نظريّة الحكومة
الحلقة الثّانية
الشيخ نجم الترابيّ (دام عزّه)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على رسوله محمَّد وآله الميامين.
وبعد، تعرضَّنا في الحلقة السَّابقة للفصول الثَّلاثة الأُول، وكان أوَّلها في ضابط الحكومة، وثانيها في النظر ومُهمّ شؤونه، وثالثها في ميزان القرينيَّة في الحكومة. وسنتعرَّض في هذه الحلقة للفصل الرَّابع في رتبة الحكومة بالنِّسبة إلى باقي أبواب التَّعارض، والخامس في تقسيمات الحكومة، ثمَّ خاتمة لمقارنة الحكومة مع الجمع العرفيّ والورود.
الفصل الرَّابع
رتبة الحكومة بالقياس إلى باقي أبواب التَّعارض
إذا دار الأمر بين الحكومة من جهةٍ والورود أو الجمع العرفيّ أو التَّعارض المستقرِّ من جهة أُخرى فأيُّهما يقدَّم؟
وفي المسألة ثلاثة أنحاء متصوَّرة للدوران المذكور، وهي:
النَّحو الأوَّل: أن يكون هناك خبران، أحدهما مشتمل على مزيّة تجعله ناظراً وحاكماً على الآخر، والخبر الآخر مشتمل على ما يجعله وارداً على الأوَّل، أو أقوى منه ظهوراً، أو واجداً لمرجِّح من مرجِّحات التَّعارض المستقرّ دون الأوَّل.
النَّحو الثَّاني: أن يكون نفس الخبر الأوَّل الواجد للمزيّة الموجبة لنظره للآخر واجداً أيضاً لما يجعله وارداً على الآخر، أو أقوى ظهوراً منه، أو واجداً لمرجِّح من مرجِّحات التَّعارض المستقرِّ.
النَّحو الثَّالث: أن يكون هناك ثلاثة أخبار: الخبر (أ) مثلاً حاكم على الخبر (جـ) هذا من جهة، ومن جهة أخرى الخبر (ب) وارد على الخبر (جـ) أو أقوى ظهوراً منه، أو واجدٌ لمرجِّح من مرجِّحات التَّعارض المستقرِّ بالقياس إلى (جـ) غير الواجد لها.
هذا مع كون الجهتين مرتبطتين بموردٍ واحدٍ، بحيث يدور الأمر بين هذا العلاج وبين ذاك العلاج الآخر، وأمَّا إذا كان كلٌّ منهما في موردٍ فلا يندرج في المقسم من دوران الأمر بين هذه الوجوه.
والكلام يقع في جانبين:
الجانب الأوَّل: في معقوليَّة اجتماع الحكومة مع الورود، أو الجمع العرفيّ، أو التَّعارض المستقرِّ في الأنحاء الثَّلاثة المذكورة آنفاً وعدم معقوليَّته.
ولا كلام في اجتماع الحكومة والجمع العرفيّ، وإنَّما الكلام في اجتماعها مع الورود ومع التَّعارض المستقرِّ.
أمَّا اجتماع الحكومة والورود التَّضييقيّين فإنَّه لا يعقل؛ لأنَّه في الحكومة ـ كما اتَّضح من قبل ـ يكون مدلول الحاكم متنافياً مع مدلول المحكوم، بخلافه في الورود، فإنَّه لا تنافي في المدلول بين الوارد والمورود؛ لأنَّ الدليل الوارد يتعرَّض لموضوع الدليل المورود بأن يُخرج فرداً منه، وأمَّا الدليل المورود فإنَّه لا يتعرَّض لموضوعه إثباتاً ولا نفياً؛ لكونه على نهج القضيَّة الحقيقيَّة التي عرفنا رجوعها إلى قضيَّة شرطيَّة مفادها ثبوت الجزاءعلى تقديرثبوت الشَّرط من غيرتعرُّض لإ ثبات الشَّرط أونفيه،فلايتَّحد الموضوع، ومن المعلوم أنَّ من شرائط التَّعارض وحدة الموضوع، فإذا فرضنا أنَّ أحد الدليلين حاكم فلا بدَّ أن يكون الآخر محكوماً؛ لأنَّهما من قبيل المتضايفين، وكذلك في طرف الورود، ومن ثَمَّ يكون هذان الدَّليلان متنافيين من جهة الحكومة دون جهة الورود، وهو محال.
فتحصّل: أنَّه لا يعقل اجتماع الحكومة والورود على سبيل النَّحوين الأوَّل والثَّاني. نعم، يبقى النَّحو الثَّالث وما كان على سبيل التَّوسعة من النَّحوين الأوَّل والثَّاني، حيث
لا يجري فيها البيان المذكور، فلا مانع من اجتماعهما.
وأمَّا اجتماع الحكومة والتَّعارض المستقرِّ فقد يقال: إنَّه لا يعقل اجتماعهما أيضاً؛ لأنَّه في التَّعارض المستقرِّ لا بدَّ من استقرار التَّنافي، وفي الحكومة يكون التَّنافي بدويّاً.
ولكن يرد عليه:
أوَّلاً: أنَّ هذا البحث يأتي بعينه في دوران الأمر بين الجمع العرفيّ والتَّعارض المستقرِّ، فما يقال هناك يقال هنا.
وثانياً: أنَّ حقيقة هذا الدَّوران هو أنَّ أدلّة اعتبار أحكام التَّعارض المستقرِّ ـ وهي مفاد الأخبار العلاجيَّة ـ ومقتضى القاعدة هل تعمُّ موارد الحكومة، أو أنَّ أدلّة اعتبار الحكومة تخرجها عن كونها من موارد التَّعارض المستقرِّ وتعدُّها أسبق رتبة منها؟
والبناء على اختصاص مفاد الأخبار العلاجيَّة ومقتضى القاعدة بموارد التَّعارض الـمستقـرِّ أوَّل الكـلام، والتَّـعبيـر عنـه بـ(المستقرِّ) بـحـسـب مـا يـأتـي في نـهـايـة المطــاف مـن نتيجته.
الجانب الآخر: في تكييف تأخُّر الحكومة عن الورود، وتقدُّمها على الجمع العرفيّ.
ولا خلاف في تأخُّر الحكومة عن الورود، وتقدُّمها على الجمع العرفيّ، والتَّعارض المستقرِّ، وإنَّما الكلام في توجيه ذلك وتخريجه.
أمَّا بالنِّسبة للحكومةوالورود فإنَّه:
(تارةً) لا مانع من جريانهما معاً، وذلك في حال اختلاف مصبِّهما.
و(أُخرى) قد لا تكون أهميَّة لتحديد أيٍّ منهما هو الَّذي يجري، كما لو كان كلاهما على نحو التَّضييق وفي مصبٍّ واحد.
(ثالثة) لا بدَّ من تحديد أيِّهما المتقدِّم رتبة كما في النَّحو الثَّالث فيما لو كان أحدهما على سبيل التَّضييق بالنِّسبة للدليل الثَّالث، والآخر على نحو التَّوسعة، وأحدهما يبطل العمل والآخر يصحِّحه.
والوجه في تقديم الورود على الحكومة هو أن يقال: إنَّ إخراج فرد من الطَّبيعيّ في الحكومة التضييقيَّة لمّا كان إخراجاً حكميَّاً اعتباريَّاً فإنَّه مبنيّ على بقاء الفرد تحت الطبيعيّ حقيقة وتكويناً، وإلَّا يكون الإخراج الاعتباريّ بنحو السَّالبة بانتفاء الموضوع، وهذا يعني أنَّه بجريان الورود لا يعقل جريان الحكومة، وبجريان الحكومة لا مانع من جريان الورود، فالورود جارٍ على كلِّ حالٍ، والحكومة جارية على تقدير عدم جريان الورود. ولمَّا كان الدَّليل الوارد متقدِّماً على الدَّليل المورود ـ والَّذي هو الدَّليل الثَّالث ـ دائماً وأبداً فلا معنى لجريان الحكومة، وهذا يعني تقدُّم الورود على الحكومة بنفس آليّة تقدُّم الوارد على المورود، والحاكم على المحكوم وفق رأي المحقِّق النَّائينيS.
وبعين هذا البيان نثبت تقدُّم الورود على الجمع العرفيّ من التَّخصيص والتَّقييد ونحوهما.
وأمّا بالنِّسبة لتقدُّم الحكومة على الجمع العرفيّ فقد أفاد السَّيِّد الشَّهيد S(١) أنَّ الحكومة تفسير مباشر من قبل شخص المتكلّم؛ لأنَّها بإعداد منه، في حين أنَّ الجمع العرفيّ على أساس جعل العرف وقراره، فيكون أُسلوباً عامَّاً. والتَّفسير المباشر من قبل شخص المتكلّم يكون أقرب إلى الواقع وأضمن، ومن هنا كانت الحكومة أقوى من الجمع العرفيّ، ومقدَّمة عليه.
وذكر S في تقرير بحثه الآخر(٢): أنَّ تقديم أقوى الظُّهورين ـ وهو الجمع العرفيّ ـ إنَّما هو على أساس نظامٍ عامٍّ لفهم المراد من الكلام عند العرف والعقلاء، وتقديم الحاكم على المحكوم يكون على أساس نظامٍ خاصٍّ فرضه المتكلّم لفهم مراده، وطبعاً النِّظام الخاصُّ الَّذي يفرضه المتكلّم لفهم مراده متقدِّم على النِّظام العامِّ.
وأمَّا بالنِّسبة لتقدُّم الحكومةعلى التَّعارض المستقرِّ فإنَّه يمكن أن يستدلّ له ـ على الإجمال ـ بنفس الوجوه التي تذكر لتقدُّم الجمع العرفي على التَّعارض المستقرِّ، من جهة أنَّ القرينيَّة في الحكومة لا تقلُّ عنها في الجمع العرفيّ، بل هي أوضح فيها كما عرفت. وعليه فكما لا يستقرُّ التَّعارض في موارد الجمع العرفيّ فإنَّه لا يستقرُّ في موارد الحكومة بطبيعة الحال.
ثُمَّ إنَّ بعض الإيرادات على جريان أحكام التَّعارض المستقرِّ في مورد الجمع العرفيّ لو تمَّت في موارد الجمع العرفيّ فإنَّه لا وجه لها في موارد الحكومة، كدعوى رادعيَّة الأخبار العلاجيَّة، كما لا يخفى.
بيان ذلك: أنَّ ما يحتجّ به على عدم جريان أحكام التَّعارض في موارد الجمع العرفيّ، ومن ثمَّ في موارد الحكومة وجهان:
الوجه الأوَّل: لا ريب أنَّ جري العقلاء على أنَّه إذا أمكن التَّوفيق بين كلمات المتكلّم وفق ما يرتضيه من أساليب ـ سواء جعلها هو لنفسه كما في الحكومة والأساليب الخاصَّة بزعماء الملل والسياسة والمجتمع، أو اتَّبع ما عليه العرف العامُّ ولو بارتكازه كما في الموارد الواضحة للجمع العرفيّ ـ فإنَّه لا يصحُّ التَّعدِّي عنه، والبناء على عدم وضوح مراده، واستقرار التَّنافي بين كلماته وإجراء أحكام التَّعارض عليها.
وهذا الوجه تامٌّ، وهو يجري في موارد الحكومة والجمع العرفيّ جميعاً.
الوجه الآخر(٣): طوائف من النّصوص تقتضي إعمال الجمع العرفيّ، وهي تعمُّ بإطلاقها موارد الحكومة، بل لا يبعد أن تكون الحكومة من أكمل مصاديقها.
الطَّائفة الأولى: الرِّوايات التي تحثُّ الشِّيعة على فهم مراد الأئمَّة i من الأجوبة المختلفة التي يلقونها حول موضوع واحد:
منها: معتبرة الأحول، عن أبي عبد الله g: (أنتم أفقه النَّاس ما عرفتم معاني كلامنا، إنَّ كلامنا لينصرف على سبعين وجهاً)(٤).
ومنها: ما في معاني الأخبار عن أبي عبد الله g: (حديث تدريه خير من ألفٍ ترويه، ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتَّى يعرف معاريض كلامنا، وإنَّ الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجهاً، لنا من جميعها المخرج)(٥).
ولا يخفى أنَّ من فقاهة الرَّجل ودرايته للحديث الالتفات إلى الجمع العرفيّ والحاكم والمحكوم، فلا يصير بمجرد التَّنافي إلى استقراره وإجراء أحكام التَّنافي المستقرِّ.
الطَّائفة الثَّانية: الرِّوايات الدالَّة على لزوم الأخذ بالمحكم وردِّ المتشابه إليه، كما ورد عن الإمام الرِّضا g قال: (من ردَّ متشابه القرآن إلى محكمه هُدي إلى صراط مستقيم). ثمَّ قال g: (إنَّ في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن، ومحكماً كمحكمالقرآن، فردُّوا متشابهها إلى محكمها، ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلُّوا)(٦).
قال السَّيِّد الشَّهيد S ما لفظه: (وليعلم أنَّ القرينة الشَّخصيَّة كما تتحقَّق في حالات الحكومة عن طريق نظر أحد الدَّليلين إلى الآخر كذلك قد تتحقَّق على أساس تعيين أحد الدليلين للقرينيَّة بموجب قرار شخصيٍّ عامٍّ من المتكلّم، كما إذا عيَّن الشَّارع المحكمات التي هي أُمّ الكتاب للقرينيَّة على المتشابهات وتحديد المراد النهائي منها)(٧).
وقد ذكر الشَّيخ الأنصاري S(٨) أنَّ المراد بالمتشابه هو الظَّاهر الَّذي أُريد خلافه، فيكون المراد من أحاديث إرجاع المتشابه إلى المحكم هو إرجاع الظَّاهر إلى النَّصِّ أو الأظهر، وهو يشمل موارد الحكومة؛ لأنَّ الدَّليل الحاكم يُبيِّن أنَّ المراد الجديّ من الدَّليل المحكوم على خلاف ظاهره، فيكون في هذه الحالة متشابهاً.
الطَّائفة الثَّالثة: الرِّوايات التي تحثُّ على معرفة الناسخ من المنسوخ، كمعتبرة منصوربن حازمعن أبي عبد الله g، قال:قلت: فأخبرنيعن أصحاب رسول الله e صدقوا على محمّد e أم كذبوا؟ قال: (صدقوا). قلت: فما بالهم اختلفوا؟ قال: (أمَا تعلم أنّ الرجل كان يأتي رسول الله e فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب، ثمَّ يجيئه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب، فنسخت الأحاديث بعضها بعضاً)(٩).
وشمول هذه الطائفة للحكومة بالنَّظر إلى أنَّ من الجائز ورود الدَّليل الحاكم على سبيل النسخ للدليل المحكوم، فيُبيِّن عدم كونه مراداً جديّاًَ بإطلاقه الأزمانيّ.
وقد يُضاف إلى ذلك أنَّ النَّسخ في كلمات الصَّحابة والتَّابعين ومَن بعدهم كان يراد منه ما هو أوسع من النَّسخ الاصطلاحيّ الَّذي يعني انتهاء أمد الحكم، وعليه فيشمل موارد الجمع العرفيّ والحكومة التَّضييقيَّة، قال السَّيِّد الخوئي S: (النَّسخ في الفقه:... وقد كثر استعماله في هذا المعنى في ألسنة الصَّحابة والتَّابعين، فكانوا يطلقون على المخصِّص والمقيِّد لفظ النَّاسخ)(١٠).
وذكر الشَّاطبي في الموافقات: (إنَّ الَّذي يظهر من كلام المتقدِّمين أنَّ النَّسخ في الإطلاق أعمُّ منه في كلام الأُصوليّين، فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخاً، وعلى تخصيص العموم بدليل متّصل أو منفصل نسخاً، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخاً، كما يطلقون على رفع الحكم الشَّرعيّ بدليل شرعيّ متأخِّر نسخاً)(١١).
وكما أشرنا من قبل إنَّ موارد الحكومة كانت في كلماتهم مندرجة تحت العامِّ والخاصِّ والمطلق والمقيَّد ونحوهما، وعليه لا يصحُّ بمجرَّد التَّنافي البناء على استقراره، بل لا بدَّ من التَّأمُّل والفحص عن الأدلّة المتنافية هل هي من قبيل المحكم والمتشابه، أو من قبيل النَّاسخ والمنسوخ، ومن ثُمَّ الحاكم والمحكوم فيحمل المحكوم على الحاكم، وعلى ضوئه يُحدَّد مراد المتكلم.
وقد يقابَل ذلك بإطلاق الأخبار العلاجيَّة للمتعارضين، وهما يصدقان على موارد الجمع العرفيّ وكذلك الحاكم والمحكوم، ولكنَّه ضعيف خاصَّة في شأن موارد الحكومة.
وفي المقام بعض الأخذ والرَّدِّ نوكله إلى محلِّه من مباحث الجمع العرفيّ.
الفصل الخامس
تقسيمات الحكومة
ذُكرت في كلمات الأعلام عدَّة تقسيمات للحكومة أعمّ من كونها تقسيمات أوَّليَّة أو ثانويَّة:
التَّقسيم الأوَّل: ما عن المحقِّق النَّائيني S(١٢)، حيث قسَّم الحكومة بحسب المتصرَّف فيه إلى قسمين:
القسم الأوَّل: أن يكون المتصرَّف فيه عقد الوضع من الدَّليل المحكوم، والمراد بعقد الوضع ما يعمُّ موضوع الحكم ومتعلّقه؛ ذلك أنَّ عقد الوضع يراد به ما يكون موضوعاً في المادّة القانونيَّة في مقابل عقد الحمل فيها والَّذي هو الحكم.
القسم الآخر: أن يكون المتصرَّف فيه عقد الحمل من الدَّليل المحكوم، ومثاله حكومة (لا ضرر) على إطلاقات أدلّة الأحكام الأوَّليَّة وعموماتها، بناءً على تفسيرهم للضرر المنفي في الحديث بـ(الحكم الضَّرريّ).
وأورد بعض الأعاظم F على هذا التَّقسيم بوجوه ثلاثة(١٣):
أوَّلها: أنَّ اعتبار القسم الثَّاني من قبيل الحكومة مبنيٌّ على ما هو المعروف من أنَّ ضابط الحكومة هو النَّظر إلى دليل آخر، لا على مختاره F من أنَّ ضابط الحكومة أن يكون لسان الدليل الحاكم لسان مسالمة وملاءمة مع الدليل المحكوم إن كان؛ حيث لا يشترط في الحكومة على مبناه F النَّظر إلى عامٍّ أو مطلقٍ.
ثانيها: أنَّ القسمة غير حاصرة، حيث سيأتي في أقسام الحكومة التَّنزيليَّة أنَّ المنظور إليه قد يكون معلولاً للحكم في الخارج كـ(لا حرج في الدِّين)، بناءً على أنَّ الحرج أثرُ الحكم وليس وصفاً له لكي يفيد نفي الحكم الحرجيّ، فلا يكون المتصرَّف فيه من قبيل عقد الحمل، ولا من قبيل عقد الوضع في المادَّة القانونيَّة.
ثالثها: ليس هناك معيارٌ محدّد لوقوع الشَّيء موضوعاً أو محمولاً في مختلف القضايا، فقد يكون الشَّيء الواحد كالحجِّ ـ مثلاً ـ موضوعاً في قضية مثل: (الحجُّ واجب على المستطيع)، ولا يقع موضوعاً في قضية أُخرى مثل: (إن استطعت وجب الحجُّ).
ويمكن الجواب:
أمَّا الإيراد الأوَّل فقد تقدَّم الكلام فيه في الحلقة الأُولى.
وأمَّا الإيراد الثَّاني ـ من عدم حاصريَّة القسمة ـ فإنَّه يحتمل(١٤) أنّ المحقِّق النَّائيني S لا يريد أنَّ مصبَّ التَّعرُّض والتَّصرُّف المباشر عقد الوضع أو عقد الحمل، بدليل أنَّه اعتبر الأمارات حاكمةً على الأُصول العمليَّة الشَّرعيَّة، مع أنَّه ليس هناك تصرُّف مباشر في موضوع الأُصول العمليَّة، بناءً على مبناه في حجيَّة الأمارات من جعل الطَّريقيَّة على سبيل الاعتبار المتأصِّل ـ كما مضت الإشارة إليه ـ، فالتَّصرُّف في الموضوع يعمُّ ما ينتهي إلى الموضوع. ويمكن أن نقول مثله في جانب الحكم من أنَّه الحكم أو ما يكون مسبَّباً عنه.
وأمَّا بالنِّسبة للإيراد الثَّالث فيحتمل أنَّ المقصود من عقد الحمل ليس ما يكون محمولاً في نصِّ الدَّليل، وإنَّما الحكم في القضيَّة الإنشائيّة، وهو عادة المحمول في المادَّة القانونيَّة ـ التي هي مفاد الدَّليل لا نصَّ الدَّليل ـ لتأخُّره رتبة عن الموضوع والمتعلَّق.
وبهذا تتّضح حدود المقصود من عقد الوضع وعقد الحمل.
هذا، وقد ذكر المحقِّق النائيني S هذا التَّقسيم في قاعدة لا ضرر(١٥) بنحو آخر حيث أفاد: أنَّ الحكومة على أقسام:
منها: ما يتعرَّض لموضوع المحكوم، كما لو قيل: (زيد ليس بعالم)، بعد قوله: (أكرم العلماء).
ومنها: ما يتعرَّض لمتعلَّق الحكم الثَّابت في المحكوم، كما لو قيل: (إنَّ الإكرام ليس بالضِّيافة).
ومنها: ما يتعرَّض لنفس الحكم، كما لو قيل: (إنَّ وجوب الإكرام ليس في مورد زيد).
ومن الواضح أنَّ الإيراد الثَّالث المذكور لا يرد على هذا البيان.
التَّقسيم الثَّاني: ما عن المحقِّق النَّائيني S(١٦) أيضاً من أنَّ التَّصرُّف في عقد الوضع ـ المتمثِّل بالقسم الأوَّل من التَّقسيم الأوَّل ـ على قسمين:
القسم الأوَّل: ما يكون التَّصرُّف فيه لا على سبيل إعدام الموضوع في عالم التَّشريع، وإنَّما بتوسعة دائرته أو تضييقه، وذلك بإدخال ما يكون خارجاً عنه، أو بإخراج ما يكون داخلاً فيه، كما لو قيل: (المتّقي عالم)، أو (العالم الفاسق ليس بعالم) عقيب قوله: (أكرم العلماء).
القسم الآخر: ما يكون فيه التَّصرُّف المذكور على سبيل إعدام الموضوع في عالم التَّشريع معبقائه فيعالم التكوين، كحكومةالأمارات مطلقاًعلى الأُصولالشرعيَّة، بناءًعلى رأيه S من أنَّ المجعول في باب الأمارات هو تتميم الكشف، لا على سبيل التنزيل، وإنَّما على نحو الاعتبار المتأصِّل.
وقد أفاد بعض الأعاظم F (١٧): أنَّ هذا التَّقسيم بلحاظ المراد الاستعماليِّ للدليل الحاكم، فإنَّه في القسم الأوَّل يكون على سبيل الاعتبار الأدبيِّ التَّنزيليِّ، وفي القسم الثَّاني على سبيل الاعتبار المتأصِّل القانونيِّ، وأمَّا المراد التَّفهيميّ ففي كليهما واحد، وهو ثبوت الحكم أو نفيه، ثمَّ تأمَّل F في اعتبار القسم الثَّاني من الحكومة.
وهنا أمران:
الأمر الأوّل: أشرنا فيما سبق أنَّ سيّدنا الأستاذ A بنى على أنَّ التَّنزيل ينقسم إلى تنزيلٍ أدبيٍّ، وآخر قانونيٍّ، ولذا يناسب أن يجعل القسم الأوَّل في التَّنزيل من دون أن يقيَّد بالأدبيِّ حتّى يشمل كلا قسمي التَّنزيل. ومنه ينشأ تقسيم جديد للحكومة التَّنزيليَّة، وهو أنَّ التنزيل فيها: إمَّا على سبيل التنزيل الأدبيِّ، أو على سبيل التَّنزيل القانونيِّ.
ثمَّ إنَّه لمّا كان التَّنزيل في التَّنزيل القانونيِّ دخيلاً في المراد التَّفهيميِّ فإنَّه لا بدَّ أن يكون ملاك التَّقسيم أعمَّ من المراد الاستعماليِّ والمراد التَّفهيميِّ.
الأمر الآخر: أنَّه لا بدَّ في صحَّة التَّقسيم من إثبات وجود الأقسام، والقسم الأوَّل لا خلاف في ثبوته؛ إذ إنَّ أغلب موارد الحكومة من قبيل الحكومة التَّنزيليَّة هذه، وإنَّما الخلاف في القسم الآخر حيث ـ كما ذكرنا ـ تأمَّل فيه بعض الأعاظم F، وكذلك السَّيِّد الشَّهيد S(١٨)؛ حيث اعتبر هذا التَّقسيم من قبيل الورود لا الحكومة. وتحقيق الحال فيه نوكله إلى محلّ آخر.
التَّقسيم الثَّالث: تقسيم الحكومة إلى واقعيَّة وظاهريَّة.
باعتبار أنَّ المتصرَّف فيه (تارةً) هو الحكم الواقعيُّ، و(أُخرى) الحكم الظاهريُّ. وقد اختُلف في ميزان هذا التَّقسيم وصحَّته، ومن ثَمَّ نوقع الحديث في جانبين:
الجانب الأوَّل: في ميزان هذا التَّقسيم، بمعنى القيود التي تؤدِّي إلى أنَّ الحاكم بحكومته يتصرَّف في الحكم الواقعيّ.
وهناك تقريبان في ما نحن فيه:
التَّقريب الأوَّل: ما ذكره المحقِّق النَّائيني S من أنَّ ميزان الحكومة الواقعيَّة مؤلَّف من شقّين: ثبوتيٍّ وإثباتيٍّ(١٩):
أمَّا الشّقُّ الثبوتيّ فبأن يكون الحكم المذكور في الدَّليل الحاكم مجعولاً في عرض الحكم المدلول عليه بالدَّليل المحكوم، فمثلاً في التَّخصيص ـ والَّذي هو عين الحكومة ثبوتاً ـ يُجعل حكم الخاصِّ في عرض جعل حكم العامِّ من دون أن يكون بين الجعلين طوليَّة وترتُّب، وعندئذٍ تكون دائرة تصرُّف الحكم المفاد بالدَّليل الحاكم هي نفس دائرة الحكم في الدَّليل المحكوم فيوجب توسعته أو تضييقه.
وهذا بخلاف ما لو كان المجعول في الدَّليل الحاكم في رتبة متأخِّرة عن المجعول في المحكوم، فإنَّ تصرُّفه سيكون في تلك الرُّتبة المتأخِّرة عن المجعول لا نفس المجعول.
والحالة الأولى إنَّما تكون بين الأحكام الواقعيَّة، وأمَّا بين الأحكام الظاهريَّة والواقعيَّة فمن الواضح اختلاف الرُّتبة بين جعليهما، حيث يكون المجعول الظاهريُّ في طول المجعول الواقعيِّ؛ لأنَّه يجعل في رتبة الشَّكِّ في المجعول الواقعيِّ.
وأمَّا الشّقُّ الإثباتيّفبأن لا يؤخذ الشَّكُّ في المحكوم ـ والَّذي هو الحكم الواقعيُّ ـ في موضوع الدليل الحاكم، فإنَّه إذا كان دليل الحكم الظاهريِّ حاكماً على دليل الحكم الواقعيِّ ـ ولا يكون حاكماً إلَّا في حال الشَّكِّ في الحكم الواقعيِّ ـ فإنَّ تصرُّفه يكون في مرتبة الشَّكِّ هذا، لا في مرتبة الواقع المشكوك.
التَّقريب الآخر: ما ذكره المحقِّق الشيخ حسين الحلِّي S(٢٠) من أنَّ الحكومة الواقعيَّة إنَّما تحصل في حال تحقُّق أمرين:
أحدهما: أن يكون ما يتضمَّنه الدَّليل الحاكم حكماً واقعيَّاً، وأمَّا إذا كان حكماً ظاهريَّاً فإنَّ الحكومة ستكون ظاهريَّة سواء كان الدَّليل المحكوم واقعيَّاً أم ظاهريَّاً.
والآخر: أن لا يؤخذ الشَّكُّ في المحكوم في موضوع الدَّليل الحاكم، وهو عين الشّقِّ الإثباتيِّ المذكور آنفاً.
وأمَّا الاتّحاد الرُّتبيّ بين المجعولين ثبوتاً فلا يعتبره S في الحكومة الواقعيَّة، بل يعتبر بديله ـ كأمرٍ ثالثٍ ـ وهو تأخُّر جعل الحاكم عن المحكوم مرتبة؛ باعتبار كون الحكم في الدَّليل الحاكم متفرِّعاً عن أصل الحكم في المحكوم، ففي حكومة (لا شكَّ لكثير الشَّكِّ) على (متى شككت فابنِ على الأكثر) إذا لم يكن حكم الشَّكِّ هو البناء على الأكثر لم يتوجَّه نفي الشَّكِّ عن كثير الشَّكِّ بمعنى نفي حكمه عنه.
وفي كلام العلمين T أمران:
الأمر الأوَّل: أنَّ بين العلمين اختلافاً في كيفيَّة التَّشريع ثبوتاً فيما إذا كانت النِّسبة بين الحكمين العمومالمطلق سواء أكانبلسان التَّخصيصأم الحكومة.
فالمحقِّق النَّائيني S يرى أنَّه لا طوليَّة بين الجعلين، وإنَّما يوضع الموضوع الخاصّ إلى جنب الموضوع العامِّ المقيَّد بغير الخاصّ، ويُجعل حكمٌ لهذا وحكمٌ لذاك، فمثلاً قوله: (لا شكّ لكثير الشَّكِّ) يكون حاكماً على قوله: (متى شككت فخذ بالأكثر) إثباتاً، ومخصِّصاً له ثبوتاً، ففي المثال المذكور يكون عنوان (كثير الشَّكِّ) إلى جانب عنوان (غير كثير الشَّكِّ)، ويجعل حكم هذا وحكم ذاك.
في حينأنَّ المحقِّقالشَّيخ حسينالحلِّي S يرى أنَّهلو لميكن حكمالشَّكِّ ـ وهو البناء علىالأكثر ـمجعولاً فيالرُّتبة السَّابقةلم يتوجَّهنفي حكمالشَّكِّ هذاعن كثير الشَّكِّ.
ويبدو أنَّ الصَّحيح ما عليه المحقِّق النَّائينيّ S؛ لأنَّه في مقام الجعل يفترض أن يكون موضوع الحكم منقّحاً في الرُّتبة السَّابقة على الجعل، وفي هذه الرُّتبة يصنِّف المقنِّنُ الشَّاكَّ إلى (كثير الشَّكِّ) و(غير كثير الشَّكِّ)، ويجعل لكلٍّ من الصِّنفين حكمه ولو كان أحد الصِّنفين حكمه عدم حكم الصِّنف الآخر، وإلَّا لغى التَّصنيف، لا أنَّه يجعل الحكم على الموضوع العامِّ من دون تصنيف،ثمَّ يستثنى منهالخاصُّ،ويحتاج هذا الأمر إلى مزيد تحقيق. وسيأتي في الأمرالآخر أنَّ هذا الاختلاف لا يغيِّرمن واقع المسألة المبحوث عنها.
الأمر الآخر: في تحديد المقصود من الاتّحاد والاختلاف الرُّتبيِّ بين الجعلين عند المحقِّق النَّائيني S في الشّقِّ الثبوتيِّ.
وظاهر كلامه Sهو أنَّ الاتّحاد الرُّتبيّ بين الجعلين وكونهما في عرض واحد هو أن لا يكون أحد الجعلين مأخوذاً في موضوع الجعل الآخر. وأمَّا إذا أُخذ فإنَّهما يختلفان في مرتبة الجعل؛ حيث إنَّ الجعل الآخر هذا لا يحصل إلَّا بعد تحقُّق الجعل الأوَّل.
ولكنَّ المحقِّق الشيَّخ حسين الحلِّي S فَهمَ من الاتّحاد والاختلاف الرُّتبيِّ غير ما ذُكر ـ كما أوضحناه ـ، ولذا أنكر تأثيره في الحكومة الواقعيَّة، ومن الغريب أنَّ الشّقَّ الإثباتيّ الَّذي قَبِلَه المحقِّق المذكور إنَّما يحكي الشّقَّ الثَّبوتيّ في بيان المحقِّق النَّائينيّ S.
الجانب الآخر: في صحَّة هذا التَّقسيم.
لم يرتضِ بعض الأكابر S التَّقسيم المذكور، فقال: (وأمَّا تقسيم الحكومة بالظاهريَّة والواقعيَّة ـ كما صنعه بعض أعاظم العصر ـ فممَّا لا ملاك له كما لا يخفى؛ لأنَّ تقديم دليل على دليل آخر إذا كان على نحو الحكومة وتحت الضَّابط المتقدِّم فلا يكون مختلفاً حتَّى يكون التَّقسيم صحيحاً، واختلاف النَّتيجة لا يصحِّح التَّقسيم، فتقدُّم (لا شكَّ لكثير الشَّكِّ) على أدلّة الشُّكوك كتقدُّم (لا تنقض...) على أدلّة الأُصول ـ إلى أن قال ـ وبالجملة: لا يكون نحو تقدُّم الأدلّة الحاكمة في الأحكام الواقعيَّة مخالفاً لنحو تقدُّم الأدلّة الحاكمة في الأحكام الظاهريَّة حتَّى يصحّ التَّقسيم)(٢١).
وانقدح بما تقدَّم في الجانب الأوَّل ضعف ما ذُكر؛ لاختلاف الأثر والثَّمرة بين القسمين كما هو معلوم في بحث الإجزاء. مضافاً إلى اختلاف نحو التَّصرُّف من أنَّه في الأدلّة الواقعيَّة يكون على نحو التَّوسعة والتَّضييق، وأمَّا في الأدلّة الظاهريَّة فقد يكون على نحو التَّوسعة والتَّضييق، وقد يكون بإعدام الموضوع كليَّاً في عالم التَّشريع.
التَّقسيم الرَّابع(٢٢): تقسيم الحكومة إلى الحكومة على سبيل التَّوسعة والحكومة على سبيل التَّضييق، باعتبار نحو تصرُّف الدَّليل الحاكم من أنَّه: إمَّا يوجب توسعةً في الدليل المحكوم، أو تضييقاً فيه.
القسم الأوّل: الحكومة على سبيل التَّوسعة.
وهي تحصل في أغلب الدَّوالّ على النَّظر وفي جميع أقسام الحكومة السَّابقة حتَّى في الحكومة بملاك النَّظر إلى عقد الحمل، حيث يمكن للمقنّن أن يقول: (إنَّ وجوب الإكرام في "أكرم العلماء" ثابت للمتَّقي غير العالم).
وهي ثبوتاً بمعنى واحد في جميع الأقسام، وهو أنَّ الدَّليل الحاكم يثبت حكماً جديداً مسانخاً للحكم الَّذي يتضمَّنه الدَّليل المحكوم للأفراد الجديدة كالمتَّقي غير العالم في المثال المذكور.
وإنَّما تختلف إثباتاً وبحسب اللسان، ففي:
الحكومة التَّنزيليَّة ـ وهي لا تحصل إلَّا في موضوع الحكم دون نفس الحكم ـ يكون إثبات الحكم الجديد هذا بلسان إثبات موضوعه، فلسان الدَّليل الحاكم ليس هو إثبات حكمٍ إضافيٍّ إلى جنب الحكم الَّذي يتضمَّنه الدليل المحكوم، وإنَّما هو مبيِّن لبعض أفراد موضوعه تنزيلاً وادِّعاءً، فيكون شمول الحكم الَّذي يتضمَّن الدَّليل لتلك الأفراد قهريَّاً من باب ثبوت الحكم بثبوت موضوعه.
وفي الحكومة على سبيل الاعتبار المتأصِّل ـ بقطع النَّظر عن تماميَّة المبنى ـ أيضاً يتأتّى إثبات الحكم الجديد على هذا السَّبيل، كما في حكومة أدلّة حجّيَّة الأمارات ـ بناءً على أنَّ مفادها هو جعل العلميَّة للأمارات على سبيل الاعتبار المتأصِّل ـ على أدلّة جواز الإخبار عمَّا يعلم؛ إذ توسِّعها إلى ما يعلم وجداناً وما يعلم قانوناً.
القسم الآخر: الحكومة على سبيل التَّضييق.
وهي كقسيمها تحصل في أغلب الدَّوالّ على النَّظر، وفي جميع أقسام الحكومة.
وهي ثبوتاً عين التَّخصيص والتَّقييد بلا أدنى فرق(٢٣)، فالدليل الحاكم مخصِّص للدليل المحكوم، ومبيِّن أنَّ المراد الاستعماليّ فيه أوسع دائرة من المراد الجديِّ.
وأمَّا إثباتاً ففي الحكومة التَّنزيليَّة يكون نفي الحكم بلسان نفي موضوعه، فلسان الدَّليل الحاكم مبيِّن لكميَّة موضوع الدليل المحكوم، وأنَّ بعض أفراده التَّكوينيَّة ـ وهي التي يتضمَّنها الدَّليل الحاكم ـ ليست من أفراده تنزيلاً وادِّعاءً، فينتفي الحكم عن تلك الأفراد قهراً من جهة انتفاء موضوعه.
وأمَّا الحكومة على سبيل الاعتبار المتأصِّل فهي كحكومة الأمارات ـ على مبنى المحقِّق النَّائيني S ـ على الأُصول العمليَّة الشَّرعيَّة كما مضى بيانه.
وهناك تقسيمات أُخر نكتفي بالإشارة إليها:
منها: ما أفاده بعض الأعاظم F(٢٤) حيث ذكر مفصَّلاً أقسام الحكومة التَّنزيليَّة ومواردها، واختلاف مؤدَّى الدَّليل الحاكم بحسبها.
ومنها: تقسيم الحكومة التَّنزيليَّة إلى ما يكون التَّنزيل فيها إمَّا على سبيل التَّنزيل الأدبيِّ، أو على سبيل التَّنزيل القانونيِّ، وتتوقّف صحَّة هذا التَّقسيم على إثبات التَّنزيل القانونيِّ(٢٥).
ومنها: تقسيم الحكومة بحسب الدَّوالّ على النَّظر كما أفاده السَّيِّد الشَّهيد S(٢٦).
الخاتمة
في شؤون الحكومة وأحكامها
من خلال مقارنتها مع شبيهيها من الجمع العرفيّ والورود
والحديث يقع في جهتين:
الجهة الأولى: في الحكومة والجمع العرفيّ من التَّخصيص والتَّقييد ونحوهما.
ونتكلم (تارة) في ذاتيهما، و(أُخرى) في أحكامهما.
أمَّا من حيث ذاتيهما فالحكومة التَّضييقيَّة خاصَّة من قبيل الجمع العرفيّ ثبوتاً على وجه التَّخصيص والتَّقييد، ففيما إذا كانت النِّسبة بين الحاكم والمحكوم هي العموم والخصوص المطلق، فإنَّ الدَّليل الحاكم يكشف عن أنَّ المراد الاستعماليّ للدليل المحكوم ـ وهو العموم ــ غير مراد جدّاً، ولذا يكون أوسع من المراد الجدّيّ.
وإنَّما يختلفان إثباتاً وبحسب اللسان، فالحكومة بالقياس إلى الجمع العرفيّ تمتاز بخصوصيّتين:
أولاهما: خصوصيَّة النَّظر، وهي متحقِّقة في جميع أقسام الحكومة.
والأخرى: خصوصيَّة مسالمة الدَّليل الحاكم للدليل المحكوم من جهة أنَّ الحاكم إنَّما ينفي الحكم بنفي موضوعه لا مباشرة وبلسان المعارضة كما في الجمع العرفيّ، وهذه الخصوصيّة متحقِّقة في الحكومة التَّنزيليَّة بملاك النَّظر إلى عقد الوضع في الدَّليل المحكوم، دون الحكومة بملاك النَّظر إلى عقد الحمل.
هذا بالنِّسبة إلى ما يتعلَّق بالحكومة والجمع العرفيّ من حيث ذاتيهما.
وأمَّا من حيث أحكامهما فهل أنَّ الأحكام الثَّابتة للتخصيص والجمع العرفيّ تثبت بعينها للحكومة، أو أنَّهما يفترقان فيها؟
ومهمُّ هذه الأحكام هي:
١. (الحكم الأوَّل) في التَّخصيص.
إنَّ دائرة تأثير المخصِّص المتّصل، بل أيّ قرينة، هو ظهور العامّ، ودائرة تأثير المخصِّص المنفصل هي حجيَّة ذاك الظهور، ولا شكَّ في أنَّ الحاكم المتَّصل رافعٌ للظهور أيضاً، وإنَّما يقع الكلام في الحاكم المنفصل، فهل هو بحكم المخصِّص المنفصل أو لا؟
وقد اختلف الأعلام في ثبوت هذا الحكم في موارد الحكومة وعدمه، وفي وجه الثُّبوت على تقديره.
فقد ذهب المجدِّد الشِّيرازيّ S(٢٧) إلى أنَّ الحكم المذكور غير ثابت لموارد الحكومة؛ وذلك لأنَّ ميزان الحكومة عنده هو أن يكون الحاكم أوَّلاً وبالذات مفسِّراً للمراد من المحكوم عليه، والمقصود من كونه مفسِّراً له أوَّلاً وبالذات أن يكون كالقرائن المتَّصلة من حيث كونه موجباً لظهور المحكوم عليه في اختصاص الحكم الَّذي تضمَّنه بغير مورد الحاكم ابتداءً.
وفرَّع على ذلك ثمرتين:
إحداهما: أنَّه لا تعارض بين الحاكم والمحكوم في حال انفصالهما بخلاف المخصِّص المنفصل بالنّسبة إلى العامِّ.
ووجهه: أنَّ المخصِّص المنفصل لا يوجب ظهور العامِّ في اختصاص حكمه بغير مورد التَّخصيص، بل العامّ مع وجود المخصِّص المنفصل ظاهر في تعميم الحكم بالنِّسبة إلى مورد المخصِّص، ومن ثَمَّ يكونان متعارضين.
نعم، يقدَّم الخاصُّ لترجيح ظهوره على العامِّ، وهذا بخلاف الحاكم والمحكوم؛ فإنَّ المحكوم ـ العامّ ـ لا ظهور له في عموم حكمه بالنِّسبة إلى مورد الحاكم، بل ظاهر في اختصاصه بغير ذلك المورد، فلا معارضة في البين(٢٨).
أُخراهما: أنَّ الحاكم المنفصل يقدَّم على المحكوم حتَّى وإن كان من أضعف الظُّهورات بخلاف الظَّاهرين؛ فإنَّ تقديم أحدهما على الآخر منوطٌ بكون ظهوره أقوى من ظهور الآخر.
هذا، والمحقِّق العراقيّ S(٢٩) لم يرتضِ مساوقة الحكومة والتَّخصيص في الحكم المذكور، حيث يرى أنَّ الحاكم لمكان تكفُّله شرح مدلول المحكوم يكون بمنزلة القرينة المتَّصلة.
وفرَّع عليه: أنَّه لا يخرج سند المحكوم عن الاعتبار حتَّى في حال اقتضاء الحاكم طرح ظهوره تماماً، بحيث لا يبقى تحت ظهوره شيء من مدلوله؛ لأنَّ طرحه هذا عين شرحه وبيان المراد منه، ومن ثَمَّ ينتهي إلى العمل به، لكن بتوسُّط شارحيَّة الحاكم هذه. وهذا بخلاف موارد الجمع العرفيّ حيث إنَّ طرح ظهور الدليل بالمرَّة يفضي إلى خروج سنده عن الاعتبار؛ لأنَّ التَّعبُّد بالسَّند حكم ظاهريٌّ يعتبر في مصحِّح جعله ترتُّب أثرٍ عمليٍّ عليه ـ وهو العمل به ـ وهو لا يتيسَّر مع طرحه، فيكون كالمجمل المعلوم عدم التَّعبُّد بسنده.
وفي المقابل ذهب السَّيِّد الشَّهيد S(٣٠)، وبعض الأعاظم F (٣١) إلى ثبوت الحكم المذكور في موارد الحكومة، واستدلّ السَّيِّد الشَّهيد S لذلك بأنَّ الحاكم في نهاية المطاف قرينة، وكونها شخصيَّة لا يغيِّر في المقام شيئاً، فيكون حكمه حكمها من الجهة المبحوث عنها بلا أدنى فرق.
وأمَّا بعض الأعاظم F فقد ذكر ضابطاً عامَّاً يجري أيضاً في الأحكام القادمة.
وتوضيحه: أنَّه بعد أن عرفنا أنّ الحكومة عين التَّخصيص ثبوتاً وغيره إثباتاً ـ من جهة أنَّ لسانها لسان المسالمة لا لسان المعارضة كما هو في التَّخصيص ـ، فإنَّ أحكام التَّخصيص بعضها منوط بخصوصيَّة مقام إثباته، وبعضها منوط بخصوصيَّة مقام ثبوته، فما يكون منوطاً بمقام ثبوته يثبت للحكومة لوحدة المناط، وما يكون منوطاً بمقام إثباته لا يسري إلى الحكومة لاختلاف المناط.
والصَّحيح سريان الحكم المذكور إلى موارد الحكومة، وأنَّ التَّفسير والنَّظر إنَّما يوجب التَّقديم الخاصَّ ـ كما سيأتي في طيِّ هذه الأحكام ـ، ولا يوجب صيرورة الحاكم المنفصل بمثابة القرينة المتَّصلة، بل حاله حال سائر القرائن كما أفاد السَّيِّد الشَّهيد S. هذا أوَّلاً.
وثانياً: لا يكون هذا الحكم منوطاً بمقام الإثبات ونوع القرينة من أنَّها متَّصلة أو منفصلة على ما أفاده بعض الأعاظم F، وإنَّما منوط بمقام الثُّبوت؛ لأنَّ تصرُّف أحد الدَّليلين في مدلول الآخر فرع معارضتهما، وهي ثبوتيَّة لا إثباتيَّة كما مضى، ومن ثَمَّ لا يتمُّ جواب السَّيِّد الشَّهيد S وإن كان صحيحاً في نفسه.
هذا بالنسبة إلى أصل هذا الحكم.
وأمَّا ما فرَّعه المجدِّد الشِّيرازيS فيُلاحظ عليه:
أوَّلاً: إنَّه ينبغي أن يريد من القرائن المتَّصلة ما يكون من قبيل التَّقييد، مثل: (أكرم العالم العادل)، أو الاستثناء مثل: (أكرم العالم إلَّا الفساق)؛ لأنَّه في مثل: (أكرم العالم ولا تكرم العالم الفاسق)، أو (ولا تكرم الفاسق) مع كونه متَّصلاً إلَّا أنَّه يقع تعارضٌ فيه كما في المنفصل تماماً.
وثانياً: إنَّ الحاكم ولو كان من أضعف الظُّهورات يتقدَّم على المحكوم، ولكنَّ هذا لأجل النَّظر والتَّفسير، لا لكونه بمثابة قرينة متَّصلة كما سيأتي.
وأمَّا ما فرَّعه المحقِّق العراقي S ـ من أنَّه إذا طرح مدلول المحكوم بالمرَّة لا يسقط سنده عن الاعتبار بخلافه في موارد الجمع العرفيّ ـ فيلاحظ عليه:
أنَّه على تقدير تماميَّة ما قيل في الحكومة فهو يثبت أيضاً في موارد الجمع العرفيّ على ما أفاده بعض الأعاظم F؛ لكونه منوطاً بمقام ثبوتها لا إثباتها.
٢. (الحكم الثَّاني) في إجمال المخصِّص.
والمعروف بين الأعلام التَّفريق بين المخصِّص المتَّصل والمخصِّص المنفصل، وكذلك يفرِّقون بين ما إذا كان نحو الإجمال دائراً بين الأقلِّ والأكثر أو المتباينين، فهل الموقف في موارد الحكومة عينه في موارد التَّخصيص، أو أنَّهما يفترقان في ذلك؟
ذهب المحقِّق العراقي S(٣٢) إلى أنَّ الحاكم المنفصل حكمه حكم المخصِّص المتَّصل؛ لعين ما ذكره في الحكم الأوَّل، ويناسب ذلك أيضاً كلام المجدِّد الشِّيرازي S.
وفي المقابل ذهب السَّيِّد الشَّهيد S وبعض الأعاظم F إلى مساوقة الحكومة والتَّخصيص في الحكم المذكور؛ لعين ما أفاده في الحكم الأوَّل، والكلام هو الكلام.
٣. (الحكم الثَّالث) في ميزان القرينيَّة في الجمع العرفيّ.
وهو يدور مدار أمرين:
الأوَّل: الأقوائيَّة في الظُّهور، فلا يُقدَّم الأضعف ظهوراً على الأقوى ظهوراً.
الآخر: بعض المزايا الدِّلاليَّة التي يستفاد منها في التَّوفيق بين العامَّين من وجه. وهذا إذا لم ترجع هذه المزايا إلى الأقوائيَّة في الظُّهور، كما هو أحد الاحتمالين فيها.
وكلا الميزانين في كثير من الأحيان يتوقَّفان على ملاحظة النِّسبة بين الدَّليلين المتعارضين.
وتوضيح ذلك: أنَّ النِّسبة بين الدَّليلين المتعارضين: إمَّا التباين، أو العموم المطلق، أو العموم من وجه.
فإذا كانت من قبيل الأوَّل فلا مورد للجمع العرفيّ بالتَّخصيص وأمَّا غيره فلا، كما في حمل الدَّليل الظَّاهر في الإلزام على الاستحباب بقرينة ما دلَّ على التَّرخيص.
وإذا كانت على سبيل العموم المطلق فإنَّه عادةً يُقدَّم الخاصُّ على العامِّ: إمَّا لأنَّ الخاصَّ عند العقلاء يمثِّل قرينةً نوعيَّةً للتصرُّف في العامِّ وإن لم يفضِ إلى الأقوائيَّة كما عليه المحقِّق النَّائيني والسَّيِّد الشَّهيد T وآخرون. وإمَّا لأنَّ الخاصَّ أقوى ظهوراً من العامِّ؛ لتمركز ظهوره في مورده، بخلاف العامِّ، أو لأضعفيَّة العامِّ من جهة كثرة التَّخصيصات حتَّى قيل ما من عامٍّ إلَّا وقد خُصَّ.
وأمَّا إذا كانت النِّسبة بين المتعارضين العموم من وجه فإنَّه يأتي دور الميزان الثَّاني السَّالف الذِّكر، ويكون لملاحظة النِّسبة دور في التَّقديم، كما إذا لزم من تقديم أحد العامَّين على الآخر في مورد الاجتماع التَّخصيص المستهجن، كأنْ لا يبقى للعامِّ الآخر مورد أصلاً، أو يحمل على الفرد النَّادر، فإنَّه في مثل هذه الحالة يُقدَّم العامُّ الآخر في مورد الاجتماع، وكذلك إذا لزم من تقديم أحد العامَّين سقوط العنوان المأخوذ في العامِّ الآخر عن الموضوعيَّة بالمرَّة دون العكس، فإنَّه يُقدَّم الآخر في مورد الاجتماع أيضاً.
هذا كلُّه في الجمع العرفيّ.
وأمَّا في الحكومة فقد عرفنا أنَّ ميزان القرينيَّة فيها لا يتوقَّف على الأقوائيَّة في الظُّهور وإنَّما يُقدَّم الحاكم وإن كان من أضعف الظُّهورات على المحكوم وإن كان من أقوى الظُّهورات حتَّى لو كان المحكوم عامَّاً يأبى التَّخصيص لمكان قوَّة لسانه(٣٣)، كما قيل به في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾(٣٤)، وقوله g: (ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشَّكِّ أبداً)(٣٥)؛ وذلك لأنَّ لسان الحاكم مسالم مع العامِّ المذكور حيث ينفي حكمه عن مورد الخاصِّ بلسان نفي كونه ـ أي الخاصِّ ـ من أفراد ذلك العامِّ، وهذا بخلاف التَّخصيص حيث إنَّه أُسلوبٌ معارضٌ مع العامِّ، فيكون في مقام كسر قوَّة لسانه، والمفروض أنَّ لسانه ممَّا لا يقبل الكسر.
وعليه فهل الموقف عينه في الحكومة بالنِّسبة للمزايا المذكورة في العامّين من وجه، ومن ثَمَّ ملاحظة النِّسبة أم لا؟ قولان:
القول الأوَّل: ما أفاده بعض الأعاظم F (٣٦) من أنَّ بعض تلك المزايا ـ كاللَّتين ذكرناهما آنفاً ـ تأتي في الحكومة، وتحول دون تقديم الحاكم على المحكوم، ومن ثَمَّ يجب ملاحظة النِّسبة بينهما مقدِّمةً لتلك المزايا كما اتَّضح ممَّا ذكرناه.
القول الآخر: ما عليه المحقِّق النَّائيني والسَّيِّد الشَّهيد(٣٧) T من أنَّه لا حاجة لملاحظة النِّسبة بين الحاكم والمحكوم. نعم، اختلف العلمان T في وجه عدم الملاحظة، فذهب المحقِّق النَّائيني S إلى أنَّ عدم المعارضة بين الحاكم والمحكوم هو السَّبب في عدم ملاحظة النِّسبة، وأمَّا السَّيِّد الشَّهيد S فلمكان النَّظر والمصادرة العقلائيَّة التي ذكرناها في الفصل الثَّالث.
ولعلَّه يمكن أن يقال: إنَّ لازم ذلك بناء العلمين T على عدم جريان المزايا المذكورة في الحكومة، وإن كان يضعفه احتمال أنَّ العلمين T ناظران إلى ملاحظة النِّسبة الدَّخيلة في قوَّة الظُّهور لا مطلقاً.
والصَّحيح ما أفاده بعض الأعاظم F ؛ وذلك لأنَّ مزايا الحكومة مقارنة بالجمع العرفيّ ليس إلَّا النَّظر والتَّفسير ولسان المسالمة، وهذه المزايا تعرَّفنا على آثارها في الفصول السَّابقة وفي هذا الفصل، وليس من آثارها أنَّ المتكلّم وإن كان من حقِّه أن يبيِّن كلامه بالطَّريقة التي تناسبه، ولكن لا تصل حدود هذه المصادرة إلى الخروج عن القواعد العقلائيَّة والأساليب العرفيَّة في مجال بيان التَّشريعات، فيحتاج لو أراد الخروج عن الأساليب العرفيَّة ـ التي ظاهر حاله متابعتها ـ أن يقيم علامة على ذلك لا تفي بها المصادرة المذكورة ولا النَّظر ولا المسالمة.
٤. (الحكم الرَّابع) في أنَّ الأدلّة يمكن أن تصنَّف بأحد الاعتبارات إلى أدلّة لفظيَّة أو لبِّية شرعيَّة كالإجماع والشهرة، أو لبِّية عقلائيَّة كالسِّيرة والارتكاز، أو أدلّة عقليَّة.
ولا محذور في أن يكون الخاصُّ أيَّاً من الأنحاء المذكورة، وكذلك العامُّ الَّذي يراد تخصيصه إلَّا في حال كونه حكماً عقليَّاً.
وسرُّه(٣٨): أنَّ التَّخصيص يرجع إلى أنَّ مقام الإثبات والمراد الاستعماليّ للدليل العامِّ أوسع من مقام ثبوته، وهذا يستدعي أن يكون مقام الإثبات مغايراً لمقام الثُّبوت، ومثل هكذا تغاير وتعدُّد لا معنى له في الأحكام العقليَّة، وإنَّما يندكُّ أحدهما في الآخر؛ لأنَّ حقيقة الأحكام العقليَّة حضورها بحدودها عند العقل(٣٩)، أمَّا من جهة محمول تلك الأحكام فلأنَّه حكم عقليّ، وأمَّا من جهة موضوعها فإنَّه بمثابة العلَّة التَّامَّة للحكم العقليِّ، فإذا نقصت بعض حدودها صارت علَّة ناقصة، فلا حكم عقليّ، والمفروض أنَّ هناك حكماً عقليَّاً. نعم، قد يكون عقليَّاً آخر فيما إذا كان عقليَّاً اقتضائيَّاً.
لا يقال: إنَّه يمكن تصوير مرحلتين في الأحكام العقليَّة كما في قاعدة (قبح العقاب بلا بيان)، فإنَّ بعض الظُّنون الخاصَّة قبل صدور دليل اعتبارها لا تعدُّ بياناً، فهنا تحصل مرحلة، ثُمَّ بعد صدور دليل الاعتبار تكون مرحلة أُخرى. وشاهد التَّعدُّد أنَّها أضيق من المرحلة الأولى.
فإنَّه يقال: هذا التَّفكيك كلُّه في دائرة العقل، وهو مسلَّط على المرحلتين، ويحصل منها إدراك واحد وهو الواقع، فهي أشبه بمقدِّمات القياس المنطقيّ التي يرتّبها الذِّهن، فلا يقال إنَّهما مرحلتان. وهذا هو مقصود بعض الأعاظم F من قوله: (إنَّ العقل حينما يدرك أنَّ العامّ جميعه ليس بمراد، ومقام الإثبات أوسع من مقام الثُّبوت فهو يدرك الواقع بصورته)(٤٠).
ولكن قد يُنقض على ما ذُكر بالأحكام العقلائيَّة؛ فإنَّ موطنها العقل بجنبته العقلائيَّة، فهو محيط بمراحلها فلا يكون مقام إثباتها مغايراً لمقام ثبوتها، ومع ذلك لا خلاف بين الأعلام في أنَّ الأحكام العقلائيَّة تُخصَّص من خلال ردع الشَّارع عن بعض حدودها، فما الفارق من الجهة المبحوثة لنا بين الموردين؟
ويبدو أنَّ الفارق بينهما هو ما ذكرناه آنفاً من أنَّ موضوعات الأحكام العقليَّة بمثابة العلَّة التَّامَّة للإدراك العقليِّ، وهذا بخلاف موضوعات الأحكام العقلائيَّة حيث إنَّها لا تكون علَّة تامَّة لها؛ لأنَّها تكون مبنيَّة على رعاية ملاكات مقدَّرة من قبل العقلاء حسب مؤونة نفسيَّة وخارجيَّة يقدرونها(٤١)، وعلى هذا يكون وجود مقامين إثباتيٍّ وثبوتيٍّ متفرِّعاً على هذه النُّكتة. وفي المقام مزيد تدقيق نوكله إلى محلِّه.
هذا كلُّه بالنِّسبة إلى الجمع العرفيّ، وهل يشمل هذا التَّصنيف أدلّة الحكومة؟
لا خلاف بين الأعلام في تحقُّق الحكومة التَّضييقيَّة فيما إذا كان الحاكم والمحكوم كلاهما دليلاً لفظيَّاً، وكذلك لا خلاف في عدم تحقُّقها في الأدلّة العقليَّة حاكماً ومحكوماً، وإنَّماالخلاف فيتحقُّقها فيالأدلّة اللّــبّـيَّـة،فالبعض ذهبإلى أنَّهلا حكومةفي اللّـبّـيَّات(٤٢)، وفي مقابل ذلك ذهب المحقِّق النَّائيني S(٤٣) إلى تأتّي الحكومة في اللّـبّـيَّات، وظاهره مطلق اللّـبّـيَّات شرعيَّة كانت أو عقلائيَّة، في حين أنَّ بعض الأعاظم F (٤٤) فصَّل بين اللّـبّـيَّات العقلائيَّة فبنى على تأتّي الحكومة فيها دون الأدلّة اللّــبّـيَّـة الشَّرعيَّة.
والكلام نوقعه في موضعين:
الموضع الأوَّل: في الأدلّة التي تذكر لبيان أنَّه لا يصحُّ أن يكون الدَّليل الحاكم ولا
الدَّليل المحكوم من قبيل الأدلّة العقليَّة.
ويستدلّ على عدم صحَّة كون الحاكم دليلاً عقليَّاً بما أفاده السَّيِّد الشَّهيد S(٤٥) من أنَّ الحكومة ليست إلَّا النَّظر الَّذي هو من شؤون الأدلّة اللفظيَّة وخصائصها، سواء أكان نظراً تفسيريَّاً أم تنزيليَّاً أم بمناسبات الحكم والموضوع؛ فإنَّ التَّفسير أُسلوب من أساليب التَّعبير والتَّنزيل لا واقع له إلَّا في عالم التَّعبير، ومناسبات الحكم والموضوع وإن كانت عقلائيَّة ارتكازيَّة ـ ومن ثَمَّ قد يقال بتأتّي الحكومة في الأدلّة اللّــبّـيَّـة العقلائيَّة ـ إلَّا أنَّها تُنشئ ظهوراً في الدَّليل اللفظيِّ، فيصبح ذاك الظهور حجَّة، وليست هي حجَّة مستقلّة.
وما أفادهS صحيحلولا مساواتهبين النَّظروالتَّنزيل منجهة، والأدلّةاللفظيَّة من جهة أُخرى كما سيأتي في الموضع الآخر، فإنَّ النَّظر والتَّنزيل ـ وهو إعطاء حدِّ شيء لشيء آخر، أو سلبحدِّه عنهوالَّذي يحصلبالكناية والاستعارةـ لامعنى لهمافي الأدلّة العقليَّة.
هذا بالنِّسبة لعدم تأتّي كون الحاكم دليلاً عقليَّاًَ.
وأمَّا عدم صحَّة كون المحكوم دليلاً عقليَّاً فأيضاً أفاد السَّيِّد الشَّهيد S(٤٦): بأنَّ الحكومة إنَّما تتصوَّر بلحاظ أحكام مشرِّع واحد، بأن يحكِّم دليل تشريع من تشريعاته على دليل تشريعه الآخر، ولا تتصوَّر بين أدلّة أحكام مشرِّع بالنسبة لأحكام العقل العمليِّ.
وما ذكره S هو ما اعتبره أحد الشَّرائط العامَّة للتَّعارض غير المستقرِّ(٤٧)، حيث اعتبره S في الجمع العرفيّ والحكومة والورود فيما إذا كان بلحاظ الجنبة الإنشائيَّة للدليل الوارد دون ما إذا كان بلحاظ جنبته الإخباريَّة(٤٨)، والدَّليل على اعتبار هذا الشَّرط في الحكومة هو أنَّ الجمع بها مبنيٌ على الإعداد الشَّخصيّ للدليل الحاكم كي يكون قرينة على تفسير المراد من الدليل المحكوم، ولا يَعلم المراد منه ـ بأن يضيِّقه أو يوسِّعه ـ إلَّا من صدر منه، وهذا يعني أنَّه لا بدَّ من وحدة مصدر الدَّليلين، أو كان بحكم الواحد، كما هو الحال مع المعصومين i.
وهذا الشَّرط على تقدير صحَّته ينبغي عليه أن يجيب عن تخصيص الأدلّة العقلائيَّة
ـ كالسِّيرة ـ، وتحديد تشريعات مشرِّع من قبل مشرِّع آخر، كما حصل بين المشرِّع الإسلاميِّ والمشرِّع الجاهليِّ، وبيان فرقها عن الأدلّة العقليَّة.
ويمكن أن يجاب: بأنَّ إمضاء الأدلّة العقلائيَّة وإضفاء الحجِّيَّة عليها يصيّرها كأنَّها من تشريعاته، ومثله يجري في تشريعات مشرِّع آخر، وهذا بخلافه في الأدلّة العقليَّة لمكان كونها قطعيَّة.
ولكن مع ذلك يمكن بذل عناية تكون بموجبها الأدلّة العقليَّة القطعيَّة كأنَّها صدرت من نفس المشرِّع الَّذي صدر منه الدَّليل الآخر.
وذلك: إمَّا بالبناء على بعض المباني في حقيقة أحكام العقل العمليِّ ــ وهو ما ذهب إليه بعض الأعاظم F ـ من أنَّها قوانين فطريَّة أودعها الله تعالى في باطن الإنسان يدركها من خلال قوَّة خاصَّة تسمَّى بـ(الضَّمير والوجدان)(٤٩)، وبالتالي فهي أمور جعليَّة مقنَّنة جُهِّز بها الإنسان في داخله، وبهذا يكون المشرِّع هو المكوِّن.
وإمَّا على أساس قبولها من قبل المتكلّم كما هو ظاهر حاله والاتكاء عليها في مقام بيان مقاصده، ولذا لا يعتبر المشرِّع في هذه الموارد مؤسِّساً، وإنَّما يُحمل كلامه على الإرشاد إليها، وهذا المقدار يكفي لصيرورة المشرِّع بحكم الواحد.
وإمَّا لأنَّ الأحكام الشَّرعيَّة إنَّما جاءت للكشف عن الأحكام العقليَّة التي لا يسـتطيع أنيصل إليهاالعقـل حتـىقيـل: (إنَّ الأحكـامالشَّـرعيَّة ألطافٌفـي الأحكـام العقليَّة).
ويمكن أن يُتأمّل فيما ذُكر: بأنّه لو صار الحكم العقليّ بالإرشاد ونحوه لنفس المشرّع لأمكن أن يتصرّف فيه، فيجعله في هذا المورد وينفيه عن ذاك المورد، وواضح أنّ هذا لا يتأتّى في الأحكام العقليّة؛ لأنّ الجعل والاعتبار لا يُعقل إلّا فيما يقبله، وهذا معناه: إمّا أنّه بالإرشاد ونحوه لا يصبح بمثابة أنّه من تشريعاته، أو أنّه يصبح من تشريعاته ولكن في مثله لا يتأتّى الجعل والاعتبار، فيكون استثناءً للمقالة المعروفة: (إنّ الجعل والاعتبار لا يتعلّق إلّا فيما يقبل الجعل والاعتبار).
ومن هنا يتّضح الفرق بين الأحكام العقليّة والأحكام العقلائيّة فإنّه في العقلائيّة يتأتّى الجعل والاعتبار لأنّها من الأصل اعتباريّة.
والصَّحيح في وجه عدم جواز أن يكون المحكوم دليلاً عقليَّاً هو عين ما ذكرناه في امتناع التَّخصيص في الأحكام العقليَّة؛ باعتبار وحدة المناط بين الحكومة والتَّخصيص بلحاظ مقام الثُّبوت.
الموضع الثَّاني: في إمكان أن يكون الحاكم والمحكوم من الأدلّة اللّــبّـيَّـة وعدم إمكان ذلك.
واستُدلّ لعدم إمكان كون الحاكم دليلاً لُّبِّياً (تارةً) بتحديد النَّظر بأنَّه مدلول لفظيّ، وأنَّ الدَّوالّ على النَّظر جميعها من قبيل الألفاظ، والحال أنَّ الأدلّة اللّــبّـيَّـة من مقولة المعنى لا اللفظ.
و(ثانيةً) من جهة أنَّ الشَّرح والتَّفسير والنَّظر لا يعقل في غير الألفاظ(٥٠).
و(ثالثةً) من جهة أنَّ المنظور في الأدلّة اللّــبّـيَّـة هو واقع الحكم، من دون أن يكون ذات لسان صالح للشَّرح والبيان بالإضافة إلى الأدلّة الأُخر(٥١).
ويُدفع ما ذكر في أوَّل هذا البيان بأنَّ ضابط الحكومة ليس إلَّا النَّظر، وهو لا يقتضي أن يكون مدلولاً لفظيَّاً(٥٢).
وأمَّا ما ذكر في أوسطه وذيله فيدفع:(٥٣) بأنَّ التَّنزيل ـ الَّذي هو أهمُّ الدَّوالّ على النَّظر ـ من مقولة المعنى لا اللفظ، وذلك لأنَّه أمر اعتباريّ وفعَّاليَّة ذهنيَّة تخيُّليَّة محتواها إعطاء الذِّهن حدَّ شيءٍ لشيءٍ آخر، أو سلب حدِّه عنه، ودور اللّفظ فيه أنَّه مبرز لتلك الفعَّاليَّة وذاك الاعتبار، هذا من جهة.
ومن جهة ثانية أنَّ جري العقلاء خارجاً بما هم عقلاء إنَّما يكون على أساس بناء وارتكازوفكرة ذهنيَّةتكون بمثابةالعلَّة لذاكالجري، بتعبير المحقِّقالعراقيّ S(٥٤): أنَّ نسبة الجري الخارجيّ إلى بنائهم إنَّما هي كنسبة الوفاء بنذورهم وعهودهم في كونه إطاعة لبنائهم، وفي مرتبة متأخّرة عن بنائهم، ويكون ذاك الجري مبرِزاً لذلك البناء الذهنيِّ، وكاشفاً عن وجوده.
ومن جهة ثالثة أنَّ هذا البناء والفكرة الذهنيَّة: إمَّا أنَّه أمرٌ اعتباريٌّ دائماً، كما يرى السَّيِّد العلَّامة الطَّباطبائيّ S. وإمَّا أنَّه قد يكون اعتباريَّاً، وقد يكون أمراً واقعيَّاً.
ومن جهة رابعة أنَّ الأمر الاعتباريَّ هذا: إمَّا هو تنزيل دائماً؛ لمساوقة الاعتبار للتَّنزيل. وإمَّا أنَّه أعمُّ من التَّنزيل.
إذن، لا مانع من أن يكون البناء الذهنيُّ المتقدِّم على الجري العمليِّ من قبيل التَّنزيل، فمثلاً: إذا كان دليل حجيَّة خبر الثَّقة بناء العقلاء مع عدم الرَّدع فيمكن أن يكون مضمون ذاك البناء هو أنَّ العقلاء يعتبرون العمل على خبر الثَّقة علماً، وينزِّلونه منزلته وإن كانوا يرون أنّ خبر الثَّقة ليس علماً؛ إذ العلم عبارة عن الانكشاف بنسبة المائة في المائة وعدم احتمال النَّقيض، وخبر الثَّقة ليس كذلك، إلَّا أنَّه مع ذلك يمكن أن يعتبروه علماً لمصالح يقدِّرونها، ويجرون على وفقه، وهذا الجري على وفقه مبرِزٌ لاعتبارهم، ولا يعتبر في الاعتباريَّات أن يكون مبرِزه لفظاً.
فتحصَّل: أنَّه لا مانع من أن يكون الحاكم ممَّا بنى عليه العقلاء، ولا يعمُّ تمام أنحاء الأدلّة اللّــبّـيَّـة، بل خصوص العقلائيَّة منها، فلا يتأتّى أن يكون الحاكم إجماعاً أو شهرة وإن صحَّ أن يكون مخصِّصاً.
وأمَّا عدم إمكان كون المحكوم دليلاً لُّبِّياًَ فيستدلّ له بما أفاده بعض الأعلام G(٥٥) من أنَّ الأدلّة اللّــبّـيَّـة قطعيَّة المضمون بنحو لا تقبل البيان والتَّفسير، وكذلك الحال في الأدلّة اللفظيَّة القطعيَّة الدلالة.
ويلاحظ عليه:
أوَّلاً: أنَّ الأدلّة اللّــبّـيَّـة على تقدير أنَّها قطعيَّة المضمون فهي في أصلها لا في حدودها، ولذا جاز تخصيص سيرة العقلاء بالرَّدع عن بعض حدودها.
وثانياً: أنَّ القطعيَّ المضمون والدِّلالة لا يتأتّى فيه التَّخصيص كما مضى، ولكن لا مانع من تخصيصه بلسان الحكومة المسالم لقوَّة الدِّلالة والمضمون، وذلك لأنَّه يكون بلسان نفي الموضوع، فيكون نفي الحكم قهريَّاً من باب انتفاء موضوعه.
الجهة الثانية: في الحكومة والورود.
والورود هو تصرُّف أحد الدَّليلين في موضوع الدليل الآخر تصرُّفاً حقيقيَّاً بتوسُّط التَّعبُّد، فيقال للمتصرِّف وارد، وللمتصرَّف فيه مورود.
ويفترق عن الحكومة في أنَّ التَّصرُّف في الأخيرة اعتباريٌّ وحكميٌّ، في حين أنَّه في الورود حقيقيٌّ وموضوعيٌّ.
والورود والحكومة قد يكونان على سبيل التَّضييق، وقد يكونان على سبيل التَّوسعة، ومن ثَمَّ يقع الكلام مختصراً في جانبين:
الجانب الأوَّل: الحكومة والورود على سبيل التَّضييق.
ولنستعرض بعض ما يفترقان به في نقاط:
١. الحكومة التَّضييقيَّة بحسب المراد الجديّ هي نفي للحكم عن موضوعه، وأمَّا المراد الجديّ في الورود التَّضييقيِّ فهو إخراج أحد أفراد الموضوع من تحته تكويناً. نعم، قهراً يستتبع نفي حكم الدَّليل المورود عن هذا الفرد الخارج من جهة انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه، ولكنّ هذا ليس مراداً جدّيّاً للورود.
٢. في الحكومة التَّضييقيَّة يوجد تنافٍ بين مدلولي الحاكم والمحكوم، في حين أنَّه لا تنافي بين الدَّليل الوارد والمورود بحسب مدلوليهما، ووجهه عين ما حكيناه عن المحقِّق النَّائيني S؛ لإثبات عدم التَّنافي بين الحاكم والمحكوم، وهو تامٌّ في الورود وإن لم يكن كذلك في الحكومة. نعم، يتحقَّق التَّنافي بين الحكمين في الورود، وهو بمعنى عدم إمكان الاجتماع في مرتبة متأخِّرة عن مدلول الدَّليل ـ وهي مرتبة فعليَّة المورود ـ من جهة، ومدلول أو فعليَّة أو وصول أو تنجُّز أو امتثال الدَّليل الوارد من جهة أُخرى، ففي هذه المرحلة يتقدَّم الوارد على المورود كما ذكرنا.
٣. الورود يتأتّى في الموضوع الاعتباريِّ، فإذا كان تكوينيَّاً لا بدَّ أن يكون أحد أفراده ـ والَّذي بلحاظه سيكون الورود ـ اعتباريَّاً؛ لأنَّه هو الَّذي يقبل النَّفي الحقيقيَّ من خلال الاعتبار والتَّعبُّد.
وأمَّا موضوع الحكومة فهل يشترط أن يكون أمراً تكوينيَّاً من جهة أنَّه لو كان أمراً اعتباريَّاً فإنّه بمجرَّد الاعتبار يرتفع حقيقة، ويكون على سبيل الورود، ويتحقَّق الغرض المرجو من الحكومة حيث يكون النفي للحكم بلسان نفي موضوعه، إذ سينتفي الحكم قهراً أو لا يُشترط ذلك؟
والصَّحيح أنَّه لا يشترط ذلك فيجوز أيٌّ منهما؛ لأنَّ الاعتبار أمرٌ اختياريٌّ للمعتبِر، فقد يريد نفي بعض أحكام ذاك الموضوع عن هذا الفرد لا جميعها، ومثل هذا لا يحصل بالنَّفي الحقيقيِّ؛ إذ يستلزم نفي تمام الأحكام.
يضاف إلى ذلك: أنَّه إذا بنينا على أنَّ قسماً من موضوعات الأحكام من قبيل الماهيَّات الاعتباريَّة فإنَّه يكون تطبيقها على مواردها إنَّما هو باعتبارٍ خاصٍّ يقال له: (متمِّم الجعل التَّطبيقيِّ)، وهذا يعني أنَّه ليس كلّ اعتبار يؤدِّي إلى الارتفاع أو الثُّبوت الحقيقيِّ.
٤. الورود يتأتّى في تمام الأدلّة ما عدا ما إذا كان الدليل الوارد قطعيّ فإنّه لا يكون عندئذ مجال للتعبّد، والحال أنّ الورود رفع حقيقيّ للموضوع بتوسّط التعبّد، فيمكن أن يكون الدَّليل الوارد أو المورود حكماً عقليَّاً، بخلاف الحال في الحكومة ـ كما سبق ـ. نعم، لا بدَّ أن يكون ذا فردين حقيقيٍّ واعتباريٍّ حتَّى يتأتّى نفيه بالاعتبار؛ وذلك لأنَّ الورود التَّضييقيَّ غير متقوِّم بعدم تطابق مقام الإثبات مع مقام الثُّبوت كما هو الحال في الحكومة، بل متقوِّم بإخراج بعض الأفراد موضوعيَّاً بمؤونة التَّعبُّد، هذا على بيان بعض الأعاظم F. وأمَّا على ما احتملناه فيمكن أن يقال: إنَّه لا يلزم في الورود التَّفكيك بين العلَّة ومعلولها، أي بين الموضوع وحكمه المذكور في الدَّليل المورود؛ لأنَّه على الفرض خروجٌ حقيقيٌّ من تحت ذاك الموضوع.
الجانب الثَّاني: الحكومة والورود على سبيل التَّوسعة.
وأيضاً نستعرض بعض ما يفترقان به في نقطتين:
١. الحكومة على سبيل التَّوسعة بحسب المراد الجدّيّ هي جعل لحكم جديد مسانخ للحكم الَّذي يتضمَّنه الدليل المحكوم بلسان جعل الموضوع فيما إذا كانت بملاك النَّظر إلى عقد الوضع كما سبق بيانه. وأمَّا المراد الجدّيّ للورود على سبيل التَّوسعة فهو توسعة الموضوع، وذلك بإضافة فرد جديد لموضوع الدَّليل المورود. نعم، قهراً يستتبعه ثبوت حكم الدليل المورود لذاك الفرد من جهة ثبوت الحكم بثبوت موضوعه.
٢. الورود على سبيل التَّوسعة حاله حال الورود على سبيل التَّضييق من جهة أنحاء الأدلّة التي تجري فيها، والكلام في أنَّ الحكومة على نحو التَّوسعة فيما إذا كان المحكوم دليلاً عقليَّاً(٥٦) هل تلحق بالورود ـ بمعنى إمكان تأتّي الحكومة ـ أو تُلحق بالحكومة التَّضييقيَّة من امتناعها؟
ذهب بعض الأعاظم F (٥٧) إلى أنَّه يمكن تحقُّق الحكومة على نحو التَّوسعة في بعض موارد كون الدَّليل المحكوم عقليَّاً.
وتوضيح ذلك: أنَّ الحكومة على نحو التَّوسعة متقوِّمة بركنين:
أحدهما: أن يكون موضوع الدَّليل المحكوم خصوص الماهيَّة التكوينيَّة؛ لأنَّه إذا كان أعمَّ من الماهيَّة التكوينيَّة والاعتباريَّة فبمجرَّد قوله: (الجاهل العادل عالم) يتحقَّق الموضوع، ولا تصل النَّوبة إلى جعل الحكم بلسان جعل الموضوع.
الآخر: أن يكون الحكم المأخوذ في الدليل المحكوم ممَّا تناله يد الجعل الشَّرعيِّ، وأمَّا إذا كان من الأمور التي لا تنالها يد الجعل الشَّرعيِّ فلا يمكن جعل ذلك الحكم بلسان جعل الموضوع والَّذي هو حقيقة الحكومة على نحو التَّوسعة.
فإذا تحقَّق ركنا الحكومة على سبيل التَّوسعة في الدَّليل العقليِّ فإنَّه تتعقّل الحكومة فيه، وإلَّا فلا، ففي بعض الأحكام العقليَّة قد لا يتحقَّق الرُّكن الثَّاني، كما في حال حكم العقل بأنَّ العلم منجِّز ومعذِّر، والبناء على أنَّ المنجِّزيَّة من الأمور الواقعيَّة التي يدركها العقل، وكان موضوعها العلم الوجدانيَّ فحسب، فإنَّه لا يمكن تأتّي الحكومة على سبيل التَّوسعة ولو اعتبر الشارع المقدَّس الأمارة علماً، فإنَّه لا يترتَّب عليه أثر؛ لأنَّ الأثر هو المنجِّزيَّة، وهي بحسب الفرض أمرٌ واقعيٌّ لا يقبل الجعل والاعتبار. ولكن في أحكام عقليَّة أُخرى قد يتحقَّق كلا الرُّكنين، كما في حكم العقل باختصاص عامَّة التَّكاليف الإلزاميَّة بالقادر، بمعنى أنَّ التَّكاليف الإلزاميَّة تُجعل بداعي جعل الدَّاعي بالنِّسبة إلى الفعل، أو بداعي جعل الزَّاجر عن الفعل، وهذا إنَّما يتصوَّر في حقِّ مَن هو قادر على إتيان العمل أو الكفِّ عنه، وأمَّا العاجز فجعل الحكم بالنِّسبة إليه غير صحيح، فالعقل يحكم بتضييق دائرة الأدلّة الدَّالّة على التَّكاليف الشَّرعيَّة، فلا تشمل العاجز. وهنا للشارع أن يقول: (مَن كان العمل بالنِّسبة إليه حرجيَّاً أعتبره عاجزاً)، أو (أنَّ المضطرَّ إلى فعل عمل أو ترك عمل أعتبره عاجزاً) وهكذا، ممَّا يعني أنَّ للشَّارع المقدَّس التَّوسعة في عنوان العاجز، واعتبار المضطر والمكره وأمثالهما عاجزاً، مع أنَّ المدرَك حكمٌ عقليٌّ، والسِّرُّ في ذلك أنَّ المحمول ممَّا تناله يد الجعل، وهو عنوان العاجز.
مهم نتائج البحث
النَّتيجة الأولى: اتَّضح من البحث أنَّ في حقيقة الحكومة ثلاثة وجوه، بل أقوال:
القول الأوَّل: المعروف من أنَّها نظر أحد الدَّليلين إلى الدَّليل الآخر أو حكمه، ومن هنا قسِّمت الحكومة إلى ما يكون الحاكم ناظراً إلى عقد الوضع في الدَّليل المحكوم، وإلى ما يكون ناظراً إلى عقد الحمل والحكم في الدَّليل المحكوم.
القول الثَّاني: أنَّ حقيقة الحكومة هي أنَّها نظر مسالم من أحد الدَّليلين إلى الآخر، فتكون أخصَّ من القول الأوَّل؛ إذ لا تشمل الحكومة بملاك النَّظر إلى عقد الحمل، لأنَّه لا يكون تسالم في البين، وإنّما تنافٍ وتعارض.
القول الثَّالث: أنَّ الحكومة منها ما يكون بملاك النَّظر إلى عقد وضع الدَّليل المحكوم، أو عقد حمله كما في القول الأوَّل، ومنها ما يكون بملاك رفع موضوع الدَّليل المحكوم تعبّداً وإن لم يكن نظر.
والصَّحيح هو القول الأوَّل.
النَّتيجة الثَّانية: تبيَّن أنَّ تحديد النَّظر بأنَّه مدلول لفظيٌّ تضمّنيٌّ أوالتزاميٌّ يجعله مختصَّاً بالأدلّة اللَّفظيَّة دون اللّــبّـيَّـة العقلائيَّة، وبحال الاتِّصال دون الانفصال، وبما إذا كان المدلول بيِّناً بالمعنى الأخصِّ، أو على الأكثر بيِّناً بالمعنى الأعمِّ.
والصَّحيح تعقُّل الحكومة في الأدلّة اللّــبّـيَّـة العقلائيَّة كسيرة العقلاء، وتأتّي النَّظر، بل وقوعه بين الأدلّة المنفصلة. وقد يكون النَّظر ممَّا يحتاج إلى تأمُّل ونظر.
النَّتيجة الثَّالثة: انكشف من خلال البحث أنَّ المنظور إليه في الدَّليل المحكوم يمكن أن يكون نفس دلالة الدَّليل، بمعنى مدلول الدَّليل من حيث هو مدلول له. ويمكن أن يكون مدلول الدَّليل ولكن لا من حيث إنَّه مدلول له، بل من حيث هو مع قطع النَّظر عن كونه مدلولاً للدليل كما في التَّخصيص والتَّقييد.
النَّتيجة الرَّابعة: تجلَّى من البحث أنَّ في الحكومة تنافٍ بمعناه الواسع دون التَّنافي المصطلح عليه بالتَّعارض والتَّنافي المستقرَّ، وأنَّ ملاك القرينيَّة والتَّقديم فيها هو خصيصة النَّظر دون الأقوائيَّة.
النَّتيجة الخامسة: اتَّضح أنَّ الحكومة متقدِّمة رتبة على الجمع العرفيّ والتَّعارض المستقرِّ، ومتأخِّرة عن الورود.
النَّتيجة السَّادسة: عند مقارنة الحكومة مع الجمع العرفيّ من حيث أحكامها اتَّضح أنَّه:
١. إنَّ دائرة تأثير الحاكم المتَّصل ـ كالمخصِّص المتَّصل ـ هي ظهور الدَّليل المحكوم، ودائرة تأثير الحاكم المنفصل ـ كالمخصِّص المنفصل ـ هي حجّيَّة ذاك الظُّهور، لا أنَّ الحاكم المنفصل يؤثِّر في دائرة الظُّهور كالمتَّصل.
٢. ويترتَّب على ذلك الاختلاف في حال إجمال الحاكم فيما لو كان الإجمال دائراً بين الأقلِّ والأكثر، فإنَّه في التَّخصيص والتَّقييد يُتمسَّك بالعامِّ والمطلق في الزَّائد، وأمَّا على التَّعامل مع الحاكم المنفصل كالمتَّصل فإنَّه لا يُتمسَّك بالحكومة في الزَّائد.
٣. في الجمع العرفيّ لمّا كان ميزان القرينيَّة هي الأقوائيَّة في الظُّهور فإنَّه يستدعي ملاحظة النِّسبة بين الدَّليلين، وأمَّا في الحكومة فإنَّ المعروف أنَّه لا حاجة إلى ملاحظة النِّسبة. نعم، ذهب بعض الأعاظم F إلى أنَّه أحياناً لا بدَّ من ملاحظة النِّسبة في الحكومة.
٤. اتَّضح من البحث أنَّه لا يصحُّ التَّخصيص فيما إذا كان ما يراد تخصيصه حكماً عقليَّاً، ولا مانع من التَّخصيص فيما لو كان خصوص الخاصِّ حكماً عقليَّاً، أو كان العامُّ والخاصُّ من قبيل الأدلّة اللّــبّـيَّـة عقلائيَّةً كانت أو شرعيَّة تأسيسيَّة.
وأمَّا في الحكومة فإنَّه لا تصحُّ فيما إذا كان الدَّليل الحاكم حكماً عقليَّاً فضلاً عن المحكوم، وأمَّا إذا كان الحاكم دليلاً لُّبِّياً فإنَّ المتعارف على الألسنة أنَّه لا حكومة في اللّـبّـيَّات؛ على أساس أنَّ التَّنزيل من مقولة اللَّفظ. والصَّحيح أنَّ التَّنزيل من مقولة التَّخيُّل والمعنى، وما اللَّفظ إلَّا مبرِز له، فتتأتّى الحكومة في اللّـبّـيَّات العقلائيّة دون الشَّرعيَّة التَّأسيسيَّة.
النَّتيجة السَّابعة: تفترق الحكومة عن الورود إذا كانا على سبيل التَّضييق في:
١. إنَّه في الحكومة يوجد تنافٍ بين الحاكم والمحكوم في مقام مدلوليهما الَّذي هو الجعل، ولا تنافي في الورود في هذا المقام.
٢. الورود يتأتَّى في الموضوع الاعتباريّ دون التَّكوينيّ، وإذا كان تكوينيَّاً لا بدَّ أن يكون أحد أفراده اعتباريَّاً حتّى يتأتَّى الرَّفع التَّعبُّدي. وأمَّا في الحكومة فلعلَّ السَّائد أنَّه لا بدَّ أن يكون تكوينيَّاً، وأمَّا إذا كان اعتباريَّاً فلا تتأتّى فيه الحكومة؛ لأنَّه لمجرَّد الاعتبار يرتفع الموضوع حقيقة، فيكون وروداً، واحتملنا تأتَّي الحكومة إذا كانت هناك أغراض لا يفي بها الرَّفع الوروديّ.
٣. الورود لا يأتي فيما لو كان الدليل الوارد قطعيّ؛ لأنَّها رفع حقيقيّ في طول التَّعبُّد، فإذا لم يكن تعبُّد فلا ورود، وأمَّا في الحكومة فتتأتَّى حتَّى في الأدلّة القطعيَّة؛ لأنَّها رفع تعبُّديّ.
والحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على سيَّدنا محمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين.
المصادر
القران الكريم.
(١) يلاحظ: بحوث في علم الأُصول: ٦/ ٣٤٣.
(٢) يلاحظ: مباحث الأُصول: ق٢ج٥/ ٥٨١.
(٣) يلاحظ: فرائد الأُصول: ٤/ ٦٧ـ ٦٨،٧٢، تعارض الأدلّة واختلاف الحديث:٢/ ٣٢٩، كتاب التعارض للسيّد الطَّباطبائيّ اليزديّ S: ١٤٤، الأُصول في علم الأُصول: ٤٤٧.
(٤) يلاحظ: بصائر الدرجات: ٣٤٩، ح٦، معاني الأخبار: ١، ح١.
(٥) معاني الأخبار: ٢، ح٣.
(٦) جامع أحاديث الشِّيعة: ١/ ١٨٦ـ ١٨٧، باب حجيَّة ظواهر الكتاب بعد البحث عن المخصِّص والمقيِّد، ح١٢.
(٧) بحوث في علم الأُصول: ٧/ ١٦٩.
(٨) فرائد الأُصول: ٤/ ٧٢.
(٩) الكافي: ١/ ٦٥، باب اختلاف الحديث، ح٣.
(١٠) البيان في تفسير القران: ٢٧٥، ٢٨٦.
(١١) الموافقات: ٣/ ٣٤٤.
(١٢) يلاحظ: فوائد الأُصول: ٤/ ٥٩٣.
(١٣) يلاحظ: قاعدة لا ضرر ولا ضرار: ٢٣٩، تعارض الأدلّة واختلاف الحديث: ١/ ٣٣.
(١٤) يُلاحظ: أُصول الفقه: ١٢/ ٢١ وما بعدها.
(١٥) يُلاحظ: منية الطَّالب في شرح المكاسب: ٣/ ٤٠٨.
(١٦) يُلاحظ: فوائد الأُصول: ٤/ ٥٩٥.
(١٧) يُلاحظ: قاعدة لا ضرر ولا ضرار: ٢٣٣، تعارض الأدلّة واختلاف الحديث: ١/ ٢٨.
(١٨) يُلاحظ: بحوث في علم الأُصول: ٦/ ٣٤٢.
(١٩) يُلاحظ: فوائد الأُصول: ١ـ٢/٢٥٠، أجود التقريرات: ١/ ٢٨٨.
(٢٠) يُلاحظ: أُصول الفقه:٢/ ٣٨٨.
(٢١) الرسائل للسَّيّد الخميني: ١/ ٢٤١.
(٢٢) يُلاحظ: فوائد الأُصول: ٤/ ٥٩٥، قاعدة لا ضرر ولا ضرار: ٢٣٥، بحوث في شرح مناسك الحج: ٦/ ٣٩٧.
(٢٣) هذا بناءً على أنَّ التَّنزيل حالة أدبيَّة دائماً، وأمَّا إذا كان حالة قانونيَّة ـ كما يظهر من كلمات المحقِّق النَّائيني S ـ فقد يختلف،ولذا جعل ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه في الحكومة النَّاظرة إلى عقد الوضع.
(٢٤) يُلاحظ: قاعدة لا ضرر ولا ضرار: ٢٣٦.
(٢٥) يُلاحظ: مباني الأُصول: ٢/ ٥٠٤ وما بعدها.
(٢٦) يُلاحظ: بحوث في علم الأُصول: ٧/ ١٦٨.
(٢٧) يُلاحظ: تقريرات المجدِّد الميرزا الشيرازي S: ٤/ ١٧٨.
(٢٨) يختلف هذا الوجه في إثبات عدم التَّنافي بين الحاكم والمحكوم عن الوجه الَّذي حكيناه عن الشَّيخ الأنصاري S في أنَّه لا يكتفي بعنوان المفسِّريّة والنَّظر، وإنَّما يعتمد على أنَّ المفسِّريَّة المذكورة تفضي إلى صيرورة الحاكم دائماً بمثابة القرينة المتَّصلة.
(٢٩) يُلاحظ: نهاية الأفكار: ٤ق ٢/ ١٣٦.
(٣٠) يُلاحظ: بحوث في علم الأُصول: ٧/ ١٧١.
(٣١) يُلاحظ: قاعدة لا ضرر ولا ضرار: ٢٥٤.
(٣٢) يُلاحظ: نهاية الأفكار: ٤ ق٢/ ١٣٦.
(٣٣) يُلاحظ: قاعدة لا ضرر ولا ضرار: ٢٥٦.
(٣٤)سورة يونس: ٣٦.
(٣٥) يُلاحظ: تهذيب الأحكام: ١/ ٤٢١ ـ ٤٢٢، باب تطهير البدن والثّياب من النجاسات، ح٨.
(٣٦) يُلاحظ: قاعدة لا ضرر ولا ضرار: ٢٦١.
(٣٧) يُلاحظ: فوائد الأُصول: ٤/ ٧١٤ ـ ٧١٥، بحوث في علم الأُصول: ٧/ ١٧٢.
(٣٨) قاعدة لا ضرر ولا ضرار: ٢٥٤.
(٣٩) يُلاحظ: تعارض الأدلّة واختلاف الحديث:١/ ٤٤.
(٤٠) الاستصحاب: ٧١٧.
(٤١) يُلاحظ: العلم الإجمالي حقيقته ومنجزيَّته عقلاً: ٣٣٣ وما بعدها.
(٤٢) يُلاحظ: بحوثفي علم الأُصول: ٧/ ١٧٢، دررالفوائد: ٦٣٩، المحكم في أُصولالفقه: ٦/ ٧١.
(٤٣) يُلاحظ: فوائد الأُصول: ٤/٥٩٤. كما هو كلُّ مَن يبني على حكومة الأمارات على الأُصول العمليَّة التَّشريعيَّة، وكذلك حكومة بعض الأمارات على بعض كحكومة الأظهر على الظَّاهر فيما إذا كان دليل اعتبارها بناء العقلاء، والأدلّة اللفظيَّة إن كانت فهي مرشدة إليها.
(٤٤) قاعدة لا ضرر ولا ضرار: ٢٥٧، الاستصحاب: ٧١٨.
(٤٥) يُلاحظ: بحوث في علم الأُصول: ٧/ ١٧٢.
(٤٦) يُلاحظ: بحوث في علم الأُصول: ٤/ ٧٤.
(٤٧) يُلاحظ: بحوث في علم الأُصول: ٧/ ٢٠٧.
(٤٨) وهذا يعني أنَّ كلَّ تصرُّف في الأدلّة العقليَّة إنَّما يكون على سبيل الورود بلحاظ الجنبة الأخباريَّة، بأن يكون الوارد متكفّلاً للإخبار عن عدم انطباق موضوع الدليل المورود على فرد، حيث إنَّ في هذه الحالة لا يعتبر وحدة المصدر للدليلين الوارد والمورود.
(٤٩) يُلاحظ: العلم الإجمالي حقيقته ومنجزَّيته عقلاً: ٢٧٩.
(٥٠) يُلاحظ: بحوث في علم الأُصول: ٧/ ١٧٢.
(٥١) يُلاحظ: المحكم في أُصول الفقه: ٦/ ٧١، ١١٢.
(٥٢) يُلاحظ: تقريرات المجدِّد الشِّيرازي S: ٤/ ١٧٧، نهاية الأفكار: ٤ق ٢/ ١٤٤.
(٥٣) يُلاحظ في شرح هذه الجهات: الاستصحاب: ٧١٨، نهاية الأفكار: ٤ق٢/ ١٤٥، أُصول الفلسفة: ١/ ٥٧٣، ٦١٨، وأهمُّها محاضرات سيّدنا الأستاذ A حول المبادئ الأحكاميَّة والتي تعرَّض لها في بحثه الشَّريف في علم الأُصول.
(٥٤) يُلاحظ: نهاية الأفكار: ٥/ ١٤٥.
(٥٥) يُلاحظ: المحكم في أُصول الفقه: ٦/ ٧١، ١١٢.
(٥٦) وأمَّا إذا كان الحاكم دليلاً عقليَّاً فحكمها حكم الحكومة على سبيل التَّضييق من امتناعها.
(٥٧) يُلاحظ: الاستصحاب: ٧٢٧.