ملكيّة الدولة

احدث المقالات

PDF
نص المقال

mg19-01Untitled-21

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا وآله الطيّبين الطاهرين.

ملكيّة الدولة من العناوين التي لم تعنون في كتب الفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين.

نعم، هناك بعض المسائل ـ والتي قد يلزم منها القول بملكيّة الدولة إثباتاً أو نفياً ـ طرحت في كلمات البعض، كما في مسألة كون الخمس ملكاً شخصيّاً للإمام g، أم أنَّه ملك للمنصب على ما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى(١).

وإنَّما ذُكرت ملكيّة الدولة في كلمات جملة من فقهاء العصر المتأخّر وكانت
محلَّاً للخلاف بينهم، فقد انكرها غير واحد، منهم: الشيخ حسين الحلّيّ S(٢) والسيّد الخوئيّ S(٣)، بل يمكن نسبته لكلّ من حكم بمجهوليّة المالك بالنسبة لأموال الدولة،في حين ذهب غير واحد إلى القول بثبوتها،منهم السيّد الشهيد الصدر S(٤).

ثُمَّ إنَّ الخلاف لا يكمن في إمكان تملّك الدولة من عدمه بعد كونها جهة غير واعية، بل هي شخصيّة حقوقيّة ـ بحسب اصطلاح القوانين الوضعيّة ـ، فإنّهم قالوا بملكيّة بعض الجهات كملكيّة عنوان المسجد وغيرها ـ كما سيأتي التعرّض لذلك(٥) ـ، بل منشأ الخلاف هو في قيام الدليل على ذلك بعد عدم ذكر عنوان الدولة ـ فضلاً عن ملكيّتها ـ في الآيات والروايات إلَّا في موارد قليلة جدّاً، فقد ذُكرت الدولة في عهد الإمام أمير المؤمنين g إلى مالك الأشتر x، حيث جاء فيه: (ثُمَّ اعلم يا مالك: أنِّي وجّهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور)(٦)، وكذا ذكرت في دعاء الافتتاح:(اللهم إنَّا نرغب إليك في دولة كريمة)(٧)، وأمّا ملكيّتها فلم تذكر أصلاً.

وفي هذا البحث سنحاول تسليط الضوء على إثبات أصل ملكيّة الدولة من دون التعرّض لسعة دائرة تلك الملكيّة.

ثُمَّ إنَّ الدولة لمّا كانت من مصاديق الجهات المعنويّة غير الواعية، أو ما تسمّى بالشخصيّة الحقوقيّة، كان المناسب البحث ـ ومن باب المقدّمة ـ في ملكيّة الجهة.

فنقول:

هل يشترط في المالك أن يكون إنساناً واعياً، أم لا يشترط ذلك، فيجوز أن يكون المالك جهة اعتباريّة؟

ولا كلام في إمكان ذلك بل وقوعه؛ إذ قام الدليل على ملكيّة الجهة في جملة من الموارد، وهي:

١. الزكاة: والتي هي ملك للجامع بين الطوائف الثمانية من المستحقّين، وبعض تلك الطوائف حيثيّة معنويّة صرفة من قبيل (في سبيل الله)، فالمالك للزكاة هو نفس عنوان (في سبيل الله) لا الفرد من الإنسان الواعي، والذي يكون مصداقاً لذلك العنوان الاعتباري.

وكذا الكلام في عنوان (الفقير والغارم) فإنَّ المالك هو ذلك العنوان الجامع ـ أيْ: الجهة المعنويّة الاعتباريّة ـ لا شخص (زيد الفقير) أو (زيد الغارم).

فإن قلت: إنَّ الملكيّة ـ في الحقيقة ـ هي لمعنونات تلك الطوائف، فهي ملك لنفس الفقير والذي هو إنسان واعٍ، وإنَّما ذكرت تلك العناوين كطرق مشيرة إلى تلك الأفراد.

قلت: إنَّ ما ذكر يعني جعل تلك الأفراد مالكة للزكاة ملكاً شخصيّاً، ولازمه أنَّ كلّ فقير يستحقّ من الزكاة مقداراً معيّناً لا تفاوت فيه بين أفراد المستحقّين، ولا يمكن سلبه عنه، وعدم إيصاله إليه، ففي كلّ زكاة يكون لكلّ فرد من المستحقّين مقداراً معيّناً يكون مالكاً له ملكاً شخصيّاً لا يحقّ لمن كان قيّماً على تنظيم أمر الزكاة التصرّف فيه. وهو كما ترى، ولا قائل به من عندنا، ممّا يعني أنَّ الملكيّة للجامع.

٢. الملكيّة في الأوقاف العامّة: كالوقف على العلماء أو الفقراء أو المسلمين، فإنَّ المالك لها هو عنوان العلماء أو عنوان الفقراء أو عنوان المسلمين، وعليه إن قلنا إنَّ مفاد الوقف هو تمليك العين يصبح ذلك العنوان وتلك الجهة مالكة للعين، وإن قلنا إنَّ الوقف هو تحبيس للعين ـ وهو غير التمليك ـ فلا أقلّ ـ حينئذٍ ـ من تمليك الثمرة والمنفعة، فتكون ـ حينئذٍ ـ تلك المنفعة مملوكة لتلك الجهة ولذلك العنوان.

ويأتي فيه ما تقدّم من شبهة مالكيّة المعنونات بالملك الشخصيّ مع جوابه(٨).

٣. ملكيّة الأراضي الخراجيّة: والتي هي ملك للمسلمين سواء قلنا بأنَّ المالك (طبيعيّ المسلم بنحو صرف الوجود، بحيث يكون كلّ فرد في الخارج مصداقاً للمالك لا نفس المالك، أو يقال: إنَّ الأُمّة الإسلاميّة بمجموعها شخصيّةٌ واحدة، نسبتها إلى زيد وعمرو كنسبة زيد إلى أذنه وعينه وأنفه، وهذه الشخصيّة المعنويّة الواحدة هي المالكة الحقيقيّة، وهذان النحوان يرجعان إلى ملكيّة الجهة)(٩).

٤. ملكيّة عنوان المسجد: فهو مالكٌ لما يوقف عليه، وكذا مالكٌ للبناء الموجود فيه ـ بناءً على أنَّ المسجد هو المكان لا البناء الموجود فيه ـ، فلو كان نفس البناء هو المسجد لما صحّ بيع ما يخرب من بناء المسجد، بقرينة أنَّ وقفيّة المسجد هي عبارة عن تحرير الرقبة، فلا تصحّ المعاوضة عليها.

٥. الخمس: فإنَّ نصفَه ـ أو جميعه على قول(١٠) ـ ملكٌ للإمام g، بناءً على أنَّه ملك للإمام g بما هو إمام؛ أيْ: ملك للمقام والمنصب، لا أنَّها ملك شخصيّ.

ونصف الخمس الآخر للعنوان الجامع بين الفقراء والمساكين وابن السبيل.

٦. ملكيّة النبيّ eوالإمام g للأنفال، بناءً على أنَّها ملك للمنصب والمقام.

نعم، بعد قيام الدليل ـ كما عرفت ـ على ملكيّة الجهة في جملة من الموارد يأتي الكلام في تعميم ملكيّة الجهة للجهات والشخصيّات الحقوقيّة التي لم يقم الدليل الخاصّ على ثبوت ملكيّتها، كالبنوك والشركات التي يكون المالك لأموالها نفس البنك ونفس الشركة لا أصحاب الأسهم فيها، ومنها الدولة، وهو ما سيتناوله البحث التالي.

 

أدلّة ملكيّة الدولة

المناسب أن تجعل الأدلّة في مقامين:

المقام الأوّل: الأدلّة العامّة.

والتي يستدلّ بها على ملكيّة الجهات والشخصيّات الحقوقيّة التي لم يقم عليها دليل خاصّ، فإنَّ الدولة ـ على ما تقدّم(١١) ـ من مصاديق تلك الجهات.

المقام الثاني: الأدلّة الخاصّة لإثبات ملكيّة الدولة.

المقام الأوّل: الأدلّة العامّة

قد طرحت في الاستدلال على ملكيّة الدولة عدّة أدلّة.

الدليل الأوّل: السيرة والارتكاز العقلائيّ.

وحاصله: أنَّ هناك سيرة قائمة على ملكيّة جملة غير قليلة من الجهات الاعتباريّة، والشارع قد اعتبر تلك السيرة ليس بالإمضاء وعدم الردع فقط، بل بالأدلّة الخاصّة والصريحة كما في المصاديق المتقدّمة، فإذا أضفنا لذلك ـ ما هو الصحيح ـ من أنَّ إمضاء الشارع للسيرة إنَّما هو إمضاء للنكتة والارتكاز القائمة عليها تلك السيرة، لا أنَّه إمضاء لخصوص الفعل الخارجيّ، فيمكن ـ حينئذٍ ـ تعميم الحكم للمصاديق المندرجة تحت ذلك الارتكاز والتي استحدثت ووجدت بعد زمن الإمضاء من الشارع؛ فإنَّ الارتكاز ـ كما هو واضح ـ أوسع دائرة من الفعل الخارجيّ المعمول به في زمن الإمضاء.

ومسألتنا منهذا القبيل؛فإنَّ السيرةتكشف عنكون ملكيّةالجهات الاعتباريّة من الأمور الارتكازيّة والتي قد أمضاها الشارع، وبالتالي ملكيّة الجهات الاعتباريّة المستحدثة، كمالكيّة نفس الشركات الأهليّة، فإنَّه لمّا كانت مصداقاً لذلك الارتكاز فهي ممضاة ومعتبرة شرعاً.

ويمكن مناقشة ذلك بأمور:

أوّلاً: أنَّ ما ذكر إنَّما يتمّ فيما إذا وجد مصداق حقيقيّ جديد لذلك الارتكاز، ولا يتمّ فيما إذا لم يكن المتحقّق مصداقاً حقيقيّاً جديداً، وإنَّما كان هناك توسّع من قبل العقلاء والذي يتمثّل بإحدى حالتين:

١. توسّع من العقلاء في الحكم، كما لو وسّع العقلاء في الحكم بالملكيّة، فحكموا بحصولها بالحيازة والبيع، وحكموا أيضاً بحصولها من خلال وقوع ضوء المصباح ـ مثلاً ـ على ذلك الشيء المباح، فهذا مرجعه إلى إيجاد حكم جديد للعقلاء لم يكن مستبطناًفي الارتكازالسابق؛ لأنَّ حقيقة الاعتبارالعقلائيّ هو التوسّع في الحكم.

وعدم سراية الحكم الممضى لهذه الحالة واضح.

٢. إيجاد العقلاء لفرد اعتباريّ جديد لذلك الموضوع، كما لو اعتبر العقلاء أنَّ وقوعَ ضوء المصباح على ذلك الشيء المباح مصداقٌ للحيازة، فهكذا اعتبار لا يوجِد فرداً ومصداقاً حقيقيّاً، وإنَّما مرجعه إلى التوسّع في الحكم، فيرجع إلى الحالة السابقة.

ومسألتنا من هذا القبيل، فإنَّ (الملكيّة أو الذمّة أو المعاملة التي يراد إثباتها بالارتكاز هي الحكم، وموضوعها الموجود في زمن المعصوم g كان عبارة عن الشخص الحقيقيّ وبعض الشخصيّات الحقوقيّة. وأمّا مثل شخصيّة الشركة القانونيّة أو الجمعيّة أو المؤسّسة التي لم تكن اعتبرت وقتئذٍ شخصيّة حقوقيّة ـ إذ لم تكن خاطرة على البال أصلاً ـ فاعتبارها في يومنا هذا شخصيّة حقوقيّة يرجع بروحه إلى توسيع جديد لدائرة الحكم والارتكاز)(١٢).

وثانياً: التشكيك في أصل وجود هكذا ارتكاز في زمن المعصوم g، فنحن (نحتمل أنَّ الارتكاز الثابت في هذا اليوم يكون أحد أجزاء العامل المكوّن له تطوّر الحياة وتجدّد الحاجة إلى هذه الشخصيّات، فلنفترض أنَّه لو كان هذا التطوّر في الحياة ثابتاً في زمن المعصوم وكانت الحاجة الفعليّة ثابتة وقتئذٍ لحصل هذا الارتكاز آنذاك، ولكنّ المفروض أنَّ هذا التطوّر وهذه الحاجة لم يكونا وقتئذٍ، فلا دليل على ثبوت هذا الارتكاز آنذاك)(١٣).

فالنتيجة أنَّ السيرة والارتكاز لا يتمّان.

الدليل الثاني: التمسّك بإطلاقات البيع والتجارة، كقوله تعالى: {أَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ}(١٤)

ببيان: أنَّه إذا حصلت المبادلة والبيع بين الشخصيّة الحقوقيّة وطرف آخر ـ سواء أكان شخصيّة حقوقيّة أيضاً أم فرداً ـ فعند الشكّ في صحّتها من عدمه يتمسّك بإطلاق{أَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ} لتصحيح تلك المعاملة، وبذلك تثبت ملكيّة تلك الشخصيّة الحقوقيّة؛ لأنَّ صحّة البيع متوقّفة على ملكيّة الطرفين.

ويمكن الإيراد عليه: بأنَّ التمسّك بالإطلاق فرع إحراز الموضوع مع الشكّ في شموله لجميع أفراد البيع، وفي المقام الموضوع غير محرز، فالمبادلة بين تلك الشخصيّة الحقوقيّة وغيرها من أفراد أو شخصيّات حقوقيّة أُخر لا بُدَّ أن يصدق عليها البيع حتّى يتمسّك بإطلاق {أَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ} لتصحيحها، والحال أنَّنا نشكّ في تحقّق موضوع البيع وصدقه في المقام، فلا يمكن التمسّك بتلك المطلقات لتصحيح هكذا معاملة؛ فإنَّه من قبيل التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة.

وبعبارة أخرى: أنَّا نمنع من صدق البيع ـ في عصر النصّ ـ على البيع الذي يكون أحد طرفيه أو كلاهما جهة حقوقيّة معنويّة؛ وذلك للشكّ في ملكيّتها، فإنَّ ملكيّة الجهة وبالتالي وقوعها طرفاً في معاملة لا يحرز كونها حالة موجودة في حياة العقلاء وأهل العرف في عصر النصّ.

نعم، في العصور المتأخّرة وجدت هذه الحالة في حياة بعض أهل العرف فقالوا بمالكيّتها وصدق البيع عليها. 

ولكن مع ذلك فإنَّ التمسّك بالإطلاق ـ حينئذٍ ـ متوقّف على عدم احتمال مخالفة الشرع للعرف، فلا يكفي مجرّد الصدق العرفيّ المتأخّر للتمسّك بالإطلاق، وشرعاً نحتمل عدم صدق البيع؛ لأنَّ البيع الشرعيّ هو ما تحقّقت فيه الشروط الشرعيّة ومنها ملكيّة الطرفين، وملكيّة الجهة المعنويّة غير معلومة شرعاً.

قد يقال: إنَّه مع إحراز كونه بيعاً عرفاً والشكّ في كونه كذلك شرعاً فيمكن التمسّك بالإطلاق المقاميّ لإثبات كونه بيعاً شرعاً.

ببيان: أنَّ البيع في المقام هو بيع عرفي، فلو كان الشارع لم يرتضِ ذلك وكان يرى هكذا شخصيّة حقوقيّة لا تملك، وبالتالي لا يكون هذا البيع شرعيّاً لكان عليه البيان، وبما أنَّه لم يبيِّن ذلك فيكون البيع ـ حينئذٍ ـ من هذه الجهة لا يزيد على البيع في نظر العرف، فيحرز بذلك موضوع تلك المطلقات، ويتمّ التمسّك بها.

ويرد عليه: أنَّ التمسّك بالإطلاق المقاميّ في المقام إنَّما يتمّ بلحاظ نظر العرف المعاصر للمعصوم g، ولا بُدَّ من إحراز أنَّه كان يرى ملكيّة هكذا شخصيّة حقوقيّة، وأنَّ البيع معها صحيح، ولإثبات ذلك لا بُدَّ من الرجوع إلى الدليل الأوّل وإثبات سعة دائرة الارتكاز في زمن المعصوم g، وقد تقدّم عدم تماميّته(١٥).

وكذا الكلام في باقي المطلقات كـ{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(١٦) و{تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ}(١٧)، فإنَّ التمسّك بها من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة؛ للشكّ في صدق العقد أو التجارة إذا كان أحد الطرفين أو كلاهما جهة حقوقيّة معنويّة بعد الشكّ في ملكيّتها.

الدليل الثالث: التمسّك بولاية الفقيه.

ونذكر لذلك وجهين:

الوجه الأوّل: التمسّك بالولاية العامّة للفقيه، بدعوى أنَّه من صلاحية الولي الفقيه إمضاء الملكيّة لهكذا شخصيّات حقوقيّة إذا رأى أنَّ المصلحة تقتضي ذلك.

وتماميّة هذا الوجه تتوقّف على أمرين:

الأمر الأوّل: القول بالولاية العامّة للفقيه.

الأمر الثاني: البناء على سعة دائرة ولاية الفقيه لهكذا حالات.

وأمّا إذا قلنا بأنَّها محدودة بما لا يكون خروجاً عمّا هو ثابت في الشريعة فحينئذٍ لا يتمّ هذا الوجه، فإنَّه لو (كانت الشخصيّة الحقوقيّة للشركة ـ مثلاً ـ بحدّ ذاتها غير ثابتة في الشريعة لبطلان الوجه الأوّل والثاني الماضيين لتصحيحها، فولاية الفقيه عاجزة عن تصحيحها؛ فإنَّ ولاية الفقيه على المجتمع أو على أصحاب الشركة إنَّما تدلّ على أنَّه يحلّ محلّهم في التصرّف، ويكون أولى بالتصرّف منهم، فلو كان أمر إيجاد الشخصيّة الحقوقيّة بيدهم ثبت بذلك أنَّه من حقّه إيجادها بالولاية عليهم. أمّا إذا لم يكن ذلك بيدهم، وكانت الشخصيّة الحقوقيّة في ذاتها منفيّة شرعاً، فإيجاد الفقيه لها خروج على نظام الإسلام، وهذا غير صحيح، والشكّ في ذلك كافٍ في عدم الثبوت)(١٨).

نعم، يمكن للفقيه إعمال الولاية بلحاظ الآثار العمليّة لتلك الشخصيّات الحقوقيّة حتّى مع عدم ثبوت تلك الشخصيّات الحقوقيّة؛ (وذلك بأن يلحظ الفقيه الآثار العمليّة المترتّبة على فرض الشخصيّة الحقوقيّة، ويأمر بها إذا رأى المصلحة الاجتماعيّة في ذلك من دون خلق هذه الشخصيّة ابتداءً ـ التي فرضنا أنَّها لا تخلق ابتداءً بولاية الفقيه ـ، وذلك بالقدر الذي لا يتنافى مع نظام الإسلام)(١٩).

الوجه الثاني: إعمال الفقيه لولايته من باب الحسبة، وهذا ما سيأتي توضيحه عند ذكر دليل الحسبة على ملكيّة الدولة(٢٠).

ولا يخفى أنَّ دخول العنوان تحت الأمور الحسبيّة ـ والتي لا يرضى الشارع بتفويتها ـ موجب لكونه من الأمور الشرعيّة، فلا يرد عليها الإشكال المتقدّم من أنَّ إعمال الفقيه لولايته محدود بالأمور الثابتة في الشريعة(٢١).

المقام الثاني: الأدلّة الخاصّة

الدليل الأوّل: قيام الدليل على ثبوت الملكيّة في جملة من المصاديق والتي أدرجها بعض(٢٢) تحت عنوان ملكيّة الدولة.

وقبل البحث في تلك المصاديق يستحسن الإشارة إلى مقدّمة، وحاصلها:

إنَّ ملكيّة الأموال في بيت المال على نحوين:

النحو الأوّل: ملكيّة عامّة؛ أيْ: ملكيّة جهة عامّة جامعة لطائفة أو طوائف من أفراد المجتمع وليست لعموم المسلمين، كملكيّة الفقراء للزكاة، أو من قبيل كونها ملكيّة للمسلمين عامّة كملكيّة الأراضي الخراجيّة، وغيرها من مصاديق ملكيّة الجهة التي تقدّم ذكرها(٢٣)، والتي قام الدليل على ثبوتها. ويصطلح عليها بالأموال العامّة.

النحو الثاني: ملكيّة الإمام g بما هو إمام، أيْ: الأموال التي تعود ملكيّتها لمنصب الإمامة ـ بناءً على القول به ـ وهذا ما يصطلح عليه بملكيّة الدولة، كالخمس بناءً على أنَّه ملك لمنصب الإمامة، وهي تندرج أيضاً تحت عنوان الأموال العامّة.

فالبحث في ثبوت ملكيّة الدولة يجب أن ينصبّ على المصاديق التي تندرج تحت عنوان ملكيّة المنصب.

وقبل الدخول في البحث عن تلك المصاديق لابأس بالإشارة إلى أهمّ الفوارق بين ملكيّة عامّة المسلمين وملكيّة الدولة ـ على تقدير القول بها ـ، ونكتفي في ذلك بما ذكره السيّد الشهيد الصدر S حيث قال: 

(‏وهاتان الملكيّتان ـ الملكيّة العامّة للأمّة، وملكيّة الدولة ـ وإن اتفقتا في المغزى الاجتماعي إلّا أنَّهما يعتبران شكلين تشريعيّين مختلفين؛ لأنَّ المالك في أحد الشكلين هو الأمّة، والمالك في الشكل الآخر هو المنصب، الذي يباشر حكم تلك الأمّة من قبل الله. 

وينعكس الفرق بين الشكلين في الأمور التالية:

أوّلاً: طريقة استثمار كلّ من المِلكيّتين والدور الذي تؤدّيه للمساهمة في بناء المجتمع الإسلاميّ، فالأراضي والثروات التي تُمْلَك ملكيّة عامّة لمجموع الأمّة يجب على وليّ الأمر استثمارها للمساهمة في إشباع حاجات مجموع الأمّة، وتحقيق مصالحها العامّة التي ترتبط بها ككلّ، نحو إنشاء المستشفيات، وتوفير وتهيئة مستلزمات التعليم، وغير ذلك من المؤسّسات الاجتماعيّة العامّة التي تخدم مجموع الأمّة.

ولا يجوز استخدام الملكيّة العامّة لمصلحة جزء معيّن من الأمّة ما لم ترتبط مصلحته بمصلحة المجموع، فلا يسمح بإيجاد رؤوس أموال ـ مثلاً ـ لبعض الفقراء ‏من ثمار تلك الملكيّة ما لم يصبح ذلك مصلحة وحاجة لمجموع الأمّة، كما إذا توقّف حفظ التوازن الاجتماعيّ على الاستفادة من الملكيّة العامّة في هذا السبيل.

وكذلك لا يسمح بالصرف من ريع الملكيّة العامّة للأمّة على النواحي التي يعتبر وليّ الأمر مسؤولاً عنها من حياة المواطنين الذين في المجتمع الإسلاميّ. 

وأمّا أملاك الدولة فهي كما يمكن أن تستثمر في مجال المصالح العامّة لمجموع الأمّة كذلك يمكن استثمارها لمصلحة معيّنة مشروعة، كإيجاد رؤوس أموال منها لمن هو بحاجة إلى ذلك من أفراد المجتمع الإسلاميّ، أو أيّ مصلحة أخرى من المصالح التي يعتبر وليّ الأمر مسؤولاً عنها.

ثانياً: أنَّ الملكيّة العامّة لا تسمح بظهور حقّ خاصّ للفرد، فقد رأينا في ما سبق أنَّ الأرض المفتوحة عنوة والتي تعود ملكيّتها للأمّة لا يكسب الفرد فيها حقّاً خاصّاً ولو مارس عليها عملية الإحياء، خلافاً لملك الدولة فإنَّ الفرد قد يكتسب في ممتلكاتها حقّاً خاصّاً على أساس العمل بالقدر الذي تأذن به الدولة، فمن يُحيي أرضاً مَيتَة للدولة بإذن من الإمام يكتسب حقّاً خاصّاً فيها وإن لم يملك رقبتها، وإنّما هو حقّ يجعله أولى من الآخرين بها مع بقاء رقبتها ملكاً للدولة على ما يأتي.

ثالثاً: أنَّ ما يدخل في نطاق الملكيّة العامّة للأمّة لا يجوز لوليّ الأمر بوصفه وليّاً للأمر نقل ملكيّته إلى ‏الأفراد ببيع أو هبة ونحو ذلك، خلافاً لما يدخل في نطاق ملكيّة الدولة فإنَّه يجوز فيه ذلك وفقاً لما يقدّره الإمام من المصلحة العامّة. 

‏وهذا الفارق بين المِلكِيَّتين يقرّب هذين المصطلحين الفقهيّين نحو مصطلحي الأموال الخاصّة للدولة والأموال العامّة لها في لغة القانون الحديث، فما نطلق عليه اسم ملكيّة الدولة يوازي من هذه الناحية ما يعبّر عنه قانونيّاً بالأموال الخاصّة للدولة، بينما يناظر الملكيّة العامّة للأمّة ما يطلق عليه القانون اسم الأموال العامّة للدولة. غير أنَّ مصطلح الملكيّة العامّة للأمّة يتميّز عن مصطلح الأموال العامّة للدولة بأنَّه يستبطن النصّ على أنّ الأموال العامّة التي يشملها هي ملك الأمّة، ودور الدولة فيها دور الحارس الأمين، بينما ينسجم التعبير القانونيّ بالأموال العامّة للدولة مع هذا، كما ينسجم مع كونها ملكاً للدولة نفسها)(٢٤).

وبعد اتّضاح هذه المقدّمة، يقع الكلام في بيان أهمّ المصاديق التي يمكن اندراجها تحت ملكيّة الدولة، والبحث يقع في مرحلتين:زمن الحضور، وزمن الغيبة.

المرحلة الأولى: ثبوت مصاديق لملكيّة الدولة في زمن الحضور

وأهمّ تلك المصاديق هي:

المصداق الأوّل: الخمس.

والمشهور(٢٥) أنَّه يقسّم إلى نصفين: نصف للإمام g، ونصف لبني هاشم.

والكلام في نصف الإمام gهل هو ملك شخصيّ له g، كما هو مختار جملة من المحقّقين(٢٦)، ومعه لا يكون الخمس مصداقاً لملكيّة الدولة، أم أنَّه ملك للإمام g بما هو إمام؛ أيْ: ملك لمنصب الإمامة، والذي اختاره جملة من المتأخّرين(٢٧)، فالإمام بما هو إمام ورئيس للدولة يتصرّف في الخمس بما يراه مناسباً لإدارة شؤون الدولة، ومعه يكون الخمس مصداقاً شرعيّاً لملكيّة الدولة.

وقد استُدلّ على أنَّ الإمام بما هو إمام مالك للمنصب ببعض الأدلّة:

منها: آية الخمس، قال عزّ من قائل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّـهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(٢٨).

ببيان: أنَّه لا يمكن تعقّل الملكيّة الاعتباريّة لله سبحانه وتعالى؛ فإنَّ ملكيّته تعالى للأشياء ملكيّة حقيقيّة فلا معنى لجعلها ثانياً بالاعتبار، وعليه فكون الخمس مملوكاً لله تعالى لا بُدَّ أن يرجع لجهة ثابتة له تعالى، والجهة المناسبة لذلك هي جهة ولايته المطلقة وحاكميّتهعلى شؤون الناس، فالمالك للخمس هو منصب الولاية والحاكميّة. 

ثُمَّ إنَّ هذا المعنى من المالكيّة يكون ثابتاً للرسول e وللإمام g بمقتضى العطف في الآية، بل إنَّ نفس عطف الرسول e وعطف ذي القربى ـ والذي فسّر في الروايات بالإمام g(٢٩) ـ يكون مؤيّداً إن لم يكن دليلاً على ذلك؛ فإنَّ الجهة المشتركة بين المعطوف والمعطوف عليه هي الولاية والحاكميّة. نعم، هي على نحو الطوليّة لا العرضيّة.

ويؤكّد ذلك أيضاً ورود هذا السياق في آية الأنفال(٣٠) وآية الفيء(٣١) مع وضوح أنَّهما ملك للمنصب.

واستُدلّ له أيضاً بالروايات التي قد يدّعى ظهورها في ذلك.

منها ـ ولعلّ أهمّها ـ: معتبرة أبي عليّ ابن راشد، عن صاحب العسكر g، قال: قلت له: جُعلتُ فداك، نؤتى بالشيء فيقال: هذا ما كان لأبي جعفر g عندنا فكيف نصنع؟ فقال: (ما كان لأبي جعفر g بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنّة نبيّه e)(٣٢).

ببيان: أنَّها دلّت على أنَّ ما كان للإمام g بسبب الإمامة فهو ليس إرثاً، ممّا يعني أنَّه لم يكن ملكاً شخصيّاً للإمام g، والخمس ـ كما هو واضح ـ يكون
للإمام gبسبب الإمامة.

وبذلك يدفع ما قد يقال من أنَّ حيثيّة الإمامة هنا مردّدة بين كونها تعليليّة أو تقييديّة، فإذا كانت تعليليّة فمعنى ذلك أنَّ الإمامة سبب لملكه وإن كان الملك ملكاً شخصيّاً.

وجه الدفع: أنَّ تفصيله g ونفيه الإرث عن المال الذي يملكه بسبب الإمامة ظاهر وبوضوح في نفي كونه ملكاً شخصيّاً، فحتّى إن قلنا إنَّ الحيثيّة هنا تعليليّة فمع ذلك يثبت أنَّه مملوك للمنصب.

ومنها:معتبرة عليّ بن مهزيار، قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر gمن رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله ومشربه من الخمس؟ فكتب بخطّه: (من أعوزه شيء من حقّي فهو في حلّ)(٣٣). بناءً على أنَّ الظاهر هو سؤال السائل عن تحليل تمام الخمس لا خصوص نصفه.

ومنها: الروايات التي جعلته للإمام g كصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الرضا g،سئل عن قول الله a: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ}، فقيل له: فما كان لله فلمن هو؟ فقال: (لرسول
الله e، وما كان لرسول الله e فهو للإمام). فقيل له: أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقلّ، ما يصنع به؟ قال: (ذاك إلى الإمام، أرأيت رسول
الله e كيف يصنع، أليس إنَّما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام)(٣٤).

ومنها: الروايات التي جعلته لعنوان الحجّة في زمانه، وهي مرفوعة أحمد بن محمّد، حيث ورد فيها: (..والذي للرسول هو لذي القربى، والحجّة في زمانه فالنصف له خاصّة..)(٣٥).

ومنها: الروايات التي جعلته لعنوان أولي الأمر، كمرسلة حمّاد بن عيسى (..فسهم الله وسهم رسول الله لأولي الأمر من بعد رسول الله وراثة..)(٣٦).

وغيرها من الروايات(٣٧).

المصداق الثاني: الفيء والأنفال.

لا إشكال في كون الفيء ملك لمنصب الإمامة، وكذا بعض مصاديق الأنفال. ويستدلّ لذلك بالآيات والروايات.

أمّا الآيات فقوله تعالى في الفيء: {وَمَا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(٣٨)

وقوله تعالى في الأنفال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(٣٩)

ودلالتها بنفس البيان المتقدّم في آية الخمس(٤٠).

وأمّا الروايات فهي كثيرة..

منها: صحيحة حفص بن البختريّ، عن أبي عبد الله g، قال: (الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ أرض خربة، وبطون الأودية، فهو لرسول الله e، وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء)(٤١).

وهي تكاد تكون صريحة في إرادة منصب الإمامة؛ فإنَّه (لم يفرض حصول أنفال في زمن الإمام، وإنَّما فرض أنَّ نفس الأنفال التي كانت باليد في زمن رسول الله e تكون للإمام من بعده يضعه حيث يشاء. وهذا لا يكون إلَّا مع فرض كون الأنفال لمنصب الإمامة؛ إذ لو كانت لشخص الرسول لانتقلت بوفاة الرسول e إلى الورثة لا إلى الإمام من بعده)(٤٢).

ومنها: معتبرة أبي عليّ ابن راشد المتقدّمة وبنفس البيان المتقدّم(٤٣).

ومنها: صحيحة أبي ولّاد الحنّاط، قال: سألت أبا عبد الله g عن رجل مسلم قتل رجلاً مسلماً، فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّا أولياء من أهل الذمّة من قرابته؟ فقال: (على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليّه يدفع القاتل إليه، فإن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية، فإن لم يسلم أحد كان الإمام وليّ أمره، فإن شاء قتل، وإن شاء أخذ الدية فجعلها في بيت مال المسلمين؛ لأنَّ جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين).

قلت: فإن عفا عنه الإمام.

قال: فقال: (إنَّما هو حقّ جميع المسلمين، وإنَّما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، وليس له أن يعفو)(٤٤).

ببيان: أنَّ إرث من لا وارث له أحد مصاديق الأنفال، والتي هي ملك للإمام بما هو إمام، لا أنَّها ملك شخصيّ له، وإلَّا لكان له العفو. 

وأمّا قوله g: (فجعلها في بيت مال المسلمين) فلا يراد منه كونه ملكاً للمسلمين حتّى يقسّم بينهم مثلاً؛ لتصريحه بأنَّه للإمام g، بل المراد منها أنَّ الإمام يصرفه بما يكون في صالح المسلمين، فإنَّ ذلك من شؤون إمامته.

ونحوها غير واحدة من الروايات.

هذا، بالإضافة إلى الروايات التي صرّحت بأنَّ الأنفال للإمام g، كمعتبرة سماعة بن مهران، قال: سألته عن الأنفال؟ فقال: (كلّ أرض خربة أو شيء يكون للملوك فهو خالص للإمام، وليس للناس فيها سهم). قال: (ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب)(٤٥).

ورواية محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله g يقول وسئل عن الأنفال، فقال: (كلّ قرية يهلك أهلها، أو يجلون عنها، فهي نفل لله a، نصفها يقسّم بين الناس، ونصفها لرسول الله e، فما كان لرسول الله e فهو للإمام)(٤٦).

ونحوها بقيّة روايات الباب، فإنَّها ظاهرة في كونها ملكاً للمنصب.

المرحلة الثانية: أيْ ثبوت ملكيّة الدولة في زمن الغيبة

ولإثبات ذلك من عدمه نذكر جهتين:

الجهة الأولى: التمسّك بالولاية العامّة للفقيه.

الفقهاء ـ كما هو معلوم ـ مختلفون من جهة ثبوت الولاية للفقيه، ومقدار نيابته عن المعصوم g، فيمكن للقائل بأنَّ الخمس ملك لمنصب الإمامة أن ينكر تنصيب الإمام لقيّم على الخمس ينوب عنه g، ممّا يعني أنَّه يقول بمالكيّة الدولة مع عدم وجود القيّم الشرعيّ على ذلك المال في زمن الغيبة.

وبالتالي توجد أربعة احتمالات في مسألتنا من هذه الجهة: 

الاحتمال الأوّل: القول بأنَّ الخمس ملك لمنصب الإمامة، والقول أيضاً بثبوت الولاية للفقيه، ونتيجة ذلك هو القول بملكيّة الدولة مع وجود القيّم الشرعيّ في زمن الغيبة.

الاحتمال الثاني: القول بأنَّ الخمس ملك لمنصب الإمامة مع إنكار ثبوت الولاية للفقيه.

نعم، بعض المنكرين لثبوت الولاية العامّة للفقيه يقولون بثبوت ولاية للفقيه على الأمور العامّة من باب الحسبة والتي من مصاديقها محلّ الكلام، فتكون النتيجة على ضوء ذلك نفس نتيجة الاحتمال الأوّل.

أمّا من ينكر ثبوت حتّى هكذا ولاية للفقيه فيكون ـ حينئذٍ ـ من القائلين بملكيّة الدولة مع عدم وجود القيّم الشرعيّ في زمن الغيبة.

الاحتمال الثالث: القول بأنَّ الخمس ملك شخصيّ للإمام g مع القول بثبوت الولاية العامّة للفقيه. ومن الواضح أنَّ كون الخمس ملكاً شخصيّاً للإمام g يلازم عدم ثبوت ملكيّة الدولة بهذا الطريق.

الاحتمال الرابع: القول بأنَّ الخمس ملك شخصيّ للإمام g، مع إنكار الولاية العامّة للفقيه، وحكمه يتّضح من الاحتمال السابق.

الجهة الثانيةالتمسّك بالحسبة.

أيْ: إثبات مالكيّة الدولة أو بعض مصاديقها من باب اندراجها في الأمور الحسبيّة والتي تكون تحت يد الفقيه. 

ولبيان ذلك نحتاج لتوضيح نظرية الحسبة أوّلاً، وإمكان تطبيقها في المقام ثانياً.

أمّا توضيح النظرية فنكتفي بما جاء في كلمات الشيخ التبريزيّ S حيث قال في تعريفها: (هي المصالح المطلوبة للشارع غير المأخوذة على شخص معيّن، المعبّر عنها بالأمور الحسبيّة،وهي التي علم من الشرع العمل بها وعدم جواز تركها، وأنَّ التكليف بها لم يتوجّه إلى شخص معيّن، ولا تكون من الواجب الكفائيّ لتكون مطلوبة على كلّ أحد، كالتصرّف في أموال القصّر من الذين ليس لهم أولياء، والموقوفات العامّة التي لم يعيّن المتولّي لها من قبل الواقفين، أو قام الدليل على كونها بيد وليّ أمر المسلمين، والحاكمين، كإقامة الحدود والتعزيرات، والتصدّي لجمع الحقوق الشرعيّة وصرفها لمواردها، والتصدّي لتنظيم أمر جوامع المسلمين وبلادهم)(٤٧).

ثُمَّ ذكر Sفي موضع آخر: أنَّ المتصدّي لأمور المسلمين إن كان صالحاً للتصدّي لتنظيم أمورهم ورعاية مصالحهم (أنَّه إذا توقّف تأمين نظام البلاد على تحصيل المال كالزكاة، حيث يجوز صرفها على تحصيل الأمن ونظام البلاد، وجب إيصالها إليه مع احتياجه ومطالبته بها، بل لو طالب المال تبرّعاً في صورة احتياجه وجب على الناس الاستجابة، كلّ ذلك تمكيناً للمتصدّي من المال اللازم لتهيئة أمن البلاد، وتأمين الحوائج العامّة التي تصدّى لتأمينها، كما أنَّ للمتصدّي تحصيل المال بإخراج المعادن من الأراضي المباحة، ووضع اليد على الغابات ونحوها، وتكون كلّ هذه الأموال ملكاً للحكومة الإسلاميّة، نظير ملك المال للعناوين، ولا تدخل في ملك شخص المتصدّي، غاية الأمر يكون للمتصدّي الولاية في التصرّف في تلك الأموال ليصرفها في الموارد التي يتوقّف عليها نظام البلاد، وتأمين حوائج أهلها..

ولا يخفى أنَّ كلّ تصرّف لا يخرج عن حدود التحفّظ على حوزة الإسلام والمسلمين نافذ من المتصدّي لأمور المسلمين فيما إذا كان مقتضى الأدلّة الأوّليّة جوازه، كهيئة مراكز الثقافة لنشر العلوم وبسط الرفاه الاجتماعيّ، وأنَّ كلّ تصرّف يكون مقتضى الأدلّة عدم جوازه كالتصرّف في بعض أموال آحاد الناس وقهراً عليهم وأمثال ذلك فلا يدخل في ولاية المتصدّي)(٤٨).

ولنأخذ كمثال ومصداق للأمور الحسبيّة مسألة البنوك، فالبنوك أمر لا يمكن الاستغناء عنه في ضمن التعاملات الاقتصاديّةوالقضايا الماليّة للمجتمعات المعاصرة، فكثير من المعاملات البنكيّة تُوجِد نوعاً من التسهيلات العمليّة للأفراد بحيث يكون المقابل لها أمراً بدائيّاً مرغوباً عنه.

فعلى سبيل المثال مسألة نقل الأموال من بلد إلى بلد، فإنَّ في مقابل نقلها عن طريق البنوك ـ وما تتضمّنه من تسهيلات وسرعة نقل وأمان ـ هو نقلها عن طريق الشخص نفسه أو من ينوب عنه من بلد إلى بلد، ولا يخفى ما تكتنفه هذه الطريقة من مخاطر وتعقيدات،وعليه فمن البعيد جدّاً أن يرفض الشارع الطريقة الأولى، بل إنَّ رفض جملة من عمليات البنوك قد يترتّب عليه جملة ليست باليسيرة من المعوّقات لمصالح العباد.

فتأسيس البنوك من الأمور التي قد يُطمأن بأنَّ الشارع يرى العمل بها، وعدم جواز تركها، فتدخل في الأمور الحسبيّة.

ويؤكّد ذلك: أنَّ القول بأنَّ أموال البنوك الحكوميّة ليست مملوكة للدولة وإنَّما هي مجهولة المالك يلزم منه جملة من اللوازم(٤٩):

اللازم الأوّل: أنَّ المودع لأمواله في البنك يكون بمثابة المتلف لها شرعاً؛ وذلك لأنَّ الإيداع لدى البنك إن كان بعنوان الإقراض فهو متوقّف على تملّك البنك لذلك القرض، وإن كان بعنوان المضاربة أو الجعالة فهو أيضاً متوقّف على قابلية البنك للتملّك حتّى يتملّك حصّته من الربح أو العوض المعلوم، وهكذا، فدفع المال إلى طرف غير قابل للتملّك يكون بمثابة الإتلاف له، ولذا رتّب بعض الفقهاء على ذلك الخمس بمجرّد الإيداع.

قال بعض أعاظم العصر l: (لا يجوز الإيداع في البنوك الحكوميّة بمعنى إقراضها مع اشتراط الحصول على الزيادة، فإنَّه ربا، بل إعطاء المال إليها ولو من دون شرط الزيادة بمنزلة الإتلاف له شرعاً؛ لأنَّ ما يمكن استرجاعه من البنك ليس هو مال البنك، بل من المال المجهول مالكه، وعلى ذلك يشكل إيداع الأرباح والفوائد التي يجنيها الشخص أثناء سنته في البنوك الحكوميّة قبل إخراج الخمس منها؛ لأنَّه مأذون في صرفه في مؤونته، وليس مأذوناً في إتلافه، فلو أتلفه ضمنه لأصحابه)(٥٠).

اللازم الثاني: أنَّ الأموال التي يسحبها المودع لدى البنك لن تكون ملكاً له، بل تكون مجهولة المالك؛ لأنَّ الأموال التي أودعها في البنك قد أتلفها شرعاً، فما يسحبه من البنك لا يترتّب عليه عنوان ماله الأوّل، وما قبضه من أموال قبضه من جهة غير مالكة.

ويترتّب على ذلك عدم جواز التصرّف في تلك الأموال من قبل القابض إن لم يكن مستحقّاً؛ بناءً على اشتراط التصدّق على الفقير بجميع المال في مصرف مجهول المالك، بل بطلان كثير من معاملات الاستيراد والتصدير وغيرها، والتي يتمّ تحويل الأموال إلى البائع أو المشتري عن طريق البنوك.

ومنه يظهر أنَّ إعطاء إذنٍ من الفقيه في جواز التصرّف فيها موقوف: إمّا على عدم اشتراط أن يكون المتصدَّق عليه فقيراً، أو إعمال الفقيه لولايته على تقدير قوله بها ولو من باب الحسبة مع تحقّق موضوعها خارجاً، أو من باب كون الحاكم الشرعيّ وكيلاً عن الفقير في القبض والتصرّف كما اختاره بعض أعاظم العصر l.

جاء في موقع مكتبه C: (السؤال: هل صدر من سماحتكم إذنٌ عامّ لجميع من قلّدكم في قبض مجهول المالك أو الإذن خاصّ لمن يطلب ذلك؟

الجواب: قد أذِنّا لإخواننا المؤمنين (وفّقهم الله تعالى لمراضيه) في ما يستلمونه من المؤسّسات الحكوميّة، أو المشتركة بالطرق القانونيّة أن يقبضوه من قبل موكّلينا من الفقراء بنيّة التصدّق عليهم، ثُمَّ يتملّكوه لأنفسهم. هذا في الرواتب ونحوها.

وأمّا في الفوائد المصرفيّة وشبهها فقد أذِنّا لهم في تملّك النصف منها بالطريقة المذكورة بشرط التصدّق بالنصف الآخر على الفقراء المتديِّنين)(٥١).

اللازم الثالث: كلّ مال يقبضه من البنك يلزم تخميسه بعد مضيّ الحول؛ لأنَّه مال جديد دخل في ملكه، وهكذا إذا أودعه من جديد فيلزم تخميسه بمجرّد إيداعه، وتخميسه بعد مضيّ الحول على قبضه.

اللازم الرابع: عدم وجوب الخمس على مَن كان يتعامل بالصكوك وبطاقات الائتمان ولا يستلم بيده من البنك، كما هو حال الكثير من التجّار وغيرهم، بل هو الحالة الغالبة في كثير من البلدان؛ فإنَّ مجهول المالك لا يُملَك إلَّا بالقبض. نعم، إذا وسّعنا مفهوم القبض، وقلنا بصدقه على الحالة المذكورة فحينئذٍ ينتفي اللازم.

اللازم الخامس: أنَّ أموال الخمس والزكاة وغيرها من الحقوق الشرعيّة التي يتمّ تحويلها من بلد إلى بلد عن طريق البنك سينتفي عنها ـ حينئذٍ ـ عنوان ذلك الحقّ، وتتعنون بعنوان مجهول المالك.

اللازم السادس: باستطاعة أيّ شخص سحب أموال الآخرين إن كان مورداً لمصرف مجهول المالك، خصوصاً إذا لم نشترط إذن الحاكم الشرعيّ في التصرّف.

اللازم السابع: التصدّق بقيمة التصرّف في الأشياء من المرافق العامّة ـ كما إذا جلس في محطّة القطار ـ فإنَّها مجهولة المالك؛ فيلزمه التصدّق بقيمة ذلك التصرّف كما أفتى بذلك السيّد الخوئيّ S(٥٢).

هذه بعض اللوازم التي تترتّب على القول بعدم ملكيّة الدولة، وكون الأموال التي تحت تصرّفها مجهولة المالك.

وبعض هذه اللوازم ـ كما اتّضح ـ يصعب الالتزام بها، أو إيجاد مخارج فقهيّة لها، وذلك يقوّي القول بمالكيّة البنك أو الدولة من باب الحسبة.

نعم، قد يقال: بإمكان الاكتفاء لتحصيل الغرض المدّعى بتأسيس البنوك الأهليّة المملوكة للأفراد والتي لا إشكال في ملكيّتهم لها، وذلك بخلاف تأسيس البنوك الحكوميّة والتي قد يستشكل فيها من جهة المحذور الإثباتيّ، وعدم قيام الدليل على ثبوت الملكيّة لها.

ويشهد لذلك: أنَّ البنوك الأهليّة ـ في جملة من الدول المتقدّمة في هذا المجال ـ لعلّها تمثّل عصب الحياة الاقتصاديّة فيها. ومع وجود البديل الشرعيّ لا تندرج مسألتنا تحت الأمور الحسبيّة.

وفيه: أنَّ الواقع الخارجيّ لعلّه على خلاف ذلك، فحتّى في تلك الدول هناك ما يسمّى بخزينة الدولة، أو البنك المركزيّ، تكون جملة من المعاملات والتسهيلات البنكيّة راجعة إليه، وبالتالي المنظومة الاقتصاديّة لأيّ بلد لا تستغني عنها.

هذا فضلاً عن كون كثير من تلك البنوك المالك لها نفس عنوان البنك.

ثُمَّ إنَّ هذا الدليل ـ على تقدير تماميّته ـ يمكن من خلاله إثبات ملكيّة الدولة الوضعيّة إن رأى الفقيه انطباق عنوان الحسبة عليها.

الدليل الثاني: السيرة والارتكاز العقلائيّ الممضى من الشارع.

بتقريب: أنَّ سيرة العقلاء قائمة على وجود مؤسّسات لكلّ دولة تقوم بوظيفة إدارة شؤون المجتمع، وتلك المؤسّسات مرتبطة في جوانبها الماليّة بخزينة الدولة، أو بيتالمال والتي كان العقلاء يتعاملون معها كعنوان اعتباريّ مالك لأموال تلك الدولة.

ثُمَّ إنَّ هذه السيرة كان معمولاً بها في زمن المعصومين i، ولم يتمّ الردع عنها، مع كثرة ابتلاء المؤمنين بالتعامل بأموال الدولة من جهة البيع أو الشراء أو العطاء وغيرها، ممّا يعني أنَّ الردع لو كان موجوداً لانعكس علينا بوضوح.

وفيه: 

أوّلاً: دعوى أنَّ السيرة قائمة على مالكيّة بيت المال لأموال الدولة عهدتها على مدّعيها، واحتمال أنَّ جملة من الملوك والسلاطين كانوا يتعاملون مع تلك الأموال كملك شخصيّ ليس ببعيد. نعم، العطاء من بيت المال كان جارياً وثابتاً ولم يكن مختصّاً بموظّفي الدولة، بل يشمل قطّاعات من المجتمع تختلف دائرتها سعةً وضيقاً باختلاف الحكّام، لكن ذلك لا يتعارض مع ادّعائهم للملكيّة الشخصيّة؛ لإدراكهم أنَّ بقاء دولهم ودوام سلطانهم لا يتمّ إلَّا بذلك.

وعلى كلّ حال يكفينا التشكيك في أصل قيام السيرة.

وثانياً: على تقدير قيام السيرة فدعوى إمضائها المستكشف من إمضاء المعصوم gأوّلالكلام، بل هو على خلاف الواقع؛ لصدور جملة من الروايات الدالّة على أنَّ الحكّام في عصرهم لا يملكون، وأنَّ العطاء الذي يؤخذ من بيت المال لمن يعمل تحت ولايتهم بحاجة إلى إذنٍ وإجازة، كما في موثّقة عمّار عن أبي عبد الله g: سئل عن أعمال السلطانيخرج فيهالرجل؟ قال:(لا، إلّاأن لايقدر علىشيء يأكلولا يشرب ولا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت)(٥٣).

ورواية أبي حمزة عن أبي جعفر g، قال: سمعته يقول: (من أحللنا له شيئاً أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال، وما حرّمناه من ذلك فهو له حرام)(٥٤)

وكذا روايات (لك المهنأ وعليه الوزر) كصحيحة أبي ولّاد، قال: قلت لأبي عبد الله g: ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلّا من أعمالهم، وأنا أمرّ به فأنزل عليه فيضيّفني ويحسن إليّ، وربّما أمر لي بالدرهم والكسوة، وقد ضاق صدري من ذلك؟ فقال لي: (كُلْ وخذ منه، فلك المهنأ، وعليه الوزر)(٥٥).

فإن قلت: إنَّ منشأ هذه الروايات هو عدم مشروعيّة القيّم على أموال الدولة، لا أنَّ المنشأ هو عدم ملكيّة الدولة.

قلت: إنَّ عدم شرعيّة القيّم على أموال الدولة باعتبار أنَّه سلب حقّ الإمام g الذي هو القيّم والمالك لما يجبى لبيت المال، ولكنّ ملكيّته g لذلك يحتمل أن تكون ملكيّة شخصيّة ـ كما هو مختار جملة من المحقّقين ـ، فتكون الروايات ـ حينئذٍ ـ نافية لشرعيّة القيّمين فعلاً في زمانهم، وهي غير دالّة على ملكيّة الدولة.

الدليل الثالث(٥٦): وهذا الدليل يستدلّ به على ملكيّة الدولة حتّى إذا كانت الدولة وضعيّة، وكان القيّم عليها غير عادل.

وحاصله: دعوى ظهور غير واحدة من طوائف الروايات في ذلك، والمهمّ منها طائفتان:

الطائفة الأولى: الروايات الدالّة على جواز الولاية من قبل الحاكم الجائر.

وهي روايات عديدة مذكورة في الوسائل، أبواب ما يكتسب به، الباب: ٤٦،باب جواز الولاية من قبل الجائر لنفع المؤمنين.

منها: صحيحة زيد الشحّام، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد g يقول: (مَن تولّى أمراً من أمور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر في أمور الناس كان حقّاً على الله a أن يؤمن روعته يوم القيامة، ويدخله الجنّة)(٥٧).

ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله g، قال: ذكر عنده رجل من هذه العصابة قد ولي ولاية، فقال: (كيف صنيعه إلى إخوانه؟). قال: قلت: ليس عنده خير، قال: (أُفٍّ، يدخلون في ما لا ينبغي لهم، ولا يصنعون إلى إخوانهم خيراً)(٥٨)

وغيرها من روايات الباب.

وجه الدلالة: أنَّ نفس الجواز التكليفيّ بتولّي المؤمن لمنصب من قبل الكافر لازمه الجواز الوضعيّ؛ أيْ: إنفاذ جميع المعاملات الماليّة التي يقوم بها، وإلَّا فلا معنى لتولّيه ذلك المنصب ومباشرته، خصوصاً أنَّ بعض تلك الروايات ظاهرة في أنَّ هذا الجواز هو للتسهيل على المؤمنين. وبالتالي فصحّة معاملته بما هو والٍ وتابع للحكومة الجائرة كاشف عن صحّة المعاملات الماليّة التي تقوم بها نفس الحكومة غير الشرعيّة، وبالتالي ملكيّتها.

وفيه: لا دلالة في هذه الروايات على أكثر من إذن الإمام g في تولّي ذلك المنصب، فإذا قلنا بما تقدّم من أنَّ أموال الدولة مملوكة للإمام g ملكيّة منصب، وأنَّه g هو القيّم على بقيّة أموال بيت مال المسلمين ممّا لا يدخل تحت عنوان ملكيّة الدولة، فيكون ـ حينئذٍ ـ ذلك الإذن إذناً خاصّاً من المالك والقيّم الشرعيّ، وبالتالي صحّة المعاملات الصادرة منه، ولا يلزم من ذلك صحّة معاملات غير القيّم الشرعيّ الذي لم يصدر له إذن خاصّ من الإمام g.

ويؤيّد ذلك بروايات التحليل؛ فإنَّ بعضها عامّة لمطلق حقّهم i كما في معتبرة أبي خديجة عن أبي عبد الله g، قال: قال رجل وأنا حاضر: حلّل لي الفروج؟ ففزع أبو عبد الله g. فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنَّما يسألك خادماً يشتريها، أو امرأة يتزوّجها، أو ميراثاً يصيبه، أو تجارة أو شيئاً أُعطيَه، فقال: (هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب، والميّت منهم والحيّ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما والله لا يحلّ إلّا لمن أحللنا له، ولا والله ما أعطينا أحداً ذمّة، وما عندنا لأحد عهد، ولا لأحد عندنا ميثاق)(٥٩)

وكذا روايات (لك المهنأ وعليه الوزر) كما في صحيحة أبي ولّاد، قال: قلت لأبي عبد الله g: ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلّا من أعمالهم، وأنا أمرّ به فأنزل عليه فيضيّفني ويحسن إليّ، وربّما أمر لي بالدرهم والكسوة، وقد ضاق صدري من ذلك؟ فقال لي: (كُلْ وخذ منه، فلك المهنأ، وعليه الوزر)(٦٠). فإنَّها إن لم تكن ظاهرة، فلا أقلّ من احتمال أن يكون التحليل والتجويز في حقّهم
ـ والذي يمثّل ملكيّة الدولة كما تقدمّ(٦١) ـ بما يترتّب عليه من أحكام وضعيّة من النقل والانتقال مختصّ بالمؤمنين دون أهل الخلاف.

الطائفة الثانية: الروايات الدالّة على قبول هدايا السلطان.

بتقريب: أنَّ تجويز التعاطي مع السلطان ـ والذي يمثّل الدولة ـ عن طريق الهدية فتجويز غيره من المعاملات المشتملة على العوض كالبيع ونحوه إن لم يكن أولى فهو مساوٍ للمعاملة المجانيّة، وصحّة المعاملات مع الدولة فرع تملّك الدولة.

ثُمَّ إنَّ روايات هذه الطائفة قد وردت في الوسائل، أبواب ما يكتسب به، الباب: ٥١،باب أنَّ جوائز الظالم وطعامه حلال وإن لم يكن له، والتي منها: صحيحة أبي ولّاد المتقدّمة. 

ومنها: صحيحة أبي بكر الحضرميّ، قال: دخلت على أبي عبد الله g وعنده إسماعيل ابنه، فقال: (ما يمنع ابن أبي السمّال أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس، ويعطيهم ما يعطي الناس؟) ثُمَّ قال لي: (لِمَ تركت عطاءك؟). قال: مخافة على ديني، قال: (ما منع ابن أبي السمّال أن يبعث إليك بعطائك؟ أما علم أنَّ لك في بيت المال نصيباً!)(٦٢)

ومنها: معتبرة أبي المغرا، قال: سأل رجل أبا عبد الله g وأنا عنده، فقال: أصلحك الله: أمرّ بالعامل فيجيزني بالدرهم آخذها؟ قال: (نعم). قلت: وأحجّ بها؟ قال: (نعم)(٦٣).

ومنها: معتبرة محمّد بن مسلم وزرارة، قالا: سمعناه يقول: (جوائز العمّال ليس بها بأس)(٦٤). وغيرها من روايات الباب.

وفيه: أنَّ مجموع هذه الروايات ـ وبالخصوص صحيحة أبي ولّاد ــتدلّ على أنَّ ذلك جائز للمؤمنين دون غيرهم، فيرد عليها ما تقدّم في الطائفة الأولى(٦٥).

وبنفس الوجه يجاب عن بقيّة الروايات التي قد يدّعى دلالتها على ملكيّة الدولة، كالروايات المجوّزة لشراء المقاسمة والخراج.

ومنه ظهر عدم تماميّة هذا الدليل.

هذه أهمّ الأدلّة التي يمكن أن تذكر لإثبات ملكيّة الدولة شرعاً.

ومن مجموع ما تقدّم ظهر إمكان إثبات ملكيّة الدولة استناداً إلى الدليل الأوّل، والله العالم.

خلاصة البحث

١. البحث كان منعقداً لإثبات أصل ملكيّة الدولة بعد كونها جهة معنويّة غير واعية، من دون التعرّض لسعة دائرة وتطبيقات تلك الملكيّة.

٢. الأدلّة التي يمكن أن تطرح لإثبات ملكيّة الدولة على نحوين:

النحو الأوّل: الأدلّة العامّة؛ أيْ: الأدلّة التي يستدلّ بها على ملكيّة مطلق الجهات المعنويّة غير الواعية والتي منها الدولة، وتتمثّل هذه الأدلّة بالسيرة، وإطلاقات البيع والتجارة، والتمسّك بولاية الفقيه، سواء كان على نحو الولاية العامّة، أو على نحو الحسبة. 

وقد ظهر عدم تماميّة شيء منها.

النحو الثاني: الأدلّة الخاصّة، وتمثّلت بثلاثة أدلّة.

الأوّل: ما دلّ على ثبوت ملكيّة منصب الإمامة للخمس والأنفال والفيء.

وقد ظهر تماميّة هذا الدليل في عصر الحضور، وأمّا في عصر الغيبة فلا بُدَّ من إثبات أنَّ هذا الحقّ للفقيه، وذلك إمّا بناءً على القول بولاية الفقيه العامّة، أو بناءً على الحسبة، وبناءً عليه لا تثبت الملكيّة للدولة إلَّا مع إذن الفقيه، والذي يكون قيّماً على تلك الأموال.

الثاني: السيرة والارتكاز العقلائيّ.

واتّضح عدم تماميّته للتشكيك في انعقاد تلك السيرة وذلك الارتكاز.

الثالث: طائفة من الروايات، استدلّ بها على ملكيّة الدولة حتّى إذا كانت وضعيّة، وكان القيّم عليها غير عادل، كروايات جواز الولاية من قبل الحاكم الجائر بدعوى أنَّ لازمها الجواز الوضعيّ في إنفاذ جميع المعاملات المادّيّة التي يقوم بها الحاكم الجائر.

وكروايات قبول هدية السلطان بدعوى أنَّ لازمه بالأولويّة جواز المعاملات المشتملة على العوض مع ذلك السلطان، ممّا يعني ملكه بما هو سلطان، أيْ: ملك للدولة. 

وقد ظهر عدم دلالتها على المدّعى؛ لعدم دلالتها على أكثر من إذن الإمام g في تولّي المنصب، أو قبول الهدايا للمؤمنين دون غيرهم.

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين.

 

 

 

المصادر

القرآن الكريم. 

  1. إرشاد الطالب في شرح المكاسب: الشيخ جواد التبريزيّ (ت١٤٢٧هـ)، الناشر: دار الصدّيقة الشهيدة j، الطبعة السادسة، ١٤٣١هـ. ق ـ ١٣٨٩هـ.ش.
  2. اقتصادنا:السيّد محمّدباقر الصدر(ت١٤٠٠هـ)، نشر:مركز الأبحاث والدراسات التخصّصيّة للشهيد الصدر، الطبعة الأولى ١٤٢٤ هـ.
  3. بحوث فقهيّة: محاضرات الشيخ حسين الحلّيّ (ت ١٣٩٤هـ)، تقرير: السيّد عزّ الدين بحر العلوم، الناشر: مؤسّسة المنار، الطبعة الرابعة.
  4. بحوث في الاقتصاد الإسلاميّ: تقرير أبحاث السيّد محمّد باقر الصدر (ت١٤٠٠ هـ)،إعداد: الشيخحيدر حبّالله، الناشر:مؤسّسة الانتشار العربيّ، الطبعة الأولى، ٢٠١٠م.
  5. جواهرالكلام فيشرح شرائعالإسلام: الشيخمحمّد حسن النجفيّ (ت ١٢٦٦هـ)، الطبعة الثانية ١٣٦٧ش.
  6. ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد: الشيخ محمّد باقر السبزواريّ (ت١٠٩٠هـ)، الناشر: مؤسّسة آل البيت i لإحياء التراث، طبعة حجريّة.
  7. صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات: السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (ت١٤١١هـ)، الناشر: دفتر نشر برگزيده، الطبعة الأولى، ١٤١٦هـ.
  8. فقه البنوك: تقرير بحث الشيخ محمّد باقر الإيروانيّ، بقلم: الشيخ يوسف أحمد الإحسائيّ، الناشر: مؤسّسة أم القرى، الطبعة الأولى، ١٤٢٣ هـ ـ ٢٠٠٢م.
  9. فقه العقود: السيّد كاظم الحسينيّ الحائريّ، الناشر: مجمع الفكر الإسلاميّ ـ قم، الطبعة الثانية ١٤٢٣هـ.
  10. كتاب الخمس: الشيخ حسين عليّ المنتظريّ، الناشر: دار الفكر، الطبعة الثانية ـ ١٤١٢هـ.
  11. مباني فتاوى في الأموال العامّة: السيّد كاظم الحسينيّ الحائريّ، الناشر: دار التفسير، الطبعة الأولى، ١٤٢٨هـ ـ ٢٠٠٧م.
  12. مصباح المتهجّد: الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسيّ المعروف بـ(شيخ الطائفة ت٤٦٠ هـ.‍ ق)، الناشر: مؤسّسة فقه الشيعة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى: ١٤١١ هـ‍ ـ ١٩٩١م. 
  13. ملكية الدولة الوضعيّة: محاضرات الشيخ محمّد السند، بقلم: السيّد جعفر الحكيم والشيخ أحمد الماحوزيّ، الطبعة الأولى، ١٤٢٣هـ ـ ٢٠٠٣م.
  14. منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان: الشيخ الحسن ابن الشهيد الثاني (ت١٠١١هـ) الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، ١٤٠٦.
  15. منهاج الصالحين: سماحة السيّد علي الحسينيّ السيستانيّ، الطبعة التاسعة عشرة ـ طبعة مصحّحة ومنقّحة ـ ١٤٣٩هـ ق.
  16. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ (ت١١٠٤هـ)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت i لإحياء التراث، الطبعة الثانية، ١٤٢٤هـ ـ ٢٠٠٣م.
  17. نهج البلاغة، تحقيق د. صبحي الصالح، الناشر: دار الكتاب المصريّ ــ القاهرة، ودار الكتاب اللبنانيّ ـ بيروت، الطبعة الرابعة، ١٤٢٥هـ - ٢٠٠٤م.

 

 


(١) يلاحظ: ص ١١٠.

(٢) بحوث فقهيّة: ٩٩.

(٣) يلاحظ: صراط النجاة: ٤١٢، السؤال: ١١٣٣.

(٤) كما هو مذكور في غير موضع من كتاب اقتصادنا. يلاحظ على سبيل المثال: ٤٧٩، ٤٨٦، ٥٠٧، ٥١٠، ٥٢٢، ٥٤٧، ٧٨٩.

(٥) يلاحظ: ص ٩٨.

(٦) نهج البلاغة: ٤٢٧، كتاب رقم: ٥٣.

(٧) مصباح المتهجّد: ٥٨١.

(٨) يلاحظ: ص ٩٧.

(٩) بحوث في فقه الاقتصاد الإسلاميّ: ١٦٧.

(١٠) ذهب جملة من المحقّقين إلى أنَّ الخمس حقّ وحدانيّ كلّه للإمام g، منهم: الشيخ فيّاض الدين الزنجانيّ في كتابه (ذخائر الإمامة في الخمس: ٢٢٦)، وممّن اختاره أيضاً الشيخ المنتظريّ في كتابه (الخمس: ٢٦١ وما بعد)، والسيّد كاظم الحائريّ في (مباني فتاوى في الأموال العامّة: ١٠٧ ـ ١١١)، وشيخنا الأستاذ B في مجلس الدرس، وجذور هذا القول موجودة في كلمات صاحب المنتقى (منتقى الجمان: ٢/ ٤٣٩ ـ ٤٤٠)، والذخيرة (ذخيرة المعاد/ ط. حجريّة: ٤٨١)، وأشار إليه في الجواهر بقوله: (ولظهور سياق أكثر الأخبار فيه من إضافته إليهم i وتحليلهم i بعض الناس منه، وغير ذلك ممّا يومي إلى أنَّ ولاية التصرّف والقسمة إليه g، وللأمر بإيصاله إلى
وكيله g في صحيحة ابن مهزيار الطويلة، بل لولا وحشة الانفراد عن ظاهر اتّفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في أنّ الخمس جميعه للإمام g وإن كان يجب عليه الإنفاق منه على الأصناف الثلاثة الذين هم عياله، ولذا لو زاد كان له g، ولو نقص كان الإتمام عليه من نصيبه، وحلّلوا منه مَن أرادوا). جواهر الكلام: ١٦/ ١٥٥.

(١١) يلاحظ: ص ٩٦.

(١٢) فقه العقود: ١/ ٩٣.

(١٣) فقه العقود: ١/ ٩٤.

(١٤) سورة البقرة: ٢٧٥.

(١٥) يلاحظ: ص ١٠٢.

(١٦) سورة المائدة: ١.

(١٧) سورة النساء: ٢٩.

(١٨) فقه العقود: ١/ ١٠٣.

(١٩) فقه العقود: ١/ ١٠٤.

(٢٠) يلاحظ: ص ١١٩.

(٢١) يلاحظ: ص ١٠٥.

(٢٢) يلاحظ: ص ١١٠ وما بعدها.

(٢٣) يلاحظ: ص ٩٨.

(٢٤) اقتصادنا: ٥١٠ ـ ٥١٢.

(٢٥) يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئيّ: ٢٥/ ٣١٠.

(٢٦) قال في الجواهر مستدلِّاً لكلام المحقّق: ((نعم ما كان) قد (قبضه النبيّ e أو الإمام g من الأسهم السابقة (ينتقل إلى وارثه)؛ ضرورة صيرورته حينئذٍ كسائر أمواله التي فرض الله تقسيمها على الوارث، واحتمال اختصاص الإمام g به أيضاً لقبض النبيّ e له ـ مثلاً ـ بمنصب النبوّة أيضاً باطل قطعاً؛ إذ هو وإن كان كذلك لكنَّه صار ملكاً من أملاكه بقبضه وإن كان سببه منصب النبوّة، وفرق واضح بينه وبين انتقال الاستحقاق السابق للإمام). جواهر الكلام: ١٦/ ٨٧ ـ ٨٨.

(٢٧) كما هو مختار الشيخ المنتظريّ (كتاب الخمس: ٢٦٧)، والسيّد الشهيد الصدر S (اقتصادنا: ٤٧٩)، وتبعه بعض تلامذته، منهم شيخنا الأستاذ B في مجلس الدرس.

(٢٨) سورة الأنفال: ٤١.

(٢٩) يلاحظ: وسائل الشيعة: ٩/ ٥١٠ ـ ٥١٨، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، باب أنَّه يقسّم ستّة أقسام ثلاثة للإمام وثلاثة..، ح٢، ٤، ٧، ٩، ١٩، ص: ٥١٩، باب عدم وجوب استيعاب كلّ طائفة من مستحقّي الخمس، ح١.

(٣٠){يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}. سورة الأنفال: ١.

(٣١) {وَمَا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. سورة الحشر: ٦ ـ ٧.

(٣٢) وسائل الشيعة: ٩/ ٥٣٧، أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام، باب أنّ الأنفال كلّها للإمام خاصّة لا يجوز التصرّف في شيء منها إلّا بإذنه، ح٦. 

(٣٣) وسائل الشيعة: ٩/ ٥٤٣، أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام، باب إباحة حصّة الإمام من الخمس للشيعة مع تعذّر إيصالها إليه، ح٢.

(٣٤) وسائل الشيعة: ٩/ ٥١٩، أبواب قسمة الخمس، باب عدم وجوب استيعاب كلّ طائفة من مستحقّي الخمس، ح١.

(٣٥) وسائل الشيعة: ٩/ ٥١٤ ـ ٥١٥، أبواب قسمة الخمس، باب أنَّه يقسّم ستّة أقسام..، ح٩.

(٣٦) وسائل الشيعة: ٩/ ٥١٣، أبواب قسمة الخمس، باب أنَّه يقسّم ستّة أقسام..، ح٨.

(٣٧) يلاحظ: وسائل الشيعة: ٩/ ٤٨٧ ـ ٤٨٨، أبواب ما يجب فيه الخمس، باب وجوب الخمس في غنائم دار الحرب، وفي مال الحربيّ، والناصب، ح٥، ٨. وأيضاً: ٩/ ٥٠٠ ـ ٥٠٤، باب وجوب الخمس فيما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات، ح٢، ٣، ٥، ٨.

وكذلك: ٩/ ٥٢٤، ٥٢٩، ٥٣٤، أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام، باب أنَّ الأنفال كلّ ما يصطفيه من الغنيمة، وكلّ أرض ملكت بغير قتال، ح٣، ١٦، ٣٣. وأيضاً: ٩/ ٥٤٣ ـ ٥٥٠، باب إباحة حصّة الإمام من الخمس للشيعة مع تعذّر إيصالها إليه، وعدم احتياج السادات، ح٢، ٣، ٩، ١٤، ٢٠.

(٣٨) سورة الحشر: ٦ ـ ٧.

(٣٩) سورة الأنفال: ١.

(٤٠) يلاحظ: ص ١١١.

(٤١) وسائل الشيعة: ٩/ ٥٢٣، أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام، الباب: ١، باب أنَّ الأنفال كلّ ما يصطفيه من الغنيمة، وكلّ أرض ملكت بغير قتال، ح١.

(٤٢) مباني فتاوى في الأموال العامّة: ٣٣٨ ـ ٣٣٩.

(٤٣) يلاحظ: ص ١١٢.

(٤٤) وسائل الشيعة: ٢٩/ ١٢٤، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، باب أنَّ المسلم إذا قتله مسلم وليس له وليّ إلّا ذمّيّ، ح١.

(٤٥) وسائل الشيعة: ٩/ ٥٢٦، أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام، باب أنَّ الأنفال كلّ ما يصطفيه من الغنيمة، وكلّ أرض ملكت بغير قتال، ح٨.

(٤٦) وسائل الشيعة: ٩/ ٥٢٦، أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام، باب أنَّ الأنفال كلّ ما يصطفيه من الغنيمة، وكلّ أرض ملكت بغير قتال، ح٧.

(٤٧) إرشاد الطالب في شرح المكاسب: ٤/ ٢٠٤.

(٤٨) إرشاد الطالب في شرح المكاسب: ٤/ ٢١٩ ـ ٢٢٠.

(٤٩) يلاحظ: كتاب فقه البنوك (تقرير درس الشيخ الإيروانيّ B): ٧٢ وما بعدها.

(٥٠) منهاج الصالحين للسيّد السيستانيّ: ١/ ٤٨٠، مستحدثات المسائل (الاقتراض ـ الإيداع)، مسألة: ٥.

(٥١) الاستفتاءات (مجهول المالك): السؤال: ٨.

(٥٢) يلاحظ: صراط النجاة: ٣/ ٣٣٣، سؤال: ٦٩٤.

(٥٣) وسائل الشيعة: ١٧/ ٢٠٢، أبواب ما يكتسب به، باب جواز قبول الولاية من قبل الجائر مع الضرورة، ح٣.

(٥٤) وسائل الشيعة: ١٧/ ١٩٨، أبواب ما يكتسب به، باب جواز الولاية من قبل الجائر لنفع المؤمنين، ح١٥.

(٥٥) وسائل الشيعة: ١٧/ ٢١٣، أبواب ما يكتسب به، باب أنَّ جوائز الظالم وطعامه حلال وإن لم يكن له، ح١.

(٥٦) يلاحظ: كتاب ملكيّة الدولة: ٤٩ وما بعدها.

(٥٧) وسائل الشيعة: ١٧/ ١٩٣، أبواب ما يكتسب به، باب جواز الولاية من قبل الجائر لنفع المؤمنين، ح٧.

(٥٨) وسائل الشيعة: ١٧/ ١٩٥، أبواب ما يكتسب به، باب جواز الولاية من قبل الجائر لنفع المؤمنين، ح١٠.

(٥٩) وسائل الشيعة: ٩/ ٥٤٤، أبواب الأنفال، باب إباحة حصّة الإمام من الخمس للشيعة مع تعذّر إيصالها إليه، وعدم احتياج السادات، ح٤.

(٦٠) وسائل الشيعة: ١٧/ ٢١٣، أبواب ما يكتسب به، باب أنَّ جوائز الظالم وطعامه حلال وإن لم يكن له، ح١.

(٦١) يلاحظ: ص ١٢٩.

(٦٢) وسائل الشيعة: ١٧/ ٢١٤، أبواب ما يكتسب به، باب أنَّ جوائز الظالم وطعامه حلال وإن لم يكن له، ح٦.

(٦٣) وسائل الشيعة: ١٧/ ٢١٣، أبواب ما يكتسب به، باب أنَّ جوائز الظالم وطعامه حلال وإن لم يكن له، ح٢.

(٦٤) وسائل الشيعة: ١٧/ ٢١٤، أبواب ما يكتسب به، باب أنَّ جوائز الظالم وطعامه حلال وإن لم يكن له، ح٥.

(٦٥) يلاحظ: ص ١٢٨.