(٥١)يلاحظ: المصدر السابق: ٣/ ٣٩٣.

(٥٢)يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٤٥، نهاية الأفكار: ٤ ق٢/ ١٦٣، مصباح الأصول: ٣/ ٣٩٢.

(٥٣)وهو ما يمكن أن يكون من تطبيقاته أيضاً جزء من مسألة ضمان العارية كما سيأتي.

(٥٤)يلاحظ: مصباح الأصول: ٣/ ٣٩٣. 

(٥٥)يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٤٥، نهاية الأفكار: ٤ ق٢/ ١٦٣، مصباح الأصول: ٣/ ٣٩٨ ـ ٣٩٩.

(٥٦)يلاحظ: مجلّة دراسات علميّة/ العدد ١٩ ـ ٢٠، ص: ٢٣٠.

(٥٧)يلاحظ: مباني الاستنباط: ٢/ ٤٦٨.

(٥٨)يلاحظ: مصباح الأصول: ٣/ ٣٩٩.

(٥٩)يلاحظ: مصباح الأصول: ٣/ ٤٠٠.

(٦٠) وقد أشرنا سابقاً ـ في الحلقة الأولى ـ إلى أنّ هذه الصورة هي إحدى صور خفاء مورد التعارض. يلاحظ: مجلّة دراسات علميّة/ العدد ١٩ ـ ٢٠، ص: ٢٣١. وهو ما كان مورد المعارضة خفيّاً، وله صور متعدّدة.

(٦١) مصباح الأصول: ٣/ ٤٠٠.

(٦٢)يلاحظ: أجود التقريرات: ٢/ ٥٢٠.

(٦٣)يلاحظ: مصباح الأصول: ٣/ ٤٠٠ ـ ٤٠١.

(٦٤)يلاحظ: تقريرات في علم  الأصول: ٢/ ٤٦٠ ـ ٤٦١.

(٦٥)يلاحظ: مصباح الأصول: ٣/ ٤٠١ ـ ٤٠٢.

(٦٦)لأنّ ما يدلّ على اعتبار التعدّد إلّا في الغسل بالجاري يقتضي اعتباره في الغسل بالكرّ، وما يدلّ على عدم اعتبار التعدّد إلّا في الغسل بالقليل يقتضي عدم اعتباره في الغسل بالكرّ. 

(٦٧)يلاحظ: نهاية الأفكار: ٤ ق٢/ ١٦٤.

(٦٨) كمسألة تخصيص عموم حرمة الربا بأخبار الربا بين الوالد وولده والزوج وزوجته والسيّد وعبده، ومسألة تعدّد الغسل في إزالة الخبث بالماء القليل أو الجاري.

(٦٩)يلاحظ: فرائد الأصول: ١/ ٢٥٩، ٣٦٣ ـ ٣٦٤، فوائد الأصول: ٣/ ١٧٥.

(٧٠)وإن منع من ظهور الجملة الشرطيّة المعلّلة ـ في صورتي وجود الشرط وانتفائه ـ في إفادة الانتفاء عند الانتفاء عند تعارض عموم التعليل وظهور المفهوم. 

(٧١) تهذيب الأحكام: ٧/ ١٨٤ ـ ١٨٥، باب العارية، ح١٦، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ٣/ ١٢٤، باب أنّ العارية غير مضمونة، ح٣.

(٧٢) الكافي: ٥/ ٢٣٩، باب ضمان العارية والوديعة، ح٥، تهذيب الأحكام: ٧/ ١٨٢، باب العارية، ح٤.

(٧٣)تهذيب الأحكام: ٧/ ١٨٢، باب العارية، ح١، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ٣/ ١٢٤، باب أنَّ العارية غير مضمونة، ح١.

(٧٤)لم يذكر كلٌّ من الشيخ الأنصاريّ ـ تبعاً للشهيد الثاني في المسالك ـ والمحقِّق النائينيّ هذه الطائفة؛ لذلك كانت الطوائف عند الأوَّلين ثلاثة، وعند الأخير أربعة بفصل أخبار استثناء الدراهم عن أخبار استثناء الدنانير. علماً أنَّه عاملها فيما بعد معاملة الطائفة الواحدة.

(٧٥) تهذيب الأحكام: ٧/ ١٨٣، باب العارية، ح٨.

(٧٦) الكافي: ٥/ ٢٣٨، باب ضمان العارية والوديعة، ح٢، تهذيب الأحكام: ٧/ ١٨٣، باب العارية، ح ٧. وفيه (ابن مسكان).

(٧٧) تهذيب الأحكام: ٧/ ١٨٤، باب العارية، ح١١.

(٧٨) الكافي: ٥/ ٢٣٨، باب ضمان العارية والوديعة، ح٢، تهذيب الأحكام: ٧/ ١٨٣، باب العارية، ح٧.

(٧٩) تهذيب الأحكام: ٧/ ١٨٣ ـ ١٨٤، باب العارية، ح١٠.

(٨٠)لاحَظَ السيّد الخوئيّ S في مصباح الأصول: ٣/ ٣٩٧ النسبة بين ما يدلّ على ثبوت الضمان مع الاشتراط وبين سائر المخصِّصات، والنسبة بين ما يدلّ على ثبوت الضمان في عارية الذهب والفضّة وبين ما يدلّ على الضمان مع الاشتراط، وأنّها في الاثنين عموم من وجه؛ إذ ربّما يكون الاشتراط في غير عارية الدرهم والدينار، وربّما يكون الاشتراط في عاريتهما، وربّما تكون عارية الدرهم والدينار بلا اشتراط، فمقتضى القاعدة هو تخصيص العامّ بجميع هذه المخصِّصات، فتكون النتيجة واحدة، وهي عدم الضمان إلّا في عارية الدراهم والدنانير.

(٨١)يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٤٩ ـ ٧٥٠، مصباح الأصول: ٣/ ٣٩٧. 

(٨٢)يلاحظ: جامع المقاصد: ٦/ ٧٨، مسالك الأفهام: ٥/ ١٥٥ـ ١٥٨، مفتاح الكرامة ٦/ ٧٠ ـ ٧٢، جواهر الكلام: ٢٧/ ١٨٧. 

(٨٣)يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٥٠. 

(٨٤)يلاحظ: كفاية الأحكام: ١/ ٧١٠، رياض المسائل: ٩/ ١٨١، فرائد الأصول: ٤/ ١٠٦، فوائد الأصول: ٤/ ٧٥١، مصباح الأصول: ٣/ ٣٩٨.

(٨٥)عبّر المحقّق النائينيّ S بأنّه على الرغم من أنّ تقييد إطلاق رواية الذهب والفضّة بخصوص المسكوك منهما أولى من تخصيص عموم ما دلّ على عدم الضمان بما عدا الحِليّ غير المسكوك، إلّا أنّ تخصيص العموم مقدّم على تقييد المطلق؛ للزوم محذور التقييد بالفرد النادر. يلاحظ: فوائد الأصول: ٤/ ٧٥٢ ـ ٧٥٣. 

(٨٦) تهذيب الأحكام: ٧/ ١٨٣ ـ ١٨٤، باب العارية، ح١٠.

(٨٧)يلاحظ: مصباح الأصول: ٣/ ٣٩٨. 

(٨٨) باستثناء ابن الجنيد على ما نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ٩/ ٣٤.

(٨٩) خلافاً للعامّة الّذين تمسّكوا بعموم قوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} سورة النساء: ١٢. يلاحظ: المسائل الصاغانيّة: ٩٧ ـ ١٠١.

(٩٠)يلاحظ: الكافي في الفقه: ٣٧٤، النهاية: ٦٤٢، المبسوط: ٤/ ١٢٦، المهذّب: ٢/ ١٤٠، شرائع الإسلام: ٤/ ٨٣٥، قواعد الأحكام: ٣/ ٣٧٦، وغيرها. 

(٩١) رسائل الشهيد الثاني: ١/ ٤٤٩ .

(٩٢) يلاحظ: المقنعة: ٦٨٧، السرائر: ٣/ ٢٥٩، ونسبه الأخير للسيّد المرتضى على تأمّل في صحّة النسبة.

(٩٣) يلاحظ: الانتصار: ٥٨٥.

(٩٤) من لا يحضره الفقيه: ٤/ ٣٤٩، ح٥٧٥٣، تهذيب الأحكام: ٩/ ٣٠٠، باب ميراث الأزواج، ح٣٥، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ٤/ ١٥٤،باب أنّ المرأة لا ترث من العقار والدور والأرضين شيئاً من تربة الأرض، ولها نصيبها من قيمة الطوب الخشب والبنيان، ح١٢.

(٩٥) الكافي: ٦/ ١١٩، باب المتوفّى عنها زوجها ولم يدخل بها وما لها من الصداق والعدة، ح٧، تهذيب الأحكام: ٨/ ١٤٧، باب عدد النساء، ح١١٠، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ٣/ ٣٤٢، باب أنّه إذا سمّى المهر ثمّ مات قبل أن يدخل بها كان عليه المهر كاملاً، ح١٠.

(٩٦) من لا يحضره الفقيه: ٤/ ٣٤٩، ح٥٧٥٤، تهذيب الأحكام: ٩/ ٣٠١، باب ميراث الأزواج، ح٣٦، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ٤/ ١٥٥،باب أنّ المرأة لا ترث من العقار والدور والأرضين شيئاً من تربة الأرض، ولها نصيبها من قيمة الطوب الخشب والبنيان، ح١٣.

(٩٧) يلاحظ: المقنعة: ٦٨٧، الانتصار: ٥٨٥، الكافي في الفقه: ٣٧٤، المختصر النافع: ٢٦٤، كشف الرموز ٢/ ٤٦٤. 

(٩٨) يلاحظ: السرائر: ٣/ ٢٥٩.

(٩٩) يلاحظ: السرائر: ٣/ ٢٥٩، مختلف الشيعة: ٩/ ٥٦، رياض المسائل: ١٤/ ٣٨٥. 

(١٠٠) يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: ٤/ ٣٤٩، النهاية: ٤٢، المبسوط: ٤/ ١٢٦، المهذّب: ٢/ ١٤٠، الوسيلة: ٢٩١، شرائع الإسلام: ٤/ ٨٣٥، مختلف الشيعة: ٩/ ٥٢، إرشاد الأذهان: ٢/ ١٢٥، الدروس الشرعيّة: ٢/ ٣٥٨. 

(١٠١) يلاحظ: بلغة الفقيه: ٣/ ١٠٠.

(١٠٢) يلاحظ: ص: ٢٧٣ عند قولنا: (وإنّما قيدنا ذلك). وهو عين ما أجاب به السيّد محمّد بحر العلوم في بلغة الفقيه: ٣/ ٩٩ ـ ١٠٠.

(١٠٣) يلاحظ: رسالة في حرمان الزوجة من بعض الإرث للسيّد الحكيم: مجلّة فقه أهل البيت g: العدد: ٤٣ / ١٩٩ ـ ٢٠١، نخبة الأفكار للشيخ البروجرديّ: ١٦.

(١٠٤) الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ٤/ ١٥٥.

(١٠٥)يلاحظ: بحوث فقهيّة: ٤٨٠، بحوث في شرح مناسك الحجّ: ٦/ ٥٠٦ ـ ٥٠٧، ٨/ ٢١٨، ٣١١، ٥١٣، ٩/ ٣٨، ١٠/ ٣٨٥ ـ ٣٨٦، ١٩/ ٣٢٠ ـ ٣٢٢.

(١٠٦) بحوث في شرح مناسك الحجّ: ١٠ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠.

(١٠٧) يلاحظ: بحوث في شرح مناسك الحجّ: ١٠ / ٣٨٢ ـ ٣٨٤.

(١٠٨)تهذيب الأحكام: ٥/ ٥٧ ـ ٥٨، باب المواقيت، ح٢٥. 

(١٠٩) تهذيب الأحكام: ٥/ ٥٥، باب المواقيت، ح١٥.

(١١٠)كرواية أبي بكر الحضرميّ، قال: قال أبو عبد الله g: (إنّي خرجت بأهلي ماشياً، فلم أهلّ حتّى أتيت الجحفة وقد كنت شاكياً، فجعل أهل المدينة يسألون عنّي فيقولون: لقيناه وعليه ثيابه، وهم لا يعلمون، وقد رخّص رسول الله e لمن كان مريضاً أو ضعيفاً أن يُحرم من الجحفة). الكافي: ٤/ ٣٢٤، باب من جاوز ميقات أرضه بغير إحرام أو دخل مكّة بغير إحرام، ح٣.

(١١١) يلاحظ: بحوث في شرح مناسك الحجّ: ١٠ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥.

(١١٢)وذلك (بالنظر إلى أنّ الأصل في القيود هو الاحترازيّة، أي عدم كون الطبيعيّ على إطلاقه وسريانه موضوعاً أو متعلّقاً للحكم، فيستفاد من قوله: (أكرم شعراء أهل البيت i) أنّ طبيعيّ الشاعر ليس موضوعاً للحكم بوجوب الإكرام). منه i. بحوث في شرح مناسك الحجّ: ١٠/ ٣٨٥.

(١١٣) يلاحظ: بحوث في شرح مناسك الحجّ: ١٠/ ٣٧٩ ـ ٣٨٥.