تصحيح الأسانيد بنظريّة التعويض
الشيخ محمّد راتب (دام عزّه)
دراسة في نظرية التعويض ـ بعد متابعة بداياتها وإرهاصاتها في كلمات الأعلام x إلى أن تبلورت بهذا العنوان ـ وهي جمع لشتات ما ذكره الأعلام وتبويبـها وعرضها ومحاولة تقعيدها بشكل ينتفع به مريدو العلم وبغاته.
وسيظهر من خلال البحث أنّها صحيحة في الجملة ويمكن الاستفادة منها في تصـحيح الأسانيد كما بنى على ذلك جماعة من الأعلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا محمّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين، اللهم عليك توكَّلتُ وبك استعنت وإليك أنيب.
تمهيد:
إنّ أهمّ مصدر للتشريع في مدرسة أهل البيت i ـ بعد القرآن الكريم ـ هو الروايات الواردة عنهم والتي تمثّلت في الأصول الأربعمائة، ثمّ في المجاميع الحديثيّة التي ضمّت بين دفتيها جلّ ما احتوته تلك الأصول. ولبعد العهد عن مصدر التشريع غابت أكثر القرائن التي توجب الأخذ بالروايات ممّا يؤثّر في دائرة الروايات التي يمكن الاستفادة منها في مقام الاستنباط. وبغضّ النظر عن الظروف التي تعرّضت لها مصادرنا الحديثيّة عبر التاريخ فقد كاد يتمثّل تراثنا الحديثيّ في الكتب الأربعة، ولكن أسلوب هذه الكتب متفاوت حيث التزم في الكافي بذكر السند كاملاً بخلاف الشيخ الصدوق S في الفقيه حيث التزم بحذف الأسانيد معلِّلاً ذلك بأن لا تكثر طرقه(١) وذكر في آخر الكتاب أغلب طرقه. وأمّا في التهذيبين فكثرت ظاهرة الإرسال، حيث إنّه لم يذكر كثيراً من الطرق في المشيخة وربّما ذكر طريقاً ضعيفاً، وفي إثر ذلك جرت محاولات للخروج عن ظاهرة هذه المراسيل بالتعويض عن طريق الاستعانة بطرق الشيخ في فهرسته، ولكن مع ذلك بقيت الكثير من الروايات مرسلة.
وأيّاً كان فلو تمّت محاولة تعويض الطرق بالرجوع إلى الكتب والفهارس وتركيب الأسانيد لخرج قسم كبير من الروايات من حيّز الإهمال إلى حيّز الاستفادة في مقام الاستنباط، بل تظهر فائدة التعويض حتّى في الروايات الصحيحة ـ مثلاً ـ حيث يتمّ الحصول على طريق أصحّ، ممّا قد يؤثّر في الاستنباط في مقام التعارض والترجيح.
تعريف مفردات البحث لغةً واصطلاحاً:
أ. لغة:
١. التعويض: ذكر الخليل أنّ: (العوض معروف ... والمستعمل التعويض عوّضته من هبته خيراً ... عاوضت فلاناً بعوض في البيع والأخذ فاعتضته ممّا أعطيته)(٢).
وذكر ابن فارس أنّ (عوض) كلمة صحيحة تدلّ على بدل للشيء(٣).
٢. التصحيح: ذكر الجوهري أنّ: ((صحّح) الصحّة: خلاف السقم)(٤).
وذكر الزبيدي أنّ: ((صحّح): الصُّحُّ، بالضّمّ، والصِّحَّةُ، بالكسر... والصَّحَاحُ، بالفتح، الثّلاثة بمعنَى "ذَهَاب المَرَضِ"... هو أَيضاً "البَرَاءَةُ من كلِّ عَيْبٍ"... وقد "صَحَّ يَصِحّ" صِحَّةً فهو صَحِيحٌ)(٥).
٣. الأسانيد: جمع (سند)، وقد ذكر ابن فارس أنّ: (السين والنون والدال أصل واحد يدلّ على انضمام الشيء إلى الشيء... وأسندت غيري إسناداً... وفلان سندٌ أي معتمدٌ... والإسناد في الحديث أن يسند إلى قائله، وهو ذلك القياس)(٦).
٤. المقطع الأوّل: هو القطعة من السند بين الشيخ O إلى من يُبتدئ به السند.
٥. المقطع الثّاني: وهو القطعة الأخرى من السند أي بين من يُبتدئ به السند إلى المعصوم g.
ب. اصطلاحاً:
قد يظهر أنّ أوّل تعريف لهذه النظرية هو تعريف السيّد الصدر S حيث عرّفها بأنّها: (فرض التصرّف في السند، إمّا باعتبار المقطع الأوّل بما فيه من نقطة الضعف، أو باعتبار المقطع الثاني بما فيه من نقطة الضعف، أو باعتبار تمام السند واستبداله بسند آخر)(٧).
واكتفى تلميذه (دامت بركاته) في كتاب القضاء بذكر أنّها: (تعويض السند الضعيف بسند تامّ)(٨).
ويمكن تعريفها ـ أيضاً ـ بأنّها: عبارة عن تصرّف في سند الرواية المشكل، وذلك بالاستعانة بطريق آخر أو أكثر بحيث ينتج طريقاً معتبراً للرواية، كما سيأتي ذلك تفصيلاً.
ويكون هذا التصرّف والاستعانة على أنحاء:
١. باختلاف المورد من حيث محلّ وقوع كلٍّ من الضعيف والثقة في السند، فتارةً يكون بين صاحب المجمع الحديثيّ وصاحب الكتاب الذي ابتدأ به، وأخرى بين صاحب الكتاب والإمام g.
٢. بحسب الطرق التي يستعان بها: مفردة أو متعدّدة.
٣. بحسب مصدرها: هل هو أسانيد الروايات، أو الفهارس، أو المشيخة، أو الإجازات، أو غير ذلك؟
وسيتّضح بيان كيفيّة التصرّف في السند من خلال دراسة طرائق التعويض. وعليه فطرائق التصحيح متعدّدة حتّى ذكروا موارد فرضيّة لهذه النظريّة كما في الطريقة السابعة الآتية.
ويظهر من إطلاق التعريف أنّ النظريّة تعمّ الرجوع إلى الفهرست، بل إلى مشيخة الكتاب.
لمحة تأريخيّة عن النظريّة
أوّلاً: إنّنا نجد بحسب التتبع التأريخي أنّ أوّل من طبّق هذه النظريّة ـ ولكن ليس بعنوان نظريّة التعويض ـ هو السيّد محمّد العاملّي S (ت ١٠٠٩ هـ) في مداركه، فقد ذكر مورداً من تطبيقاتها قائلاً: (وأمّا رواية الريّان فهي جيدة السند؛ لأنّ الشيخ O وإن رواها في التهذيب عنه مرسلاً، إلّا أنّ طريقه إليه في الفهرست صحيح)(٩).
ولعلّ منشأ هذا الكلام هو الشيخ S(١٠) نفسه بإرجاعه إلى الفهرست، وأنّه لم يستوفِ جميع طرقه في المشيخة.
ثانياً: لقد استخدم الميرزا محمّد الأسترابادي S (ت ١٠٢٨هـ) ـ في الفائدة الثامنة من خاتمة منهجه ـ التعويض في تصحيح طريق الصدوق إلى عبيد بن زرارة ـ وسيأتي التعرّض له في الطريقة الثامنة إن شاء الله تعالى ـ حيث أفاد: (وإلى عبيد بن زرارة فيه أيضاً الحَكَم بن مسكين ولم يوثّق، لكن في جش [أي رجال النجاشي]: أخبرنا عدّة من أصحابنا عن أحمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي الخطّاب ومحمّد بن عبد الجبار وأحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حمّاد بن عثمان عن عبيد بكتابه. وفي ست [أي الفهرست]: عبد الله بن جعفر أخبرنا برواياته أبو عبد الله، عن محمّد بن علي بن الحسين، عن أبيه ومحمّد بن الحسن عنه، وأيضاً أخبرنا ابن أبي جيد، عن ابن الوليد عنه. ولا يخفى ما في هذا من صحّة طريق المصنّف إلى عبيد، فافهم)(١١).
ثالثاً: قد أشكل معاصره المحقّق الشيخ محمّد بن الحسن ابن الشهيد الثاني S (ت ١٠٣٠هـ) على مورد من تطبيقات النظريّة بقوله: (وفي الفهرست طريقه إلى كتابه غير سليم، ولا ينفع بتقدير صحّته هنا إلَّا إذا عُلِمَ أنّ الحديث من الكتاب. وقد اشتبه على بعض الأصحاب الحال في طرق الفهرست...)(١٢).
وهذا يكشف عن أنّ بعض العلماء قد ذكر التعويض بطرق الفهرست حتى أشكل عليه المحقّق الشيخ محمّد بأنّ التعويض لا يتمّ إلّا إذا تمّ إحراز أنّ الرواية مأخوذة من الكتاب الذي صحّ الطريق إليه.
رابعاً: أشار العلّامة المجلسي الأوَّل S (ت١٠٧٠ هـ) إلى تطبيق هذه النظرية في تصحيح الطريق إلى محمّد بن مسلم بقوله: (مع أنّ طريقه إلى أخبار البرقي والعلاء بن رزين صحيحة، بل الظاهر أنّه لم يكن للعلاء خبر إلّا خبر محمّد بن مسلم كما ظهر آنفاً ويظهر من أسانيد الأخبار، فيكون الخبر صحيحاً بأسانيد كثيرة)(١٣).
ومن كلامه هذا يظهر أنّه فتح باباً آخر بخروجه عن المتعارف من الاكتفاء بالرجوع إلى المشيخة أو فهرست الشيخ.
خامساً: قام المولى محمّد بن علي الأردبيلي S (ت ١١٠١هـ) ـ صاحب جامع الرواة ـ بتأليّف كتاب أسماه (تصحيح الأسانيد)، وهو وإن لم يصل إلينا إلَّا أنّه اختصره في جامعه، و(تصحيح الأسانيد) وإن كان عنواناً أعمّ مفهوماً من نظرية التعويض، لكن يظهر أنّه أخصّ مصداقاً، ويعدّ ما قام به S من جملة المحاولات الأولى لفتح باب التعويض، فبعد عدم كفاية الرجوع إلى المشيخة والفهرست في حلّ أسانيد التهذيبين وبقاء أكثر الأسانيد بلا تصحيح جاء هذا المحقّق وأضاف إلى ما ذكره الشيخ S ـ من إحالته على المشيخة والفهرست لرفع الإرسال ـ فكرة تعويض الأسانيد ببعضها، وكان بيانه في ذلك مؤلَّفاً من مقدّمات:
الأولى: إنّ العلماء لم يذكروا جميع طرق الشيخ S، وما ذكروه كان قليلاً فلم يكن وافياً في أداء المطلوب.
الثّانية: إنّه O حاول ذكر جميع طرق الشيخ S حتّى يكون وافياً في أداء المطلوب.
الثّالثة: إنّ طريقة الشيخ S في ذكر الأسانيد مختلفة في كتابيه.
الرّابعة: إنّه يذكر في المشيخة والفهرست طريقاً أو أكثر إلى مَن ابتدأ بهم اختصاراً لإخراج الأحاديث عن حدّ الإرسال.
الخامسة: وجد ـ بعد الرجوع إلى المشيخة والفهرست ـ أنّ الكثير من الطرق معلول.
السّادسة: وجد أيضاً أنّ هناك أحاديث معلّقة لم يُذكر لها طريق في المشيخة أو الفهرست لكون الأصول والكتب عند الشيخ S مشهورة بل متواترة، ومن ثَمَّ نراه عند الحاجة إلى القدح لا يقدح في أوائل السند بل فيمن يذكر بعد أصحاب الأصول.
السّابعة: باعتبار أنّ هذه الشهرة لم تثبت عند المتأخّرين أخرجوا الكثير من أخبار الكتابين عن الاعتبار.
ونتيجة هذه المقدّمات توصل إلى طريقةٍ لتصحيح أسانيد هذه الأخبار بالنظر في أسانيد التهذيبين حيث وجد لكلّ من الأصول والكتب طرقاً كثيرة في المشيخة والفهرست أكثرها موصوف بالصحّة والاعتبار(١٤).
سادساً: أضاف بعد ذلك العلّامة المجلسي الثاني S (ت ١١١١هـ) في كتابه الأربعين طريقة أخرى لتصحيح طرق الشيخ S من خلال التعويض بطرق الشيخ الصدوق S، وأفاد في بيان ذلك: (أنّ الشيخ روى جميع مرويّات الصدوق (نوّر الله تعالى ضريحه) بتلك الأسانيد الصحيحة، فكلّما روى الشيخ خبراً من بعض الأصول التي ذكرها الصدوق في فهرسته بسند صحيح فسنده إلى هذا الأصل صحيح وإن لم يذكر في الفهرست سنداً صحيحاً إليه)(١٥).
سابعاً: ما أفاده السيّد محمّد مهدي بحر العلوم S (ت ١٢١٢هـ)، ويمكن بيانه من خلال مقدّمات:
الأولى: إنّ طريقة ذكر شيخ الطائفة S للأسانيد مختلفة، فقد يذكر جميع السند، وقد يحذف صدره.
الثّانية: إنّ الشيخ S استدرك ذلك في مشيخته في آخر الكتابين، حيث ذكر فيها جملة من طرقه إلى مَن صدّر الحديث بذكرهم.
الثّالثة: أحال الشيخ S تفصيل الطرق إلى فهارس الشيوخ المصنّفة في هذا الباب بالإضافة إلى إحالته في التهذيب إلى فهرسته.
الرّابعة: لم يصلنا من فهارس الشيوخ إلّا القليل كمشيخة الصدوق وفهرست أبي غالب الزراري.
وبذلك: توصّل إلى إمكان معرفة طرق الشيخ S بطريقتين:
أ. الرجوع إلى مشيخة الصدوق وفهرست أبي غالب الزراري.
ب. الرجوع إلى كتاب النجاشي باعتبار معاصرته للشيخ S، ومشاركته له في أكثر المشايخ (١٦).
ثامناً: ارتضى المحدِّث النوري S (ت ١٣٢٠هـ) طريقة المولى الأردبيلي S، ونقل كـلامـه فـي خاتـمة مسـتدرك الوسـائل وأفـرد لـه تمام الجزء السادس من كتابه بحسـب الطبـعة الأخـيـرة(١٧).
تاسعاً: تعرّض الميرزا أبو هدى الكلباسي O (ت ١٣٥٦هـ) لنظريّة التعويض ـ بدون أن يعنونها بهذا العنوان ـ في مقام بيان الحاجة لكتاب الفهرست للشيخ الطوسي S حيث ذكر: (أنّه ينفع تارة على سبيل الاستقلال، وأخرى على وجه التركيب والانضمام...)(١٨)، وفي هذا السياق تعرّض لجملة من طرائق التصحيح، كما سيتّضح في البيان الإجمالي للطرائق المقترحة للتعويض.
عاشراً: تعرّض السيّد الخوئي S (ت ١٤١٣ هـ) لعدد من تطبيقاتها في بحوثه الفقهيّة(١٩)، وارتضاها في بعض الطرائق كما في الطريقة الأولى والثامنة, وتعرض لها ـ أيضاً ـ في المعجم أثناء مناقشته للتوثيقات العامة تحت عنوان (ذكر الطرق إلى الشخص في المشيخة)(٢٠), وارتضى S ـ أيضاً ـ التصحيح بالاستعانة بطرق النجاشي بشروطٍ على ما سيأتي بيانه في الطريقة الخامسة.
حادي عشر: فصّل السيّد محمّد باقر الصدر S (ت ١٤٠٠هـ) الكلام في تصحيح الأسانيد، ويظهر أنّه أوّل من عنونها بعنوان (نظريّة التعويض)(٢١)، وتبعه بعض أعلام تلامذته (دامت بركاته)(٢٢).
ونلاحظ أنّ هذه الكلمات ليست مختصّة بتصحيح أسانيد الشيخ فقط، بل تشمل حتّى طرق الصدوق في الفقيه لوجود نفس الإشكال؛ ولذا نجد أنّ كثيراً من الموارد التي طرحت كتطبيقٍ أو مثالٍ لنظريّة التعويض كانت لتصحيح أسانيد الشيخ الصدوق ـ كما سيأتي ـ، بل توسّعت حتّى أنّه في (أصول علم الرجال) عمّم التصحيح لأكثر الروايات الواردة في الكتب الأربعة(٢٣).
بيان الطّرائق المقترحة لهذه النّظريّة إجمالاً:
لأجل اختلاف كيفيّة التصرّف والاستعانة وتأثيرها على مؤونة التصحيح وعلى القيود التي نحتاجها في التصحيح كان من الأنسب دراسة النظريّة بحسب كلّ طريقة وما تستلزمه(٢٤)، وذلك يختلف باختلاف ما ذُكر.
وبتعبير آخر: اختلاف مؤونة التصحيح بحسب المورد وحيثيّاته تناسب دراستها بحسب ذلك كطرائق لتسهيل دراستها وبيان المؤونة المستخدمة لكلّ طريقة منها، وهي تسع طرائق:
الطّريقة الأولى: تعويض المقطع الأوّل إلى من يبتدئ به السند بطريق صحيح إليه مستخرجاً من الفهرست.
الطّريقة الثّانية: التعويض إلى الثقة الذي يقع في المقطع الأوّل بين الضعيف ومَن ابتدأ به الشيخ بطريق صحيح مستخرج من الفهرست.
الطّريقة الثّالثة: وهي كالطريقتين السابقتين، ولكن الطريق الصحيح البديل مأخوذ من سند الروايات.
الطّريقة الرّابعة: وهي كالطريقتين الأوّليتين إلَّا أنّ الطريق الصحيح البديل مأخوذ من مشيخة الفقيه للشيخ الصدوق ـ مثلاً ـ .
الطّريقة الخامسة: وهي كالطريقتين الأوّليتين ـ أيضاً ـ إلَّا أنّ الطريق الصحيح البديل مأخوذ من كتاب النجاشي .
الطّريقة السّادسة: الاستعانة فيها بالفهرست وتعويض المقطع من جهة الشيخ إلى الثقة الذي يقع بين الإمام g ومَن ابتدأ به الشيخ، والضعيف يقع بين من ابتدأ به الشيخ وهذا الثقة.
الطّريقة السّابعة: التعويض هنا ـ بخلاف الطرائق السابقة ـ يكون بدل المقطع الثاني الذي من جهة الإمام g.
الطّريقة الثّامنة: التوسّع بالاستعانة بأكثر من طريق كأن يكون الطريق البديل مأخوذاً من طريقي الشيخ والنجاشي معاً.
الطّريقة التّاسعة: التلفيق بين طريقي رواية واحدة كلّ منهما يشتمل على ضعف من ناحية خاصّة لينتج طريقاً ثالثاً معتبراً.
وهذه الطرائق المذكورة ليست لحصر طرائق التعويض، فيمكن بتتبّع الموارد العثور على طرائق أخرى، كما يمكن فرض طرائق جديدة ـ كما مرّ وسيأتي بحسب موقع الضعيف والثقة وصاحب الكتاب، وبحسب الرجوع للأسانيد أو الرجوع للفهارس، بل يمكن فرض وجود أكثر من ضعيف موزّعين بين ثقات ـ ثمّ دراسة إمكانيّة التصحيح، ولعلّه ممّا ذكر في مناقشة هذه الطرائق يظهر حال غيرها.
هذا، وقد لا تخلو الأمثلة المورديّة عن مناقشات صغرويّة لكنّها لا تمسّ أصل الكبرى ـ وهي التعويض بالطريق البديل ـ على تقدير صحّتها .
وكيفما كان: فقد تعرّض لمناقشة النظريّة في (سماء المقال) في سياق بيان الحاجة لكتاب الفهرست حيث جعل S نفع الكتاب على قسمين(٢٥):
أحدهما: ما يكون على سبيل الاستقلال، وقد جعله على وجهين:
١. ما يكون مستقلّا ً في بيان الطرق إلى روايات نفسه، وجعله على أقسام أربعة.
٢. ما يكون مستقلّا ً في بيان الطرق إلى روايات غيره، كتصحيح طرق الفقيه.
والنفع في هذين الوجهين مبنيٌّ على تماميّة التعويض بطرق الفهرست ـ كما هو واضح ــ ، وسيأتي في الطريقتين الأولى والثانية إن شاء الله تعالى.
والآخر: على وجه التركيب والانضمام، بتركيب طريق الفهرست مع طريق آخر ـ كطريق النجاشي O ـ فيستخرج منه الطريق الصحيح إلى الشيخ الصدوق S مثلاً، وسيأتي في الطريقة الثامنة إن شاء الله تعالى.
ثمّ ذكر O ثلاث طرائق أخر للتصحيح ـ سوى الرجوع للفهرست أو المشيختين ـ وهي التصحيح بالرجوع لأسانيد التهذيبين وستأتي في الطريقة الثالثة، أو بالرجوع لمشيخة الفقيه، أو بالرجوع لفهرست أبي غالب الزراري، وستأتي في الطريقة الرابعة إن شاء الله تعالى.
وأمّا السيّد الصدر فقد اتّبع S منهجيّة خاصّة في مناقشة النظريّة، فجعل القسمة رباعية..
ففي الوجه الأوّل ناقش S ما يعمّ مثل الطريقة الثالثة والسادسة بحسب منهجيّتنا.
وأمّا الوجه الثاني فكان حول الطريقة السابعة كذلك.
وأمّا في الوجه الثالث فناقش التعويض بالاستعانة بطرق النجاشي.
وأمّا في الوجه الرابع فناقش التعويض بالاستعانة بطرق الصدوق.
وتبعه تلميذه (دامت بركاته) في القضاء، لكنّه جعل القسمة ثلاثيّة حيث بحث الوجه الثاني في المباحث في ذيل الشكل الأوّل الذي ناقش فيه ما ذكر في الوجه الأوّل من المباحث.
ويمكن أن يكون نظره S في المباحث في الوجهين الأوّل والثاني إلى موقع الراوي ـ وكذا في الشكل الأوّل من القضاء ـ، وأمّا في الوجه الثالث والرابع ـ وأيضاً في الشكل الثاني والثالث من القضاء ـ فنظر S إلى الاستعانة بطرق النجاشي أو الصدوق، فالمقسم لهذه الوجوه الأربعة غير واضح، ولعلّ الأقسام غير جامعة لما تنطوي عليه نظريّة التعويض.
ويمكن أن يكون نظرهم ليس إلى ذلك، بل إلى أصل النظرية ودراسة ما يمكن به استخلاص لبّ النظريّة وأساسها.
تفصيل الطّرائق المقترحة
الطّريقة الأولى:
هي عبارة عن تعويض المقطع الأوّل من سند الرواية الواقع بين الشيخ S ومَن يبتدئ به السند في التهذيب بطريق صحيح مستخرج من الفهرست.
ويظهر أنّها أوّل تطبيق لنظريّة التعويض لحلّ مشكلة أسانيد التهذيبين بالرجوع إلى فهرسته.
ومرّ أنّ صاحب المدارك S طبّق هذه الطريقة في تصحيح سند رواية الريّان في التهذيب.
وفي تصدير السيّد البروجردي S لكتاب جامع الرواة بيّن أنّ الزيادة التي أضافه المولى الأردبيلي على نحوين:
الأوّل: ما ذكره بقوله: (جميع مَن ذكر الشيخ في الفهرست أنّ له كتاباً أو أصلاً وذكر لنفسه إليه طريقاً). وهنا يتجلّى تطبيق الطريقة الأولى.
والآخر: ما ذكره بقوله: (كلّ من استنبط من أسانيد روايات التهذيبين أنّ للشيخ إلى كتابه طريقاً). وفيه اعتمد على الطريقة الثالثة.
وأضاف أنّه أنهى عدد طرق الشيخ S إلى أصحاب كتبه إلى خمسين وثمانمائة تقريباً، والمعتبر منها ما يقرب من الخمسمائة(٢٦).
توضيح هذه الطّريقة:
إنّ الشيخ S في الفهرست يذكر بعد ذكر الاسم والكتب: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان...)(٢٧)، فيكون طريقه في الفهرست طريقاً ثانياً إلى مَن ابتدأ به، بناءً على أنّه يستفاد من قوله (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته) أنّ كلّ ما يرويه ببعض الطرق في التهذيبين فهو يرويه بالطريق الآخر الذي أخبر به في الفهرست.
وقد قَبِلَ هذه الطريقة السيّد الخوئي S ووجّه ذلك: بأنّ الشيخ S ذكر بعض طرقه في آخر كتابه(٢٨)، وأحال الباقي على كتابه الفهرست، فإذا كان طريقه صحيحاً إلى الكتاب في الفهرست حكم بصحّة تلك الرواية(٢٩).
بعض موارد تطبيق هذه الطّريقة:
١. ما طبّقه السّيّد الخوئي S عند مناقشة سند رواية هشام في المصباح، والتي جاء فيها: (ما روي من الصلوات في هذا الوقت ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد الله g قال...)(٣٠).
حيث اعترض على المورد بأنّ التعويض بالطريق الصحيح للشيخ إلى هشام في الفهرست مدفوع بأنّ ذلك مختصّ بما يرويه عن كتابه كما في التهذيبين، باعتبار أنّه ذكر في المشيخة أنّه يروي فيهما عن أصل أو كتاب الذي يبدأ به السند، بينما في روايات المصباح لم يُحرز أنّها كذلك، ويحتمل أنّه رواها عن غير كتاب هشام، فلا يتمّ التصحيح(٣١).
فيظهر أنّ أصل هذه الطريقة مقبول حيث كان نقاشه S صغرويّاً؛ إذ لو كانت رواية هشام مرويّة في التهذيبين لقبل التعويض.
ومرجع ما ذكره S إلى أنّ التعويض يتمّ إذا كان الراوي الثقة صاحب كتاب، وكان طريقه في الفهرست شاملاً للطريق الضعيف، كما سيتّضح.
٢. ما طبّقه السيّد الخوئي S أيضاً في مناقشته لسند رواية التهذيب، وهي: ما رواه محمّد بن أحمد بن داود، عن أبيه، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله الحميري، قال: كتبت إلى الفقيه g...(٣٢).
حيث ناقش في سندها بأنّ الشيخ S رواها عن محمّد بن أحمد بن داود وطريقه إليه غير مبيّن في المشيخة.
وأجاب عن ذلك: بأنّ الشيخ S ذكر جملة من طرقه في المشيخة وأحال الباقي إلى الفهرست... وطريق الشيخ S إليه صحيح في الفهرست(٣٣). وهو: جماعة، منهم: الشيخ المفيد O والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلّهم، عنه(٣٤).
قد يقال: إنّما يتمّ ذلك إذا كان ما يرويه ببعض الطرق في التهذيبين فهو يرويه بالطريق الآخر. وأمّا إذا لم نستفد ذلك، أو استفدنا أنّه يروي بعضها بالطريق الأوّل والبعض الآخر بطريق غيره فلا يتمّ ما ذكر(٣٥).
ولكن هذا خلاف ظاهر عبارته: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته).
اختلاف تعابير الشّيخ S في الإخبار:
ثمّ إنّ للشيخ S تعابير مختلفة في الإخبار فنجد أنّه..
١. في شأن بعض الرواة يعبّر بقوله: أخبرني (بكتبه ورواياته).
٢. وفي شأن بعض يعبّر بقوله: أخبرني (برواياته).
٣. وفي شأن ثالث يعبّر بقوله: أخبرني (بكتبه) دون عطف (ورواياته).
ولا إشكال في التعويض على التعبيرين الأوّلين، حيث يمكن أن يستفاد من عطفه (الروايات) على (الكتب) بمقتضى وحدة السياق: أنّ مقصود الشيخ هو واقع الكتب لا عناوينها.
وأمّا في التعبير الثالث حيث لم يعطف فهنا احتمل السيّد الحائري (دامت بركاته) أنّ مقصود الشيخ S هو الإخبار بعناوين الكتب وأسمائها لا بواقعها فلا يتمّ التعويض؛ لأنّه لا يحرز شمول الرواية بهذا الإخبار بحيث تكون من مرويّاته.
وأجاب (دامت بركاته) بأنّ مقصود الشيخ S من الكتب هو واقع الكتب ويظهر ذلك بـ:
أوّلاً: التتبّع في موارد استعمال الشيخ S لهذه الجملة في الفهرست فهي لا تدع مجالاً للشكّ في أنّ مقصود الشيخ S ذلك، وأنّ هدفه هو تقديم سند للكتب لا مجرّد تثبيت الأسماء والعناوين.
ثانياً: إحالة الشيخ S في المشيختين إلى فهارس الأصحاب، وفي إحداهما إلى فهرسته دليل على أنّهم في الفهارس كانوا يقصدون ذكر السند دون تعداد الكتب فحسب.
وأردف قائلاً: إنّه في حال عدم عطف الروايات على الكتب لا يمكن تطبيق النظريّة إلّا حينما يكون سند الشيخ في فهرسته إلى نفس الكتاب الذي روى عنه الرواية(٣٦)، كما إذا كان قد ابتدأ باسمه مثلاً. وعلى هذا التفصيل تتمّ هذه الطريقة في (القضاء).
وهذا الفارق بين قول الشيخ S: (أخبرني بكتبه ورواياته) وبين قوله (أخبرنا بكتبه) مجرّداً عن العطف، هو السبب الذي جعل السيّد الخوئي S يطبّق التعويض بالبيان الذي ذكره في حقّ حريز ـ وسيأتي نقله ـ بينما لم يطبّقه S في حقّ هشام بن سالم(٣٧) حيث كان الطريق إلى كتب هشام فقط بخلاف حريز فإلى كتبه ورواياته(٣٨).
وهذا لا يؤثّر على تماميّة هذه الطريقة إنّما يضيّق من مساحة تطبيقها.
الفرق بين العطف بـ(رواياته) و(برواياته)..
وقد أورد الكلباسي O بالفرق بين أن يقال في حقّ حريز: (بجميع كتبه ورواياته) حيث تدلّ على عموم الطريق بالنسبة إلى الروايات، وأن يقال: (بجميع كتبه وبرواياته) فلا تدلّ على العموم، فلا تكون الرواية مشمولة بالطريق الصحيح، فلا يفيد التعويض.
وقد دَفَعَ هذا الإيراد: بأنّ الجمع المضاف يفيد العموم على المشهور، كما حرّر في الأصول، ويكون الفرق بين العبارتين أنّ الأولى صريحة في العموم والثانية ظاهرة فيه.
وعلّل S استعمال الشيخ S للعبارة الثانية بأنّه من باب التفنّن في العبارة(٣٩).
وإيراد الكلباسي S مبنيّ على نسخته من الفهرست حيث نقل عبارة الشيخ S هكذا: (قال في الفهرست في ترجمة حريز: أخبرنا بجميع كتبه وبرواياته)، ولكن بالرجوع إلى الفهرست نلاحظ أنّ الشيخ S قال في ترجمته: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته)(٤٠).
٣. تصحيح السّيّد الخوئي S لطريق الشيخ S إلى حريز في كتابه المصباح:
وذلك في الرواية التي رواها حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر g قال: (أوّل وقت الجمعة ساعة...)(٤١).
حيث أفاد السيّد الخوئي S: أنّ للشيخ عدّة طرق ذكرها في الفهرست، وبما أنّ هذه الطرق غير مختصّة بكتاب دون كتاب؛ لأنّ الإخبار بجميع كتبه ورواياته، فنعوّض بطريق الشيخ إلى حريز في الفهرست طريقه في المصباح(٤٢).
٤. ما ذكره سيدنا الأستاذ (دامت افاداته) في مقام مناقشة تصحيح طريق الشيخ S إلى الروايات التي ابتدأ بها باسم أحمد بن محمّد بن أبي نصر:
ويمكن بيان ما أفاده (دامت افاداته) ـ من عدم تماميّة التعويض في هذا المورد وأمثاله ـ بمقدّمتين:
الأولى: إنّ الرجوع إلى الفهرست يكون في خصوص ما أرجع الشيخ S فيه إلى الفهرست، وذلك في خصوص مَن أورد أسانيده إليهم في المشيخة، على تأمّلٍ في ذلك.
والأخرى: إنّ الشيخ S لم يذكر طريقاً لأحمد بن محمّد بن أبي نصر في المشيخة.
وعليه فلا سبيل لتصحيح الطريق بالرجوع إلى الفهرست في مَن لم يذكر له الشيخ سنداً في المشيخة.
والوجه في ذلك ـ على ما أفاده (دامت افاداته) ـ: هو احتمال اختلاف النسخ؛ فإنّ معظم أسانيد الفهرست مقتبسة من الإجازات، وليست إلى نسخ معيّنة من الكتب المذكورة في تراجم الرجال المذكورين في الفهرست.
وعليه فهنا لو فرضنا أنّ كتاب أحمد بن محمّد بن أبي نصر كان لدى الشيخ S وأنّه أخذ الرواية منه فكيف لنا أن نعلم أنّ السند المذكور في الفهرست كان إلى نفس النسخة التي أخذ منها الشيخ S حتّى يمكن التصحيح؟!(٤٣)
والنتيجة: أنّه لا يتمّ التصحيح في هذا المورد وأمثاله.
وقد استفاد (دامت افاداته) المقدّمة الأولى من قول الشيخ S في إحالته في آخر المشيختين:
(قد أوردت جملاً من الطرق إلى هذه المصنّفات والأصول، ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارس)(٤٤).
بتقريب: أنّ هذه المصنّفات والأصول هي ما ذكره في طرق المشيخة حيث ذكر قسماً من الطرق إلى ما ذكره من هذه المصنّفات والأصول في المشيخة، وأحال القسم الآخر ـ الذي لم يذكره من طرق هذه المصنّفات والأصول ـ إلى الفهارس.
وعليه تتضيّق مساحة تطبيق هذه الطريقة إلى خصوص ما ذكره الشيخ S في المشيخة.
جريان هذه الطّريقة في أسانيد الاستبصار:
وقد يورد بأنّ هذه الطريقة إذا تمّت في التهذيب فلا تتمّ في الاستبصار؛ وذلك أنّ الشيخ S قد ذكر في آخر الاستبصار بأنّه قد سلك في أوّل الكتاب إيراد الأحاديث بأسانيدها، وعلى ذلك اعتمد في الجزء الأوَّل والثاني، ثمّ اختصر في الجزء الثالث وعوّل على الابتداء بذكر الراوي الذي أخذ الحديث من كتابه أو أصله على أن يورد عند الفراغ من الكتاب جملة من الأسانيد يتوصّل بها إلى هذه الكتب والأصول(٤٥). ممّا قد يُفهم منه عدم الحاجة إلى الرجوع إلى الفهرست فيما يخصّ طرق الجزئين الأوّلين.
ومن هنا استشكل المحقّق الشيخ محمّد نجل المحقّق الشيخ حسن T في طريق الشيخ S إلى (أيوب بن الحرّ) بعدم وجود طريق له في المشيخة، وطريقه في الفهرست
إلى كتابه غير سليم، ولا ينفع بتقدير صحّته هنا إلَّا إذا عُلم أنّ الحديث من كتابه.
ثمّ ذكر ـ كما تقدّم نقله عنه ـ أنّه قد اشتبه على بعض الأصحاب الحال في طرق الفهرست، حيث ظنّ أنّ الطريق في الفهرست كافٍ لرواية وردت في الجزء الأوّل من الاستبصار(٤٦)، فلا يفيد الرجوع للفهرست لتصحيحه؛ لأنّه خلاف تصريح الشيخ S(٤٧).
وأجيب عمّا جزم به المحقّق الشيخ محمّد S بأنّه وإن كان مقتضى صريح العبارة المذكورة اختصاص الطرق بالجزء الثالث، إلّا أنّه خلاف ما يُرى من وضع الكتاب، فإنّ بناءه في ذكر الأسانيد فيه على نهجٍ سواء، فإنّه يروي فيه تارة: عن الشيخ المفيد S ومَن في طبقته. وثانية: عن الكليني O وأضرابه. وثالثة: عن الحسين بن سعيد وأمثاله. نعم، إنّه في أغلب (الأبواب) في الجزء الأوّل يروي عن الشيخ S ومَن في طبقته، بخلاف أواخر الجزء الأوّل والجزئين الأخيرين. ومن الظاهر أنّ هذا غير ما ذكره(٤٨).
ويلحق بهذه الطريقة الرجوع إلى مشيخة الكتاب لتصحيح روايات الكتاب، وهذا أولى بالقبول حيث تكون الرواية مسندة صحيحة في الكتاب نفسه فهي أخفّ مؤونة.
أمّا الاستعانة بطرقه في المشيخة لسند رواية غير مذكورة في الكتابين فلا يتمّ؛ لأنّ الشيخ قال في مشيخة الكتابين: إنّ ما ذكره في هذا الكتاب عن فلان فقد أخبره به... فطرُقه في المشيخة مختصّة بالروايات التي ذكرها في الكتابين.
والحاصل: أنّ هذه الطريقة تامّة ـ كما تبّناها السيّد الخوئي S ـ إذا كان من ابتدأ به هو صاحب كتاب وكان إخبار الشيخ بكتبه ورواياته. وأمّا على ما أفاده سيدنا الأستاذ (دامت افاداته) فيكون ذلك في خصوص مَن أورد الشيخ S أسانيده إليهم في المشيخة.
الطّريقة الثّانية:
وهي قريبة من الأولى من حيث إنّ الاستعانة إنّما هي بالطريق التامّ البديل إلى صاحب كتابٍ، إلّا أنّ الفرق بينهما أنّ صاحب الكتاب الثقة ـ في هذه الطريقة ـ ليس هو مَن ابتدأ به الشيخ ـ كما في الطريقة الأولى ـ بل هو واقعٌ في سلسلة السند بين من ابتدأ به وبين الشيخ الطوسي S ـ مثلاً ـ، فالثقة والضعيف هنا واقعان بين الشيخ ومَن ابتدأ به السند.
و من موارد تطبيق هذه الطّريقة:
١. تصحيح طريق الشّيخ S إلى أحمد بن محمّد بن عيسى:
وذلك في أحد طريقيه الذي ذكره الشيخ S وهو: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمّد بن الحسن الصفار وسعد جميعاً، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى(٤٩) (٥٠).
والخدش في هذا السند من جهة أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ـ بناءً على عدم ثبوت وثاقته حيث لم يرد توثيق في حقّه ـ لكن بعده في سلسلة السند (محمّد بن الحسن الصفار) الثقة، وللشيخ S طريق تام إليه في الفهرست(٥١)، فنعوّض المقطع الضعيف بهذا الطريق البديل الصحيح، فيصبح الطريق الجديد هكذا: (أخبرنا بذلك أيضاً جماعة، عن ابن بابويه، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى).
٢. تصحيح طريق الشّيخ الصّدوق S إلى محمّد بن مسلم بالاستعانة بالفهرست:
وطريق الصدوق S إلى محمّد بن مسلم ضعيف بـ (علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله، وأبيه) فإنّه ليس لهما توثيق صريح، ولكن في السند أحمد بن أبي عبد الله البرقي وهو ثقة وللشيخ S طريق صحيح إليه في الفهرست.
فالشيخ S يروي جميع كتب وروايات أحمد البرقي(٥٢) بطريق صحيح، ومن جملة روايات أحمد البرقي الرواية التي رواها الشيخ الصدوق S بطريقه إلى محمّد بن مسلم، فنركّب طريق الشيخ S إلى أحمد البرقي مع طريق الصدوق S إلى محمّد بن مسلم، ويصح السند.
معنى قول الشّيخ الطّوسي S (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته):
وتحقيق المطلب مرتبط بمعرفة معنى قول الشيخ S: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته... عن...) فإذا ثبت أنّ معنى العبارة أنّ الرواية التي نريد تصحيح سندها يشملها الإخبار عندما يكون الثقة ـ الذي للشيخ S طريق صحيح إليه ـ ليس هو من ابتدأ به بل هو واقع في سلسلة السند بين الشيخ ومَن ابتدأ به، تمّ التعويض.
وقد ذَكَرَ السيّد الصدر S للعبارة أربعة احتمالات، وأضاف تلميذه (دامت بركاته) في (القضاء) احتمالاً خامساً:
الاحتمال الأوَّل: أن يكون المقصود جميع كتب وروايات محمّد بن الحسن الصفّار(٥٣) واقعاً.
وأشكل S بأنّ هذا الاحتمال لا يكون عقلائيّاً؛ لأنّه لا يمكن للشيخ S ـ عادةً ـ أن يعلم جميع ما صدر في علم الله عن الصفّار(٥٤).
ولكن المناقشة في عدم عقلائيّة هذا الاحتمال بناءً على شمول معنى (أخبرنا بكتبه ورواياته) للروايات الشفهيّة، وأمّا بناءً على عدم الشمول فالإحاطة بالكتب والمؤلّفات المرويّة أمر معقول أو عقلائي.
وبيّن في المباحث أنّه على فرض تماميّة هذا الاحتمال يتمّ التعويض بهذه الطريقة؛ لأنّه لا يحتمل كون الشيخ S قاطعاً بعدم صدور هذا الحديث من الصفّار ـ مثلاً ـ، وإلَّا لما نقله في كتابه، ولا يوجد حديث يشكّ الشيخ S في أنّه صادر من الصفّار أو لا؛ لأنّ المفروض أنّه يعلم واقعاً بالكتب والروايات، فلا يبقى إلَّا أنّ الشيخ S كان قاطعاً بصدور هذا الحديث من الصفّار، فالحديث داخل في عموم الإخبار(٥٥).
وبيّن في (القضاء) الوجه في التعويض على فرض تماميّة هذا الاحتمال: بأنّه لو لم يكن قد وصل هذا الحديث إلى الشيخ S عن الطريق الذي ذكره في الفهرست بقوله: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان) لكان يعلم الشيخ S بكذب هذا الحديث؛ لأنّه بناءً على هذا الاحتمال يعلم أنّ هذا الحديث لم يصله من الطرق التي يعلم واقعاً أنّها للصفار، فكيف يروي الشيخ S حديثاً يعلم بكذبه؟!
ثمّ أبطل هذا الاحتمال ـ حتى على المعنى الذي اختاره للعبارة من عدم شمولها للروايات الشفهيّة ـ وذلك لسببين:
الأوّل: أنّه بالرجوع إلى فهرست الشيخ ورجال النجاشي نجد كثيراً ما يذكر أحدهما راوياً ذا كتب كثيرة، ويعدّد منها ما هو أقلّ من عدد الكتب، ممّا يوحي أنّه لم يصله بما لديه من سندٍ كلُّ الكتب، ومع ذلك يقول: (أخبرنا بكتبه ـ أو بجميع كتبه ـ فلان عن فلان).
والآخر: أنّه توجد ـ أحياناً ـ بعض القرائن الواضحة على عدم وصول كلّ الكتب إليه، كقول النجاشي في علي بن الحسن بن فضال: (وقد صنّف كتباً كثيرة منها ما وقع إلينا: كتاب الوضوء، كتاب الحيض...)، وكقول الشيخ بشأن يونس بن عبد الرحمن: (له كتب كثيرة أكثر من ثلاثين كتاباً، وقيل: إنّها مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة)، ثمّ يعدّد بعضها، ثمّ يقول: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته...)، فلو كان وصله كلُّ الكتب لما قال: (قيل: إنّها مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة)، وكقول الشيخ بشأن علي بن الحسن بن فضّال: (قيل: إنّها ـ يعني كتبه ـ ثلاثون كتاباً: منها كتاب الطب، كتاب فضل الكوفة...).
وقد فصّل (دامت بركاته) بين وقوع الثقة بين مَن ابتدأ به والشيخ، أو بين مَن ابتدأ به والإمام g بناءً على المعنى الذي اختاره للعبارة من عدم شمولها للروايات الشفهيّة فقَبِلَ التصحيح عندما يكون الثقة بين مَن ابتدأ به والشيخ، ولم يقبله عند وقوعه بين مَن ابتدأ به والإمام، وعليه فلا يأتي احتمال المشافهة على هذه الطريقة عنده.
وأمّا بناءً على أنّ معنى العبارة يشمل الروايات الشفهيّة فلم يفرّق بين الحالين للثقة في إمكانيّة التعويض(٥٦).
وقد ناقش سيدنا الأستاذ (دامت افاداته) في قبساته ما ذُكِر في أصل هذا الاحتمال ببيان أمور:
الأوّل: إنّ مبنى هذا الكلام أنّ الطرق المذكورة في الفهرست إنّما هي طرق إلى نسخ محدّدة من الكتب والروايات كانت عند الشيخ S عند تأليف الفهرست، فعليه يمكن أن يقال: إنّه لا بُدَّ أن يراد بالروايات خصوص الأحاديث الواصلة إلى الشيخ مرويّة عن حريز ـ مثلاً ـ، ولكن أنّى للشيخ S الاطّلاع على جميع ما رواه حريز في علم الله تعالى حتّى يرويها بالطريق المذكور في الفهرست!!
الثّاني: إنّ ما ذكر لا يتمّ؛ إذ إنّ الممارس يعلم أنّ معظم طرق الفهرست مقتبسة من إجازات الأصحاب وفهارسهم فهي طرق إلى العناوين والأسماء إلّا في موارد محدودة جدّاً أشير فيها إلى كون الطريق على سبيل القراءة أو السماع أو نحو ذلك.
الثّالث: إنّ الطريق سواء أكان إلى الكتب التي رواها حريز ـ مثلاً ـ أم إلى الأحاديث التي نقلها إنّما هو من قبيل الإجازة الشرفيّة المتداولة في الأعصار الأخيرة، وفائدتها تنحصر في أنّه إذا أحرزنا أنّ نسخة ما هي ممّا رواه حريز من الكتب أو الأحاديث فبالإمكان رواية ما فيها(٥٧).
ولكن يمكن أن يقال: إنّه بناءً على ما تقدّم في الطريقة الأولى ـ من مناقشة اختلاف تعابير الشيخ S في الإخبار ـ فإنّه يمكن تقريب أنّ مقصود الشيخ ـ المستفاد من مراجعة الفهرست وتتبّع موارد استعمال الشيخ لهذه الجملة ـ ليس العناوين والكتب، وأنّ نفس الاقتباس لا ينافي أن يكون مقصوده إسناد رواياته التي رواها في التهذيبين حتى تكون محلّ اعتماد لمن يتبعه في السير على منهج التحقيق الروائي في عمليّة الاستنباط، فليتأمّل.
ولا يخفى أنّه بناءً على تماميّة الأمور الثلاثة حتّى الطريقة الأولى لا تتم، وأمّا إذا بنينا على أنّ مقصود الشيخ هو الطرق إلى نسخ محدّدة وصلت إليه فيمكن محاولة تتميم الطرائق.
وقد أشار في (سماء المقال) إلى عدم فائدة الإجازة الشرفيّة، فإنّ الوسائط بين الشيخ والصدوق ـ مثلاً ـ، مشايخ إجازة وليسوا أصحاب كتب؛ لظهور ثبوت كتب الصدوق، فلا فائدة في إثبات توسّطهم وعدالتهم(٥٨).
والحاصل أنّ هذا الاحتمال غير تامّ.
الاحتمال الثّاني: أن يكون المقصود جميع الكتب والروايات التي ينسبها الشيخ إلى صاحب الكتاب، ويعتقد بالوجدان والتعبّد أنّها له.
وعلى هذا الاحتمال لا تتمّ هذه الطريقة، وذلك لأمرين..
أوّلاً: إنّ كون هذا الحديث ممّا يعتبره الشيخ S وجداناً وتعبّداً صادراً من الصفّار ـ مثلاً ـ حتّى يكون داخلاً في عموم الإخبار مصادرة على المطلوب.
ثانياً: إنّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر لسببين:
١. الظاهر أنّ الشيخ S إنّما يقول: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان) بما هو من أهل الرواية والحديث، لا بما هو مجتهد في الأحاديث يحكم بأنّ حديثهُ حقٌّ أو لا.
٢. إنّما قال الشيخ O هذا الكلام لإمكان تصحيح روايات ذلك الشخص وكتبه لنا وإخراجها عن الإرسال.
ثمّ لو فرضنا أنّ مقصوده خصوص الكتب والروايات التي يعتبرها الشيخ كتباً وروايات له فهذا الكلام غير مفيد في حدّ نفسه(٥٩)، إذ إنّ مجرد نقل الشيخ S وروايته للحديث لا يستلزم أنّه يعتقد من جهة وجدانه أو بدليل تعبّدي بأنّ هذا الحديث للصفار، فمجرّد النقل للرواية لا يحتاج شيئاً وراء رواية الحديث(٦٠)، وتكون رواية الحديث: إمّا من باب الأمانة العلميّة من باب أنّه وصله، أو من باب حفظ التراث، أو أنّ الشيخ يعرف أنّ الحديث قد يستفيد منه من لا يتفق معه في المبنى، أو من قد يصله من القرائن ما لم يصله.
الاحتمال الثّالث: أن يكون المقصود جميع الكتب والروايات التي تُنسب إلى الثقة.
وأورد عليه أيضاً في المباحث بأنّ هذا الاحتمال أيضاً ليس عقلائيّاً؛ لأنّ الشيخ S لا يمكنه أن يعلم بجميع ما ينسب إلى الصفّار ـ مثلاً ـ، ويعلم أنّه لا يُنسب إليه غير ما عَلِمَه.
وذكر S أنّه على فرض تماميّة هذا الاحتمال تتمّ هذه الطريقة من نظريّة التعويض؛ لأنّ المفروض أنّ هذا الحديث ينسب إلى الصفّار، فهو داخل في عموم الإخبار(٦١).
الاحتمال الرّابع: أن يكون المقصود جميع الكتب والروايات التي تنسب إلى الصفار، ووصلت إلى الشيخ.
وهذا الاحتمال معقول، وعلى هذا الاحتمال يتمّ التعويض بهذه الطريقة؛ لأنّ المفروض أنّ هذا الحديث وصل إلى الشيخ S ، وعليه فهو داخل في عموم إخباره(٦٢).
الاحتمال الخامس: ـ وهذا الاحتمال أضافه تلميذه (دامت بركاته) في كتاب القضاء ـ وهو أن يكون المقصود جميع ما رواه الشيخ S عن الصفار ـ مثلاً ـ من كتب وروايات.
وهذا احتمال معقول، وذكر أنّه بناءً على هذا الاحتمال يتمّ التعويض أيضاً؛ لأنّ المفروض أنّ هذه الرواية ممّا رواها الشيخ S (٦٣).
والفرق بين هذا الاحتمال الأخير والاحتمال الرابع: أنّه على الاحتمال الرابع لو وجدنا كتاباً في مكتبة الشيخ لهذا الثقة وعلمنا بأنّه واصل إلى الشيخ S ، ولكن لم نعلم أنّه رواه عنه، أمكن تصحيح سند هذا الكتاب بخلافه على الاحتمال الأخير.
ولا فرق عملي بين هذين الاحتمالين؛ لأنّ هذه الثمرة غير متحقّقة في زماننا (٦٤).
ولعلّه لهذا السبب لم يذكر هذا الاحتمال في المباحث.
ولكن قد يقال: إنّ الاحتمال الذي تمّ قبوله يصحّ فيما إذا لم يروِ الشيخ S الرواية في كتابه بسند آخر.
فأجاب S: بأنّه تقييد بلا موجب، ومخالف للظاهر والمتعارف عرفاً(٦٥).
والحاصل تماميّة الاحتمال الرابع فقط من بين الاحتمالات الخمسة وعليه يتمّ المقصود.
هذا، وأورد سيدنا الأستاذ (دامت افاداته) في قبساته على هذا المورد ـ وهو تصحيح طريق الشيخ الصدوق إلى محمّد بن مسلم ونظائره ـ من جهتين..
الجهة الأولى: إنّ التعويض إنّما يتمّ إذا كان المراد من الروايات في قول الشيخ S (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته) هو أحاديث أحمد البرقي في قبال الكتب التي ألّفها وذكر الشيخ S قسماً منها. وأمّا إذا كان المراد من الروايات في مقابل كتبه هو مؤلفات وكتب الآخرين التي رواها البرقي ـ مثلاً ـ عنهم فلا يتمّ التعويض.
والأخير هو الصحيح؛ إذ بالرجوع إلى الفهارس يظهر أنّ البرقي ـ مثلاً ـ روى العشرات من مصنّفات الأصحاب فيكون مقتضى المناسبات أن يكون المراد هو مؤلّفات الآخرين.
والشّاهد على ذلك: قول الشيخ S في ترجمة أبي العباس ابن عقدة (أخبرنا بجميع رواياته وكتبه أبو الحسن أحمد بن محمّد بن موسى الأهوازي، وكان معه خط أبي العباس بإجازته وشرح رواياته وكتبه، عن أبي العباس أحمد بن محمّد بن سعيد)(٦٦)، فإنّ قول الشيخ S: (شرح رواياته وكتبه) واضح الدلالة على أنّ المراد هو قائمة كتب ابن عقدة نفسه وقائمة الكتب التي رواها عن الآخرين، وليس المراد بالروايات هو الأحاديث(٦٧).
وهذا الإشكال سيّال وعليه فلا يتمّ التعويض إلّا باستظهار أنّ مقصود الشيخ S هو عموم الإخبار لأحاديث البرقي مثلاً.
الجهة الأخرى: إنّه لو سلّمنا أنّ المراد من الروايات هو أحاديث البرقي، ولكن تماميّة التصحيح تتوقّف على أن تكون هذه الأحاديث ممّا وصل للشيخ S حتى يقال: إنّ حديث محمّد بن مسلم ـ مثلاً ـ هو من أحاديث البرقي التي رواها الشيخ لروايته للفقيه عن الصدوق.
ولكن الظاهر أنّ المراد بالروايات ليس هو الأحاديث التي وصلت إلى الشيخ S ممّا روي عن أحمد البرقي أو سعد بن عبد الله أو حريز أو أضرابهم بأي طريق كان، بل ما رواه هؤلاء في واقع الأمر، وعليه فإذا كان الطريق إلى حريز ـ مثلاً ـ في سند حديث ضعيفاً فلا مثبت لكون ذاك الحديث من مرويات حريز حتّى يمكن أن يستبدل به سند الشيخ إلى روايات حريز فيصبح بذلك سند الحديث معتبراً(٦٨).
وما ذُكِر تام وينقض كليّة الكبرى.
٣. تصحيح سند الصّدوق S إلى محمّد بن مسلم بالرجوع لمشيخة الفقيه:
وصحّحه المحدّث النوري O (٦٩) بالتعويض بطريق صحيح للصدوق إلى العلاء ابن رزين(٧٠).
وأورد عليه المحقّق الداماد S:
أوّلاً: بأنّ الظاهر من عبارة الصدوق S في آخر الفقيه أنّ ما يرويه عن العلاء هو ما يرويه عن فلان وفلان عندما يكون واقعاً في آخر السند، لا الأعمّ منه ومن الواقع في وسط السند كما في المورد.
وثانياً: باحتمال المشافهة(٧١).
والحاصل: أنّ هذه الطريقة غير تامّة.
الطّريقة الثّالثة:
هي تصحيح سند الشيخ إلى مَن ابتدأ به ـ وهي من هذه الناحية مثل الطريقتين السابقتـين ـ ولكن بالاستعانة بسند الروايات وتعويض المقطـع الأوَّل الضعيف من السند
بالطريق الثاني المستفاد من سند رواياته.
وأشار لهذه الطريقة المجلسي الأوّل S ـ كما مرّ، وطبّقها المولى الأردبيلي O ـ ولخصّ السيّد البروجردي S كلام المجلسي الأوّل S بما حاصله:
أوّلاً: إنّ الشيخ S ذكر طرقه إلى أرباب الكتب والأصول في المشيخة والفهرست ليُخرج رواياته التي أسقط أسانيدها من الإرسال إلى الإسناد.
وثانياً: إنّه مع ذلك نجد أنّ كثيراً من الطرق بقي معلولاً.
وثالثاً: إنّ الشيخ S لم يذكر طرقه إلى بعض مَن ابتدأ به لا في المشيخة ولا في الفهرست.
ورابعاً: إنّ حلّ هذا الإشكال يكون بالرجوع إلى أسانيد التهذيبين والحصول على طرق معتبرة بديلة عن تلك الضعيفة، ومن ثَمَّ صنّف رسالة ذكر فيها ما توصّل إليه(٧٢).
بعض موارد تطبيقات هذه الطّريقة:
١. تصحيح طريق الشّيخ S إلى علي بن الحسن الطّاطري في التّهذيب:
إنّ الشيخ S ابتدأ باسم علي بن الحسن الطاطري في موارد من التهذيب، والطريق الذي ذكره في المشيخة هو: أحمد بن عبدون، عن علي بن محمّد بن الزبير، عن أبي الملك أحمد بن عمرو بن كيسبة، عن علي بن الحسن الطاطري(٧٣). وفي الفهرست هو: أحمد بن عبدون، عن أبي الحسن علي بن محمّد بن الزبير القرشي، عن علي بن الحسن بن فضال وأبي الملك أحمد بن عمر بن كيسبة النهدي، جميعاً عنه(٧٤).
فطريق الشيخ S فيهما ضعيف، بعلي بن محمّد بن الزبير القرشي ـ وهو المعروف بأبي سمينة ـ وأحمد بن عمر بن كيسبة النهدي.
فأراد المولى الأردبيلي O (٧٥) أن يصحّح هذا الطريق بطريق صحيح للشيخ ورد في التهذيب في عدّة مواضع إلى الطاطري منها: موسى بن القاسم، عن الطاطري، عن محمّد بن أبي حمزة ودرست، عن ابن مسكان(٧٦).
وموسى بن القاسم يروي جميع كتب الطاطري ـ ومنها الرواية المبحوث عنها ـ فيكون هذا الطريق طريقاً صحيحاً للشيخ.
وقد بيّن السيّد البروجردي S سبب ذهاب المولى الأردبيلي لهذه الطريقة، وأنّه إذا رأى في أسانيد التهذيبين صاحب كتاب أو أصل استظهر أنّ الحديث المروي بذلك السند مأخوذ من كتاب هذا الرجل، وأنّ الرواة الذين توسّطوا في سنده بين الشيخ وبين صاحب الكتاب رووا هذا الحديث عنه بسبب روايتهم لجميع ما في كتابه من الروايات، لا مشافهة.
وعليه إذا رأى O أنّ الشيخ S روى عن صاحب الكتاب روايات أُخر وبدأ بذكره في أسانيدها ولم يذكر في المشيخة والفهرست إليه طريقاً أو ذكر إليه طريقاً ضعيفاً على المشهور حكم بصحّتها لما وجده في أسانيد التهذيبين من الطريق الصحيح أو المعتبر إلى كتابه(٧٧).
وذكر السيّد الأستاذ (دامت افاداته) أنّ مبنى هذا التعويض يرجع لأمور ثلاثة(٧٨) :
الأوّل: أنّ الشيخ كان مقيّداً بعدم الابتداء إلّا باسم من أخذ الحديث من أصله أو كتابه.
الثّاني: أنّه إذا وقع صاحب كتاب في سند رواية وكان يروي عنه صاحب كتاب آخر فإنّ الرواية تكون مأخوذة من كتابه.
الثّالث: عدم اختصاص السند بتلك الرواية بل يعمّ روايات الكتاب.
وقد منع (دامت افاداته) جميع هذه الأمور..
أمّا الأمر الأوّل فإنّ الشيخ S لم يتقيّد عملاً بعدم الابتداء إلّا بمن أخذ الحديث من كتابه أو أصله، وما ذكره الشيخ S من أنّه يبتدئ باسم من أخذ الحديث من كتابه أو أصله فهو محمول على الغالب، فهناك موارد لم يلتزم فيها S بذلك(٧٩)، كما في: إبراهيم بن مهزيار، وأحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وزيد بن جهم الهلالي، وعبد الله بن سيّابة، وعلي بن سندي، ومحمّد بن إسماعيل
ـ الذي يروي عن الفضل بن شاذان وهو على التحقيق البُندقي النيشابوري ـ ، ومحمّد بن زيد الطبري، ويعقوب بن عثيم وغيرهم(٨٠).
وهذا الأمر يضيّق من مساحة تطبيق هذه الطريقة إلى الموارد التي ابتدأ الشيخ بمن أخذ الحديث من كتابه أو أصله، ولعلّه يمكن بالرجوع إلى الفهرست معرفة أصحاب الكتب ممّن ابتدأ به.
وأمّا الأمر الثاني ـ من أنّ كلّ من يقع في سند رواية إذا كان صاحب كتاب ويروي عنه صاحب كتاب آخر فإنّ الرواية تكون مأخوذة من كتابه ـ فيردّه احتمال المشافهة، وأنّه سمعها منه شفاهاً فحفظها ثمّ أدرجها في مؤلَّفه؛ إذ لا دليل على أنّ كلّ مَن ألّف كتاباً وأودع فيه أحاديث مرويّة عن صاحب كتاب آخر يكون قد أخذها من نفس كتابه(٨١).
ولهذا الاحتمال اشترط المحدِّث النوري O الإكثار من ذكر الطريق، فمع الإكثار يحصل الظنّ بل الاطمئنان أنّ الأحاديث مأخوذة من كتاب المروي عنه(٨٢).
ولكن الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً، وهو ليس من الظنون المعتبرة، وإذا دخل في الاطمئنان الشخصي فهو حجّة لصاحبه فقط، ومطلق الظنّ لا يفيد في حال انفتاح باب العلم والعلمي كما ذكر في محلّه.
وأمّا أن يدخل في الاطمئنان النوعي المستفاد من الإكثار فيكون حجّة فهذا ما يحتاج إلى مزيد تأمّل.
ويرد عليه ما ذكره السيّد الأستاذ (دامت افاداته) في قبساته من أنّ صاحب الكتاب ـ موسى بن القاسم مثلاً ـ ليس بالضرورة قد أخذ الرواية من كتاب شيخه ـ الطاطري ـ بل يحتمل أنّه أخذها من كتب الأسبق منه ـ محمّد بن أبي حمزة أو درست... ـ، وهذا الاحتمال لا دافع له.
وما أفاده (دامت افاداته) تامّ.
فالأمر الثاني أيضاً غيرُ تامٍّ.
وأمّا الأمر الثالث ـ من أنّ ذلك السند لا يكون سنداً إلى خصوص تلك الرواية بل إلى جميع ما في الكتاب ـ فلا يتمّ أيضاً؛ لاحتمال أن يكون لصاحب الكتاب كتب متعدّدة،
وتكون طرق هذه الكتب مختلفة فيما بينها، فيكون الطريق إلى مَن ابتدأ الشيخ S باسمه في أبواب كتبه كالحيض والنفاس والنكاح مختلفاً عن الطريق إليه في كتابٍ آخر كالحج، ففي مثالنا: إنّ أقصى ما يمكن البناء عليه هو أنّ الطاطري أجاز لموسى بن القاسم تمام كتاب الحج، وأمّا أنّه أجاز له جميع كتبه فهذا ممّا لا دليل عليه.
ثمّ ذكر (دامت افاداته) احتمالاً آخر وهو احتمال تعدّد النسخ فيبقى احتمال أنّ النسخة التي اعتمدها الشيخ S من كتاب الطاطري هي برواية محمّد بن الزبير، ومعه لا يجدي وجود طريقٍ آخر للطاطري بطريق موسى بن القاسم؛ لاحتمال أن يكون إلى نسخة أخرى فلا يتمّ التعويض(٨٣).
ومع احتمال اختصاص السند بتلك الرواية فلا يتمّ التعويض.
وأشكل في (سماء المقال) ـ كما تقدّم في الطريقة الثانية ـ على المورد بعدم فائدة الإجازة الشرفيّة فإنّ الوسائط ليسوا أصحاب كتب بل مشايخ إجازة، فلا فائدة في إثبات توسّطهم وعدالتهم(٨٤).
ومن خلال بيان ما تقدّم ظهر ما في كلام السيّد البروجردي S في مناقشته لكلام الأردبيلي فيما كتبه في مقدّمته لكتاب جامع الرواة(٨٥).
٢. ما ذكره المحدِّث النوري S في تصحيح طريق الشّيخ الصّدوق إلى محمّد بن مسلم، وهو: علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جدّه أحمد ابن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمّد بن خالد البرقي، عن العلاء بن رزين، عنه.
والسند ضعيف ـ على المشهور ـ بعلي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله، وأبيه.
وطبّق المحدِّث النوري S نظرية التعويض في تصحيح هذا الطريق بثلاثة وجوه:
الأوّل: بالتعويض بطريق صحيح إلى أحمد البرقي:
إمّا مستخرج من الفهرست، وقد تقدّم الكلام حول ذلك في الطريقة الثانية.
أو مستخرج من مطاوي أسانيده، وعلّل اختلاف نقل الشيخ الصدوق S بطريق غير معتبر مع وجود المعتبر بأنّه O يتفنّن بذكر مشايخه وإلّا فطرقه معتبرة.
الثّاني: بالتعويض بطريق صحيح إلى العلاء، وقد تقدّم أيضاً في الطريقة الثانية.
الثّالث: بالتعويض بطريق صحيح إلى محمّد بن مسلم مستخرج من أسانيد التهذيبين(٨٦).
وقد يناقش في طريقة التّعويض هذه بـ:
أوّلاً: أنّ ما ذكر من أمر التفنّن لم يقبله بعضُ الأعلام O ؛ لبعد النقل بطريق غير معتبر مع وجود المعتبر منه، وعليه فلا يتمّ التعويض(٨٧).
ولكن يرد عليه: أنّ الوثوق عند القدماء ليس على حدِّ الوثوق عندنا، ولعلّ الشيخ الصدوق O يرى كلا الطريقين معتبراً وإلّا لم يذكرهما.
وثانياً: أنّ إرجاعه إلى الطرق التي ذكرت في التهذيبين اعترض عليه في (سماء المقال) بأنّه غير نافع؛ لأنّه إذا صحّت لنا رواية عن ثقة بوسائط موثّقين فلا وجه لتصحيح رواية أخرى وصلت إلينا بطريق غير صحيح عن هذا الثقة لمجرّد ثبوت طريق صحيح في رواية أو روايات خاصة؛ إذّ الوسائط الثقاة وسائط لخصوص رواياتهم(٨٨).
وذكر سيّدنا الأستاذ (دامت افاداته) بأنّه لا يظنّ بالمحدِّث النوري S اعتماد هذه الطريقة الفاسدة من التصحيح، وإنّ ما ذكره مبنيّ على نكتة فنّيّة ومقدّمات مطويّة مرّ ذكرها في بيان كلام المولى ، ثم بيّن (دامت افاداته) أنّ كلام المحدّث النوري O لا يتمّ لعدم تماميّة كلام المولى الأردبيلي O الذي اعتمد عليه المحدِّث النوري S (٨٩).
ولكن ما يورد على المحدِّث النوري ـ كما أفاده (دامت افاداته) ـ أنّه لا شاهد على أنّ طريق الصدوق إلى كتب بعض المذكورين كالعلاء بن رزين ويعقوب بن يزيد كان إلى نسخة معيّنة بالقراءة أو المناولة أو السماع ونحوها، بل لعلّه كان على نحو الإجازة المحضة ـ الشرفيّة ـ التي لا تنفع في توثيق النسخة المنقول عنها الحديث(٩٠).
والحاصل: أنّ هذه الطريقة أيضاً غير تامّة.
الطّريقة الرّابعة(٩١):
هي تعويض الطريق الضعيف للشيخ الطوسي S بطريق صحيح للشيخ الصدوق في مشيخة الفقيه ـ أو بالرجوع مثلاً إلى رسالة أبي غالب الزراري ـ إلى صاحب ذلك الكتاب.
وقد اعتمدها المجلسي الثاني S، ويمكن بيانها بمقدّمات..
الأولى: أنّ للشيخ الطوسي S طريقاً صحيحاً إلى جميع روايات الشيخ الصدوق بواسطة الشيخ المفيد.
الأخرى: إذا صحّ طريق الشيخ الصدوق S إلى روايات صاحب الكتاب الذي ينقل عنه الشيخ الطوسي S فيثبت بذلك طريق صحيح للشيخ الطوسي S بواسطة الشيخ الصدوق S إلى صاحب الكتاب، ومن ثَمَّ يحكم بصحّة الحديث.
مثال ذلك: إذا كان طريق الشيخ S إلى أحمد بن محمّد بن عيسى ـ مثلاً ـ ضعيفاً، وكان طريق الصدوق O إليه صحيحاً في المشيخة، فيتلفّق طريق صحيح يتكوّن من طريق الشيخ S إلى الصدوق O ومن طريق الصدوق S إلى أحمد بن محمّد بن عيسى.
ولكن يناقش في هذه الطّريقة:
أوّلاً: بأنّ طرق الشيخ الصدوق O في مشيخة الفقيه مختصّة بما يرويه في هذا الكتاب كما هو صريح قوله في المشيخة: (كلّ ما كان في هذا الكتاب عن... فقد رويته عن...)(٩٢)،
والرواية الموجودة في التهذيب غير موجودة في هذا الكتاب فلا تكون طرق كتابه طرقاً لروايات الشيخ في التهذيب، فلا يتمّ التعويض، وإلّا فلو كانت موجودة في الفقيه لتمسّكنا بها ابتداءً مع صحّة طريقه في مشيخته، ولا حاجة لما نقله الشيخ S في التهذيب.
وثانياً: لو سلّمنا أنّ الطرق عامّة، وأنّ الصدوق قد صرّح بأنّها طرق إلى جميع كتب وروايات مَن يروي عنه، ولكي تكون رواية الشيخ مشمولة لطريق الشيخ الصدوق ويصحّ التعويض يجب أن تكون هذه الرواية واصلة إليه، فكيف يمكن إحراز ذلك؟!(٩٣).
وهذا إشكال سيّال يتكرّر في الطرائق.
وقد أجاب عن المناقشة الأولى في المباحث: بناءً على استظهار كبرى الإحالة من قول الشيخ في آخر مشيخة التهذيب: (قد أوردت جملاً من الطرق إلى هذه المصنّفات والأصول ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارس المصنّفة في هذا الباب للشيوخ (رحمهم الله) مَن أراده أخذه من هناك إن شاء الله، وقد ذكرنا نحن مستوفى في كتاب فهرست الشيعة)(٩٤)، ومن ما ذكره في مشيخة الاستبصار: (قد أوردت جملاً من الطرق إلى هذه المصنّفات والأصول ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارست للشيوخ فمن أراده وقف عليه من هناك...)(٩٥).
وأضاف S: فمن هذا يظهر أنّ تماميّة الرجوع في مقام التصحيح مبنيّة على دعوى أنّ المقصود من كلام الشيخ في آخر كتابيه ليس هو الإحالة على خصوص فهارس الشيوخ التي يذكر فيها طرقهم إلى أصحاب الكتب والأصول بلحاظ كلّ ما وصل إليهم من كتبهم ورواياتهم، بل المستظهر هو الإحالة على القضيّة الخارجيّة من الفهارس الموجودة للشيوخ، ومن أجلى مصاديقها مشيخة الصدوق، وإن كانت بحسب مدلولها اللَّفظي مشيخة لخصوص الروايات المذكورة في الفقيه(٩٦).
ثمَّ أورد S بـ: أنّ هذا الاستظهار معارض بقول الشيخ S نفسه: (وقد ذكرنا نحن مستوفى في كتاب فهرست الشيعة) فيظهر منه أنّه استوفى جميع طرقه في فهرسته، فالطريق الذي لم يذكره الشيخ S ليس له، وعليه فلا يتمّ هذا الاستظهار.
وأجاب S عن إيراده:
أوّلاً بـ: أنّ ظهور قوله (مستوفى) في المعنى المذكور غير معلوم، بل لا يبعد أن يكون مقصود الشيخ منه: أنّه تعرّضنا لذلك تفصيلاً لا على نحو الاستيعاب.
وثانياً: أنّه مع فرض التعارض والإجمال بين كلاميه في التهذيب والمشيخة نرجع إلى كلامه في الاستبصار السليم عن المعارض.
وثالثاً: أنّ ذكر الشيخ S طريقه إلى الصدوق هو ذكر إجمالي لطرق الصدوق الموجودة في مشيخته، وأمّا دلالة ما ذكره الصدوق S من أنّ طرقه في المشيخة خاصة به فهو من باب الضيق في التعبير بقرينة إطلاق الشيخ في الحوالة على فهارس الشيوخ(٩٧).
وقرّب السيّد الحائري (دامت بركاته) أنّ كون مشيخة الصدوق من أجلى مصاديق الفهارس: بأنّه لم تكن لدى الأصحاب فهارس موسّعة كي يكون كلام الشيخ إشارة إليها، ويشهد لذلك أنّ الشيخ S أشار في أوّل كتاب الفهرست في مقام بيان ما دعاه إلى وضع فهرسته إلى عدم سعة فهارس الأصحاب عدا فهرستين لابن الغضائري الحسين بن عبيد الله: أحدهما فهرست للمصنّفات، والآخر فهرست للأصول، ولكنّهما تعرّضا للتلف(٩٨). وأمّا رجال النجاشي ـ الذي هو فهرست من فهارس الأصحاب ـ فهو متأخّر في التأليف عن التهذيب والاستبصار بدليل أنّه ذكرهما في كتابه عند ترجمة الشيخ.
وعليه ففي ظرف كهذا تعتبر مشيخة الصدوق ـ المفصّلة نسبيّاً ـ من أجلى مصاديق ما يمكن أن تشير إليه إحالة الشيخ S في المشيختين إلى فهارس الأصحاب رغم أنّ مشيخة الصدوق ليست فهرستاً بالمعنى المصطلح.
ومع كلّ ذلك لم يرتضِ أن تكون مشيخة الصدوق من مصاديق الفهارس، فلا تكون من صغريات الإرجاع إلى الفهارس(٩٩).
ويظهر أنّ تقريبه غير تام؛ وذلك لوجود فهارس كثيرة اعتمد عليها الشيخ الطوسي S وكانت من مصادره كفهرست ابن الوليد وابن بطة وابن النديم وغيرهم.
وأيضاً يمكن أن يقال: إنّه إذا اعتبرنا مشيخة الصدوق فهرستاً فلا مانع من إحالة الشيخ S إليها وكونها من أجلى مصاديق الفهارس مع اطّلاع الشيخ S على طرق الصدوق O فيها وكونها تصلح أن تكون طريقاً إليه، ولا يضرّ أنّ الصدوق S ذكر اختصاص طرقه بكتابه ولا كثرة الفهارس مع ذلك.
وأيضاً أورَد على هذه الطريقة باحتمال تعدّد النسخ ـ وهذه مناقشة سيّالة كما تقدم ـ، ويؤيّده ما ذكره الشيخ في ترجمة: (العلاء بن رزين القلا، ثقة، جليل القدر. له كتاب، وهو أربع نسخ: منها...)(١٠٠).
والحاصل: عدم تماميّة هذه الطريقة من التعويض أيضاً.
الطّريقة الخامسة:
هي تعويض طريق الشيخ S الضعيف إلى صاحب الكتاب بالطريق الصحيح للنجاشي O (ت ٤٥٠ هـ) مع وحدة شيخهما.
وقد ارتضى هذه الطريقة السيّد بحر العلوم S على أساس أنّ النجاشي O كان معاصراً للشيخ S ومشاركاً له في أكثر الشيوخ، فإذا علمنا بأنّ النجاشي O روى الأصل أو الكتاب بتوسّط أحدهم يكون ذلك طريقاً للشيخ أيضاً(١٠١).
وكذا ارتضى هذه الطريقة السيّد الخوئي S في معجمه بشرط وحدة شيخهما معلّلاً هذا الاشتراط بأنّه لا يحتمل مغايرة ما أخبره شيخ واحد ـ كالحسين بن عبيد الله ابن الغضائري مثلاً ـ للنجاشي O مع ما أخبر به نفسه للشيخ S .
وعليه فإذا كان طريق النجاشي O إليه صحيحاً فيحكم بصحّة ما رواه الشيخ عن ذلك الكتاب، ويستكشف من تغاير الطريق أنّ كتاب الحسين بن عبيد الله روي بطريقين، أحدهما ذكره الشيخ S والآخر ذكره النجاشي O (١٠٢).
وذكر السيّد الصدر S أنّ هذه الطريقة يمكن أن يُعتمد عليها بثلاثة شروط:
الأوّل: أن يكون الشيخ المشترك بينهما المباشر ثقة. وهو المفروض وإلّا فلا يمكن التصحيح.
الثّاني: أن يكون للنجاشي O طريقان إلى صاحب الكتاب، أحدهما نفس طريق الشيخ المشتمل على الضعف، والآخر طريق صحيح.
الثّالث: إنّ النجاشي والشيخ ` فصّلا الكتب وكانت متطابقة، فعندئذ نبدّل سند الشيخ S الَّذي فيه ضعف بسند النجاشي O الصحيح(١٠٣).
ويمكن توضيحها بهذا المثال ـ مع غضّ النظر عن المناقشة الصغرويّة ـ :
إنّ طريق الشيخ S إلى ابن فضال ضعيف بابن الزبير؛ إذ طريقه هو: أحمد بن عبدون، عن علي بن محمّد بن الزبير، عنه(١٠٤).
وأمّا طريقا النجاشي O فالأوّل: أحمد بن الحسين، عن أحمد بن عبد الواحد، عن ابن الزبير، عن علي بن الحسن.
والآخر: محمّد بن جعفر في آخرين عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن علي بن الحسن بكتبه(١٠٥).
والأوّل ضعيف وهو نفس طريق الشيخ S، والثاني صحيح.
ونلاحظ أنّ السيّد الخوئي S اكتفى بوحدة شيخهما، بينما السيّد الصدر S في (المباحث) قيّد الطريقة بثلاثة شروط، وتبعه السيد الحائري (دامت بركاته) في (القضاء).
والوجه في أخذ (المباحث) لهذه الشروط في تصحيح هذه الطريقة:
أمّا بالنسبة إلى الشرط الثالث ـ من أنّ النجاشي O والشيخ S فصّلا الكتب وكانت متطابقة ـ فحتى نحرز أو نطمئن أنّ الحديث الذي نريد تصحيح سنده قد أخذه الشيخ من كتاب مشمول لسند النجاشي O وإلّا فلا يتمّ التعويض.
وأمّا بالنسبة للشرط الثاني ـ من أن يكون للنجاشي O طريقان ـ فلأنّ ظاهر كلام النجاشي O أنّ تلك الكتب نقلت له بنسخة واحدة لكلا الطريقين.
وأمّا بالنسبة لشرطه الأوّل ـ وهو أن يكون الشيخ المشترك المباشر لهما ثقة ـ فلأنّ من غير المحتمل عقلائيّاً أنّ النسخة التي وصلت إلى النجاشي O بالطريق الضعيف تختلف عن التي وصلت للشيخ S بنفس الطريق، وذلك لأسباب ثلاثة:
الأوّل: إنّ المفروض أنّ الشيخ المباشر لهما واحد، وهو ثقة على الفرض، فمن غير المحتمل أنّه أعطى للنجاشي نسخة غير التي أعطاها للشيخ.
الثّاني: إنّه من غير المحتمل أن يكون لهذا الشيخ نسختان مختلفتان، ولم ينبّه الشيخين على ذلك.
الثّالث: إنّ نفس شيخهما لم يتنبّه إلى اختلاف النسختين عنده، رغم ما كان متعارفاً في ذلك الوقت من التدقيق في متون الأخبار قراءة وسماعاً ومقابلة(١٠٦).
وأُشكِلَ صغرويّاً على هذه الطريقة ولكنّها مناقشة في المثال بينما الكلام في مقام الثبوت، فإذا تمّت كبرويّاً فهذا يكفي في قبولها(١٠٧).
والحاصل: أنّ هذه الطريقة من التعويض على مبنى السيّد الصدر O(١٠٨) صحيحة بالشروط المذكورة، فوثاقة الشيخ، وتعدّد طرق النجاشيO بحيث يشترك مع الشيخ S في الطريق الضعيف، وتفصيل الكتب يفيد شمول الطريق البديل للنجاشي لطريق الشيخ وتدفع احتمال اختلاف الكتب وتعدد النسخ.
ولكن يبقى أنّ إجازات الشيوخ شرفيّة، فلا يتمّ التعويض.
والنتيجة أنّ هذه الطريقة غير تامّة أيضاً.
الطّريقة السّادسة:
وهي كالطريقة الثالثة إلَّا أنّها تختلف عنها بنقطتين:
الأولى: إنّ الاستعانة هناك كانت بأسانيد الروايات، وأمّا هنا فالاستعانة بطريق الفهرست.
والأخرى: إنّ الضعيف والثقة هناك واقعان بين الشيخ S وصاحب الكتاب الذي ابتدأ به، وأمّا هنا فبين مَن ابتدأ به والإمام g.
ومن الفرق بين الطريقتين يظهر أنّ التعويض هنا يكون بين الشيخ والثقة الواقع بين مَن ابتدأ به والإمام g، أمّا هناك فبين الشيخ ومَن ابتدأ به.
ويمكن القول: إنّ الروايات التي يمكن تصحيحها بالطريقتين الثانية والثالثة يمكن تصحيحها بالطريقة السادسة على فرض تماميّة ذلك، وليس العكس.
من موارد تطبيق هذه الطّريقة:
١. تصحيح سند الصّدوق O في الخصال بالاستعانة بفهرست الشّيخ:
وهو سند حديث رفع التسعة الذي ورد في الخصال هكذا: (حدَّثنا أحمد بن محمّد ابن يحيى العطّار S، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله)(١٠٩).
وهذا الطريق ضعيف بشيخ الصدوق أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار بناءً على عدم كفاية شيخوخة الإجازة والترضّي.
وللشيخ الطوسي S في الفهرست طريق صحيح إلى جميع كتب وروايات سعد بن عبد الله الثقة، وهو: عدّة من أصحابنا، عن محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه، عن أبيه ومحمّد بن الحسن [ابن الوليد]، عن سعد بن عبد الله، عن رجاله. ثمّ قال الشيخ: (قال محمّد بن علي بن الحسين: إلّا كتاب المنتخبات فإنّي لم أروها عن محمّد بن الحسن إلّا أجزاءً قرأتها عليه...)(١١٠).
فنعوّض طريق الصدوق الضعيف بطريق الشيخ الطوسي S إلى (سعد) ونكمل طريق الخصال بعد (سعد) فينتج طريق ثالث صحيح للرواية.
ووصفه في المباحث بأنّه وجه (خالٍ عن التعقيد وفي غاية اللَّطافة).
وبيّن S بأنّه يتمّ بناءً على أنّ معنى عبارة الشيخ الصدوق S (إلّا كتاب المنتخبات...) هو: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان إلَّا كتاب المنتخبات)، ومعنى جميع كتبه ورواياته ـ كما عرفت ـ جميع ما وصله من كتب سعد ورواياته، وهذا الحديث قد وصل الصدوق S فقد ذكره في توحيده وخصاله، فهو مشمول بهذا الإخبار(١١١).
ولكن السيّد الصدر S في (البحوث) اعترض على هذا التعويض بأنّ تطبيق نظريّة التعويض بهذا العرض العريض غير مقبول؛ لأنّ القدر المتيقّن من معنى أخبرنا بكلّ رواياته وكتبه هو كلّ ما يراه رواية له بأن يسنده وينسبه في كتبه إليه، كما لو بدأ السند به فإنّه حينئذٍ يمكن تطبيق نظريّة التعويض على كلام، وليس المعنى كلّ ما يُنسب إليه أو يقع الشخص في سنده من الروايات، ولا أقلّ من الإجمال(١١٢).
وتقدّم هذا المعنى مع مزيد توضيح في مناقشة الأمور الثلاثة التي تتمّ الطريقة الثالثة بناءً عليها.
وأشكل أيضاً في (سماء المقال) بإشكال الدور، وحاصله: أنّ الوسائط بين الشيخ والصدوق ` وسائط إلى كتبه وإلى رواياته المذكورة في كتبه، والمفروض أنّ الرواية المذكورة غير مذكورة في كتب الشيخ، فثبوت صحّة السند إليه متوقّف على كون السند من مرويّات الصدوق، وكونه من مرويّاته متوقّف على ثبوت صحة السند إليه، وهذا دور ظاهر(١١٣).
ودفع إشكال الدور في (أصول علم الرجال) بأنّ المراد بالروايات هو روايات الشخص خارجاً سواء كانت بطريق معتبر أو لا.
ويؤيّد ذلك أمران:
الأوّل: إبدال لفظ (روايات) بلفظ (مرويّات) كما في الإجازات.
والآخر: ما ذكره الشيخ S في المشيخة: وبهذه الأسانيد وبغيرها ممّا هو مذكور في الفهارس خصوصاً في فهرسته إلى كتب رواة هذه الروايات(١١٤). وعليه فلا توقّف في البين.
٢. تصحيح سند حديث رفع التّسعة ولكن بالاستعانة بمشيخة الفقيه:
وهو ما أفاده السيّد الصدر S في (المباحث) مبنيّاً على مقدّمات:
الأولى: إنّ طريقة الشيخ الصدوق بحسب التتبّع في كتابيه (التوحيد) و(الخصال) أنّه يكرر قوله: (حدَّثنا) ما دامت الرواية مأخوذة شفاهاً.
الثّانية: إنّه إذا وصل إلى الكتاب يبدّل كلمة (حدّثنا) بكلمة (عن).
وعليه يظهر أنّ هذا الحديث مأخوذ من كتاب يعقوب بن يزيد؛ لأنّه ورد: عن يعقوب بن يزيد.
الثّالثة: استبدال سند الفقيه الصحيح بسند الخصال الضعيف.
وما أفاده مبني على أنّ الظاهر من إطلاق قوله: (ما رويته في الكتاب عن فلان فقد رويته بالسند الفلاني) شموله للحديث الَّذي أرسله ولم ينسبه في الكتاب إلى فلان بل نقله عن الإمام ابتداءً، لكن بحسب السند المستتر للحديث كانت روايته عنه.
وأورَد عليه:
أوّلاً: بعدم تسليم هذا الظهور.
وثانياً: باحتمال المشافهة.
ودفع هذا الإشكال: بأنّه إن كان قد أخذه من كتاب آخر غير كتب هؤلاء فذلك ينبّه ـ عادةً ـ على وجود هذا الحديث أيضاً في كتاب من كتب هؤلاء الذين قرنهم بكلمة (عن)، فهو ناظر حتماً إلى كتاب من كتبهم ومستند إليه في نقله، فيدخل في الأسانيد التي ذكرها لنفسه إليهم(١١٥).
ولكن يرد عليه:
أوّلاً: ما تقدّم من أنّ احتمال المشافهة احتمال قائم، فلا دليل على أنّ كلّ مَن ألّف كتاباً وأودع فيه أحاديث مرويّة عن صاحب كتاب آخر يكون قد أخذها من نفس كتاب ذاك، ولا يمكن عدم الاعتداد بهذا الاحتمال، وإذا حصل اطمئنان شخصيّ فهو حجّة على صاحبه.
وهذا يدفع ما ذكره السيّد الحائري (دامت بركاته) في (القضاء) من التفصيل بين حالي وقوع الثقة ـ من جهة الشيخ أو الإمام g بالنسبة إلى مَن ابتدأ به ـ الذي ذُكِر في الاحتمال الأوّل من معنى قول الشيخ (أخبرني بكتبه ورواياته) عند مناقشة الطريقة الثانية، بناءً على أنّ معنى العبارة لا يشمل الروايات الشفهيّة.
وثانياً: إنّه إذا كان قد أخذ الرواية من كتاب الأسبق ففي بعض الموارد يكون خروجاً عن هذه الطريقة.
٣. رواية الشّيخ S إلى علي بن جعفر:
وردت رواية للشيخ بهذا السند: الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العمركي، عن علي بن جعفر(١١٦).
وفيه (أحمد بن محمّد بن يحيى) الذي لم تثبت وثاقته إلّا بناءً على كفاية شيخوخة الإجازة.
ونختار الثقة وهو (محمّد بن أحمد بن يحيى) ـ مثلاً ـ بحيث يكون للشيخ طريق صحيح إليه.
وبمراجعة الفهرست نجد أنّ للشيخ ثلاث طرق إليه:
الأوَّل: عدّة من أصحابنا، عن أبي المفضل، عن ابن بطّة القميّ، عن محمّد بن أحمد ابن يحيى.
والثّاني: الحسين بن عبيد الله وابن أبي جيد جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى. وهو نفس الطريق الضعيف.
والثّالث: جماعة، عن أبي جعفر ابن بابويه، عن أبيه ومحمّد بن الحسن [ابن الوليد]، عن أحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى، عنه(١١٧). وهو طريقٌ صحيحٌ.
فنعوّض الطريق الثالث الصحيح ـ وهو محمّد بن علي بن الحسين، عن أبيه ومحمّد ابن الحسن، عن أحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ـ بدلاً من القسم المعلول من الطريق الذي نريد تصحيحه.
وبذلك نحصل على طريق صحيح، وهو: جماعة، عن محمّد بن علي بن الحسين، عن أبيه ومحمّد بن الحسن، عن أحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العمركي، عن علي بن جعفر.
٤. رواية الشّيخ S إلى حفص:
وطريقه في الاستبصار هو: الحسين بن عبيد الله ـ وهو ابن الغضائري ـ، عن أحمد ابن محمّد بن يحيى، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أبي جعفر ـ وهو أحمد بن محمّد بن عيسى ـ، عن أبيه، عن حفص بن غياث(١١٨).
وطريقه في التهذيب هو: المفيد، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أبي جعفرـ وهو أحمد بن محمّد بن عيسى ـ، عن أبيه، عن حفص بن غياث(١١٩).
وقد وقع في كلا الطريقين (أحمد بن محمّد بن يحيى) الذي لم تثبت وثاقته، ولكن فيهما الثقة (محمّد بن أحمد بن يحيى).
توجيه المورد:
إنّ الشيخ S ذكر في ترجمة الرجل: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته... عن...) ـ كما مرّ ـ، و(محمّد بن أحمد بن يحيى) الذي اخترناه واقع في وسط السند من جهة الإمام g فتكون الرواية المبحوث عنها من مرويّاته فيشملها إخبار الشيخ، فيمكن تصحيح الرواية بطريق الفهرست الصحيح المذكور في ترجمته.
وبعبارة أخرى: إنّ ظاهر إخبار الشيخ S بكتبه ورواياته: أنّ كلّ ما وصل إليه بأحد الطريقين فقد وصل إليه بالطريق الثاني، فما وصل الشيخ S بالطريق الصحيح نقله (محمّد بن أحمد بن يحيى) بالطريق الضعيف(١٢٠).
ولكن السيّد الصدر S في بحثه الفقهي اشترط ـ لإحراز شمول الطريق البديل للطريق الضعيف ـ زيادةً على أن يكون للشيخ S طريق صحيح إلى ثقةٍ واقع قبل الضعيف من جهة الإمام g: أن يكون الطريق الضعيف الذي يراد التخلّص منه مذكوراً كأحد الطرق إلى (محمّد بن أحمد بن يحيى)، حيث استظهر من عبارة الفهرست وحدة المنقول بالطرق الثلاثة للشيخ إلى (محمّد بن أحمد بن يحيى)، وبما أنّ الطريق المذكور في الاستبصار هو أحد الطرق الثلاثة المذكورة في الفهرست فيثبت أنّ رواية (محمّد بن أحمد بن يحيى) لخبر حفص واصلة إلى الشيخ بالطرق الثلاثة جميعاً(١٢١).
وقد وافق السيّد الصدر S على هذه الطريقة من التعويض في الوجه الأوّل من الوجوه التي ذكرها لنظريّة التعويض في (مباحثه)(١٢٢).
ولكن أورده السيّد الحائري (دامت بركاته) في (القضاء) بعدم صحة التمسك بإطلاق الإخبار في هذه الطريقة؛ فإنّ هناك احتمالين في معنى (أخبرنا...)..
الأوّل: شمول معنى الإخبار للروايات الشفهيّة فيتمّ عدم الفرق.
ولكن هذا الاحتمال بعيد؛ لأنّ الشيخ تكرّرت منه هذه العبارة وبشأن كثيرين ممّن يكون الفاصل بينه وبين الشيخ متعدّداً، ورواياته الشفهيّة كثيرة ومتناثرة ووصولها إلى الشيخ ضمن كتب المتأخّرين عنه، والشيخ لا يمكنه الإحاطة بجميع رواياته كذلك حتى يشهد بوصول الرواية بالسند المذكور.
والآخر: أن لا يشمل معنى العبارة الروايات الشفهيّة، وإنَّما المقصود رواياته لكتب وكتابات الآخرين، أو لكتبه هو والآخرين.
واستظهر هذا الاحتمال؛ إذ كان من المتعارف وقتئذ إخبار شيخ الإجازة لمن يروي عنه بجميع ما يرويه من كتب مؤلّفة لنفسه أو لغيره قراءة عليه أو سماعاً منه أو إجازة(١٢٣).
وبناءً على هذا فصّل في (القضاء) بما تقدّم من أنّه يمكن أن يتمّ التصحيح عند وقوع الثقة بين الشيخ ومن ابتدأ به ـ أي صاحب الكتاب ـ، وأمّا هذه الطريقة حيث وقع الثقة فيها بين من ابتدأ به والإمام g فلا تتم النظريّة؛ لاحتمال أن تكون الرواية التي رواها شفاهيّة عند وقوع الراوي بين من ابتدأ به والإمام g، فلا يطمأن أو يحرز أنّها في الكتب التي يرويها الثقة حتّى يصحّ التعويض، ولا أقل من الإجمال(١٢٤).
وتقدّم أنّ هذا التفصيل الذي ذكره غير تام؛ لأنّ احتمال المشافهة قائمٌ في كلا طرفي التفصيل ـ كما اتّضح عند دراسة الطريقة الثانية ـ. وحصول الاطمئنان الشخصيّ غير مفيد، فهو حجّة على صاحبه.
بل حتّى مع فرض شمول الطريق، ودفع احتمال اختلاف النسخ بشرط السيّ الصدر S يبقى احتمال المشافهة قائماً وأنّ أبا أحمد بن محمّد بن يحيى أخذ الرواية عن العمركي ـ مثلاً ـ فلا يتمّ التعويض بهذه الطريقة.
الطّريقة السّابعة:
ذكر السيّد الصدر S في (المباحث) أنّ الفرق بين هذه الطريقة وسابقتها أنَّ في هذه الطريقة نستبدل المقطع الثاني الذي فيه ضعفٌ بخلاف الطريقة السابقة حيث كان الاستبدال يتمّ في المقطع الأوّل.
وتوضيح هذه الطريقة من خلال مقدّمات:
الأولى: أن يقع راوٍ ثقة قبل الراوي الضعيف كما في سند روايةٍ للشيخ عن (أحمد بن محمّد بن عيسى).
الثّانية: أن لا يوجد ضعيف بين الشيخ وذاك الراوي الثقة، وهو: أحمد بن محمّد بن عيسى.
الثّالثة: وجود طريق آخر معتبر لذلك الراوي الثقة ـ وهو ابن عيسى ـ: إمّا إلى جميع ما وصله من كتب وروايات ثقة آخر وقع بعد ذلك الراوي الضعيف، أو إلى الإمام مباشرة.
الرّابعة: إنّ هذا الحديث داخل في عموم إخبار الشيخ بجميع كتب وروايات أحمد ابن محمد بن عيسى؛ لأنّ هذا الحديث حصل عليه ابن عيسى قبل إخبار الشيخ (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان).
فنعوّض المقطع الثاني من السند الذي وقع فيه الضعيف من سند الحديث بالطريق التامّ الجديد الذي حصلنا عليه لهذا الثقة (أحمد بن محمّد بن عيسى) إلى الثقة الآخر أو
الإمام g (١٢٥).
وقد وافق على هذه الطريقة السيّد الحائري (دامت بركاته) في (القضاء)، ولكنّه ذكر أنّه لم يعثر على مورد لها (١٢٦)، مع أنّه لم يقبل الطريقة السادسة لوقوع الثقة بعد مَن ابتدأ به من جهة الإمام حيث كان التعويض بالقسم الأوّل من السند!
ولكن ما ذكر هناك من احتمال المشافهة يأتي هنا بلا فرق، ويأتي هنا أيضاً احتمال اختلاف النسخ فلا تتمّ هذه الطريقة أيضاً.
الطّريقة الثّامنة:
ذكر هذه الطريقة الميرزا محمّد بن علي الأسترابادي S (ت ١٠٢٨هـ) في منهجه(١٢٧)، وصحّح بها بعض طرق الصدوق بالاستعانة بطرق الشيخ والنجاشي معاً.
وتَقرُب هذه الطريقة من الطريقة الرابعة لكن التوسّع هنا بالاستعانة؛ إذ عادة كنّا نستعين بطريق لتصحيح آخر أمّا هنا فنستعين بطريقين لتصحيح طريق آخر.
بعض موارد تطبيق هذه الطّريقة:
١. ذكر الصدوق S في مشيخة الفقيه طريقه إلى عبيد بن زرارة، وهو: أبوه، عن سعد بن عبد الله الأشعري القميّ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحكم بن
مسكين الثقفي، عن عبيد بن زرارة بن أعين(١٢٨).
والطريقُ ضعيف بالحكم بن مسكين، ولكن يمكن استخراج طريق صحيح للصدوق O إلى عبيد بن زرارة وهو مبني على مقدّمتين:
الأولى: الاستعانة بطريق صحيح للنجاشي O إلى عبيد بن زرارة، وهو: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر، قال: حدَّثنا ابن أبي الخطّاب ومحمّد بن عبد الجبار وأحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد بكتابه(١٢٩).
الأخرى: الاستعانة بطريق الشيخ S في الفهرست إلى عبد الله بن جعفر الحميري الثقة، وهو: الشيخ المفيد O ، عن أبي جعفر ابن بابويه، عن أبيه ومحمّد بن الحسن، عنه(١٣٠).
فنلاحظ أنّ الشيخ الصدوق S يروي روايات عبد الله بن جعفر بطريق صحيح لوقوعه في الطريق الصحيح للشيخ S إلى الحميري.
النّتيجة: بعد تحصيل طريق صحيح للصدوق O إلى روايات الحميري بالاستعانة بطريق الشيخ S ، والحميري يروي روايات عبيد بالاستعانة بطريق النجاشي O ينتج أنّ الصدوق S يروي جميع روايات عبيد بطريق صحيح، وهو: الصدوق، عن أبيه ومحمّد بن الحسن، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن ابن أبي الخطاب ومحمّد بن عبد الجبار وأحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد.
ويناقش في هذه الطريقة: بأنّ من المحتمل أنّ الحكم بن مسكين ـ باعتبار عدم ثبوت وثاقته ـ اختلق الرواية أو زاد فيها فلا يمكن إثبات أنّ الرواية التي نقلها الصدوق O في كتابه الفقيه ـ والتي وقع في طريقها الضعيف ـ موجودة في كتاب عبيد ومن جملة رواياته.
نعم، يتمّ ذلك لو أنّ الشيخ الصدوق O قد أخذ الرواية من كتاب الحميري لا من كتاب عبيد، ولكن يُحتمل أنّ الشيخ الصدوق S قد أخذها من كتاب عبيد الذي وصله بواسطة الحكم بن مسكين(١٣١).
٢. ما طبّقه السّيّد الخوئيS في تصحيح طريق الصّدوق إلى جميل بن صالح:
حيث ذكر S أنّ طريق الصدوق S إلى جميل بن صالح مجهول، ولكن يمكن تصحيح طريقه إليه بالاستعانة بطريق الشيخ S إليه وإلى محمّد بن الحسن بن الوليد(١٣٢).
وطريق الشيخ إلى جميل بن صالح هو ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن الصفّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن غير واحد، عن جميل بن صالح(١٣٣).
وطرق الشيخ إلى محمّد بن الحسن بن الوليد هي:
١. ابن أبي جيد، عنه.
٢. جماعة، عن أحمد بن محمّد بن الحسن، عن أبيه.
٣. جماعة، عن أبي جعفر ابن بابويه، عن محمّد بن الحسن(١٣٤).
فيظهر من طريق الشيخ إلى محمّد بن الحسن بن الوليد أنّ الصدوق يروي كتب وروايات ابن الوليد، ومن الطريق السابق يظهر أنّ ابن الوليد يروي كتب وروايات جميل ابن صالح، فيتركّب طريق للصدوق إلى جميل بن صالح، ويحكم على روايات الفقيه التي ابتدأ بها بجميل هذا بالصحة(١٣٥).
وهنا استعنّا بطريقين: طريق الشيخ إلى جميل، وطريق الشيخ إلى ابن الوليد.
وبيّن سيدنا الأستاذ (دامت افاداته) في قبساته بأنّ هذا يعتمد على تمام أمرين، وهما:
الأوّل: إحراز أنّ الصدوق أخذ الرواية من كتاب مَن ابتدأ به، وهو جميل بن صالح في المثال.
والآخر: إحراز أنّ الطريق المذكور إلى كتابه كان إلى نسخة معيّنة منه، وصلت إلى يد الصدوق بالمناولة أو القراءة أو السماع ونحوها ولم يكن من قبيل الإجازة الشرفيّة.
أمّا الأوّل فغير تامّ، فإنّه لا مؤشّر على أنّ كتاب جميل بن صالح هو من مصادر الصدوق في تأليفه للفقيه.
إن قيل: إنّه يوجد مؤشّر على ذلك وأنّ الصدوق أخذ الرواية من كتاب جميل بن صالح، وذلك أنّه ابتدأ به.
فيقال: إنّ الروايات الواردة في الفقيه لم يثبت كونها مأخوذة من كتب مَن ابتدأ بأسمائهم فيه ـ إلّا في قليل من الموارد لبعض القرائن ـ بل إنّ المقطوع به خلاف ذلك في
كثير منها(١٣٦).
وهذا يضيّق من دائرة هذه الطريقة ولو إلى هذه الموارد القليلة أو غيرها ممّا يحرز بالقرائن.
وأمّا الآخرفإنّه لا قرينة على وصول كتاب جميل بن صالح إلى الصدوق بطريق ابن الوليد(١٣٧).
ولعلّ ذلك لما ذكره (دامت افاداته) سابقاً من أنّ الإجازات شرفيّة، إلّا في موارد قليلة.
والحاصل: أنّ هذه الطريقة غير تامّة.
هذا، وقد طبّق السّيّد الخوئي S ما ذكر في المقدّمة الثّانية كطريقة مستقلّة، وذلك في تصحيح طريق الصّدوق S إلى جميل بن درّاج.
توضيح ذلك: أنّ للشيخ الطوسي S طريقاً صحيحاً إلى كتاب جميل بن درّاج، وهو: الحسين بن عبيد الله، عن محمّد بن علي بن الحسين، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير وصفوان، عن جميل بن درّاج(١٣٨).
وهذا الطريق يشتمل على الصدوق نفسه يروي فيه عن جميل.
ولما كان الصدوق S هو الذي روى الكتاب إلى الشيخ فإنّه يستفاد من صحّة طريق الشيخ إلى جميل بن دراج ـ الذي فيه الصدوق نفسه ـ صحّة طريق الصدوق إلى جميل.
وقد ارتضى السيّد الخوئي S التصحيح في هذا المورد بهذه الطريقة، والتي يمكن اعتبارها طريقة مستقلّة(١٣٩).
الطّريقة التّاسعة:
وحاصلها التلفيق بين طريقي رواية واحدة كلٌّ منهما يشتمل على ضعف من ناحية خاصّة فنحصل على طريق ثالث صحيح. ولم يُذكر مورد لهذه الطريقة فهي طريقة فرضيّة.
وعلى أيّة حال، لتوضيحها نفرض مثالاً، وهو:
لو وردت روايةٌ بطريقين:
الأوّل: طريق للشيخ S عن المفيد، عن أحمد بن محمّد بن الحسن، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن ابن سعيد، عن زرعة، عن سماعة، عن أبي عبد الله g.
وطريقه ضعيف من ناحية أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ـ شيخ المفيد S ـ بناءً على عدم كفاية شيخوخة الإجازة كما تكرّر مراراً.
والآخر: طريق للكليني O عن محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن إسماعيل، عن عثمان بن عيسى، عن زرعة، عن سماعة، عن الصادق g.
ونفرض أنّ الضعيف في طريق الكليني علي بن إسماعيل.
فينتج طريق ثالث صحيح للرواية بطريق الكليني، وهو هكذا: محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن بن سعيد، عن زرعة، عن سماعة، عن أبي عبد الله g.
ويرد على هذه الطريقة:
أوّلاً: احتمال اختلاق الضعيف للسند(١٤٠).
ووحدة المروي لا ترفع هذا الاحتمال.
وثانياً: إشكال الدور حيث إنّ تصحيح الضعف في الطريق الأوّل يتوقّف على وصول الرواية إلى أحمد بن محمّد بن عيسى في الطريق الآخر المعلول فرضاً بعلي بن إسماعيل، وتصحيح الضعف في الطريق الآخر يتوقّف على عدم اختلاق الضعيف للسند في الطريق الأوّل، فتصحيح الضعف في السند الأوّل يتوقّف على تماميّة السند الآخر وبالعكس.
إن قيل: إنّه قد يحصل اطمئنان بصدور الرواية من تعدّد السند.
فيقال: هذه مسألة أخرى لا علاقة لها بتصحيح الأسانيد، فكلامنا في تحصيل سند تامّ بالاعتماد على هذه الطريقة بحيث يمكن أن نستعين به مثلاً في تصحيح سند رواية ما بأحد الطرائق السابقة بناءً على تماميّتها.
وهنا لا يفيد إخبار الشيخ بروايات أحمد بن محمّد بن عيسى؛ لأنّه مع إخباره لا نحتاج إلى سند الرواية الآخر ونكون خرجنا عن هذه الطريقة.
إن قيل: قد يُستفاد من تعدّد السند الاطمئنان بعدم اختلاق الضعيف للسند، وليس الاطمئنان بصحة صدور الرواية حتى يُقال بأنّه يخرج الإشكال عن محلّ الكلام.
فيقال: إنّ هذا الاطمئنان اطمئنانٌ شخصيٌّ، وهو حجّة لصاحبه، وبالتالي لا نحصل على سند يمكن الاستعانة به في تصحيح طريق آخر.
وكون الاطمئنان شخصيّاً وليس نوعيّاً في ما نحن فيه، لأنّ الفرض أنّ الرواية أتت بطريقين والاستعانة بهما فقط، لا بطرق أكثر. ومن البعيد حصول هكذا اطمئنان من سندين مشكلين، فتأمّل.
وهذا بخلاف إشكال الاطمئنان الذي يأتي مع الإكثار في الطريقة الثالثة فيمكن هناك حصول اطمئنان نوعي.
والحاصل: أنّ هذه الطريقة غير تامّة.
ثمرة البحث
تظهر الثمرة في تلك الروايات التي يمكن تصحيحها باستخدام نظرية التعويض ويكون لها تأثير دلالي على المورد:
إمّا من ناحية النتيجة حيث تغيّر الحكم الشرعي وعندها تكون ثمرة عمليّة.
وإمّا من ناحية نفس عمليّة استنباط الحكم الشرعي حيث لا يتغيّر الحكم الشرعي لوجود روايات حاكمة مثلاً أو غير ذلك، وعندها تكون ثمرة نظريّة.
ومن الموارد التي تظهر فيها الثمرة:
أوّلاً: صحّح السيّد الخوئي S في مستند الناسك طريق الشيخ الصدوق O إلى جميل بن صالح ـ كما سلف في الطريقة الثامنة ـ، وإلى جميل بن درّاج ـ كما سلف في ذيل الطريقة الثامنة ـ في مناقشة رواية رواها (جميل عن محمّد بن مسلم وزرارة عن أبي عبد الله g في محرم قتل نعامة قال: عليه بدنة فإنْ لم يجد فإطعام ستّين مسكيناً، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستّين مسكيناً لم يزد على طعام ستّين مسكيناً، وإن كانت قيمة البدنة أقل من طعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة)(١٤١) ثمّ ذكر: وعليه لو فرض مورد تحقّق فيه أنّ قيمة البدنة أقل من إطعام ستّين مسكيناً فلا بدّ من رفع اليد عن إطلاق روايات الإطعام على ستين مسكيناً بهذه الرواية(١٤٢).
وهذا المورد من موارد الثمرة العمليّة.
ثانياً: صحّح السيّد محمّد العاملي O في بحث الخمس رواية الريّان بن الصلت وهي قوله: (كتبت إلى أبي محمّد g ما الذي يجب علي يا مولاي في غلّة رحى في أرض قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى)(١٤٣) كما تقدّم نقله بالاستعانة بطرق الشيخ في الفهرست.
ولكنّه في مقام البحث الدلالي للرواية ذكر بأنّها قاصرة لاختصاصها بالأرض القطيعة(١٤٤).
وهذا المورد من موارد الثمرة النظريّة.
نتائج البحث
أوّلاً: أنّ تصحيح الأسانيد بالتعويض صحيح في الجملة، وله جذور في كلام الأعلام السابقين ولكن لم تكن بهذا العرض العريض الذي يظهر من خلال تطبيقاتها عند مَنْ جاء بعدهم، وهناك مجال للتعمُّق في آليّة التعويض وتاريخها.
ثانياً: أنّ المؤونة في تصحيح الأسانيد بالتعويض ودفع ما يرد تختلف بحسب موارد الطرائق، ففي:
الطّريقة الأولى: كانت المؤونة أخفّ؛ لأنّ التعويض إلى مَن ابتدأ به الشيخ في السند، والمفروض أنّه صاحب كتاب، والتعويض بطريق تامّ إلى نفس صاحب الكتاب. فالطريقة تامّة بشرط أن يكون مَن ابتدأ به صاحب كتاب مع إخبار الشيخ S بكتبه ورواياته، ويكون ذلك في خصوص مَن أورد الشيخ S أسانيده إليهم في المشيخة.
والطّريقة الثّانية: زادت فيها المؤونة..
١. إذ التعويض ليس إلى صاحب الكتاب الذي ابتدأ به الشيخ S السند بل إلى ثقة وقع قبله.
٢. وحتّى يصحّ التعويض بهذه الطريقة يجب أن يكون هذا الثقة صاحب كتاب، وقد أخذالرواية مِنكتاب مَنْقبله، فمؤونةشمول الطريقالبديل للمبدلمنه هنا أكبر.
فالطريقة غير تامّة، فشمول الطريق غير محرز، وإجازات الشيوخ شرفيّة إلّا في موارد قليلة.
والطّريقة الثّالثة: بالرجوع إلى أسانيد الروايات..
٢. ومن المؤونة في الطريقة الثالثة أيضاً أنّ مَنْ يقع في سلسلة سند الرواية يكن مشمولاً بالإخبار كأصحاب الكتب الذين يُذكر لهم الطريق في الفهرست مثلاً.
وعليه فالطريقة غير تامّة؛ لأنّ شمول الطريق غير محرز فاحتمال اختصاصه قائم، والإجازات غالبها شرفيّة محضة، فضلاً عن وجود احتمال تعدّد النسخ، والمشافهة، والأخذ من الأسبق، واختلاف الكتب.
والطّريقة الرّابعة: بالاستعانة بطرق الصدوق..
١. احتجنا إلى إثبات أنّ طرق الصدوق غير مختصّة بكتابه.
٢. وأنّ إرجاع الشيخ إلى الفهارس يشمل مشيخة الصدوق.
فالطريقة غير تامّة؛ لاحتمال الاختصاص، وعدم شمول طريق الصدوق له، وتعدّد النسخ.
والطّريقة الخامسة: بالاستعانة بطرق النجاشي احتجنا إلى رفع احتمال تعدّد النسخ واختلاف الكتب وبقي أنّ الإجازات غالبها شرفية.
ومع إحراز الشمول ودفع اختلاف الكتب وتعدّد النسخ بالشرائط المذكورة ـ من تعدد الطرق مع كون الضعيف أحدها، وتفصيل الكتب ـ لم تتم الطريقة لشرفيّة الإجازات.
والطّريقة السّادسة: تعويض القسم الأوّل من السند إلى الثقة الواقع بين مَنْ ابتدأ به والإمام g..
١. احتجنا مؤونة إثبات شمول الإخبار لوقوع الثقة بين مَن ابتدأ به والإمام g.
٢. واحتجنا لمؤونة أكثر في دفع احتمال المشافهة عن الطرائق السابقة.
فالطريقة غير تامّة؛ لأنّه وإن أمكن إحراز شمول الطريق بالشرط المذكور لكن احتمال المشافهة قائم، وكذا الأخذ ممّن سبقه.
والطّريقة السّابعة: تعويض القسم الثاني من السند.. احتجنا فيها أيضاً لمؤونة دفع احتمال المشافهة وتعدّد النسخ.
فالطريقة لا تتمّ لاحتمال المشافهة واختلاف النسخ.
والطّريقة الثّامنة: الاستعانة بأكثر من طريق، وهي لم تتم أيضاً؛ إذ لم يحرز شمول الطريق، والإجازات غالبها شرفيّة محضة، واحتمالا اختلاق السند، والأخذ من الأسبق قائمان.
والطّريقة التّاسعة: التلفيق بين سندي رواية واحدة فيأتي احتمال اختلاق السند والدور.
فهي أيضاً غير تامّة.
ثالثاً: الضابطة المقترحة لتصحيح الأسانيد:
أن يكون الثقة المشترك بين الطريقين البديل والمبدل منه صاحب كتاب.
وأن يكون الطريق التامّ البديل يعمّ الطريق الضعيف.
وأن لا تكون الإجازة شرفيّة، وأن نرفع مثل: احتمال المشافهة، وتعدّد النسخ، واختلاف الكتب، واختلاق السند من الضعيف، وأخذ الثقة من الأسبق.
وذلك ـ مثلاً ـ بالرجوع إلى ما ذكره في الفهرست من ذكر الكتب ومؤلّفيها، فنعلم أنّ مَن ابتدأ به صاحب كتاب أو لا، أو بأن يكون الإخبار بجميع كتبه ورواياته ممّا يفيد عموم الطريق على ما تقدّم في شرح العبارة، أو بأنّ الإخبار كان بالقراءة أو السماع أو نحو ذلك ممّا يدفع احتمال المشافهة والإجازة الشرفيّة، أو بتعدّد الطرق مع كون الطريق الضعيف أحدها ممّا يدفع احتمال تعدّد النسخ على ما تقدّم بيانه في الطريقة الخامسة، أو بتفصيل الكتب وذكرها ممّا يدفع احتمال اختلاف الكتب، إلى غير ذلك من القرائن التي يمكن بها دفع ما يرد على المورد.
رابعاً: يظهر ممّا تقدّم أنّه في بعض الطرائق السابقة يمكن تصحيح بعض مواردها مع وجود قرائن تدفع ما يرد على المورد، ومن أمثلة ذلك:
الأوّل: في الطريقة الأولى عند عدم عطف الشيخ بـ(رواياته) فهنا يمكن تتميم التعويض عندما يكون سند الشيخ في فهرسته إلى نفس الكتاب الذي روى عنه الرواية، ويستفاد ذلك من خلال القرائن كتعدّد الطرق مع كون الضعيف أحدها وتفصيل الكتب.
الآخر: في الطريقة الخامسة حيث يمكن تماميّة الطريقة ـ بالشرائط التي ذكرت هناك ـ في الموارد التي يكون الإخبار فيها بالقراءة أو السماع أو نحوهما؛ فإنّ ذلك ممّا ينفي الإجازة الشرفيّة.
خامساً: يظهر من تماميّة نظريّة التعويض بهذه الحدود أنّه استوجب تضييق دائرة النظريّة بإخراج أغلب موارد الطرائق.
سادساً: يمكن للمتتبّع أن يحصل على موارد أخرى في تطبيقاتهم تصلح لأن تكون طرائق مستقلّة، فحيثيّات التعويض متعدّدة ممّا يجعل الطرائق تتعدّد بحسبها، ويمكن إلحاق بعض الطرائق ببعض باعتبار اشتراكها في جملة المناقشات التي ترد عليها، كما ألحقنا في الطريقة السادسة المورد الثاني ـ وهو تصحيح سند حديث رفع التسعة لكن بالاستعانة بمشيخة الفقيه لا بالفهرست ـ للاشتراك في جملة المناقشات الواردة، ولذلك أيضاً لم نفرد الطريقة المستقلّة للسيد الخوئي S التي شكّلت المقدّمة الثانية للطريقة الثامنة.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على خير خلقه محمّد وآله الطّيّبين الطّاهرين.
المراجع والمصادر
المدرسين بقم المشرفة.
(١) ينظر: من لا يحضره الفقيه: ١/ ٢.
(٢) كتاب العين: ١٩٣.
(٣) ينظر: معجم مقاييس اللّغة: ٤/ ١٨٨.
(٤) الصحاح (تاج اللّغة وصحاح العربيّة): ١/ ٣٨١.
(٥) تاج العروس من جواهر القاموس: ٤/ ١١٥.
(٦) معجم مقاييس اللغة: ٣/ ١٠٥.
(٧) مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٣٨ ـ ٢٣٩.
(٨) القضاء في الفقه الإسلاميّ: ٥٢.
(٩) مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: ٥/٣٨٢.
(١٠) سيأتي نقله في الطريقة الأولى.
(١١) منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال، مخطوط برقم ١٠٥ر، المحفوظ في مكتبة الإمام الحكيم العامّة، ظهر الورقة: ٢٧٨.
(١٢) استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار: ٢/ ٣٥.
(١٣) روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: ١٤/ ٢٥٥.
(١٤) ينظر: جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد: ٢/ ٤٧٣ ـ ٤٧٤.
(١٥) كتاب الأربعين: ٥١٢.
(١٦) ينظر: الفوائد الرجالية: ٤/ ٧٤ ـ ٧٥.
(١٧) وستأتي بعض الموارد التي استخدم فيها المحدِّث النوري S نظرية التعويض في الطريقتين الثانية والثالثة.
(١٨) سماء المقال في علم الرجال: ١/ ١٠٦ ـ ١٠٧.
(١٩) ينظر: المستند في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة): ١١/ ٧٤, ١٣/ ١٠١, التنقيح في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة): ١/٢٠٢, مستند الناسك في شرح المناسك: ١/٥٢.
(٢٠) معجم رجال الحديث: ١/٧٥ وما بعد.
(٢١) ينظر: مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٣٨ وما بعد.
(٢٢) ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي ص: ٥٢ وما بعد.
(٢٣) ينظر: أصول علم الرجال: ١٨٥.
(٢٤) وهذا هو الذي جرى عليه في دروس تمهيديّة في القواعد الرجاليّة. ينظر: ص ٢٧٤ وما بعد.
(٢٥) ينظر: سماء المقال في علم الرجال: ١/ ١٠٦ وما بعد.
(٢٦) ينظر: جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد: ١/ ٥ المقدّمة.
(٢٧) ينظر: الفهرست مثلاً: ص ٦٨، ٦٩، ٧٠ وغير ذلك.
(٢٨) ينظر: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد S: ج ١٠ شرح المشيخة: ٨٨، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ٤/ ٣٤٢، وسيأتي.
(٢٩) ينظر: معجم رجال الحديث: ١/ ٧٨.
(٣٠) مصباح المتهجّد: ١٠٦.
(٣١) ينظر: المستند في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة): ١١/ ٧٤.
(٣٢) ينظر: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد S: ٢/ ٢٢٨.
(٣٣) ينظر: المستند في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة): ١٣/ ١٠١.
(٣٤) ينظر: الفهرست: ٢١١.
(٣٥) ينظر: دروس تمهيدية في القواعد الرجالية: ٢٧٥.
(٣٦) ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي: ٥٨.
(٣٧) ينظر: التنقيح في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة): ١/ ١٠٤.
(٣٨) ينظر: قبسات من علم الرجال: ٢/ ٢٣٦ ـ ٢٣٧.
(٣٩) ينظر: الرسائل الرجاليّة: ٤/ ٢٧٩.
(٤٠) الفهرست: ١١٨.
(٤١) مصباح المتهجد: ٣٦٤.
(٤٢) ينظر: التنقيح في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة): ١/ ٢٠٢.
(٤٣) في مجلس البحث الشريف (شرح مناسك الحج) ليوم السبت ٣ ذي الحجّة الحرام ١٤٣٨ هـ.
(٤٤) تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد S: ج١٠، شرح المشيخة: ٨٨. وأيضاً: الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ٤/ ٣٤٢.
(٤٥) ينظر: الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ٤/ ٣٠٤ ـ ٣٠٥.
(٤٦) الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ١/ ٨٤ ـ ٨٥ باب الرعاف، ح٢٦٧. والسند: (أيوب بن الحر، عن عبيد بن زرارة).
(٤٧) ينظر: استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار: ٢/ ٣٥.
(٤٨) ينظر: سماء المقال في علم الرجال: ١/ ١١٢ ـ ١١٣.
(٤٩) ينظر: الفهرست: ٦٩.
(٥٠) مع غضّ النظر عن خصوصية اشتراك الصفار وسعد في النقل عن ابن عيسى وغير ذلك ممّا يكون نقاشاً في الصغرى.
(٥١) ينظر: الفهرست: ٢٢٠ ـ ٢٢١.
(٥٢) ينظر: المصدر نفسه: ٦٤.
(٥٣) ونفس الكلام يأتي في البرقي.
(٥٤) ينظر: مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٤١.
(٥٥) ينظر: المصدر نفسه.
(٥٦) ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي: ٥٤ ـ ٥٧.
(٥٧) ينظر: قبسات من علم الرجال: ٢/ ٢٤٠ ـ ٢٤١.
(٥٨) ينظر: سماء المقال في علم الرجال: ١/ ١٢٧.
(٥٩) يمكن إرجاعه إلى المصادرة.
(٦٠) ينظر: مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٤٢.
(٦١) ينظر: مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٤١ ـ ٢٤٢.
(٦٢) ينظر: مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٤١ ـ ٢٤٢.
(٦٣) ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي: ٥٣.
(٦٤) ينظر: المصدر نفسه.
(٦٥) ينظر: مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٤٣.
(٦٦) الفهرست: ٧٤.
(٦٧) ينظر: قبسات من علم الرجال: ٢/ ٢٣٧ ـ ٢٣٨.
(٦٨) ينظر: قبسات من علم الرجال: ٢/ ٢٣٩ ـ ٢٤٠.
(٦٩) ينظر: خاتمة مستدرك الوسائل: ٥/ ٢٠٤.
(٧٠) ينظر: من لا يحضره الفقيه: ٤/ ٤٦١.
(٧١) ينظر: كتاب الحج (تقرير بحث المحقّق الداماد للآملي): ٢/ ٤١٤ ـ ٤١٦.
(٧٢) ينظر: جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد: ١/ ٥ ـ ٦ (المقدّمة).
(٧٣) ينظر: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد S: ج١٠، شرح المشيخة: ٧٦ ـ ٧٧.
(٧٤) ينظر: الفهرست: ١٥٦.
(٧٥) ينظر: جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد: ٢/ ٥٠٥.
(٧٦) ينظر: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد S: ٥/ ١٣٩.
(٧٧) ينظر: جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد: ١/ ٦ (المقدّمة).
(٧٨) ينظر: قبسات من علم الرجال: ١/ ١٦٢.
(٧٩) وكذلك دعوى الصدوق في الفقيه أنّه لا يبتدئ إلَّا باسم من أخذ الحديث من كتابه أو أصله فإنّما هو محمول على الغالب أيضاَ. (ينظر: قبسات من علم الرجال: ٢/ ٢٢٨).
(٨٠) ينظر: بحوث في شرح مناسك الحج: ٧/ ١٨٠.
(٨١) ينظر: قبسات من علم الرجال: ١/ ١٦٣.
(٨٢) ينظر: خاتمة مستدرك الوسائل: ٦/ ١٥.
(٨٣) ينظر: قبسات من علم الرجال: ١/ ١٦٣ ـ ١٦٥.
(٨٤) ينظر: سماء المقال في علم الرجال: ١/ ١٢٧.
(٨٥) ينظر: جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد: ١/ ٦ ـ ٨ (المقدّمة).
(٨٦) ينظر: خاتمة مستدرك الوسائل: ٥/ ٢٠٤.
(٨٧) ينظر: كتاب الحج (تقرير بحث المحقّق الداماد): ٢/ ٤١٤ ـ ٤١٦.
(٨٨) ينظر: سماء المقال في علم الرجال: ١/ ١٢٦.
(٨٩) ينظر: قبسات من علم الرجال: ٢/ ٢٣٤.
(٩٠) ينظر: قبسات من علم الرجال: ٢/ ٢٣٩.
(٩١) وقد وُصفت هذه الطريقة بأنّها أوسع من غيرها. يلاحظ: المباحث (ق٢ ج٣/ ٢٤٩)، القضاء (ص: ٦٣).
(٩٢) من لا يحضره الفقيه: ٤/ ٤٢٢.
(٩٣) ينظر: مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٥٠.
(٩٤) تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد S: ج١٠، شرح المشيخة: ٨٨.
(٩٥) الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ٤/ ٣٤٢.
(٩٦) ينظر: مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٥١.
(٩٧) ينظر: مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٥١ ـ ٢٥٢.
(٩٨) ينظر: الفهرست: ٣٢.
(٩٩) ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي: ٦٤.
(١٠٠) الفهرست: ١٨٢.
(١٠١) ينظر: الفوائد الرجالية: ٤/ ٧٥.
(١٠٢) ينظر: معجم رجال الحديث: ١/ ٧٨.
(١٠٣) ينظر: مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٤٥.
(١٠٤) ينظر: الفهرست: ١٥٧.
(١٠٥) ينظر: رجال النجاشي: ٢٥٨ ـ ٢٥٩.
(١٠٦) ينظر: مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٤٥ ـ ٢٤٦.
(١٠٧) ينظر: دروس تمهيديّة في القواعد الرجاليّة: ٢٩٠.
(١٠٨) ينظر: مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٤٩.
(١٠٩) الخصال: ٤١٧.
(١١٠) ينظر: الفهرست: ١٣٥ ـ ١٣٦.
(١١١) ينظر: مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٥٩ ـ ٢٦٠.
(١١٢) ينظر: بحوث في علم الأصول: ٥/ ٦٠.
(١١٣) ينظر: سماء المقال في علم الرجال: ١/ ١٢٧ ـ ١٢٨.
(١١٤) ينظر: أصول علم الرجال: ١٧٧.
(١١٥) ينظر: مباحث في علم الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٥٥ ـ ٢٥٧.
(١١٦) ينظر: الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ١/ ٢٣.
(١١٧) ينظر: الفهرست: ٢٢١.
(١١٨) ينظر: الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ١/ ٢٦ ح٦٧.
(١١٩) ينظر: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد S: ١/ ٢٣١ ح٦٦٩.
(١٢٠) ينظر: دروس تمهيدية في القواعد الرجالية: ٢٩٣.
(١٢١) ينظر: بحوث في شرح العروة الوثقى: ٣/ ١٢٥ ـ ١٢٦.
(١٢٢) ينظر: مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٣٩.
(١٢٣) ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي: ٥٥ ـ ٥٦.
(١٢٤) ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي: ٥٧.
(١٢٥) ينظر: مباحث الأصول: ق٢ ج٣/ ٢٤٤ ـ ٢٤٥.
(١٢٦) ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي: ٥٨.
(١٢٧) منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال، مخطوط برقم ١٠٥ر، المحفوظ في مكتبة السيّد الحكيم العامة، الورقة ٢٧٨، ص٥٥٦.
(١٢٨) ينظر: من لا يحضره الفقيه: ٤/ ٤٤١.
(١٢٩) ينظر: رجال النجاشي: ٢٣٣ ـ ٢٣٤.
(١٣٠) ينظر: الفهرست: ١٦٨.
(١٣١) ينظر: دروس تمهيدية في القواعد الرجالية: ٢٨٥ ـ ٢٨٦.
(١٣٢) ينظر: مستند الناسك في شرح المناسك: ١/ ٥٢ (كتاب الحج: ج٣).
(١٣٣) ينظر: الفهرست: ٩٤.
(١٣٤) ينظر: الفهرست: ٢٣٧.
(١٣٥) ينظر: قبسات من علم الرجال: ٢/ ٢٣٨ هامش (١).
(١٣٦) ينظر: قبسات من علم الرجال: ٢/ ٢٢٠ ـ ٢٢١، وراجع بيان لذلك أيضاً المصدر نفسه: ٢/ ٢٢٨ ـ ٢٢٩.
(١٣٧) ينظر: قبسات من علم الرجال: ٢/ ٢٣٨.
(١٣٨) ينظر: الفهرست: ٩٤.
(١٣٩) ينظر: مستند الناسك في شرح المناسك: ١/ ٥٢.
(١٤٠) ينظر: دروس تمهيدية في القواعد الرجالية: ٢٨٢ ـ ٢٨٣.
(١٤١) من لا يحضره الفقيه: ٢/ ٣٦٥.
(١٤٢) ينظر: مستند الناسك في شرح المناسك: ١/ ٥٢ (كتاب الحج: ج٣).
(١٤٣) تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد S: ٤/ ١٣٩.
(١٤٤) ينظر: مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: ٥/ ٣٨٢.